عن المقال

المؤلف :

محمد بن علي بن جميل المطري

التاريخ :

Sat, Apr 11 2015

التصنيف :

حول القرآن والحديث

تحميل

التنبيه على عدم الفرق بين الكواكب والنجوم في لغة القرآن

التنبيه على عدم الفرق بين الكواكب والنجوم
في لغة القرآن



ذكر الله سبحانه الكواكب في ثلاثة مواضع في كتابه الكريم، فقال: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾[الصافات: 6]، ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار: 2]، ﴿ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ [النور: 35]، وذكر النجوم في أحد عشر موضعًا، فقال عز وجل: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق: 2، 3]، ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: 1]، ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن: 6]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الأنعام: 97]، ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴾ [الصافات: 88]، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ [الطور: 49]، ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ [الواقعة: 75]، ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴾ [المرسلات: 8]، ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾ [التكوير: 2]، ﴿ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ [الأعراف: 54]، ﴿ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾ [النحل: 12] في موضعين في سورتي الأعراف والنحل، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ ﴾ [الحج: 18]، وأخبر الله في آيتين من كتابه أنه زيَّن السماء الدنيا بمصابيح، فقال: ﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [فصلت: 12]، ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: 5]، قال المفسِّرون: المصابيح هي النجوم[1]، وعبَّر بعضهم بأنها الكواكب[2]؛ إذ لا فرق عند المفسرين بين النجوم والكواكب[3]، فالنجوم هي نفس الكواكب، وقد نص على ذلك أئمة اللغة، قال الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس (4/ 157): "في الصحاح والمحكم: الكوكب: (النجم)، اللام فيه للجنس، وكذا لام الكوكب؛ أي: كل منهما يطلق على الآخر"؛ انتهى بلفظه.
 
وقال الفيروزابادي في القاموس المحيط ص 542: "والخُنَّس: الكواكب كلها، أو السيارة، أو النجوم الخمسة: زحل، والمُشترِي، والمريخ، والزهرة، وعطارد"، ففي القاموس التصريح بأن هذه الخمسة نجوم، خلافًا لاصطلاح أكثر المعاصرين الذين لا يجيزون تسميتها نجومًا، بل كواكب.
 
وذكر ابن سيده في المخصص (2/ 382) أن المشتري نجم من نجوم السماء، وقال ابن سيده - أيضًا - في كتابه المحكم والمحيط الأعظم (10/ 205): "والثُّريَّا من الكواكب سميت بذلك لغزارة نوئها، وقيل: سميت بذلك لكثرة كواكبها".
 
فهذه بعض النقول عن أئمة اللغة تثبت عدم الفرق بين الكوكب والنجم، وقد فرق بينهما بعض أهل اللغة بفرق يسير، فقال العلامة العسكري في كتابه الفروق اللغوية ص 301: "الفرق بين النجم والكوكب أن الكوكب اسم للكبير من النجوم، وكوكب كل شيء معظمه، والنجم عام في صغيرها وكبيرها، ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت، ومنه يقال فيه: كوكب من ذهب أو فضة؛ لأنه ثابت لا يزول، والنجم الذي يطلع منها ويغرب، ولهذا قيل للمنجم: منجم؛ لأنه ينظر فيما يطلع منها، ولا يقال له: مكوكب"؛ انتهى.
 
وقد فرَّق بين النجوم والكواكب الفلكيون الغربيون، فقالوا: النجم: جسم غازي مضيء فيه حرارة، والكوكب: جسم معتم ليس فيه ضوء ولا حرارة بذاته؛ وإنما يستمد الضوء والحرارة من غيره، وبناء على ذلك جعلوا الأرض كوكبًا، فيقولون: كوكب الأرض، ويُسمُّون الشمس نجمًا، والقمر كوكبًا، وقد انتشر هذا الفرق بين المعاصرين، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا لم نفسر كلام الله بناء على هذا التفريق الحادث، الذي لا يُعرف في اللغة العربية، مع أن تسميتهم الأرض كوكبًا فيه نظر؛ فإن الله أخبر أنه خلق الأرض قبل السماء، ثم خلق السماء، وزينها بزينة الكواكب، فكيف تُسمَّى الأرض كوكبًا؟! قال الله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، وقد نص العلامة بكر أبو زيد على خطأ تسمية الأرض كوكبًا، كما في كتابه "معجم المناهي اللفظية"، فقال رحمه الله ص118: "تسمية الأرض كوكبًا، هذا إطلاق أجنبي عن نصوص الوحيين الشريفين، فالكواكب في السماء، والأرض في السفل، ولم يطلق على الكواكب اسم: الأرض، ومِن لازم هذا الإطلاق أن تكون الأرض زينة للسماء الدنيا، وجعلها رجومًا للشياطين، وهذا باطل"؛ انتهى.
 
وأيضًا تسمية الفلكيين الشمس نجمًا، والقمر كوكبًا، فيه نظر؛ فإن الشمس والقمر في كتاب الله غير النجوم والكواكب، كما قال الله سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ ﴾ [الحج: 18].
 
فيجب على من يفسر كتاب الله أن يتنبه لعدم الفرق في اللغة العربية بين الكواكب والنجوم، ولا يجوز لأحد أن يفسر كلام الله على حسب اصطلاح حادث، لم يكن معروفًا عند العرب وقت تنزيل القرآن العظيم.
 
وأحب أن أنبه - أخيرًا - إلى أن كثيرًا من نظريات الفلكيين الغربيين مجانِبة للصواب، فمثلاً يظنون أن السماء فضاء وهواء، مع أن الله أخبر في كتابه في آيات كثيرة أن السماء بناء محكم، ينفطر يوم القيامة وينشق، وأن النجوم والكواكب زينة للسماء الدنيا، وهي الأولى، والظاهر أن النجوم في الفضاء بين السماء والأرض، وأخبر الله أنه خلق سبع سموات طباقًا، وأن الكرسي يسع السموات السبع والأرض، وهذا كله مما يجهله الكفار!
 
وقد ذكر علماء المسلمين القدامى أن الأرض كروية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ كما في مجموع فتاواه (3/227): "من أجَلِّ الأمور عند كثير من الناس استدارة الأفلاك، فإني قررت ذلك، وذكرت كلام مَن ذكر إجماع المسلمين على ذلك؛ مثل: ابن المنادى، وابن حزم، وابن الجوزي" اهـ مختصرًا.
 
وقد ذكر علماء الإسلام - كشيخ الإسلام رحمه الله في رسالته العرشية، وغيره - أن السماء الدنيا تحيط بالأرض من جميع الجهات، وأن السماء الثانية تحيط بالسماء الأولى من جميع الجهات، وأن السماء الثالثة تحيط بالثانية، وهكذا، كل سماء أكبر من التي تليها، وتحيط بها، فالسماء السابعة أكبر من السادسة، والسادسة أكبر من الخامسة، وهكذا، وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أن بين كل سماء وسماء مسافة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، كما قال سبحانه في سورة هود: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]؛ أي: كان على الماء ولم يزل، كقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96]؛ أي: كان ولم يزل غفورًا رحيمًا، والله فوق العرش، قد استوى عليه استواء يليق بجلاله، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذا كله مما لا يعرفه الكفار، فالحمد لله على ما أنزل علينا من الكتاب والحكمة، والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.

________________________________________
[1] انظر - مثلاً -: تفسير ابن عطية (2/ 326)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (24/ 251)، وتفسير السعدي ص 746.
[2] انظر - مثلاً -: تفسير الطبري (21/ 441)، والكشاف للزمخشري (4/ 577)، وتفسير البيضاوي (5/ 68).
[3] انظر - مثلاً -: التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (2/ 395)، حيث يظهر جليًّا من كلامه عدم التفريق بين النجوم والكواكب.