عن المقال

المؤلف :

محمد جمال الدين الفندي

التاريخ :

Sun, Jul 26 2015

التصنيف :

الإعجاز العلمي

تحميل

تفصيل بعض ظواهر الكون

تفصيل بعض ظواهر الكون

على عكس ما يدَّعيه البعض من أنَّ القرآن الكريم غير معجز علميًّا، نجد أنَّ هذا العمق إنَّما يتَّصل مباشرةً بإثارة تفاصيل بعض ظواهر الكون، وحقائق العلوم التي لا يعرفها غير المتخصصين في هذا العصر، ومن أقرب الأمثلة على ذلك (آية الركام) في سورة النور - الآية رقم 43 - ونصها:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}.

وهناك أنواع عديدة من السحب، تختلف من حيث تركِيبُها الرَّأسي، ومن حيث ارتفاع قواعدها فوق سطح الأرض، ولكل منها اسم معين، ومنَ السحاب ما يجود بالمطر وبغير المطر مثل الثلج، والبرد، كما أن منه ما يسبب عواصف الرَّعد، أو يصاحب الأعاصير.

و"الركام" أهم أنواع السُّحُب؛ إذ يعطي "رخات" المطر الشهيرة، وهو وحده الذي يجود بالبرد، ويحدث فيه البرق والرعد، أو قد تنزل منه الصَّواعق، مما جعل له أهمية علميَّة خاصَّة حملت العلماء على دراسته، ورصده وتصويره في كافَّة مراحل نشاطه.

وفي عالَم الطبيعة تنقسم السُّحُب من حيث تركيبُها الرَّأسي ووسيلة نموها إلى قسمينِ أساسيينِ، هما:

السحب الركاميَّة، وتتميَّز بكونها تنمو رأسيًّا، وتتراكم أجزاؤها في طبقات بعضها فوق بعض، حتى تصبح كالجبال العالية.

والسَّحاب الطَّبقي أو البساطي، الذي ينمو وينتشر في طبقة معينة، حتى يصير أشبه شيء بالبساط.

والقرآن الكريم هو أول كتاب على الإطلاق بيَّن للناس هذينِ النَّوعينِ بآيات معجزة أخَّاذة في مثل قوله تعالى:

1 - {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: 48].

2 - {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور: 43].

والوَدَق ما تجود به السُّحب الممطرة من ماء مختلف الصفات.

وهناك قانونٌ طبيعي - أو سنة منْ سُنن الخالق جلَّ شأنه - يقرِّرها القرآن الكريم، ويكشف لنا عنها في الآية الأولى، مجملها أنَّ الرياح - وهي الهواء المُتحرِّك، ومنها الهواء الصَّاعد إلى أعلى - هي التي تثير السَّحاب أو تكونه، وذلك عندما تبرد في طبقات الجو العليا، ولا تقوى على حمل أبخرة المياه العالقة فيها، فتتكاثف هذه الأبخرة، أو هي تتحوَّل إلى نقط من الماء، أو بلورات منَ الثلج حسب درجات حرارة الطَّبقات العليا التي تثار فيها السحب، وهذه حقيقة علميَّة ثابتة لا مبدل لها إلى يوم الدِّين.

ومنَ الحقائق العلميَّة الثَّابتة في هذا المجال، والتي يُقرِّرها القرآن الكريم كذلك لأول مرَّة في تاريخ الأرض، يضع بذلك حدًّا لكثير منَ الأباطيل والخُرافات في موضوع المياه العَذْبة ومصادرها - ما يذكره من أنَّ المطر هو مصدر المياه العذبة كلها على الأرض، سواء في ذلك ما جرى منه في الأنهار، أوِ انبثق من العيون أو الينابيع كماء زمزم، أو ما رفعناه منَ الآبار؛ إذ نقرأ في سورة الواقعة (68 - 69) قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}؛ والمُزْن هو السَّحاب الممطر.

وهناك المُزْن الطَّبقي أو البساطي، كما أنَّ هناك المُزْن الركامي، وهذا هو عين التَّقسيم العلمي في هذا العصر!

وعندما نفسر آية الركام علميًّا، نجد أنَّها تتضمَّن أربع حقائق أو قضايا علميَّة هامَّة، هي في مجموعها مثلٌ من أمثلة أعماق الإعجاز العلمي في كتاب الله العزيز، التي تدخل في صميم العلم الطبيعي على النَّحو الآتي:

الحقيقة العلميَّة الأولى تتضمَّن بيان خطوات تكوين المُزْن الركامي - الذي هو أهم أنواع السحب، كمصدر للمياه العذبة، أو مصاحب للأعاصير المطيرة - وذلك حسب ما تمَّ الحصول عليه بالصور الفوتوغرافيَّة، أو بالرَّدار، منذ الابتداء حتى يصير كالجبال الشَّامخة التي قد ترتفع قممها إلى علو عشرين كيلو مترًا أو أكثر عبر السماء.

تبدأ هذه السحب عادةً على هيئة سحب صغيرة "أو خلايا" من الركام، لا تلبث أن تتَّحِد كلُّ ثلاث خلايا منها أو أكثر مع بضعها البعض؛ لكي تنمو سريعًا مكونةً المُزْن الرُّكامي النامي، ويصف القرآن الكريم هذه المرحلة، التي تعرفنا عليها بالرَّصد، والتَّصوير، والمُشاهدة الدَّقيقة، فيقول:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} [النور: 43].

وتستمر الآية الكريمة، فتصف هذه السحب الممطرة بأنَّها كالجبال؛ أي إنها تنمو رأسيًّا، وهو مضمون الحقيقة العلميَّة الثَّانية، حيث تقول: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ} [النور: 43].

أمَّا الحقيقة العلميَّة الثالثة فهي أنَّ المُزْن الركامي، وحده دون سائر أنواع السحب الأخرى، هو الذي يجود بالبرد، وتقول الآية الكريمة: {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}.

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:

والذي يتيح فرصة تكوين البرد في هذه السحب المطيرة، هو نموها الرَّأسي نموًّا عظيمًا، بحيث تتكون داخلها طبقات متميزة من حيث درجات الحرارة، ومن ثمَّ من حيث مكوناتها الناجمة عن تكاثُف بخار الماء فيها.

والبرد غير الثلج الذي يتساقط في المناطق الباردة، ويكون البرد عادةً كبير الحجم نسبيًّا، وقد تنمو حبَّاته المتساقطة في بعض العواصف، حتى تصبح في مثل حجم البرتقال الصغير، وعندئذٍ يسبب تلفًا كبيرًا، وضررًا واسع النطاق، خصوصًا للنباتات وثمارها، وكذلك للمنشآت والأنعام.

ومنذ نحو ثلاثين عامًا تساقط على القاهرة في إحدى عواصف الرعد في الخريف - بردٌ كبير، نَجَم عنه تلف واسع النطاق.

ولا يتساقط البرد في المناطق القُطبيَّة، ولكن الذي يتساقط هو الثَّلج الذي يتكوَّن من بلورات دقيقة، لها أشكال هندسيَّة رائعة، يلتصق بعضها ببعض فتتكوَّن صفائح الثلج، التي تصاحب تولد عواصف الثلج في تلك المناطق على النَّحو الذي نشاهده في الطَّبيعة.

وقد يذوب البرد وهو في طريقه من قاعدة السحابة إلى سطح الأرض، وبذلك يتحوَّل إلى نقط نامية من المطر، طول قطر النقطة نحو ربع سنتيمتر في المتوسط، تهطل على هيئة (رخات) شديدة، أو هو قد يصل سطح الأرض على هيئة حبَّات من الجليد مختلفة الحجم، فيصيب به الخالق القدير من يشاء من الناس، ويصرفه عن من يشاء.

والبرق لا يحدث إلاَّ في المُزْن الركامي، وهو عبارة عن تفريغات كهربائيَّة بين أجزاء السَّحابة الواحدة، بعضها يحمل شحنات موجبة ويحمل البعض الآخر شحنات سالبة، وقد يحدث البرق أيضًا بين سحابتين متجاورتين من سحب المُزن الركامي، وهذا يعني أنَّ البرق عبارة عن شرارات كهربائيَّة هائلة، ينجم عنها تسخين عظيم ومفاجئ لطبقات الهواء التي تنبعث فيها الشَّرارات، فيتمدَّد هواء تلك الطبقات فجأة، ثم ينكمش محدثًا دَوِيّ الرَّعد، أمَّا جلجلة الرَّعد أو هديره الذي يلي ذلك، فإنَّه ينتج عن انكسار الدَّوِي الأوَّل من قواعد السحب أو المرتفعات عامة (الصدى)، أمَّا إذا حدث التَّفريغ الكهربائي بين أسفل السَّحابة الركاميَّة المشحونة بالكهرباء، وسطح الأرض، خصوصًا ما عليه من مرتفعات - مثل المنازل والشجر والأبراج - حدثت الصَّواعق منقضة على المرتفعات؛ لكونها أقرب الأشياء إلى السَّحابة.

ومنذ فجر عصر العلم حاول العلماء معرفة الوسيلة التي بها يتم شحن المُزن الركامي بالكهربائيَّة، وعمدوا إلى إجراء العديد من التجارب المعمليَّة، إلى جانب رصد وقياس تلك الشحنات داخل السحب بوسائل عديدة، وظهرت عدَّة نظريَّات إلى أن ثبت إبَّان الحرب العالمية الثانية - نتيجة لتقدم علوم وفنون الطيران - وتبين أنَّ البرد هو الذي يؤدي الدور الرئيس في شحن المزن الركامي بالكهربائيَّة، وذلك خلال مراحل نموه، ثم مراحل تحول أجزاء منه إلى ماء سائل (تميعه)، أو حتى تبخره في أطراف السَّحابة تحت عامل اختلاف درجات الحرارة.

وقد تنشط تلك العمليات كلها في المُزن الركامي النَّامي، الذي قد تصل قممه إلى علو نحو عشرين كيلو مترًا فوق سطح الأرض، بينما تغطي قواعده العديد من الكيلو مترات، حتى إنَّ سحابة واحدة قد تغطي مدينة بأكملها، وبذلك تكون أشبه شيء بالمولد الكهربائي (أو الدينامو)، الذي يعمل على شحن السَّحابة بالكهربائيَّة الموجبة في مناطق نمو البرد، وبالكهربائيَّة السالبة في مناطق تميعه أو تبخره على جوانب السَّحابة، وفي بعض عواصف الرَّعد الاستوائيَّة قد يحدث الرَّعد بمعدل نحو 40 مرَّة في الدَّقيقة الواحدة!

ومن أظهر وأعجب آيات الإعجاز العلمي في هذا المجال - أن تربط الآية الكريمة بين البرد وحدوث البرق، فتقول: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}.

فالضمير هنا في كلمة (برقه) إنما يعود على البرد، وهذا هو مضمون الحقيقة العلميَّة الرَّابعة في الآية الكريمة، وجدير بالذكر أنَّ كثيرًا من الناس يجهلون هذه الحقيقة حتى يومنا هذا؛ بل وما زالت بعض الكتب والمؤلفات تعزو حدوث البرق إلى أمور خياليَّة أو ظنيَّة؛ مثل التَّحدث عن احتكاك وهمي بين السحب على غرار دَلْك قطعة من (الكهرمان) بقطعة من الصوف.

وثمَّة حقيقة علميَّة خامسة تتعلَّق بتأثير البرق على البصر (أو العين) عندما يشاهده الإنسان، وبخاصَّة قريبًا من مناطق انبعاثه، كما هو الحال في أعالي الجبال أو في الطائرات مثلاً، عندئذٍ يصاب المرء بالعمى المُؤَقَّت؛ أي أنَّه يظل لا يبصر لفترة وجيزة من الزَّمن عندما يرى مباشرة وميض البرق، أو سنا البرق كما يعبر القرآن الكريم، إذ يقول: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ}.

ومعنى (يكاد) هنا: أنَّ الزَّمن الذي يذهب خلاله البصر هو زمن قليل، أو أنَّ ذَهاب البصر ظاهرة مُحَدَّدة بفترة وجيزة من الزَّمن.

وعلى هذا النَّحو أيها القارئ نرى أنَّ من آيات كتاب الله العزيز آيات تثير العديد من قضايا العلم، وتدخل بنا في جانب من تفاصيلها بطريقة موجزة ومعجزة في نفس الوقت، ولعمري تلك صفة المعجزة الخالدة أبد الدَّهر... والله أعلم.