عن المقال

المؤلف :

Abd Al Aziz bin Abd Allah bin Baz

التاريخ :

Sun, Aug 31 2014

التصنيف :

فقه

تحميل

حول مشروعية نقل الحيوان من أستراليا إلى بلادنا

 

حول مشروعية نقل الحيوان من أستراليا إلى بلادنا



لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

الدكتور: (ت. عبد الهادي اسكينر). من استراليا وجه سؤالا حول نقل الحيوان من استراليا إلى الشرق الأوسط... وما يتعرض له من ظروف الشحن السيئة طالبا من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز أن يجيبه على سؤاله... وكان جواب فضيلة الشيخ كما يلي:
من عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز إلى جناب الأخ المكرم الدكتور: ت. ج. عبد الهادي اسكينر وفقنا اللّه وإياه.

سلام اللّه عليكم ورحمة اللّه وبركاته أما بعد:
فقد اطلعت على رسالتكم بخصوص ما رغبتم في كتابته منا في موضوع نقل الحيوان من بلادكم بأستراليا إلى الشرق الأوسط وما يتعرض له من ظروف الشحن السيئة وأحوال السفن التي ينقل عليها وما ينتج من الزحام وما إلى ذلك. وإذ ندعو اللّه أن يسلك بنا وبكم وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم لنشكركم على اهتمامكم بهذا الجانب المهم. كما تسرنا إجابتكم على ضوء نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة الراشدة بالحث على الإحسان الشامل للحيوان مأكول اللحم وغير مأكوله مع طائفة من الأحاديث مما صح في الوعيد لمعذبه سواء كان ذلك نتيجة تجويع أو إهمال في حالة نقل أو سواه.
فمما جاء في الحث على الإحسان الشامل للحيوان وسواه قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأصحاب السنن: "إن اللّه كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"، وفي رواية:"فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
وفي إغاثة الملهوف منه صح الخبر بعظيم الأجر لمغيثه وغفران ذنبه وشكر صنيعه فعن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش

 

ص -236-     فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر اللّه له فغفر له. فقالوا: يا رسول اللّه إن لنا في البهائم لأجرا. فقال: في كل كبد رطبة أجر".
وعنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يطيف بركبة قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به". رواه مسلم في صحيحه، وكما حث الإسلام على الإحسان وأوجبه لمن يستحقه نهى عن خلافه من الظلم والتعدي فقال:{وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. وقال تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}. وفي صحيح مسلم: أن ابن عمر - رضي اللّه عنهما- مر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها. فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا. وفيه عن أنس - رضي اللّه عنه - "نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم: أي تحبس حتى تموت"، وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا". وعن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النحلة والنملة والهدهد والصرد". رواه أبو داود بإسناد صحيح. وفي صحيح مسلم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إن هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"ج 16: ص 172 م/ دار الفكر، وفي سنن أبي داود عن أبي واقد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة". وأخرج الترمذي: "ما قطع من الحي فهو ميت".
وعن أبي مسعود قال: كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة تعرض فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها" ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: " قلنا: نحن. قال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار". أبي داود ص 419-420 المجلد: (5).
وعن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله اللّه عز وجل عنها". قيل: يا رسول اللّه وما حقهما؟. قال:"أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي بها". رواه النسائي والحاكم وصححه. وهذا موجب لترك ذلك وهو عين الرحمة بهذه الأنعام وغيرها.
وعن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم وجهه فقال: "لعن اللّه الذي وسمه". رواه مسلم، وفي رواية له "نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه". وهذا شامل للإنسان وللحيوان.

 

ص -237-     فهذه النصوص وما جاء في معناها دالة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه حتى ما ورد الشرع بقتله كالخمس الفواسق: الغراب والعقرب والفأرة والحدأة والكلب العقور. وعند البخاري: والحية ومنطوق هذا ومفهومه عناية الإسلام بالحيوان سواء ما يجلب له النفع أو يدرأ عنه الأذى، فالواجب جعل ما ورد من ترغيب في العناية به وما ورد من ترهيب في تعذيبه في أي جانب يتصل به أن يكون نصب الأعين وموضع الاهتمام ولاسيما النوع المشار إليه من الأنعام لكونه محترما في حد ذاته أكلا ومالية، ويتعلق به أحكام شرعية في وجوه الطلعات والقربات من جهة ومن أخرى لكونه عرضة لأنواع كثيرة من المتاعب عند شحنه ونقله بكميات كبيرة خلال مسافات طويلة ربما ينتج عنها تزاحم مهلك لضعيفها وجوع وعطش وتفشي أمراض فيما بينها وحالات أخرى مضرة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادة من أولياء الأمور بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل والإعاشة من الطعام والسقي وغير ذلك من تهوية وعلاج وفصل الضعيف عن القوي الخطر والسقيم عن الصحيح في كل المراحل حتى تسويقها قدر المستطاع وهو اليوم شيء ممكن للمؤسسات المستثمرة والأفراد والشركات المصدرة والمستوردة وهو من واجب نفقتها على ملاكها ومن هي تحت يده بالمعروف.
ومما يؤسف منه ويستوجب الإنكار وجاء البيان والتحذير منه: "الطرق المستخدمة اليوم في ذبح الحيوان مأكول اللحم في أكثر بلدان العالم الأجنبي وما يمهد له عند الذبح منه بأنه من التعذيب كالصدمات الكهربائية في مركز الدماغ لتخديره ثم مروره بكلاليب تخطفه وتعلقه منكسا وهو حي مارا بسير كهربائي حتى موضع من يتولى ذبحه لدى بعض مصانع الذبح والتعليب ومنها نتف ريش الدجاج والطيور وهي حية أو تغطيسها في ماء شديد الحرارة وهي حية أو تسليط بخار حار عليها لإزالة الريش زاعمين أنه أوفر بما يراد ذبحه من الحيوان حسبما هو معلوم عن بعض تلك الطرق للذبح وهذا فيه من التعذيب مالا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه والحث على ذلك في الشريعة الإسلامية السمحاء وكل عمل مخالف لها يعتبر تعديا وظلما يحاسب عليه قاصده لما سلف ذكره ولما صح في الحديث :"إن اللّه ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"، فكيف بمن يعقل الظلم ونتائجه السيئة!!! 
وبناء على النصوص الشرعية ومقتضياتها بوب فقهاء التشريع الإسلامي ما يجب ويستحب أو يحرم ويكره بخصوص الحيوان بوجه عام وبما يتعلق بالزكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص نسوق طائفة مما يتعلق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته ومنه: المستحبات الآتية:

 

ص -238-     1- عرض الماء على ما يراد ذبحه للحديث السابق:"إن اللّه كتب الإحسان على كل شيء"الحديث.
2- أن تكون آلة الذبح حادة وجيدة وأن يمرها الذابح على محل الذكاة بقوة وسرعة ومحلة اللبة من الإبل والحلق من غيرها من المقدور على تذكيته.
3- أن تنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى إن تيسر موجهة إلى القبلة.
4- وذبح غير الإبل مضجعة على جنبها الأيسر إن كان أيسر للذابح ويضع رجله على حفة عنقها غير مشدودة الأيدي أو الأرجل وبدون لي شيء منها أو كسره قبل زهوق روحها وسكون حركتها ويكره خلع رقبتها ذلك أو أن تذبح وأخر تنظر.
وهذه المذكورات مما يستحب عند التذكية للحيوان رحمة به وإحسانا إليه ويكره خلافها مما لا إحسان فيه كجره، فقد روى عبد الرزاق موقوفا أن ابن عمر رأى رجالا يجر شاة برجلها ليذبحها، فقال له: ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا.
أو أن يحد الشفرة والحيوان يبصره وقت الذبح لما ثبت في مسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تحد الشفار وأن توارى عن البَهائم. وما ثبت في معجمي الطبراني الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح عن عبد اللّه بن عباس - رضي اللّه عنهما - قال: مر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها. قال: "أفلا قبل هذا؟ أتريد أن تميتها موتتين!!".
أما غير المقدور على تذكيته كالصيد الوحشي أو المتوحش وكالبعير يند فلم يقدر عليه فيجوز رميه بسهم أو نحوه بعد التسمية عليه مما يسيل الدم غير عظم وظفر، ومتى قتله السهم جاز أكله لأن قتله بذلك في حكم تذكية المقدور عليه تذكية شرعية ما لم يحتمل موته بغير السهم أو معه.
وهذا جرى ذكره منا على سبيل الإفادة بمناسبة طلبكم لا على سبيل الحصر لما ورد وصح نقله بشأن الحيوان على اختلاف أنواعه فالإسلام دين الرحمة وشريعة الإحسان ومنهاج الحياة المتكامل والطريق الموصلة إلى اللّه ودار كرامته فالواجب الدعوة له والتحاكم إليه والسعي في نشره بين من لا يعرفه وتذكير عامة المسلمين بما يجهلون من أحكامه ومقاصده ابتغاء وجه اللّه فمقاصد التشريع الإسلامي في غاية العدل والحكمة فلا حرمان من كل نافع حيوان خلافا لما عليه البوذيون ولا إباحة لكل ضار منه خلافا لما عليه أكلة الخبائث من الخنزير والسباع المفترسة وما في حكمها ولا ظلم ولا إهدار لحرمة كل محترم من نفس أو مال أو عرض، فنشكر اللّه على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام مع الابتهال إليه أن ينصر دينه ويعلي كلمته

 

ص -239-     وأن لا يجعلنا بسبب تقصيرنا فتنة للقوم الكافرين وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد المبلغ البلاغ المبين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
الأمية
كثيرا ما نرى بعض الداعين إلى العلم يشجبون الأمية ويعدها من علامات التخلف، واللّه تعالى وصف هذه الأمة بالأمية فقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}. فأرجو أن توضحوا ذلك وشكرا...
وكانت إجابة فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز كما يلي.
كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العرب والعجم لا يقرؤون ولا يكتبون ولهذا سموا أميين وكان الذين يكتبون ويقرؤون منهم قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يقرأ الكتابة ولا يكتب كما قال الله سبحانه {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}. وكان ذلك من دلائل صدق رسالته ونبوته عليه الصلاة والسلام لأنه أتى إلى الناس بكتاب عظيم أعجز به العرب والعجم أوحاه الله إليه ونزل به عليه الروح الأمين جبرائيل عليه الصلاة والسلام وأوحى إليه سبحانه السنة المطهرة وعلوما كثيرة من علوم الأولين وأخبره سبحانه بأشياء كثيرة مما كان في غابر الزمان ومما يكون في آخر الزمان، ومما يكون في يوم القيامة كما أخبره بأحوال الجنة والنار وأهلهما وكان ذلك مما فضله الله به على غيره وأرشد به الناس إلى منزلته العالية وصفة رسالته عليه الصلاة والسلام وليس وصف الأمة بالأمية المقصود منه ترغيبهم في البقاء عليها وإنما المقصود الإخبار عن واقعهم وحالهم حين بعث الله إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم وقد دل الكتاب والسنة على الترغيب في التعلم والكتابة والخروج من وصف الأمية فقال اللّه تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الآية، وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللّه له به طريقا إلى الجنة" رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"  متفق على صحته والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وبالله التوفيق