عن المقال

المؤلف :

صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي

التاريخ :

Mon, Aug 25 2014

التصنيف :

للمسلم الجديد

تحميل

سبيل الانتفاع بالعلم

سبيل الانتفاع بالعلم 

كمال استفادتكم يا إخوان  أعظم أبوابه حرص الإنسان على الأدب، والإنسان لا يطلبُ أدبًا لنفسه فإنَّ ما على التُّراب تراب، ولكن يطلب أدبًا لأجل جلال العلم وهيبته وأنَّه إرث النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتقدَّم أنَّ يوسف بن الحسين قال: بالأدب تَفهم العلم. فإذا جلس الإنسان بمجلس العلم فإنَّه ينبغي له أن يأخذ آدابه ويتمسَّك بها حتى يستفيد ويؤنس حظَّه من عبودية العلم. 

لماذا صرنا نجلس في مجالس العلم ونخرج وقلوبنا لم تتغيَّر ؟ ثم نقول: نجلس عند واعظ ويعظنا ويذكرنا الجنَّة والنَّار وتتغيَّر قلوبنا؟

لأنَّنا جعلنا العلم صورة وليس حقيقة، صار العلم هو الصُّورة الظَّاهرة عند النَّاس، له رسومٌ وأحوال ونواميس وقوانين، ونسي كثيرٌ من الخلق من المعلِّمين والمتعلِّمين على حدِّ السَّواء أنَّ العلم عبادة يُتقرَّب بها إلى الله I.

وإذا وُجد هٰذا المعنى في قلب الإنسان نفعه العلم واستفاد من العلم، وقرَّبه إلى الله I، ونبغ فيه في مدَّة يسيرة؛ لأنَّ من عظَّم ما لله عظَّمه الله ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب[الحج]، وذلك موجبٌ له غنيمة في الدُّنيا والآخرة، وخلاف ذلك يرجع على الإنسان بالوبال، إذا خالف الإنسان طريقة الشَّريعة في تعاطي العبادات فيها يفوته خيرٌ كثير، كالذي يُصلِّي وقلبه ضعيفُ الخُشوع يفوته منفعة الصَّلاة ويقلُّ أجره، وكذلك العلم يفوتُك العلم بقدر فوات هٰذه المعاني.

يا إخوان لن تنالوا العلم بقوَّةِ حفظكم، ولا جودة فهمكم، ولا كثرة درسكم، ولا براعة شيخكم، ولا طول جلوسكم.. وإنَّما تنالون العلم بالمِنَّة الإلهية والعطيَّة  الرَّبَّانية والمنحة الصَّمدانية، فمن استمدَّها بحق أمدَّه الحقُّ، ومن لطَّخها كان حاله ما يناسب حاله، كما قال بعض السلف: من صَفَّى صُفِّي له، ومن خلَّطَ خُلِّطَ عليه، قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر»: تصفية الأحوال بحسب تصفية الأعمال. اهـ،

 فإذا صفَّى الإنسان عمله صفَتْ له حاله،   فإذا صفَّى أخذه للعلم بالتماسه بالطَّريقة المأمور بها شرعًا فإنَّ الله ۵ يفتح له خزائنه، وإنْ أخذه بغير طريق الشَّرع فإنَّه لا يُفتح له بابُه ولو كان أحفظ الخلق ذهنًا وأجودهم ذكاءً وأصفاهم قلبًا.

وأنتم تعلمون أنَّ تُجَّار أهل الدُّنيا لا يضعون أموالهم في المزابل، أفتظنُّون أنَّ الله يضع دينه في قلوبٍ لا تصلح؟!  محال، محالٌ سبحانه أن يضيِّع دينه، وهو الذي تكفل بحفظه، والشَّأن في أن تتطلَّب ما يوصلك إلى أخذ العلم الذي تركه النَّبي -صلى الله عليه وسلم-  بالسَّير على طريقة أهل العلم، وإنَّما حُرِم كثيرٌ من النَّاس العلم بخروجهم عن جادَّة أهله إمَّا في الكتب التي يتعاطونها في التَّدريس والحفظ والقراءة، وإمَّا في أدب العلم، فتجد سفساف الأدب وسوءه تحتفُّ به كثير من مجالس أهل العلم، كيف يجلس طالب علم في مجلس ثم تراه في أكثر من مجلس يتحدَّث عن يمينه ويتحدَّث عن يساره! ! لا يكون هٰذا أبدًا، أتظنُّ أنَّ الله يكرمك وأنت لم تكرم مجلسًا فيه آياتٍ تتلى؟!  سبحان الله!  هٰذه الآيات التي في (العقيدة الواسطيَّة) لمن شفَّ نظره وسمَتْ نفسُه يجد أنَّها مصابيح الدُّجى، وتنزل على قلبه كقطرات الغيث التي تنزل على الأرض الجافَّة، إذا سمعها ثم تجد بعد ذلك من يسمع هٰذه الآيات وهو يخفق رأسه يمنةً ويسرةً أو يلعب بجوَّاله أو غير ذلك، ليست قراءة الآيات فُرصة لكي تقضي بعض مشاغلك وتتحدَّث مع من على يمينك أو عن يسارك، هي فُرصة أن تجد قلبك، فإنَّ السَّلف كابن مسعود وغيرهم أوْصُوا أنْ يطلب الإنسانُ قلبَه في مواضع منها سماع آيات الله I.

وقد ذكر عبد الرَّحمٰن الثَّعالبي أحد علماء الجزائر في القرن التَّاسع أنَّه قرأ الأربعين النَّووية على العلامة الكبير ابن الحفيد، قال: فكنتُ إذا قرأتُ عليه حديثًا بكى بكاءً شديدًا حتى أتممتُ عليه الأربعين، إذا قرأَ حديثًا واحدًا من الأربعين بكى ابن الحفيد $ تعالى بكاءً شديدًا؛ لأنَّه يعرف أنَّ هٰذه الأحاديث كيف أدخلت في الأربعين؟ لأنها من جوامع الكلم النَّبوي ، فأنت تسمع أجمع ما صَدَرَ عن النًّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فمن عرف مقدار هٰذا الأمر قدَّره، وصار له أثرٌ في نفسه، ومن لم يعرف قدْرَه لم يدخل قلبه.

فالمقصود أنَّ الإنسان ينبغي له أن يجتهد في تأديبِ نفسه، وأن يُسقط حقَّها لا تتلمَّس لك في طلب ما يقرِّبك إلى الله حق، من خضع لله رفعه الله، وعند أحمد بسند صحيح من حديث عمر -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «من تواضع لله  هكذا- وخفض يده -رفعه الله هكذا» ورفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فمن تواضع في أخذه للعلم وسلك آدابه رفعه الله .. نسأل الله أن يرفعنا وإيَّاكم عنده