عن المقال

المؤلف :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

التاريخ :

Mon, Sep 15 2014

التصنيف :

فتوى

تحميل

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 069

 

الشيخ : إطلاق الكلام بالنسبة لغير البنك الإسلامي فضلا عن البنك الإسلامي, لأن المعاملات لا تساق مساقا واحدا, ولا يعطى لها حكما واحدا, لكن أنا الواقع سئلت مرة هذا السؤال, فأجبت بجواب موجز, فقلت: البنك الإسلامي لما قيل لي: شو رأيك فيه .؟ قلت للسائل: شو رأيك في المجتمع الإسلامي.؟ فسكت, فالبنك الإسلامي نابع من هذا المجتمع, فشوا بدنا نقول عنه ؟!

السائل : ... اخ بشتغل في بنك اسلامي ...وهذه ربح حلال ...على الطريقة الاسلامية

الشيخ : صارت هذه مشكلة ..يعني مع الأسف صارت الأسماء لافتات للدعوة, ليس إلا, لما تبحث عن الحقيقة تجد انحرافات سترت باسم الإسلام, وهذا مع الأسف أو ما أقول هذا بالضبط مثله, قد أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث الثابتة عنه, من ذلك حين قال: ( ليكونن في أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ) يسمونها بغير اسمها, وكأن هذا الحديث حسب فهمي وفقهي له, يعني لم يقله الرسول عليه السلام على سبيل التحديد, أي أن التسمية فقط تتعلق بالخمر, وإنما صدر هذا الكلام من الرسول عليه السلام على سبيل التمثيل, يعني الاتيان بمثال بما سيقع في هذه الأمة, وإلا فالأشياء التي غيرت أسماؤها, وبقيت حقائقها كما هي كثيرة وكثيرة جدا, فمثلا الملاهي المحرمة تسمى اليوم بالفنون الجميلة, في أجمل من الاسم هذا, الفنون الجميلة, وهل أحد ينكر من المسلمين فنون جميلة.؟ طبعا لا, لكن دقق النظر تجد هناك من جملة الفنون الجميلة الرقص الإفرنجي, رجال ونساء, هذا من جملة الفنون الجميلة, ثم كما يقال عربية: ما لنا نذهب بكم بعيدا.

سئلت عن البنك الإسلامي وقلنا: والبنوك الأخرى لا يعطى لها حكم مضطرد حسن أو جميل, إنما كل مسألة يعطى لها حكمها, فالآن من الذي يسمي الزيادة الربوية المقطوع بحرمتها اليوم, من الذي يسميها ربا, كلهم يسموها فائدة, فائدة! من ينكر الفائدة.؟ لا أحد, فهذه مثل تلك يسمونها بغير اسمها, لأنه لما تسميها ربا, والربا لها مفهوم سيئ بأذهان المسلمين, قد تتقزز نفوسهم من هذه التسمية, ربما تنفر من تعاطي هذا الأمر المحرم, لكن برد عنها شويه ولو لفظا واسما, وقول عنها فائدة تهضمها النفس حينذاك.

وهذا في الواقع من أدب الإسلام الرفيع, الذي غفل عنه جماهير الدعاة الإسلاميين فضلا عن غيرهم, أعني بذلك أن الكثير من المسلمين يعرفون أن الإسلام يعنى بإصلاح القلوب, لكن الإسلام أيضا يعنى بشيء آخر, يغفل عن هذا الشيء الآخر أكثر المسلمين اليوم, يعنى بإصلاح الألفاظ وإصلاح المظاهر, وليس فقط كما يقول الكثير من الغافلين: يا أخي العبرة بما في القلب؛ حتى الذي لا يصلي, لماذا يا أخي لا تصلي.؟ يقول لك: العبرة بما في القلب؛ أنا بتعامل مع الناس, لا بغشهم ولا بخونهم ولا ولا, وشوف فلان يصلي ويصوم ويحج, وماذا يفعل .؟ فالإسلام جاء أيضا لإصلاح المظاهر والألفاظ, وهذه النقطة التي غفل عنها كثير من الدعاة كما قلت آنفا, فضلا عن عامة المسلمين, مثلا وهذا من روائع الأحاديث النبوية: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي, ولكن لقست ) لو فتحت على مادة لقست في كتب اللغة كلها, لوجدت لقست تساوي خبثت, لكن الرسول عليه السلام يقول: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ) لكن ماذا يقول.؟ ( لقست ) إيش الفرق.؟ الفرق في اللفظ بس, تلك خبيثة معروفة خبثها, أما هذه لقست فلطيفة, فكأن الرسول عليه السلام يريد أن يقول للمسلم, إذا أردت أن تتحدث عن نفسك التي شعرت بخبث فيها, فلا تعبر عن شعورك هذا بلفظة الخبث, وإنما عبر بلفظة ترادف معنى الخبث, ولكنها ألطف من لفظ الخبث, فقل: لقست نفسي, يعني نفسي ما هي طيبة, ما هي رضية, إلى آخره, هذا يصل معنا إلى قضايا أهم بكثير مما يتعلق بشخص المسلم حينما يريد أن يتحدث عن نفسه, فما يقول خبثت نفسي لكن لقست, ينتقل الموضوع إلى الذات الإلهية, وهذا الموضوع طبعا له مراتب ودرجات .

 

لا بد أنكم جميعا تسمعون عن طائفة تعرف بالصوفية, وعن علم أو سلوك يعرف بالتصوف, وهذا التصوف طبعا أهله المنتمون إليه أيضا هم درجات, فمنهم من اشتط وخرج عن الإسلام باسم التصوف الإسلامي, خرج عن الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين, لماذا.؟ لأنهم تأولوا وفسروا آيات من القرآن الكريم بالتفاسير هي والفلسفة الإلحادية شيء واحد, أولئك الذين يعرفون عند علماء المسلمين بأهل وحدة الوجود, هم الذين يقولون كما يقول الدهريون, ولكن بألفاظ غير ألفاظ الدهريين, يقولون أنه ليس هناك إلا واحد, فالكون الذي نراه هو الله, الذي يسمونه المسلمين الله, لذلك بسموهم أهل الوحدة, المسلمين بقولوا لا إله إلا الله, ففيه نفي وفيه إثبات, ففيه نفي لكل مألوه بغير حق, ثم الإثبات لله الحق سبحانه وتعالى, أما أولئك الصوفيون فيقولون: لا هو إلا هو, ثم يختصرونها, وجعلوها وردا لهم, هو هو, هو هو...نحن على ما اتفقنا عزيز بدون قيام .

فهذا انحراف خطير كما ترون, يعني إنكار لوجود الله الحق, وبالتالي إنكار للشرائع, لا إسلام, ولا يهودية, ولا نصرانية, لأنه ما فيه عبد ورب, رب يكلف, وعبد إيش يكلف, ولذلك قال قائلهم:

" الرب عبد والعبد رب …يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك نفي … أو قلت رب أنى يكلف "

فلا هو إلا هو ... وبالأخير هو هو ، في كلمات تخرج _ قلت أنا هذه مراتب _ في كلمات تخرج من المسلمين, الذين يشهدون أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, وليسوا من أولئك الدهريين, لكن يتلفظون أحيانا بكلمات تؤدي بهم إلى تلك العقيدة الباطلة, وهذا أمر خطير جدا, لا يكاد ينجو منه إلا الأقلون, الآن نحن في مجالسنا المعتادة, يقول قائلهم بمناسبة وبغير مناسبة, الله في كل الوجود, الله في كل الوجود, تساوي لا هو إلا هو.

السائل : الله موجود في كل الوجود ؟

الشيخ : نعم بتسمعوها كثير, الله موجود في كل الوجود, تساوي عند إمعان النظر في دلالتها ومضمونها, قول الصوفية الصريحين, غلاتهم طبعا, لا هو إلا هو , لماذا.؟ لأننا إذا تأملنا في شهادة الحق, التي هي ...حينما يقول المؤمن حقا لا إله إلا الله, فهو يثبت وجودين, لا إله إلا الله, ينفي الآلهة الباطلة, هي معدومة أم موجودة .؟ التي عبدت من دون الله, طبعا موجودة في القرآن, عن قوم نوح: (( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا )) هؤلاء آلهة عبدت من دون الله, ولذلك لما بعث الله عز وجل نوحا عليه السلام إلى قومه, كان قد أمرهم أن يعبدوا الله وحده, فإذا لا إله إلا الله نفي للآلهة الباطلة وهي موجودة, إلا الله إثبات للوجود الحق, وهو الله تبارك وتعالى, إذن هناك وجودان لا يمكن للمسلم الفاهم لإسلامه أولا, ثم المؤمن بأنه مخلوق لله ثانيا, لا يمكن إلا أن يثبت وجودين, يعبر علماء التوحيد بالوجود الأول, وهو وجود الخالق سبحانه وتعالى, فهو موجود بذاته, أي أزلي لا أول له, فوجوده واجب الوجود كما يعبرون عنه, أما الوجود الآخر فهو ممكن الوجود, وهو الإنسان والمخلوقات كلها حيث كانت, ثم قال الله عز وجل لها كوني فكانت, فهي سبقت بالعدم, بخلاف وجود الله عز وجل, فهو الأول لا بداية له, كما هو معلوم جميعا, حينئذ حينما يقول المسلم الغافل: الله موجود في كل الوجود؛ فأما أن يعني هاتين الحقيقتين وهما متنافيتان تماما من الوجود الحق وهو الله, والوجود الممكن وهو الخلق, أما أن يعني هذا المعنى, حينئذ وقع في عقيدة أخرى غير وحدة الوجود, وهي الحلول.

تعرفوا مثلا بعض الطوائف الإسلامية يعتقدون بأن الله  يحل في بعض الأشخاص المعظمين بزعمهم, مثلا عندنا في سورية العلويين والإسماعيليين, الإسماعيليون يمكن تقرؤوا عنهم الشيء الكثير, يلي كان الآغا تبعهم كان كل سنة يوزن بوزنه ذهب في أمريكا, فيعتقدون أن هذا الإله يتقمصه, يحل فيه, هذا اسمه الحلول, هذا أخص من وحدة الوجود التي تكلمنا عليها آنفا, وحدة الوجود شيء لا انفصال لبعضه عن بعض, أما الحلول فالله منفصل وبائن عن خلقه كما يقول العلماء, لكن يحل ويتقمص بعض البشر, زعموا طبعا, فإذا كان هذا الذي يقول الله موجود في كل الوجود, يعني وجودين, فمعنى ذلك أن أحدهما حل في الآخر, فبدل ما يحل في شخص حل في الكون كله, وهذا طبعا كفر, لا يشك في ذلك مسلم إطلاقا, وإن كان يعني المعنى الأول, الله موجود في كل الوجود, أي لا خالق ولا مخلوق هناك, إنما هو شيء واحد, فهذا أكفر وأكفر, ترى هؤلاء المسلمين اللي يصوموا معنا ويصلوا معنا, ونقتدي وراءهم وإلى آخره, لما يقول قائلهم: الله موجود في كل الوجود, ترى يعني أحد المعنيين, هل يعني الوحدة المطلقة عند الصوفية .؟ أي لا خالق ولا مخلوق, أو يعني الحلول, أن الله خلق الكون ثم حل فيه, ما أعتقد أن مسلما يعتقد هذه العقيدة أو تلك, إذن لما يقولون هذه الكلمة, لماذا لا يتأدبون بأدب الرسول عليه السلام, الذي يقول: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن لقست ) معنى خبثت هي لقست ولقست هي خبثت, لكن الرسول أراد منا أن نتحدث عن أنفسنا بألفاظ لطيفة, وإن كان المعنى هو نفسه, فما بالنا نحن حينما نتحدث عن ربنا تبارك وتعالى, في هذه الحالة لا يجوز أن نتكلم بكلمة توهم الكفر, وتوهم الضلال, كثيرا ما حينما يطرح مثل هذا البحث, يكون أكثر الجالسين في الواقع ينتبهون كأنهم كانوا في غفلة, لكن بعضهم بقولوا: نحن ما نقصد أن الله تبارك وتعالى بذاته حالل في مخلوقاته كلها, ونحن ما قلنا أنهم يقصدون هذا, لأنهم إذا قصدوا هذا, فهذا بكون بحث ثاني, بكون كفر, لكن نحن بحثنا في تهذيب الألفاظ, إذا ماذا تقصدون الله موجود في كل الوجود ؟ يعني علمه, آه جميل, الله بعلمه بلا شك محيط, وهو بكل شيء محيط تبارك وتعالى, لكن التعبير إذن خطأ, بدك تقول وتتحدث عن علم الله فبتقول: أحاط بكل شيء علما, نص في القرآن الكريم: (( أحاط بكل شيء علما )) لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, لا تقول الله اللي هو عبارة عن الذات الإلهية المتصفة بكل صفات الكمال, والمنزه عن صفات النقصان, لا تقل الله موجود في كل مكان, الله موجود في كل الوجود, لكن تقول: أحاط بكل شيء علما, هذا البحث كان في سبيل إصلاح الألفاظ-...أهلا مرحبا تفضل يا استاذ - فإذا وضح ما قصدت إليه, من أن من مقاصد الشارع تهذيب الألفاظ أيضا, فبدل من أن تقول الله موجود في كل الوجود, الله موجود في كل مكان ونحن نقصد علمه نقول احاط بكل شيء علما لأن العبارة الأولى الله موجود في كل الوجود تتصل بعقيدة غلاة الصوفية, الذين يقولون: لا هو إلا هو, فليس هناك خالق ومخلوق, وكما قال قائلهم  لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار؛ لأنه نار جنة, خالق مخلوق, كل هذه الأشياء يعني لا حقيقة لها, وباختصار قولهم: لا هو إلا هو, يقولون كل ما تراه بعينك فهو الله, كل ما تراه بعينك فهو الله, فإذا لا ينبغي لمسلم أن يتكلم بكلمة, يضطر بعدها إلى أن يتأولها , قلها صريحة, وليس بعد القرآن أفصح منه (( أحاط بكل شيء علما )) أما أن تتكلم بكلمة, وبعدين: والله أنا بقصد كذا وكذا, قال عليه الصلاة والسلام, وهذا من تأديبه إيانا, لو اطعناه لنجحنا: ( لا تكلمن- أي تتكلمن - بكلام تعتذر به عند الناس ) ورواية أخرى أخصر من هذه: ( إياك وما يعتذر منه ) فلا تقول: الله موجود في كل مكان, والله موجود في كل الوجود, رايح يأتيك اعتراضات وانتقادات لا قبل لك بردها.

سيقال لك : المكان الذي يضطر المسلم أن يدخله مرتين أو ثلاثة, ويتمنى أن لا يدخله ذلك المكان, هل ربك هناك أيضا .؟ وقس على ذلك الدهاليز والمجاري و و و إلى آخره, ما يقول مسلم بهذا, إذا اسحب كلامك, لا تقله. هنا والكلام ذو شجون كما يقال, فماذا نعتقد وماذا نقول بدل قولنا الله في كل مكان .؟ أي حينما نتحدث عن الذات الإلهية التي يعبر عنها بلفظ الجلالة الله, اسم الذات هذا معروف لدى المسلمين جميعا, قول بعضهم الله في كل مكان, عرفنا أن هذا خطأ, وأن المقصود به العلم, فنقول ليكن تعبيرك صحيحا إذا كنت تقصد العلم الإلهي, فتقول أحاط بكل شيء علما, لكن إذا أردنا أن نتحدث عن الله عز وجل, عن الذات الإلهية, فماذا نقول . ؟

 

لقد جاء عن أحد السلف الأئمة, وهو بالذات عبد الله بن المبارك, من كبار شيوخ إمام السنة, الإمام أحمد رحمه الله تعالى, جاء بعبارة جمعت فأوعت, قال: " الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته, وهو بائن من خلقه, وهو معهم بعلمه " جاء في الجملة الأخيرة: " وهو معهم بعلمه " البحث السابق: (( أحاط بكل شيء علما )) لكن الآن في مبتدأ الكلام يتحدث عن الذات الإلهية, فيقول: " الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته " أخذ هذا من آيات كثيرة وكثيرة جدا, في القرآن الكريم: (( الرحمن على العرش استوى )) (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) والحديث المشهور: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) وهذا الحديث كأنه اقتباس من قوله تبارك وتعالى: (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير )) فالإمام عبد الله بن المبارك شيخ الإمام أحمد يعبر عن هذه الآيات وغيرها مما جمعه حافظ دمشق, الحافظ الذهبي في رسالة خاصة, وهي مطبوعة, سماها: " العلو للعلي الغفار " جمع في هذه الرسالة الآيات التي تدندن فوق هذه الصفة للذات الإلهية, وهي صفة العلو المطلق, الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة, وآثار السلف, ومنهم أقوال الأئمة الأربعة, كلهم يدندنون حول ما جمعه عبد الله بن المبارك في هذه الكلمة.

" الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته, وهو بائن من خلقه " أبطل الحلول, فهو مستغني, وهو الغني عن العالمين, لكن ذلك العلو الذي لا يمكن للعقل البشري أن يدركه, أي يتصوره, لا يعني أنه تخفى عليه خافية, قال: لا, " وهو معهم بعلمه " فهذه الجملة الموجزة جمع فيها عشرات الآيات والأحاديث وأقوال السلف, حتى تكون عقيدة المسلم عقيدة صحيحة, بعيدة عن القول بوحدة الوجود, وبعيدة عن القول بالحلول الذي يقول به بعض الفرق الضالة.

" الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته , وهو بائن من خلقه, وهو معهم بعلمه " إذن جرنا إلى هذا البحث, وربما يكون أطلنا إطالة يمكن حصل منها بعض الإملال, لكن العلم هذه هي طبيعته, تحتاج إلى شيء من الصبر حتى يترقى الإنسان المسلم العلم, جرنا إلى ذلك أنه لا تجوز تسمية الربا بالفائدة, إنما نسميها كما سماها الله تبارك وتعالى, حتى تظل هذه الكلمة تعمل عملها في قلوب المؤمنين, بخلاف كلمة الفائدة, تبقى الفائدة هذه مباحة, ولذلك صارت الفائدة اليوم لا يكاد يحس بتحريمها أكثر المتعاملين بالربا إلا من عصم الله, وقليلا ما هم, يا الله! تفضل.

السائل : (( وكان عرشه على الماء )) ممكن تفسرها لنا  . ؟

الشيخ : المسألة ما تحتاج إلى تفسير بأكثر مما هو واضح, لأن هذا من الأمور الغيبية التي لا يجوز عند المسلمين التوسع فيها, وإدخال العقل العاجز عن إدراك المغيبات, وتصورها في حدود المشاهدات, فكون ربنا يقول:

 (( وكان عرشه على الماء )) هو خلق من خلق الله عز وجل, كان العرش ولا يزال على الماء , لكن هذا بلا شك لا يعني أن الماء قديم أزلي لا أول له , وأن العرش أيضا قديم أزلي لا أول له, لأن كل ما سوى الله عز وجل فهو مخلوق مسبوق بالعدم , فربنا عز وجل حينما يتحدث في القرآن الكريم عن هذه الحقيقة الخلقية الغيبية عن الناس, يخبرنا بأن العرش ليس على السماء الأجرام, وإنما على الماء, وليس إلا هذه في الآية, وكثير من الناس اليوم يتأولون النصوص القرآنية ببعض الاكتشافات العلمية, وهذا عبارة عن تظنن أن لم نقل إنه تخرص, لأننا لو سئلنا العلم اليوم الذي يعرف بالعلم التجريبي والعلم الفلكي, ما هي السموات السبع المنصوص عليها في القرآن.؟ طبعا سيقف أمامها حائرا حتى الملاحدة منهم, نحن ما نتحدث عن ما وراء الطبيعة, نحن نتحدث عما أحاط به علمنا, فنحن لا نعلم إلا هذا الفراغ يلي على بعد مئتين ثلاثمئة كيلومتر كما يقولون, هذه ممتلئة بالهواء, ثم بعد ذلك فراغ مطلق, فيها هذه الأجرام, وهذه الكواكب التي تعد بالملايين الملايين.

فهم لا يتحدثون إلا عما شاهدوا, ولذلك فهم لا يستطيعون أن يتحدثوا عن السموات السبع بشيء , بالتالي لا يستطيعون أن يتحدثوا عن الماء الذي فوقه عرش الرحمن تبارك وتعالى, هذا ما يمكن الإجابة عن هذا السؤال, عفوا, نعم.

 

السائل : ... كتاب الدارمي: " الرد على الجهمية " في المقدمة الكلام عن الجهمية الحديثة, فهل هناك فرق بين الجهمية ... ؟

الشيخ : نعم , الفرق الحديثة طبعا تتبنى بعض أفكار الجهمية القديمة, لكنها لا تنتمي إليها اسما ولا مذهبا, وإنما تلتقي في بعض ما كانت الجهمية تذهب إليه, فكرا وعقيدة؛ غلاة الجهمية الحقيقة يلتقون مع القائلين بوحدة الوجود, لأنهم لا يصفون الله عز وجل بالصفات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم, ينفون عنه الصفات, وإذا نفوا عنه الصفات عطلوه, يعني حكموا عليه بعدم الوجود, كما يقول الدهريون تماما, هؤلاء غلاة الجهمية ؛ دونهم طبقة من الجهمية ينكرون ما سبق ذكره آنفا, من أن الله عز وجل فوق مخلوقاته كلها, ويصرحون بما يصرح به عامة المسلمين, مع أنهم لا يقصدون ذلك المعنى الذي يقصده أولئك الجهمية, يصرحون بأن الله عز وجل في كل مكان, فكثير من الناس اليوم , حتى الكتاب ونحو ذلك ممن لم يدرسوا العقيدة الإسلامية الصحيحة يقولون هذه الكلمة , وينفون أيضا عن الله عز وجل صفات أخرى كثيرة, منها مثلا, يقولون على الرغم من تصريح القرآن بقوله عز وجل: (( وكلم الله موسى تكليما )) يقولون بأن الله لا يتكلم, هذا من عقيدة الجهمية, ووافقهم على ذلك المعتزلة كلهم, فالمعتزلة يصرحون بأنه ليس من صفات الله الكلام, وسبب هذا الإنكار حديثا وقديما, هو تسليط العقول كما أشرت آنفا إلى أمور غيبية, وغيب الغيوب هو الله تبارك وتعالى, فلا يجوز نحن أن نكيف صفات الله عز وجل بالكيفية التي نحن نعرفها, يعرفها بعضنا من بعض, مثلا: الكلام نعرفه, لا بد من جهاز معروف هو الفم واللسان والحلق والأسنان والأضراس إلى آخره, إذا نقص شيء من هذه الآلات التي خلقها الله في الإنسان, صار الكلام شوية غير طبيعي, فلما هم يتصوروا أن الله كلام موسى تكليما, يتنقل تصورهم للمخلوق إلى الخالق, ويستلزموا من ذلك أن الله يتكلم بلهاة بلسان بأضراس بأسنان إلى آخره, وطبعا هذا تشبيه , والتشبيه باطل, وما لزم منه باطل فهو باطل.

مقدمات يقيمونها, هي في الأصل على شفا جرف هار خيال, ثم يبنون عليها علالي وقصورا, وهذا الذي يبنون عليه تعطيل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية, ربنا عز وجل لحكمته البالغة خلق لهذا البشر في هذا العصر آلة صماء بكماء, وهو المسجلة , من قبل صندوق السمع الميكرفون, يتكلم بكلام عربي مبين, وليس هناك شيء من هذه الآلات التي يتكلم بها الإنسان , فالله عز وجل الذي خلق هذا الجهاز جامد ليس بإنسان, والإنسان كما نعلم جميعا مفضل على المخلوقات كلها: (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) هذا الجهاز الأصم الأبكم يتكلم بدون ما يكون تلك الآلات, ترى ربنا عز وجل القادر على كل شيء , ألا يستطيع أن يتكلم مع أنبيائه ورسله بدون ما نتصور تصور المعتزلة, إنه الإنسان يتكلم بوسائل , فإذا ربنا لازم يكون له كذا, حاشاه, ولذلك يقول الله عز وجل في القرآن الكريم جمعا بين ما يقوله العلماء الإثبات لصفات الله وتنزيها لهذه الصفات أن تشابه صفات المخلوقات, فيقول سبحانه وتعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) من العجيب أنك ترى هؤلاء المعتزلة وبعض المتشبهين بهم قديما وحديثا, يقولوا إن الله سميع وبصير, طيب كما أثبتم صفة السمع والبصر, وما قلتم أنه لازم يكون له حدقة وله أجفان, ولازم يكون ما أدري عين الإنسان, ولازم و لازم ..., ما قلتم شيئا من ذلك, أطلقتم قال الله تعالى:(( وهو السميع البصير ))كذلك قولوا عن كلام الله عز وجل,(( ليس كمثله شيء )) بتنتهي القضية , مع ذلك بعض من طرد الفرار من التشبيه بالتعطيل جاء في هذه الآية نفسها (( وهو السميع البصير )).

فنفي أن يكون له سمع وأن يكون له بصر, بحجة أن الإنسان له بصر والإنسان له سمع, وهذا تشبيه ,سبحان الله, أجابهم أهل الإثبات من أهل السنة والجماعة إذا أنتم طردتم أن تنفوا عن الله كل الصفات التي أثبتها لنفسه لمجرد الاشتراك في الاسم وليس في الحقيقة, إذا قولوا كما قال غلاة الصوفية: لا وجودان إنما هو وجود واحد, لماذا؟ لأنه الآن نسأل بعضنا البعض, نحن موجودين أم معدومين؟ طبعا موجودين, الله موجود أم معدوم؟ الله موجود وجود الحق كما قلنا من قبل, فإذن صار في اشتراك وجود الله ووجود الإنسان تنكروا إذا وجود الله وبتنتهوا من هذه المشاكل كلها, لا وجود غير وجودنا كلمة حق, أثبتوا عليها وجوده غير وجودنا, صفاته غير صفاتنا, انتهت المشكلة , فنقول كلامه ليس ككلامنا, بصره ليس كبصرنا, سمعه كذلك , كل ما أثبته الله عز وجل له من صفات هي لا تشابه صفات المخلوقات, كما في الآية السابقة: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )).

إذا جهمية العصر الحاضر هم الذين يلتقون مع الجهمية الأولين في إنكار بعض صفات الله, أولئك نفوا صفات الله كلها, هؤلاء يشتركون مع الجهمية القديمة في إنكار بعض الصفات باسم التنزيه, لكن حقيقة التنزيه أن نثبت لله عز وجل ما أثبته الله لنفسه دون تكييف ودون تشبيه, وبهذه المناسبة يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:

" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأى فقيه

   كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه "

فنفي الصفات خوفا من التشبيه والتعطيل, هذا مذهب المعتزلة الذين هم فرع عن الجهمية, ومذهب بعض المعاصرين اليوم, ممن يلتقون مع أولئك في بعض ما أنكروه من الصفات.

ويحضرني في هذه المناسبة قصة وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في زمانه , والحقيقة أنه كان عالما فذا في إحاطته بعلم الكتاب والسنة, زائد معرفته بعقائد الفرق المخالفة بما فيهم الفلاسفة الذين ينكرون الشرائع, فكان من مزاياه الشجاعة التي قل ما توجد مع الأسف في أهل العلم, فشكوه إلى الوالي في دمشق يومئذ بأن هذا يعتقد كذا وكذا, يرمونه بالتشبيه, فعقد له مع الشيوخ مجلس مناظرة,  فسمع الأمير لكل من الشيخ والجماعة, الجماعة ينكرون بعض الصفات, منها أن يكون الله عز وجل فوق مخلوقاته , وسمع من الشيخ آيات كثيرة ذكرنا نحن آنفا بعضها , ومما ذكر حديث يعرف عند علماء الحديث بحديث الجارية , وهذا الحديث رواه الإمام مالك من الأئمة الأربعة كما تعلمون في موطئه , والإمام أحمد في مسنده, والإمام مسلم في صحيحه بالسند الصحيح ...

فيقول معاوية هذا يحدث عما وقع له في أول إسلامه, قال : ( صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم يوما فعطس رجل بجانبي فقلت له : يرحمك الله ) هو يصلي ( قال : فنظروا إلي هكذا, فقال أو هو قال : وثكلى أمياه ) وهو عم بصلي الرجال ( وثكلى أمياه , ما لكم تنظرون إلي ) هو حديث عهد في الإسلام, مش متعلم أحكام الصلاة كما ينبغي, مش داري هو أن الكلام في الصلاة يفسدها ويبطلها, ولذلك صاح بعادة الأعراب, ورفع عقيرته ( وثكلى أمياه , ما لكم تنظرون إلي ) شو أنا عامل معكم؟ " الجماعة يضربون على أفخاذهم تسكيتا له " بلا شك الرجل صلى, وما درى كيف صلى, يريد أن يعرف شو ذنبه, لكن بلا شك بصورة عامة يفهم أن الجماعة ما عملوا هذه المعاملة إلا إنه هو مخطئ, ولذلك هو يتصور الآن أنه هذا النبي الذي صلى خلفه, ترى ماذا سيفعل به ؟ وإذا به يفاجئ كما هو الطبيعي من الرسول عليه السلام ؛" فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إلي فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني , وإنما قال لي : ( إنما هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس, إنما هي تسبيح وتكبير وذكر وتلاوة القرآن ) " هذا كل شيء فعله معه, ولا شك أن الواحد منا لما يبدوا أنه أخطأ خطأ مع رجل كبير, يتصور أن هذا كبير يريد أن ينهره, يريد أن يقهره, وإذا به يفاجئ بما هو مفروض ولائق بالرسول, كما قال تعالى: (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) وإذا به لا يرى إلا التعليم, وكأنه لم يصنع شيئا ( لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ... ) إلى آخره, فلما رأى هذا اللطف, وهو يشعر الآن بأنه بحاجة لأن يتعلم, فأخذ يلقي السؤال على الرسول عليه السلام بعد السؤال, والرسول يجيبه, فقال: " يا رسول الله إن منا قوما يأتون الكهان ". المنجمين, العرافين, يلي يسموهم البصاره, قال: ( فلا تأتهم ) كلام موجز, شرحه معروف عند العلماء ؛ قال: " يا رسول الله إن منا أقواما يخطون " خط يعني بالضرب على الرمل,

" إن منا أقواما يخطون, فقال عليه السلام : ( قد كان نبي من الأنبياء يخط, فمن وافق خطه خطه فذاك ) " هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال, يقول الرسول عليه السلام لهذا السائل ...

السائل : ما المقصود بالخط ؟

الشيخ : الرمل يا أستاذ, بكتبوا على الرمل, بعض المنجمين يستعملوا الرمل كوسيلة بزعمهم, لاكتشاف المغيبات, ما في عندكم شيء صاير ؟

السائل : معروف هذه البصارة, بتبصر بالرمل.

الشيخ : أيوه, أيوه هذه البصارة

السائل : النبي يفعل هكذا ؟

 الشيخ : ( قد كان نبي من الأنبياء يخط, فمن وافق خطه خطه فذاك ) قلت آخر ما قلت: هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال أي من البيان, أي أن الله عز وجل كان قد جعل لنبي من الأنبياء السابقين الضرب على الرمل وسيلة من الوسائل الخاصة به , لاكتشاف بعض المغيبات, لذلك قال عليه السلام لهذا السائل لما قال إن فينا أقواما يخطون, كان جوابه: ( قد كان نبي من الأنبياء يخط, فمن وافق خطه ) منكم خط ذاك ( فذاك ) أي المصيب, لكن هذا تعليق بالمحال, هذا مستحيل لأن تلك كانت معجزة لذلك النبي .

( قد كان نبي من الأنبياء يخط, فمن وافق خطه خطه فذاك ) . قال : " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن منا أقواما يتطيرون " قال : ( فلا يصدنكم ) التطير هو التشاؤم, معروف هذا, والتشاؤم اليوم بالرغم أن الإسلام أبطله وقال: ( لا طيرة ) ستجد كثيرا من المسلمين بسبب إغراقهم في جهلهم يتطيروا, خاصة النساء منهن, يعني الغسيل مثلا يوم كذا لا يجوز, إدخال الصابون يوم كذا لا يجوز , خرافات وخرافات كثيرة جدا, هذا كله تطير لا يجوز في الإسلام, لا طيرة في الإسلام.

قال: إن منا أقواما يتطيرون, قال: ( فلا يصدنكم ) جواب في منتهى الحكمة واللطف وعدم التحجير والتضييق على الناس, لأنه لا يقول لا تتطيروا, فيه فرق كبير جدا, بينما قال عليه السلام لا يصدنكم؛ وبينما لو كان القول لا تتطيروا, لو قال لا تطيروا, تكليف بما لا يطاق, والله يقول: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) لكن كلفهم بما يطيقون .

أصل كلمة التطير مشتقة من الطير, وكانوا في الجاهلية من خرافاتهم وانصرافاتهم , كان أحدهم إذا عزم على سفر وخرج من داره لابد ما يصدفه طير, هذا الطير الحيوان إذا طار يمينا فالسفر ميمون في زعم هذا الإنسان, يا ترى أيهما أحيون هذا الإنسان أو ذاك الحيوان؟ إذا طار هذا الطير, وهو الطير نفسه لو سئل لماذا طرت يمينا؟ لا يدري, إذا طار يمينا فسفره ميمونة, وإذا طار شمالا فسفره مشئوم هذه عادة الجاهلية طار شمال يرجع إلى بيته, كل التخطيط اللي وضعه في هذا السفر يبطل لمجرد طيران الطير شمالا ويسارا, فالرسول عليه أبطل هذه الطيرة, لكن ما أبطلها كشيء يصدر من الإنسان فجأة دون تفكير تخطيط, لكن أبطل التجاوب مع الطيرة, أبطل التجاوب مع الطيرة فقال: ( لا يصدنكم ) فمثلا إنسان عزم على سفر, خرج من بيته, وأخذ الشنطة معه ... إلى آخره, وإذا واحد يتخانق مع الثاني ويتخاصم معه, ويقول له: الله لا يوفقك؛ بتيجي طخ في أذنه, يتشاءم منها, يرجع, لكن إذا كان مسلما تأدب بأدب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يرجع, كلمة جاءت على الطاير, مثل ذاك الطير شو لها تأثير؟ ما لها تأثير, لذلك قال عليه السلام: ( لا يصدنكم ) فأنت سمعت كلمة منها تشاؤم, لا تتجاوب معها, كونك تشاءمت في أول وهلة ما عليك مؤاخذة, لكن إذا تجاوبت معها فهنا تأتي المؤاخذة.

قال: " إن منا أقواما يتطيرون " قال: ( فلا يصدنكم ) الآن يأتي الشاهد, قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي جارية ترعى غنما لي في أحد, فسطا الذئب يوما على غنمي " افترس الذئب ما شاء الله من غنم هذا الرجل, قال: وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر, فصككتها صكة " وين كنت غافلة نائمة إلى آخره, " حتى سطا الذئب على غنمي " طبعا هو صكها هذه الصكة ثم ندم, لذلك يقول في تمام سؤاله: " وعلي عتق رقبة, كأنه يقول أعتقها, يجوز لي كفارة ", قال: ( ائتي بها ) فلما فلما جاءت قال لها عليه الصلاة والسلام:( أين الله؟ ) قالت: في السماء, قال لها: ( من أنا؟ ) قالت: أنت رسول الله, قال لسيدها: ( اعتقها فإنها مؤمنة ) يقول أهل العلم عرفت ربها في السماء كما قال: (( أأمنتم من في السماء ... )) " إلى آخر الآية التي ذكرناها آنفا, وعرفت أن محمدا عبده ورسوله في الأرض, فشهد لها بالإيمان وقال لسيدها اعتقها, فعتقك إياها وفاء لنذرك بأن تعتق رقبة.

الشاهد كنا في قصة ابن تيمية مع مجلس الاختبار والمناقشة والمناظرة, فذكر ابن تيمية من هذه الأحاديث ما شاء الله, منها الحديث, والحمد لله لايزال شائعا على ألسنة الناس ( الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) سمع كلام ابن تيمية قال الله قال الرسول, مثل ما قال ابن القيم في الشعر السابق:

" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأى فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه "

سمع ابن تيمية يثبت وجود الله وأنه فوق المخلوقات كلها, أما المشايخ فإذا قيل له أين الله ؟ قالوا لا ندري, فماذا كان جواب الأمير العاقل , قال: " هؤلاء قوم أضاعوا ربهم " فعلا ربنا يلي خلق الكون, وكان الله كما جاء في حديث عمران بن الحصين في صحيح البخاري: ( كان الله ولا شيء معه ) ثم خلق هذا الكون بما فيه من سموات, من أراضين من جبال من وديان, من ملائكة من انس من جن من دواب, كيف لا يدرون أين الله والآيات والأحاديث متواترة متضافرة كلها على أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها! ولذلك كان من أوراد المسلم إذا وضع جبهته ساجدا لربه أن يعظمه ويقول " سبحان الله ربي الأعلى, سبحان الله ربي الأعلى ".

(( سبح اسم ربك الأعلى )) من السنة إذا سمع هذه الآية تتلى أن يقول سبحان الله ربي الأعلى, لأن الله أمر في الآية أن يقول " سبحان ربي الأعلى " فلما سمع المناظرة ذاك الأمير العاقل, والنقاش بين الشيخ من جهة والمشايخ من جهة أخرى, قال :" هؤلاء قوم أضاعوا ربهم " ؛ فعلا هذه حقيقة نسمعها اليوم, نلمسها لمس اليد, أما أن يقول لا ندري, ويتبع هذا النفي إنكار السؤال الصادر من الرسول, الرسول قال للجارية أين الله؟ فالآن نسمع إنكارا للسؤال الصادر من الرسول فضلا أن يقروا الجواب الصادر من الجارية, والذي عليه شهد الرسول لها بالإيمان, ومن ذلك أمر سيدها بأن يعتقها. الناس اليوم إما أن يقولوا حقيقة أن الله في كل مكان, وهؤلاء هم الجهمية وبعض المعتزلة, وإما أن يقولوا جوابا عن سؤال الرسول للجارية أين الله؟ لا ندري. وأنا سمعت من أحد الخطباء ممن درست عليه الفقه وعلم النحو على المنبر وفي مسجد, إذا كان فيكم أحد يعرف دمشق جيدا, اسمه جامع التوبة في العقيبة, سمعته يقول: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف, لا داخل العالم ولا خارجه. وأنا بقول يا جماعة وأظن رايحين تؤيدوني جميعا, لو قيل لأفصح العرب لسانا, صف لنا المعدوم الذي لا وجود له, لما وسعته لغته العربية الفصيحة كلها أن يصف المعدوم بمثل ما وصف هذا الشيخ, وهذا مش من عنده, هذا متلقيه من كتب بمثل ما وصف هذا الشيخ ربه, حيث قال: لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف, ولا داخل العالم ولا خارجه. هذا هو العدم يا جماعة, هذا هو العدم, بعض الفلاسفة يزيدها ضغثا على ابالة كما يقال, يقولوا: لا متصلا به ولا منفصلا عنه. لا متصلا به ولا منفصلا عنه, إذن هذا هو المعدوم, هذه هي وحدة الوجود فعلا, لكن غلاة الصوفية يعلنونها صريحة لا هو إلا هو, كل ما تراه بعينك فهو الله, لكن ناس آخرون على طريقة اللف والدوران, ويصلوا ويصوموا, لكن هذا مما تأثروا به من منطق الفلاسفة وما استطاعوا بسبب جهلهم بكتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ذلك بمثل ما سمعتم من كلام عبد الله بن المبارك, " الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته بائن من خلقه , وهو معهم  بعلمه ".

هذه قصة وقعت لابن تيمية رحمه الله تعالى مع المشايخ, والحاكم كما تعلمون, يعني أغلب الحكام ما في عندهم علم, لكن المفروض فيهم يكون عندهم عقل, وعندهم كياسة يميزوا الصواب من الخطأ, فهو بعقله وفطرته السليمة قال عن المشايخ أهل العلم : " هؤلاء قوم أضاعوا ربهم "؛ فعلا كلام صحيح .

 

السائل : تعليق على كلمة التعطيل والنفي, ما الفرق بين التعطيل والنفي؟

الشيخ : ... النفي قد يقترن مع التعطيل بمعنى واحد, يعني نفي الصفة, لكن النفي بكون صريح, التعطيل بلعب حول الآية, وبتأولها فيعطل الله عن هذه الصفة, فهو لا ينكرها, لكن بطريقة التأويل ينكرها, النفي أن ينكر رأسا, مثلا نضرب مثال الآن, هناك حديث في الصحيحين وغيرهما يدخل في هذا الموضوع الذي يجب الإيمان به كما جاء دون تكييف بعقولنا الصغيرة الضيقة هذه, وبدون إيش تعطيل إنكار, يعني الحديث لا بد  كلكم سمعه: ( ينزل الله في كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا, فيقول: ألا هل من سائل فأعطيه, ألا هل من داع فأستجيب له, ألا هل من مستغفر فأغفر له, ألا كذا, ألا كذا حتى يطلع الفجر ) الذين يعطلون الصفات الإلهية المنصوص عليها في الكتاب, والكتاب لا يمكن إنكاره, من أشد الفرق ضلالا ما بقدروا ينكروه لأنه حينئذ بنكشف أمرهم ويخرجوا من الملة, أما الأحاديث فيتجرؤون أحيانا على إنكارها فينفونها, فهم يقولون: ربنا لا ينزل, إذا نفوا الحديث, فخلاصة الجواب كما قلت في أوله أن النفي يلتقي مع التعطيل , لكن يلزمه مع أحيانا مع التعطيل إنكار النص من أصله, كهذا الحديث مثلا, لا يثبتون صحته عن الرسول عليه السلام لأنهم لو أثبتوه أثبتوا لله تصرفا, هم في عقولهم الضيقة يشبه نزول الملك من عرشه, مشكلة المشاكل دائما قياس الخالق على المخلوق, وهذا بلا  شك أبطل قياس على وجه الأرض, لاسيما وقد قال تعالى في الآية السابقة: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ومن بلاغة القرآن أنه ما قال: (( ليس كمثله شيء )) فقط, فنزه ثم أثبت, قال: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). فهو سميع لكن ليس كسمعنا, وبصره ليس كبصرنا, كل الصفات ومنها النزول الإلهي نزوله ليس كنزولنا, هكذا الجواب إن شاء الله, نعم .

السائل : هل نزول الله كنزولنا ؟ قبل قليل كنت تتكلم أن نزوله ليس كنزولنا؟

الشيخ : أي نعم.

السائل : إذن الأمام والخلف والفوق والتحت هذه من صفات وجودنا ؟

الشيخ : طبعا.

السائل : فهذه استغربناها عن الله, نحن استغربنا من يقول ...

الشيخ : لا, لا, الاستغراب بارك الله فيك من جهة وصفهم لله, أنت لو أخذت العبارة كلها من أولها لآخرها, أظن ستجد نفسك لست بحاجة إلى السؤال, الآن من هنا بدأ الكلام, الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار, هذه صفات جهات بالنسبة لنا, ما في إشكال , لكن شوف النهاية, الله لا فوق لا تحت, لا يمين لا يسار, لا أمام ولا خلف, لا داخل العالم ولا خارجه, شو بقي؟ هل بقي هناك وجود؟ لا داخل العالم ولا خارج العالم !

السائل : بنفس الأوصاف الموجودة الأولى تبع المخلوقات ممكن تصح على الله عز وجل ؟ لعل هناك مقاسات أخرى.

الشيخ : خارج العالم فيه قياسات.

السائل : خارج العقل البشري .

الشيخ : لا, لا, خارج العالم حسب تعبيرهم هم, يمكن بحكي لك قصة وقعت لي في منى منذ عشر سنين في موسم الحج, أنا جالس مع بعض الناس بعد صلاة المغرب نتحدث في بحوث شرعية طبعا, لما دخل علينا شيخ أزهري. قال: السلام عليكم وعليكم السلام, جلس يسمع, جاءت مناسبة هذا الكلام, طبعا دراسته في الأزهر كما حدثتكم عن المشايخ مع ابن تيمية تماما قال: قولنا إن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها تشبيه وتجسيم, هذا كلام الأزهريين تماما, وكلام المشايخ من علماء الكلام, فأنا جريت معه في البحث كما يأتي, ولعله هو الذي زال الإشكال أو الجواب عن السؤال.

 قلت له أولا : الأدلة الشرعية يجب الإيمان بها دون تكييف أي تشبيه,  ودون تعطيل أي إنكار لمعانيها.

 ثانيا : خلينا ندرس الموضوع بعقلي وعقلك لنشوف أي القولين أصح, فسألته ما يلي, أسئلة متتالية, قلت له الآن ماذا فوقنا؟  قال: السماء الدنيا, قلت: حسن, وفوق السماء الدنيا ؟ قال: الثانية والثالثة إلى السابعة ,

كويس, لعلني فاتني شيء سألته قبل , قلت له: الكون المخلوق محصور أم لا نهاية له, قال: لا, محصور لأنه مخلوق, قلنا له: حسن ازرع هذا في بالك, ثم سألته عن السماء حتى وصلنا السماء السابعة, فوق السماء السابعة شو فيه؟ قال: العرش, قلت له: حسن, فوق العرش إيش فيه ؟ لأول مرة أسمع هذا الجواب الغريب,

قال: الملائكة الكروبيون , قلت له: إيش الملائكة الكروبيون ؟ أنا عارف في بعض الأحاديث مما لا سنام لها ولا خطام, لكن شيخ بقول فوق العرش ملائكة كروبيون , قلت له: من أين هذا ؟ في عندك آية ؟

قال: لا, قلت: عندك حديث؟ قال: لا , قلت: إذا من أين جايب الملائكة الكروبيون فوق العرش؟

قال: والله هكذا مشايخنا في الأزهر درسونا , فأنا في الحقيقة اهتبلتها فرصة, وبقولها الآن من أجل التذكير والتنبيه, مشايخ الأزهر مع الأسف كمنهج دراسي يدرسون طلبة العلم أن العقيدة لا تثبت بالحديث الصحيح , لازم يكون الحديث صحيح متواتر, شايف , فإذا كان دون المتواتر صحة وقوة لا تثبت به عقيدة, وهذا خطأ بلا شك, ولي رسالتان مطبوعتان حول إبطال هذا القول, وأن الحديث الصحيح من حيث وجوب العمل به عقيدة وحكما وعملا, فقلت له والشيخ عجيب والله: نحن نعرف أن علماء الأزهر يدرسوا أن الحديث الصحيح لا تثبت به عقيدة كروبيون فوق العرش, وما فيه لا حديث ولا آية, ومع ذلك قلنا له: ما نقف هنا, هب أن فوق العرش ملائكة كروبيون, فوق ذلك إيش فيه ؟ قال: لا شيء. هنا الشاهد, قال: لا شيء.

 هذا الجواب علماء السنة بقولوا هذا هو التعطيل, شايف شلون هذا هو النفي, يعني نفي وجود الله, طيب قلنا له لا شيء, أنت بتقول لا شيء, معنى ذلك بالكروبيين انتهى الخلق, الخلق المحدود انتهى, طيب خارج هذا الخلق الآن ما فيه شيء ؟ نحن نعتقد الله هو خالق الأشياء كلها, وهو فوقها مستعل عليها, إلى آخره, لعل هذا الجواب يقرب الموضوع بالنسبة لسؤالك السابق؟

السائل : نعم.

الشيخ : إن شاء الله.

السائل : البعض يقول بالتعبير اللي يستعملها البشر ... والرد يكون حقيقة لما نحن بشر نبحث بالله سبحانه وتعالى لابد من واسطة, لا بد من لغة, فإذا أرادوا هم أن نعطل هذه اللغة وهذه الواسطة, ما وصولا لشيء, يعني هم لما يصفوا الله ليس أمام ولا فوق ولا تحت هم يستعملوا هذه الواسطة, فكيف أنت يمكن أن تنفي أو تثبت بدون هذه الواسطة اللي ممكن تتفاهم عليها, وهذا دليل على نسف ما يريدون, هل كلامي واضح أم بحاجة لتوضيح؟ إذا بدنا واسطة هذه الواسطة بدها حلول.

الشيخ : وهي؟ 

السائل :  بهذه الحلول يجب أن نحفظ الواسطة.

الشيخ : نعم, وين البحث ؟ نحن عم نحكي, نحن في حدود العالم تبعنا, اليس كذلك المخلوق , هنا في مشكلة في حدود المخلوقات, في مشكلة ؟

السائل :  لا.

الشيخ : طيب إذا وين المشكلة .؟

السائل :  عم بتقيس .

الشيخ : عم نقيس....؟ وين القياس؟

السائل :  ....

الشيخ : طيب هذه حقائق ثابتة عندنا أم لا؟ طيب وين القياس اللي أنت بتقول فيه قياس؟

السائل :  ...

الشيخ : وهو كذلك, وصلنا إلى آخر مخلوق, كويس , طيب أنت الآن شو تتصور المخلوقات محدودة أم غير محدودة؟

السائل :  ...

الشيخ : كيف, سؤالك أم سؤالي؟

السائل : سؤالي .

الشيخ : وهو ؟

السائل : ...أشياء محسوسة...

الشيخ : في المحسوس في المحسوس, المحسوس في المحسوس, لكن وراء, والمحسوس لا نتكلم أبدا, لكن في حدود النص, نحن نريد بهذه المقدمات إبطال تعطيل هؤلاء, إنه هو بقول لك إذا قلت (( الرحمن على العرش اس