عن المقال

المؤلف :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

التاريخ :

Mon, Sep 15 2014

التصنيف :

فتوى

تحميل

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 070

السائل : أستاذي أريد أن أسألك بالنسبة لموضوع الإجماع مع العلماء وإجماع الأمة, والشذوذ, يعني فكرة بسيطة النظر في هذا ؟

سائل آخر : نحن بدنا أول شيء , السؤال بتفرع كثير, بس بدنا نعرف أول شيء ما هو الإجماع, يعني سؤالنا ما هو الإجماع ؟ وبعد ذلك نتطرق لأسئلة أخرى.

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد:

فالإجماع عند العلماء أقسام: القسم الأول منه, هو الذي لا يجوز مخالفته, وهناك أقسام أخرى من الإجماعات, فربما نرى من الفائدة أن نذكرها أو أن نذكر ما تيسر منها, فالإجماع الأول وهو إجماع الأمة, ويدخل في هذا التعريف إجماع علماء الأمة وسائر الأمة, فهناك من يقول بأن الإجماع هو إجماع العلماء, ولكن الإمام الغزالي يقول الإجماع هو إجماع الأمة, بحيث يدخل فيها من دون العلماء من الأمة, سواء كان من طلاب العلم أو كانوا من عامة المسلمين, هذا الإجماع هو الذي يعبر عنه بعض العلماء الذين لا يعتدون بالأنواع الأخرى من الإجماع, مما سنذكر بعض ذلك إن شاء الله, ويسميه هؤلاء العلماء بما هو معلوم من الذين بالضرورة, فما كان معلوم من الذين بالضرورة يشترك فيه كل الأمة, لا فرق بين عالم وغير عالم, وهذا الإجماع هو الذي جحده مسلم خرج من الدين, أما الإجماعات الأخرى فهي ليست كذلك, وهي تدخل الآن في مناقشة علمية هادئة, وهي أن الإجماع غير الإجماع الأول هو إجماع نظري, وهو الذي يعبر عنه بعض العلماء بالمتفق عليه بين العلماء, ولا يسمونه إجماعا, وذلك لأن الإجماع في الحقيقة الذي يعتبر إنكاره خروجا عن الملة, لا يمكن أن يتصور إلا بالمفهوم الأول.

أما الإجماع النظري الذي هو جمع أقوال العلماء الذين تكلموا في المسألة في عصر معين فهذا الأمر مستحيل لا يمكن تحقيقه واقعيا, وهذا إن شاء الله سهل تصوره, ذلك لأن العلماء في كل قطر ومصر كما نعلم جميعا متفرقون, فمن الذي يستطيع أ، يتصل بكل فرد من أفراد العلماء, ويأخذ آراءهم فيجدها كلها متفقه بعضها مع البعض, هذا أمر مستحيل تحقيقه, ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك ابنه عبد الله ابن أحمد في كتابه مسائل الإمام أحمد, الإمام أحمد رحمه الله تعالى له عدة كتب تسمى بكتب المسائل, أي أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى سئل عن كثير من المسائل فأجاب عنها, هذه الإجابات نقلها وسجلها بعض تلامذته منه ابنه عبد الله الذي هو راوي مسند أبيه, وهو مسند أحمد المشهور, ومنهم أبو داود السجستاني مؤلف كتاب السنن الذي هو الكتاب الثالث من الكتاب الستة, ومنهم ابنه صالح, صالح ابن الإمام أحمد, ومنهم ابن هانئ وغيره.

عبد الله بن أحمد يروي عن أبيه قال : " من ادعى الإجماع فقد كذب, وما يدريه لعلهم اختلفوا " الإمام أحمد في الشطر الأول من هذه الكلمة يشير إلى عدم امكانية الإجماع لو وقع, لأنه يقول: " من ادعى الإجماع فقد كذب, وما يدريه " هذا نقد ثان, لأنهم لو اجتمعوا اليوم ممكن يختلفوا غدا, فشو درى هذا الإنسان أن العلماء كلهم في ساعة واحدة أو في يوم أو في أسبوع أو شهر أو سنة, اجتمعوا على شيء ثم ما اختلفوا, فما يدريه, لذلك جنح بعض العلماء المنصفين إلى عدم التلفظ بلفظة الإجماع, إلا إذا كان بالمعنى الأول, وهو المعلوم من الدين بالضرورة, فيقول بدل الإجماع اتفق العلماء, وهذا لا يعني أن كل عالم تكلم في هذه المسألة أولا ثم طابق كلام بعضهم بعضا ثانيا, وإنما الأقوال التي نقلت عن هؤلاء العلماء يوافق بعضهم بعضا, ولذلك فيقال في هذه الحالة اتفق العلماء.

من تلك الإجماعات التي ألمحت إليها آنفا هو إجماع منطقة معينة أو بلدة خاصة من تلك المنطقة, كإجماع أهل المدينة مثلا. فالإمام مالك رحمه الله تعالى يعتد بإجماع أهل المدينة دون أي إجماع آخر, ذلك لأن المدينة كما نعلم جميعا كان مقر واستقرار الدعوة الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين, فكان موئل ومجمع العلماء من كافة الأقطار والبلاد من الصحابة وغيرهم, ولذلك فالإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن ما أجمع عليه علماء المدينة خاصة من الصحابة والتابعين والذين هو أدركهم في عهده فهذا هو الإجماع, لكن الحقيقة الذي يلحظه الباحث بل يلمسه لمس اليد, أن مع كون هذا الإجماع يأتي بدائرة ضيقة جدا, أي المدينة وليس العالم الإسلامي كله يستدرك العلماء على الإمام مالك كثيرا من الإجماعات التي ادعاها من أهل المدينة, فيقولون له قد خالف هذا كبير علماء المدينة بل سيد التابعين ألا وهو سعيد بن المسيب, فإذا هذا الإجماع المصغر وهو الذي حجة الإمام مالك رحمه الله تعالى دون بقية الأئمة, هذا الإجماع نفسه لم يمكن إثباته فكيف يمكن إثبات إجماع الأمة في سائر أقطار البلاد الإسلامية.

من هذه الأنواع إجماع أهل الكوفة وهذا يحتج به أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه, ويقال فيه ما يقال في الإجماع السابق ألا وهو إجماع أهل المدينة, أي أنه انتقد بكثير من الأقوال التي تخالف الإجماع المدعى.

ثم يأتي من أنواع الإجماع الإجماع السكوتي, الإجماع السكوتي وهذا معناه أن عالما من علماء المسلمين يتكلم في محضر من المسلمين بقول ولا أحد ينتقده , فيقولون مادام هذا العالم الفاضل تكلم بهذا الكلام ثم لم يتعقب من أحد الحاضرين, فمعنى ذلك أن هذا هو الحق والصواب, وإلا كان انتقد , الواقع في هذا الإجماع تقبله النفس المطمئنة بشرط واحد, إذا لم يكن ثمة نص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه وإلا فهو إجماع مقبول, ولماذا ؟ لأمرين اثنين:

الأمر الأول: أن الله عز وجل يقول: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فالله يقول هنا: (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فإذا جاءتنا رواية صحيحة بأن أحد علماء المسلمين تكلم في مسألة ما في محضر من علمائهم وأقروه على ذلك, فالنفس تطمئن حينذاك ليقال هذا سبيل المؤمنين, لكن بالشرط السابق, وأعيد التذكير به ألا يكون هناك نص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف هذا الإجماع السكوتي.

وفي رأي علماء الأصول أن الإجماع السكوتي هو في الواقع أضعف الإجماعات لأنه قد يتكلم المتكلم بقول ويكون هناك في المجلس من يرى خلافه, ولكن يرى من المصلحة ألا يتكلم بخلاف ما سمع, من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى, وأنا الآن أضرب مثالين :

أحدهما يتعلق بالإجماع السكوتي, ما هو مثاله ؟ والآخر يتعلق بأنه ممكن أن يكون في الإجماع السكوتي من سكت على مضض لسبب, سأذكر الآن مثالا هو المثال الثاني, مثال الإجماع السكوتي: جاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خطب يوم جمعة وتلا آية سجدة فنزل من المنبر وسجد وسجد الناس معه, في الأسبوع الثاني خطب أيضا وتلا آية سجدة هي أو غيرها, أنا الآن لا أذكر, فلما رأى الناس يتهيؤون إلى السجود أشار إليهم بقوله رضي الله تعالى عنه: " إن الله لم يكتبها علينا, إن الله لم يكتب علينا سجدة التلاوة إلا أن نشاء " فهذا نص صريح بأن سجدة التلاوة ليست أمرا فرضا, وإنما هو راجع إلى مشيئة التالي أو السامع, ولا شك أن عمر بن الخطاب حينما يخطب في مسجد المدينة أن هناك من المئات من الصحابة والتابعين, فحينما لا يقوم أحد وهو خليفة المسلمين ليبين خلاف ما قال أمير المؤمنين, النفس تطمئن إلى كون هذا الرأي ليس فيه خلاف, لكن هذا لا يفيد القطع واليقين, ولذلك لا يعتبر أن من خالف هذا الإجماع يكون كافرا, لأن الكفر لا يجوز الصيرورة إليه إلا إذا كان من خالفه خالف أمرا كما قلنا في تعريف الإجماع الأول, معلوما من الدين بالضرورة, ذلك لأنه من الممكن كما ذكرت آنفا, أنه يكون هناك من يرى خلاف هذا الرأي وإن كان لم ينقل, لكن هذا تطريق نظري احتمالي لسبب أو أكثر من سبب كما يقال اليوم, مثاله وهو المثال الثاني الذي أشرت إليه آنفا: أن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان قد حج في زمن عثمان بن عفان, وثبت عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أتى منى ونزل فيها أيام التشريق أتم الصلاة ولم يقصر, ومعلوم عند علماء المسلمين كافة أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حج حجة الوداع من يوم خرج من المدينة إلى أن رجع إليها صلى ركعتين ركعتين, ومعنى ذلك في منى نفسها صلى أيضا ركعتين ركعتين , أما عثمان رضي الله تعالى عنه فقد أتم, وهنا يذكر العلماء رأيين أو سببين قد نعرج عليهما فيما بعد, حتى لا نبعد كثيرا عن توضيح المثال, فكان ابن مسعود إذا صلى خلف عثمان يتابعه في منى ويصلي أربعا, فقيل له أنت تقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة, فما بالك تتم؟ فكان يقول جوابا مختصرا جدا, ولكنه حكيم جدا أيضا, كان يقول: " الخلاف شر, الخلاف شر " أي مخالفة فرد من أفراد المسلمين عن خليفة المسلمين, وهو بلا شك من العلم والدين والصلاح في مكان معروف مشهود له بذلك, فلابد من أن  إتمامه, له في ذلك وجهة نظر, فهو لا يفعل ذلك نكاية بالسنة وهو يعلمها, إذن أنا لا أريد أن أخالفه فأصلي خلاف صلاته, وإن كنت أعتقد أن السنة القصر, فيقول الخلاف شر.

فإذن هو كان يصلي وفي نفسه أن السنة ركعتان لكن لما سئل قال الخلاف شر فهذا المثال يمكن أن يصور لنا احتمال أن يكون هناك قول وقع في مجمع من الناس أو فعل, ويكون لا يرى ذلك لكنه يسكت كما قلت في أول كلامي من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى, فهو يسكت حتى ما يصير فتنة وبلبة في جماعة المسلمين, فهذا ما يحضرني الآن من أنواع الإجماعات , وأن شيئا من ذلك لا يمكن تكفير المسلم, إلا إذا كان يجحد أو يخالف ما كان معلوما من الدين بالضرورة, وهو الإجماع اليقيني وليس ثمت إجماع آخر, لكننا في الواقع نلاحظ أن المسألة لا ينبغي أن نأخذ لها أهمية كبرى, لأن النتيجة أنه إذا لم يكن هناك نص من كتاب الله أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق جماعة من المسلمين الأولين, خاصة إذا كانوا من الصحابة المكرمين فليس لأحد أن يخالفهم إلا بنص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, متى يخالف؟ إذا كان الرعيل الأول والجيل الأول هم أنفسهم اختلفوا فحينذاك يختار مما اختلفوا فيه ما هو أقرب إلى الصواب في ما يراه هو, ولذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى يصنف العلم على ثلاث مراتب, فيقول:

" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه ".

هذا ما عندي جوابا عن السؤال السابق, وإذا كان هناك بعض الفروع ما تعرضنا بذكرها فيما يتعلق بالسؤال, فلا مانع من عندي من أن نسمع ما عندكما.

 

السائل : الله يجزيك خيرا, هل اجتهاد عمر صحيح بالنسبة للخطبة؟

الشيخ : بالنسبة لسجدة التلاوة؟ نعم, صحيح صحيح .

السائل: في المرتين صحيح.

الشيخ : المرتين؟

السائل : أول مرة سجد وثاني مرة ما سجد.

الشيخ : هذا السجود سنة, السجود سنة, فهو لم يسجد للمرة الثانية ليبين للناس أنها ليست واجبة, بحيث أن من ترك سجود التلاوة فلا يكون آثما, فسجدة التلاوة سنة لكن ليست واجبة, وعلى كونها سنة عليه المذاهب الثلاثة, مذهب مالك والشافعي وأحمد, الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول بوجوب سجدة التلاوة, وهذه القصة مع عدم وجود ما يخالفها كتابا أو سنة هو من الأدلة القوية على أن سجدة التلاوة ليست واجبة وإنما سنة, من فعلها أثيب عليها, ومن تركها فلا إثم عليه, تفضل.

السائل : بالنسبة للسجود ...

الشيخ : لماذا يعني كان يصلي خلفه ابن مسعود وهو يعلم أن السنة القصر؟ وهذا يذكرني بالإشارة لتوضيح ما أشرت إليه, شو عذر أمير المؤمنين في مخالفة السنة هنا, الحقيقة أن الأئمة كلهم بدء من الصحابة وأنت نازل, يكون لهم بعض الاجتهادات تبدوا بادئ الرأي أن هذا لا يجوز لأنه يخالف النص, من ذلك هذه المسألة, من المقطوع به أن الرسول عليه السلام في كل أسفاره كان يصلي قصرا, بل إنه قد ثبت أنه أمر بذلك, وكما جاء في صحيح مسلم أن رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو أني أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته, قال: ما كنت تسأله؟ قال: أسأله أن الله عز وجل يقول: (( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )) فكنت أسأله: ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ يعني ربنا عز وجل نفى الحرج في قصر الصلاة بشرط الخوف من المشركين, فبعد أن نصر الله نبيه على المشركين, وطهر بلاد الحجاز من الشرك, ما بال المسلمين لا يزالون يقصرون, وفي آخر سنة من حياته عليه السلام وهي حجة الوداع كما ذكرنا, كنت بسأل الرسول ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ قال له: أبشر لقد سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقال, وهنا الشاهد: ( صدقة تصدق الله بها عليكم, فاقبلوا صدقته ) فهل يتكبر العبد على سيده فلا يقبل عطاءه الكريم له, ما يفعل هذا أبدا, هذا العبد مع السيد, العبد فما بال العبد مع الرب تبارك وتعالى؟ لذلك ثابت يقينا أن الرسول عليه السلام كان دائما يقصر, بل أمر بذلك كما سمعتم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم, فاقبلوا صدقته ) إذا كيف أتم عثمان؟ أجابوا بجوابين:

الجواب الأول: بأن رأى أن حجه يجمع من شتات الناس ومن مختلف الناس, خاصة من الأعراب البدو الذين لا يتاح لهم وهم عائشون في البادية أن يتفقهوا في الدين, فيحضروا الحج يشوفوا خليفة المسلمين يصلي ركعتين ويا الله, وهذا الكلام يجر كلام كما يقولون, مثل ما صار في زمن الرسول عليه السلام كما يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: بينا نحن نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر, إذ سلم على راس الركعتين, صلاة العصر ثم انتحى ناحية من المسجد واضطجع هكذا, ووضع أحد رجليه على الأخرى, انتهت الصلاة وبده يرتاح عليه السلام, قال وهنا الشاهد, يقول أبو هريرة: " فخرج سرعان الناس, هم كانوا يصلون دائما أربعة , شافوا الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتين - ويعرفوا أن الأحكام الشرعية تتجدد - ما كاد الرسول يسلم من هنا إلا المسرع حمل نعله وطلع من المسجد, في الناس رجل اسمه ذو اليدين, يظهر أنه كان جريئا أو لعله لم يكن أديبا, لأن في القوم أبو بكر وعمر, فتجرأ وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن جرأته كانت في مكانها, قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: ( كل ذلك لم يكن ) قال له: بلى, فنظر في القوم وفيهم أبو بكر وعمر, قال عليه السلام: ( أصدق ذو اليدين؟ ) قال: نعم, فقام من مكانه وعاد إلى المصلى - " ولا أقول المحراب بيانا, لأنه لم يكن في زمن الرسول عليه السلام محاريب, وإنما إلى المكان الذي صلى فيه - " وصلى ركعتين ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم ", هذه القصة كما قلنا في الصحيحين, والشاهد منها أن الجماعة اللي مستعجلين ما كادوا يسمعوا سلام الرسول على رأس الركعتين وخرجوا.

فعثمان رضي الله تعالى عنه اجتهد فرأى أن هؤلاء الأعراب المجتمعين من كل البوادي في ذلك الموسم العظيم ربما يفهمون أنه الصلاة قصرت على طول الخط, فما يهمنا نحن أصاب أو أخطأ, يهمنا أنه اجتهد كما كنت ذكرت في مرة من المرات في مثل هذا المجلس الطيب إن شاء الله, نحن ما يهمنا أبدا أن العالم أصاب أو أخطأ, يهمنا أن يجتهد, يهمنا أن لا يتكلم بجهل, وإنما يفرغ جهده ليصيب الحق, لكنه ليس بمكلف أن يصيب الحق مئه بالمئة, وإنما إذا غلب على ظنه أن هذا هو الصواب عمل به, وهنا يأتي قوله عليه السلام الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه, قال عليه السلام: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإن أخطأ فله أجر واحد ) فما يهمنا نحن الآن نقعد وندندن ونخلي فعل عثمان هذا وعمله أصاب أم أخطأ, لأنه نحن ما يترتب عندنا شيء على قولنا أصاب أم أخطأ, لأنه نحن نعرف مسبقا أن الرسول عليه السلام من يوم خرج من المدينة إلى أن رجع وهو يصلي ركعتين ركعتين, بل أمر بذلك كما قال عليه السلام, لكن يمكن أن يكون مصيبا فيما فعل؟ يمكن أن يكون مصيبا بما فعل, لماذا؟ لأنه هذا حكم كما يقول علماء الأصول في العصر الحاضر, حكم زمني مش أبدي, كما يقال الحديث ذو شجون, هذا يجرنا إلى مسألة أخرى أهم من المسألة الأولى, لأن الأولى قضية إتمام عثمان لم يبق لها أثر, لأنها كانت زمنية, يعني متعلقة فقط بخلافته, لكن المسألة الأخرى أصبحت شرعا أبديا بالنسبة لجماهير الناس, إلا القليل منهم ممن عصم الله عز وجل, ما هي هذه المسألة؟

 

الشيخ : الطلاق بلفظ الثلاث, هذه مشكلة عاشها المسلمون قرون طويلة إلى العصر الحاضر, إلى ما قبل نحن عشر سنوات أو عشرين سنة كانت المحاكم الشرعية في كل البلاد الإسلامية إذا جاءها مستفتي ليقول أنا قلت لزوجتي أنت طالق ثلاثا, يقولوا له: بانت منك بينونة كبرى, فلا تحل لك من بعد حتى تنكح زوجا غيره, الآن ومن قبل عشرين سنة تقريبا ألغي هذا الحكم, وصار قول المطلق لزوجته طلقتك ثلاثا أو أنت طالق ثلاثا, إنما هي طلقة واحدة, ماذا فعلوا؟ رجعوا إلى السنة التي كان عمر يحكم بها شطرا من خلافته , ثم بدا له رأي, وهنا الشاهد, قال: " إني أرى الناس قد تسارعوا في أمر كان لهم هناك سعة, فأرى أن ألزمهم " ثم بدا له ذلك فنفذ عليهم أن كل من يطلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد بلفظ واحد جعلها عليه ثلاث, فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره, وهو نفسه كان يحكم قبل ذلك الاجتهاد بما كان عليه الأمر في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد أبي بكر الصديق سنتين ونصف تقريبا وشطرا من خلافة عمر نفسه, ثم بدا له هذا الرأي وهذا الاجتهاد فجعل الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثة.

المشكلة أن السنة الماضية الأصيلة أصبحت في خبر كان, واجتهاد عمر حل محلها إلى ما قبل عشرين سنة كما قلنا, وما كان يفتي بالسنة السابقة إلا أفراد في العالم الإسلامي من الغرباء الذين قال فيهم رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا, فطوبى للغرباء ) قالوا: من هم يا رسول الله ؟ " هناك جوابان ثابتان عنه عليه السلام : الأول: (هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) الجواب الثاني: قال: ( هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي ) "

عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى الناس يسارعون إلى التلاعب بالطلاق الذي جعله الله في نص القرآن الكريم ثلاثا, كل طلقة فيها إمساك أو فيها تنفيذ يعني تسريح, فقال الله عز وجل: (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) الطلاق مرتان فإمساك بمعروف في كل طلقة أو تسريح بإحسان, فالذي يقول: أنت طالق ثلاثا, وين إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان, لقد استعجلوا أمرا كان لهم فيه أناة, كما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه, فعمر, الشاهد, اجتهد هذا الاجتهاد من باب التعزير, والتعزير يقول به الفقهاء, ويسمحون للإمام خاصة إذا كان مثل عمر وعثمان أن يجتهدوا لأنهم أهل للاجتهاد حقيقة, لكن مع الزمن انقلبت المشكلة, الذي أراده عمر هو أن يقلع الناس عن مخالفة السنة, التي هي أن يطلقها ثم يمسكها يراجعها أو يسرحها بإحسان طلقة واحدة, فأراد منهم لما يشوفوا المعقبة هذه أن يرجعوا إلى السنة التي تركوها وأعرضوا عنها, وإذا السنة مع الزمن بسبب غفلة المسلمين أصبحت نسيا منسيا, واجتهاد عمر الزمني حل محل تلك السنة إلا أفراد من علماء المسلمين في كل العصور والقرون, أولهم مثلا ابن عباس.

ابن عباس كان يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, الحديث الذي هو مستند هذا الاجتهاد الذي لجأ إليه فقهاء العصر الحاضر والفقهاء السابقون الذين كانوا يخالفون ما جرى عليه المسلمون, كان مستندهم حديث ابن عباس, قال: ( كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر, إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا طلقة واحدة ثم جعلها عمر ثلاثا ) فإذا اجتهاد عمر هذا لا يقال أخطأ كما يقال بالنسبة لعثمان أخطأ, إنما أخطأ من اتخذ اجتهاد هذا وذاك سنة ماضية, وأصبحت السنة تلك نسيا منسيا كما ذكرنا. هذا ما أظن يصلح جوابا, إنه ليس شاذا من تمسك بالسنة وخالف جماهير الناس, إنما الشاذ هو الذي يخرج عما عليه المسلمون المتمسكون بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفضل.

السائل : كم المدة, أقصى حد ... ؟

الشيخ : لو سمحت احفظ سؤالك حتى نشوف الأخ هنا حول موضوع الإجماع أم ننهيه من أجل أن نجيب عن الأسئلة المتفرعة من بعد.

السائل : في ناس يقولوا من باب الردة عندهم, أنا حضرت عندهم درس, يقولوا بأنه ابن تيمية, ونحن تطرقنا لشغلة الطلاق, يقولوا هنا في إجماع للأئمة, من خالف الأئمة فقد كفر, فهم يكفروا ابن تيمية في هذه

 المسألة ؟

الشيخ : معليش ما أحد يقول بهذا الكلام بارك الله فيك.

السائل : أنا أقول أني جلست في مجلس ...

الشيخ : معليش أنت بتجلس مجالس وبتسمع أشكال وألوان, لكن أنا أقول لا أحد من علماء المسلمين يقول أن من خالف الأئمة الأربعة فقد كفر.

السائل : ما في مثلا على الإجماع يلي بخالفهم فقد كفر؟

الشيخ : لذلك أنا بقول لك ما أحد يقول بهذا, أما إذا تعني بعض من يقول في هذا الزمن, فعش رجبا ترى عجبا .

 

الشيخ : لو سمحت احفظ سؤالك حتى نشوف الأخ هنا حول موضوع الإجماع أم ننهيه من أجل أن نجيب عن الأسئلة المتفرعة من بعد.

السائل : في ناس يقولوا من باب الردة عندهم, أنا حضرت عندهم درس, يقولوا بأنه ابن تيمية, ونحن تطرقنا لشغلة الطلاق, يقولوا هنا في إجماع للأئمة, من خالف الأئمة فقد كفر, فهم يكفروا ابن تيمية في هذه

 المسألة ؟

الشيخ : معليش ما أحد يقول بهذا الكلام بارك الله فيك.

السائل : أنا أقول أني جلست في مجلس ...

الشيخ : معليش أنت بتجلس مجالس وبتسمع أشكال وألوان, لكن أنا أقول لا أحد من علماء المسلمين يقول أن من خالف الأئمة الأربعة فقد كفر.

السائل : ما في مثلا على الإجماع يلي بخالفهم فقد كفر؟

الشيخ : لذلك أنا بقول لك ما أحد يقول بهذا, أما إذا تعني بعض من يقول في هذا الزمن, فعش رجبا ترى عجبا .

 

 

السائل : بالنسبة لنفس الموضوع.

الشيخ : تفضل.

السائل : هل هناك ناسخ ومنسوخ بالنسبة للإجماع في عصر من العصور, مثلا كان الإجماع على مسألة فقهية في العصر هذا, بعد زوال العصر هذا وجاء عصر ثان أو قبله, فهل هناك ناسخ ومنسوخ وفي أدلة على ذلك ؟

الشيخ : لا يتصور أن يكون هناك إجماع ينسخه إجماع, إلا إذا لاحظت بعض أنواع الإجماع التي ترد الإجماع الأول, فنحن قلنا الإجماع الذي لا يجوز مخالفته هو الإجماع الذي اجمعت عليه الأمة بحذافيرها, فمثل هذا الإجماع لا يمكن أن يتحقق بعده إجماع ينسخه, هذا مستحيل, لكن ممكن يكون هناك إجماع من أنواع الإجماعات الأخرى, وفي الحقيقة ليس إجماعا وإنما يصدق عليه قول أحمد بن حنبل: " من ادعى الإجماع فقد كذب, وما يدريه لعلهم اختلفوا " فممكن يكون هناك نقل لإجماع في مسألة فيأتي أناس يخالفون هذا الاجماع لكن هو تسميته هذا إجماع تسمية خاطئة, لأنه لم يكن هناك إجماع يقيني, هذا ممكن يقع, أما الإجماع اللي هو النوع الأول المعلوم من الدين بالضرورة هذا لا يمكن أن ينسخ إطلاقا.

السائل : مجموعة من العلماء لنفرض الأئمة الأربعة, يعني مثلا في حاكم, وبصدور العلماء مع الحاكم قرار, مثل ما صار في الوقت الحاضر أو مسائل فقهية, أصدروا فيها ويسموها إجماع, ونحن نعرف بالإجماع يلي قبله أنه محرم تفتي في هذه المواضيع ... ؟

الشيخ : والله يا أستاذ يحسن أن تجيب لنا مثال, وأنا أعتقد أن جوابي السابق واضح تماما, ليس كل مايدعى فيه الإجماع يكون فعلا هو أمر مجمعا عليه, فإذا كان المقصود أن هناك إجماع يقيني ومع ذلك خولف, فهذا لا يجوز طبعا, لكن يكون هناك إجماع غير ثابت يقينا, ممكن لبعض العلماء أن يخالفوا في ذلك, لكن نحن ننظر في هذا المخالف, وسبق الجواب عن ذلك, هل خالف ما كان عليه العلماء بدليل من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أقوال السلف الصالح, الصحابة ومن بعدهم من التابعين, إن لم يكن عنده شيء من ذلك فلا يجوز له المخالفة, وإن كنا لا نقول هذا كفر, لأنه خالف الإجماع, لأنه ليس هناك إجماع إلا ما كان معلوم من الدين بالضرورة, الآن يصلح في الحقيقة إن شئت أن تضرب على ذلك مثلا, لأنه قد يكون هذا المثال معلوم من الدين بالضرورة, مع ذلك خولف, هذا لا يجوز قطعا, أوليس معلوم من الدين بالضرورة, فخولف حينئذ ننظر هذا الذي خالف هل كان بدليل من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هو اتباع هوى, أم هو اتباع مصلحة زعموا, أم مراعاة العصر كما يقولون اليوم, أم أم ... إلى آخره, فحينئذ لكل حالة جوابها, فإذا أنت عندك مثال فهاته.

 

السائل : مجموعة من العلماء لنفرض الأئمة الأربعة, يعني مثلا في حاكم, وبصدور العلماء مع الحاكم قرار, مثل ما صار في الوقت الحاضر أو مسائل فقهية, أصدروا فيها ويسموها إجماع, ونحن نعرف بالإجماع يلي قبله أنه محرم تفتي في هذه المواضيع ... ؟

الشيخ : والله يا أستاذ يحسن أن تجيب لنا مثال, وأنا أعتقد أن جوابي السابق واضح تماما, ليس كل مايدعى فيه الإجماع يكون فعلا هو أمر مجمعا عليه, فإذا كان المقصود أن هناك إجماع يقيني ومع ذلك خولف, فهذا لا يجوز طبعا, لكن يكون هناك إجماع غير ثابت يقينا, ممكن لبعض العلماء أن يخالفوا في ذلك, لكن نحن ننظر في هذا المخالف, وسبق الجواب عن ذلك, هل خالف ما كان عليه العلماء بدليل من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أقوال السلف الصالح, الصحابة ومن بعدهم من التابعين, إن لم يكن عنده شيء من ذلك فلا يجوز له المخالفة, وإن كنا لا نقول هذا كفر, لأنه خالف الإجماع, لأنه ليس هناك إجماع إلا ما كان معلوم من الدين بالضرورة, الآن يصلح في الحقيقة إن شئت أن تضرب على ذلك مثلا, لأنه قد يكون هذا المثال معلوم من الدين بالضرورة, مع ذلك خولف, هذا لا يجوز قطعا, أوليس معلوم من الدين بالضرورة, فخولف حينئذ ننظر هذا الذي خالف هل كان بدليل من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هو اتباع هوى, أم هو اتباع مصلحة زعموا, أم مراعاة العصر كما يقولون اليوم, أم أم ... إلى آخره, فحينئذ لكل حالة جوابها, فإذا أنت عندك مثال فهاته. السائل : ... شيخ الأزهر, وحتى كان وزير الأوقاف الشيخ الشعراوي, حتى الشيخ الشعراوي أيده بالموضوع ...

الشيخ : يا سيدي هذه المشكلة في العصر الحاضر نحياها هؤلاء العلماء بنسميهم, ما أظن هذه تعتبر يعني غيبة محرمة, وقد عرفتم قول الراجز العالم, وقد ذكرناه في جلسة قريبة العهد:

                         " القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر

ومجاهر فسقًا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر "

فكلامي الآتي يمكن أن نجد له مكانا في نوع من هذه الأنواع الستة, نحن نقول كثير من العلماء الرسميين هم الواقع يوقعون على بياض وليس عن اجتهاد, لأنهم إذا اجتهدوا لا يمكن أن يخالفوا النص, ربنا يقول كما تعلمون: (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ))وهؤلاء المفتون يعلمون أن هؤلاء الذين وقعوا على جواز الصلح معهم, ما جنحوا إلى الأمن وإلى السلام, بل لا يزالون محتلين البلاد بغيا وظلما وعدوانا, كان الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يسميهم بعلماء الرسوم, علماء الرسوم , الرسوم أي نعم, اليوم يقولوا العلماء الرسميين, نحن رأينا شيئا من ذلك, في عهود مضت علينا في سوريا, كل ما جاء حاكم يخالف الحاكم الأول تصدر فتاوى تؤيده, هذا بلا شك ما يصدر عن بحث واجتهاد وتحري الصواب, ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذكر الاجتهاد ماذا قال؟ قال: ( إذا اجتهد الحاكم ) ومعنى اجتهد: أي أفرغ جهده لمعرفة الحق, هؤلاء يقال لهم نحن نريد المسألة حتى ما يقوم علينا الشعب كذا وكذا, ثم الحقيقة من المشاكل القائمة في بعض العلماء المتأخرين هو ما يسمى التلفيق, هو ما يسمى التلفيق, التلفيق نقدر نعبر عنه بعبارة أخرى بالتوقيع, بمعنى يأخذ من كل مذهب ما يحلو له, فكنت أنا قد قرأت في بعض المجلات الإسلامية أن أحد الخديويين في مصر طلب منه أحد العلماء وكبار شيوخ الأزهر أن يضع قانونا يأخذه من القوانين الغربية, ويقول له: ولا عليك, أنا علي أن أجد لك مستند لكل قانون نضعه من كتبنا الإسلامية, ومعنى هذا الكلام أن يأخذ من كل مذهب ما يناسب القانون, أنا أضرب لكم مثلا, لو تبنى إباحة ما يسمى اليوم ظلما بالمشروبات الروحية, إباحتها إلا الخمر المستنبط من العنب فقط هذا حرام, وما في سوى ذلك من المسكرات, فحلال إلا ما أسكر منه من الكثير فهو حرام, فهذا المذهب يبيح للمسلم أن يشرب ما شاء من الخمور المستنبطة من غير عنب, بس لا تصل لمرتبة السكر, لأن هذا هو المحرم, تشرب كاسة كاستين وأنت ما بتتغير, فهذا حلال زلال لك, لكن إذا شربت الكثير فهذا حرام, هذا مذهب موجود في الإسلام, فبإمكانه أن يضع قانونا يوسع على الناس المبتلين بالشرب, ويقول: هذا قول من أقوال علماء المسلمين.  وعليكم السلام, أهلا مرحبا, يقولون عندنا عزيز بدون قيام, أهلا.

السائل : الله يمسيك بالخير.

الشيخ : مساك الله بالخيرات .

هذا العالم يقول لذلك الخديوي, ضع ما شئت من القوانين وأنا علي أسندها لك من كتب المسلمين, فممكن الواحد من هؤلاء لما يفتي بفتوى يؤيد فيه رأي الحاكم المستبد الجائر الظالم أن يستند إلى رأي من الآراء التي قيلت, لكنها إذا عرضت على الكتاب والسنة بتكون صفر على الشمال كما يقال, لا قيمة لهذا القول لأنه ليس كل قول له حظ من النظر, وإنما كما سمعنا آنفا في شعر ابن قيم الجوزية:

" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

        ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه. "

أهلا مرحبا.

السائل : هذا أخوي يا سيدي الشيخ, هذا أخوي.

الشيخ : مرحبا ما شاء الله, ذرية بعضها من بعض, عندك أنت شيء حول الإجماع؟ طيب تفضل

 

 

السائل : ... على أمر أو شروط والإجماع قد يكون إجماع سكوتي أو قولي, فهذا يكون فيه مخالفة شرعية, فماذا يكون موقف ... أو لأي حد يمكن الاعتراض على هذا الإجماع؟

الشيخ :  سبق الجواب, سبق الجواب آنفا:

                      " العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه. "

فما بالك إذا لم يكن هناك رأي فقيه وإنما هو عامة الناس, وأيها الناس اتبعوا الناس, كأنها آية أنزلت في كتاب الله فاتفاق جماعة من الناس على فهم نص من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهؤلاء لا ينبغي لعامة الناس أن يخالفوهم, أما أن يأتي ناس فيتفقون على رأي حديث ليس متلقى عن القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية في الحديث المتواتر صحة, وهو قوله عليه السلام: ( خير الناس قرني ) والمشهور على ألسنة الناس ( خير القرون قرني ), هذا خطأ رواية, وإنما اللفظ الثابت في الصحيحين وغيرهما : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) فالمسألة التي يكون عليها الناس في زمن ما إن كانت مطابقة لما كان عليه السلف الصالح فهو كما سبق في كلامنا آنفا عن الإجماع, وذكرنا قوله تبارك وتعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )).

فإذا كان الناس هؤلاء اتفقوا على شيء سواء كان حكما أو سلوكا كما قلت, وكان على خلاف ما كان عليه السلف الصالح, فهؤلاء يجب مخالفتهم ولا يجوز اتباعهم, لأنهم نهجوا خلاف منهج السلف الصالح, وهم القوم لا يشقى جليسهم, لعلي أعطيتك جواب السؤال؟

السائل : الشطر الثاني: إلى أي مدى المخالفة بتكون, الحد هل هو يكفي المخالفة السلبية, مخالفتهم بالعمل أو الرأي أو يجوز تقويمهم ؟

الشيخ : أو يجوز تقويمهم! تقول كيف تقويمهم؟ بالسيف بالعصا ؟ لا.

السائل : أنشق عصا الطاعة على الحاكم.

الشيخ : ما في هذا, هذا ليس لعامة الناس, أنا بقول القوة وليست لعامة الناس وأفراد الناس, وإنما هذا من شأن الحاكم, وإنما أفراد الناس سبيلهم كما كنا ذكرنا يمكن في جلسة عندك (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) (( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء )) التقويم بالقوة هذا من شأن الحاكم.

الإصلاح لا يكون إلا بالبيان, والبيان هو الذي يطرد الشيطان, وإذا كان الداع مخلصا وكان المدعون كذلك فهناك يحصل الوفاق والتلاق, أما لا سمح الله أحد الفريقين غير مخلص فهناك يقع مما يقع بين الزوجين من الطلاق.

السائل : والله يا شيخ هؤلاء علماء الرسوم يلي شبهتهم لنا, إنه وجه محزن يدمي القلب.

الشيخ : والله صحيح ولكن الإنسان كما قال تعالى في القرآن: (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) والإنسان في الواقع, كل إنسان من الشيخ وأنت نازل إلى الفريخ, ينسى حاله وينتقد غيره, وما أروع ما قاله عليه السلام في الحديث الصحيح: ( يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه ) فصحيح أن المسلم مأمور بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى وبالنظام القرآني المذكور آنفا: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) لكن لا يجوز له أن ينتقد الناس انتقادا من باب أن يشفي غيظ قلبه, وإنما فقط ليصلح ما هم فيه من الخطأ والانحراف, طيب في شيء غيره.

 

السائل : في أحد قرأ في المجموع يقول: هناك إجماع بأن الحديث الضعيف يؤخذ في فضائل الأعمال, فأنا كنت أريد التحدث عن  الحديث الضعيف, وفي هناك قيل الحديث الضعيف إذا ورد بعدة طرق, حسن هذا الحديث واعتبر حسن, فهل هذا صحيح يا شيخ؟

الشيخ : الشق الأول ما هو حتى نحدد الجواب ؟

السائل : الشق الأول ما نقله النووي حول الحديث الضعيف أنه يأخذ إذا إجماع العلماء أو إجماع الأمة, أن الحديث الضعيف يؤخذ في فضائل الأعمال, هذه نقطة. والشق الثاني ...

الشيخ : حسبك, أنا أريد أجاوبك على الشق الأول حتى لا أنسى أنا الشق الأول والشق الثاني, يعني يكون الجواب عن الشق الأول, ما أدري إن كنت تنقل نقلا حرفيا أم تنقل بالمعنى, أنا الذي أعرفه من كلام النووي رحمه الله تعالى, فأنت تقول أنه ينقل الاتفاق وليس الإجماع, فهل أنت تنقل حرفيا أو معنويا ؟

السائل : ليس حرفيا.

الشيخ : هذا هو لأن هذا مثال صالح يتعلق ببحثنا السابق, هناك فرق بين الإجماع وبين الاتفاق الذي ذكره الإمام النووي في مقدمة الأربعين النووية, رسالة معروفة فيها اثنان وأربعين حديثا, ثلاث وأربعين حديثا, وفي كتابه الكبير العظيم الذي هو أحسن كتاب في رأيي فيما يسمى اليوم بالفقه المقارن, حيث يذكر المسألة في  وجهة نظر الإمام الشافعي لأنه هو كتابه اسمه المجموع شرح المهذب, المهذب كتاب من كتب الشافعية, على مذهب الإمام الشافعي, لكن من فضائل الإمام النووي رحمه الله تعالى التي انفرد بها بين كل من ألف في هذا المجال, أي بالفقه المقارن, هو أنه جمع بين خصلتين ممتازتين:

الأولى: أنه حينما يتعرض لذكر وشرح المسألة في وجهة نظر المذهب, أي المذهب الشافعي يعقد فصلا خاصا, فيقول: مذاهب العلماء, فيذكر مذاهب العلماء الآخرين وأدلتهم, وكثيرا ما يختار من حيث الدليل خلاف مذهبه, وهذا من إنصافه, والمزية الأخرى أنه يخرج الأحاديث ويبين صحيحها من ضعيفها.