عن المقال

المؤلف :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

التاريخ :

Tue, Sep 16 2014

التصنيف :

فتوى

تحميل

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 101

السائلة : .. هل من ضمن شروط لباس المرأة أمام المرأة غير أنه عن مواضع الزينة ، أنه لا يشف ولا يصف من غير ...

الشيخ : أولاً ليس لدينا ، في تحديد عورة المرأة مع المرأة إلا هذه الآية ، لكن هذه الآية فيها الخير والبركة والحمد لله ، كما هو شأن كل الآيات من هذه الحيثية ، لأننا إذا استحضرنا في أذهاننا ، بعض الآيات التي فيها ، أمر المرأة بأن تضع عليها الجلباب .. (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن )) ومعلوم عند أهل العلم أن الجلباب يستر جميع بدن المرأة من رأسها إلى قدمها ، حاشا ما قام الدليل عن استثناءه ، ألا وهو قرص الوجه ، والكفين ، كذلك الآية الأخرى : (( ولا يضربن بخمورهن على جيوبهن )) وأنا أرى من هذه أن أذكر ، والذكرى تنفع المؤمنين وإن كان السؤال حول تحديد عورة المرأة مع المرأة ، فأنا أريد أن أذكر ، بأن كثيراً من النساء المسلمات الصالحات واللاتي يُعبر عنهن اليوم بالملتزمات . ينسين أن الله عز وجل فرض عليهن مع الجلباب شيئاً آخر اسمه خمار . فواجب المرأة إن خرجت من بيتها أن تخرج مختمرة متجلببة على رأسها الخمار ، وعلى الخمار الجلباب ، وإذا عرفنا أن الجلباب يستر أيضاً الرأس والعنق والصدر فحينما نأتي إلى الآية المسئول عنها ، (( ولا يبدين زينتهن )) أو لبعولتهن ، فإذا استحضرنا في ذهننا ما سبق من الآيتين ، فيكون قد قام في ذهننا أن المرأة يجب أن تكون مستورة كلها إلا ما ذكرنا ، فحينما يسمح لها ، يبقى ما لم يسمح به ، يبقى على أنها عورة ، وعلى أنه يجب ستره ، فإذا قال تعالى (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... )) أو أو  .. إلى أن يقول (( أو نسائهن )) إذاً جعل النساء في خاتمة الآية كالمحارم في أول الآية ، فكما لا يجوز لأي محرم من هذه المحارم أن تظهر المرأة أمامه إلا ساترة كل جسدها ، إلا مواضع الزينة ، إذا عرفت هذه الحقيقة ، بقي علينا أن نفهم شيئاً آخر ، وهو ما المقصود من مواضع الزينة ، عفواً  ما المقصود من الزينة ؟ للعلماء ، علماء التفسير ، في هذه الآية قولان :

أحدهما : أن المقصود ظاهر الآية (( ولا يبدين زينتهن )) ، القول الثاني : ولا يبدين مواضع الزينة ، وأنا أرى أن هذا القول الثاني عام وأشمل من القول الأول ، لأنه إذا كان المعني من الآية مواضع الزينة وكانت هذه المواضع مزينة ، دخلت الزينة في المواضع وليس العكس تماماً بمعنى : إذا اخترنا القول الذي يقول الزينة نفسها ، فإذا المرأة مثلاً لم تكن قد وضعت العقد في عنقها فهل معنى ذلك ...

الطالبة : ...

الشيخ : لا ، عن القول الثاني : ولا يبدين زينتهن الزينة نفسها على هذا القول معناها أنه إذا لم يكن هناك زينة معليش ، أما على القول الذي اخترناه ، فإذا لم يجز للمرأة أن تظهر موضع الزينة ، فمن باب أولى أن لا يجوز أن تظهر الزينة التي هي على الموضع ، فإذاً لا يجوز للمرأة أن تظهر مواضع الزينة إلا لهؤلاء المحارم وإلا للنساء ، نسائهن ، المقصود بها هم المسلمات على هذا التفسير جرى علماء السلف كلهم ، جروا على أن المقصود أو نسائهن أي المسلمات ، لا خلاف بين العلماء علماء التفسير في هذا أبداً ، حتى جاء الأستاذ المودودي رحمه الله ، جاء برأي جديد ، حيث قال : " أو نسائهن " يعني المتخلقات بأخلاق الإسلام ولو كن كافرات مشركات ، وعلى العكس من ذلك يقول إذا كن نساء المسلمات ، لكنهن غير متخلقات بأخلاق الإسلام ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام هذا الجنس ، من النساء المسلمات ، لكن هذا الرأي مرجوح ، لماذا ؟ لأمرين اثنين :

الأمر الأول : أن هذه الإضافة (( أو نسائهن )) هي كما يقول العلماء في كثير من المواطن هي إضافة تشريف .

السائلة : أنا أريد تفصيل هذه النقطة بالذات .

الشيخ : على كل حال ... ، طيب فقوله تعالى : (( أو نسائهن )) أضاف النساء إلى نساء المسلمات وخاطبهن بقوله : (( ولا يبدين )) منهن ؟ النساء اللاتي ذكرن من قبل . (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين )) إذاً لما قال تعالى : (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن )) إلى آخر الآية ، ثم قال في خاتمتها : (( أو نسائهن )) فيعني النساء المسلمات ، هذا الوجه الأول والوجه الثاني : اتفاق علماء التفسير على هذا التفسير دون خلاف بينهم ، و من قواعدهم أصول التفسير أنه لا يجوز الخروج عما اتفق عليه علماء السلف ، لأنهم بلا شك أعلم وأفقه وأدين وإلى آخره ، فإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام المحارم ومن هم مثلهم إلا بإظهار فقط مواضع الزينة ، فما هي مواضع الزينة ؟ أول ذلك الرأس وما حوى ، مثلاً في الرأس مواضع الأقراط ، والعنق موضع الطوق ، ثم الرأس يوضع عليه المشط أو زينة أخرى كما هو معلوم ثم من مواضع الزينة الأساور ، حيث المعصم ومن مواضع الزينة شيء كانت النساء في الجاهلية ثم في الإسلام ، يضعهن على العضد مثل الخلاخيل في الساق ، مواضع الزينة ...

الطالبة : ... .

الشيخ : الآن الحقيقة ما يخطر ببالي ، وعلى كل حال مش مهم من مواضع الزينة موضع الخلخال . هذه هي مواضع الزينة ، وهذه هي المواضع التي تضطر المرأة أن تكشف عنها حينما تريد أن تتهيأ للصلاة أمام محارمها ، وكذلك أمام بنات جنسها ما سوى ذلك بقي على العورة ، كما شرحنا آنفاً ومن يقول بأن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل من السرة إلى الركبة ، فهذا قول لا أصل له لا في كتاب الله ولا في حديث رسول الله ، حتى ولا في حديث ضعيف ، إنما هو الرأي والاستنباط ، مع ذلك عند من يقول هذا القول من بعض الفقهاء ، نجد في مثل هذا القول من بعض الفقهاء ، نجد في مثل كتاب البحر الرائق ، لابن نجيم المصري ، التصريح بأن صدر المرأة عورة ، وهو عورة ، يعني كأمثلة للآية السابقة ، التي أباحت إظهار الزينة للمرأة أمام المحارم ومعلوم أن ليس هناك في صدر المرأة زينة ، بظهرها في إبطها ، ولذلك يظهر أن كثيراً من نساء اليوم ينحرفن عن هذه الآية ، إنما تلبس إحداهن القميص الشيال أمام أمها ، أو أختها فضلاً عن أخيها ...

الطالبة : اليوم بعض الناس البنات يظهرن كل صدرها وما امرأة عملت لها شيء .

الشيخ : أعوذ بالله ، المهم أن نفهم الآية ، حتى نعرف كيف نبين للناس انحرافهم عن الكتاب ، هذا شيء ، وشيء ثاني : أنا قلت آنفاً : أن الحقيقة لا يوجد لدينا نص صريح أكثر من هذه الآية ، لكن يوجد هناك حديث يفهم منه ، شيء مما جاء في الآية ذكره ، حديث يرويه أبي داود في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً إلى بيت عائشة ، ومعه غلاماً لها ، فاستأذن في الدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مضطجعة ، فكأنها تحرجت من دخول أبيها عليها ومعه غلامها ، كانت مضطجعة حاسرة الرأس كاشفة عن القدمين ، وشيء من ساقيها ، فقال عليه السلام : ( يا بني لا بأس عليك ، إنما هو أبوك وغلامك ) هذا معناه أنه لو كان هناك شخص آخر لم يجز لها أن تريه ساقيها ، هذا الحديث يمكن أن نعتبره كتفسير جزئي يؤيد التفسير السابق للآية الكريمة ، هذا ما عندي جواباً عن السؤال السابق .

 

السائلة : بالنسبة للباس الجلباب هل يجوز للمرأة أن تلبس جلباب ساتر دون أن تلبس تحته ملابس صيفية ، إذا أرادت أن تخرج إذا كان الجو حار فهل يجوز لها ان تلبس الجلباب فقط أم أن تلبس الثياب العادية وفوقها الجلباب  ؟

الشيخ : نعم هو هذا ما أشرنا إليه آنفاً ، لابد للمرأة إذا خرجت من بيتها أن تجمع بين وضع الخمار على رأسها ، ثم على الخمار الجلباب ، لتحقيق قوله تعالى : (( وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) ، (( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها .. )) وهذا نقطة يغفل عنها كثير من المسلمات الملتزمات كما قلنا آنفاً ، لأنهن يأخذن القضية ليس بالعلم الشرعي وإنما بتحكيم العقل ، شو المقصود من الحجاب ؟ هو أن تستر المرأة وجهها ، أن تستر المرأة بدنها كله ، فهذا الجلباب يستر البدن ، لكن هناك شيء آخر يجب ملاحظته وهو أن لا يكون الجلباب أو الثوب الذي تلبس المرأة يحجم شيئاً من أعضاء بدنها ، فحينما تضع المرأة الجلباب فقط على رأسها ، سيظهر الرأس محجماً لاسيما كما نلاحظ من بعض النساء ، حينما يكورن ويعقدن شعورهن في قفا رؤسهن ، فيكون الرأس هذا بارز من الخلف ، فحينما يأتي الخمار ، والخمار أظن أنكن تستحضرن أنه ليس المراد به ما يسمى اليوم بالإشارب ، وإنما ما تسدل به المرأة حينما تدخل في الصلاة ، حيث أن هذا الحجاب أولاً يغطي ، شعر الرأس ثم ينزل مسدولاً على الكتفين ، فلا يحجم الكتفين فإذا جاء فوق الخمار الجلباب اندفع بهذين الأمرين تحجيم رأس المرأة ، وقد جاء في السنة ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءته ثياب رقيقة من مصر يوماً فأهدى إلى أحد أصحابه شيئاً منها ، لعله زيد بن ثابت ، أو زيد بن الأرقم نسيته ، فقال له البسها زوجتك ، ولتضع تحت هذا الثوب من الثياب الغليظة لكي لا تحجم عظامها ) أي بدنها ، من هنا أخذ الشرط المذكور في حجاب المرأة المسلمة بأن من شروط الجلباب أن لا يصف ولا يشف الوصف هو التحجيم ، والشفافية أن يكشف عن لون البشرة ، هاتان الصفتان يشترطان في كل عورة سواء كانت عورة الرجل أو عورة المرأة ، ولذلك لا يجوز للرجال أن يلبسوا بما يسمى اليوم بالبنطلون لأنه يحجم الفخذين ، قد يحجم ما بينهما تحجيما قبيحاً جداً ، فلا يجوز للرجل فضلاً عن المرأة ، ومن عجائب المفارقات التي نلاحظها نحن اليوم ، أنه يكون الزوج رجلاً طيباً يصلي ويصوم إلى آخره ملتزم بعض الشيء ، لكنه هو إن صح التعبير متبنطل لابس البنطلون ، لكنه متعصب كل التعصب وبحق بالنسبة لزوجته فهو لا يريد أن تلبس ثوباً ضيقاً لماذا ؟ لأنه يحجم عورتها ، ونسي نفسه ، نسي أنه يلبس البنطلون الذي يحجم العورة ، فيجب على الزوجين كليهما أن يلتزما أحكام الإسلام في كل شيء ، ومن ذلك أن يبتعدا عن لباس أي ثوب يحجم العورة ، كل بحسبه ، فالمرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ، أما الرجل فمن السرة إلى تحت الركبة ، في عندي ملاحظة حتى يصير في عدل بين الحاضرات ، كل واحدة تسأل سؤال على الدور ، فإن أنت سبقت في الحضور فقد أخذت كفاية وبركة الآن ، أما إذا كان ما أحد عنده سؤال فلنرجع إليك ، ونبدأ من اليمين حتى نبتعد عن الفوضى ، عندك شيء ؟ عندك شيء ؟ لكن هذه عندها شيء تفضلي .

سائلة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه أجمعين ، بالنسبة لنا نحن نلبس الجلباب كما تراه ، وهو عبارة عن ثوب وفوقه ...طويل  ، فهل يعد هذا لباس شرعي أم أفضل نغيره بالعباءة ما رأيك يا شيخ ؟

الشيخ : العباءة توضع على الرأس أم على المنكبين اسمعي انت خليكي مستمعة ...

السائلة : على الرأس ، من غير الرأس يعني موضوعة على الكتفين كالثوب .

الشيخ : فاهم ، فاهم هذا أنا شايف هذا ، بس العباءة التي تسألين عنها أسألك توضع على الرأس أم توضع على المنكبين ؟

السائلة : فوق الرأس .

الشيخ : فوق الرأس ، هنا يأتي الجواب كالآتي : العباءة هو الجلباب المذكور في القرآن ، ولذلك أمر الله عز وجل ، أو من أجل ذلك أمر الله عز وجل ، المرأة أن تجمع بين وضع الخمار وعلى الخمار والجلباب لماذا ؟ لأن الجلباب باعتباره أي العباءة ، نحن الآن قلنا عباءة ، أو جلباب فالمعنى واحد ، العباءة معلوم أنها مفتوحة من الأمام ، ولذلك قال تعالى حينما ذكر الجلباب : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين )) ما قال يغطين ، قال يدنين ، ذلك لأن المرأة في الجاهلية كانت إذا خرجت متجلببة ، الجلباب لباس شعبي عربي قديم ، لكنها لما كانت جاهلية لا دين لها كانت تلقي الجلباب على رأسها ، نصف رأسها هنا مكشوف ، كما تفعل بعض النساء بالنسبة للإشارب ، وكما تفعل بعض العراقيات المستهترات ، تلقي الجلباب على نصف الرأس ، وصدرها ورقبتها كله مبين ، فالله عز وجل أدب المسلمات بقوله : (( يدنين عليهن من جلابيبهن )) أي حينما يضعن هذا الجلباب ، ينبغي هذا الإدناء وهو التقريب التقريب إلى حيث يغطي ما سوى الوجه. ( )

الشيخ : هذا في الرأي الراجح ، وهناك قول آخر لبعض المسفرين أنها تغطي الوجه كله إلا عين واحدة ، هكذا جاء الوصف ، وبعضهم ذكر العينين ، الشاهد العباءة هو الجلباب ، ولكن لما كانت المرأة من الممكن أن تغفل عن عباءتها ، فأمر الشارع الحكيم أن تضع تحت الجلباب الخمار ، فالخمار تضربه على رأسها وعلى عنقها ، فلو انكشفت العباءة شيء بدون قصدها فيكون هناك في احتياط ، فحينئذ إذا استعملت العباءة ووضعت على الرأس ، من مقدمة الرأس وتحت خمار يكون هذا فيه تمثيل الآيتين الكريمتين ، آية الجلباب وآية الخمار

 

لكن لابد من بيان شيء وهو هل الأمر في الجلباب الذي كان معهوداً ما قبل الإسلام ، ثم فُعل في الإسلام ، هل هو تعبدي أم هو معقول المعنى ؟ وأظن أن الجميع يفهمن المقصود من كلمتي تعبدي أو معقول المعنى .

السائلة : اشرحها إذا سمحت .

الشيخ : طيب ، المقصود عند الفقهاء بكلمة تعبدي أي نحن نتعبد الله في تنفيذ هذا الحكم ولا نعرف ما الحكمة وما السر ، خلاف إذا كان معقول المعنى أي أن العقل يدرك لماذا ربنا عز وجل أمر بذلك الشيء ، نضرب مثلاً  لتوضيح التعبدي وتوضيح معقول المعنى ، ربنا عز وجل شرع للمسلمين جميعاً خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فاوت بينها في عدد الركعات ، فاوت بين هذه الركعات ، بما يتعلق بقراءة القرآن شيء سر ، وشيء جهر ، شيء نصف سر ، ونصف جهر وهكذا ، ترى يأتي السؤال هنا لماذا هذا التفاوت ، لماذا الفجر ركعتان ، والمغرب ثلاثة ركعات وبقية الصلوات أربع أربع ؟ الجواب : لا ندري هذا غير معقول المعنى ، يأتي مثال آخر لمعقولية المعنى ، نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ، هذا تعبدي أم معقول المعنى ؟ معقول المعنى ؟ لماذا ؟ لأن بيع الغرر يوجد المخاصمة بين المسلمين ، ولذلك نهي عنه ، فهذا معقول المعنى ، وأكثر المعاملات من هذا القبيل تكون معقولة المعنى ، وأكثر العبادات غير معقولة المعنى ، مثلاً تحريم الحم الخنزير : (( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير )) إلى عهد قريب كان المسلمين يتلقون هذا الحكم بالتحريم على التسليم ، لا نعرف لماذا حرم الله أكل الخنزير ، الآن يمكن قرأتم أو سمعتم إنه ظهر أن فيه الدودة الوحيدة ، وأنها تعمل أضرار في البدن ، وخاصة أنها لا تموت إلا بحرارة شديدة جداً ، وإذا ما طبخوا هذا اللحم الخبيث بالحرارة الشديدة ، يذهب طعمه على رأي أولئك الكفار ، إذاً هذا الآن صار معقول المعنى ، لكن هل هو معقول المعنى ؟ بحيث أننا نستطيع أن نقول أن علة التحريم هو هذه الدودة الوحيدة ، بمعنى إذا ما قُضي عليها ، حل هذا ؟ الجوب : لا ، لأنه ما عندنا نص قاطع ، بأن سبب تحريم أكل لحم الخنزير هو الدودة الوحيدة ، إذا عرفنا تقريباً التعبدي ، ومعقول المعنى ، نعود الآن ربنا عز وجل فرض على النساء الجلباب ، تُرى هذا تعبدي ؟ ما نعرف شو الغاية ، أم مفهوم شو الغاية ؟ مفهوم شو الغاية ، وهو التستر وتغطية الزينة التي قد تكون المرأة متزينة بها تحت جلبابها ، فإذاً هذا الأمر معقول المعنى لدفع الفتنة ، فلو قام مقام الجلباب ثوب آخر ، لا يسمى لغة جلباباً ، مثلاً : في بعض البلاد العربية ، كسوريا والأردن أيضاً ، أقول الغطاء الشرعي هناك عبارة عن قطعتين ، يعني ملاية الزم ، قطعة فوقانية وقطعة تحتانية ، هذه لا تسمى جلباباً ، ولا تسمى عباءة ، لكنها من حيث أنها تحقق الستر المراد من الجلباب ، هذا متحقق تماماً ، فإذاً الواجب على المرأة أن تلبس اللباس الذي يستر بدنها كالعباءة ، أو أحسن إن وجد ، لكن هذا كله لا يعفي النساء من واجب وضع الخمار تحت أي لباس كان جلباب أو كان ملاية زم ، أو نحو ذلك ، لعله دفع  التحجيم لرأس المرأة ، كما ذكرت آنفاً .

الطالب : بالنسبة... ، وبمعنى ما في تعبد في لبسنا العباءة ؟

الشيخ : أيوه ، ليس مقصوداً بذاته ، مقصود لحجب المرأة عن أعين الرجال ، فإذا وجد هناك ثوب آخر أدى نفس الغرض ، مع المحافظة على الخمار ، فهو ماشي وليس على المرأة في ذلك شيء غيره .

 

السائلة : بالنسبة لنا نحن طالبات في جامعة الملك عبد العزيز ، ففي قسم الشريعة يدرس الأحكام على المذاهب والأخوات بتعاملهم على هذا الأساس ، وعند المناقشة معهم فإذا كان الحديث ضعيف أو يجب علينا عدم إتباع مذهب معين ، نجد مناقشة عقيمة تقام ، فلا نعرف كيف نتصرف أو نرد عليهم ، خصوصاً عندما نبحث مسألة نبحثها عن طريق الكتاب والسُنة دون اللجوء إلى كتب المذاهب ، فإذا عرفنا أن هذه الطريقة خاطئة وهي إتباع مذهب معين بعينه ، فما هي الطريقة الصحيحة التي تنصحنا بها ... وجماعة الإخوان والدعوة والتبليغ ؛ لأن بعضهم ما يفهموا هذا الشيء ، ما شين ...غير منتمين لهذه المجموعات فما هي الطريقة الصحيحة لتوجيههم .

الشيخ : مما لا شك فيه ، أن الواجب على كل مسلم سواءً كان عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو جاهلاً ، الواجب على هؤلاء جميعاً ، إنما هو إتباع الكتاب والسُنة هذه يجب أن نعتبرها مقدمة أولى ولا خلاف ولا نقاش بين أحدٍ من المسلمين ،  الشيء الثاني : أن الله عز وجل بعد أن فرض على كل المسلمين ، أن يحكموا وأن يتبعوا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذا أمر لا حاجة بنا للخوض فيه ، لأنه مسلم فيه عند الجميع ، جعل المجتمع الإسلامي ، أن يتحاكموا إلى الله ورسوله ، فقد جعل المسلمين قسمين ، من حيث العلم وعدمه ، القسم الأول هم العلماء ، والقسم الآخر هم الذين لا يعلمون ، وقد قال تعالى في صريح القرآن الكريم : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وأهل الذكر لا شك هم أهل القرآن ، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الثابت : ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته .. ) أهل الذكر هم أهل القرآن ، والرسول يقول : ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) . فعلى جميع المسلمين الذين ليسوا من العلماء أن يسألوا العلماء كما جاء في حديث أبي داود الذي يؤكد أن المبتلى بشيء ما يريد أن يعرف حكمه ، فإذا استفتى غيره فيجب على هذا لمفتي ، أين يكون عالماً ليجوز له الافتاء وإلا دخل في قوله عليه السلام : ( إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء ، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فُسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ) حديث أبي داود يقول " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل سرية  فلما وضعت الحرب أوزارها بينهم وبين المشركين ، وناموا أصبح أحدهم جنباً ، وبه جراحات من أثر المعركة فسأل من حوله ، هل يجدون له رخصة ، في أن لا يغتسل قالوا له لابد لك من الاغتسال ، فاغتسل ، فأصابته الحمى ثم مات ، ولما بلغ خبره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب عضباً شديداً ودعا على الذين أفتوه بتلك الفتوى "  قال : ( قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا حين جهلوا ) الشاهد هنا : ( ألا سألوا حين جهلوا  فإنما شفاء العي السؤال )، إذاً الواجب على من لا يعلم أن يسأل أهل العلم ، والواجب على أهل العلم أن يفتوا هؤلاء الناس كما قال عليه السلام : ( من سُئل عن علم فكتمه أُلجم بيوم القيامة بلجام من نار ) إذاً كان هذا الواجب ، فمن الواجب أن يسلك المسلم طريق السؤال المشروع ، ليعرف حكم الله فيما هو بحاجة إلى معرفته ، ولا شك ولا ريب أنا نعلم جميعاً أن الأمر كما قال عليه السلام : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) وهؤلاء القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ، لم يوجد فيهم من يتمسك بقول عالم من علماء هذه القرون الثلاثة ، مثلاً لم يكن في الصحابة ولا فيمن بعدهم من هو بكري المذهب ، أبو بكر الصديق ، ولا من هو عُمري ، ولا من هو عثماني ولا من هو علوي ، وإنما كانوا جميعاً يتحاكمون إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل العلم ، يتلقون مع الكتاب والسُنة مباشرة ، من لا علم عنده ، يسألون هؤلاء العلماء دون أن يتعصبوا لشخص معين منهم ، لأن هذا التعصب ، يُنافي التوحيد الخالص ، التوحيد الخالص الذي هو إتباع المعصوم ، وليس هناك معصوم من البشر إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيما يتعلق بالدين ، أما أمور الدنيا فقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) وإذا الأمر كذلك فإذا ما تمسك رجل مسلم لا يعلم ، في سبيل أن يتعلم يتمسك بقول إمام من أئمة المسلمين ، سواء كان من الصحابة أو التابعين أو اتباعهم ، فقد جعل هذا الإنسان معصوماً كالرسول عليه السلام ، وهذا من الغلو في الدين ، الذي لا يجوز أن يقع فيه شيء منهُ مع المسلمين ، لذلك قال رب العالمين ، بالنسبة للنصارى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) هذا الآية ظاهرها أشكل على أحد الصحابة الذين كانوا تنصروا في الجاهلية ، ثم لما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام ، هداه الله إلى الإسلام ، ألا هو عدي بن حاتم الطائي ، فلما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية كان عدي في المجلس فأشكلت الآية عليه ، لأنه فهمها على غير المراد بها ، قال : " والله يا رسول الله ما اتخذناهم أرباباً من دون الله " لماذا هو قال هكذا ؟ لأنه فهم أنهم اتخذوهم أرباباً يعني يخلقون مع الله ، الله رب العالمين أي جعلوهم كرب العالمين ، فبين لهم الرسول عليه السلام أو بيّن له الرسول عليه السلام بأن المقصود بالآية الربوبية المتعلقة بالتشريع ، الله عز وجل كما أنه واحدٌ في ذاته ، وواحدٌ في صفاته ، فهو أيضاً واحدٌ في حكمه فليس لأحدٍ حكم معه إطلاقاً ، ولذلك ظهر اليوم العبارة العصرية : " أن الحاكمية لله عز وجل " وهذا فعلاً شيء جميل جداً لم يتبادر هذا المعنى إلى عدي ابن حاتم ولذلك قال له عليه السلام حينما استغرب المعنى الذي تبادر إلى ذهنه أنه هو المراد بالآية ، فقال له عليه السلام موضحاً ومبيناً : ( ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه ؟ ) قال : " أما هذا فقد كان يا رسول الله " قال : ( فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله ) , فإتباع الإنسان المسلم لشخص عالم لا يتعداه إلى غيره فيه كأنه رب العالمين له حق التشريع وليس هذا الحق لأحد من البشر إطلاقاً ، حتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هو يحكي ما أوحي إليه من ربه كما قال عليه السلام في حديث في سنن أبي داود أن عبد الله بن عمرو بن العاص ، جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، فقال : " يا رسول الله كنت في مجلس فيه مشركون ، فقالوا لي : تكتب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقوله في حالة الرضى ، والغضب " فقال له عليه السلام : ( اكتب ، فو الذي نفس محمد بيده ، ما يخرج منه إلا حق ) الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو وحده الذي يتميز عن كل البشر أن ما يخرج منه هو كله حق ، أما من أبي بكر الذي هو أفضل الناس ، بعد الأنبياء والرسل ، وأنت نازل وكلهم لا يمكن أن نصفهم بأن كل ما يخرج من فم أحدهم هو الحق ، لذلك لا يجوز أن نتخذ إنساناً بعينه إماماً لا نستفيد من علم الآخرين لأن هذا الحق ، لأن هذا الحق الذي أوحاه الله تبارك وتعالى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس محصوراً في شخص بذاته من بعده ، فنحن لا نعتقد في من خالفه عليه السلام من الصحابة ، ما يعتقده الشيعة في علي بن أبي طالب ، حيث اعتقدوا أن العلم الذي كان في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - انتقل كله إلى علي ، نحن لا نعتقد هذا ولذلك اعتقدوا فيه العصمة ، فجعلوه كالنبي عليه الصلاة والسلام في العصمة ، نحن نقول العلم الذي كان في صدر الرسول عليه السلام انتقل إلى الصحابة وليس إلى صحابي واحد ، ولذلك فمن شاء أن يأخذ العلم أو أن يأخذ بحظٍ وافر من هذا العلم فلا يكفي أن يأخذه من شخص واحد وإنما ينبغي أن يستفيد من جميعهم وإلا فقد أضاع على نفسه علماً كثيراً إذا عرفنا هذه الحقيقة وخلاصتها أننا مكلفون بإتباع الكتاب والسنة ، وأن المجتمع الإسلامي فيهم علماء ، وفيهم غير علماء ، وأن واجب هؤلاء غير العلماء أن يسألوا أهل العلم ليس أن يسألوا عالماً واحداً ، لذلك لم يكن التدين بالتمذهب بإمام واحد أو مذهب إمام واحد في القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية كما ذكرنا آنفاً ، وإنما كان العلم مشاعاً بين كبار الصحابة ، العلماء والفقهاء منهم ، كذلك كانت الفتوى تتوجه إلى عديد منهم وليس إلى شخص واحد منهم . وإذا كان الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع ، فيجب أن تعود سيرة المسلمين اليوم في التدين سيرتها الأولى ، في القرون المشهود لها بالخيرية ، أي ليس للمسلمين أن يتخذوا إماماً بعينه ، وإنما عليهم أن يستفيدوا من أهل العلم كما في الآية السابقة ، فإن فعلوا ذلك ، فقد اقتدوا بالسلف الصالح وإن لم يفعلوا فقد خالفوا السلف الصالح ، زايد على ذلك أنهم خالفوا أئمتهم الذين يدعون بأنهم يتبعونهم ، أو يقلدونهم ، لأننا نعلم جميعاً أنه قد صح عن كل إمام منهم ، أنه قال ناصحاً للأمة كلها : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " وهذا اعتراف منهم بأنه لا يمكن لعالم من علماء المسلمين أن يحيط بالحديث كله ، لهذا يقول ناصحاً لأفراد الأمة كما ذكرنا : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " وقال بعضهم ما هو أصرح من ذلك وهو الإمام الشافعي - رضي الله عنه - قال : " قد تخفي السُنة للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن فردً من أفراد المسلمين ، مهما قلت من قول أو أصلت من أصل وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خلاف قولي ، فخذوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - واضربوا بقولي عرض الحائط " ، فالأئمة في إتباع السُنة وإتباع قول الرسول عليه السلام ، وعدم تقليد الإمام إذا تبينت سُنة يكون والحالة هذه التمذهب بمذهب إمام واحد ليس فقط مخالفاً للكتاب والسُنة ، بل هو أيضاً مخالفاً لأقوال الأئمة @

 

الذين يتمذهبون بمذهب إمام معين ، هم مخالفون للكتاب والسُنة وغير متبعين لأقوال الأئمة ، فأصبحوا خارجين عن إتباع الكتاب والسنة وعن تقليد الأئمة لذلك يعجبني بهذه المناسبة ما ذكره أحد كبار علماء الهند وهو المعروف بأبي الحسنات اللكنوي في كتاب له اسمه : " الفوائد البهية في طبقات علماء الحنفية " ذكر في ترجمة أحد علماء الحنفية وهو المسمى بعصام البلخي ، عصام البلخي هذا من الطبقة الثانية ، من تلامذة أبي حنيفة لأن الشيخ عصام البلخي هو أبو يوسف ، وأبو يوسف كما هو معلوم تلميذ أبي حنيفة عصام البلخي هذا تلميذ أبي يوسف ، ذكره أبو الحسنات اللكنوي في ترجمته أنه كان يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه ، فهذا بلا شك كما يعلم العارفون لتراجم الحنفية أمر غريب ، شاذ بالنسبة لعلماء الأحناف ؛ لأنهم مطبقون طبعاً تبعاً لأئمتهم الثلاثة أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف القاضي ، كل هؤلاء الثلاثة ، قالوا بعدم شرعية رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه ، بل قالوا بكراهة هذا الرفع كراهة تحريم ، فلما رؤي عصام البلخي هذا ، وهو منهم يرفع يديه في الصلاة ، سُئل كيف أنت ترفع يديك في الصلاة وأنت تابع لأبي يوسف وأبو يوسف تلميذ أبي حنيفة وكلهم قالوا بأن هذا الرفع لا يشرع ، قال ، وهذه كلمة حق : " أن الله تبارك وتعالى قد كلف كلاً منا أن يعمل بما علم ، وقد علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه عند الركوع والرفع منه ، والله عز وجل لم يكلفنا أن نفهم شريعة ربنا بعقل أبي حنيفة وإنما كل إنسان بعقله وعلمه ويوم نلقاه سوف لا يقول لي لماذا خالفت أبا حنيفة ، وعلى العكس فيما إذا تركت هذه السُنة ، سيقول لي لماذا تركت هذه السُنة وقد عرفت أن نبيك - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه " علق على فعل عصام هذا ، هو بعبارة أخرى تدل على إتباعه لهذه السُنة ، ومخالفته لإمامه أبي حنيفة وأبي يوسف ، علق تعليقاً بديعاً ورائعاً جداً ، حيث قال : " ومن هذا يؤخذ أن من ترك تقليد إمامه في مسألة إتباعاً منه ، لقوة دليل مخالفه أنه لا يخرج بذلك عن التقليد ، أي تقليد الإمام بل هو في ربقة التقليد ، في صورة ترك التقليد إذا صح الحديث فهو مذهبي فقد صح الحديث عند عصام فترك قول الإمام واتبع الحديث وحينما اتبع الحديث فقد اتبع الإمام لأنه قال : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ولذلك قال هذه الكلمة أبي الحسنات وهو أيضاً حنفي وعالم فاضل من العلماء الهنود ، نأخذ من هذه المسألة أو يؤخذ من هذه المسألة أن الحنفي إذا ترك مسألة من مسائل إمامه ، إتباعاً لقوة دليل مخالفه أنه لا يخرج بذلك عن التقليد ، بل هو في ربقة التقليد ، في صورة ترك التقليد ، فإذاً الكتاب والسنة واتفاق الأئمة كلهم يأمرون المسلمين بأن يأخذوا دينهم عن الكتاب والسنة كلاً بحسبه أهل العلم من الكتاب والسنة ، ومن لا علم عنده بسؤال أهل العلم ، وليس بسؤال عالم واحد فقط ، إذا عرفت هذه الحقيقة فيجب على عامة المسلمين علمائهم وغير علمائهم أن يحييوا هذا الاتجاه الذي كان عليه سلفنا الصالح . وهو أن لا تتعصب طائفة منهم ، لإمام فتتعصب طائفة أخرى لإمام آخر ، وبذلك يقع المسلمون في محذور كبير ، وهو الاختلاف والافتراق ، وهذا لا يجوز في دين الله كما قال : (( فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون )) ومن يقرأ في التاريخ الإسلامي ، وما وقع بين متعصبة المذاهب من فتن تتجلى له ضرورة عودة المسلمين إلى إتباع الكتاب والسُنة على التفصيل السابق عُرف وأكرر العالم بعلمه ، وغير العالم بسؤال أهل العلم ، وليس بالتدين بإتباعه مذهب معين ، نحن مثلاً إلى عهد قريب أظن أنتم ما أدركتهم الذي أدركناه في مسجد بني أمية في دمشق ، يوجد المسجد الأموي ، يوجد فيه أربعة محاريب يصلي فيه في هذه المحاريب الأربعة أربعة من الأئمة : الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي ، فتجد ناساً يجلسون والصلاة قائمة لماذا ؟ هذا ليس إماماً لنا ، فإذا انتهت تلك الصلاة قام إمام ثاني وصلى ، والناس جالسون لا يصلون مع هذا الإمام ، هذا ليس إمامك وهكذا ، تفرقت جماعة المسلمين بسبب تعصبهم لإمام واحد ، كل منهم قنع بإمام هذه الظاهرة لم تكن في عهد السلف الصالح إطلاقاً ، كان يؤم المسلمين جميعاً امام واحد ، مع أننا نعلم أن بعض الصحابة كانوا يختلفون في بعض المسائل وكذلك التابعون ، ومن بعدهم لكن مع ذلك كانوا يصلون جماعة واحدة وفي مسجد واحد ، ترى لماذا حصل هذا الفرق ، بينما كان ، وبينما نحن عليه اليوم ؟ هو أن المنهج العلمي الذي كانوا عليه ، نحن حدنا عنه ، وتمسكنا بمنهج منحرف عما كانوا عليه فانحرفنا عن الكتاب والسُنة ، واتبعنا كلاً منا إماماً قنع به ، كما ذكرنا حنفي وشافعي ونحو ذلك ، لا يعني هذا الكلام شيئاً يخطر في بعض بال الناس ، وقد ينقلونه ويتهمون به الأبرياء لا يعني هذا الكلام أننا نحن اليوم حينما ندعوا لإتباع الكتاب والسُنة ، لا نقيم وزناً لهؤلاء الأئمة وأمثالهم ، حاشا لله عز وجل ، إنما نحن نقدرهم ونحترم تمام التقدير والاحترام ، ومن ذلك أننا أخذنا هذا المنهج الذي بيناه آنفاً من كلماتهم فهم الذين قالوا إذا صح الحديث فهو مذهبي إلى آخر ما هنالك من أقوال كنت جمعتها وأودعتها في مقدمة كتابي صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من التكبير إلى التسليم ، كأنك تراها ، فنحن إذاً بهم نقتدي ولهم نتبع في هذا المنهج ، الذي أمر الله تبارك وتعالى به الناس جميعاً ، (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) فتعظيم الأئمة وتقديرهم شيء ، وتعظيم حكم الشرع الصادر عن الله وعن رسول الله هذا شيء آخر . الغاية في الإتباع من البشر هو رسول الله ، أما الأئمة كل الأئمة لا نستثني منهم أحداً  سواء كان من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم ، فهم أدلاء هم وسطاء بيننا وبين نبينا - صلى الله عليه وسلم - فمن تمسك بواحد منهم ، فقد ضيع علوم الآخرين ، ويجب أن نؤكد في هذا ونرسخه في أذهاننا ، إذا ما تذكرنا الحقيقة السابقة ، أن علم الرسول عليه السلام لم يودع في صدر واحدٍ من الصحابة ، وإنما في صدور جميع الصحابة ، وهذا العلم الذي انتقل من صدور الصحابة ، لم ينتقل إلى صدر واحدٍ من التابعين ، وإلا إلى مجموع علماء التابعين ، ثم هذا العلم أيضاً لم ينتقل من مجموع صدور التابعين إلى صدر إمام من أئمة أتباع التابعين ، فإذاً العلم موزع بين العلماء جميعاً ، فينبغي نحن إذا أردنا أن نتلقى العلم أن نتلقاه منهم جميعاً ، لا نستثني منهم أحداً ، لا نتعصب لأحدٍ على أحد ، وإنما كلهم كما يقال في غير هذه المناسبة : " وكلهم من رسول الله ملتمس " أقول يقولون هذا في غير هذه المناسبة لأننا حينما نبين للناس أن الصحابة اختلفوا في بعض المسائل ، فعلينا أن ننظر مع من الحق فنتبعه ، كذلك الأئمة من بعدهم اختلفوا في بعض المسائل ، يجابهوننا بقولهم " وكلهم من رسول الله ملتمس " هذا نقوله نحن لكن الفرق كبير جداً بين ما نقوله نحن وما يقوله هؤلاء الناس

نحن نقول كل واحدٍ منهم كان هدفه وكانت غايته إتباع الكتاب والسُنة ، ولكن هذا لا يعني أن كل واحد منهم أصاب الحق في كل مسألة وإلا تناقضت أقوال الأئمة ، وبالتالي تناقضت الشريعة ، وهذا مستحيل لأن الله عز وجل يقول في حق القرآن الكريم : (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا )) لو كان هذا القرآن من البشر ، والبشر مختلف مضطرب الفكر ، لوجدوا فيه اختلافا كثيراً لكن هذا من وحي السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لكننا في الواقع نجد خلافاً كثيراً بين الأئمة ، وحسبكن بعض الأمثلة التي يبتلى بها الناس كثيراً ، مثلاً خروج الدم ، ينقض الوضوء ، أم لا ينقض الوضوء ؟ ثلاثة مذاهب ، ثلاثة أقوال ، لا يمكن أن تكون هذه الأقوال أن تكون من عند الله أبداً ، للآية السابقة : (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ))

الدم ينقض سواء كان كثيراً أو قليلاً  هذا قول ، الدم لا ينقض سواء كان كثيراً أو قليلاً هذا قول . والقول الثالث : إن كان كثيراً نقض وإن كان قليلاً لم ينقض ، ثلاثة أقوال نقول كله من رسول الله ؟ حاشا من رسول الله أن يقول مثل هذه الأقوال المضطربة ، هذا مثال من الأمثلة التي يُبتلى بها الناس جميعاً نساءً ورجالاً ، خذا مثال آخر وهو أدق بالنسبة لكونه له علاقة اجتماعية ، المذهب الحنفي مثلاً يقول إذا بلغت المرأة سن الرشد فلها أن تزوج نفسها بنفسها ولو لم يأذن لها بذلك ولي أمرها ، الشافعي والجمهور يقولون هذا النكاح غير صحيح .