عن المقال

المؤلف :

محمد بن علي بن جميل المطري

التاريخ :

Sat, Apr 11 2015

التصنيف :

الأداب والأخلاق

تحميل

فضل الغني الشاكر


فضل الغني الشاكر



 

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: ((وما ذاك؟))، قالوا: يصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به مَن سبقكم، وتسبِقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا مَن صنع مثل ما صنعتم))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبِّحون وتكبِّرون وتحمَدون دُبُرَ كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة))، قال أبو صالح: فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)).

 

قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 546): "قال أبو القاسم بن أبي صفرة: فيه نص على فضل الغني، نصًّا لا تأويلاً، إذا استوت أعمالهم بما فرض الله عليهم؛ فللغني حينئذ فضل أعمال البر المتعلقة بالأموال بما لا سبيل للفقير إليها، وإنما يفضل الفقر والغنى إذا فضل صاحبه بالعمل، فهذا ظاهر معنى قوله: ((فضل الله يؤتيه من يشاء))".

 

وقال النووي في رياض الصالحين (3/ 430): "باب فضل الغني الشاكر، وهو مَن أخذ المال من وجهه، وصرَفه في وجوهه المأمور بها؛ قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، وقال تعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]، وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، والآياتُ في فضل الإنفاق في الطاعات كثيرة معلومةٌ".

 

فالغني الشاكر هو الذي يأخذ المال بحقه، ويصرفه في حقه، والآيات التي فيها ثناء على المنفقين هي في الأغنياء المحسنين، الذين ينفقون سرًّا وجهرًا؛ كما قال الله سبحانه مثنيًا عليهم: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].

 

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسَد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً، فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً، فهو يقضي بها ويعلِّمها))؛ متفق عليه.

 

وعن ابنِ عُمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسَد إلا في اثنين: رجل آتاه الله القُرآن، فهو يقومُ به آناء الليل وآناء النهارِ، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهارِ))؛ متفق عليه.

 

وهذه الآيات والأحاديث تبين فضل الغني الشاكر، وقد تكلم العلماء في أيهما أفضل؛ الغني الشاكر أو الفقير الصابر، ولا شك أن الغنيَّ الشاكر أفضل من الفقير الذي لا يصبر، وكذلك لا شك أن الفقير الصابر أفضل من الغني الذي لا يشكر؛ قال ابن القيم في بدائع الفوائد (3 /162): "وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عنهما فقال: أفضلُهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى، استويَا في الدرجة".

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/83652/#ixzz3WzX0CSA4