عن المقال

المؤلف :

عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر

التاريخ :

Thu, Feb 19 2015

التصنيف :

التعريف بالإسلام

تحميل

كمال الدين وحسنه

كمال الدين وحسنه


إنَّ نعم الله على عباده عديدة وآلاؤه وأفضاله كثيرة ، وإنَّ أجلَّ نعمه سبحانه على عباده هدايتهم لهذا الدين القويم والملة الحنيفية ملة الإسلام ؛ التي لا تنال العبارة كمالها ، ولا يدرك الوصف حُسنها ، فما أنعم الله على عباده بنعمةٍ أجلَّ من أن هداهم له وجعلهم من أهله وممن ارتضاه لهم وارتضاهم له ، ولهذا امتنَّ عليهم بهدايتهم إليه ، قال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] ، وقال تعالى معرِّفاً لعباده ومذكِّراً لهم عظيم نعمته عليهم بهذا الدين ، مستدعياً منهم شكرهم على أن جعلهم من أهله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]  .
لقد جاءت شرائع هذا الدين وأعماله متممةً مكملة وسهلةً ميسرة ، لا يلحق العبادَ في الإتيان بها عنَتٌ أو مشقة، ومن يتأمل على سبيل المثال الأمور الخمسة التي بُني عليها الإسلام المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)) [1] يجد أنها أعمال ميسرة وطاعات مكملة ، مشتملة على صلاح العباد وزكاتهم وكمالهم ورفعتهم .
فالشهادتان عنوانٌ لهذا الدين ومفتاحٌ للإسلام ، وهما أصل الدين وأساسه ، ورأس أمره وساق شجرته ، وبقية الأركان والفرائض متفرعةٌ عنهما مشعبةٌ منهما مكملاتٌ لهما .
وأما الصلاة فقد وضعت على أكمل الوجوه وأحسنها ، متضمنة لتعظيم الله بأنواع الجوارح ؛ من نطق اللسان ، وعمل اليدين والرجلين ، والرأس وحواسه ، وسائر أجزاء البدن ، كلٌّ منها يأخذ حظه ونصيبه في هذه العبادة ، وهي مشتملة على الثناء والحمد والتمجيد والتسبيح والتكبير وشهادة الحق والقيام بين يدي الرب ، مقام العبد الذليل الخاضع المدبَّر المربوب ، ومشتملة على التذلل لله في هذا المقام والتضرع والتقرب إليه بتلاوة كلامه ، ثم انحناء الظهر ذلاًّ له وخشوعاً واستكانة ، ثم استواؤه قائماً ليستعِدَّ لخضوعٍ أكمل له من الخضوع الأول وهو السجود من قيام ، فيضع أشرف شيء فيه وهو وجهه على الأرض خشوعاً لربه واستكانة وخضوعاً لعظمته وذلاً لعزته ، وقد انكسر له قلبه وذله له جسمه وخشعت جوارحه ، ثم يستوي قاعداً يتضرع له ويتذلل بين يديه ويسأله من فضله ، ثم يعود إلى حاله من الذل والخشوع والاستكانة ؛ فلا يزال هذا دأبه حتى يقضي صلاته ، فيجلس عند إرادة الانصراف منها مثنياً على ربه مسلِّماً على نبيه وعلى عباده ثم يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل ربه من خيره وبره وفضله ، ثم يسلِّم . فأي عبودية أشرف من هذه العبودية !! وأي كمال وراء هذا الكمال ؟!
وأما الزكاة فإنها عبادة مالية عظيمة النفع كبيرة الأثر ؛ لما تضمَّنته من مواساة ذوي الحاجة والمسكنة من عباد الله الذين يعجزون عن إقامة نفوسهم ويُخاف عليهم التلف إذا خلَّاهم الأغنياء وأنفسهم ، مع ما فيها من الرحمة والإحسان والبر والطُّهرة والاتصاف بالكرم والإيثار والجود والفضل والخروج من الشح والبخل والدناءة ونحو ذلك مما يدل على تمام هذه العبادة وكمالها .
وأما الصوم فإنه عبادة عظيمة تكفُّ النفس عن شهواتها وتخرجها عن شَبَهِ البهائم إلى شَبَه الملائكة المقربين ، فإن النفس إذا خُلِّيت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم ، فإذا كُفَّت شهواتها لله ضُيِّقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبةً له وإيثاراً لمرضاته وتقرباً إليه ، فيدع الصائم أحب الأشياء وأعظمها لصوقاً بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه وطمعاً في نيل ثوابه ومرضاته ، فأيُّ حسْنٍ يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحيي القلب وترغِّب فيما عند الله وتزهِّد في الركض وراء الشهوات وتعين العبد على القيام بتقوى الله ؟! وما استعان أحد على القيام بتقوى الله وحفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصوم، وكل ذلك دالٌّ على كمال هذه العبادة وجمالها .
وأما الحج فشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة ؛ وهو خاصة هذا الدين الحنيف ، حيث جعل الله بيته الحرام قياماً للناس ، فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه ، فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرَّت السماء على الأرض كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما . فالبيت الحرام قيام العالم ، فلا يزال قياماً مادام هذا البيت محجوجاً ، فالحج هو خاصة الملة الحنيفية ، ومعونة الصلاة ، وسر قول العبد لا إله إلا الله ، فإنه مؤسس على التوحيد المحض والمحبة الخالصة والانقياد الكامل لله عز وجل ، ولهذا كان شعار الحاج (لبيك اللهم لبيك) .
ومن يتأمل في هذه العبادة العظيمة من الإحرام واجتناب العوائد والمألوفات وكشف الرأس ونزع الثياب المعتادة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ورمي الجمار وسائر شعائر الحج يجدها خير شاهد على حسن هذه العبادة وتمامها وكمالها . ومن نعمة الله على عبده المؤمن إذا أدَّاها على التمام والكمال أن يخرج من ذنوبه وخطاياه كيوم ولدته أمه ، فالحج يجُبُّ ما قبله ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )) [2].
فمن يفرط في هذه الأعمال الزاكية والطاعات العظيمة التي هي عنوان هذا الدين ودليل كماله فقد حكم على نفسه بالحرمان وقضى عليها بالخسران وحرمها لذة وزينة هذه الحياة ؛ إذ لذة الحياة الدنيا وزينتها الحقيقية إنما تكون بذلك ؛ عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا)) [3].
اللهم اجعلنا كذلك ، ومنَّ علينا بالثبات على ذلك . اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين غير ضالين ولا مضلين .
********
 
________________
[1] رواه البخاري (8) ، ومسلم (16) .
[2] رواه البخاري (1521) ، ومسلم (1350).
[3] رواه مسلم (34) .