عن المقال

المؤلف :

عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر

التاريخ :

Wed, Jan 07 2015

التصنيف :

للمسلم الجديد

تحميل

مكانة أهل العلم

مكانة أهل العلم

لا يخفى على كل مسلم ما للعلماء من مكانةٍ رفيعة ومنزلةٍ عالية ودرجةٍ سامية ؛ إذ هم في الخير قادة تُقتص آثارهم ويُقتدى بأفعالهم ويُنتهي إلى رأيهم وتقريرهم ، تضع الملائكة أجنحتها لهم رضًا بصنيعهم، ويستغفر لهم كل رطبٍ ويابس حتى الحيتان في الماء ، بلغ بهم علمهم منازل الأخيار ودرجات المتقين الأبرار فسَمَت به منزلتهم وعلَت مكانتهم وعظم شأنهم وقدْرهم كما قال الله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11] وقال تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] قال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله وهو يتحدث عن العلماء ومكانتهم : " فضَّلهم على سائر المؤمنين وذلك في كل زمانٍ وأوان ، رفعهم بالعلم وزيَّنهم بالحلم ، بهم يُعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل والضار من النافع والحسَن من القبيح ، فضْلهم عظيم وخطرهم جزيل ، ورثة الأنبياء وقرَّة عين الأولياء ، الحيتان في البحر لهم تستغفر ، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع ، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وبأعمالهم ينـزجر أهل الغفلة ، هم أفضل من العبَّاد وأعلى درجة من الزهاد ، حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة ،يذكِّرون الغافل ويعلِّمون الجاهل ، لا يُتوقع لهم بائقة ولا يخاف منهم غائلة " إلى أن قال رحمه الله : " فهُم سراج العباد ومنار البلاد وقوام الأمة وينابيع الحكمة ، هم غيظ الشيطان بهم تحيا قلوب أهل الحق وتموت قلوب أهل الزيغ ، مثلهم في الأرض كمثل نجوم السماء يُهتَدَى بها في ظلمات البر والبحر إذا انطمست النجوم تحيروا وإذا أسفر عنهم الظلام أبصروا " انتهى كلامه رحمه الله ، والآثار عن السلف في هذا المعنى كثيرة جدا .

وإذا كان أهل العلم بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة العالية المنيفة فإن الواجب على من سواهم أن يحفظ لهم قدرهم ويعرف لهم مكانتهم وينزلهم منازلهم وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)) رواه أحمد بإسنادٍ جيد.

وحقوق أهل العلم يجب أن تكون محفوظةً لهم حيِّهم وميتهم شاهدهم وغائبهم بالقلوب حباً واحتراما ، وباللسان مدحا وثناءً ، مع الحرص على التزود من علومهم والإفادة من معارفهم والتأدب بآدابهم وأخلاقهم ، والبعد عن النيل منهم أو اللمز لهم أو الوقيعة فيهم فإن ذلك من أعظم الإثم وأشد اللؤم .

إن العلماء هم القادة لسفينة النجاة ، والرواد لساحل الأمان ، والهداة في دياجير الظلام {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] ، وهم حجة الله في الأرض ، وهم أعلم بما يُصلح المسلمين في دنياهم وأخراهم لِما آتاهم الله من العلم ولما حباهم به من الفقه والفهم ؛ فهم عن علمٍ دقيق يُفْتُون وببصر نافذٍ يقرِّرون وعن نظرٍ ثاقب يحكمون ، لا يُلقون الأحكام جزافا ، ولا يصدّعون صفوف المسلمين فتاً وإرجافا ، ولا يبتدرون إلى الفتوى دون تحقيقٍ وتدقيقٍ تهاوناً وإسرافا ، ولا يكتمون الحق على الناس غمطاً لهم أو تكبراً واستنكافا ؛ ولهذا أمر الله بالرد إليهم دون غيرهم وسؤالهم دون سواهم وهذا في آيٍ كثيرة في القرآن منها قوله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وقوله تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83] وهذا فيه تأديبٌ للمؤمنين بأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة فيما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يثْبُتوا ولا يستعجلوا بل يردوا ذلك إلى الرسول - والرد إليه صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته - وإلى أولي الأمر منهم أهل العلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها ، فمن صدَر عن رأيهم سلِم ومن افتات عليهم تضرر وأثِم ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه " إنها ستكون أمورٌ مشتبهات فعليكم بالتؤَدة ؛ فإنك أن تكون تابعاً في الخير خير من أن تكون رأساً في الشر " .

وإن من علامات الضياع البعد عن العلماء الراسخين ، وترك التعويل على فتاوى الأئمة المحققين ، ونزع الثقة بالفقهاء المدققين ، وحين تفقد الأمة الأخذ عن العلماء يصبح شأنها كأناس في صحراء قاحلة وأرضٍ مجدبة بلا قائدٍ ناصحٍ يقودهم ولا هادٍ خِرِّيتٍ يدلهم فيؤول أمرهم إلى العطب وتكون نهايتهم إلى الخسران.

فالعلماء هم الذين لهم الصدارة في دعوة الأمة وتوجيه مسارها وإرشاد يقظتها ، وإن لم يكن الأمر كذلك اتخذ الناس رؤساء جهَّالا فأفتوهم بغير علم ودلُّوهم بغير فهم وحين إذٍ يحُلُّ الوهن ويعظم الخلل وتغرق السفينة ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه " عليكم بالعلم قبل أن يُقبض وقبضه بذهاب أهله ، عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يُفتقر إلى ما عنده ، وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم ، وإياكم والتبدُّع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق " . نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك لنا في علمائنا وأن يوفقنا لحسن الاستفادة منهم وسلوك طريقهم وأن يهدينا جميعا سواء السبيل .