عن المقال

المؤلف :

Saleh ibn Abd Al-Aziz ibn Uthman Sindi

التاريخ :

Fri, Oct 16 2015

التصنيف :

سير وأعلام

تحميل

على هامش الواقعة .. فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا

على هامش الواقعة .. فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.

 

إساءة الصحف الدنمركية والنرويجية في حق نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- وفداه أبي وأمي ليس شيء يهيج في قلب المؤمن غيظا أعظم منها، بل لا يستريب المؤمنون قط أن هذا مما يغيظهم ويؤلمهم أكثر مما لو سفكت دماؤهم وأخذت أموالهم.

والمتقرر شرعا وواقعا أن من آذاه عليه الصلاة والسلام ثم لم يتب فلابد أن يصيبه الله بقارعة؛ فإن لم يمكن المؤمنين أن ينالوه بما يذهب غيظ قلوبهم؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله عليه الصلاة والسلام ويكفيه إياه، والوقائع في هذا لا تكاد تحصر، ومنها ما ثبت في الصحيحين في قصة النصراني الذي أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد وعاد نصرانيا وذهب يطعن فيه عليه الصلاة والسلام، فلما مات ودفنه الكفار أصبحت الأرض وقد نبذته على وجهها، فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض مرة أخرى، فتركوه منبوذا؛ فالله أكبر: (إنا كفيناك المستهزئين).

إن هذه الحمية الدينية والغضبة الإيمانية التي انبعثت من أهل الإيمان صغيرهم وكبيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم لتثلج الصدر وتبهج الخاطر، وإني لأتراءى من خلال هذه الواقعة المؤلمة وتداعياتها عواقب حميدة، وأؤمل أن تثمر خيرا كثيرا وبشارات سارة، أسطر منها في هذه العجالة خمسا:

أولا: لعل من ثمرات هذه الحادثة عودة صادقة من أهل الإسلام إلى سنة نبيهم -عليه الصلاة والسلام- درسا وعملا واقتفاء، وزيادة في حبه، وإدراكا لحجم تقصيرهم في حقه، ويقينا بأنه لا سعادة ولا رفعة ولا هداية إلا باتباع هديه وتحكيم خبره وانتهاج سنته، ونفرة من بنيات الطريق ومحدثات الأمور.

ثانيا: ولعل هذه الحادثة أن تكون درسا لأولئك الذين خُدعوا تلك الخدعة الكبرى بأن أعداء الدين من أهل الكفر ليس بيننا وبينهم ما يقتضي العداوة ويستدعي البغض، وأنهم لا يضمرون لنا إلا الحب والإخاء، فمضوا يوهنون عرى (البراء) ويلبسون على المسلمين دينهم ويشغبون على هذا الأصل الأصيل، وما علم المخدوعون أنهم قد أخطأوا خطأ كبيرا، وها قد رأوا بأم أعينهم حقيقة الخلاف بيننا وبينهم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر.

ثالثا: ولعل من ثمرات هذه الحادثة أن يستيقظ كثير من الغافلين من أبناء المسلمين الذين وقر في باطنهم شيء من محبة الكافرين فأثمر تشبها ظاهرا بهم في سلوكهم ولباسهم، ومحاكاة في عاداتهم وأخلاقهم؛ فكيف تطيب قلوبكم يا شباب المسلمين بالتبعية لقوم طعنوكم هذه الطعنة النجلاء في شأن أسمى وأرفع محبوب من البشر -عليه الصلاة والسلام-؟

رابعا: ولعل من ثمرات هذه الحادثة أن يتنبه عقلاء الكفار ممن يخالط المسلمين أو يرقبهم من بعيد فيتساءلوا عن سر هذا الحب الذي هيمن على قلوب المسلمين ودفعهم إلى هذا القدر الكبير من الغضب والشجب والمقاطعة، وعسى أن يحرك هذا فكرهم وفطرتهم تجاه هذا الدين، أو يثير فضولهم للتعرف على هذه الشخصية الفريدة فيطلعوا على طرف من سيرته العطرة وشمائله الكريمة، وأرجو أن يكون هذا سببا في هداية من شاء الله هدايته منهم.

خامسا: هي بشارة لأهل الإيمان؛ فقد جرب المسلمون منذ القدم أنه متى نال الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها علامة صادقة أن الفرج قريب، وأن النصر قاب قوسين أو أدنى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول 2/233-234: (ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا؛ قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يُفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه، وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك).

د. صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي

الجامعة الإسلامية بالمدينة