عن المقال

المؤلف :

Saleh ibn Abd Al-Aziz ibn Uthman Sindi

التاريخ :

Thu, Oct 15 2015

التصنيف :

وجود الله عزوجل

تحميل

إنه الله الذي يتكلم

إنه الله الذي يتكلم !

الحمد لله ذي العزة والجبرياء، والعظمة والكبرياء، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء، من أُنزل عليه كتابٌ لا يغسله الماء، وعلى آله وصحبه الأتقياء الشرفاء، أما بعد:

ففي ذهني تتقابل صورتان متنافرتان؛ فإحداهما: لفتاة أوربية، (مطربة) مشهورة، أسلمت بحمد الله -وقد التقيتُ زوجها-، وكان سبب إسلامها أن وقع بين يديها كتاب في ترجمة معاني القرآن؛ فقرأته كاملا؛ فاهتدت به، دون أن يعظها بشر.

وكان من شأنها أنها كانت تقف بعد كل جملة من الآيات وتشير بإصبعها إليه صارخةً بإعجاب استولى على لُبها: إنه الله الذي يتكلم!

والصورة المقابلة: لفتاة كانت مسلمة فارتدت -عياذا بالله-؛ وكان من أسباب ردتها ما أفصحت به في تغريدة لها -أو نُعاقة-: أنها لم يعجبها أسلوب القرآن ولغته!

فتعجبت أن كلاما واحدا به اهتدت الأولى، وضلت الأخرى!

بل اهتدت به من عاشت جل عمرها في كفر وعبث، وضلت به من نشأت بين مسلمين، وشبّت وهي تسمعه وتتلوه وتتحفظه!

فوجدت الجواب الشافي في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى). وهذا من عجيب شأن هذا القرآن العظيم والكتاب الحكيم، ومن آثار اتصاف الله تعالى بالعلم والحكمة، والرحمة والرأفة، والعزة والكبرياء، والعظمة والجبروت.

إنه حقا كلام الله (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ)، إي وربي!

فأي كلام سواه أُحكمت براهينه وآياته، ولاحت دلائله وبيناته؛ فأعجزت الثقلين فصاحة وبلاغة، حدّث بالمغيبات، وأخبر بالمستقبلات، وشفى من الأمراض الحسية والمعنوية، وجاء بالحق وأزهق الباطل؛ حتى كان وحده دليلا كافيا وافيا على صدق الرسالة وصحة الدين (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

لكن لن يدرك هذا إلا من قرأه طالبا الحق، متجانفا عن الهوى.

أما من قرأه والحال أنه عبدٌ ذليل يتدبر بخشوع كلام مولاه، يتلمس فيه الخير والبركة ومداواة علله؛ فهذا له شأن آخر! إذ سيجد فيه قرة عينه وشفاء صدره، وسيتذوق حلاوته وطلاوته، ويهتدي من الضلالة، ويعتصم من الغواية، وينسكب الإيمان في قلبه، وتتفجر له أنهار المعرفة، ويفتح عليه من كنوز العلم ووابل الحكمة ما لا يحيط به فكر.

وأما من أمسكه بأطراف أصابعه، واستكبر عنه، وصعّر خده له؛ فبينه وبين الهداية به بُعد المشرقين؛ فإن من عزة الله وحكمته أن من كان هذا شأنه لن يكون القرآن سبب هدايته، بل سبب غوايته! جزاء وفاقا: (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى).

وصدق ربنا: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ)؛ فآمن = تهتدِ.

وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم، وآله وصحبه.

وكتبه: صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي

21/11/1434هـ