عن المقال

المؤلف :

Saleh ibn Abd Al-Aziz ibn Uthman Sindi

التاريخ :

Fri, Oct 16 2015

التصنيف :

الأداب والأخلاق

تحميل

إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما

تدبُر آية (1)

(إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:

فتحت قوله سبحانه: (عندك) يلوح لي معنى لطيف، وسر بديع .. ألا وهو: أن هذا هو الشأن .. متى ما بلغ الوالدان -أو أحدهما- الكبر؛ فوهن العظم، وضعف الجسم، واعتلت الصحة - أن يكونا "عند" الابن؛ قال ابن جزي: (ومعنى "عندك": أي في بيتك وتحت كنفك).

هذا هو المعقول، وهذا الذي ينبغي؛ فعند من يكونان إذا لم يكونا عنده؟! والشرع والعقل، والفطرة والمروءة، كلها شاهدة بهذا .. أن يكونا في كنفه وكفالته؛ وليس أن ينأى عنهما، ثم يمن عليهما بزيارات شحيحة متى ما فرغ من شغله وشغل عياله!

وليس وجودهما "عنده" شيئا يتفضل به عليهما! بل هذا مقتضى العدل؛ فالغرم بالغنم. قال الخازن في الآية: (معناه أنهما يبلغان إلى حالة الضعف والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر).

وإذا كانا "عنده" وجب أن يكونا الأهم؛ فلهما الصدارة، ولهما الأولية، ومن سواهما فدونما في الرتبة، وبعدهما في المكانة، ولو كانوا الزوجة والأولاد!

وإذا كانا "عنده" فهذا الوضع له تبعات؛ إذ إنهما يحتاجان منه إلى ما كان يحتاج منهما في طفولته، وهذا مظنة التبرم والضجر؛ فاحتيج إلى تذكيره بالصبر والاحتمال، ورعاية الأدب ولين الجانب: (فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) .. خمسة توجيهات جليلة، وتحت كلٍ من المعاني شيء عظيم.

أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في هذه الآية: (فلا تقل لهما أف فيما تميط عنهما من الأذى: الخلاء والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول)!

ثم إن قوله: (عندك) قد يوحي بمعنى دقيق؛ ألا وهو اللبث وطول المكث، وهو مدعاة لشيء من الضيق؛ إذ قد يصبر الابن على عسر في التعامل مع والديه الطاعنين وهو بعيد عنهما؛ أما أن يكونا عنده؛ فهذا شأن آخر يحتاج إلى تذكير بالصبر، وتحذير من أن يضيق ذرعا بهذين الكريمين .. المحتاجين إليه.

قال القرطبي: (فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة، ويُحصّل الملل، ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالّة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر)!

ولعمري إن لأهل النفوس الكريمة، والقلوب الرحيمة شأنا آخر .. فهم أشد ما يكونون فرحا إذا حلّ الوالدان في ربوعهم، أو ولوا شيئا من مؤنتهما؛ فيجدون اللذة في رعايتهما، والأنس في خدمتهما .. فطوبى لهم وحسن مآب.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه: صالح بن عبد العزيز سندي