رسالة إلى قسيس

رسالة إلى قسيس

رسالة إلى قسيس

 

 

 

 

 

 

 

تأليف

أحمد الأمير

 

 

 

الفهرس

مقدمة بعنوان "رسالة من قسيس" (د. مؤمن إبراهيم، القس السابق بيشوي ملك)

مدخل للمؤلف

الباب الأول: منهج البحث عن الحق

الفصل الأول: أشرف الخلق هم رجال الدين بعد الرسل

الفصل الثاني: مسؤولية رجل الدين أمام الله

الفصل الثالث: منهج البحث عن الحق

الفصل الرابع: السفسطائية والحق

الفصل الخامس: الابتداع هو سبب ظهور الكفر واستمراره

الفصل السادس: أساس الحوار

الفصل السابع: البداية والنهاية

الباب الثاني: المسيحية واليهودية ودين المسيح عليه السلام

الفصل الأول: ابتداع كلمة المسيحية

الفصل الثاني: ابتداع كلمة اليهودية

الفصل الثالث: اليهود والسامريين وبني إسرائيل

الفصل الرابع: دين السيد المسيح عليه السلام

الباب الثالث: المسيح عليه السلام في المسيحية والإسلام

الفصل الأول: ابتداع ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثاني: إنجيل يوحنا كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثالث: "كلمة الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الرابع: "ابن الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الخامس: "ربي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل السادس: "ربي وإلهي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل السابع: "الكائن على الكل" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثامن: "الولادة العذراوية"، و"المعجزات"، و"السجود له"، كدلائل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل التاسع: رد الكتاب المقدس على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل العاشر: رد القرآن الكريم على ألوهية المسيح عليه السلام

الباب الرابع: عقيدة الثالوث

الفصل الأول: "عقيدة الثالوث" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثاني: نبذة عن تاريخ عقيدة التثليث

الفصل الثالث: العقيدة المسيحية من التوحيد إلى التثليث

الفصل الرابع: طبيعة المسيح وعلاقة اللاهوت بالناسوت

الفصل الخامس: الفلسفة وعقيدة الصلب والفداء

الفصل السادس: أدلة أتباع مذهب التثليث

الباب الخامس: الكتاب المقدس

الفصل الأول: ما معنى كتاب مقدس؟

الفصل الثاني: وقوع بني إسرائيل في عبادة الأصنام وترك العمل بالتوراة على مر العصور

الفصل الثالث: ضياع التوراة وتاريخ تأليفها من جديد وتأليف باقي الأسفار

الفصل الرابع: من كتب التوراة أو أسفار موسى الخمسة؟

الفصل الخامس: توراة المسلمين

الفصل السادس: من كتب الإنجيل؟

الفصل السابع: الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام

الفصل الثامن: اعتراف الكتاب المقدس بالتحريف الذي وقع فيه

الفصل التاسع: فظائع من الكتاب المقدس

الفصل العاشر: هل العهد القديم هو الكتاب المقدس للمسيحيين؟

الباب السادس: الله في المسيحية واليهودية والإسلام

الفصل الأول: الله في المسيحية واليهودية

الفصل الثاني: الله في الإسلام

الباب السابع: صفات الأنبياء والرسل في القرآن الكريم والكتاب المقدس

الفصل الأول: صفات الأنبياء والرسل في القرآن الكريم

الفصل الثاني: صفات الأنبياء والرسل في الكتاب المقدس

الباب الثامن: القرار، الإسلام أم المسيحية

الفصل الأول: الإسلام أم المسيحية

الباب التاسع: قصص القساوسة الذين أسلموا

الفصل الأول: قصة إسلام القس النرويجي ليف سكجيتن (أحمد سكجيتن)

الفصل الثاني: قصة إسلام القس الأمريكي جوزيف إدوارد إستس (يوسف إستس)

 

 

مقدمة بعنوان "رسالة من قسيس"

(د. مؤمن إبراهيم، القس السابق بيشوي ملك)

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه لمن دواعي سروري أن أكتب لمن هم على شاكلتي (سابقاً) وكأنني أرسل هذه السطور إلى نفسي. 

وقد لمعت في ذهني تلك العبارة المدونة في إنجيل متى إصحاح ٢٦ العدد ٣١: " ٣١ عِنْدَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «... لأَنَّهُ قَدْ كُتِبَ: سَأَضْرِبُ الرَّاعِيَ، فَتَتَشَتَّتُ خِرَافُ الْقَطِيعِ». "

وأتذكر نفسي وأنا قس فأقول لنفسي "مطلوب منك يا بيشوي كل هذه الرعية."، وأتذكر التعهد الذي يقرأه القس وقت سيامته أنه يجب أن يهتم بكل شخص على حدة.

وعن كرامة الكهنوت قال يوحنا ذهبي الفم: "إن نعمة الكهنوت وإن كانت في الحقيقة تعطى على الأرض، لكنها تعد من الرتب السماوية.". وهذا ينطبق على كل من يعمل في الدعوة لدين الله، الإسلام.

فاجتهد الكاتب الشيخ/ أحمد الأمير في هذا السياق أن يوجه رسالته الثمينة هذه إلى القساوسة خاصة وكل من يعمل في الدعوة عامة، لأنهم هم رأس الزاوية.

وأنني أقول لك أيها القس، أنك لست مسؤول عن نفسك فقط، بل كما هو مكتوب في سفر حزقيال إصحاح ٣٣ العدد ٨: ٨ إِنْ قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: يَا شِرِّيرُ إِنَّكَ حَتْماً تَمُوتُ مِنْ أَجْلِ شَرِّكَ، وَلَمْ تَعْمَدْ إِلَى تَحْذِيرِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الشِّرِّيرَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ.".

وأنني لأتمنى أنك عند قراءة رسالة هذا الكتاب، أن ترجع إلى نفسك، لا إلى خلاص نفسك فقط، وإنما إلى خلاص كل من يسمعوك.

مع دعواتي للكاتب والقارئ ونفسي أن نصل إلى كل ما هو نافع لنا ولمن يسمع لنا.

 

د. مؤمن إبراهيم داود سليمان

(القس السابق د. بيشوي ملك)

دكتوراة في العلوم اللاهوتية من الكلية الأكلريكية

مدرس الطقوس الكنسية بالدير المحرق - أسيوط - مصر

موفد البابا شنودة إلى الكنيسة الأرثوذكسية  فلورنسا - إيطاليا

مدخل

الحمد لله الذي أرسل محمداً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وفضّل صحابته ومنحهم فضلاً كبيراً، فصلي اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة وسلاماً متتابعاً كثيراً.

أما بعد: 

رسالة من القلب إلى القلب:

فهذه رسالة عميقة من القلب إلى القلب ومن العقل إلى العقل ومن الروح إلى الروح إلى كل قسيس محب للخير وباحث عن الحق، إلى كل قسيس متبع لطريق المسيح عليه السلام، المسيح الذي أتى قومه بنور من السماء، هو نور الهدى والحق، المسيح الذي أتى قوماً قد ضلوا عقلاً وقلباً، ضلوا عقلاً فلم يُعمِلوا عقلهم في التثبت من كل ما وصلهم من آباءهم وأجدادهم، فآمنوا بكل ما وصلهم من الحق الذي أتاهم من ربهم ولكن ممزوجا بما أضافه عليه آباءهم من باطل وتحريف وبدع، وضلوا قلباً فأنكروا الإيمان بالغيبيات ولم يؤمنوا إلا بما يرونه ويحسونه، وهكذا أنكروا المسيح عليه السلام ولم يتبعوا طريقه، طريق الحق.

وبعد المسيح عليه السلام ظل الكثير من البشر على هذا الضلال، فضلوا عقلاً وقلباً، رغم أن رسالة المسيح كانت أن يؤمن الناس عقلاً وقلباً، فالإيمان دون التثبت بالعقل وبالأدلة الجازمة سيقود صاحبه لاتباع البدع والخرافات معتبراً إياها من أصل الدين، والعقل دون إيمان سيقود صاحبه أن يؤمن بما تراه عيناه فقط وما تسمعه أذنيه فقط وما يعلمه عقله فقط، وكأن عيناه تحيط بالكون رؤيةً وأذناه تحيط بالكون سماعاً وعقله يحيط بالكون علماً.

ولهذا كانت رسالة المسيح هي هداية قومه عقلاً وقلباً، فمعجزاته الحسية كانت سبيلاً لهدايتهم عقلاً، حيث لم يؤمنوا إلا بما كانوا يرونه ويحسونه، وكانت أقواله وتعاليمه سبيلاً لهدايتهم قلباً.

أما بعد المسيح عليه السلام، فالإيمان بالعقل أصبح مستحيلاً أن يتحقق بمشاهدة معجزاته الحسية، فهي حدثت وانتهت في الماضي، ولهذا أصبح الإيمان بالعقل مقتصراً على التثبت من الأدلة والمصادر التي ترجع بنا إلى تعاليم المسيح الأصلية دون تحريف أو إضافة، ففي تعاليم المسيح وأقواله الأصلية سنجد الهدى ونور الحق، وبهما يتحقق الإيمان قلباً.

دعوة للتوحد في دين الله:

أخي في الإنسانية، أيها القسيس الورع، لقد أنزل الله الواحد ديناً واحداً، فالدين هو الطريق إلى الإله، والإله الواحد دينه دين واحد، أن يعرفه الخلق ويعبدونه ويتبعوا تعاليمه، فكيف تفرقت الأمم في أديان وطوائُف؟ 

إن الذي فرق الأمم هو الابتداع والاختلاف، فانظر بنفسك، دين أدم هو دين واحد، ومن بعده جميع الأنبياء نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ويوسف، وموسى وغيرهم. ولكن عادة البشر في التصارع والانتصار والابتداع والاختلاف فرقت الدين الواحد لأديان، وفرقت كل دين لطوائف، فانظر في المسيحية وحدها، أليس الأمر في المسيحية واضح أن المسيح هو الله الذي أتى وتجسد، وأن الله له ثلاثة أقانيم هم الآب والابن والروح القدس، وأن الأناجيل الأربعة هي كلام الله؟ لا، ليس الأمر واضح، ففي داخل المسيحية نفسها تفرق المسيحيون ومنذ القرن الأول في طوائُف ومذاهب كثيرة جداً وحتى يومنا هذا، فمنهم من آمن بالثالوث ومنهم من أنكره ومنهم من فسره بشكل مختلف. ويذكر لنا التاريخ الحروب الدينية التي حدثت داخل بيت المسيحية نفسها، فكل طائفة كفرت الأخرى وحاربتها واضطهدتها. ويذكر لن التاريخ الحروب الدينية التي حدثت بين بني إسرائيل أنفسهم، فتصارعت أسباط بني إسرائيل وشقت مملكتهم لمملكتين تحاربتا لقرون عدة.

A picture containing text, sign, outdoor, street

Description automatically generatedالهدف من الحياة:

إن من فرقنا نحن البشر إنما هم أعداء الحق، فنسينا الهدف من وجودنا وانزلقنا في خندق التصارع الغبي، بدلاً من التوحد لعمار الأرض وسعادة البشر، انظر لكم الشعارات حول العالم، من سياسية واجتماعية وعنصرية وقومية وإقليمية، فرقونا حتى في الرياضة فأصبحنا في فرق، كثير ما يحدث بين مشجعيها تشاحن واعتداءات بالأيدي. انظر للاعبي كرة القدم، وهبوا حياتهم للجري وراء كرة، وقبل انقضاء عمرهم فطنوا أنهم قد قضوا حياتهم عبثاً، وانظر للاعبي الرياضات القتالية جعلوا الهدف من حياتهم هو كيفية ضرب رأس الخصم وقضوا عمرهم في تعلم تفاصيل كل حركة قتالية، وانظر إلى الخراف تخاف طيلة حياتها من أن يأكلها الذئب فتحتمي في الراعي، ولكن في النهاية لا يذبحها ويأكلها إلا الراعي. 

الحوار الإسلامي المسيحي:

حتى هنا قد تفرقنا وتغلبت علينا في كثير من الأحيان نفوسنا، فبدلاً من البحث عن الحق والتوحد في دين الله، حاول كل محاور أن يتفاخر بأن ما يقوله هو الحق، وبعد سرد حجته يشعر بلذة الانتصار، خصوصاً مع تصفيق الحاضرين، ورأينا عناوين براقة على الانترنت، مثل "قس يهرب من مناظرة شيخ"، "الشيخ لم يعرف كيف يرد على حجة القس"، وغير ذلك من العناوين الأنانية التي حولت الحوار حول دين الله الصحيح لمباراة في كرة اليد!

ويجب أن تعلم عزيزي القس، أن أي حوار إسلامي مسيحي ليس المنهج الصحيح له هو إثبات أيهما أصح، الإسلام أم المسيحية، بل المنهج الصحيح هو إثبات التعاليم الأصلية لدين الله سواء في دين المسيح أو دين محمد عليهما الصلاة والسلام.

فالخلاف ليس على إن كان دين المسيح عليه السلام صحيحاً أم لا، فكل المسلمين والمسيحيين يؤمنون بوجوب اتباع دين المسيح عليه السلام، ولكن المشكلة هي في إثبات ما قاله المسيح حقاً مما لم يقله ونسب إليه كذباً وزورا.

وعلى هذا فإن الحوار الإسلامي المسيحي، ينقسم لقسمين، قسم إثبات ما إن كانت تعاليم المسيحية هي فعلاً التعاليم الأصلية التي علمها المسيح عليه السلام، وهو موضوع هذا الكتاب، وقسم إثبات ما إن كانت تعاليم الإسلام هي فعلاً تعاليم دين الله وأن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وخاتم أنبياءه ورسله، وهو موضوع قد نخصص له كتاباً آخر لبحثه بإذن الله تعالى.

واعلم عزيزي القس، أن كل تعليم تتبعه، إن كان حقاً من تعاليم المسيح عليه السلام، فهو يقربك أكثر من دين المسيح عليه السلام، أما إن لم يكن من التعاليم الأصلية للمسيح عليه السلام، فهو يبعدك عن المسيح بل ويجعلك عدوا للمسيح ودينه الحنيف.

ولكن كيف لا تكون التعاليم التي تتبعها هي تعاليم المسيح وهي منسوبة للمسيح عليه السلام؟ هذا هو موضوع كتابنا الذي سيبحث في كل ما نسب للمسيح عليه السلام من تعاليم والغوص في أعماق كل دليل حتى نرى هل يرجع هذا الدليل للمسيح نفسه أم نسب إليه كذباً وزوراً.

فانتصر عزيزي القس لتعاليم المسيح، ولا تنتصر لأي تعليم ينسب إليه زوراً، لا تقبل أن ينسب أحد للمسيح أقوال لم يقلها، ولا تقبل أن ينسب أحد تعليم للمسيح لم يعلمه.

فلو نصرت منهج المسيح، فسينصرك منهج المسيح الذي هو منهج الحق، وإن نصرت منهج من يكذب على المسيح، فسيهزمك منهج المسيح لأنه هو منهج الحق، بل وسيُظهرُ إن كنت من أتباع المسيح أم أمن أتباع من يكذب على المسيح عليه السلام.

 

                                                                                                                                   المؤلف

أحمد الأمير

 

 

الباب الأول

منهج البحث عن الحق

 

الفصل الأول: أشرف الخلق هم رجال الدين بعد الرسل

الفصل الثاني: مسؤولية رجل الدين أمام الله

الفصل الثالث: منهج البحث عن الحق

الفصل الرابع: السفسطائية والحق

الفصل الخامس: الابتداع هو سبب ظهور الكفر واستمراره

الفصل السادس: أساس الحوار 

الفصل السابع: البداية والنهاية

A person standing on a hill looking at the stars in space

Description automatically generated with low confidence

 

 

الفصل الأول

أشرف الخلق هم رجال الدين بعد الرسل

ما من ملك عبر تاريخ البشرية إلا وكان له العديد من السفراء والرسل، يختارهم بعد التأكد من صدقهم وإخلاصهم ووفائهم المطلق له وأمانتهم في تبليغ رسائله وأقواله دون أي تحريف أو إضافة. 

ولقد اصطفى الله عز وجل من خلقه رسلاً لتبليغ كلامه للبشرية دون أي تحريف أو إنقاص أو إضافة، فهم أصدق الخلق وأشرفهم، اصطفاهم من لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض ولا يخفى عليه ما تخفي الصدور. وقد كان هؤلاء الرسل بشراً، ليبلغوا كلام الله لبني جنسهم من البشر ويهدوهم لصراط الله المستقيم ويقودوهم نحو طريق الصلاح ويكونوا رفقاء دربهم فيه، أما لو كانت الملائكة هي من تعمر الأرض، لأرسل الله عز وجل لهم رسلا من الملائكة ليبلغوا كلام الله لبني جنسهم من الملائكة، فلا يكون لأحد منهم بعد ذلك حجة أو ذريعة. ولو أرسل الله عز وجل رسلاً من الملائكة ليهدوا البشر لطريق الصلاح ويكونوا قدوتهم فيه، لاستثقل البشر ذلك قائلين "هؤلاء ملائكة يستطيعون ما لا نستطيعه!" وهكذا لثقلت عليهم العبادات وطريق الرشاد.

وقد يقول قائل "لماذا أرسلت رسل شتى ولم يرسل رسولاً واحداً يهدي البشرية جمعاء، فيعيش معهم من بداية الخلق وحتى يوم القيامة؟" فنرد عليه بأن الهدف من الخلق هو الامتحان والابتلاء، يقول الله عز وجل: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }[1]، وهكذا فإن موت الرسل والأنبياء هو اختبار لأقوامهم إن سيظلوا على العهد أم سيتفرقوا في فرق وأديان شتى ويتبع كل منهم هواه.

ولأن عمر البشر محدود كما ذكرنا، فإن من يتولى رفع راية تبليغ دين الله وكلامه للبشر بعد الرسل، هم رجال الدين. وهكذا فهم أشرف الخلق بعد الرسل، وشرفهم هذا مستمد من شرف ما يبلغونه من كلام الله ودينه للبشرية.

ولكن بما أن رجال الدين هم بشر قد أقبلوا من تلقاء أنفسهم على تولي تلك المهمة الشريفة دون تكليف مباشر من الله عز وجل لأحد منهم، فليس كل رجال الدين هم من أشرف البشر، بل إن رجال الدين على ثلاثة فئات:

١- رجال دين اتبعوا طريق الرسل والأنبياء دون تحريف أو إنقاص أو إضافة، وتثبتوا من كل ما يؤمنون به، فأعملوا العقل والقلب والروح للتثبت من أنهم على طريق الحق، فهم خير البشر بعد الرسل.

٢- رجال دين اتخذوا مرتبة رجل الدين كوظيفة ومنصب وطريق لنيل السلطة والشهرة والملك والتسلط على الناس، وباعوا صكوك الغفران[2] لينهبوا تعب وعرق الناس، ورفعوا راية الحروب لنشر الفساد في الأرض ونهب ثروات الشعوب بدلا من هداية الناس، وكانوا سببا في نشأة البدع والهرطقات وإضلال الناس، فأولئك هم أشر البشر.

٣- رجال دين حرصوا على اتباع الحق، ولكن لم يتثبتوا منه، فهم مؤمنون قلباً ومتوهمون أنهم أيضاً مؤمنون عقلاً، وهكذا فإن ما وصلهم من تعاليم الدين كان إما ضلالاً بحتاً أو ضلالاً ممزوجاً بحق، فضلوا الطريق وأضلوا غيرهم عن جهل، وظلوا يرددوا ما تربوا عليه دون تثبت، مقتنعين أنه الحق بذاته.

وعلى هذا فإن رسالتي تلك موجهة لكل رجل دين أن يتثبت أولا في أي فئة هو من الفئات الثلاث، وأن يتبع طريق الرسل حتى يكون من خير البشر وأشرفهم بعد الرسل، وأن يتثبت أنه على طريقهم دون تحريف أو إنقاص أو إضافة.

 

 

 

الفصل الثاني

مسؤولية رجل الدين أمام الله

إن مسؤولية رجل الدين هي مسؤولية عظيمة، مسؤولية تخشى حتى الجبال من حملها لعظمها، فرجل الدين هو من يتولى رفع راية تبليغ دين الله وكلامه للبشر بعد الرسل، ولهذا فإن كان متبعاً حقاً لطريق الرسل، فسوف يكون سبباً في هداية الناس وإرشادهم للحق، ولهذا يجب أن يكون متأكداً تمام التأكد من أنه يتبع طريق الرسل خالياً من أي بدع أو تحريفات أو إضافات يكون قد أدخلها من كانوا قبله، أما إن كان طريقه قد تلوث ببدع أو تحريفات، فعندها سيكون سبباً في إضلال الناس وإبعادهم عن طريق الحق! 

ومن من البشر يستطيع تحمل مثل تلك المسؤولية؟ فهي ليست مسؤولية مقصورة على نفسه فقط، وإنما تشمل غيره من البشر ممن سمعوا له واتبعوا قوله. فمن كان سبباً في هداية الناس، فله ثواب عمله ومثل ثواب ما عمله الآخرون الذين اتبعوه حتى يوم القيامة، ومن كان سبباً في إضلال الناس، فله جزاء عمله ومثل سيئات الآخرين الذين اتبعوه حتى يوم القيامة. ولهذا نسأل الله العلي العظيم أن نكون جميعاً سبباً في هداية الناس، وألا نكون سبباً في إضلالهم وإبعادهم عن طريق الرسل.

تلك هي الصدقة الجارية إلى يوم القيامة، فمن عَلّمَ الناس كيفية الصلاة الصحيحة، فسوف يكون له مثل أجر صلاتهم في كل مرة يصلون فيها دون أن ينقص هذا من ثواب المصلين شيئاً، أما من عَلّمَ الناس بدعاً ليس لها أصل في دين الرسل، فسوف يحمل وزر ذلك ووزر من اتبعوه في بدعه دون أن ينقص هذا من وزرهم شيئاً.

فرجل الدين يوماً ما سوف يموت، ولكن حتى ومن بعد موته سيظل كتاب أعماله مفتوحاً، فيكتب فيه مثل ثواب كل من اتبعه في هداه، أو مثل وزر كل من اتبعه في ضلاله، فيؤتى بكتاب أعماله يوم القيامة وفيه إما أمثال الجبال من ثواب أو من وزر. فمن عاقل يستطيع تحمل مثل تلك المسؤولية؟

 

 

 

الفصل الثالث

A picture containing text

Description automatically generatedمنهج البحث عن الحق

أخي في الإنسانية، أيها القسيس يا من اخترت أن تحمل رسالة تبليغ كلام الله ودينه للبشر من بعد الرسل، يا من أردت أن تكون من أشرف الخلق بعد الرسل، يا من اخترت أن تلتجأ لسفينة المسيح عليه السلام للإبحار في بحر الحقيقة، كن جاهزاً لأمواج هذا البحر، أمواج الابتلاء والاختبار، فإن كانت سفينتك هي سفينة المسيح عليه السلام فسوف تصمد بإذن الله تعالى أمام تلك الأمواج والابتلاءات، وإن لم تكن سفينة المسيح عليه السلام فسوف تغرق في تلك الأمواج. 

أيها القسيس، إن كنت جاهزاً للبحث عن طريق الحق، فاخلع عنك كل ما قد يؤثر على قرارك، فطريق الحق يحتاج لشجاعة البحث عنه وقبوله والتخلي عما سواه. فكن متواضعاً أمام الله واذهب واغسل جسدك كله بالماء كما فعل المسيح عليه السلام أو اغسل يديك ثم فمك وأنفك ثم وجهك ويديك حتى المرفقين ثم رأسك بأذنيك ثم قدميك بالماء، فهذه سنة الأنبياء جميعاً في التطهر والاستعداد لقبول الحق، والبس من الملابس ما هو متواضع حتى لا تؤثر عليك نفسك، وألزم عقلك وروحك بالتفكر فيما ستقرأ دون حكم مسبق.

A person standing on a hill looking at the moon

Description automatically generated with low confidenceاصعد بروحك فوق القمر، ابتعد عن الأرض بما فيها من ألوان وأصوات وثرثرات وعادات وسياسات ولغات وأعلام وشعوب وحدود جغرافية، كن مع الله بقلبك وروحك وعقلك، وجه روحك نحو طريق الله المستقيم ودينه الصحيح البعيد عن أي اختلافات بين البشر، اشعر بتلك القشعريرة في جسدك واشعر بنبض قلبك الطاهر واهتزاز روحك، اهتزاز معرفة الحق والقرب منه. 

واعلم أننا كلنا أبناء آدم عليه الصلاة والسلام، فكلنا بشر وكلنا إخوة في البشرية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. }[3]، فقال: {لتعارفوا}، ولم يقل "لتحاربوا". 

وعلى هذا فيجب علينا التقارب وليس التباعد، يقول الله عز وجل: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. }[4].

خالقنا واحد، الله، وأبانا واحد، آدم، وأمنا واحدة، حواء، وموطننا واحد، الأرض، ولغتنا كانت واحدة، لغة آدم وحواء، وديننا كان واحداً، دين الإله الخالق الواحد الأحد، ولكن بدلاً من أن نتوحد، تفرقنا بسبب الابتداع والاختلاف والتنازع والتعصب، فقسمنا أنفسنا في دولٍ وشعوبٍ ولغاتٍ وسياساتٍ وابتدعنا آلهة وأديان ما أنزل الله بها من سلطان.

أيها القسيس، لسنا في مباراة لكرة القدم، فيحاول كل منا أن ينتصر لفريقه، فالدين ليس بلعبة، ولا تظن أني أدعوك لترك دين المسيح عليه السلام، بل أدعوك للانتصار لدين المسيح ونهجه، ولا تظن أن كل رجال الدين هم أشرف الخلق وأنهم على الصواب، فمن حارب المسيح عليه السلام كان أكثرهم هم كبار رجال الدين من اليهود، وهكذا اتبعهم صغار رجال الدين وعامة الناس، فحاربوا الحق عن جهل وتعصب، والآن أدعوك للتفكر في النقاط الآتية التي تساعدنا في منهج البحث عن الحق:

١- التواضع والتكبر:

اعلم أن أصل البحث عن الحق هو التواضع أمام الله، فلو جئتك بألف دليل على الحق، ولكن لم تكن نفسك متواضعة لله تعالى، فلن تقبل الحق مهما كان، وستظل متبعاً لتكبرٍ أعمى يغطي عينيك فلا ترى نور الحق، بل ولو جاءك المسيح عليه السلام بنفسه ليدلك على طريق الحق لما استمعت له، بل ولو أمرك الله عز وجل مباشرة باتباع طريق الحق، لما اتبعته. 

فالله تعالى عندما خلق أدم أمر الملائكة أن يسجدوا لأدم وكان معهم إبليس وهو من الجن وليس من الملائكة، فسجدوا جميعاً إلا إبليس منعه تكبره عن الامتثال لأمر الله تعالى، وقد كان ذلك السجود سجود تعظيم وتحية لأدم لا سجود عبادة له، يقول الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }[5]، يقول الله تعالى: { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) }[6]

ومن الصادم أنه توجد عبارة كثيراً ما تتكرر على ألسنة المسيحيين الأوروبيين، وهي أنه "لو ظهر السيد المسيح ثانية في عصرنا هذا، لصلب مرة ثانية"! يقصدون بتلك العبارة أن الناس في عصرنا هذا غير مستعدين لاتباع تعاليم المسيح الحقيقية، ولو ظهر حقيقة لهم وأمرهم باتباع تعاليمه، لحاربوه إعلامياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولاتهموه بشتى الاتهامات، فهم متبعون له فقط طالما لم يظهر لهم. ولو ظهر المسيح عليه السلام الان وقال للمسيحيين "إنما أنا رسول من عند الله ولست إلهاً"، لقالوا له "لقد نصبناك نحن إلهاً، فلا تشغل بالك بهذا"

٢- نسج الأدلة:

الحق واحد ثابت وغير متغير، لا تؤثر فيه اختلاف العقول والأفكار، ولا يتأثر بمكان أو زمان أو عرقيات أو حدود جغرافية، فإن كان الحق كذلك فلماذا يختلف البشر حول ماهية الحق؟ فالكل يرى نفسه على صواب ويجادل جدالاً أعمى أنه هو المحق وأن معه من الأدلة الدامغة ما يؤكد أنه على الحق. 

السبب في ذلك هو ما يعرف بنسج الأدلة، بحيث ينسج كل واحد من الأدلة الضعيفة أو الواهمة ومن الخيوط الرقيقة سجاداً كبيراً سيبلى سريعاً بسبب ضعف مكوناته. أو مثل المرأة الذميمة التي لم يرد أي رجل التزوج بها، فقامت بعمليات تجميل وتزينت وتعطرت، فأعجب بها رجل فتزوجها، ثم بعد الزواج حملت ولكن الطفل أخذ شبهها قبل عمليات التجميل، فصدم الرجل من منظر الطفل، ذميم للغاية. 

فمهما يضع الشخص من عطر على الباطل، لن يصبح أبداً حقاً، ولو وضع عطر على الحق الممزوج بباطل، فهذا أيضاً لن يجعله حقاً. ولو وقف طفل لا يعرف من أباه وسط عشرة رجال، كل منهم يدعي أنه أبوه ونسج كل منهم من الأدلة ما يثبت أبوتهم له، فإن اتبع الطفل هواه، فسوف يختار أحدهم بسبب مال أو رعاية أو جنسية دولة أو منصب، ولكن إن أراد الطفل أن يعرف من هو أبوه حقاً، فيجب عليه وضع جميع الأدلة التي سمعها في غربال الحقيقة لتنقيتها، وذلك حتى يصل إلى الحق، الحق في ذاته، وليس ما يظنه حقاً وهو ليس كذلك. 

إن أرضية النقاش بين البشر حول الحق هشة، لأن الكل ينسج أدلته وفق هواه، إلا فرقة واحدة هي على الحق المبين، فإذا وقفنا بين عشرة أديان وسمعنا أدلة كل دين، فقد نعتقد بجهلنا أنها كلها أديان صحيحة، ولكن الحق هو في دين واحد فقط، فلا يمكن للطفل أن يكون له أكثر من أب واحد، ولا يمكن للبشر أن يكون لهم أكثر من خالق واحد، وطالما أن الخالق واحد، فدينه واحد، ودعوته واحدة.

٣- الإيمان الأعمى:

أخطر ما أصاب البشرية هو الإيمان الأعمى، بحيث يؤمن المرء من كل قلبه بدين ما بدون أن يدرسه ويتأكد من مصادره ويبحث إن كان فعلاً هو الدين الحق لله الخالق. فأطفال أتباع كل دين يمسكون بالكتاب المقدس الخاص بدينهم ويقدسونه أشد التقديس حتى من قبل أن يستطيعون القراءة والكتابة. وهكذا فقد تربوا على تقديس كتاب حتى وإن كان مزيفاً، وعلى عباده إله حتى وإن كان حجراً، وعلى تعاليم دين حتى وإن كانت بدعاً.

٤- الإيمان بالوراثة:

من أشد المصائب على البشرية والتي دفعت الكثير من الناس للبعد عن الدين الصحيح لله ودفعتهم للإيمان الأعمى والتعصب، هو أنهم قد أخذوا دينهم عن أباءهم، مقتنعين أنه الدين الحق حتى وإن لم يكن كذلك، فأبناء اليهود مقتنعون أن اليهودية هي الدين الصحيح، وقس على ذلك أبناء المسيحيين وأبناء المسلمين وأبناء الملحدين وأبناء البوذيين وأبناء الهندوس وأبناء السيخ وأبناء عباد البقر والفئران في الهند، كل مقتنع أن دين آباءه هو الدين الحق حتى وإن لم يكن كذلك. يقول الله تعالى في القرآن الكريم : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }[7].

A picture containing silhouette

Description automatically generated٥- التعصب:

التعصب هو سبب دمار البشرية وانتشار الحروب والكراهية والعنصرية والجرائم بين البشر، وهو أيضاً سبب البعد عن دين الله والإصرار على الباطل وعدم سماع الحق أو قبوله، فالمتعصب يغلق أذنيه عن السمع وأعينه عن البصر وعقله عن التدبر، فلا يسمع إلا قوله، ولا يرى إلا نفسه، ولا يتدبر إلا فكره. 

يذكر الكتاب المقدس للمسيحيين أن المسيح عليه السلام قد قال: " من له أذنان للسمع، فليسمع. "[8].

ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. }[9].

وقد يقول الكثير من الناس أنهم ليسوا من أولئك الذين أغلقوا أذانهم أو أعينهم أو عقولهم أو قلوبهم، ولكن في الواقع قد يكون هذا هو التعصب ذاته، فهم لن يروا أبدا أنهم على خطأ، بل حالهم هذا كالذي يقول: " أنا على حق حتى وإن كنت مخطئاً! ".

يقول الله تعالى عن قول فرعون لقومه حين أراد قتل نبي الله موسى: قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }[10].

٦- الإيمان البارد:

أضحى إيمان الكثير من الناس إيماناً بارداً، فابتعدوا عن الدين بعقولهم وبقلوبهم، وهكذا استسلموا لمسؤوليات الحياة واللهث وراء الأشغال الدنيوية والالتزامات المالية والاجتماعية، فتوقفوا عن التثبت بالعقل إن كانوا حقاً يتبعون الدين الصحيح أم لا، وإن كانوا يتبعون الدين الصحيح فهل يتبعون تعاليمه الأصلية دون أي تحريف أو بدع أم لا.

وقد أضحى الدين لدى كثير من البشر مجرد عادة أو صفة أو نزعة قومية يتبعونها بعواطفهم دون إعمال عقولهم أو إشغال وقتهم وبذل جهدهم، ولهذا نجد أن كثير من الناس قد انحصروا عن أماكن عبادتهم وصلواتهم، فنجد المسيحيين على سبيل المثال قد تركوا يوم الأحد، وبدلاً من الذهاب فيه للكنائس ذهبوا للمقاهي والملاهي، وتركوا الكتاب المقدس، وبدلاً من قراءته ومعرفة محتواه انصب اهتمامهم على قراءة مجلات الموضة والتسالي.

٧- اتخاذ الدين بالتلقي من رجال الدين:

ليس كل ما ينقل إلينا من كلام يجب أن نؤمن به مفترضين أن من نقله إلينا هم ثقة، وإنما الكلام نفسه هو من يحكم على من نقلوه إلينا إن كانوا ثقة أم لا، فإن كان الكلام عبث فمن نقله كاذب، وإن كان الكلام موزون يقبله العقل بالأدلة والقلب بالإيمان، فيكون من نقله ثقة.

وعلى هذا فلا يجب أن نأخذ الدين اتخاذاً أعمى بالتلقي عن رجال الدين، لأن هذا يشبه كثيراً ما ذكرناه سابقاً من اتخاذ الدين بالوراثة، فالنتيجة واحدة وهي تلقي كلمات وتعاليم الدين من الآباء أو من رجال الدين وتكرارها حتى تجري في العروق مثل الدم، وهكذا تمتزج بالقلب والعقل والروح حتى وإن لم تكن صحيحة. 

وهذا من أشد المصائب على البشرية، لأنه وعلى الرغم من وجود آلاف الأديان المختلفة على وجه الأرض، إلا أن أتباع كل دين مطمئنون جداً أن رجال الدين في ديانتهم هم أشرف الخلق بعد الرسل، وهكذا يتلقون منهم تعاليم دينهم دون أي تشكيك أو دراسة للتأكد، مطمئنين أنها التعاليم الأصلية التي لم يَشبها أي تحريف أو تزوير، وكأن رجال الدين هؤلاء قد تلقوا الدين مباشرة بوحي من السماء أو من رسل الله مباشرة. 

كما أنه يوجد من أتباع كل دين من يلصق صفة القدسية لرجال الدين في ديانتهم، فيقدسون كل أقوالهم وأفعالهم دون أي تحري عن مصادر المعلومات التي يستمدون منها تعاليم دينهم، بل ووصل الحال بهم أن عبدوهم، يدعونهم من دون الله لطلب العون والمساعدة في الأمور الدنيوية والأخروية.

٨- اتخاذ الدين بالقوميات:

من أكثر أسباب انتشار التعصب والإيمان الأعمى، هو أن أغلب البشر قد اتبعوا دين شعوبهم، قائلين: " ما يؤمن به شعبي هو الحق حتى وإن لم يكن كذلك "! وهكذا كانت ديانة المرء تتحدد بدين شعبه، فمن كان مغولياً ويعيش في الإمبراطورية المغولية، لم تكن له حرية اختيار دين آخر أو حتى التشكيك بأي كلمة في دينه، وإلا اعتبر خائناً وعميلاً، وهكذا كانت الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية والفارسية والصينية والهندية، وقس على ذلك جميع الإمبراطوريات في تاريخ البشرية. 

وحتى يومنا هذا فإنه وفي أغلب دول العالم يتم اضطهاد الأقليات الدينية بحجج وذرائع وإشاعات مختلفة، بحيث تتم شيطنتهم والتضييق عليهم في أعمالهم وحياتهم الاجتماعية والدراسية وأماكن عبادتهم وملابسهم، والسبب في ذلك أنهم فقط لم يتبعوا دين الأغلبية في بلدهم.

٩- هل يكون الدين الصحيح هو بعدد معتنقيه؟

لقد قابلت أناس يؤمنون أن دينهم هو الدين الصحيح فقط بسبب أن معتنقي دينهم كثر، وهذا فكر خاطئ، فالمسيح عليه السلام لم يؤمن به من قومه إلا أشخاص معدودين رغم أن دينه هو الدين الحق، وكانت حجة عامة الناس وقتئذ أن الدين الحق هو الذي عليه أغلب قومهم، وكذلك كل رسول بعث في قومه وجد تكذيب من قومه له واستضعافاً له ولاتباعه. 

ولو كان الدين الصحيح يُحسب بعدد معتنقيه، فلماذا إذن لا يؤمن المسيحي بالدين البوذي، أليس أتباع البوذية كثر؟ وكذلك لماذا لا يتبع البوذي الدين الإسلامي، أليس أتباع الإسلام كثر؟ ولماذا لا يتبع اليهودي الديانة الهندوسية، أليس أتباعها كثر؟ 

إذن هذا المقياس غير صالح للاعتماد عليه، والأفضل هو البحث عن دين الله خالق هذا الكون، بدلاً من أن ينظر كل مرء في كم عدد أتباع دينه، فالكثرة لا تخلق الحق، وإنما الحق ثابت لا تؤثر فيه كثرة أو قلة وإن أنكر المنكرون.

١٠- الإيمان وفق الأهواء:

يقول الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا. }[11].

فالذي اتخذ إلهه هواه، مهما استحسن من شيء ورآه حسناً في هوى نفسه، كان دينه ومذهبه. ولهذا فيجب على المرء الاتباع وعدم الابتداع حتى لا يقع في هوى نفسه.

١١- هل الدين بالاتباع أم بالابتداع؟ 

إن كان القانون يسن من المشرعين القانونيين، فالدين يسن من الله الخالق عز وجل، وإن كان مخالفة القوانين هو خطأ تجاه الدولة والمجتمع، فإن مخالفة الدين هو خطأ تجاه الله عز وجل وتجاه عباده من البشر، ولهذا فكما أنه واجب علينا اتباع القوانين دون ابتداع شيء يخالفها، ففرض علينا اتباع أوامر الله ودينه دون ابتداع شيء يخالفها، فالابتداع هو سبب ظهور الكفر واستمراره. 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: 

هل تأكدت عزيزي القسيس أنك فعلاً لست مسيحياً بسبب فقط الوراثة، وأن معلوماتك عن دينك هي بعد بحث ودراسة وتأكد من المصادر وليس فقط عبر التلقي من رجال الدين، وأنك لست على دينك هذا فقط بسبب أن أغلب قومك يؤمنون به، وأنه لم يراودك مرة أن دينك هو الصحيح بسبب أن أتباعه حول العالم كثر، وأن معتقدك في دينك نظيف تماماً من أي بدع وأنك تتبع التعاليم الأصلية بدون أي بدع أو عادات ليست من أصل الدين؟

 

 

الفصل الرابع

السفسطائية والحق

السفسطائية[12]:

حركة أو مدرسة فلسفية ظهرت في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وبدلاً من أن تركز اهتمامها حول طبيعة الكون والبحث عن الحقائق المطلقة، ركزت اهتمامها حول الإنسان نفسه وحول التشكيك في كل الحقائق المطلقة، وهكذا تبنت مبدأ النسبية عن الحقائق، فلا توجد حقيقة مطلقة، وإنما قد توجد وجهات نظر مختلفة حول أمر ما ولكن جميعها مقبولة في ذات الوقت، وهكذا شككت السفسطائية في الأخلاق والدين والقانون.

أشهر فلاسفة تلك المدرسة هو بروتاغوُراس[13] (بمد الواو الأخيرة)، ومن أقواله: "معيار كل شيء هو الإنسان، للأشياء الموجودة أنها موجودة، وللأشياء الغير موجودة أنها غير موجودة.". وهكذا اعتبر بروتاغوُراس أن الإنسان هو المعيار الوحيد للأشياء، وطالما أن البشر مختلفون فيما بينهم في أراءهم ومفاهيمهم حول الأشياء، إذن لا توجد حقيقة مطلقة بأن شخص ما محق والآخر مخطئ!

كل من أفلاطون وأرسطو اتهموا بروتاغوراس ومن مثله من السفسطائيين بأنهم لا يسعون إلى الحقيقة ولكن فقط الانتصار في النقاش، وبأنهم مستعدون لاستخدام وسائل غير شريفة لتحقيق ذلك.

تعريف السفسطائية في قاموس كامبريدج:

هي الاستخدام الذكي للحجج التي تبدو صحيحة ولكنها في الواقع خاطئة، من أجل خداع الناس.[14]

A picture containing wall, indoor, tool, dark

Description automatically generatedمفارقة بروتاغوراس أو مفارقة المحكمة[15]

كان بروتاغوراس معلم إفاثلوس[16] (بمد الألف الأولى) في القانون، وكانا قد اتفقا أن يدفع إفاثلوس لبروتاغوراس مقابل تعليمه ولكن بعد أن يكسب أول قضية له في المحكمة، ولكن إفاثلوس قرر دخول عالم السياسة بدلاً من مهنة المحاماة، وهكذا قرر بروتاغوراس أن يرفع دعوى على إفاثلوس مقابل المبلغ المستحق.

جادل بروتاغوراس بأنه إذا فاز بالقضية فسوف يدفع إفاثلوس مستحقاته بموجب قرار المحكمة، أما إذا فاز إفاثلوس بالقضية فسوف يدفع أيضا مستحقاته لأنه قد فاز بأول قضية له.

ومع ذلك، جادل إفاثلوس أنه إذا فاز بالقضية فإنه لن يدفع لبروتاغوراس بموجب قرار المحكمة، أما إذا فاز بروتاغوراس بالقضية فعندها أيضا لن يدفع لبروتاغوراس لأنه لم يربح أول قضية له، وفقاً للعقد الأصلي بينهما!

A picture containing text, tableware, dishware, plate

Description automatically generatedالحق: 

ما قصدناه من القصة السابقة "مفارقة بروتاغوراس" هو أن ليس هذا هو طريق الله ونهج الأنبياء ونهج الباحثين عن الحق والصالحين، بل هذا هو منهج الضلال بعينه وضياع الحقوق بين الناس وأكل أموال الناس بالباطل والاحتيال والخديعة!

وللأسف فإن أغلب النقاشات والمحاورات والمناظرات بين أتباع الأديان المختلفة حول العالم يشوبها منهج السفسطائيين، فالكل يحاول الانتصار لنفسه وفكره ودينه وثقافته ولغته، ولا يحاول حقاً الانتصار لمنهج الحق والبحث الحقيقي عنه! 

أصبح التلاعب بالكلمات هو القاعدة الأساسية وأصبح تلبيس الحق بالباطل ومزجه به حتى لا تستطيع تفريق الحق عن الباطل، مثل كوب الحليب الذي وضع عليه بعض الشاي، لن تستطيع بعدها فصل الحليب الأبيض عن الشاي الأسود.

الإنسان ليس معيار كل شيء:

وفق منهج السفسطائيين فإن الإنسان هو معيار كل شيء، وبما أن البشر مختلفون في المفاهيم والأراء، فلا يوجد شخص محق وأخر مخطئ، فالكل محق وفقاً لمفهومه!

ولكن هذا هو منهج الضلال وليس الحق، وقد صادفته في بعض المصالح والإدارات الحكومية في إحدى الدول الأوروبية، فعندما تحدثت مع أحد الموظفين العموميين ووجدته مخطئ في أمر ما، أخرجت له من حقيبتي نص القانون الصادر في تلك المسألة، ولكن فوجئت أنه يقول لي "أنت تفهم النص هكذا ولكن أنا لا أفهمه هكذا." ثم بدأ في استخدام أسلوب السفسطائيين في النقاش حتى يبرر موقفه!

وهكذا ستضيع الحقوق بين الناس بسبب اختلاف المفاهيم، ومن عليه التزامات تجاه الأخرين، قد يكون وفق مفهومه أنه ليس عليه أي التزامات تجاههم.

أما طريق الحق فواحد وثابت، لا يؤثر عليه التلاعب بالألفاظ ولا بالمفاهيم والأراء، فنور الشمس واضح، ونور الحق أوضح، ولن تصبح الفضيلة رزيلة بسبب تغير المكان أو الزمان، ولن يصبح الكذب صدقاً بسبب تغير العادات والمعايير.

تذكير: عزيزي القارئ أيها الباحث عن الحق، تذكر هذا الفصل جيداً لأنني سوف أعتمد على التذكير به في بعض الفصول القادمة، فإن كان الحق واضحاً أمامك فتذكر أن تسلك طريق الحق وليس منهج السفسطائيين.

الفصل الخامس

الابتداع هو سبب ظهور الكفر واستمراره

خطر الابتداع: 

إن الابتداع هو أخطر شيء يدمر عقيدة المرء، فمدير شركة للأدوية إذا أعطى تعليمات مكتوبة للصيدليين الذين يعملون في شركته حول نسب المواد المستخدمة في تصنيع دواء معين، لن يقبل بدافع أي حجة أن يتم مخالفة تعليماته وأن يتم ابتداع نسب جديدة من الدواء أو طريقة جديدة مغايرة للطريقة التي حددها دون الرجوع أولا إليه وإقراره لهذا، لأن الابتداع ومخالفة التعليمات قد يؤدي لتصنيع دواء يقتل المرضى أو يضرهم بدلاً من أن ينفعهم. وكذلك مدير مصنع السيارات، لن يقبل مخالفة تعليماته المكتوبة حول تصنيع موتورات السيارات، لأن هذا قد يتسبب في الحوادث ومقتل العديد من الناس.

وهكذا فإن الله تعالى لا يقبل أن يخالف أحد الناس أوامره وتعاليم دينه ويبتدع تعاليم جديدة تتسبب في تشويه الدين عند الناس وانحراف الناس عن عباده الله لعباده آلهة أخرى.

حق الله على العباد:

إن لله تعالى حق على عباده، ذكره رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: " يا مُعاذُ، تَدْرِي ما حَقُّ اللهِ علَى العِبادِ؟ وما حَقُّ العِبادِ علَى اللهِ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّ حَقَّ اللهِ علَى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ، ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، وحَقَّ العِبادِ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ لا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِكُ به شيئًا. "[17].

لماذا حق الله أن يعبده الناس:

إن الله عز وجل هو خالق الناس وموجدهم من العدم، هو من وهب لهم السمع والبصر والجسد والعقل والروح والقلب، يقول عز وجل: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) }[18]. ويقول عز وجل: رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) }[19].

كيفية العبادة:

يجب أن تكون العبادة وفق ما شرعه الله تعالى لعباده، وشرحه لهم الأنبياء والرسل، وهكذا تكون على الكيفية التي شرعها الله، وفي الوقت الذي حدده الله تعالى، وفي المكان الذي خصه بذلك عز وجل. وهكذا فغير مسموح للبشر ابتداع عبادة لم يأمر بها الله تعالى، أو ابتداع كيفية جديدة لعبادة أمر الله بها عباده، أو ابتداع وقت غير وقتها أو مكان غير مكانها.

سبب ظهور الابتداع:

طالما أن خالق هذا الكون هو إله واحد، وأن دين الإله الواحد هو دين واحد، ذو أصول ثابتة وغير متغيرة، إذن فلماذا توجد أديان عدة في الأرض؟ 

السبب في هذا هو نفس سبب تنوع اللغات واللهجات والشعوب في الأرض رغم أن أصل البشرية هو أب واحد وأم واحدة كانت لهم لغة واحدة ودين واحد، هما آدم وحواء. 

فبعد آدم وحواء تفرق أبناءهم في الأرض، وبدأت عادة الإنسان في النسيان تظهر، فنسي الاتباع وبدأ في الابتداع، فنسي البشر ما وصاهم به أباهم آدم، فابتدعت أديان جديدة وابتدعت لغات ولهجات مختلفة، وظن الإنسان أن حاجته للتطور وتطوير معيشته تقتضي أن يتطور فكره ونظرته للعالم، وظن أن اتباع تعاليم نبي الله آدم إنما هي موضة قديمة وأساطير الأولين. 

وكان أول ظهور للشرك والكفر هو في قوم نوح عليه السلام، يقول الله تعالى: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[20].

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه أن وَدًّا وسواعًا ويغوثَ ويعوقَ ونسرًا هي: 

" أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ، أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا[21] وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ[22] عُبِدَتْ. "[23].

وعن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما قال: " كان بين نوحٍ وآدمَ عشرةُ قرونٍ كلُّهم على شريعةٍ من الحقِّ فاختلَفوا فبعث اللهُ النبيين مُبشِّرينَ ومُنذرِين. "[24].

وهكذا فإن الابتداع وعدم الاتباع هو سبب ظهور الشرك والبعد عن دين الله، ولما تلوث قوم نبي الله نوح عليه السلام بداء الابتداع وصنعوا أصناماً لرجال صالحين كانوا بينهم، أصبحوا مع مرور الزمن يعبدونها.

وهكذا فيجب علينا البعد عن أي ابتداع في الدين، وأن ننظف اعتقادنا وإيماننا من أي بدع أدخلها البشر على دين الله، وهكذا فيجب أن نُرجع اعتقادنا وكل أشكال عباداتنا إلى أصل الدين، فإن كانت عبادة ما هي من أصل الدين، فيجب اتباعها، أما إن كان ليس لها أصلاً صحيحاً في الدين، فعندها إنما هي ابتداع يوصل صاحبه لطريق الهلاك والبعد عن دين الله.

 

 

الفصل السادس

أساس الحوار

أيها القسيس، أخي في الإنسانية، يا من تحب المسيح عليه السلام وتحب اتباعه، هل فكرت يوماً لماذا توجد كل تلك الأديان على وجه الأرض؟ 

أليس الدين الصحيح واضح وضوح الشمس ولا لبس فيه ولا يوجد أي تشابه بينه وبين الأديان الباطلة؟ 

إذن لماذا لا يرى الناس الحقيقة بوضوح ولا يعرفوا دينهم الذي فطرهم عليه خالقهم وموجدهم، الله عز وجل؟

إن السبب في ذلك هو عدم اتخاذ أكثر الناس للمنهج الصحيح في البحث عن الحق كما ذكرنا في الفصل الثالث من هذا الباب، فضلاً عن اتخاذهم لمنهج السفسطائية في الحوار بغرض أن ينتصر كل واحد لدينه وقوميته وللغته وثقافته.

لهذا فإن كل ما أدعوك به هو أن تسلك منهج المسيح عليه السلام الذي تحبه وتحب اتباعه، منهج البحث عن الحق وليس منهج السفسطائيين أو المتعصبين أو القوميين، اقبل الحق أينما كان، اخلع عنك كل المؤثرات التي قد تؤثر على رؤيتك للحق، ولا تدع أي أحد أو أي مؤثر مادي أو معنوي أن يؤثر على قرارك، دع الحق فقط يكون هو المؤثر على قرارك.

لا تتخذ أدلة واهية، ولا تستخدم ردود جاهزة صنعها السابقون، وإنما اصنع ردودك بنفسك، كن على الفطرة التي خلقك الله عليها، اقترب من الله بروحك وقلبك، ارجع بالزمن للوراء وعش في زمن أدم وحواء، ثم تنقل من عصر إلى عصر حتى ترى بقلبك جميع الأنبياء والرسل، من نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى والمسيح عيسى ابن مريم عليهم السلام وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

كن على دينهم جميعاً الذي هو دين الله عز وجل، لا تتخذ دين غير دينهم ولا منهج غير منهجهم.

وتذكر كيف أثرت علينا البيئة المحيطة بنا والتي فيها ولدنا وتربينا، فحملنا أفكار تلك البيئة كما هي وتبرمجت عقولنا على دينها وعاداتها واحتفالاتها، لذلك عد إلى الفطرة التي خلقنا الله عليها، تماماً مثلما نعمل لهاتفنا المحمول عندما يمتلئ بأشياء كثيرة، نقوم بالضغط على زر العودة لإعدادات المصنع، فيعود المحمول كما لو كان جديداً نظيفاً.

 

 

الفصل السابع

البداية والنهاية

بعد ما ذكرناه من أهمية منهجية البحث عن الحق، فمن الضروري أن نلقي نظرة على هذا الكون من بدايته وحتى نهايته، نظرة عقلانية تاريخية دينية، تساعدنا على فهم الكثير من الأمور بشكل أوضح بإذن الله تعالى وتساعدنا للوصول إلى الحق.

A galaxy in space

Description automatically generated with low confidenceالتعرف على الخالق من خلال النظر في الكون: 

بالتفكر العميق في هذا الكون الكبير بالليل تارة وبالنهار تارة نجد أنه لا يمكن أن يكون هذا الكون العظيم قد خلق نفسه، فكيف لشيء غير موجود أن يوجد نفسه؟ وبلا شك فإن من خلق هذا الكون هو أعظم منه، وهذا الخالق ليس جزءاً مما خلق، ولا يحل في الشيء الذي خلقه، لأنه لو حل فيما خلق، لأصبح جزءاً مما خلق، ولأحاط المخلوق بالخالق، ولأصبح المخلوق خالقاً والخالق مخلوق. وليس لهذا الخالق شبيه فيما خلق، ولا يمكن لشيء مما خلق أن يضاهي قدرة هذا الخالق العظيم. يقول الله تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) }[25].

أيضاً فإن هذا النظام العجيب في هذا الكون يشير إلى عدل وإبداع وكمال هذا الخالق، فكل شيء في هذا الكون متوازن، الشمس والقمر، الليل والنهار، اليابسة والماء، الداء والدواء، الجوع والطعام، الذكر والأنثى، وهذا يدل على عدل الله وأنه يضع كل شيء في نصابه الصحيح، وأن ميزان العدل عنده لا يختل.

هل خلق هذا الكون خالق واحد أم أكثر:

منذ القدم وكانت فكرة تعدد الآلهة منتشرة بين البشر، فنصبوا إله للبحر وآخر للجمال وآخر للخصوبة وآخر للحرب وغير ذلك، ولكن تلك الخرافات لا تناسب العقل البشري السوي، فإذا كان هناك أكثر من إله لوجدنا تصارع بين الآلهة ولذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، ولطلب كل إله من الناس عبادته وحده وأنه أفضل من باقي الآلهة، ولأرسل كل إله للبشر رسلا لهدايتهم إليه، يقول الله تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[26].

هل للخالق صفات ضعف؟

لا يمكن أن توجد أي صفات ضعف أو نقص لمن خلق هذا الكون العظيم الذي احتارت في عظمته (أي الكون) عقول البشر وعلماء الفلك وغيرهم، فمن خلق الشمس هو أعظم منها قدرة وقوة وعطاءا، وفي هذا الكون لا توجد شمس واحدة بل بلايين الشموس في المجرات المختلفة، ومن خلق الماء لا يشرب، ومن خلق النبات والحيوان لا يأكل، ومن خلق الحديد لا يتعب ولا يستريح، ومن خلق التراب لا يتسخ منه، ومن خلق الداء والدواء لا يمرض من الداء ولا يحتاج لدواء. ولو كان لله -حاشاه- أي صفة ضعف، لانهار الكون كله.

الخالق أكثر تقدماً مما تخيله الأقدمون:

تصور الأقدمون الإله في مخيلتهم وعبروا عن هذا التصور في كتاباتهم وتماثيلهم ورسوماتهم، فكتبوا في كتبهم عن مجيء الخالق داخل العالم المخلوق وتجسده في صورة إنسان بملابس بدوية وحذاء بدوي وكيف سافر وأكل وارتاح تحت شجرة، أو نحتوا تمثال للإله بصورة رجل قوي يمسك بشوكة أو صولجان ويغطي نصفه الأسفل بقطعة قماش ويحارب تنين كبير ويطعنه بشوكته، أو رجل ينفث النار أو في يديه يسطع البرق كدليل على قوته، أو رسموه في هيئة نصف إنسان ونصف حصان. وكل هذا يستحيل في جانب الله الخالق عز وجل، فهو لا يدخل فيما خلق ولا يتجسد في صورة بشرية ولا يسافر ويأكل ويرتاح، ولا يمسك ببرق في يديه، ولا يحارب تنانين. كل من تخيل تلك الصور هو شخص بدائي لم يعرف قدر الله عز وجل وعظمة هذا الكون الفسيح وحجمه الحقيقي، فحجم هذا الكون الضخم ما هو إلا دليل واحد من الأدلة الكثيرة على عظم الله عز وجل وقدرته.

الخالق سيعرف عن نفسه بالأدلة والبراهين:

كل حادث يدل على المحدث، ولما سئل أعرابي: " بم عرفت ربك؟ قال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟ ". وهكذا فإن جميع الآيات الكونية المشاهدة والمحسوسة تدل على وجود خالق واحد هو أعظم منها، وهي أيضاً برهان ضعف البشر أمام هذا الخالق العظيم، فهم لا يقدرون أي يغيروا أي شيء من آياته الكونية التي تسير بقدره وقدرته، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[27].

الخالق سيعرف عن نفسه بالرسالات:

لم يخلق الله هذا الكون عبثاً، فنظام الكون ودقته يشير إلى أن من خلقه يعلم كل شيء فيه من أصغر شيء لأكبر شيء، فهو البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسموات، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك.

وبما أن الله لم يخلق هذا الكون عبثاً، فهو أيضاً لم يتركه، بل وجهه وأرشده، فأرسل لنا الرسل لإرشادنا إليه عز وجل ولاتباع دينه الحنيف. 

ومجيئ الرسل هو من أكبر الأدلة أن الله عز وجل لا يتجسد في شخص بشري ولا يدخل في حيز هذا الكون المادي المحدود. لأنه لو كان الله عز وجل -حاشاه- ليتجسد، لظهر إلينا جميعاً ولانتهى الأمر. ولكن التجسد والحلول هو مستحيل على الله، فكيف للخالق أن يدخل في المخلوق فيصبح مخلوقاً؟

ولقد أمرنا الله عز وجل باتباع الرسل والأنبياء، واتباع دينه الحنيف، دون إدخال أي بدع فيه. ولكن كعادة البشر في الاختلاف والابتداع، فبعد موت أي نبي أو رسول بفترة، يحيد الناس عن دين الله ويبدأوا في الابتداع والانحراف، فيرسل الله نبي أو رسول آخر لهداية الناس.

وسواء كنت عزيزي القارئ مسيحياً وتؤمن بأن آخر الرسل كان المسيح عليه السلام، أو كنت مسلماً وتؤمن أن آخر الرسل كان محمد صلى الله عليه وسلم، فبالتأكيد أنك تعرف أننا الآن في زمن توقفت فيه الرسالة والنبوة، فالله عز وجل ختم الرسل بآخر رسول أرسل، وعلى البشر اتباعه. ولن يرسل الله رسول آخر لكي يهدينا ويرشدنا لدين الله عز وجل، ولهذا فيجب علينا إعمال العقل فيما وصل إلينا من أباءنا من دين، ولا أقصد بكلمة "إعمال العقل" أن نخضع الدين للعقل، بل أن نتعرف على الدين الصحيح بالعقل، وأن نعرف تعاليمه الصحيحة الأصلية ونتبعها، ونحدد ما أدخله البشر من بدع وانحرافات ومن ثم ننظف اعتقادنا منها.

فلو أدخل البشر في الدين عيد أو عبادة أو كلام، فيجب علينا أن نتأكد من أصل هذا العيد أو العبادة أو الكلام في دين الله، فلو كان بأمر من الله عز وجل فيجب اتباعه، وإن كان من بدع البشر فيجب البعد عنه.

 

 

الباب الثاني

المسيحية واليهودية ودين المسيح عليه السلام

 

الفصل الأول: ابتداع كلمة المسيحية

الفصل الثاني: ابتداع كلمة اليهودية

الفصل الثالث: اليهود والسامريين وبني إسرائيل

الفصل الرابع: دين السيد المسيح عليه السلام

 

 

 

 

الفصل الأول

ابتداع كلمة المسيحية

هل كان المسيح عليه السلام مسيحياً؟

لم يكن السيد المسيح عليه السلام أبداً مسيحياً ولم يكن دينه المسيحية ولم يعرف أو يقر تلك الكلمة "المسيحية" أو "المسيحي"، وإنما ابتدعت الكلمة اليونانية "خريستياني"[28] (بمد الياء الأخيرة) في أنطاكية عام٤٢م أو ٤٣م، ففي سفر الأعمال الإصحاح ١١ العدد ٢٥: ٢٥ ثُمَّ تَوَجَّهَ بَرنَابَا إلَى طَرسُوسَ بَحْثًا عَنْ شَاوُلَ. ٢٦ فَلَمَّا وَجَدَهُ، أحضَرَهُ إلَى أنطَاكِيَّةَ. وَاجتَمَعَا مَعَ الكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً، وَعَلَّمَا عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ. وَدُعِيَ التَّلَامِيذُ مَسِيحِيِّينَ لِأوَّلِ مَرَّةٍ فِي أنطَاكِيَّةَ.".

ملحوظة للقارئ العربي:

هذه هي الترجمة العربية للكتاب المقدس، ولهذا تقول: "وَدُعِيَ التَّلَامِيذُ مَسِيحِيِّينَ"، ولكن في الواقع فإن أتباع المسيح لم يطلق عليهم اسم "مسيحيين" المشتقة من الكلمة العبرية "مشيح"، وإنما "خريستياني" باليونانية والمشتقة من الفعل "خريو" أي مسح!

النص اليوناني:

«26 Εκεί συμμετείχαν στις συνάξεις της εκκλησίας για έναν ολόκληρο χρόνο και δίδαξαν πολύν κόσμο. Επίσης στην Αντιόχεια για πρώτη φορά ονομάστηκαν οι μαθητές του Ιησού «χριστιανοί».».

ولم يكن التلاميذ هم من أطلقوا على أنفسهم لقب "خريستياني"، وإنما الوثنيين اليونانيين في أنطاكية هم من أطلقوا عليهم هذا اللقب كنوع من الإهانة والتحقير، فكعادة اليونانيين وقتها أن يسموا كل مجموعة من الناس بلقب معين، فأطلقوا على الموالين للجنرال الروماني "بومبيو"[29] لقب "بومبياني"[30](بمد الياء الأخيرة) أي: جماعة بومبيو، وعلى الموالين للإمبراطور نيرو أغسطس[31] لقب "أفغوستينياني"[32] (بمد الياء الأخيرة) أي: جماعة أغسطس، وهكذا أطلقوا على أتباع المسيح لقب "خريستياني"[33] (بمد الياء الأخيرة) أي: جماعة خريستوس.

ولكن أتباع المسيح لم يتقبلوا هذا اللقب وشعروا بالإهانة منه، ففي رسالة بطرس الأولى الإصحاح ٤ العدد ١٤: " ١٤ فَإِذَا لَحِقَتْكُمُ الإِهَانَةُ لأَنَّكُمْ تَحْمِلُونَ اسْمَ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ! لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ، أَيْ رُوحَ اللهِ، يَسْتَقِرُّ عَلَيْكُمْ. ١٥ لَا يَكُنْ بَيْنَكُمْ مَنْ يَتَأَلَّمُ عِقَاباً عَلَى شَرٍّ ارْتَكَبَهُ: كَالْقَتْلِ أَوِ السَّرِقَةِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْجَرَائِمِ، أَوِ التَّدَخُّلِ فِي شُؤُونِ الآخَرِينَ. ١٦ وَلَكِنْ إِنْ تَأَلَّمَ أَحَدُكُمْ لأَنَّهُ «مَسِيحِيٌّ»، فَعَلَيْهِ أَلّا يَخْجَلَ، بَلْ أَنْ يُمَجِّدَ اللهَ لأَجْلِ هَذَا الاِسْمِ!".

ملحوظة للقارئ العربي:

هنا أيضا هي ترجمة عربية للكتاب المقدس، ولكن النص اليوناني لم يذكر "لأنكم تحملون اسم المسيح"، ولم يذكر "إن تألم أحدكم لأنه مسيحي"، وإنما ذكر "لأنكم تحملون اسم خريستوس"، وذكر "إن تألم أحدكم لأنه خريستيانوس".

النص اليوناني:

«14 Μακάριοι είστε αν σας ντροπιάζουν για το όνομα του Χριστού. Γιατί το Πνεύμα του Θεού σ’ όλη του τη μεγαλοπρέπεια και τη δύναμη αναπαύεται πάνω σας· αυτό το όνομα απ’ αυτούς βλασφημείται, από σας όμως δοξάζεται. 15 Προσέχετε να μη φτάνει κανένας από σας να υποφέρει τιμωρίες επειδή σκότωσε ή έκλεψε ή έκανε κακό ή αναμείχθηκε σε ξένες υποθέσεις. 16 Αν όμως υποφέρει επειδή είναι χριστιανός, να μην ντρέπεται αλλά να δοξάζει το Θεό γι’ αυτό.»

وعلى الرغم أن أتباع المسيح الأوائل لم يتقبلوا أن تطلق عليهم تلك الكلمة "مسيحي" وشعروا بامتعاض منها، ولكن مع مرور الوقت تعودوا عليها والتصقت بهم.

الفرق بين لقب المسيح والترجمة خريستوس:

كلمة المسيح في اللغة العبرية هي "مشيح"[34] المشتقة من فعل "مشح" أي مسح، وقد نقلت الكلمة إلى اللغة اليونانية بحروف يونانية "ميسياس"[35]، ولكن تمت ترجمتها ترجمة حرفية باللغة اليونانية لكلمة "خريستوس" (بمد الواو) والمشتقة من الفعل "خريو"[36] أي مسح، والتي أتى منها لفظ "كرايست" و "كريستيانس"[37]  باللغة الإنجليزية.

والفرق بين الكلمتين هام، ففي حين أن المسيحيين العرب يطلقون على أنفسهم لقب "مسيحيين"، نجد أن باقي المسيحيين حول العالم يطلقون على أنفسهم "كريستيانس" والذي هو ترجمة يونانية لم يعرفها المسيح نفسه! فإذا كان أتباع المسيح يودون الانتساب إليه، فلماذا يتمسكون بلقب "كريستيانس" والذي هو ترجمة يونانية أطلقها الوثنيين اليونانيين كشتيمة على أتباع المسيح، ولا يتمسكون بلقب "مسيحيين" المشتق من لقب "المسيح" والذي هو كلمة موجودة في لغة المسيح نفسها؟ 

أيضا لماذا لا يطلقون على أنفسهم "اليسوعيين"[38] والذي هو مشتق من اسم المسيح عليه السلام "يسوع"[39] عند المسيحيين العرب؟[40]

فالمسيح هو لقب ووظيفة، أما "يسوع" فهو اسم شخص، فأنصار رئيس دولة ما لن يطلقوا على أنفسهم "الرئيسيين" وإنما قد يطلقوا على أنفسهم لقب مشتق من اسم رئيس تلك الدولة!

وفي الكتاب المقدس لقب "المسيح" ليس مقتصراً على شخص واحد بعينه، وإنما معناه "الممسوح بالزيت المقدس"، ولهذا نجد الكثير من المسحاء في الكتاب المقدس من الملوك والأنبياء والكهنة، الخروج الإصحاح ٣٠ العدد ٣٠: ٣٠ وَتَمْسَحُ هَرُونَ وَبَنِيهِ أَيْضاً وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكُونُوا كَهَنَةً لِي. "، صموئيل ٢ الإصحاح ٢٣ العدد ١: ١ وَهَذِهِ كَلِمَاتُ دَاوُدَ الأَخِيرَةُ: هَذَا مَا أُوْحِيَ بِهِ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَسَّى، وَمَا تَنَبَّأَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي عَظَّمَهُ الْعَلِيُّ، الرَّجُلُ الَّذِي مَسَحَهُ إِلَهُ يَعْقُوبَ. "، أخبار الأيام ١ الإصحاح ١٦ العدد ٢٢: ٢٢ قَائِلاً: لَا تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلا تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي. "، صموئيل ١ الإصحاح ٩ العدد ١٦: "١٦ غَداً فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ أَبْعَثُ إِلَيْكَ رَجُلاً مِنْ أَرْضِ بِنْيَامِينَ. فَامْسَحْهُ حَاكِماً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ"، صموئيل ٢ الإصحاح ٢ العدد ٤: " ٤ وجَاءَ بَنُو يَهُوذَا إلَى حَبْرُونَ وَمَسَحُوا دَاوُدَ بِالزَّيْتِ لِيَكُونَ مَلِكَ يَهُوذَا.". الملوك ١ الإصحاح ١٩ العدد ١٥: ١٥ فَقَالَ لَهُ اللهُ: «ارجِعْ فِي الطَّرِيقِ المُؤَدِّي إلَى البَرِّيَّةِ القَرِيبَةِ مِنْ دِمَشْقَ. ثُمَّ ادْخُلْ دِمَشْقَ، وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أرَامَ. 16 ثُمَّ امْسَحْ يَاهُو بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ. وَامْسَحْ ألِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ الَّذِي مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا بَدَلًا مِنْكَ.".

وعلى الرغم من أن اليهود كانت تؤمن بقدوم المسيح الملك الذي سيأتي من نسل الملك داود ليحكمهم، وعلى الرغم أيضاً من وجود الكثير من المسحاء في العهد القديم، إلا أن اليهود لم يطلقوا على أنفسهم لقب "المسيحيين"!

لقب "مسيحي" يعني التابع للمسيح، فما العيب في هذا؟

ولقائل أن يقول: "إن كلمة مسيحي تعني التابع للمسيح، وهذا شيء لا عيب فيه، بل شيء محمود"، فنرد عليه بأن إتباع المسيح عليه السلام هو شيء محمود، ولكن الابتداع في دين المسيح هو تشويه لصورة هذا الدين، فالابتداع خطر على أي دين لأنه يحرف التعاليم الأصلية إلى عادات مبتدعة. 

وإن قائل قال: "ولكن حتى ولو كان هذا الاسم بدعة، أليس جميلاً أن يطلق على المرء أنه تابع للمسيح؟"، فنرد عليه بأن إتباع المسيح هو إتباع لدينه، فهل كان المسيح يدين بالديانة المسيحية؟ هل كان يدعوا اليهود أن يصبحوا مسيحيين، فيدخلوا في دينه ويتركوا دينهم؟ ألم يذكر إنجيل متى في الإصحاح ٥ العدد ١٧ أن المسيح عليه السلام قد قال: " ١٧ لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ."، ألم يذكر في الإصحاح ٥ العدد: " ٢٠ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ يَزِدْ صَلاحُكُمْ عَلَى صَلاحِ الْكَتَبَةِ والْفَرِّيسِيِّينَ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً.".

تقول الكاتبة كارين أرمسترونج: 

"كان اليهود منقسمون في جماعات متصارعة، إلا أنه مثل الجماعات الأخرى، اعتبر المسيحيون الأوائل أنفسهم إسرائيل الحقة، ولم تكن لديهم أي نية للانفصال عن اليهودية ... واستمر المسيحيون الأوائل في العيش كيهود متمسكين بعقيدتهم ... واستمروا في تقديس التوراة والحفاظ على السبت والتمسك بقوانين الطعام (يعني عدم أكل لحم الخنزير وغير ذلك من الأطعمة المحرمة على اليهود)."[41]

وهكذا فإن ابتداع كلمة لم يقرها المسيح عليه السلام هو مثل أن يقول شخص ما بأن المسيح عليه السلام قد نسي أن يخبر أتباعه بأنه يجب أن يطلقوا على أنفسهم لقب "مسيحيون"، أو أن دينه كان ناقصاً حتى أكمل شخص ما هذا النقص فأضاف لدين المسيح الشيء الناقص!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: 

عزيزي القسيس هل أنت مسيحياً متبعاً لدين اسمه المسيحية أم أنك متبعاً لدين السيد المسيح عليه السلام والذي لم يكن اسمه المسيحية؟ وإذا ظهر السيد المسيح عليه السلام الآن وسألته عن دينه، فهل سيقول أن دينه هو المسيحية؟ وإن سألك هو عن دينك، فهل ستقول له أن ديانتك هي المسيحية؟ وهل سيفهم أن تلك ديانة؟ وهل يطلق على اليهود لقب "الموسويون" نسبة لموسي عليه السلام؟ وهل يطلق على المسلمين لقب "المحمديون" نسبة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؟

 

 

 

الفصل الثاني

ابتداع كلمة اليهودية

هل كان المسيح عليه السلام يهودياً؟

هناك العديد من الناس من يقول أن المسيح عليه السلام نعم لم يكن مسيحياً وأن لقب مسيحي إنما أطلق على أتباع المسيح كشتيمة، ولكن دين المسيح كان اليهودية. ولكن هذا الادعاء أيضاً خاطئ، فدين المسيح عليه السلام لم يكن لا المسيحية ولا اليهودية!

الرسالة إلى العبرانيين الإصحاح ٧ العدد ١٤: "١٤ فَمِنَ الْمَعْرُوفِ أنَّ رَبَّنَا أتَى مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ مُوسَى أيَّ ارتِبَاطٍ لَهَا بِالكَهَنُوتِ.".

جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح ٤ العدد ٣: ٣ فَغَادَرَ يَسُوعُ إقْلِيمَ اليَهُودِيَّةِ وَعَادَ ثَانِيَةً إلَى إقْلِيمِ الجَلِيلِ. ٤ وَكَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ يَمُرَّ عَبْرَ إقْلِيمِ السَّامِرَةِ. ٥فَوَصَلَ إلَى بَلْدَةٍ سَامِرِيَّةٍ تُدْعَى سُوخَارَ. وَهِيَ قُرْبَ الأرْضِ الَّتِي أعْطَاهَا يَعْقُوبُ لَابْنِهِ يُوسُفَ. ٦ وَكَانَتْ بِئْرُ يَعْقُوبَ هُنَاكَ. فَجَلَسَ يَسُوعُ عِنْدَ البِئْرِ لِأنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا مِنَ المَسِيرِ. وَكَانَ الوَقْتُ نَحْوَ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ ظُهْرًا.٧ فَجَاءَتِ امْرأةٌ سَامِرِيَّةٌ لِتَأْخُذَ مَاءً مِنَ البِئْرِ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أعْطِينِي لِأشْرَبَ.» ٨ وَكَانَ التَّلَامِيذُ قَدْ ذَهَبُوا إلَى المَدِينَةِ لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. ٩ فَقَالَتْ لَهُ المَرْأةُ السَّامِرِيَّةُ: «أنْتَ يَهُودِيٌّ، وَأنَا امْرأةٌ سَامِرِيَّةٌ. فَكَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي أنْ أُعْطِيَكَ لِتَشْرَبَ؟» قَالَتِ المَرْأةُ هَذَا لِأنَّ اليَهُودَ يَرْفُضُونَ أنْ يَخْتَلِطُوا بِالسَّامِرِيِّينَ.".

هنا نرى أن المرأة قد قالت: "أنت يهودي، وأنا امرأة سامرية"، وهو لم يعترض على هذا اللقب، ولكن في الواقع فإن المرأة لم تكن تقصد أنك يهودي الديانة وأنا سامرية الديانة، فكلا من اليهود والسامريين هما من بني إسرائيل ويتبعون نفس الدين.

نبي الله يعقوب عليه السلام وبني إسرائيل:

نبي الله يعقوب عليه السلام هو إسرئيل، ومن أولاده الإثنا عشر تكونت الإثنا عشر سبطاً، بني إسرائيل، وكان من أبناء يعقوب عليه السلام يهوذا والذي منه أتى سبط يهوذا.

ما معنى كلمة "يهودي"؟

أصل كلمة يهودي مشتقة من اسم يهوذا ابن نبي الله يعقوب عليه السلام، ثم أصبح اسم لسبطه، أي لنسله، ثم بعدها أصبح اسماً لسكان مملكة يهوذا الجنوبية، ثم أصبح يطلق بالخطأ على عامة بني إسرائيل بعد تشتتهم وتراجع قوة السامريين (الأسباط العشرة) وازدهار قوة سبط يهوذا مع سبط بنيامين. أي أنه اسم عرقي وجغرافي وليس اسم ديانة.

 

 

الفصل الثالث

اليهود والسامريين وبني إسرائيل

تكوين مملكة إسرائيل (الموحدة):

كانت القضاة هي من تحكم بني إسرائيل، فذهب شيوخ بني إسرائيل وسألوا نبي الله صموئيل أن يمسح ملكاً عليهم ليحكمهم ويقودهم في الحروب مثل باقي الأمم[42]، فمسح صموئيل شاول (طالوت) ملكاً عليهم، وكان من سبط بنيامين[43].

بعد وفاة شاول حكم تلك المملكة ابنه إيشبوشث، صموئيل ٢ الإصحاح ٢ العدد ٨: "٨ وَكَان أبْنَيْرُ بْنُ نَيرٍ قَائِدَ جَيْشِ شَاوُلَ. وَأخَذَ أبْنَيْرُ إيشْبُوشَثَ بْنَ شَاوُلَ إلَى مَحْنَايِمَ، ٩ وَجَعَلَهُ مَلِكَ جِلْعَادَ وَأشِيرَ وَيَزْرَعِيلَ وَأفرَايمَ وبَنْيَامِينَ وَإسْرَائِيلَ كُلِّهَا.".

ولكن سبط يهوذا ودوناً عن باقي الأسباط لم يبايعوا إيشبوشث ومسحوا نبي الله داود عليه السلام والذي كان من سبط يهوذا ليكون ملكاً على سبط يهوذا، صموئيل ٢ الإصحاح ٢ العدد ٤: " ٤ وجَاءَ بَنُو يَهُوذَا إلَى حَبْرُونَ وَمَسَحُوا دَاوُدَ بِالزَّيْتِ لِيَكُونَ مَلِكَ يَهُوذَا. ثُمَّ قَالُوا لَهُ: «دَفَنَ بَنُو يَابِيشَ جَلْعَادَ شَاوُلَ».".

وهكذا قامت حروب بين إيشبوشث وداود عليه السلام، ولكن بعد مقتل إيشبوشث على يد إثنين من قادة جيشه وهما رَكَاب وبعنة، دانت جميع أسباط بني إسرائيل لحكم نبي الله داود عليه السلام[44].

وبعد نبي الله داود عليه السلام حكم تلك المملكة ابنه نبي الله سليمان عليه السلام[45]

ومن بعد نبي الله سليمان عليه السلام حكم تلك المملكة ابنه رحبعام[46]، ولكن عند تولي رحبعام الحكم ذهب إليه شيوخ بني إسرائيل لمبايعته وطلبوا منه أن يخفف عنهم الأعباء التي فرضها عليهم أبوه سليمان عليه السلام، ولكنه لم يستمع إليهم فتمردوا عليه وبايعوا بدلاً منه يربعام بن نباط من سبط أفرايم، ولم يتبقى لرحبعام إلا حكم سبطي يهوذا وبنيامين فقط.

وهكذا انقسمت مملكة إسرائيل (الموحدة)، لمملكة إسرائيل (الشمالية) والتي ضمت عشرة أسباط (وتعرف أيضاً باسم مملكة أفرايم، لأن يربعام كان من سبط أفرايم، وتعرف أيضاً باسم مملكة السامرة)، ومملكة يهوذا في الجنوب والتي ضمت سبطي يهوذا وبنيامين فقط، ودخلت المملكتين في حروب كثيرة فيما بينهم منذ ذلك الوقت.

السامريون:

يقصد بهم سكان مملكة إسرائيل (الشمالية)، وهم الأسباط العشرة من بني إسرائيل.

في عام ٧٢٢ ق.م. استولى ملك أشور (سرجون الثاني) على مملكة السامرة، وسبى ٢٧.٢٩٠ نفساً من بني إسرائيل إلى أشور[47]، وأسكن مع البقية من بني إسرائيل جماعات أخرى من بابل وكوث وعوا وحماة وسفراويم[48].

ولكن حسب الرواية اليهودية، فإن تلك الجماعات التي أتت من المدن الأخرى لم تكن تعبد الرب إله إسرائيل، فأرسل الرب عليهم سباع مفترسة فافترست بعضهم[49]، فأرسلوا رسالة لملك أشور أنهم يجهلون قضاء إله هذه الأرض، وأنه أرسل عليهم سباع مفترسة، فأرسل لهم ملك أشور أحد كهنة بني إسرائيل المسبيين ليعلمهم قضاء إله تلك الأرض، ولكنهم من ناحية عبدوا الرب إله إسرائيل ومن ناحية أخرى عبدوا أيضاً أصنامهم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها في مدنهم السابقة. 

وهكذا يدعي اليهود أن سكان السامرة فيما بعد هم نسل هذا الخليط من بني إسرائيل والجماعات الأخرى التي أسكنها ملك أشور في السامرة، وعلى هذا فهو خليط وثني.

أما حسب الرواية السامرية، فإن ملك أشور قد سبى جزء صغير من شعب إسرائيل من مملكة السامرة وليس الشعب كله، ويوافق ذلك ما ذكره الملك سرجون الثاني في نقوشه من أنه في بداية حكمه حاصر السامرة وفتحها وسبى ٢٧.٢٩٠ نفساً فقط من سكانها! علماً أن سكان مملكة السامرة هم الأسباط العشرة، وهكذا فإن عدد المسبيين هو عدد صغير جدا مقارنة بعدد الأسباط العشرة! 

أيضا فإن إتيان ملك أشور بجماعات أخرى لتستوطن مع أهل مملكة السامرة، ليس معناه أنه أتى بجمع كبير، وإنما كعادة ملوك أشور عند غزو مدينة ما (كما هو واضح في نقوشهم)، فإنهم يأتون بجماعات صغيرة تعيش مع أهل تلك المدينة ويعينوا حاكماً عليهم جميعا يكون موالياً لملك أشور ويفرض عليهم الضرائب. ولو كان ملك أشور يسبي جميع الشعوب التي يدخلها ويرسلهم لأشور لضاقت عليه أشور وكأنه يجمع شعوب قد تتوحد في بلده ويكونوا جيشاً كبيراً ضده!

ولو كان الأمر كما ادعت اليهود لأصبحت معتقدات السامريين حاليا هي نفس معتقدات أباءهم، ولكن بالنظر لمعتقدات السامريين فنجد أنها معتقدات توحيدية.

الأركان الخمسة للدين عند السامريين:

١- الإيمان بوحدانية الله الواحد الأحد. ٢- الإيمان بنبوة موسى بن عمران. ٣- الإيمان بالتوراة "الأسفار الخمسة" (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية). ٤- قدسية جبل جرزيم قبلة السامريين، ٥- الإيمان باليوم الأخر.

وصايا الله العشرة لموسى عند السامريين:

١- لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. ٢- لا تحلف باسم الله كذبا. ٣- احفظ يوم السبت لتقدسه. ٤- احترم أباك وأمك لتطول أيام حياتك. ٥- لا تقتل. ٦- لا تزني. ٧- لا تسرق. ٨- لا تشهد الزور. ٩- لا تشتهي زوجة قريبك ولا بيت صاحبك. ١٠- احفظ قدسية جبل جرزيم الأبدية المطلقة.

التوراة السامرية: 

A picture containing sky, outdoor, person, people

Description automatically generatedالكتاب المقدس عند السامريين هو التوراة، والتي تحتوي على خمسة أسفار فقط، وهي أسفار موسى الخمسة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية)، ولا يؤمن السامريون بأية أسفار أخرى زائدة عنها مثل تلك الأسفار الزائدة الموجودة في التوراة اليهودية، قائلين أنها عمل بشري من صنع سبط يهوذا عندما كانوا في السبي البابلي وأنه ليس بكلام الله. 

ويقول السامريون أن عندهم أقدم نسخة مخطوطة للتوراة في العالم، ويعود تاريخها إلى عام ١٦١٥ قبل الميلاد، وكاتبها هو ابيشع بن فينحاس بن العازار بن هارون، شقيق موسى عليه السلام. وقد كتبت بعد دخول بني إسرائيل الأراضي المقدسة بثلاث عشرة سنة، وهي مكتوبة باللغة العبرية القديمة. والتوراة السامرية تختلف عن التوراة اليهودية بسبعة ألاف خلاف تتعلق بالكلمات والآيات والسور.

تشويه اليهود للسامريين:

يحاول اليهود تصوير حال مملكة إسرائيل الشمالية وكأنها اختفت بعد أن غزاها ملك أشور عام ٧٢٢ ق.م. وأن شعبها من الأسباط العشرة قد اختفى وتشتت وهو ما يسمى ب "القبائل العشر المفقودة"، ولكن في الواقع فإن تلك المملكة لم تختفي ولم يختفي شعبها، وإنما أصبحت ولاية تابعة للملك الأشوري!

بل وقد تنبأ النبي إرميا بأن من تم سبيهم من السامريين (أي من الأسباط العشرة) سوف يرجع ثانية من السبي ويمتلك أرضه ثانية، وإرميا النبي قد ولد بعد سبي المملكة الشمالية بقرنين، وعاش أيام الملك يوشيا وعاصر السبي البابلي، سفر إرميا الإصحاح ٣٠ العدد ١: ١ ثُمَّ أَوْحَى الرَّبُّ بِهَذِهِ النُّبُوءَةِ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلاً: ٢هَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: «دَوِّنْ فِي كِتَابٍ كُلَّ مَا أَمْلَيْتُهُ عَلَيْكَ، ٣ هَا أَيَّامٌ مُقْبِلَةٌ أَرُدُّ فِيهَا سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، وَأُعِيدُهُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ فَيَرِثُونَهَا». ٤ ثُمَّ خَاطَبَ الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا: بِهَذَا الْكَلامِ: ... ٧ مَا أَرْهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِذْ لَا مَثِيلَ لَهُ! هُوَ زَمَنُ ضِيقٍ عَلَى ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ، وَلَكِنَّهَا سَتَنْجُو مِنْهُ. ٨ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ، أُحَطِّمُ أَنْيَارَ أَعْنَاقِهِمْ، وَأَقْطَعُ رُبُطَهُمْ، فَلا يَسْتَعْبِدُهُمْ غَرِيبٌ فِيمَا بَعْدُ. ٩ بَلْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ إِلَهَهُمْ، وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ الَّذِي أُقِيمُهُ لَهُمْ. ١٠ فَلا تَفْزَعْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، وَلا تَجْزَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنِّي أُخَلِّصُكَ مِنَ الْغُرْبَةِ، وَأُنْقِذُ ذُرِّيَّتَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِمْ، فَيَرْجِعُ نَسْلُ إِسْرَائيلَ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَايِقَهُ أَحَدٌ. ١١ لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَأُبِيدُ جَمِيعَ الأُمَمِ الَّتِي شَتَّتُّكَ بَيْنَهَا. أَمَّا أَنْتَ فَلَنْ أُفْنِيَكَ بَلْ أُؤَدِّبَكَ بِالْحَقِّ وَلا أُبَرِّئَكَ تَبْرِئَةً كَامِلَةً» ... ١٨ وَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ: «هَا أَنَا أَرُدُّ سَبْيَ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَأَرْحَمُ مَسَاكِنَهُمْ، فَتُبْنَى الْمَدِينَةُ عَلَى رَابِيَتِهَا، وَيَنْتَصِبُ الْقَصْرُ كَالْعَهْدِ بِهِ. ١٩ وَتَصْدُرُ عَنْهُمْ تَرَانِيمُ الشُّكْرِ مَعَ أَهَازِيجِ أَصْوَاتِ الْمُطْرِبِينَ، وَأُكَثِّرُهُمْ فَلا يَكُونُونَ قِلَّةً، وَأُكْرِمُهُمْ فَلا يَسْتَذِلُّونَ. ٢٠ وَيَكُونُ أَبْنَاؤُهُمْ مُفْلِحِينَ كَمَا فِي الْعَهْدِ الْغَابِرِ، وَيَثْبُتُ جُمْهُورُهُمْ أَمَامِي، وَأُعَاقِبُ جَمِيعَ مُضَايِقِيهِمْ. ٢١ وَيَكُونُ قَائِدُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ حَاكِمُهُمْ مِنْ وَسَطِهِمْ فَأَسْتَدْنِيهِ فَيَدْنُو مِنِّي، إِذْ مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى الاقْتِرَابِ مِنِّي مِنْ نَفْسِهِ؟ ٢٢ وَتَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً».". (انظر أيضا سفر إرميا الإصحاح ٣١ كله، يتحدث عن عودة جميع أسباط بني إسرائيل من السبي)

كما يحاول اليهود إضفاء صبغة الوثنية على السامريين، وأنهم نسل التزواج بين الأسباط العشرة وبين الجماعات التي أسكنها ملك أشور في مملكة إسرائيل الشمالية، ولكن العهد الجديد نفسه يشهد أن السامريين لم يختفوا رغم مرور ٧٢٢ عاماً من تاريخ غزو ملك أشور لهم، ويشهد أيضاً أن الخلاف بين اليهود والسامريين هو خلاف ديني وسياسي وأن السامريين قد التزموا بدينهم، دين بني إسرائيل، وينتظرون قدوم المسيح عليه السلام، ففي تكملة حوار المسيح عليه السلام مع المرأة السامرية نجد الآتي: 

يوحنا الإصحاح ٤ العدد ١١: "١١ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: "وَلكِنْ يَا سَيِّدُ، لَيْسَ مَعَكَ دَلْوٌ، وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ ١٢ هَلْ أَنْتَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَالَّذِي أَوْرَثَنَا هذِهِ الْبِئْرَ، وَقَدْ شَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟" ... ١٩ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ. ٢٠ آبَاؤُنَا عَبَدُوا اللهَ فِي هَذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمُ الْيَهُودَ تُصِرُّونَ عَلَى أَنَّ أُورُشَلِيمَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْكَزَ الْوَحِيدَ لِلْعِبَادَةِ."... ٢٥ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَسِيَّا، الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ، سَيَأْتِي، وَمَتَى جَاءَ فَهُوَ يُعْلِنُ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ». ٢٦ فَأَجَابَهَا: "إِنِّي أَنَا هُوَ الَّذِي يُكَلِّمُكِ." ... ٢٨ فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَعَادَتْ إِلَى الْبَلْدَةِ، وَأَخَذَتْ تَقُولُ لِلنَّاسِ: ٢٩«تَعَالَوْا انْظُرُوا إِنْسَاناً كَشَفَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ! فَلَعَلَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ؟» ٣٠ فَخَرَجَ أَهْلُ سُوخَارَ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ. ... ٣٩ فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِسَبَبِ كَلامِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ قَائِلَةً: «كَشَفَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». ٤٠ وَعِنْدَمَا قَابَلُوهُ عِنْدَ الْبِئْرِ دَعَوْهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ، فَأَقَامَ هُنَالِكَ يَوْمَيْنِ، ٤١وَتَكَاثَرَ جِدّاً عَدَدُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ بِسَبَبِ كَلامِهِ، ٤٢ وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَا نُؤْمِنُ بَعْدَ الآنَ بِسَبَبِ كَلامِكِ، بَلْ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا سَمِعْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، وَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ حَقّاً!»".

وهكذا يتضح أن تلك المرأة السامرية هي من بني إسرائيل وفق قولها " أَبِينَا يَعْقُوبَ الَّذِي أَوْرَثَنَا هذِهِ الْبِئْرَ "، ويتضح سبب الخلاف الديني بين اليهود والسامريين من قولها " آبَاؤُنَا عَبَدُوا اللهَ فِي هَذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمُ الْيَهُودَ تُصِرُّونَ عَلَى أَنَّ أُورُشَلِيمَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْكَزَ الْوَحِيدَ لِلْعِبَادَةِ "، ففي حين أن اليهود يقدسون مدينة داود (أورشليم)، يقدس السامريون جبل جرزيم ويعتبرونه قبلتهم وأنه أقدس بقعة على الأرض، ويعتبرون أن بناء اليهود للهيكل في مدينة أورشليم هو ابتداع بلا أصل في الدين لأن تعاليم دين بني إسرائيل تنص على قدسية جبل جرزيم " آبَاؤُنَا عَبَدُوا اللهَ فِي هَذَا الْجَبَلِ "، ويتضح أيضاً إيمان السامريين وانتظارهم لظهور المسيح " إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْمَسِيَّا، الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ، سَيَأْتِي، وَمَتَى جَاءَ فَهُوَ يُعْلِنُ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ "، " تَعَالَوْا انْظُرُوا إِنْسَاناً كَشَفَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ! فَلَعَلَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ؟".

وفي لوقا الإصحاح ٢ العدد ٣٦: " ٣٦ وَكَانَتْ هُنَاكَ نَبِيَّةٌ، هِيَ حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي السِّنِّ، وَكَانَتْ قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجِهَا سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ عَذْرَاوِيَّتِهَا، ٣٧ وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. لَمْ تَكُنْ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ وَكَانَتْ تَتَعَبَّدُ لَيْلاً وَنَهَاراً بِالصَّوْمِ وَالدُّعَاءِ. ٣٨ فَإِذْ حَضَرَتْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، أَخَذَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ وَتَتَحَدَّثُ عَنْ يَسُوعَ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ.".

وهنا ذكر لنبية هي حنا بنت فنوئيل "من سبط أشير"، أي أن الأسباط العشرة لم تكن قد اختفت في عصر المسيح عليه السلام، وهي لم تكن وثنية وإنما ذات إيمان قوي " لَمْ تَكُنْ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ وَكَانَتْ تَتَعَبَّدُ لَيْلاً وَنَهَاراً بِالصَّوْمِ وَالدُّعَاءِ ".

وقوع كلا من السامريين واليهود في الخطيئة:

كما ذكرنا فإن اليهود تقول أن السامريين وقعوا في خطيئة عبادة آلهة أخرى، الملوك ٢ الإصحاح ١٧ العدد ٦: ٦ وَتَمَكَّنَ مَلِكُ أشُّورَ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى السَّامِرَةِ .. ٧ حَدَثَتْ هَذِهِ الأُمُورُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ لِأنَّهُمْ أخْطَأُوا إلَى إلَهِهِمُ الَّذِي أخرَجَهُمْ مِنْ أرْضِ مِصْرٍ. فَقَدْ حَرَّرَهُمْ مِنْ قُوَّةِ فِرعَوْنَ مَلِكِ مِصْرٍ، لَكِنَّهُمْ رَاحُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى.".

ولكن الكتاب المقدس عند اليهود يدين اليهود أنفسهم ويؤكد وقوع اليهود أيضا في خطيئة عبادة آلهة أخرى، الملوك ٢ الإصحاح ١٧ العدد ١٩: " ١٩ وَكَذَلِكَ بُنُو يَهُوذَا لَمْ يُطِيعُوا وَصَايَا إلَهِهِمْ، بَلْ سَارُوا عَلَى نَهْجِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَبَنَّوا مُمَارَسَاتِهِمْ.".

الملوك ١ الإصحاح ١٤ العدد ٢٢: ٢٢ وَأخطَأ أيْضًا شَعْبُ يَهُوذَا وَفَعَلُوا الشَّرَّ أمَامَ اللهِ. فَفَاقَتْ شُرُورُهُمُ الَّتِي أغضَبَتِ اللهَ شُرُورَ كُلِّ آبَائِهِمُ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ. ٢٣ إذْ بَنَوْا مُرتَفَعَاتٍ، وَأنْصَابًا تَذْكَارِيَّةً، وَأعمِدَةً مُقَدَّسَةً لِعَشْتَرُوتَ. بَنَوْهَا عَلَى كُلِّ تَلَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. ٢٤ وَكَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ يُبِيحُونَأجسَادَهُمْ فِي الهَيْكَلِ. فَقَدِ اقتَرَفَ شَعْبُ يَهُوذَا جَمِيعَ رَجَاسَاتِ الشُّعُوبِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ أمَامَ بَنِي إسْرَائِيلَ.".

السبي البابلي:

كما ذكرنا فإن اليهود تدعي أنه عندما اجتاح ملك أشور مملكة إسرائيل الشمالية فإنه قد سبى كثيرين من أهلها وأتى أيضاً بجماعات من أمم مختلفة وأسكنهم مع المتبقي من أهلها، وأن الأسباط العشرة حينئذ تزاوجوا مع تلك الجماعات وعبدوا آلهة أخرى مع إله إسرائيل، ولكن هذا الادعاء هو أيضا سلاح ذو حدين، فمن جهة يضربون به الأسباط العشرة، ومن الجهة الأخرى يضربون أنفسهم!

ففي عام ٥٨٦ ق.م. غزا نبوخذ نصر مملكة يهوذا وسبى أهلها وأرسل الكثير منهم لبابل، وهذا معناه أن نفس الأمر تم معهم من أنه أسكن معهم أمم أخرى وأنهم تزاوجوا معهم!

وفي عام ٥٣٩ ق.م. هزم كورش ملك فارس البابليين، وسمح بعودة الراغبين من أهل مملكة يهوذا لمملكتهم السابقة، فعادوا بالآلاف إلا أن كثير منهم اختار البقاء في بابل مكونين جالية كبيرة من بني إسرائيل هناك.

أسطورة الأسباط العشرة المفقودة:

عند القراءة في المصادر اليهودية نجد تكرار عبارة "الأسباط العشرة المفقودة" وأنه لا يعلم أين اختفوا وكيف اختفوا، وأنه من بقي من بني إسرائيل هم فقط سبط يهوذا وبنيامين أبناء مملكة يهوذا، ولكن في الواقع فإن الأسباط العشرة لم تختفي وتذوب كما يذوب الملح، وإنما قد حدث تشتت عام لبني إسرائيل وهجرات واسعة على مر العصور، وتلك الهجرات كانت لعدة أسباب، فمنها السبي الذي حدث لبني إسرائيل عامة، ومنها تسلط الإمبراطوريات عليهم من المملكة الأشورية والبابلية والفارسية والهيلينية والبطلمية والسلوقية والرومانية، ومنها الرغبة في الهجرة والانتقال!

فعلى سبيل المثال في إثيوبيا نجد قبائل الفلاشا والتي تنسب نفسها لسبط دان وذلك باعتراف الحاخامية العليا في إسرائيل، وفي اليمن نجد أبناء سبط لاوي من بني إسرائيل، وفي فلسطين نجد السامريين الذين ينسبون أنفسهم لثلاثة أسباط، وهم سبط لاوي ابن يعقوب عليه السلام، وسبطي إفرايم ومنسي أبناء يوسف عليه السلام، بل ومن شروط صحة الصلاة عند السامريين هو وجود إمام لاوي (أي من نسل سبط لاوي، لأنه سبط الكهنة)، وفي الجزيرة العربية قديماً كانت توجد عدة قبائل من بني إسرائيل، وفي جميع دول الشرق الأوسط وفي جميع الدول الأوروبية والأمريكتين توجد جاليات كبيرة من بني إسرائيل، نعم يطلق عليهم جميعاً حالياً لقب "يهود" ولكن في الواقع هذه تسمية خاطئة، فكل هؤلاء ليسوا من سبط يهوذا حتى يطلق عليهم لقب "يهود"، وإنما هم من أبناء الأسباط الاثني عشر من بني إسرائيل، ولكن القوة الإعلامية لليهود، وأيضاً تضامن المسيحيين بوجه عام مع سبط يهوذا والذي جاء منه السيد المسيح، جعل هذا اللقب "يهود" هو اللقب الأكثر مناسبة لجميع أبناء أسباط بني إسرائيل المشتتة. وفي إحدى اللقاءات التليفزيونية أكد كاهن السامريين في فلسطين حسني السامري أنه إذا قلت لسامري أنه يهودي فإن ذلك يعتبر شتيمة له!

الفصل الرابع

دين السيد المسيح عليه السلام

طالما أن اسم دين السيد المسيح عليه السلام لم يكن لا "المسيحية" ولا "اليهودية"، إذن اسم دينه هو اسم مغاير لهذين الاسمين، فاسم دينه هو نفس اسم الدين الذي آمن به موسى عليه الصلاة والسلام، وهو نفس اسم الدين الذي آمن به يهوذا ابن يعقوب، والذي منه انحدر سبط يهوذا، وهو نفس اسم الدين الذي آمن به جميع أبناء إسرائيل (نبي الله يعقوب)، وهو نفس اسم الدين الذي آمن به كل من أنبياء الله يعقوب وإسحاق وإسماعيل وإبراهيم ونوح وأدم عليهم السلام. إذن ما اسم هذا الدين؟

قال الله عز وجل في القرآن الكريم عن نوح عليه السلام: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[50]، وقال عن إبراهيم عليه السلام: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[51]، وقال عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب (إسرائيل) عليهم السلام: { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  (١٣٢) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) }[52]،وقال عن يوسف عليه السلام: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }[53]، وقال عن موسى عليه السلام وقومه: { وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }[54]، وقال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }[55]، وقال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[56].

إذن فقد كان دين السيد المسيح عليه السلام هو الإسلام، فهو دين الله عز وجل وهو دين جميع الرسل والأنبياء بدون استثناء وعلى مر العصور، وقد ورد اسمه صراحة في القرآن الكريم.

أما بالنسبة للدين المسيحي والدين اليهودي فلم ترد أي إشارة لاسم هذا الدين في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وكلمة "الدين اليهودي" أطلقت بالخطأ على الدين الذي اتبعه سكان مملكة يهوذا، في حين أنه وقبل انقسام مملكة إسرائيل لمملكتي يهوذا وإسرائيل الشمالية، لم يعرف ما يسمى ب "الدين اليهودي"، حيث لم يكن لسبط يهوذا دين خاص بهم دوناً عن باقي الأسباط، فدين سبط يهوذا كان هو نفس دين جميع باقي الأسباط، وهو دين أباءهم يعقوب وإسحاق وإبراهيم.

 

 

 

الباب الثالث

المسيح عليه السلام في المسيحية والإسلام

 

الفصل الأول: ابتداع ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثاني: إنجيل يوحنا كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثالث: "كلمة الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الرابع: "ابن الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الخامس: "ربي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل السادس: "ربي وإلهي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل السابع: "الكائن على الكل" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثامن: "الولادة العذراوية"، "والمعجزات"، "والسجود له"، كدلائل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل التاسع: رد الكتاب المقدس على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل العاشر: رد القرآن الكريم على ألوهية المسيح عليه السلام

 

 

Icon

Description automatically generated with medium confidence

 

 

 

 

الفصل الأول

ابتداع ألوهية المسيح عليه السلام

كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين يؤمنون بأن خالق هذا الكون هو الله الذي هو على عرشه فوق السماوات، ولكن ما الذي يفرق بين المسلمين والمسيحيين إذا كانوا يعبدون بوجه عام نفس الإله، أليس دين الإله الواحد هو دين واحد، إذن لماذا المسلمون والمسيحيون في دينين وليس دين واحد؟ 

الفارق الرئيسي بينهم هو حول ماهية المسيح وماهية الإنجيل، فحينما يؤمن المسلمون أن المسيح هو رسول من عند الله وأنه كان معه إنجيل فيه كلام الله، يؤمن المسيحيون أنه كان الله نفسه وأن إنجيله هو أربعة أناجيل كتبت من آخرين غيره بإلهام من الروح القدس. وحتى يزال هذا الفارق بين المسلمين والمسيحيين الذين يعبدون بوجه عام نفس الإله، وحتى يصبحون جميعاً يؤمنون بنفس دين هذا الإله الواحد، فقد اشترط المسلمون بضعة اشتراطات حتى يثبت لهم المسيحيون عقيدة ألوهية المسيح عليه السلام وأن الأناجيل الأربعة هي كلامه المقدس.

شروط المسلمين لقبول عقيدة ألوهية المسيح عليه السلام:

١- يجب أن تكون عقيدة أزلية واضحة لكل البشر منذ عهد أدم عليه السلام وحتى يوم القيامة، فيجب أن يكون أدم والأنبياء جميعهم من بعده مثل نوح وإبراهيم وموسى ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم قد عبدوا المسيح (طالما أنه وفق ادعاء المسيحيين إله أزلي موجود قبل خلق الكون نفسه) أو دعوا باسم الثالوث المقدس الآب والابن والروح القدس، فإن لم تكن عقيدة أزلية واضحة إذن فهي بدعة مستحدثة.

٢- يجب أن يكون المسيح عليه السلام قد أقرها بوضوح في زمنه، وطلب من التلاميذ بوضوح أن يعبدوه، ولا يمكن قبول التذرع بأنه لم يعلن هذا صراحة خشية ألا يفهموه أو ألا يؤمنوا وقتها به وأنه قد تركهم يستنبطون تلك العقيدة مع مرور الوقت. كما لا يمكن استخدام كلمات غامضة أو كلمات من بين السطور كدليل على أنه طلب من التلاميذ عبادته.

٣- يجب أن تكون قد ذكرت بكل وضوح في مصدر موثوق وبلا جدال حول موثوقيته ونسبته لله تعالى، وطالما أن المسيحيون يقولون أن الكتاب المقدس الذي بين يدينا حالياً هو كلام الله، إذن يجب عليهم أن يثبتوا لنا أن عقيدة ألوهية المسيح ذكرت بوضوح في كل من العهد القديم وأيضاً الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، ثم يثبتوا لنا بأدلة قاطعة غير غامضة أن العهد القديم والأناجيل الأربعة هي كلام الله الموحى به.

٤- يجب أن تكون عقيدة لا خلاف عليها بين المسيحيين أنفسهم منذ وقت المسيح عليه السلام وحتى وقتنا الحالي.

تعليق المسلمين على الشروط السابقة:

بالنسبة لشرط الوضوح: 

فإن من عدل الله عز وجل ورحمته بعباده أنه قد أوضح لهم العقيدة والدين، فالعقيدة الصحيحة واضحة لا لبس أو غموض فيها، يفهمها الصغير والكبير، فالعقيدة الصحيحة يترتب عليها الجنة لمن اتبعها والنار لمن تكبر ورفضها، ومن عدل الله ألا يعاقب البشر على عدم اتباع عقيدة غامضة بالنسبة لهم، أو تحتاج لمؤتمرات ومجامع لإقرارها ولشرحها لهم، فكما قال ألبرت أينشتاين: "إن لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره ٦ سنوات، فأنت نفسك لم تفهمها".

ولكن في الواقع فإن مسألة ألوهية المسيح عليه السلام هي عقيدة في غاية الغموض، فهي أولا غير واردة في الأناجيل الأربعة بوضوح، وإنما الذي نجده أن المسيحيين يحاولون لي عنق بعض الكلمات في محاولة لخلق عقيدة جديدة، هي عقيدة ألوهية المسيح. 

وعند النظر في أدلة المسيحيين حول ألوهية المسيح نجد أنها مستمدة من عبارات داخل الأناجيل ولكن كلها عبارات ذات محل خلاف حول موثوقيتها، وأغلب تلك العبارات مستمدة من إنجيل واحد وهو إنجيل يوحنا، وأيضا من كل ما نسب ليوحنا مثل سفر الرؤيا والرسالة الأولى والثانية ليوحنا، على الرغم من أن تلك العبارات لم ترد في أي من الأناجيل الأخرى، متى، مرقس، لوقا.

بالنسبة لشرط الأزلية:

فهي عقيدة تم إقرارها في مجمع نيقية عام ٣٢٥م، وعليه فلا نجد لأي من أنبياء الله صيغة تعبد باسم المسيح أو الابن أو بالثالوث المقدس أو أي ذكر عنه.

بالنسبة لشرط إقرارها من المسيح:

فلا توجد إشارة في أي من الأناجيل أن المسيح طالب الناس بعبادته، ولم يقل لهم أنا الله. بل وبالنظر في نصوص الأناجيل الأربعة، نجد العديد من العبارات التي تنفي ألوهية المسيح وتثبت أنه عبد الله ورسوله، ولكن تعصب بعض المسيحيين يجعلهم يغضون الطرف عن تلك النصوص التي تثبت أنه عبد من عباد الله، وتركز انتباهها حول كلمات بعينها ولي عنق معانيها حتى يفهم منها ألوهية المسيح عليه السلام.

بالنسبة لشرط ذكرها في مصادر موثوقة:

في الواقع فإنه وعند الدراسة المتعمقة وجدنا أن جميع العبارات التي تستمد منها الكنيسة عقيدتها حول ألوهية المسيح هي إما عبارات دخيلة على الأناجيل أو عليها خلاف حول موثوقيتها أو دلالاتها. فضلا عن أنه يجب إثبات أولا أن الأناجيل الأربعة هي كلام الله المقدس.

شروط المسلمين لقبول الأناجيل الأربعة ككلام الله المقدس:

إن عقيدة ألوهية المسيح تستمدها الكنيسة من بعض الكلمات في الأناجيل الأربعة، وهذا ما سوف نناقشه في الأسفل بإذن الله تعالى، ولكن هل الأناجيل الأربعة أولا هي ذات موثوقية؟ 

إن من المتفق عليه ومن المسلمات بين علماء المسلمين وعلماء المسيحيين أن كتبة الأناجيل الأربعة هم مجهولون، يمكنك البحث في هذا الموضوع لتتأكد من ذلك، وحتى في الطبعة اليونانية للكتاب المقدس والصادرة عن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية الرسمية، كتبت الكنيسة قبل كل إنجيل مقدمة تعريفية عنه، فكتبت بوضوح أن كاتب هذا الإنجيل مجهول، ولقد تمت تسمية هذا الإنجيل بهذا الاسم في القرن الثاني الميلادي! وعلى هذا فحتى ولو ذكرت الأناجيل الأربعة من أولها لآخرها أن المسيح هو الله نفسه، فلا يمكن الاعتداد بهذا، لأن العقيدة يجب أن تكون صادرة فقط عن كتاب موحى به وليس كتاب تاريخ أو جغرافيا. ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد خصصنا باب كامل في هذا الكتاب لمناقشة من كتب الأناجيل الأربعة، فعقائد الكنيسة كلها مستمدة من تلك الأناجيل.

ولكن وحتى يساعدنا هذا في إكمال قراءة هذا الكتاب، فسوف أذكر هنا بعض النقاط حول الكتاب المقدس وبعض الشواهد قطعية الدلالة لا خلاف عليها بين المسلمين والمسيحيين، وهي شواهد تثبت أن الأناجيل الأربعة ليست كلام الله المقدس ولم تكن أبداً وحياً إلهياً:

١- لإقرار أي عقيدة يجب أن تكون أولا مستمدة من كلام متصل بالله تعالى مباشرة، أو من كلام الرسل، ونقصد بالرسل هنا المسيح عليه السلام، ولكن الأناجيل الأربعة هي وفق رواية متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وعليه فهي ليست مستمدة من كلام ينسب لله تعالى.

٢- لو تغاضينا عن الشرط السابق، وقبلنا أن تستمد العقيدة من كلام أحد التلاميذ الإثنا عشر للسيد المسيح عليه السلام، فعند ذلك سوف نستبعد من الكتاب المقدس كل من إنجيل مرقس وإنجيل لوقا، فأسماءهم غير مذكورة في أسماء تلاميذ المسيح الإثنا عشر والمذكورة داخل الأناجيل الأربعة نفسها. أيضاً يجب استبعاد كل رسائل بولس، لأنه لم يكن من تلاميذ المسيح ولم يرى المسيح في حياته، بل كان ينادي بتعاليم ليست بتعاليم المسيح فألغى الختان والسبت وألغى اتباع شريعة موسى رغم أن السيد المسيح قال أنه لم يأتي ليلغي شريعة موسى، بل ليؤكد عليها، وهذا ما جعل الكثير من المسيحيين الأوائل الذين كانوا من بني إسرائيل أن يكفروا بولس ويقولوا أنه مرتد عن المسيحية واليهودية أيضاً، ومن أولئك المسيحيين الأوائل ما يعرف اليوم باسم "الإبيونيين".

٣- إنجيل لوقا ينفي عن نفسه صفة القدسية وينفي عن نفسه أنه وحي إلهي، فكيف يجرأ بعد ذلك أحد بادعاء أنه وحي من الروح القدس؟ أليست هذه هي السفسطائية بعينها؟ اقرأ إنجيل لوقا الإصحاح ١ العدد ١.

٤- إنجيل متى يتحدث عن متى بصيغة الغائب (متى ٩ - ٩)، فكيف يكون متى العشار هو الكاتب؟ وتحدث عن التلاميذ بصيغة الغائب وهو من ضمنهم (متى ١٠ - ١). لم يذكر أهم حوادث فعلها المسيح وكان متى العشار حاضراً فيها، وقد ذكرت تلك الحوادث في الأناجيل الأخرى مثل إحياء إلعازر (يوحنا ١١ - ١) وصعود المسيح للسماء (لوقا ٢٤ - ٥١) (مرقس ١٦ - ١٩). يحدد علماء اللاهوت تاريخ كتابة هذا الإنجيل ب ٩٠ ميلادياً، أي بعد موت متى العشار أصلاً. ذكر خرافات لا تصدق ولم ترد في الأناجيل الأخرى (متى ٢٧ - ٥٠).

٥- كاتب إنجيل يوحنا يذكر بوضوح أنه ليس من التلاميذ (يوحنا ٢١ -٢٠). تحدث بصيغة الغائب عن التلاميذ ومن ضمنهم يوحنا بن زبدي (يوحنا ٢ - ٢٢). لم يذكر أهم حوادث فعلها المسيح وكان يوحنا بن زبدي حاضراً فيها، مثل صعود المسيح للسماء وقيامته من الأموات، ومعجزة إحياء الفتاة (مرقس ٥ - ٣٥) (متى ٩  ٢٣) (لوقا ٨  ٤٩)، ومعجزة التجلي (متى ١٧ - ١) (لوقا ٩ - ٢٨). عدم معرفته بأن سالومة أم يوحنا بن زبدي ذهبت لقبر المسيح (ذكرت في مرقس ١٦ - ١) (لم تذكر في يوحنا ٢٠ - ١). لم يذكر اسم يعقوب أخو يوحنا بن زبدي إطلاقاً. الاختلاف الحاد بينه وبين باقي الأناجيل في قصة لقاء المسيح مع بطرس وأندراوس (متى ٤  ١٨) (مرقس ١ - ١٦) (لوقا ٥ - ٢) (يوحنا ١ - ٣٥). وفي نفس تلك القصة ذكرت الأناجيل الثلاثة كيف تقابل يوحنا بن زبدي مع المسيح إلا أن الإنجيل الوحيد الذي لم يذكر تقابل يوحنا بن زبدي مع المسيح هو إنجيل يوحنا! يحدد علماء اللاهوت تاريخ كتابة هذا الإنجيل ب ١٠٠ ميلادياً، أي بعد موت يوحنا بن زبدي أصلاً.

 ٦- من المسلمات بين علماء اللاهوت وجود اختلافات حادة بين الأناجيل الأربعة في أكثر القصص المذكورة، وعلى هذا لا يمكن التشبث بكلمة ذكرت في أحد الأناجيل ولها دلالة عقدية. بإمكانك قراءة أية قصة في أياً من الأناجيل الأربعة ثم مقارنتها بنفس القصة في باقي الأناجيل، دائماً ستجد اختلافات حادة، ولكن الكنيسة لكي تقوم بتجميع العقيدة التي تؤمن بها حالياً، اعتمدت على منهج تجميع الكلمات، كلمة من الإنجيل كذا، وكلمة من إنجيل أخر، وذلك حتى تكتمل العقيدة.

٧- الأناجيل الأربعة ليست هي الوحيدة التي كانت موجودة في القرون الأولى الميلادية، بل كان هناك العديد من الأناجيل وكلها كانت تنسب نفسها لأحد من التلاميذ.

٨- وصلت إلينا تلك الأناجيل الأربعة بطرق غامضة وعبر أناس غير معروفين للكنيسة، مثل إريناؤس، والذي لا تملك الكنيسة معلومات كثيرة عنه، وهذا سوف نتناوله بالتفصيل بإذن الله تعالى فيما بعد.

 

 

الفصل الثاني

إنجيل يوحنا كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

إنجيل يوحنا والفلسفة اليونانية:

١- ظهور إنجيل يوحنا المفاجئ:

أول من أشار إلى وجود إنجيل من كتابة أحد تلاميذ المسيح هو إريناؤس[57] عام ١٨٠ ميلادية. ويدعي بعض القساوسة أنه وبسبب ظهور الهرطقات والبدع في عصر يوحنا بن زبدي، فقد طلب قساوسة آسيا الصغرى من يوحنا بن زبدي أن يكتب إنجيلا يرد به على تلك الهرطقات، ولكن ادعائهم هذا باطل وبلا أي دليل، فكيف لم تسمع أي كنيسة في آسيا الصغرى أو في أي من الكنائس الأخرى عن وجود هذا الإنجيل إن كانوا هم حقا من طلبوا من يوحنا بن زبدي أن يكتبه؟ ولماذا لم يستشهد به أي من أباء الكنيسة في القرن الأول أو في بدايات القرن الثاني، في حين نجد أن أول إشارة عن وجوده كانت في عام ١٨٠ ميلاديا؟

٢- استخدام إنجيل يوحنا في الرد على منكري ألوهية المسيح وعلى الهرطقات والبدع: 

جميع المعلومات التي وصلت للكنيسة حول الهرطقات والبدع التي ظهرت في أواخر القرن الأول والقرن الثاني الميلادي تعتمد على ما كتبه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات"، ورغم أن النسخة الأصلية من هذا الكتاب لم تصل أصلاً للكنيسة وأن الكنيسة قد اعتمدت على ترجمة لاتينية لهذا الكتاب، ورغم أن إريناؤس نفسه لا تتوافر أصلاً معلومات كثيرة عنه لدى الكنيسة، إلا أن الكنيسة صدقت كل ما ذُكرَ في تلك الترجمة اللاتينية لكتاب إريناؤس! 

وقد شن إريناؤس حرباً ضد عدداً من أباء الكنيسة المبكرة وعدداً من الجماعات المسيحية الأولى وضد أيضاً العديد من الأناجيل التي كانت منتشرة وبكثرة وكانت تنسب لأياً من تلاميذ المسيح! وعلى هذا فقام إريناؤس بإطلاق اسم "الإبيونيين" والتي تعني الفقراء على إحدى الجماعات المسيحية، وانتقدهم وانتقد عقيدتهم وسماها ب"بدعة الإبيونيين" وانتقد الإنجيل الذي كانوا يستخدمونه وسماه ب"إنجيل الإبيونيين"! أيضاً انتقد إريناؤس ماركيون وعقيدته وسماها ب"بدعة ماركيون" وانتقد الإنجيل الذي كان يستخدمه ماركيون والذي كان منتشراً في العديد من البلدان والكنائس وسماه ب"إنجيل ماركيون"! وانتقد كيرينثوس وانتقد إنجيله وسماه ب"إنجيل كيرينثوس"، وانتقد كاربوكراتيس[58] الذي كان يتبع هو أيضا "إنجيل كيرينثوس". وانتقد أيضا ساتورنينوس[59] وانتقد باسيليدس[60] ومعتقداتهم. 

وهكذا فقد انتقد إريناؤس العديد من أباء الكنيسة المبكرة وكتب عنهم وعن معتقداتهم، وعلى هذا فنحن لا نعرف ما كانوا حقاً يؤمنوا به إلا مما كتب إريناؤس عنهم، أما كتاباتهم هم فلم تصل أياً منها إلينا. وعلى هذا فلن نعرف أبداً إن كانوا حقا هراطقة أم كانوا هم على الحق، لأننا لن نستطيع أبداً للوصول لكتاباتهم وأقوالهم الحقيقية. أما الكنيسة حالياً فهي تكرر كلام إريناؤس عنهم دون أي شك فيما ذكره، فقد قرأت حول كيرينثوس على سبيل المثال، ووجدت عبارة تقول أن أباء الكنيسة المبكرة انتقدوه وانتقدوا هرطقته، ولكن بعد الاستمرار في القراءة وجدت أن المقصود بأباء الكنيسة المبكرة هو إريناؤس فقط!

وقد كان إريناؤس يعتمد بشكل أساسي على إنجيل يوحنا في ردوده على كل ما يسميها بالهرطقات. وعلى هذا فمن المحتمل جدا أنه قد نسب هذا الإنجيل الذي يقتبس منه ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وادعى أن معلمه بوليكاربوس[61] كان تلميذا ليوحنا بن زبدي، وذلك حتى يصبح قوله هو القول الصواب أمام الناس وليثبت العقيدة التي يراها هو أنها هي العقيدة الصحيحة.

٣- الفرق بين إنجيل يوحنا وبين باقي الأناجيل الثلاثة:

تسمي الكنيسة الأناجيل الثلاثة متى ومرقس ولوقا ب"الأناجيل الجسدية" بينما تسمي إنجيل يوحنا ب"الإنجيل الروحي". كما تطلق الكنيسة على الأناجيل الثلاثة اسم "الأناجيل الإزائية"[62] لأنه يمكن وضعها بإزاء (بجوار) بعضها البعض، فهي متشابهة بحيث تخبر نفس القصص عن المسيح وتسَلسُل ترتيب الأحداث بوجه عام. ويشار لأسباب وجود تشابه بين تلك الأناجيل بالمشكلة "السينوبتية"[63] فالتشابه في اختيار الكلمات وترتيب الأحداث يدل على علاقة بينهم. بينما إنجيل يوحنا فتطلق عليه اسم "الإنجيل المستقل". 

٤- سبب كتابة إنجيل يوحنا: 

يوضح كاتب هذا الإنجيل الغرض من كتابته في الإصحاح ٢٠ العدد ٣١: ٣١ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه. "

وهكذا فإن الكنيسة ترى أن هذا الإنجيل قد كتب لإثبات ألوهية المسيح وأنه هو المسيح المنتظر لدى اليهود.

٥- مكان كتابة إنجيل يوحنا وأسلوب كتابته: 

اختلف اختلافاً شديد في تحديد مكان كتابته، فقد قيل أنه قد يكون كتب بإفسس، أو بأنطاكيا، أو بالإسكندرية بمصر، حيث أن أقدم مخطوطة نسخت منه وتم العثور عليها تم اكتشافها بالإسكندرية، فضلا عن أن هذا الإنجيل يحمل طابعًا هيلينيًا (يونانياً) يناسب فكر الإسكندرية المتأثرة بفيلون الفيلسوف اليهودي السكندري (٢٠ ق.م  ٤٥ م)[64]

٦- تأثر أباء الكنيسة المناصرون لإنجيل يوحنا بالفلسفة اليونانية والكتب الأبوكريفا اليهودية:

أ) تأثر أباء الكنيسة المبكرة بالفيلسوف فيلون اليهودي السكندري: 

يحمل إنجيل يوحنا طابعاً هيلينياً (يونانياً) ومتأثراً بكتابات الفيلسوف فيلون السكندري، وقد كان فيلون يستخدم الرموز الفلسفية ليوائم بين الكتب اليهودية المقدسة، وخصوصا التوراة، وبين الفلسفة اليونانية. وقد كان التفسير الاستعاري أو الرمزي لفيلون هام جدا لأباء الكنيسة المسيحية المبكرة الذين تلقوا أعماله وفكره بحماس شديد وادعوا بأن فيلون قد يكون مسيحي يخفي إيمانه المسيحي. ورأى بعض العلماء أن مفهوم فيلون عن "الكلمة" بأنها مبدأ الخلق عند الله، قد أثرت في المسيحية المبكرة بشكل كبير، وبأن كاتب إنجيل يوحنا قد اقتبس هذا المفهوم من فيلون، ولكن في حين أن فيلون قد عبر عنه بمفهوم فلسفي يهودي، فإن كاتب إنجيل يوحنا قد عبر عنه بمفهوم فلسفي مسيحي.[65]

وقد ذكر مات ستيفون في كتابه "اليهودية: التاريخ، والمعتقد، والممارسة": "إن استخدام فيلون للفلسفة اليونانية، وخصوصا لفلسفة أفلاطون، في الموائمة بين أفكار التوراة وبين مفهومه عن "الكلمة" بأنها وسيط بين الله والعالم، قد تسبب في تأسيس الأفلاطونية الحديثة[66] والغنوصية[67] والنظرة الفلسفية لأباء الكنيسة المبكرة."[68]

ب) الشهيد يوستينوس[69] الفيلسوف: 

ذكرت الترجمة اليسوعية في مقدمتها عن العهد الجديد أن الشهيد يوستينوس (والذي عاش في القرن الثاني الميلادي، من عام ١٠٠م إلى ١٦٥م) هو أول من ذكر "أن المسيحيين يقرأون أناجيل (دون أن يحدد ما هي تلك الأناجيل ودون أن يحدد إن كان منها الأناجيل الأربعة) في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل". وهذا الاستشهاد تعتمد عليه الكنيسة في إثبات وجود أناجيل في أواسط القرن الثاني الميلادي. ولكن إن راجعنا سيرة يوستينوس نجد أنه كان فيلسوفا قبل أن يعتنق المسيحية وكان بارعاً بشكل كبير في الفلسفة اليونانية وكان من أبرز من فسر مفهوم "الكلمة" (اللوغوس) في القرن الثاني الميلادي. كما أشار يوستينوس إلى مسألة وجود "الدين الحق" الذي سبق المسيحية، قائلا بأن "بذور المسيحية" (مظاهر أعمال "الكلمة" عبر التاريخ) قد سبقت بالفعل تجسد المسيح، وأشار إلى أن العديد من الفلاسفة اليونانيين المعروفين في التاريخ (ومن ضمنهم سقراط وأفلاطون) الذين قد تعلم أعمالهم الفلسفية بشكل جيد، يعتبرون مسيحيون غير مدركين (أنهم مسيحيون).

ج) بابياس[70] وتأثره بالكتب الأبوكريفا اليهودية: 

كتب يوسابيوس القيصري[71] عن بابياس أنه كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك بسبب أن بابياس كان متأثراً بالكتب الأبوكريفا اليهودية ولهذا كان يؤمن "بالمُلك الألفي" المادي، وكان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة.

د) اكليمنضس السكندري وتأثره بالفلسفة اليونانية: 

كان من أهم المناصرين لإنجيل يوحنا، وقد كان رئيساً للمدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية، ومن خلال أهم كتبه الثلاث يتضح مدى تأثره الشديد بالفلسفة والأدب اليوناني وخصوصا فلسفة أفلاطون والفلسفة الرواقية أكثر من أي مفكر مسيحي آخر في ذلك الوقت. كان معلمه هو القديس والفيلسوف اليوناني بنتينوس[72] الذي كان فيلسوفا رواقيا مشهورا، وقد كان بنتينوس وثنيا ثم اعتنق المسيحية، وحاول جاهداً التوفيق بين الفلسفة اليونانية التي يبرع فيها وبين دينه الجديد المسيحية، وقد أثر بشكل كبير في علم اللاهوت المسيحي من خلال عمله كرئيس المدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية، وبعد وفاته خلفه في هذا المنصب إكليمنضس السكندري.

وقد تم اعتبار إكليمنضس السكندري قديساً في كل من الكنيسة القبطية والكنيسة الإثيوبية والكنيسة الأنجليكانية، كما كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تعتبره في السابق قديساً لها وتحتفل بعيده في الرابع من شهر ديسمبر، ولكن فجأة تم مسح اسمه من سجل الشهداء بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية عام ١٥٨٦ بأمر من البابا إكليمنضس الثامن، وقد كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته.

ومن تلاميذ إكليمنضس السكندري، هو أوريجانوس[73] الذي كان من أشد الشخصيات تأثيراً في اللاهوت المسيحي المبكر، وقد وصف بأنه أنبغ عبقرية أنتجتها الكنيسة المبكرة. وكان قد عمل كرئيس للمدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية خلفا لإكليمنضس السكندري، إلا أن الكنيسة القبطية فيما بعد قد حرمت أوريجانوس من رتبته الكهنوتية وكذلك فعلت الكنائس الخلقيدونية بسبب ما وجدته في كتاباته من أخطاء عقدية، فضلا عن أنه كان قد خصي نفسه عندما كان شاباً حتى يستطيع وعظ النساء بحرية (كما ذكر يوسابيوس القيصري عنه) والمخصي لا يجوز له أن ينال رتبة كهنوتية.

ر) العديد من أباء الكنيسة المبكرة وتأثرهم بالفلسفة اليونانية: 

العديد من أباء الكنيسة المبكرة من المناصرين لإنجيل يوحنا، عند مراجعة سيرهم نجد مدى تأثرهم بالفلسفة اليونانية (ولكن لا مجال لذكرهم جميعا هنا حتى لا يطول الكتاب).

س) ترتليانوس[74] وعداءه للفلسفة اليونانية: 

انتقد ترتليانوس (والذي كان يلقب ب"أبو المسيحية اللاتينية" وأيضا ب"مؤسس علم اللاهوت الغربي") أباء الكنيسة من الفلاسفة أو المتأثرين بالفلسفة اليونانية وانتقد ما أدخلوه من بدع وخرافات في دين المسيحية، قائلاً: "وأي علاقة بين أثينا وأورشليم، بين الأكاديمية والكنيسة، بين الهراطقة والمؤمنين؟ ... إننا بريئون من الذين ابتدعوا مسيحية رواقية، أو أفلاطونية[75]، أو أبيقورية[76]، أو جدلية[77] بعد المسيح والإنجيل، لسنا بحاجة إلى شيء، وهل هناك مجال للتشبيه بين المسيحي والفيلسوف، بين تلميذ السماء، وتلميذ بلاد اليونان، بين من يهدف إلى الحياة، ومن يهدف إلى الشهرة، بين من يبني، ومن يهدم، بين من يحافظ على الحقيقة ويبشر بها، وبين من يفسدها؟".

والعجيب، أن ترتليانوس نفسه قد وقع في الهرطقات واستخدم الفلسفة اليونانية والكتب الأبوكريفا اليهودية، فهو كان مؤمناً بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي والمادي، وأيضا هو أحد مؤسسي ومبتدعي عقيدة التثليث (الثالوث المقدس) وأدخلها في الديانة المسيحية، رغم أن لفظ (الثالوث) لم يذكر أبداً على لسان السيد المسيح ولا على لسان أياً من تلاميذه، ولا حتى في أي إنجيل من الأناجيل الأربعة التي تحاول الكنيسة أن تنسبها للتلاميذ. وفي النهاية فقد وقع ترتليانوس في هرطقة شديدة وهي اتباعه لمذهب المونتانية[78] الذي أسسه مونتانوس (أو مونتانُس)[79] الذي ادعى كذباً النبوة، ودافع ترتليانوس بشدة عن المونتانية واستقطب أتباع كثر لها.

٧- نسب عبارات للمسيح تبدأ بكلمة "أنا" في إنجيل يوحنا:

إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي تفرد بنسب عبارات عديدة للسيد المسيح تبدأ بكلمة "أنا"، في حين أن جميع الأناجيل الأخرى غير مذكور بها أيا من تلك العبارات. وقد استخدمت تلك العبارات من القساوسة المناصرين لفكرة ألوهية المسيح في مناظراتهم مع القساوسة والكنائس المعارضة لألوهية المسيح. ومن تلك العبارات:

(أنا هو خبز الحياة من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا) (الإصحاح ٦ العدد ٣٥). (أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني) (الإصحاح ٧ العدد ٢٩). (أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة) (الإصحاح ٨ العدد ١٢). (فقالوا له أين هو أبوك؟ أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا) (الإصحاح ٨ العدد ١٩). (فقال لهم: أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم) (الإصحاح ٨ العدد ٢٣). (قال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن) (الإصحاح ٨ العدد ٥٨). (أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف) (الإصحاح ١٠ العدد ١١). (أنا والأب واحد) (الإصحاح ١٠ العدد ٣٠). (ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الأب في وأنا فيه) (الإصحاح ١٠ العدد ٣٨). (قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا) (الإصحاح ١١ العدد ٢٥). (والذي يراني يرى الذي أرسلني) (الإصحاح ١٢ العدد ٤٥). (أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الأب إلا بي) (الإصحاح ١٤ العدد ٦). (٧ لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ومن الان تعرفونه وقد رأيتموه. ٨ قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا. ٩ قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب؟ ١٠ ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب في الكلام الذي أكلمكم به! لست أتكلم به من نفسي لكن الأب الحال في هو يعمل الاعمال. ١١ صدقوني أني في الأب والأب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها. ١٢ الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي. ١٣ ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الأب بالابن) (الإصحاح ١٤ العدد ٧-١٣).

وقد قال القس الأمريكي جون شيلبي سبونج[80]: "أنه وبعد خمس سنوات من دراسته المستمرة عن إنجيل يوحنا فقد خلص إلى ... أن الكثير من العبارات المنسوبة للمسيح في هذا الإنجيل لم يقلها المسيح أبداً، ومن ضمنها جميع العبارات التي تبدأ بكلمة "أنا" و"أنا أكون" (والتي لم يتم ذكرها في أي من الأناجيل الثلاثة الأخرى)!! [81]

٨- اعتماد الكنيسة على إنجيل يوحنا في مقاومة الهرطقات والبدع:

إن مصطلح "الكنيسة" الذي يستخدمه الكثيرون ممن يتحدثون عن حرب الكنيسة مع الهرطقات والبدع، هو مصطلح خادع. لأنه يخيل لنا أنه كانت هناك كنيسة واحدة ومتحدة وكانت ترد على من يخرج عليها وعلى الصراط المستقيم. بل الحقيقة أن الكنائس في ذلك الوقت كانت في صراع دائم فيما بينها ومنقسمة ومتفرقة وبلا عقيدة ثابتة واضحة. 

ومن الأمثلة على ذلك هو أن أغلب الكنائس وأغلب أباء الكنيسة المبكرة كانوا يؤمنون بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي والمادي، ومنهم: بابياس، بوليكاربوس، إريناؤس، يوستينوس، ميليتو أسقف ساردس[82]، ترتليانوس، هيبوليتوس الروماني[83]، أمبروسيوس أسقف ميلان[84]، نيبوس المصري[85]، وغيرهم، وكان معارضوهم قلة قليلة جداً، واستمر هذا الأمر لمدة أربعة قرون، ولم يُشجب في أي مجمع من المجامع المسكونية، ولكن قانون الإيمان النيقاوي الذي صيغ في مجمع نيقية عام ٣٢٥م بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير عزز عقيدة التثليث وأضاف عبارة تقول "الذى ليس لملكه انقضاء"، وهذا يشير ضمنيا أن المسيح لن يأتي ليحكم الأرض ألف سنة كما كان معتقداً. 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا كان مصطلح "الكنيسة" يعني وجود كنيسة واحدة ومتحدة، وأن من يخرج عليها يكون هرطيق وفاسق، فلماذا إذن تغيرت عقيدة تلك الكنيسة المتحدة من الإيمان بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي وأصبح بمعناه الرمزي فيما بعد؟!

الإجابة على هذا السؤال: هو أن تغير عقيدة الكنيسة بوجه عام كان مرجعه إلى القوة والسلطة وليس الإجماع والحجة، فمجمع نيقية عقد بأمر من الإمبراطور قسطنطين وتحت إشرافه، وعلى هذا فالكنائس التي استطاعت الاستناد إلى قوة الإمبراطور كانت هي الكنائس المنتصرة في النهاية! ولهذا نجد أنه رغم أن عقيدة المُلك الألفي المادي كانت تعبر عن رأي أغلبية الآباء والكنائس إلا أن رأي الأقلية من الآباء هي التي انتصرت في النهاية. وهكذا فإن من كان يطلق عليه لقب "هرطيق" في السابق بسبب إيمانه بالمعنى الرمزي للمُلك الألفي، الذي هو إيمان مخالف لإيمان أغلب الكنائس، أصبح يطلق عليه "قديس"، وأصبح من يخالفه ويؤمن بالمعنى الحرفي للمُلك الألفي يطلق عليه "هرطيق"!

وبالنسبة لمصطلح "هرطقة" أو "بدعة" أيضا هو مصطلح خادع، لأن المنتصر الذي كان يستند على قوة الإمبراطور أو الملك كان يطلق على من يعارضه لقب هرطيق أو مبتدع ويصفه بأنه منحرف عن العقيدة الصحيحة للكنيسة!

وبالنسبة لنا في عصرنا الحالي فلا نستطيع معرفة من كان معه الحق ومن كان فعلاً هرطيق في القرون الأولى للكنيسة، لأن المنتصر كان دائما ما يحرق كتب المعارضين ويقوم بنفيهم أو حتى بسجنهم، ويضطهد أتباعهم. وهكذا فنحن لا نعرف ما هي حجج المعارضين إلا مما كتبه المنتصر عنهم فقط! وعلى هذا فمن يضمن لنا أنه كان يذكر فعلا أقوالهم الحقيقية أم أنه ألصق لهم أقوال زائفة حتى يشوه صورتهم وحججهم؟!

ونحن إن حكمنا على أحد أباء الكنيسة الأولى بأنه كان هرطيق بدون سماع حججه، واستناداً فقط على أقوال الطرف المنتصر، فنكون وقتها مثل القاضي الذي حضر أمامه شخص ليتهم شخص أخر بأنه سبه وشتمه، فحكم القاضي وفق أقوال الشاكي دون سماع أقوال المشكو بحقه!

وخير مثال على هذا هو ما يسمى ب "بدعة أريوس"[86]، فإذا سألنا أياً من القساوسة في عصرنا الحالي عن أريوس فسنجد أن الرد واحداً، وهو أن أريوس كان أكبر هرطيق في تاريخ الإنسانية. ولكن إذا سألنا ما هي الأدلة على هرطقته، فسيكون الرد هو الاحتجاج بما كتبه عنه أعداءه وما نسبوه له من أقوال وعقيدة.

والذي لا يعرفه اليوم الكثير من عامة المسيحيين هو أن الأريوسية لم تكن مجرد طائفة من طوائف المسيحية، بل كانت هي العقيدة السائدة في أغلب الكنائس! فأغلب الدول الأوروبية كانت تتبع مذهب أريوس، والكثير من ملوك وأباطرة وبطاركة أوروبا كانوا أريوسيون! 

وقد قال القسيس جيروم مقولته الشهيرة التي توضح كيف كانت الأريوسية هي المذهب السائد: "إستيقظ العالم متأوها ليجد نفسه أريوسيا"!

 

 

الفصل الثالث

"كلمة الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

في الترجمة العربية لإنجيل يوحنا الإصحاح ١ العدد ١ ذكر: ١ في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". ٢ كَانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ فِي البَدْءِ. ٣بِهِ خُلِقَ كُلُّ شيءٍ، وَبِدُونِهِ لَمْ يُخلَقْ شَيءٌ مِمَّا خُلِقَ. ".

سوف نناقش بإذن الله تعالى هذا العدد من ثلاثة مباحث: الأول من ناحية الترجمة، الثاني من الناحية الدينية، الثالث من ناحية الفلسفة.

المبحث الأول: من ناحية الترجمة:

لقد تعمدت هنا أن أذكر الترجمة العربية لأن تلك الطريقة في الترجمة قد استخدمت في العديد من اللغات الآخرى، وهذه الطريقة في الترجمة هي شاهد على التحريف وإضلال الناس. ففي حين ترجمت العربية "وكان الكلمة الله"، قامت بعض الترجمات الإنجليزية بترجمة العبارة "وكان الكلمة الله نفسه" أو "وكان الكلمة الله حقاً"، ولكن في النص اليوناني لا نجد مثل هذا التحريف الواضح، فالترجمة الصحيحة للنص بالعربية هي: 

في البدء كانت (أو كانت توجد) الكلمة، والكلمة كانت عند الله، وكانت الكلمة إله. "

«1  εν αρχη ην ο λογος και ο λογος ην προς τον θεον και θεος ην ο λογος.» 

«1  εν  فيαρχη  البدءην  كانت توجدο  الλογος  كلمةκαι  وο  الλογος كلمة ην  كانتπρος  معτον θεον  اللهκαι  وθεος  إلهην  كانتο  ال λογος كلمة .» 

فكما نرى في النص اليوناني وضع حرف "ο" و "τον" الذين هما من أدوات  التعريف، قبل كلمة "كلمة" فأصبحت "الكلمة" وكلمة "إله" فأصبحت "الله"، ولكن في النهاية لم يوضع أي أداة تعريف قبل كلمة "إله" فأصبح المعنى هو "وكانت الكلمة إله".

المبحث الثاني: من الناحية الدينية:

ولكن إن استمريت في القراءة وقرأت العدد ٣ من هذا الإصحاح ستجد عبارة "به خلق كل شيء"، فإن كانت الكلمة "إله" أو "الله" كما يدعون، فكيف سيستخدم الله نفسه أو سيستخدم الله إله آخر في خلق كل شيء؟

وعلى هذا فإن المعنى الصحيح الذي قصده الكاتب، لم يكن أن الكلمة نفسها هي الله ولا أنها حتى إله، وإنما هي الكلمة الإلهية التي خلق الله بها كل شيء.

وهذا المفهوم موجود في الإسلام، فقال الله تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[87].

وقال تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[88].

وقال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[89].

وقال الله تعالى: { إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }[90].

ومعنى كلام الملائكة لمريم هنا هو أن الله يبشرك بولد يكون خَلْقُه من غير أب، وإنما بكلمة من الله بأن يقول له: «كن»، فيكون ولدًا بإذن الله.

وقال تعالى: قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[91].

وقال تعالى: { مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[92].

بل ويؤكد الكتاب المقدس نفسه هذا المفهوم الديني، ففي سفر التكوين الإصحاح ١ العدد ١: ١ فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، ... ٣ أَمَرَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ». فَصَارَ نُورٌ، ... ٦ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ يَحْجُزُ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». ٧ فَخَلَقَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْمِلُهَا السُّحُبُ وَالْمِيَاهِ الَّتِي تَغْمُرُ الأَرْضَ. وَهَكَذَا كَانَ٨ وَسَمَّى اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً ... ٩ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتَتَجَمَّعِ الْمِيَاهُ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَهَكَذَا كَانَ... ١١ وَأَمَرَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ خُضْرَةً، وَشَجَراً مُثْمِراً فِيهِ بِزْرُهُ الَّذِي يُنْتِجُ ثَمَراً كَجِنْسِهِ فِي الأَرْضِ». وَهَكَذَا كَانَ ... ١٤ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُفَرِّقَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، فَتَكُونَ عَلَامَاتٍ لِتَحْدِيدِ أَزْمِنَةٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينَ. ١٥ وَتَكُونَ أَيْضاً أَنْوَاراً فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الأَرْضَ». وَهَكَذَا كَانَ. ".

المبحث الثالث: من ناحية الفلسفة:

Shape

Description automatically generated with medium confidenceفي الواقع فإن أول من ابتدع مصطلح "الكلمة" (لوغوس باليونانية λόγος) هو الفيلسوف اليوناني هيراكليتوس[93] والذي عاش من ٥٣٥ إلى ٤٧٥ قبل الميلاد، وقد اعتبر "الكلمة" بأنها هي "القانون الكلي للكون" وقال أيضا: " أن العالم كان في حالة سائلة وغير متماسك؛ ولكن اللوغوس الإلهي غير الشخصي وغير المتبدل أمسك به كلّياً بإحكام وقاد عملية التغيير. ". 

وقد استخدم العديد من الفلاسفة اليونانيين مصطلح "الكلمة" بطرق مختلفة، ومن هؤلاء الفلاسفة: أرسطو، والسفسطائيين[94]، وأفلاطون الذي عرّف "الكلمة" قائلا "اللوغوس غير الشخصي وغير المتبدل حَفِظ الكواكب في مسارها وحدّد الفصول".

وأيضا استخدم هذا المصطلح الفلاسفة الرواقيون[95] وعرّفوا عنه بأنه "المبدأ الإلهي المتحرك الذي يتخلل الكون" وعرّفوا عنه أيضا بأنه "هو المبدأ الفعال في العالم، أو "عقل العالم" أو مديره، وهو الذي يشيع في العالم الحياة، وأنه الذي ينظم ويرشد العنصر السلبي في العالم الذي هو المادة".

وداخل اليهودية الهيلينية[96] (أي اليهودية المتأثرة بالفلسفة والثقافة اليونانية) تبنى فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري هذا المصطلح في الفلسفة اليهودية، وعرّف عنه بأنه: "أول القوى الصادرة عن الله، وأنه محل الصور، والنموذج الأول لكل الأشياء. وهو القوة الباطنة التي تحي الأشياء وتربط بينها. وهو يتدخل في تكوين العالم، لكنه ليس خالقاً. وهو الوسيط بين الله والناس، وهو الذي يرشد بني الإنسان ويمكنهم من الارتفاع إلى رؤية الله. ولكن دوره هو دائماً دور الوسيط".

ويُعرّفه بأنه "إله" ويميزه من الله بأداة التعريف التي تضاف إلى الله "الإله"، ولا يضيف أداة التعريف إلى اللوغوس. 

إذن عزيزي القارئ ماذا تظن أنت، فسواء قصد كاتب إنجيل يوحنا المعني الفلسفي لكلمة "لوغوس" أو المعنى الديني فهو لم يقصد أن اللوغوس هو الله، وذلك على خلاف ادعاء الكنيسة وتحريفها لمقصد كاتب إنجيل يوحنا وترجمة "وكانت الكلمة إله" ب "وكانت الكلمة الله نفسه"!

فالمعنى الفلسفي لكلمة "لوغوس" والذي ذكرناه سابقا هو " القانون الكلي للكون "، " العالم كان في حالة سائلة ولكن اللوغوس الإلهي أمسك به بإحكام "، " المبدأ الإلهي المتحرك الذي يتخلل الكون "، " المبدأ الفعال في العالم "، " أول القوى الصادرة عن الله وهو يتدخل في تكوين العالم، لكنه ليس خالقاً "، " عقل العالم ". وانتبه للتعريف الفلسفي السابق وهو "عقل العالم" لأن الكنيسة قد استعارته في تعريفها للمسيح فقالت هو "عقل الله" والروح القدس هو "روح الله"!

والمعنى الديني الذي ذكرناه سابقا هو أن "كلمة الله" هو أمر الله في الخلق.

 

 

الفصل الرابع

"ابن الله" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

Logo

Description automatically generatedأكثر ما يستخدمه بعض القساوسة كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام، هو ادعاء أنه ابن الله -حاشا لله-، حيث يستشهدون ببعض النصوص من العهد الجديد، إنجيل متى الإصحاح ١٦ العدد ١٣: "١٣ وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ، سَأَلَ تَلامِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا، ابْنَ الإِنْسَانِ؟» ١٤ فَأَجَابُوهُ: «يَقُولُ بَعْضُهُمْ إِنَّكَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَغَيْرُهُمْ إِنَّكَ النَّبِيُّ إِيلِيَّا، وآخَرُونَ إِنَّكَ إِرْمِيَا، أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». ١٥ فَسَأَلَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» ١٦ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ قَائِلاً: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». "

كلمة ابن الله أو أبناء الله كما سنعرض بالأسفل هي كلمة وردت العديد من المرات في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، دون أن يقصد بها مفهوم التأليه، ولكن حتى هنا في إنجيل متى هي في الواقع كلمة دخيلة ولم يقلها بطرس أصلاً، فقد أجمع علماء اللاهوت أن أول إنجيل قد كتب من الأناجيل الأربعة هو إنجيل مرقس، وأن إنجيل متى قد نقل عن إنجيل مرقس، ولكن إذا نظرنا في نفس الواقعة في إنجيل مرقس لا نجد أن بطرس قال "ابن الله الحي"!

إنجيل مرقس الإصحاح ٨ العدد ٢٧: ٢٧ ثُمَّ تَوَجَّهَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ، سَأَلَ تَلامِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» ٢٨فَأَجَابُوهُ: «(يَقُولُ بَعْضُهُمْ) إِنَّكَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَغَيْرُهُمْ إِنَّكَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِنَّكَ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». ٢٩ فَسَأَلَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» ٣٠ فَحَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يُخْبِرُوا أَحَداً بِأَمْرِهِ. ".

ويستشهدون أيضاً ببعض النصوص من العهد القديم ويفسرونها بأنها تبشر بقدوم ابن الله، المسيح عليه السلام، ومن تلك النصوص كلام الله لداود عليه السلام، سفر صموئيل ٢ الإصحاح ٧ العدد ١٢: ١٢ وَمَتَى اسْتَوْفَيْتَ أَيَّامَكَ وَرَقَدْتَ مَعَ آبَائِكَ، فَإِنَّنِي أُقِيمُ بَعْدَكَ مِنْ نَسْلِكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ مَنْ أُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. ١٣ هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ عَرْشَ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. ١٤ أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً، إِنِ انْحَرَفَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِ الشُّعُوبَ الأُخْرَى لأُقَوِّمَهُ بِضَرَبَاتِهِمْ. ١٥ وَلَكِنْ لَا أَنْزِعُ رَحْمَتِي مِنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا مِنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ طَرِيقِكَ. ١٦ وَيَدُومُ بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامِي، فَيَكُونُ عَرْشُكَ ثَابِتاً مَدَى الدَّهْرِ». ".

ولكن في الواقع فإن هذا النص من العهد القديم لا يتحدث عن قدوم المسيح عليه السلام، وإنما عن قدوم نبي الله سليمان عليه السلام ابن نبي الله داود عليه السلام، فقوله " إِنِ انْحَرَفَ أُسَلِّطُ عَلَيْهِ الشُّعُوبَ الأُخْرَى لأُقَوِّمَهُ بِضَرَبَاتِهِمْ "، فكيف يؤمن المسيحيون أن المسيح هو الله، في حين يقول الله عن ذلك الملك الذي سيخرج من صلب داود أنه إن انحرف فسوف يسلط عليه الشعوب الأخرى؟ هل كان الله ليسلط على نفسه الشعوب الأخرى؟ أليس المسيحيون يؤمنون بأن المسيح هو الله نفسه؟ أليس المسيحيون يؤمنون أن الله -حاشاه- له ثلاثة أقانيم وهي الأب والابن والروح القدس، وأن الابن مساو للأب في الجوهر ومعه منذ الأزل؟ أيضاً كيف سيخرج المسيح من صلب داود إن كان المسيحيون يؤمنون أنه ابن الله الذي ولد من العذراء ولم يأتي من صلب داود؟

وهكذا فإننا نرى أن الله قد قال عن الملك الذي سيخرج من صلب داود أنه ابنه، إذن لفظ ابن ليس قاصر على المسيح عليه السلام فقط.

انظر أيضا إنجيل متى الإصحاح ٢٣ العدد : ٩ وَلا تَدْعُوا أَحَداً عَلَى الأَرْضِ أَباً لَكُمْ؛ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ الآبُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ".

سفر الخروج الإصحاح ٤ العدد ٢٢: ٢٢ ثُمَّ قُلْ لِفِرْعَوْنَ: هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ هُوَ ابْنِي الْبِكْرُ. ".

سفر إشعياء الإصحاح ٦٤ العدد ٨: " ٨ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ أَبُونَا، نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ الْخَزَّافُ، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. ".

الرسالة إلى رومية الإصحاح ٨ العدد ١٤: ١٤ فَإِنَّ جَمِيعَ الْخَاضِعِينَ لِقِيَادَةِ رُوحِ اللهِ، هُمْ أَبْنَاءٌ لِلهِ١٥ إِذْ إِنَّكُمْ لَمْ تَنَالُوا رُوحَ عُبُودِيَّةٍ يُعِيدُكُمْ إِلَى الْخَوْفِ، بَلْ نِلْتُمْ رُوحَ بُنُوَّةٍ بِهِ نَصْرُخُ: «أَبَا! أَبَانَا!» ١٦ فَالرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْهَدُ مَعَ أَرْوَاحِنَا بِأَنَّنَا أَوْلادُ اللهِ١٧ وَمَادُمْنَا أَوْلاداً، فَنَحْنُ أَيْضاً وَارِثُونَ؛ وَرَثَةُ اللهِ وَشُرَكَاءُ الْمَسِيحِ فِي الإِرْثِ. ".

وحتى في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ١ ورد الآتي: ١ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ حَقّاً أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ، فَهُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. وَمَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ، فَلابُدَّ أَنْ يُحِبَّ الْمَوْلُودِينَ مِنْهُ أَيْضاً. ٢ وَمَا يُثْبِتُ لَنَا مَحَبَّتَنَا لأَوْلادِ اللهِ هُوَ أَنْ نُحِبَّ اللهَ وَنَعْمَلَ بِوَصَايَاهُ. ٣ فَالْمَحَبَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِلهِ هِيَ أَنْ نَعْمَلَ بِمَا يُوصِينَا بِهِ. وَهُوَ لَا يُوصِينَا وَصِيَّةً فَوْقَ طَاقَتِنَا. ٤ ذَلِكَ لأَنَّ الْمَوْلُودَ مِنَ اللهِ يَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ. فَالإِيمَانُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُنَا نَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ. ٥ وَمَنْ يَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ إِلّا الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟ ".

ويرد القساوسة أنه إذا وردت كلمة ابن الله على أي شخص آخر غير المسيح فهي لا تعني ألوهية ذلك الشخص وأنه حقاً ابن الله، أما إذا وردت على المسيح عليه السلام فهي تعني أنه إله وأنه حقاً ابن الله!

ولكن نرد عليهم بأنهم قد وقعوا في المغالاة الشديدة في دينهم وفي التلاعب بالكلام بالطريقة السفسطائية، وأنهم بدلاً من أن يتبعوا المسيح عليه السلام كما هو على حقيقته، قاموا بتأليهه وتنصيبه ندا لله عز وجل!

 

 

الفصل الخامس

"ربي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

لقد أجمع علماء اللاهوت أن إنجيل متى قد كتب باللغة العبرية أما الأناجيل الثلاثة مرقس، لوقا، يوحنا، قد كتبت باللغة اليونانية وليس بالعبرية أو باللغة الأرامية لغة المسيح عليه السلام، ولهذا فإن جميع الترجمات التي ترجمت قول أحد تلاميذ المسيح للمسيح عليه السلام "ربي" بمعنى "إلهي" هي ترجمات خاطئة، لأن الكلمة اليونانية "كيريوس" (بمد الياء الأولى) معناها "سيد" إذا ابتدأت بحرف صغير، وإذا أردت أن تجعل معناها "رب" فيجب أن تبدأها بحرف كبير، أما في الترجمات الإنجليزية فقد جعلوا كلمة "سيدي" تبدأ بحرف كبير حتى يظن القارئ أنه يقول "إلهي".

والدليل على أن كلمة "كيريوس" يقصد بها "سيد" وليس "إله" أو "رب" هو ما ورد في إنجيل متى الإصحاح ٢١ العدد : " ١ وَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَوَصَلُوا إِلَى قَرْيَةِ بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ يَسُوعُ اثْنَيْنِ مِنْ تَلامِيذِهِ، ٢ قَائِلاً لَهُمَا: «ادْخُلا الْقَرْيَةَ الْمُقَابِلَةَ لَكُمَا، تَجِدَا فِي الْحَالِ أَتَاناً مَرْبُوطَةً وَمَعَهَا جَحْشٌ، فَحُلّا رِبَاطَهُمَا وَأَحْضِرَاهُمَا إِلَيَّ. ٣ فَإِنِ اعْتَرَضَكُمَا أَحَدٌ، قُولا: الرَّبُّ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِمَا. وَفِي الْحَالِ يُرْسِلُهُمَا». ".

فهل يعقل أنه قال لهم "قولا: الله بحاجة للأتان والجحش"؟ بالطبع لا، ولكن هو قال لهم "قولا: السيد بحاجة إليهما". ورغم أن النص اليوناني قد كتب كلمة "كيريوس" بحرف صغير في البداية، إلا أننا نجد أن في الترجمات الإنجليزية قد كتبت "الرب" بحرف كبير في البداية.

3 και εαν τις υμιν ειπη τι ερειτε οτι ο κυριος αυτων χρειαν εχει ευθεως δε αποστελει αυτους

King James Version: “And if any man say aught unto you, ye shall say, ‘The Lord hath need of them”.

أيضا مما يؤكد أن التلميذان قد قالا للناس "السيد بحاجة إليهما" ولم يقولا "الله بحاجة إليهما" هو أن الناس لم تكن تؤمن أن المسيح عليه السلام هو الله، إنجيل مرقس الإصحاح ٨ العدد ٢٧: ٢٧ ثُمَّ تَوَجَّهَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ، سَأَلَ تَلامِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» ٢٨ فَأَجَابُوهُ: «(يَقُولُ بَعْضُهُمْ) إِنَّكَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَغَيْرُهُمْ إِنَّكَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِنَّكَ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». ٢٩ فَسَأَلَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» ٣٠ فَحَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يُخْبِرُوا أَحَداً بِأَمْرِهِ. ".

 

 

الفصل السادس

"ربي وإلهي" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ٢٤: ٢٤ وَلكِنَّ تُومَا، أَحَدَ التَّلامِيذِ الاثَنْي عَشَرَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالتَّوْأَمِ، لَمْ يَكُنْ مَعَ التَّلامِيذِ، حِينَ حَضَرَ يَسُوعُ. ٢٥ فَقَالَ لَهُ التَّلامِيذُ الآخَرُونَ: «إِنَّنَا رَأَيْنَا الرَّبَّ!» فَأَجَابَ: «إِنْ كُنْتُ لَا أَرَى أَثَرَ الْمَسَامِيرِ فِي يَدَيْهِ، وَأَضَعُ إِصْبِعِي فِي مَكَانِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعُ يَدِي فِي جَنْبِهِ، فَلا أُومِنُ! » ٢٦وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، إِذْ كَانَ تَلامِيذُهُ مُجْتَمِعِينَ ثَانِيَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَتُومَا مَعَهُمْ، حَضَرَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سَلامٌ لَكُمْ!» ٢٧ ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وَانْظُرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي. وَلا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مَؤْمِناً!» ٢٨ فَهَتَفَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي». ٢٩ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَلأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْتَ؟ طُوبَى لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ دُونَ أَنْ يَرَوْا.» "

King James Version: “28 And Thomas answered and said unto Him, “My Lord and my God!”.”

تدعي الكنيسة أن قول توما "ربي وإلهي" هو دليل واضح على ألوهية المسيح وأن التلاميذ كانوا يعرفون ألوهيته ويعبدونه. ولكن في الواقع فإن هذا تحريف متعمد للأسباب الآتية: 

Icon

Description automatically generated١- توماس لم يكن يتحدث للمسيح عند قول "ربي وإلهي" وإنما هذا كان أسلوب تعجب من رؤيته للمسيح بعد حادثة صلبه وموته المزعوم. وهذا الأسلوب مستخدم في أكثر لغات العالم وحتى يومنا هذا، ففي اللغة الإنجليزية عندما يراك صديق لك بعد فترة غياب، فإنه سوف يقول (My God!) أو (Oh my God!).

ولهذا فإن الترجمة الإنجليزية لهذا العدد في نسخة الملك جيمس، قد وضعت علامة تعجب بعد كلمة "ربي وإلهي!" في حين الترجمة العربية كما رأينا لم تضع علامة تعجب، محاولة أن تخلق في ذهن القارئ مفهوم أنه قال "أنت ربي وإلهي"، رغم أنه لم يقل هذا.

٢- ظهور المسيح للتلاميذ بعد القيامة المزعومة وردت في إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ١٩، وإنجيل متى الإصحاح ٢٨ العدد ١٦، وإنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ٣٦، وإنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١٥، ولكن إنجيل يوحنا هو الذي تفرد بذكر عبارة توماس "ربي وإلهي!" دوناً عن باقي الأناجيل الثلاثة الأخرى. 

كما أنه لم يرد في أياً من الأناجيل اعتراف أحد التلاميذ بأن المسيح عليه السلام كان إلهه، بل ورد في إنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ١٤ في قصة القيامة المزعومة أن اثنان من تلاميذ المسيح عليه السلام قالا الآتي في حوارهم مع المسيح نفسه: ١٤ وَكَانَا يَتَحَدَّثَانِ عَنْ جَمِيعِ مَا حَدَثَ ١٥ وَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ وَيَتَبَاحَثَانِ، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا وَسَارَ مَعَهُمَا. ١٦ وَلكِنَّ أَعْيُنَهُمَا حُجِبَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ١٧ وَسَأَلَهُمَا: «أَيُّ حَدِيثٍ يَجْرِي بَيْنَكُمَا وَأَنْتُمَا سَائِرَانِ؟» فَتَوَقَّفَا عَابِسَيْنِ. ١٨ وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، وَاسْمُهُ كَلْيُوبَاسُ، فَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ وَحْدَكَ الْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَلا تَعْلَمُ بِمَا حَدَثَ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟» ١٩ فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا حَدَثَ؟» فَقَالا: «مَا حَدَثَ لِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ نَبِيًّا مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَالشَّعْبِ كُلِّهِ، ٢٠ وَكَيْفَ سَلَّمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا إِلَى عُقُوبَةِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ ... ٢٨ ثُمَّ اقْتَرَبُوا مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ التِّلْمِيذَانِ يَقْصِدَانِهَا، وَتَظَاهَرَ هُوَ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. ".

 

 

الفصل السابع

"الكائن على الكل" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ٩ العدد ٥: ١ أَقُولُ الْحَقَّ فِي الْمَسِيحِ، لَسْتُ أَكْذِبُ، وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، ٢ إِنَّ بِي حُزْناً شَدِيداً، وَبِقَلْبِي أَلَمٌ لَا يَنْقَطِعُ: ٣ فَقَدْ كُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ فِي سَبِيلِ إِخْوَتِي، بَنِي جِنْسِي حَسَبَ الْجَسَدِ. ٤ فَإِنَّهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَقَدْ مُنِحُواالتَّبَنِّيَ وَالْمَجْدَ وَالْعُهُودَ وَالتَّشْرِيعَ وَالْعِبَادَةَ وَالْمَوَاعِيدَ، ٥ وَمِنْهُمْ كَانَ الآبَاءُ وَمِنْهُمْ جَاءَ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَهُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ اللهُ الْمُبَارَكُ إِلَى الأَبَدِ. آمِين. ".

فرح الكثير من القساوسة بهذه العبارة "وهو فوق الجميع الله المبارك إلى الأبد. آمين" وقالوا هذا هو أكبر دليل صريح على ألوهية المسيح من الكتاب المقدس.

ولكن في الواقع فإن هذه العبارة حيرت علماء اللاهوت ومترجمو العهد الجديد ووقعوا في تخبطات شديدة، والسبب في ذلك هو أن المخطوطات اليونانية التي تمت الترجمة منها مكتوبة بطريقة غير مألوفة لنا، فجميع الكلمات فيها متلاصقة بلا أي مسافة بينهم، وكلها كلمات كتبت بحروف كبيرة، ولا توجد أية علامات ترقيم، فلا توجد فصلة أو نقطة.

فكان النص اليوناني المتلاصق يقول هذا باللغة اليونانية:

«5ὧνοἱπατέρεςκαὶἐξὧνὁΧριστὸςτὸκατὰσάρκαὁὢνἐπὶπάντωνΘεὸςεὐλογητὸςεἰςτοὺςαἰῶναςἀμήν»

وإذا فرقنا بين الكلمات ووضعنا مسافات فسيظهر هكذا.

«5 ὧν οἱ πατέρες καὶ ἐξ ὧν  Χριστὸς τὸ κατὰ σάρκα  ὢν ἐπὶ πάντων Θεὸς εὐλογητὸς εἰς τοὺςαἰῶνας ἀμήν»

ولأنه لا توجد علامات ترقيم كما نرى، فاقترح العديد من علماء اللاهوت الشهيرين أنه يجب علينا وفق فهمنا نحن أن نضع علامات ترقيم للنص! أي نبتدع نحن مفهوم جديد للنص، مفهوم بشري وليس إلهي موحى به -كما يدعي المسيحيون-.

فانقسم علماء اللاهوت والمترجمون في ثلاثة طرق في ترجمة النص:

١- طريقة صرحت وأكدت بكل جزم أن المقصود بأن الذي هو فوق الجميع إله مبارك إنما هو المسيح. فوضعت فصلتين، وربطت العبارتين الأولتين بكلمة "الذي" رغم أنها غير موجودة في النص اليوناني.

Christian Standard Bible: “5 The ancestors are theirs, and from them, by physical descent, came the Christ, whois God over all, praised forever. Amen.”

وترجمته: "ومنهم جاء بالجسد المسيح، الذي هو الله فوق الجميع، مبارك للأبد. آمين."

٢- طريقة أمسكت العصا من المنتصف، فصرحت أن الذي هو فوق الجميع هو المسيح، ثم وضعت فصلة وليس نقطة، ثم كتبت أن الله مبارك للأبد، وهكذا فتحت الباب أمام من يريد أن يفهم أن المسيح هو الله المبارك، ومن يريد أن يفهم أن العبارة الأخيرة إنما المقصود بها هو تعظيم موجه لله وليس للمسيح.

King James Version: “5 of whom are the fathers, and from whom, according to the flesh, Christ camewho isover all, God blessed forever. Amen.”

وترجمته: "ومنهم جاء المسيح، الذي هو فوق الجميع، الله مبارك للأبد. آمين."

٣- طريقة لم توافق على الطرق المذكورة آنفاً، فصرحت أن المقصود إنما هو صيغة تعظيم لله وليس للمسيح، "تبارك الله للأبد الذي هو فوق الجميع"، وهكذا وضعت نقطة بعد كلمة المسيح حتى تغلق العبارة وتبدأ في عبارة جديدة بصيغة تعظيم الله.

Revised Standard Version (RSV): “5 to them belong the patriarchs, and of their race, according to the flesh, is the Christ. God who is over all be blessed forever. Amen.”.

New American Bible (Revised Edition): “5 theirs the patriarchs, and from them, according to the flesh, is the Messiah. God who is over all be blessed forever. Amen.”.

وترجمته: "ومنهم كان الأباء ومنهم جاء المسيح حسب الجسد. الله الذي فوق الجميع مباركاً للأبد. آمين.".

الخلاصة:

إن كل ما سبق من تخبطات شديدة وقع فيها كل من علماء اللاهوت ومترجمو العهد الجديد، سببه هو أنهم أساءوا فهم النص اليوناني، وهكذا قاموا بعمل ترجمة حرفية للنص، فترجموا الكلمة اليونانية (ὁ ὢν) ترجمة حرفية بشكل خاطئ، مما أوقع الجميع في حيرة حول ما هو معناها ومن هو المقصود بها، وسوف نشرحها بإذن الله تعالى.

إن الكلمة اليونانية (ὁ ὢν) ومعناها "الكائن" ويمكن ترجمتها ترجمة حرفية بمعاني أخرى، هي في الواقع ليست كلمة ترجع على الله أو على المسيح، وإنما"اسم"، هي "اسم الله" الذي ورد في العهد القديم باللغة اليونانية في الترجمة السبعينية والتي تمت في القرن الثالث قبل الميلاد.

سفر الخروج الإصحاح ٣ العدد ١٣: ١٣ فَقَالَ مُوسَى لِلهِ: «حِينَمَا أُقْبِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ إِلَهَ آبَائِكُمْ قَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ وَسَأَلُونِي: مَا اسْمُهُ؟فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» ١٤ فَأَجَابَهُ اللهُ: «أَهْيَه الَّذِي أَهْيَه» (وَمَعْنَاهُ أَنَا الْكَائِنُ الدَّائِمُ). وَأَضَافَ: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَه (أَنَا الْكَائِنُ)، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ.» ١٥ وَقَالَ أَيْضاً لِمُوسَى: «هَكَذَا تَقُولُ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ الرَّبَّ الكَائِنَ إِلهَ آبَائِكُمْ، إِلَهَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هَذَا هُوَ اسْمِي إِلَى الْأَبَدِ، وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي أُدْعَى بِهِ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ. "

Text

Description automatically generated«13 καὶ εἶπε Μωυσῆς πρὸς τὸν Θεόν· ἰδοὺ ἐγὼ ἐξελεύσομαι πρὸς τοὺς υἱοὺς ᾿Ισραήλ, καὶ ἐρῶ πρὸς αὐτούς· ὁ Θεὸς τῶν πατέρων ἡμῶν ἀπέσταλκέ με πρὸς ὑμᾶς. ἐρωτήσουσί με· τί ὄνομα αὐτῷ; τί ἐρῶ πρὸς αὐτούς; 14 καὶ εἶπεν ὁ Θεὸς πρὸς Μωυσῆν λέγων· ἐγώ εἰμι ὁ ὤν. καὶ εἶπεν· οὕτως ἐρεῖς τοῖς υἱοῖς ᾿Ισραήλ· ὁ ὢν ἀπέσταλκέ με πρὸς ὑμᾶς. 15 καὶ εἶπεν ὁ Θεὸς πάλιν πρὸς Μωυσῆν· οὕτως ἐρεῖς τοῖς υἱοῖς ᾿Ισραήλ· Κύριος ὁ Θεὸς τῶν πατέρων ἡμῶν, Θεὸς ῾Αβραὰμ καὶ Θεὸς ᾿Ισαὰκ καὶ Θεὸς ᾿Ιακὼβ ἀπέσταλκέ με πρὸς ὑμᾶς· τοῦτό μού ἐστιν ὄνομα αἰώνιον καὶ μνημόσυνον γενεῶν γενεαῖς.»

اسم الله مكتوب في العهد القديم بالعبرية في أربعة أحرف (يَهوَه)[97]، وعندما تمت ترجمة العهد القديم باللغة اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد، تم ترجمة الاسم بالكلمة اليونانية (ὁ ὢν) والتي تعني: الكائن، أي الكائن دائما أو الكائن بلا بداية وبلا نهاية.

وبما أن بولس كان يهودي الأصل وكان غرضه من كتابة الرسالة هو معالجة الشقاق الفكري الذي حدث في كنيسة روما بين المسيحيين من أصل يهودي وبين المسيحيين من أصل أممي، فقد كتب صيغة التعظيم لله باسم الله الوارد في الترجمة السبعينية للعهد القديم(ὁ ὢν).

ولكن عندما ترجم مترجموا العهد الجديد النص اليوناني، قاموا بترجمة حرفية لاسم الله، ظناً منهم أنها كلمة عادية يتم ترجمتها، وهذا الخطأ الفادح الذي وقعوا فيه كان بسبب أنهم لم ينظروا بنظرة أكاديمية في النص المكتوب، فكان من المفترض عليهم أن يقسموا النص كالتالى:

١- الغرض من الكلام وسياقه: فالكلام كان عن بني إسرائيل وما قد مُنحوه "٣ فَقَدْ كُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ فِي سَبِيلِ إِخْوَتِي، بَنِي جِنْسِي حَسَبَ الْجَسَدِ. ٤ فَإِنَّهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَقَدْ مُنِحُوا التَّبَنِّيَ وَالْمَجْدَ وَالْعُهُودَ وَالتَّشْرِيعَ وَالْعِبَادَةَ وَالْمَوَاعِيدَ، ٥ وَمِنْهُمْ كَانَ الآبَاءُ وَمِنْهُمْ جَاءَ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ. ". وهنا ينتهي الحديث عن بني إسرائيل وهنا ينبغي أن نضع نقطة كعلامة ترقيم، ولاحظ أن الحديث لم يكن أبداً عن المسيح، وإنما كعادة بعض القساوسة في التقاط كلمة المسيح ونسب لها أية صفة تعظيم وتأليه وردت في الجوار.

٢- صيغة التعظيم والتبجيل والدعاء: فقد وردت كلمة "آمين" في نهاية العبارة الثانية، وهذا يعني أن هناك دعاء موجه لله، وهو أمر متعارف عليه في الخطابات والمواعظ الدينية، ولهذا تجد القس مثلاً في الكنيسة بعد الانتهاء من موعظته، فإنه يسكت للحظات، ثم يقول صيغة التعظيم والدعاء والتي تنتهي بقول "آمين"، وسكوت القس هو ما يقابله في الكتابة النقطة كعلامة ترقيم. 

وعلى هذا فإن الترجمات التي وضعت فصلتين فضمت الكلام الذي كان عن بني إسرائيل مع صيغة التعظيم والدعاء، قد ارتكبت خطأ فادحاً. لأنه لا يمكن ضم الشرق على الغرب.

الترجمة الصحيحة هي:

٣ فَقَدْ كُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ فِي سَبِيلِ إِخْوَتِي، بَنِي جِنْسِي حَسَبَ الْجَسَدِ. ٤ فَإِنَّهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَقَدْ مُنِحُوا التَّبَنِّيَ وَالْمَجْدَ وَالْعُهُودَ وَالتَّشْرِيعَ وَالْعِبَادَةَ وَالْمَوَاعِيدَ، ٥ وَمِنْهُمْ كَانَ الآبَاءُ وَمِنْهُمْ جَاءَ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ. "يهوه -بالعبرية-" (أو الكائن -باليونانية-) (الذي هو) فوق كل شيء إله مباركاً لأبد الآبدين. آمين. ".

لاحظ أنه ووفق النص اليوناني فإن الترجمة الصحيحة هي "فوق كل شيء" وليس "فوق الجميع" كما ذكرت الترجمات الأخرى.

تعليق أخير:

١- لبولس رسائل متفق عليها بين علماء اللاهوت في نسبتها إليه، أي أنه لاشك عندهم من أنه هو الكاتب، وهي سبعة رسائل، ولم يرد في أي رسالة من رسائله صيغة تعظيم ودعاء للمسيح بأنه هو الله، فلماذا حدث هذا التحريف في هذا الموضع وحاول المترجمون وعلماء اللاهوت أن يجعلوا صيغة الكلام أن بولس كان يمجد المسيح بأنه هو الله؟

٢- وردت صيغة تعظيم لله من بولس في نفس الرسالة في الإصحاح ١ العدد ٧: ٧ إِلَى جَمِيعِ مَنْ هُمْ فِي رُومَا مِنْ أَحِبَّاءِ اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَدْعُوِّينَ. لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! ٨ أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ أَجْلِكُمْ جَمِيعاً، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يُذَاعُ خَبَرُهُ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ. ٩ فَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَخْدِمُهُ بِرُوحِي فِي التَّبْشِيرِ بِإِنْجِيلِ ابْنِهِ، هُوَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ لَا أَتَوَقَّفُ عَنْ ذِكْرِكُمْ. ". لاحظ كيف فرق بين الله وبين المسيح، ولم يقل أن المسيح هو الله.

٣- وردت صيغة تعظيم لله من بولس في نفس الرسالة في الإصحاح ١ العدد ٢٤: ٢٤ لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ، فِي شَهْوَاتِ قُلُوبِهِمْ، إِلَى النَّجَاسَةِ، لِيُهِينُوا أَجْسَادَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ. ٢٥ إِذْ قَدِ اسْتَبْدَلُوا بِحَقِّ اللهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ، فَاتَّقَوْا الْمَخْلُوقَ وَعَبَدُوهُ بَدَلَ الْخَالِقِ، الْمُبَارَكِ إِلَى الأَبَدِ. آمِين! ".

٤- نفس الرسالة الإصحاح ١١ العدد ٣٣: "٣٣ فَمَا أَعْمَقَ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ التَّتَبُّعِ! ٣٤ «لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ كَانَ لَهُ مُشِيراً؟ 35 أَوْ مَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئاً حَتَّى يُرَدَّ لَهُ؟» 36 فَإِنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ شَيْءٍ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ!".

٥- رسالة بولس لأهل غلاطية الإصحاح ١ العدد ١: ١ مِنْ بُولُسَ، وَهُوَ رَسُولٌ، لَا مِنْ قِبَلِ النَّاسِ وَلا بِسُلْطَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ بِسُلْطَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، ٢ وَمِنْ جَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعِي، إِلَى الْكَنَائِسِ فِي مُقَاطَعَةِ غَلاطِيَّةَ. ٣ لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ٤ الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا لِكَيْ يُنْقِذَنَا مِنَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ الشِّرِّيرِ، وَفْقاً لِمَشِيئَةِ إِلَهِنَا وَأَبِينَا. ٥ لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين! ".

 

 

الفصل الثامن

"الولادة العذراوية"، "والمعجزات"، "والسجود له"، كدلائل على ألوهية المسيح عليه السلام

الولادة العذراوية:

يستشهد القساوسة بالولادة العذراوية للسيد المسيح عليه السلام على ألوهيته، فهو ولد من عذراء من غير أب بشري، ولكن يرد القرآن الكريم عليهم بمثال أدم عليه الصلاة والسلام الذي خلق من غير أب أو أم. 

يقول الله تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[98].

المعجزات كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام:

لقد أمد الله عز وجل رسله وأنبياءه بمعجزات عديدة كدليل على صدق رسالتهم لقومهم، والعهد القديم ملئ بقصص المعجزات التي أمد الله تعالى بها أنبياءه، موسى عليه السلام وحده له العديد من المعجزات مثل انشقاق البحر له ليعبره مع بني إسرائيل وغير ذلك من المعجزات، ولم يفهم بنو إسرائيل أن تلك المعجزات هي دليل على ألوهية موسى عليه السلام، بل فهموها أنه دليل على أنه مرسل من عند الله عز وجل.

وقد يرد أحد القساوسة أن هناك فرق بين معجزات الأنبياء وبين قدرة الله، مثل القدرة على إحياء الموتى هي خاصة بالله الخالق المحي المميت وحده، وبما أن المسيح قد أقام لعازر من الموت، إذن هذا يدل على أن له قوة إلهية وأنه هو الله بذاته المحي، إنجيل يوحنا الإصحاح ١١ العدد ٤١: ٤١ فَرَفَعُوا الْحَجَرَ، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، ٤٢ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ دَوْماً تَسْمَعُ لِي. وَلكِنِّي قُلْتُ هَذَا لأَجْلِ الْجَمْعِ الْوَاقِفِ حَوْلِي لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي». ٤٣ ثُمَّ نَادَى بَصَوْتٍ عَالٍ: «لِعَازَرُ اخْرُجْ!» ٤٤ فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَالأَكْفَانُ تَشُدُّ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَالْمِنْدِيلُ يَلُفُّ رَأْسَهُ. فَقَالَ يَسُوعُ لِمَنْ حَوْلَهُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ!». ".

لكن نرد عليه بأن تلك القصة وردت فقط في إنجيل يوحنا ولم تذكر في أياً من الأناجيل الثلاثة الأخرى رغم أهميتها الشديدة، أيضاً فإن المسيح قبل أن يعيد لعازر للحياة، رفع عينيه نحو السماء وصلى للآب، إذن فإن قدرته هذه لم تكن مستمدة منه هو بل من الآب، أيضاً فإن القدرة على إحياء الموتى لم يقتصر في الكتاب المقدس على المسيح فقط.

سفر الملوك ٢ الإصحاح ١٣ العدد ٢٠: ٢٠ وَمَاتَ أَلِيشَعُ فَدَفَنُوهُ. وَحَدَثَ أَنَّ غُزَاةَ الْمُوآبِيِّينَ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَ مَطْلَعِ السَّنَةِ الْجَدِيدَةِ، ٢١ فِيمَا كَانَ قَوْمٌ يَقُومُونَ بِدَفْنِ رَجُلٍ مَيْتٍ. فَمَا إِنْ رَأَوْا الْغُزَاةَ قَادِمِينَ حَتَّى طَرَحُوا الْجُثْمَانَ فِي قَبْرِ أَلِيشَعَ، وَمَا كَادَ جُثْمَانُ الْمَيْتِ يَمَسُّ عِظَامَ أَلِيشَعَ حَتَّى ارْتَدَّتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ، فَعَاشَ وَنَهَضَ عَلَى رِجْلَيْهِ. ".

أي أن عظام اليشع نفسها وهو في ميت في قبره استطاعت أن تعيد الرجل الميت للحياة -كما هو مذكور-!

سفر الملوك ٢ الإصحاح ٤ العدد ٣٢: ٣٢ وَدَخَلَ أَلِيشَعُ الْبَيْتَ وَإذَا بِالصَّبِيِّ مَيْتٌ فِي سَرِيرِهِ. ٣٣ فَدَخَلَ الْعُلِّيَّةَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَتَضَرَّعَ إِلَى الرَّبِّ، ٣٤ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَوْقَ جُثَّةِ الصَّبِيِّ، وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ، فَبَدَأَ الدِّفْءُ يَسْرِي فِي جَسَدِ الصَّبِيِّ٣٥ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَذْرَعُ أَرْضَ الْعُلِّيَّةِ ثُمَّ عَادَ وَتَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ، فَعَطَس هَذَا سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. ٣٦ فَاسْتَدْعَى جِيحَزِي وَقَالَ: «ادْعُ هَذِهِ الشُّونَمِيَّةَ». وَعِنْدَمَا مَثَلَتْ أَمَامَهُ قَالَ: «احْمِلِي ابْنَكِ!» ٣٧ فَسَجَدَتْ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى الأَرْضِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ حَمَلَتِ ابْنَهَا وَانْصَرَفَتْ.".

وهكذا فإن اليشع قد أحيا الصبي بمعجزة ولم يفهم بنو إسرائيل أنه إله.

سفر الملوك الأول الإصحاح ١٧ العدد ١٧: ١٧ وَحَدَثَ بَعْدَ زَمَنٍ أَنَّ ابْنَ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْبَيْتِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَمَاتَ، ١٨ فَقَالَتْ لإِيِليَّا: «أَيُّ ذَنْبٍ جَنَيْتُهُ بِحَقِّكَ يَا رَجُلَ اللهِ؟ هَلْ جِئْتَ إِليَّ لِتُذَكِّرَنِي بِإِثْمِي وَتُمِيتَ ابْنِي؟» ١٩ فَقَالَ لَهَا: «أَعْطِينِي ابْنَكِ». وَأَخَذَهُ مِنْهَا وَصَعِدَ بِهِ إِلَى الْعُلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ مُقِيماً فِيهَا وَأَضْجَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، ٢٠ وَاسْتَغَاثَ بِالرَّبِّ مُتَضَرِّعاً: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهِي، أَإِلَى الأَرْمَلَةِ الَّتِي أَنَا نَازِلٌ عِنْدَهَا تُسِيءُ أَيْضاً وَتُمِيتُ ابْنَهَا؟» ٢١ ثُمَّ تَمَدَّدَ إِيلِيَّا عَلَى جُثَّةِ الْوَلَدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَابْتَهَلَ إِلَى الرَّبِّ: «يَا رَبُّ إِلَهِي، أَرْجِعْ نَفْسَ هَذَا الْوَلَدِ إِلَيْهِ». ٢٢ فَاسْتَجَابَ الرَّبُّ دُعَاءَ إِيلِيَّا، وَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَيْهِ فَعَاشَ٢٣فَأَخَذَ إِيلِيَّا الْوَلَدَ وَنَزَلَ بِهِ مِنَ الْعُلِّيَّةِ إِلَى الْبَيْتِ، وَسَلَّمَهُ إِلَى أُمِّهِ، وَقَالَ لَهَا: «انْظُرِي، إِنَّ ابْنَكِ حَيٌّ» ٢٤ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لإِيلِيَّا: «الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِكَ بِالْحَقِّ». ".

وهكذا فإن إيليا قد أحيا ابن المرأة بمعجزة ولم تفهم المرأة أنه الله وإنما قالت له أنه رجل الله!

يقول الله تعالى عن معجزات المسيح: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }[99].

السجود للمسيح كدليل على ألوهيته:

في القصة المذكورة بالأعلى عن إحياء اليشع للصبي الميت، وردت عبارة هامة وهي " فَسَجَدَتْ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى الأَرْضِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ "، لم يكن هذا السجود هو سجود عبادة له، ولم يفهم أحد من بني إسرائيل أن سجود المرأة هذا يعني أنها عبدته أو أنه إله. 

ولكن يستشهد بعض القساوسة على ألوهية المسيح بأنه قد قبل العبادة له من الناس.

يوحنا الإصحاح ٩ العدد ٣٥: ٣٥ وَعَرَفَ يَسُوعُ بِطَرْدِهِ خَارِجاً، فَقَصَدَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟» ٣٦ أَجَابَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ حَتَّى أُومِنَ بِهِ؟» ٣٧ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يُكَلِّمُكَ، هُوَ نَفْسُهُ!» ٣٨ فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ!» وَسَجَدَ لَهُ. ".

ولكن هذا الرجل الذي كان مولوداً بالعمى وشفاه المسيح، لم يسجد للمسيح بأنه هو الله أو أقنوم الابن في الثالوث المقدس أو ما إلى ذلك. بل وفي تفسير "المطرانية اليونانية ل (غومينيسا-أكسيوبولي-بوليكاسترو)" لهذا العدد ذكرت: 

«και επροσκύνησε αυτόν ως απεσταλμένος πράγματι από τον Θεόν.»[100]

وترجمته بالعربية " أنه سجد له كمرسل حقاً من عند الله ".

أيضا نود هنا الإشارة لشيء هام، وهو أن في بعض الترجمات يتم ترجمة عبارة "ارتمى عند قدميه" بكلمة "سجد"، وذلك حتى تؤكد على ألوهية المسيح، ففي إنجيل مرقس الإصحاح ٥ العدد ٢٢: ٢٢ وَإذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ، وَاسْمُهُ يَايِرُسُ، قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ. وَمَا إِنْ رَآهُ، حَتَّى ارْتَمَى عِنْدَ قَدَمَيْهِ، ٢٣ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ، قَائِلاً: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْمَوْتِ. فَتَعَالَ وَالْمِسْهَا بِيَدِكَ لِتُشْفَى فَتَحْيَا!» ".

ولكن بعض المواقع الإلكترونية المسيحية تضع هذا العدد مستشهدة به بأن يايرس قد سجد للمسيح وأنه كان سجود مصحوب بإيمان.

وعليه، نقول أن السجود للسيد المسيح أو لأي نبي من أنبياء العهد القديم، أو لأي من الملوك المذكورين في العهد القديم، لم يكن يقصد به العبادة، وإذا قلنا في وقتنا الحالي أنه كان سجود عبادة فإننا نحرف معاني الكلمات ولا نهدف للوصول للحق بل فقط الجدال.

أيضاً يجب علينا التأكد من إذا كان معنى لفظ "سجد" إذا ورد في أي عبارة، هل الذي قصد منه هو معنى العبادة بأن المسجود له هو الإله، أم التعظيم للمسجود أمامه كمرسل من عند الله، أم للتوقير والتعظيم كالسجود أمام الأب أو أحد الملوك أو القديسين، أم لتقديم الشكر لشخص فعل معروفاً كبيرا أو معجزة كبيرة، أم لم يقصد به أصلاً سجود وإنما قصد به التوسل أو الارتماء عند قدمي الشخص الواقف.

أيضاً فإن ذكر مجرد السجود أمام شخص المسيح لا يعني عبادته ولا أنه قبل عبادته ولا أنه طالب الناس بعبادته، فالسجود كما ذكرنا لم يفهم منه في العهد القديم أو العهد الجديد أنه للعبادة، أما العبادة فهي لها مفهوم آخر سواء في العهد القديم أو الجديد مختلف عن مجرد السجود.

سفر الخروج الإصحاح ١٨ العدد ٧: ٧ فَخَفَّ مُوسَى لاِسْتِقْبَالِ حَمِيهِ، وسجد له وَقَبَّلَهُ. ".

ملحوظة: في بعض الترجمات ستجد أنهم لم يكتبوا "وسجد له" وإنما "وَانْحَنَى لَهُ احْتِرَاماً"!

سفر صموئيل ١ الإصحاح ٢٤ العدد ٨: ٨ فَتَبِعَهُ دَاوُدُ إِلَى خَارِجِ الْكَهْفِ وَنَادَى: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ». فَالْتَفَتَ شَاوُلُ خَلْفَهُ، فَانْحَنَى دَاوُدُ إِلَى الأَرْضِ سَاجِداً. ".

سفر التكوين الإصحاح ٣٣ العدد ٣: ١ وَتَطَلَّعَ يَعْقُوبُ مِنْ بَعِيدٍ، فَرَأَى عِيسُو مُقْبِلاً وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ، فَفَرَّق أَوْلادَهُ عَلَى لَيْئَةَ وَرَاحِيلَ وَالْجَارِيَتَيْنِ. ٢فَجَعَلَ الْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلادَهُمَا فِي الطَّلِيعَةِ، ثُمَّ لَيْئَةَ وَأَوْلادَهَا، وَأَخِيراً رَاحِيلَ وَيُوسُفَ. ٣ وَتَقَدَّمَهُمْ، وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ مِنْ أَخِيهِ. ٤فَأَسْرَعَ عِيسُو لِمُلاقَاتِهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَبَكَيَا. ٥ وَتَلَفَّتَ عِيسُو حَوْلَهُ فَشَاهَدَ النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ فَقَالَ: «مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ مَعَكَ؟» فَأَجَابَ: «هُمُ الأَوْلادُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ». ٦ ثُمَّ دَنَتِ الْجَارِيَتَانِ مَعَ أَوْلادِهِمَا وَانْحَنَوْا أَمَامَ عِيسُو. ٧ وَبَعْدَهُمْ اقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ وَأَوْلادُهَا وَانْحَنَوْا أَيْضاً، وَأَخِيراً تَقَدَّمَتْ رَاحِيلُ وَيُوسُفُ وَانْحَنَيَا أَمَامَهُ. ".

سفر التكوين الإصحاح ٢٧ العدد ٢٩: ٢٩ لِتَخْدُمْكَ الشُّعُوبُ، وَتَسْجُدْ لَكَ الْقَبَائِلُ، لِتَكُنْ سَيِّداً عَلَى إِخْوَتِكَ. وَبَنُو أُمِّكِ لَكَ يَنْحَنُونَ.".

سفر التكوين الإصحاح ٤٢ العدد ٦: ٦ وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى مِصْرَ، وَالْقَائِمُ عَلَى بَيْعِ الْقَمْحِ لأَهْلِهَا جَمِيعاً. فَأَقْبَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ.".

سفر الملوك ١ الإصحاح ٢ العدد ١٩: " ١٩ وَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى سُلَيْمَانَ لِتَرْفَعَ إِلَيْهِ مَطْلَبَ أَدُونِيَّا، فَهَبَّ الْمَلِكُ لاِسْتِقْبَالِهَا وَسَجَدَ لَهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَعَدَّ لَهَا مَقْعَداً مَلَكِيًّا آخَرَ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ. ".

سفر دانيال الإصحاح ٢ العدد ٤٦: ٤٦ حِينَئِذٍ انْطَرَحَ نَبُوخَذْنَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِدَانِيَالَ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ تَقْدِمَةً وَرَائِحَةَ رِضًى ٤٧ وَقَالَ الْمَلِكُ لِدَانِيَالَ: «حَقّاً إِنَّ إِلَهَكُمْ هُوَ إِلَهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، لأَنَّكَ اسْتَطَعْتَ إِعْلانَ هَذَا السِّرِّ». ".

وهكذا فإن أمثلة السجود للاحترام والتوقير في العهد القديم كثيرة جدا، وسنكتفي بما ذكرناه خوفاً للإطالة.

 

 

 

الفصل التاسع

رد الكتاب المقدس على ألوهية المسيح عليه السلام

عزيزي القارئ سوف نذكر الآن بإذن الله شهادات من العهد الجديد على أن المسيح عليه السلام كان إنساناً نبياً مرسلاً من عند الله وليس له حظ في الألوهية، ولكن يجب أن تعلم أيضاً أن ردود القساوسة بوجه عام على تلك النصوص والشهادات هو أنها تتحدث عن ناسوت المسيح وليس عن لاهوته، وهو رد سفسطائي وغير منطقي، فهم يؤمنون بالمسيح إلهاً أينما وافق هواهم هذا، ثم ينسبون لإلهم صفات النقص والضعف والجهل ويبررون ذلك بإنسانيته. ويرد عليهم أنه طالما إلهاً -وفق اعتقادكم- فحتى إنسانيته هي إلهية ومقدسة، فهو شخص واحد، فلو اتسخ ردائي فقد اتسخت أنا أيضا.

١- "إيلي إيلي لما شبقتني؟":

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٤٦: ٤٦ وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِيلِي، إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» ".

هنا المسيح بناسوته ولاهوته، ينادي قائلاً إلهي، إلهي، لماذا تركتني. فإن قلت أن الناسوت هو من ينادي، فإنك هكذا تتبع منهج السفسطائيين حرفاً حرفاً، فالمسيح هو من كان ينادي، والكنيسة تقول أن لاهوته لم يفترق أبداً عن ناسوته، ولا على الصليب ولا عند الموت ولا بعد الموت، حيث ظل اللاهوت داخل الجسد الميت، وهكذا فإن المنادي كان هو المسيح بلاهوته وناسوته. 

تخيل معي عزيزي القارئ أين وصلت الكنيسة بفلسفتها، ادعت أن الله عز وجل كان داخل جسد شخص ميت ولم يفارقه، فإن كان الله -حاشاه- قد تجسد في جسد إنسان فكيف يكون هذا الإنسان ميتاً؟ وإن كان اللاهوت لم يفارق جسد المسيح أبداً، فهذا الجسد أصبح جسداً إلهياً، أو بعبارة أخرى جسد الله -حاشاه-.

المشكلة هي أن فكرة التجسد ليست واضحة أصلاً عند الكنيسة ولهذا تتخبط على مر العصور في تفسيره، فهي تفسره بشكل خاطئ لأن فكرة التجسد هي أصلاً باطلة. فلو كان اللاهوت تجسد في الناسوت ولم يفارقه ولا حتى بعد موته، فهذا يعني أن الناسوت أصبح لاهوت وأن الإنسان أصبح إلهاً بسبب تجسد الإله فيه وعدم مفارقته إياه، أما إن كان مفهوم التجسد هو مثل دخول الأرواح الشريرة في جسد إنسان دون أن تمتزج به، فهذا ليس بتجسد، وإنما هو سيطرة روح على روح أخرى دون امتزاج بينهما، فهما ليسا نفس الشخص، وإنما هما شخصان مستقلان، أحدهما دخل في الآخر، مثل الجنين الذي يعيش في رحم أمه وله روح مستقلة وجسد مستقل عنها، بل وعند تمام وقته يخرج منها. 

وهكذا فإن كان اللاهوت "الابن أو الكلمة" هو كائن مستقل عن الكائن البشري "يسوع"، لكان قد خرج أصلاً من جسد يسوع قبل موته، ولكن هذا سيبطل فكرة أن الله أرسل ابنه ليموت على الصليب ويفدي العالم، لأن الذي يجب أن يموت هو ابن الله وليس جسد بشري اتخذه ابن الله "الكلمة". 

ومن أكبر الأدلة على اتحاد ناسوت المسيح بلاهوته وأن جسده هو جسد مقدس، أو جسد الإله، هو أنه وبعد قيامته من الأموات صعد بجسده للسماوات ليجلس عن يمين الله، فلو كان هناك انفصال للاهوت عن الناسوت، لترك اللاهوت الناسوت في الأرض بعد موته وتمام المهمة، ولكن اللاهوت والناسوت أصبحا شخصاً واحداً بروح وجسد واحد.

ولنا أن نسأل: وأي روح كانت داخل المسيح عندما كان حياً؟ هل هي روح إنسانية أم روح إلهية؟ تقول الكنيسة أن بداخل المسيح كان هناك روحان، روح إنسانية وروح إلهية، يعني شخص واحد وبه روحان! مثل السيارة التي بها موتوران أو مقودان! ولكن فكرة أن به روحان هي فكرة تنفي التجسد أصلاً لأن التجسد هو عبارة عن حلول روح حي وغير مادي في جسد مادي بلا حياة، بحيث يصبح هذا الجسد هو جسد الروح المتجسدة، مثل الرجل يرتدي معطفا، فأصبح المعطف له كجسد، وأصبح هو والمعطف شخصاً واحداً، وعند خلعه للمعطف يصبح المعطف جسداً ميتاً، أما الشخص فمازال حياً. أيضاً فكرة أن بالمسيح كان هناك روحان، هذا يعني سيطرة روح على الآخرى، مثلما تدخل الأرواح الشريرة في شخص ما، فإنها تسيطر عليه، ولكنهما ليسا نفس الشخص وإنما شخصان، وهكذا فإن قلنا بهذا فإن هذا يعني عدم قدسية الروح الإنسانية للمسيح وجسده البشري، وأن القدسية مقتصرة على الروح الإلهية التي تجسدت فيه. 

أما بالنسبة لنداء المسيح فهو إما أن اللاهوت قد ترك الناسوت وهكذا نادى عليه الناسوت إلهي إلهي لماذا تركتني، أو أن المسيح هو عبارة عن إنسان وليس إله وقد نادى إلهه لماذا تركه. فنداء المسيح ألغى فكرة أن اللاهوت بداخله، لأنه لو كان بداخله لما احتاج أن ينادي الآب، ولكان الناسوت الذي بداخله نادى اللاهوت الذي بداخله. كما ترى عزيزي القارئ نحن وقعنا في مجال فلسفي لا علاقة له بالدين الصحيح. أيضاً أن نداء المسيح يوضح عدم رضاه عن مشيئة الله. وتستطيع أن تفتح عقلك عزيزي القارئ للمنطق السليم أو أن تفتحه للردود السفسطائية النابعة من عقل بشري يحاول الاستذكاء (أي يستعرض ذكاءه وحيله) وليس وحي إلهي يهدي إلى الصراط المستقيم.

٢- تضرع المسيح وصلاته:

إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ٣٦: ٣٦ ثُمَّ ذَهَبَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى بُسْتَانٍ يُدْعَى جَثْسَيْمَانِي، وَقَالَ لَهُمْ: «اجْلِسُوا هُنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ وَأُصَلِّيَ».٣٧ وَقَدْ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبَدِي وَبَدَأَ يَشْعُرُ بِالْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ٣٨ فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! ابْقَوْا هُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي!» ٣٩ وَابْتَعَدَ عَنْهُمْ قَلِيلاً وسجد بوجهه على الأرض يُصَلِّي، قَائِلاً: «يَا أَبِي، إِنْ كَانَ مُمْكِناً، فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ: وَلَكِنْ لَا كَمَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ!» ".

إنجيل لوقا الإصحاح ١١ العدد ١: ١ وَكَانَ يُصَلِّي فِي أَحَدِ الأَمَاكِنِ، فَلَمَّا انْتَهَى، قَالَ لَهُ أَحَدُ تَلامِيذِهِ: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا تَلامِيذَهُ». ٢فَقَالَ لَهُمْ: «عِنْدَمَا تُصَلُّونَ، قُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ! لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. ٣خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ؛ ٤ وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا، لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضاً نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا؛ وَلا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ!» ".

وكما نرى هنا، لم يعلم أن يصلوا باسم الثالوث المقدس "الاب، والابن، والروح القدس"، بل ولم يطلب منهم الصلاة له إن كان حقاً إلهاً كما يدعي المسيحيون، بل هو نفسه كان يصلي لله عز وجل. وقد يقول أحد القساوسة أن الذي كان يصلي إنما هو الناسوت الذي بداخله، ولكن سنرد عليه بأنه إذن لماذا لم يكن يصلي للاهوت الذي بداخله، أو يأمر تلاميذه أن يصلوا للاهوت الابن، وإنما علمهم أن يصلوا للآب؟

٣- أبي أعظم مني:

إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٨: ٢٨ سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ عَنْكُمْ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لَكُنْتُمْ تَبْتَهِجُونَ لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ، لأَنَّ الآبَ أَعْظَمُ مِنِّي.".

٤- إلهي وإلهكم:

إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ١٧: " ١٧ فَقَالَ لَهَا: «لا تُمْسِكِي بِي! فَإِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى الآبِ، بَلِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي سَأَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ!» ".

٥- علم الساعة:

إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ٣٢: ٣٢ وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلا يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لَا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلا الاِبْنُ، إِلّا الآبُ. ".

٦- لا أحد صالحاً إلا الله:

إنجيل متى الإصحاح ١٩ العدد ١٦: ١٦ وَإذَا شَابٌّ يَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاحٍ أَعْمَلُ لأَحْصُلَ عَلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ؟» ١٧ فَأَجَابَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أحَدٌ صَالِحًا إلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ، إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ، فَاعْمَلْ بِالْوَصَايَا». ".

إنجيل مرقس الإصحاح ١٠ العدد ١٧: " ١٧ وَبَيْنَمَا كَانَ خَارِجاً إِلَى الطَّرِيقِ، أَسْرَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَسَجَدَ لَهُ يَسْأَلُهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» ١٨ وَلكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي الصَّالِحَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلّا وَاحِدٌ، وَهُوَ اللهُ. ".

فهنا تصريح من السيد المسيح بأنه ليس هو الله وأن الصالح هو الله وحده. ولكن سنجد هنا أيضاً ردين من بعض القساوسة المتشبثين بألوهية المسيح:

أ) أن المسيح سأل الرجل "لماذا تدعوني صالحاً؟" ولم يقل له "لا تدعوني صالحاً"، وهكذا فإن المسيح لم ينفي عن نفسه الصلاح، وإنما فقط سأله ليعرف حقيقة إيمانه إن كان مؤمناً به أنه هو الله الصالح.

والرد على هذا، أن هذا أيضا رد سفسطائي، ومحاولة بائسة للتهرب من تصريح المسيح الذي هو واضح جدا لغوياً وعقلياً، فسياق الكلام للمسيح فيه نفي للصلاح عن أي أحد إلا الله، ولن يفهم أي شخص عاقل أن المسيح هنا كان يود اختبار إن كان الرجل يؤمن به أنه هو الله، فالرجل ناداه "أيها المعلم الصالح"، ولو كان يؤمن أنه الله لناداه "أيها الإله الصالح".

ب) قامت بعض القساوسة بتغيير النص في بعض الترجمات لنص إنجيل متى، فبدلاً من أن تكتب "لماذا تدعوني صالحاً؟" كتبت "لماذا تسألني عن الصلاح؟" أو "لماذا تسألني عن الصالح؟"، وهكذا يتغير معنى قول المسيح.

والرد على هذا، أن هذه القصة وردت في إنجيل متى وفي إنجيل مرقس، فلماذا نجد في تلك الترجمات التي غيرت الجملة بأنها ترجمت نص إنجيل متى "لماذا تسألني عن الصلاح" ولكنها في نص إنجيل مرقس (في نفس الإصدار) ترجمت "لماذا تدعوني صالحاً؟"؟ 

فهذا تحريف واضح، والسبب في تلاعبهم هذا هو أنه قد ورد النص هكذا في المخطوطة السينائية والمخطوطة الفاتيكانية واللتان ترجعان للقرن الرابع "لماذا تسألني عن ما هو صالح". 

ولكن أولا: رغم أن هذا النص ورد في المخطوطة الفاتيكانية إلا أننا نرى فيه علامة تصحيح وأيضاً علامة نقدية بجوار العدد مما يعني وجود خطأ.

Text

Description automatically generated

ثانياً: أغلب المخطوطات والترجمات الأخرى أجمعت على عبارة "لماذا تدعوني صالحاً؟"، ومن تلك المخطوطات هو "ذياتيسارون[101]" والتي ترجع لعام ١٦٠م، والأشورية ١٦٥م، السريانية البشيطا[102]، الترجمات القبطية سواء الصعيدية أو البحيرية، الأفرايمية، مخطوطات الخط الكبير، ومخطوطات الخط الصغير، المخطوطات البيزنطية، وعدد آخر كبير من المخطوطات والترجمات، مما يجعل عبارة "لماذا تدعوني صالحاً؟" هي الأوثق، وهذا لا خلاف عليه بين القساوسة، إلا أن البعض يلجأ لتغيير النص معتمداً على المخطوطة الفاتيكانية وذلك حتى لا ينفي ألوهية المسيح.

ثالثاً: أجمع علماء اللاهوت على أن سياق الكلام لا يناسب عبارة "لماذا تسألني عن ما هو صالح؟" أو "لماذا تسألني عن الصلاح؟"، لأنه لماذا قد يقول المسيح شيئاً كهذا، فالجميع كانوا يذهبون إليه لسؤاله عن طريق الصلاح. ولهذا فإن الأصح من ناحية سياق الكلام أنه كان يرد على نداء الرجل إليه "أيها المعلم الصالح"، وهكذا سأله " ِلمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أحَدٌ صَالِحًا إلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ." أيضاً لا يمكن أن يكون سياق الكلام هو "لماذا تسألني عن ما هو صالح (من الأعمال)؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله"، فالسياق هكذا غير منطقي.

ملحوظة أخيرة: 

وهي أن بعض القساوسة العرب يستشهدون بقول المسيح في إنجيل يوحنا الإصحاح ١٠ العدد ١١: ١١ أَنَا الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ حَيَاتَهُ فِدَى خِرَافِهِ."، وهكذا فهو يشهد لنفسه أنه هو الصالح. ولكن في الواقع فإن الكلمة اليونانية في عبارة "لماذا تدعوني صالحاً؟" ليست هي نفسها المستخدمة في عبارة "الراعي الصالح"، ففي الأخيرة كانت الكلمة اليونانية (καλός) بمعنى "الجيد أو الكفؤ"، أما في العبارة الأولى (αγαθός) فهي بمعنى الصلاح الذي هو أنه نقي وبلا خطيئة.

أساس الحوار الإسلامي المسيحي حول ألوهية المسيح:

عزيزي القارئ، إن العهد الجديد ملئ بالنصوص التي تنفي عن المسيح صفة الألوهية، ولو كتبتها جميعا هنا لأصبح هذا الكتاب مجلد كبير جدا، ولكن المشكلة ليست في ذكر تلك النصوص، وإنما هي في الأساس الذي عليه تقرأ تلك النصوص، فمن أحجب عينيه عن رؤية الشمس، لن يراها، ومن أغلق عقله على فكرة ألوهية المسيح، فلن يصدق أنه ليس إله حتى وإن جاءه المسيح بنفسه ليقول له هذا. إن من يجرنا بعيداً عن الحق إنما هي أنفسنا، فهي التي تجرنا نحو التكبر والتعصب واتباع الهوى، ولهذا كان لزاماً علينا أولا هزيمة أي صفات تكبر أو تعصب وهزيمة أي هوى بداخلنا، لنبحث عن الحق الذي هو حقاً حق، ولنقبله أينما كان.

لقد سمعت واطلعت على ردود القساوسة على النصوص التي تفند ألوهية المسيح، الله يشهد علي، إنما هي ردود لا يقبلها العقل البشري، فهي ردود صادرة من عقل بشري، ولهذا لا يقبلها العقل البشري، لأنه وبمجرد سماعها تعرف أن الذي يقولها إنما يحاول إقناعك بشيء هو أصلاً غير معقول، وأنه قد ابتدع تلك الردود من تفكيره وعقله، وليس من وحي إلهي، حتى وإن كان يستشهد بنصوص من الكتاب المقدس. لأنه في الواقع لا يستشهد بنصوص من الكتاب المقدس، وإنما يوظف عبارات من الكتاب المقدس بحيث يلوي عنق المعاني فتناسب الرد.

ومن أفضل الأمثلة الواضحة، إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ٣٢: ٣٢ وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلا يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لَا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلا الاِبْنُ، إِلّا الآبُ. ".

ولكن للأسف رغم وضوح النص، ستجد من القساوسة من يكذب النص ويقول لك بالطبع الابن يعرف ميعاد يوم القيامة، فالابن مساو للآب وله جميع صفات الألوهية تماما مثل الآب. ثم تسمع شيئاً عجيباً وهو أن المسيح قال هكذا حتى لا يسأله التلاميذ أن يخبرهم بهذا الميعاد إن أخبرهم أنه يعرفه! يعني صاحب هذا الرد قد كذب قول المسيح أنه لا يعرف الميعاد، ثم نسب للمسيح قول الكذب بأن المسيح قال لا يعرف وهو يعرف.

وعلى هذا فإن أساس الحوار الإسلامي المسيحي سيظل هكذا طالما أن المستمع لا يود فعلاً السماع وإنما يود الجدال والسفسطة.

واعلم عزيزي القارئ أني والله أحب لك الخير، وليس الهدف من هذ الكتاب هو الانتصار في النقاش، فأنا وأنت لسنا خالدين في هذه الدنيا وسنعرض أمام الله عز وجل يوم القيامة، فمن سيحاجج عنا إن كذبنا في دين الله، سواء بقصد أو بدون قصد. فالجهل ليس بعذر إلا إذا تعذر البحث عن المعرفة، ولكن من منا لا يستطيع البحث الجاد عن الحق والمعرفة؟ بل وسوف نسأل أمام الله إن كنا قصرنا في البحث عن الحق أم لا.

واعلم جيداً أني لا أريد منك ترك دين المسيح، بل بالعكس، أريد منك اتباع دين المسيح عليه الصلاة والسلام، فاقبل المسيح كما هو ولا تبالغ فيه أو في دينه، لا ترد على النصوص التي تنفي ألوهيته بنصوص أخرى يتوهم القارئ منها أنها تؤله المسيح. 

فإنك إن استشهدت بنص إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ١٠: ١٠ أَلا تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ، وَأَنَّ الآبَ فِيَّ؟ الْكَلامُ الَّذِي أَقُولُهُ لَا أَقُولُهُ مِنْ عِنْدِي، وَإِنَّمَا الآبُ الْحَالُّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ أَعْمَالَهُ هذِهِ. ١١ صَدِّقُوا قَوْلِي: إِنِّيِ أَنَا فِي الآبِ وَإِنَّ الآبَ فِيَّ، وَإلَّا فَصَدِّقُونِي بِسَبَبِ تِلْكَ الأَعْمَالِ. ١٢ الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا، بَلْ يَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي.".

فسأقول لك، يا أخي الكريم، ألم تدرك بعد أن المسيح كان يتكلم بالأمثال، وأن هذا الحلول إنما هو مجازي وليس حلول ذات في ذات؟ فأكثر القساوسة يستخدمون هذا النص ليحاولوا إقناع الناس أن المسيح هو الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

هل تصدق قول المسيح "إِنَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا، بَلْ يَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا"؟ فهل أنت مؤمن بالمسيح؟ وكبر القساوسة الآن أليسوا مؤمنون بالمسيح؟ إذن لماذا لا تستطيع أن تفعل أعمال أعظم من أعمال المسيح؟

يا أخي الكريم هذا أسلوب لغوي مجازي، موجود في كل لغات العالم، والدين والعقيدة لا يؤخذ من الأمثال المجازية إنما هي للشرح والتوضيح فيفهمها الداني والقاصي.

وما رأيك في أقوال المسيح الآتية:

إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٠: ٢٠ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. ".

رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٤ العدد ١٣: ١٣ وَمَا يُؤَكِّدُ لَنَا أَنَّنَا نَثْبُتُ فِي اللهِ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا هُوَ أَنَّهُ وَهَبَ لَنَا مِنْ رُوحِهِ. ".

رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٤ العدد ١٥: " ١٥ مَنْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ يَثْبُتُ فِيهِ، وَهُوَ يَثْبُتُ فِي اللهِ. ".

فلا تحاول إقناع نفسك أو غيرك ببعض النصوص ثم تبني عقيدة كاملة عليها، وغضيت البصر عن النصوص الأخرى وتحاول إيجاد تبريرات وتفسيرات لها.

لا تحاول تبرير صفات العبودية للمسيح نحو الله من صلاة وتضرع وصيام، بأنها الطبيعة الإنسانية داخله، فهذا منهج سفسطائي في النقاش، لأنك أنت أيضاً من تؤكد أن المسيح في شخصه هو الله، وأنت لا تقبل أن يقال أن المسيح هو الله بلاهوته، أما ناسوته فهو غير مقدس وليس إلهي وإنما هو جسد وروح بشرية عادية. أنت لا تقبل هذا. أنت تقول أن المسيح في شخصه هو الله متجسداً. 

فكفانا خوضاً في نقاشات فلسفية، ولنبحث جادين عن الهدى الإلهي، هدى الله الواحد العظيم الجبار، سبحان الله عما يصفون له من صفات بشرية وصفات مخلوقين وصفات ضعف وتعب وجهل وغير ذلك.

اللهم اشهد أني بلغت.

 

 

 

الفصل العاشر

رد القرآن الكريم على ألوهية المسيح عليه السلام

قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }[103].

قال الله تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) }[104].

قال الله تعالى: { لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا }[105].

قال الله تعالى: { إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا }[106].

A sign on a wall

Description automatically generated with medium confidence

الباب الرابع

عقيدة الثالوث

 

الفصل الأول: "عقيدة الثالوث" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثاني: نبذة عن تاريخ عقيدة الثالوث

الفصل الثالث: العقيدة المسيحية من التوحيد إلى التثليث

الفصل الرابع: طبيعة المسيح وعلاقة اللاهوت بالناسوت

الفصل الخامس: الفلسفة وعقيدة الصلب والفداء

الفصل السادس: أدلة أتباع مذهب التثليث

 

Diagram

Description automatically generated

 

 

الفصل الأول

"عقيدة الثالوث" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

عزيزي القارئ أرجو منك أن ترعني انتباهك الشديد في هذا الباب، فهو أخطر باب في هذا الكتاب، وهو يتناول أهم نقطة أساسية في الحوار الإسلامي المسيحي، ألا وهي عقيدة الثالوث. 

تمهيد:

تنص عقيدة الثالوث على أن: "الآب إله والأبن إله والروح القدس إله، والآب ليس هو الابن والابن ليس هو الروح القدس، ولكنهم جميعاً يكونون إله واحد، وأن هذا الثالوث مساو في الأزلية والجوهر والدرجة". 

المشكلة الرئيسية هي عدم فهم المسيحيين لحقيقة الثالوث، ولهذا لهم عدة تصورات مختلفة عن الثالوث، وإذا سألت عدة قساوسة عن الثالوث لوجدت أن لكل قسيس تفسير مختلف عن الآخرين، رغم اعتقاده أن تفسيره هو التفسير المتفق عليه بين جميع الكنائس والقساوسة. أما المشكلة أثناء الحوار الإسلامي المسيحي، هو أنه إذا عرض أحد المناظرين المسلمين نقد عقيدة الثالوث، تفاجأ بالمناظر المسيحي يقدم له في كل موضع تفسير مختلف أو يتنقل بين عدة تفسيرات متناقضة، فيجعل المسيح في تفسير ما أنه ابن الله (فاصلاً إياه عن الله)، ثم يجعله كلمة الله (جاعلاً إياه صفة لله)، ثم يجعله عقل الله (جاعلاً إياه جزءاً من الله)، ثم يجعله الله (موحداً إياه بالله)، ثم يجعله إله (مساوياً له بالله)، ثم يجعله إنسان (لينفي به عن الله صفات النقائص من صلب وموت)، ثم يجعله إنساناً وإلهاً (جاعلاً له طبيعة ناسوتية ولاهوتية). وهكذا لا توجد قاعدة ثابتة للحوار ويتحول الحوار الإسلامي المسيحي لحوار سفسطائي بدلا من أن يكون حوار بناء يهدف للوصول إلى الحق.

ولهذا وجب علينا تنبيه المسيحيين عامة إلى أن يفكروا جيداً في ما هي عقيدتهم الحقيقية في المسيح عليه السلام وفي عقيدة الثالوث. ولهذا سوف نذكر جميع التصورات عن المسيح حتى يتضح للمسيحيين عدم إجماعهم على طبيعة المسيح ولا على عقيدة الثالوث.

 

 

الفصل الثاني

نبذة عن تاريخ عقيدة الثالوث

في إحدى محاضراته يقول عالم اللاهوت الدكتور بارت إيرمان عن تاريخ عقيدة التثليث:

" إذا قرأت بعناية قصة الميلاد العذراوي والمذكورة في كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا، فستجد أنه ليس هناك أي إشارة إلى أن يسوع كان موجودًا قبل الولادة العذراويةفي كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا ليس الأمر أن كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا، بل المسيح قد تجسد من خلال مريم العذراء. فيسوع أتى إلى الوجود من خلال مريم العذراء عندما جعلها الله تحمل، هذا هو المذكور في إنجيل متى وإنجيل لوقا.

ولكن عندما فكر الناس في الأمر أكثر، اعتقدوا أنه لابد أنه كان ابن الله منذ الأزل، وهكذا بدأوا في تطوير وجهة نظر مختلفة، ليست وجهة نظر تأليه الإنسانبأن الإنسان أصبح كائناً إلهياً، بل بدأوا في تطوير وجهة نظر عن تجسد الإله (أي أن الإله أصبح إنسان). 

كلمة تجسد تعني أن شيئًا ما قد جاء ودخل في جسد، ووجهة نظر التجسد تلك هي وجهة النظر القائلة بأن المسيح جاء إلى العالم وكان موجودًا من قبل في العالم السماوي، أي أن المسيح الذي كان كائنًا إلهيًا أصبح كائناً إنسانًياً.

ووجهة النظر تلك لم تكن وجهة نظر مرقس، أو متى أو لوقا، إنما هي وجهة نظر إنجيل يوحنا

في إنجيل يوحنا، لم يولد المسيح من عذراء، في بداية إنجيل يوحنا نقرأ: "في البدء كان الكلمة والكلمة عند الله وكان الكلمة إله.". كان في البدء عند الله ، كل الأشياء خلقت من خلاله، وبدونه لم يأتي شيء للوجود من الأشياء الموجودة، ففيه كانت الحياة، وحياته كانت حياة البشر، وصارت الكلمة جسدًا وحل بيننا.

كلمة صار جسدًا هي يسوع المسيح. يتفهم إنجيل يوحنا أن المسيح كان كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا وأصبح إنسانًا، وهذه هي فكرة تجسد الإله في علم اللاهوت المسيحي والمقابلة لفكرة تأليه الإنسان في علم اللاهوت المسيحي.

إليك مجموعة مسيحية مبكرة أخرى، بمجرد أن بدأ المسيحيون يفكرون على نطاق أوسع في أن يسوع كان كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا، بدأوا في الجدال في أي معنى كان إلهًا، وإذا كان كائنًا إلهيًا، فكيف يكون إنسانًا؟ أم هو كان فقط إنساناً؟ وإن كان هو كائناً إلهًياً والله أيضاً كائنًا إلهيًا، فحينئذ لديك إلهان!

أليس هكذا لديك إلهان، أم لديك إله واحد فقط؟ لا، ليس لدينا سوى إله واحد.

هل يسوع إله؟ نعم. هل الآب إله؟ نعم. إذن لديك إلهان. لا، لدينا إله واحد.

وهكذا يستمر الجدال.

كان هناك أناس يعتقدون أن المسيح في الواقع هو الله لأنه كان إلهًا كاملاً، فهو كان الله الذي بدا في صورة إنسان. 

لا يمكن أن يكون الله حقًاً إنسانًا، تماما مثل الإنسان لا يمكن أن يكون حقاً صخرة. فالكل مختلف.

هناك وجهة نظر واسمها "دوسيتية[107]" وهي مشتقة من الكلمة اليونانية "ذوكين[108]" (بمد الياء) وتعني "يظهر" أو "يبدو". كان هناك مسيحيون في القرن الثاني والثالث الميلادي يقولون أن المسيح هو الله وأنه فقط بدا على أنه إنسان. يجب أن أقول إن معظم طلابي يعتقدون ذلك على الأرجح. أعتقد أن معظم طلابي يعتقدون أنه بما أن المسيح هو الله فلا يمكن حقًا أن يكون إنسانًا، ولذا فهو كان كلي القدرة وكلي المعرفة عندما كان رضيعً.

لذلك، أتعرف، عندما كان يسوع يبلغ من العمر أسبوعين كان بإمكانه التحدث باللغة السواحيلية إذا أراد ذلك. لأنه هو الله، يمكنه فعل أي شيء، أليس كذلك؟ 

حسنًا، فقد اختفى هذا الرأي، لأن اللاهوتيين المسيحيين قالوا إنه إذا لم يكن المسيح بشراً، فلن يستطيع أن يموت من أجل خطايا العالم. إذا لم يكن لديه دم حقًا، فلن يتمكن من إراقة دمه. فالخلاص يتطلب ليس فقط أن يكون إلهيًا فحسب، بل أن يكون أيضًا بشريًا. وهكذا اختفت هذه النظرة الدوسيتية.

"الإنفصالية[109]"، هناك مسيحيون آخرون، في القرن الثاني والثالث الميلادي، أي أني أتحدث عن مائة أو مائتي عام بعد الأناجيل، وقبل ظهور آريوس، قالوا أنه في الواقع فإن المسيح هو إنسان وإله، وأنه كان هناك رجل بار جدا اسمه يسوع، والذي في مرحلة ما من حياته، أي وقت معموديته (من يوحنا المعمدان)، دخل فيه كائن إلهي من السماء، فالمسيح الكائنً الإلهي دخل في جسد يسوع الإنسان، بحيث يكون يسوع المسيح هو إنسان وإله في نفس الوقت، لأنه فيه جانب بشري وفيه جانب إلهي، وبالتالي فإن هناك اثنان منه. وبعد ذلك عندما مات الرجل يسوع، صعد المسيح إلى السماء.

أسمي هذا "الانفصالية" كوجهة نظر لأنها تفصل بين يسوع والمسيح، وقد أعلنت وجهة النظر تلك على أنها بدعة، لأنه إذا لم يكن يسوع إنسانًا تماماً وإذا لم يكن هو إله تمامًا، في نفس الوقت، فعندها أنت لا تتعامل مع شخص واحد، إنما تتعامل مع شخصين، لكن يسوع المسيح هو شخص واحد وليس شخصين، فالله واحد، والمسيح واحد، والكنيسة واحدة، وهناك إيمان واحد، ورب واحد، ومعمودية واحدة، وأي أنه هناك واحد وليس اثنانفي النهاية انتهى هذا الرأي بالخسارة.

"الشكلية[110]"، هناك وجهة نظر مثيرة أكثر للاهتمام من بعض النواحي، هي وجهة نظر أطلق عليها العلماء اسم "الشكلية". كانت ولفترة طويلة هي الرأي السائد في المسيحية، حتى معارضيها أنفسهم قالوا إن معظم الناس كانوا يؤمنون بوجهة النظر تلك. حتى قادة كنيسة روما كانوا يؤمنون بوجهة النظر تلك، في نهاية القرن الثاني. يطلق عليها اسم "الشكلية" لأنها تقول أن "الله موجود في ثلاثة أنماط أو صور". الآن، تمامًا مثلي أنا شخصياً، بارت إيرمان، أنا في نفس الوقت، أنا ابن لوالدي، أنا أخ لأختي، وأنا أب لأولادي. أنا ابن وأخ وأب في نفس الوقت. والله هكذا، الله ثلاثة أشخاص، أب وابن وروح قدس، ولكن هناك واحد فقط، وليس ثلاثة منه. أنا لست ثلاثة أشخاص مختلفين، أنا شخص واحد، أنا ابن وأخ وأب. الله ثلاثة أشخاص، أب وابن وروح القدس. لذا فوجهة النظر هذه تسمى "الشكلية" لأن الله موجود في ثلاثة أنماط للوجود. انتهى هذا الرأي بالخسارة أيضًا، على الرغم من أنه كان وقتها شائعًا للغاية وربما لا يزال الناس اليوم يحتفظون ببعض وجهات النظر مثل هذه، ولكنها انتهت بالخسارة.

انتهت بالخسارة لأن الأب والابن بالتأكيد مختلفان عن بعضهما البعض. إذا كنت أبًا لابن، فلا يمكنك أن تكون الابن الذي أنت والده. يجب أن يكونوا مختلفين. أيضاً، فعندما كان يسوع على الأرض كان يصلي أحيانًا إلى الله الأب، لم يكن يتحدث مع نفسه فقط. وهكذا انتهت وجهة النظر تلك باعتبارها إشكالية (تتسبب في مشاكل). كانت وجهة النظر هذه "الشكلية" شائعة في روما على وجه الخصوص، وكانت وجهة نظر أساقفة روما، الأشخاص الذين أصبحوا البابا فيما بعد.

وفي النهاية تم دحرها للوراء من قبل الأشخاص الذين تمسكوا بوجهة نظر مختلفة، "الثالوث".

في سياق الجدل حول "الشكلية"، ابتكر ترتليانوس، أحد آباء الكنيسة، مصطلح "الثالوث". يشير "الثالوث" إلى الأشخاص الثلاثة الذين هم أشخاص منفصلة عن بعضها، الأشخاص الذين هم كلهم الله.

يجب أن أقول إن آريوس كان مؤمناً بعقيدة الثالوث، فاعتقد أريوس أن الله هو الآب والابن والروح القدس، لكنه اعتقد أن الابن والروح القدس أدنى درجة من الله الآب، لأنه لا يمكن أن يكون هناك اثنان قادران على كل شيء، لأنه إذا كان هناك اثنان قادران على كل شيء، فلا واحد منهم هو القادر على كل شيء، وبالتالي فواحد فقط هو القادر على كل شيء.

بالمناسبة، كان هذا رأي ترتليانوس أيضًا الذي ابتكر مصطلح "ثالوث" ، فقد اعتقد أن الابن كان تابعًا لله الأب[111]، ولكن في النهاية اختفى هذا الرأي.

في النهاية تم استبدال هذا الرأي بالرأي القائل بأن هناك ثالوثًا من ثلاثة كائنات هم كلهم الله، فهم الله بالتساوي، وهم متساوون في القوة، وهم متساوون في المعرفة، وهم متساوون في الأبدية، لقد كانوا جميعًا موجودين إلى الأبد، وهناك ثلاثة منهم، الآب والابن والروح، ومع ذلك هناك إله واحد فقط، إله واحد يظهر في ثلاثة أقانيم

حسنًا، لكن إذا كان هناك ثلاثة منهم، فهناك إذن ثلاثة آلهة، أليس كذلك؟ لا، هناك واحد فقط. حسنًاً! هناك واحد، ليس هناك ثلاثة، أليس كذلك؟ الآن هناك ثلاثة. 

حسنًا، هذا الكلام لا معنى له. وإذا كان له أي معنى لما كان الثالوث لغزا. الثالوث هو لغز، مما يعني أنك لا تستطيع فهمه، وإذا كنت تعتقد أنك تفهمه، فأنت تسيء فهمه!

أصبحت هذه هي وجهة النظر التقليدية للمسيحية. وجميع وجهات النظر الأربعة، الدوسيتية، والانفصالية، والشكلية، والثالوث، كلها عبارة عن أعمال منطقية لوجهة النظر القائلة بأن المسيح هو الله. بينما الله هو الله.

لديهم منطق مختلف يقودهم، لكن الأربعة كلها لها مغزى.

فقط واحدة من تلك الآراء هي التي انتهى بها المطاف أن تصبح وجهة النظر الأرثوذكسية، القائلة بأن هناك ثلاثة أشخاص كلهم هم الله.

مقصدي هو أن معتقد المسيحيين الأوائل لم يكن هذا، فلن تجد هذه العقيدة "الثالوث" في العهد الجديد.

هذه العقيدة هي عقيدة متأخرة تطورت من وجهات نظر سابقة. المسيحيون الأوائل آمنوا أن يسوع عند قيامته قد رُفع ليجلس عن يمين الله، واعتقدوا أن الله بالتالي قد جعله كائنًا إلهيًا. ولكن بعد مرور 300 عام أصبحوا يقولون إن يسوع كان دائمًا موجودًا، وأنه كان دائمًا شريكًا في الأبدية مع الأب، كان شريكاً في المعرفة مع الأب، وأنه في الواقع هو الله القدير نفسه، خالق كل شيء.". (انتهى كلام الدكتور بارت إيرمان)

 

 

الفصل الثالث

العقيدة المسيحية من التوحيد إلى التثليث

عقيدة التثليث هي عقيدة مستحدثة: 

فجميع الأنبياء ومن عهد أدم عليه السلام لم يذكروا شيئاً عن هذا الثالوث، فلم يُصلّوا باسم الأب والابن والروح القدس، ولم تذكر تلك العبارة لا في العهد القديم ولا في الأناجيل الأربعة، وفي الواقع فإن عقيدة التثليث هي مخالفة لتعاليم الأنبياء، ولا يستوعبها العقل البشري، فجميع القساوسة الداعمين لعقيدة التثليث يعترفون بأن استيعابها هو فوق قدرات العقل البشري وأنها حقيقة يجب الإيمان بها كما هي رغم عدم القدرة على فهمها!

المسيحيون في القرون الأولى لم يكونوا مثلثة:

في العصور المسيحية المبكرة انقسم المسيحيون في طوائف أو مذاهب كبيرة، وهي:

أ) مذهب التوحيد:

كان هذا المذهب شائعاً في القرن الأول والثاني، وليست لدينا معلومات كثيرة عن هذا المذهب بسبب ما تعرض له من اضطهاد، فقد تم اضطهاده أولا من كل من اليهود والرومان الوثنيين الذين اضطهدوا أتباع المسيح عليه السلام، ثم تم اضطهاده من أتباع مذهب التثليث بعد أن أصبحت الإمبراطورية الرومانية مسيحية ونصرت أتباع مذهب التثليث على أتباع مذهب التوحيد وعلى أتباع مذهب التبعية في مجمع نيقية، فتم حرق جميع كتبهم واضطهاد جميع أتباعهم. 

وبالنسبة لأتباع مذهب التوحيد فهم أولئك الذين كانوا من بني إسرائيل وآمنوا بالمسيح عليه السلام كنبي مرسل، فهم آمنوا أنه المسيح المنتظر لبني إسرائيل، وأنه ليس له حظ في الألوهية، وهكذا اعتبروا أنفسهم إسرائيل الحقة، واستمروا على اتباع شريعة موسى ووصاياه، فكان كتابهم المقدس هو أسفار بني إسرائيل المقدسة، وأيضا آمنوا بأحد "الأناجيل المسيحية اليهودية"، ويطلق حالياً على أتباع هذا المذهب اسم "اليهود المسيحيين" أو "المسيحيين اليهود".

ويندرج تحت هذا المذهب العديد من الطوائف والتي كانت في الواقع بلا اسم يميزها عن غيرها، وكان الذي أطلق عليهم تلك التسميات المعروفة اليوم هم أتباع مذهب التثليث لكي يوحوا لنا بأنهم كانوا عبارة عن فرق ضآلة ضد المسيحية الحقة. 

فمن تلك الطوائف المندرجة تحت هذا المذهب هي طائفة "الإبيونيين" (أي الفقراء)، وكما ذكرنا بالأعلى فإن كتابهم المقدس كان هو أسفار بني إسرائيل المقدسة (أو ما يطلق عليه حالياً "العهد القديم") كما آمنوا أيضا بأحد "الأناجيل المسيحية اليهودية"، وقد قيل أنه كان إنجيل متى ولكن بدون الفصلين الأولين الذين تناولا ميلاد المسيح عليه السلام (أي مثل إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا الذين لم يتناولا ميلاد المسيح عليه السلام)، وقيل أنهم كانوا يؤمنوا بإنجيل العبرانيين. 

وقد كانت تلك الفرقة تؤمن بالمسيح على أنه نبي مرسل وليس إله أو ابن الله، وكانت تلك الفرقة تعادي بشدة فرقة "البولسيين[112]" أي أتباع بولس الرسول، وكفروا بولس الرسول وقالوا عنه أنه مرتد عن المسيحية واليهودية، لأنه أبطل وصايا الشريعة الموسوية ووصايا المسيح عليه السلام على حد سواء، فهو ألغى الختان والحفاظ على قدسية السبت والأعياد وغير ذلك، وقالوا أنه فهم إنجيل المسيح وعلاقته بأسفار بني إسرائيل المقدسة بشكل مغلوط.

ب) مذهب التثنية:

آمن أتباع هذا المذهب بألوهية الآب وألوهية الابن ولكن أنكروا ألوهية الروح القدس، وهكذا آمنوا بوجود أقنومين فقط لله، ونادوا بأن الروح القدس هو عمل إلهي منتشر في الكون وليس بأقنوم، بل هو مخلوق يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبة أسمى منهم. ومن أتباع هذا المذهب هو بطريرك القسطنطينية مقدونيوس[113]

ج) مذهب التبعية أو التراتبية[114]

ليست لدينا معلومات عن أتباع هذا المذهب إلا من كتابات أتباع التثليث، ولكن الذي وصلنا عنهم هو أنهم كانوا وسط بين التوحيد والتثليث، فآمنوا بالآب والابن والروح القدس ولكن وفق مبدأ التبعية، أي أن الابن والروح القدس يتبعان الله الآب في الطبيعة والوجود أو الكيان، فكان هناك وقت كان فيه الآب ولم يكن فيه الابن أو الروح القدس، والآب هو أعظم من الابن والروح القدس، والابن هو أعظم من الروح القدس، والأب يأمر الابن والروح القدس، وهما لا يأمرانه بل يفعلان إرادته فقط. ومن أتباع هذا المذهب هو أريوس، وأوريجانوس، وترتليانوس، وأبوليناريوس[115].

د) مذهب التثليث:

انقسم هذا المذهب للعديد من الطوائف، فرغم أنهم جميعاً يؤمنون بالثالوث المقدس إلا أن كل طائفة فسرت الثالوث بشكل مختلف، مما جعل كل طائفة تكفر الطوائف الأخرى وتصفهم بالمهرطقين. 

١- ثلاثة مظاهر لله:

فمنهم على سبيل المثال من فسر الثالوث بأنه ثلاثة مظاهر لله، أي أن الله له أقنوم واحد فقط ولكن له ثلاثة مظاهر، فهو حين خلق الخلق وأعطي الناموس لبني إسرائيل كان بصفته الآب، وحين صار إنساناً وخلّص الخلق كان بصفته الابن، وحين قدس الخلق وحلً على الرسل كان بصفته الروح القدس. ومن أتباع هذا المذهب هو بابا روما أوسابيوس[116]، وسابليوس[117].

وهذا التفسير إنما هو تجديف، لأن معنى كلامهم أن الله -حاشاه- عندما ظهر في صورة الابن كان قد نزل من فوق سبع سماوات تاركاً عرشه وتاركاً لتدبير الكون ليولد -حاشاه- من أحشاء عذراء.

٢- موجود بذاته، عاقل بكلمته، حي بروحه:

ومنهم من فسر الثالوث أن الله موجود بذاته الذي هو الآب، ناطق وعاقل بكلمته الذي هو الابن، وحي بروحه الذي هو الروح القدس. وضربوا مثالاِ لشرح هذا الثالوث، فقالوا مثل الإنسان له ذات وعقل وروح، ولكنه ليس ثلاثة أشخاص، بل شخص واحد.

ورغم أن أولئك الذين فسروا الثالوث بتلك الطريقة يؤكدون أنهم يؤمنون بالثالوث المقدس وأن الله له ثلاثة أقانيم، إلا أنهم بهذا الذي قالوه قد وقعوا دون أن يدروا في ما يسمونه هم بالهرطقة، فهم جعلوا الآب والابن والروح القدس عبارة عن صفات للذات الإلهية ذات الأقنوم الواحد، فجعلوا الاب هو الوجود، والابن هو العقل أو الكلام، والروح القدس هو الحياة. 

وإن قالوا: "لا لم نقصد هذا"، فهم إذن قد جعلوا الأقانيم الثلاثة عبارة عن ثلاثة أجزاء لله، فهم هكذا قد قسموا الإله لثلاثة أقسام مستقلة.

وإن قالوا: "لا لم نقصد هذا، فالأقانيم لم نقصد بها لا صفات لله ولا أجزاء لله"، فهم لا يفهمون ما يقولون أصلا، لأن المثال الذي ضربوه بأن الإنسان له ذات وعقل وروح، هو مثال فاشل، لأنهم هكذا يناقضون قولهم بأنفسهم، فالإنسان شخص واحد وله ذات وعقل وروح، ولكن لم يقل أحد أن ذات الإنسان هي إنسان كامل، وعقل الإنسان هو إنسان كامل، وروح الإنسان هي إنسان كامل، ولكن الثلاثة ليسوا ثلاثة أشخاص بل إنسان واحد. وأن ذات الإنسان مساو لعقل الإنسان مساو لروح الإنسان. فهم لم ينتبهوا أن الذات والعقل والروح هي مكونات للإنسان، فإن قالوا أن الله له ثلاثة مكونات هي الذات والعقل والروح، فهم بهذا ناقضوا قولهم أن الذات إله، والعقل إله، والروح إله، لأن قولهم مثل أن يكون ذات الإنسان إنسان، وعقله إنسان، وروحه إنسان. وهذا ضرب من الجنون. وهؤلاء الذين يؤمنون بذلك الثالوث على تلك الصفة، هم مثل من يقول هذه الوردة إنما هي في الواقع ثعبان، أو أن هذه الوردة الحمراء إنما لونها أصفر، هذا التناقض غير مقبول، ولم يجعل الله دينه درباً من دروب الفلسفة السفسطائية، بل يسر الدين للناس، عالمهم وجاهلهم، حتى يعرف الكل ربه ويعبد ربه باطمئنان في قلبه دون شكوك وارتياب.

٣- ثلاثة أقانيم حقيقية مستقلة ومتحدة:

ومنهم من قال بأن الله له ثلاثة أقانيم لكل واحد منها كينونة حقيقية، فالكينونة أو الجوهر ليست قاصرة على الآب وحده، فالآب له كينونة جقيقية ولكن الآب هو الأصل في الكينونة بالنسبة للابن والروح القدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الأزلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلي. وكذلك العقل ليس قاصراً على الابن وحده، لأن الآب له صفة العقل، والابن له صفة العقل، والروح القدس له صفة العقل، وكذلك الحياة ليست قاصرة على الروح القدس وحده، لأن الآب له صفة الحياة، والابن له صفة الحياة، والروح القدس له صفة الحياة، لأن تلك الصفات هي من صفات الجوهر الإلهي، وقد قال القديس أثناسيوس: "إن صفات الآب هي بعينها صفات الابن إلا صفة واحدة وهي أن الآب آب والابن ابن، ثم لماذا تكون صفات الآب هي بعينها صفات الابن، إلا لكون الابن هو من الآب وحاملاً لذات جوهر الآب!". 

وهكذا فإن من قالوا بهذا التفسير للثالوث قد وقعوا دون أن يدروا في تأليه ثلاثة آلهة، فهم يعترفون بوجود ثلاثة كائنات سماوية هي الآب والابن والروح القدس، لكل منهم كينونة حقيقية أو وجود حقيقي مستقل، ولكل منهم صفات الإله الكاملة. 

وإذا قلت لهم هل أنتم تؤمنون بثلاثة آلهة، أي أنكم قد وقعتم في شرك تعدد الآلهة؟ أجابوا: "لا، بل نؤمن بإله واحد". وردهم هذا هو السفسطائية في حد ذاتها، للأسباب الآتية:

١- إن قلت لهم: أنتم تقولون إذن أنكم تؤمنون بإله واحد، وهذا يعني أن كل من الآب والابن والروح القدس هم إله واحد وليسوا ثلاثة آلهة، فسيردوا ويقولون أنهم يؤمنون بأن الآب إله والابن إله والروح القدس إله ولكن الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي. ولكن ردهم هذا لا يعقل لأنه إما أن تقولوا أنهم ثلاثة آلهة أو أنهم إله واحد، ولا يمكنكم بأي منطق أن تقولوا أن الثلاثة هم واحد.

٢- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هم إله واحد، أي أنهم عبارة عن ثلاثة مظاهر للإله الواحد، فهو ظهر كالآب وظهر كالابن وظهر كالروح القدس؟ فسيردوا عليك لا، هم ليسوا مظاهر للإله الواحد وإنما هم ثلاثة آلهة، لكل منهم كينونة حقيقية مستقلة ولكل منهم صفات الإله الكاملة، ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٣- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هي صفات للإله الواحد، فالله موجود بذاته الذي هو الآب وناطق بكلمته الذي هو الابن وحي بروحه الذي هو الروح القدس؟ فسيردوا عليك لا، الثلاثة آلهة ليست ثلاثة صفات بل هم ثلاثة آلهة ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٤- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هي أجزاء من الإله الواحد أو تفرعات له؟ فسيردوا عليك لا، الثلاثة آلهة ليست ثلاثة أجزاء أو تفرعات بل هم ثلاثة آلهة ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٥- إن قلت لهم: إذن أنتم تؤمنون أن الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم من نفس الجوهر الإلهي، أليس كذلك؟ فسيردوا هنا بنعم. ولكن استمر في سؤالهم وقل: وهل تعرفون ما معنى كلمة "الجوهر"؟ فسيقولوا نعم الجوهر هنا هو الطبيعة، أي أن الثلاثة آلهة هم من نفس الجوهر الإلهي والطبيعة الإلهية. ولكن استمر في سؤالهم وقل: فإذا قلت لكم ما هو الجوهر الذي أتكون أنا وأبي وأخي منه؟ فسيردوا بأنه الجوهر الإنساني أو الطبيعة الإنسانية. استمر في سؤالهم وقل: هل يعني أنني وأبي وأخي من نفس الجوهر الإنساني أو الطبيعة الإنسانية أننا نحن الثلاثة شخص واحد؟ فهنا انظر ان ردوا عليك أصلاً.

هم لم ينتبهوا لحقيقة واضحة وهي أن الجوهر الإلهي ليس معناه إله واحد، فمثلا آمن اليونانيون القدماء بوجود اثنا عشر إلهاً، وإيمانهم بهم نبع من اعتقادهم بأنهم جميعاً من نفس الجوهر، الجوهر الإلهي، فكلهم آلهة بسبب اشتراكهم في الجوهر الإلهي. بل وقد تسببت عقيدة التثليث هذه في ظاهرة حديثة في اليونان حالياً وهي عودة الكثير من اليونانيين لعبادة الاثنا عشر إلهاً، لأنه بالنسبة لهم لا يوجد فرق بين أن تقول أن الله له ثلاثة أقانيم أو له اثنا عشر أقنوماً! 

الخلاصة:

وهكذا فإن عقيدة أتباع مذهب التثليث هي أن الألوهية عبارة عن شركة، اشترك فيها ثلاثة كائنات سماوية من نفس الجوهر الإلهي، فكيف يقولون بعد ذلك أنهم يؤمنون بإله واحد فقط؟ 

وفي الواقع فإن أكثر المسيحيين العاديين في عصرنا هذا لا يعرفون حقيقة إيمانهم بالثالوث، فهم يؤمنون به وفق تصورات شخصية ومفاهيم مغلوطة، ولو صرحوا بكيفية إيمانهم بالثالوث لوجدوا أنفسهم ضمن الطوائف التي كفرتها الكنائس المثلثة.

أمثلة فاشلة لوصف التثليث:

يحاول بعض القساوسة شرح التثليث لعامة المسيحيين بأمثلة توضيحية، ولكن تلك الأمثلة هي خاطئة، لأن عقيدة التثليث أولا لا أساس لها، فأنت تحاول أنت تعطي مثال لشيء غير موجود أصلاً. أما بالنسبة للأمثلة فهي كلها فاشلة فلا يصدقها إلا الأطفال. وحتى لا نستعرض جميعها هنا، فنحب أن نؤكد على القارئ الكريم أنه عند سماعه لأي مثال عن التثليث، فليفكر أولا، هل هو مثال صحيح عن ثلاثة أقانيم أو ثلاثة آلهة هي نفسها في ذات الوقت إله واحد، أم أن المثال هو لثلاثة أشياء كمكونات أو أجزاء لشيء واحد أو صفات لشيء واحد! 

فمثلا يضرب القساوسة مثال شعلة النار، تستطيع أن تأخذ منها شعلة نار أخرى دون أن ينقص هذا من الشعلة الأولى شيء. ولكن هذا مثال مخادع، لأن النار لا يؤخذ منها، فشعلة النار الأولى هي عبارة عن قطعة من الخشب تم إحراقها، وتستمر النار في الوجود طالما قطعة الخشب مازالت تحترق ولم تحترق كاملة، أما الشعلة الثانية فهو في الواقع أنت أتيت بقطعة خشب ثانية ثم أحرقتها بالنار الأولى، وليس أنك أخذت نار من نار، بل أنت بإحراق قطعة الخشب الثانية خلقت نار جديدة معتمدة على قطعة الخشب الجديدة وتستمد وجودها منها.

سؤال حول مفهوم "الكلمة":

 إن من أكثر الأمور الشائكة أيضاً هو عدم وضوح معنى "ابن الله" أو "كلمة الله" عند أكثر المسيحيين. وهذه الضبابية في فهم هذا المعنى تسببت في عدم القدرة على الوصول للحقيقة.

فمثلا "ابن الله" هل المقصود به ابن بالتبني، أم انبثاق من الآب، أم ابن حقيقي؟ ان الكنيسة تنفي أن يكون المسيح هو ابن بالتبني، وتنفي أن يكون انبثاق من الآب، لأن الذي انبثق من الآب وفق عقيدتهم هو الروح القدس، أما الابن فقد ولد من الآب، ليست ولادة جسدية كمفهوم البشر عن الولادة والابن الجسدي، بل مثل الكلمة التي تخرج من العقل، فالابن وفق عقيدتهم هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل. 

وهذا كلام سفسطائي، لأنهم أصلاً لم يفهموا تلك المصطلحات التي يقولونها. فالفكرة التي تخرج من العقل أو الكلمة التي تخرج من النفس، لا يمكن مساواتها بالشخص الذي خرجت منه، فهل كلمتك أنت هي أنت؟ هل كلمتك هي عقلك ونفسك؟ وإن قالوا أن الكلمة ولدت من الآب، ولكن ليست ولادة جسدية، فنقول اشرحوا إذن كيف ولد؟ هل تقصدون أنه انبثق؟ هل تقصدون أنه تولد عنه مثلما تتولد الحرارة من الشمس؟ فتولد الحرارة من الشمس أو انبعاثها من الشمس لا يجعلها شمساً.

قول أخير:

وأخيراً أقول لكل من آمن بالثالوث وشرحه بالأمثلة المادية، إن الدين قائم على التأدب مع الله وعلى تعظيم الله وعدم التقول عليه بدون علم، وأنتم قد ذهبتم بعيداً جداً في الحديث عن الذات الإلهية وأفتيتم بدون علم، وشرحتم ما لا تعرفونه ولا تفهمونه، بل واختلفتم فيما بينكم في مذاهب وطوائف يفتي كل منها عن جهل، بل وتحاولون خلق أدلة لا وجود لها، لم ينزل الله بها من سلطان.

يقول الله عز وجل: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[118]

ويقول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) }[119].

 

 

 

الفصل الرابع

طبيعة المسيح وعلاقة اللاهوت بالناسوت

والان وبسبب ابتداع عقيدة التثليث وعقيدة ألوهية المسيح ظهرت مشكلة أخرى كبيرة، وهي أنه إن كان المسيح هو الله، فكيف تم ضرب وصلب وقتل الإله؟ وكيف أن الإله كان يصلي ويصوم ويدعوا ويتعبد؟ وكيف ولدت العذراء إلهاً؟ ولهذا تم ابتداع فكرة أخرى وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، وليس طبيعة واحدة إلهية فقط أو ناسوتية فقط.

ولكن نتج عن هذا أيضاً مشكلة أخرى، وهي ما هي العلاقة بين الطبيعة اللاهوتية للمسيح بطبيعته الناسوتية؟ وكيف اتحدتا الطبيعتان؟ وهل امتزجتا أو انفصلتا أم اتحدتا دون امتزاج أو انفصال؟

وهكذا نشأت مذاهب مختلفة حول طبيعة السيد المسيح، ومنها:

١- المونوفيزية (الطبيعة الوحيدة): وهي أنه للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، ولكن بعد التجسد قد امتزجتا وأصبحتا طبيعة واحدة لاهوتية فقط، حيث تلاشى وذاب الناسوت في اللاهوت كما تذوب نقطة الخل في المحيط. ومن أتباع هذا المذهب هو أوطاخي[120] والذي كان رئيس دير في القسطنطينية يضم أكثر من ٣٠٠ راهب.

٢- الميافيزية (الطبيعة الواحدة): وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، قد اتحدتا في طبيعة واحدة، هي طبيعة الكلمة المتجسد، ولا يمكن فصلهما أو مزجهما أو تحويرهما، وهذه العقيدة هي عقيدة الكنائس الأرثوذكسية المشرقية.

٣- الديوفيزية (الطبيعتان): وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، موجدتان فيه ولكن دون أن يمتزجا أو يتغيرا أو ينفصلا.

وهناك مذاهب أخرى اختلفت حول طبيعتي المسيح، ومنها البيلكانيون[121] والتي يرجع اسمها لأسقف أنطاكية بولس السمساطي[122]، الذي قال بأن المسيح هو ابن الله بالتبني وأن العذراء ولدت يسوع الإنسان ثم حل عليه كلمة الله فصار إلهاً، وهكذا فإن المسيح هو إنسان تأله وليس إله تأنس، وعند الصلب فارقه كلمة الله، فمات الناسوت وحده.

وهناك مذهب النسطورية[123] التي يرجع اسمها لبطريرك القسطنطينية نسطور[124]، الذي قال أن العذراء لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب، وأن حلول اللاهوت لم يكن اتحاداً أقنومياً وإنما حلولاً بمعنى المصاحبة، فلا يوجد اتحاد بين الطبيعتين الناسوتية واللاهوتية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهية، أي أن المسيح كان فيه أقنومان متميزان، أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء، وإنما يتم تسميتها بأم يسوع، فالعذراء لا يمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق، وما يولد من الجسد إنما هو جسد.

وهناك مذاهب أخرى كثيرة، ولكن لا يسعنا ذكرها جميعها. وجميع تلك المذاهب أطلق عليها لقب هرطقات من طرف المذهبين الذين نادا بأن للمسيح طبيعتان لاهوتية وناسوتية دون امتزاج أو انفصال بينهما، وهما مذهبا الميافيزية والديوفيزية.

ونحب أن نشير إلى أن جميع المذاهب التي أطلق عليها لقب هرطقات، إنما هي في الواقع مذاهب كبيرة ترأسها أساقفة وبطاركة كبار وباباوات، وكان لهم كنائس وأتباع كثر في العديد من الدول. 

فمثلا البطريرك نسطور والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة إنطاكية اللاهوتية، حاربه في مذهبه حول طبيعة المسيح بابا الإسكندرية كيرُلُّس الأول[125] والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ففي انطاكية كان اللاهوتيون والمفسّرون أكثر ميلاً إلى النظرة الارسطوطالية، ومهتمّين بالحقائق الملموسة والمرئية، ويعتمدون على التفسير الحرفي للكتاب المقدّس باللجوء إلى المعلومات التاريخية والتحليل العقلي والمقارنة بين اقوال الكتاب المقدّس، والنظريات الفلسفية. ففي إقرارهم بألوهية المسيح كانوا ينظرون إلى حياته الإنسانية الأرضية. امّا مدرسة الإسكندرية، فكانت أكثر ميلاً إلى الأفلاطونية وإلى التفسير التأويلي الرمزي للحقائق. فالأمر الذي كان يشدّ اهتمام اساتذة الإسكندرية في المسيح كان لاهوته أكثر من ناسوته. وكان هذا الاختلاف في الأسلوب المدرسي يزداد حدّة بسبب النعرة العنصرية والتنافس على الكراسي الأسقفية.

ونود أن نذكر أيضاً أن كلا المذهبين الميافيزية والديوفيزية قد اختلفا اختلافاً شديداً حول طبيعة المسيح وكان هذا سبباً في انقسام الكنائس عام ٤٥١م، في مجمع خلقيدونية، والذي أصبحت بعده الكنائس إما خلقيدونية (أي وافقت على قرارات مجمع خلقيدونية وأن المسيح له طبيعتان لاهوتية وبشرية دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنيسة الكاثوليكية وكنائس الروم الأرثوذكس في اليونان وروسيا ورومانيا والصرب والمجر والقدس ثم انضمت لهم أيضا الكنائس البروتستانتية، أو غير خلقيدونية (أي رفضت قرارات المجمع وآمنت أن المسيح له طبيعة واحدة هي "طبيعة الكلمة المتجسد" والتي تكونت من اتحاد الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة البشرية في طبيعة واحدة دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنائس القبطية والسريانية والأرمينية والأثيوبية والهندية. وقد تم اضطهاد الكنائس التي رفضت قرارات المجمع أشد الاضطهاد.

الفصل الخامس

الفلسفة وعقيدة الصلب والفداء

لقد أضرت الفلسفة بالدين المسيحي كثيراً، وذهبت بالمسيحيين بعيداً عن العقيدة الصحيحة لدين الله وأدخلت الكنيسة في أروقة الفلاسفة والسفسطائيين، ونحن هنا لا نتحدث عن الفلسفة التي هي بمعناها الأصلي تعني الحكمة، فشريعة الله مبنية على الحكمة، ولكن أيضاً لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية أنها فلسفة، وإنما نحن نتحدث هنا عن الفسلفة التي دخلت في الإلهيات والعقائد والغيبيات بلا برهان شرعي، فدين الله الصحيح قدم لنا الأدلة العقلية والإيمانية التي تثبت أنه دين الله، وأوضح لنا العقيدة الصحيحة التي يجب أن نتبعها دون أن نزيد فيها أو ننقص منها، فالعقيدة الصحيحة هي التي نتلقاها ممن أرسلهم الله لنا من الأنبياء والرسل، ولا يمكن أن نقرر نحن ما هي العقيدة في مؤتمرات ومجامع، بحيث تكون العقيدة خاضعة للتصويت، وخاضعة لأهواء البشر ومصالحهم ولمعاييرهم اللاهوتية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولهذا قيل "عندما دخلت المسيحية للإمبراطورية الرومانية، لم تصبح الإمبراطورية الرومانية مسيحية، وإنما أصبحت المسيحية رومانية.". 

فمثلاً عقيدة "الثيوطوكوس" ومعناها حاملة الإله، تم إقرار تلك التسمية في مجمع أفسس عام ٤٣١م، بعد صراع وخلاف بين القساوسة، فقد اعترض عليها بطريرك القسطنطينية نسطور والكنائس التابعة له، فقال أن العذراء هي أم يسوع وليست أم الله أو حاملة الإله. 

وبما أن العقيدة الصحيحة لدين الله هي توقيفية، بمعنى أنه لا يجب أن نزيد عليها أو ننقص منها، فكيف لم تذكر الأناجيل الأربعة عقيدة "الثيوطوكوس"، وتركت البشر بفلسفاتهم المختلفة أن يقرروا فيها؟

وأيضا بالنسبة لطبيعة السيد المسيح عليه السلام، فبعد أن كان المسيحيون الأوائل يؤمنون أنه رسول الله (انظر مرقس إصحاح ٨ عدد ٢٧)، بدأت الفلسفة تتدخل وتستنبط من الأناجيل والرسائل حتى كونت عقيدة الثالوث المقدس وتأليه المسيح عليه السلام، ولكن ظهرت من ذلك مشكلة أخرى وهي كيف أنه إله ولكن ضرب وصلب ومات؟ فتمادت الفلسفة في طبيعة المسيح فكونت عقيدة الطبيعتين، بأن له طبيعة لاهوتية وأخرى ناسوتية، ولكن ظهرت من ذلك مشكلة أخرى وهي لماذا يصلب ويموت المسيح طالما أنه ابن الله، فتمادت الفلسفة في تحديد الغرض من صلبه وموته بأنه لخلاص البشر وتكفير عنهم الخطيئة الأصلية. 

وهكذا فإن العقائد المسيحية هي عقائد غامضة، تكونت في شكلها النهائي بعد صراع كبير وطويل بين أباء الكنيسة الأوائل، أي أن عقائد المسيحية لم تكن واضحة أصلاً ولعدة قرون لدى أباء الكنيسة الأوائل واحتاجت لعقد مجامع مسكونية حتى يتم أخذ قرار فيها.

فلسفة عقيدة الصلب والفداء:

فلسفة عقيدة الصلب والفداء هي باختصار أنك قد أخطأت في حقي، ولكي أسامحك أرسلت لك ابني لكي يبصق عليه أبناءك ويسخروا منه ويضربوه ويعذبوه ويصلبوه ويقتلوه وذلك حتى أستطيع أن أسامحك! وكان بعض أبناءك شريرون فهم من قاموا بصلبه، والبعض الآخر هم من آمنوا أني أرسلت ابني لكي تقتلوه في بيتكم حتى أستطيع سماحكم عن خطأكم في حقي!

الخطيئة الأصلية وعدم القدرة على غفرانها:

الخطيئة الأصلية هي أن أدم عليه السلام عصى أمر الله بعدم الأكل من شجرة معينة في الجنة، فأخرجه الله من الجنة بسبب عصيانه، وتلك القصة واردة في الكتاب المقدس وأيضاً في القرآن الكريم ولكن باختلافات. وفي حين أن القرآن يقول أن الله عز وجل قد ألهم برحمته أدم كلمات للتوبة والاستغفار، وهكذا غفر له، فهو الغفور الرحيم، تخبرنا الكنيسة أن الله لم يستطع -حاشاه- أن يغفر هذا الذنب لأدم وأنه جعل هذا الذنب متوارث تتوارثه جميع الأجيال القادمة من نسل أدم وإلى يوم القيامة، وأنه لكي يغفر هذا الذنب يجب أن يرسل ابنه الوحيد لكي يموت على الصليب ويفدي البشر بدمه المراق.

المصلوب ليس ابن الله بمفهومنا نحن وإنما هو الله نفسه:

يعتقد الكثير من عامة المسيحيين أن الله قد أرسل ابنه الوحيد لكي يصلب ويموت فيفدينا نحن عن الخطيئة التي فعلها أدم، وهكذا مات ابن الله ثم قهر الموت وقام من الأموات وصعد للسماء وجلس عن يمين الله. ولكل مسيحي تصور خاص به عن مفهوم كلمة "ابن الله"، بل وفي أعياد القيامة عند عرض أفلام عن صلب المسيح، تجد المسيحيين تذرف أعينهم بالدمع عند مشاهدة مشهد الصلب والآلام، ودموعهم تلك توضح مدى حبهم للمسيح ومدى تأثرهم بمشاهد الآلام التي تعرض لها. 

ولكن في الواقع فإن مفهوم كلمة "ابن الله" في علم اللاهوت المسيحي ليس هو المفهوم الذي يفهمه عامة المسيحيين، مثل أن يكون ابن الله مثل ابن شخص مننا نحن البشر، بل مفهوم ابن الله يعني الله نفسه، فالابن هو أقنوم من أقانيم الله، وله صفات القدرة والقوة والجبروت مثله مثل الآب والروح القدس. ولكن الأمر يزيد تعقيداً شديداً في تحديد ماهية المصلوب، هل هو الله الذي صلب، أم هو أقنوم ابن الله، أم هو يسوع الإنسان الذي صلب؟ سنجيب على هذا في النقطة التالية بإذن الله تعالى.

مسرحية الصلب والفداء:

أغلب أباء الكنيسة المبكرة كانوا فلاسفة أو متأثرين جدا بالفلسفة اليونانية، مثل القديس يوستينوس الشهيد الذي كان فيلسوفاً ثم اعتنق المسيحية، ولهذا تدخلت سريعاً الفلسفة لحل تلك المعضلة المذكورة آنفاً، فقررت شيئاً لم يذكر في أي مكان في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وهو أن المسيح له طبيعتين، لاهوتية وناسوتية، اتحدتا في شخص يسوع المسيح ولكنهما غير ممتزجتين ولا منفصلتين ولا متحورتين، يعني لم تتحول الطبيعة الناسوتية للاهوتية، ولم تتحول الطبيعة اللاهوتية لناسوتية. 

ولكن أيضاً يبقى السؤال: من الذي صلب، هل هي الطبيعة الإنسانية أم الطبيعة اللاهوتية؟

تجيب الكنيسة بالآتي:

١- أقنوم الابن أو الكلمة قد تجسد في جسد بشري، وهكذا أصبح هذا الجسد هو جسد الله، ولكن ليس معنى هذا أن هذا الجسد بلا روح بشرية وأن روح الابن قد تجسدت فيه، بل هذا الجسد البشري فيه روح إنسانية أيضا. أي أن اللاهوت قد تجسد في روح وجسد يسوع المسيح.

٢- عن التجسد قال أثناسيوس الرسولي: " لقد جاء كلمة الله في شخصه الخاص "، وقال كيرلس الكبير: " إن الله الكلمة لم يتخذ شخصًا من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا محييًا بروح عاقل، وجعل هذا الناسوت خاصًا به جدًا، أي جعله في اتحاد طبيعي مع لاهوته. ".

٣- عند الصلب كان الألم واقع على الجسد البشري وليس على اللاهوت، لأن اللاهوت لا يتأثر بالألم، ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم كان متحداً باللاهوت.

٤- عند الموت لم يمت اللاهوت، لأن الله لا يموت، ولكن الذي مات كان هو الناسوت، بمعنى أن الروح الإنسانية للمسيح خرجت من جسده الإنساني، أما اللاهوت فلم ينل منه الموت، ولكن عند لحظة الموت وأيضاً بعد الموت ظل اللاهوت متحداً بالناسوت، فظل متحداً بجسده الميت، وبروحه الإنسانية التي خرجت من جسده. بعبارة أخرى انفصلت الروح الإنسانية عن الجسد الإنساني ولكن لم ينفصل اللاهوت عن أياً منهما رغم إنفصالهما.

ولكن يرد على هذا بالآتي:

١- عبارة أن أقنوم الابن تجسد في شخص بشري له جسد بشري وروح بشرية، تنفي فكرة تجسد الإله، لأن هناك فرق كبير بين التجسد وبين الحلول، فمثلاً لو تجسدت روح شريرة في جسد خروف، فإن هذا يعني أن الروح الموجودة داخل هذا الخروف هي الروح الشريرة، والجسد هو جسد خروف بلا روح، وعلى هذا فهما شخص واحد، أي روح شريرة في جسد خروف.

أما إذا حلت روح شريرة في شخص خروف له روح وجسد خاصين به، فهذا معناه أن الخروف فيه روح خروف وله جسد خروف، ولكن حلت فيه روح شريرة فسيطرت على روح الخروف وجسده، ولا يمكن في تلك الحالة أن نقول أن الخروف هو الروح الشريرة أو اتحد الخروف مع الروح الشريرة فأصبحا شخص واحد. 

انظر إنجيل متى الإصحاح ٨ العدد ٢٨: ٢٨ ثُمَّ وَصَلَ يَسُوعُ إلَى مَنْطِقَةِ الجَدرِيِّينَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ، فَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ مَسكُونَانِبِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. وَكَانَ الرَّجُلَانْ خَطِرَينِ، لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَجْرُؤُ عَلَى السَّفَرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ. ٢٩ فَصَرَخَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا ابْنَ اللهِ؟ هَلْ أتَيْتَ هُنَا لِتُعَذِّبَنَا قَبْلَ الوَقْتِ المُحَدَّدِ؟» ٣٠ وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهُمْ. ٣١ فَتَوَسَّلَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيْهِ وَقَالَتْ: «إنْ أخَرَجْتَنَا، أرسِلْنَا إلَى قَطِيعِ الخَنَازِيرِ.» ٣٢ فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا.» فَخَرَجَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلَينِ، وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. حِينَئِذٍ اندَفَعَ كُلُّ القَطِيعِ مِنْ أعْلَى حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ، وَغَرِقَتِ الخَنَازِيرُ فِي المَاءِ.".

٢- اعتراف الكنيسة أن الذي تألم هو الإنسان والذي مات هو أيضاً الإنسان، فإن هذا هو ضد فكرة الخلاص والفداء، لأن الإنسان هو شخص محدود والله هو غير محدود، ولفداء خطيئة كل البشر -وفق ادعآد الكنيسة- يجب أن يراق دم ابن الله والذي هو غير محدود، ولكن الذي قالته الكنيسة يشبه أن أقول لك: سوف أضربك بالعصا، ثم تختبئ أنت داخل سيارة، ثم أضرب أنا السيارة بالعصا، فكل الضرب لم يصل إليك ولم تتأثر به.

٣- قول الكنيسة بأن الناسوت هو من نال منه الصلب والموت، ولكن بما أن اللاهوت متحد معه فهكذا حدث الخلاص والفداء، هو قول سفسطائي عجيب، فهي تنفي أن يكون اللاهوت قد تأثر بالآلام أو بالموت، ثم تقول أنه طالما أنه متحد مع الناسوت فإنه هكذا قد حدث الخلاص والفداء! وتقول أيضاً أن الجسد البشري بعد الاتحاد بين الطبيعتين أصبح جسد الله والدم البشري أصبح دم الله، وهكذا فإن من افتدى البشر على الصليب هو الله. سفر أعمال الرسل الإصحاح ٢٠ العدد ٢٨: ٢٨ لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اشتَرَاهَا بِدَمِهِ.".

ولكن هذا هو قول سفسطائي، لأن التجسد والاتحاد معناه أن كل ما يقع على الناسوت يقع على اللاهوت، فهما قد أصبحا شخصاً واحداً، فلو قلت أن الجسد البشري تألم، فهذا معناه أن جسد الله قد تألم، أي أن الله هو من تألم، فإن قلت "لا من تألم هو الناسوت وليس اللاهوت"، فسأقول لك "أنت قلت أن الناسوت متحد مع اللاهوت في شخص واحد، إذن هذا الناسوت هو ناسوت الله". بمعنى آخر، أنا مثلاً لي جسد وروح وعقل، فإن ضربني شخص على ظهري، فلا يمكن أن أقول أنه قد ضرب جسدي البشري ولم يصل هذا الضرب لروحي، فهذا كلام سفسطائي، لأن روحي متحدة مع جسدي، فمن ضرب جسدي قد ضرب نفسي كلها، سواء جسد أو روح أو عقل، لأنه ضربني أنا في شخصي أنا.

وهكذا فإن التألم الذي شعر به جسد المسيح أثناء الصلب والإهانة التي لحقت به قبل الصلب كل هذا يصل للاهوت لأن اللاهوت اتحد مع الناسوت، فضلاً عن أن الفكرة من البداية هي أن يصلب ابن الله وليس شخص بشري عادي.

٤- قول الكنيسة أن اللاهوت لم يفارق الناسوت ولا لحظة، لا قبل الصلب ولا أثناء الصلب ولا بعد الموت ولا داخل القبر، حيث ظل دائما اللاهوت متصلا ومتحداً بالناسوت، فظل اللاهوت متحداً بالجسد الميت، وبالروح التي خرجت من هذا الجسد، هذا القول يؤكد أن شخص المسيح هو شخص الله، فالجسد فيحالة اتحاد دائمة مع اللاهوت، والروح الإنسانية في حالة اتحاد دائمة مع اللاهوت، إذن هذه الروح البشرية والجسد البشري أصبحت لاهوت. فإن قالت الكنيسة: "لا، لم تمتزجا الطبيعتان"، فسأقول أن هذا كلام سفسطائي، فكلمة اتحدتا معناها امتزجتا. والقول بأنهما لم تمتزجا، معناه أن من صلب هو شخص بشري عادي حل فيه أقنوم الابن، وهكذا تكون ألغيت فكرة الفداء التي تحتاج أن يكون الفداء من شخص غير محدود.

مثال على هذا، كثيراً ما يذكر في الكتاب المقدس عبارة: "وحلت فيه الروح القدس" (انظر كورنثوس ١ الإصحاح ٦ العدد ١٩) وهذه العبارة لا تعني أن الروح القدس مع الشخص البشري الذي حل فيه قد أصبحا شخصاً واحداً، بل هذا يعني أن الروح القدس اتحدت مع روح هذا الشخص حتى ينطق بما هو صحيح.

٥- ما ذكره كيرلس الكبير أن " الله الكلمة لم يتخذ شخصًا من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا محييًا بروح عاقل " معناه أن الله الكلمة أتى بطبيعته الإلهية ولكن في طبيعة بشرية، وهذا أيضاً كلام سفسطائي، لأنه عندما ذكر العهد القديم ظهور الرب لإبراهيم في هيئة بشرية، فهذا معناه أن هذه الهيئة البشرية هي أيضاً مقدسة وإلهية، لأن من ظهر فيها هو الرب، ولهذا يذكر الكتاب المقدس أن إبراهيم سجد لتلك الهيئة البشرية ووجهة الخطاب نحو تلك الهيئة البشرية ولم يرفع رأسه نحو السماء ليخاطب الرب. وهكذا فإن كلام كيرلس يعني أن الضرب والصلب والإهانة التي لحقت بالمسيح لا يمكن أن نقول أنها نالت من الطبيعة الناسوتية دون الطبيعة اللاهوتية، لأن الطبيعتان اتحدتا في شخص يسوع المسيح. مثال آخر، وهو أنني قد اتسخت إذا اتسخ بنطالي، وإذا بصقت أنت على قميصي فإنك بهذا قد بصقت علي أنا، وكل هذا محال على الله عز وجل، فله العزة والجبروت والعظمة والقدسية والجلال والكمال، ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفواً أحد.

هل ورث المسيح ذنب الخطيئة الأصلية أيضا؟

مشكلة أخرى ظهرت من عقيدة الصلب والفداء وفكرة الخطيئة الأصلية، وهي طالما أن السيد المسيح هو إنسان فهل ورث الخطيئة الأصلية؟ 

هذا موضوع لم يذكر له حل في الكتاب المقدس، ولكن اللجوء ثانية للفلسفة هو الحل، فتم اختراع فكرة جديدة وهي، أن الروح القدس قد طهَّر وقَدَّس مستودع العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئًا من الخطيئة الأصلية، وكون من دمائها جسدًا اتحد به ابن الله الوحيد. وقد تم هذا الاتحاد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء.

ولكن نرد على هذا الكلام الفلسفي: "أن هذا الكلام هو كلام سفسطائي وتلاعب بالألفاظ والمفاهيم ولا وجود له داخل الأناجيل الأربعة فمن أين جاءوا به؟ فما علاقة مستودع العذراء بالخطيئة الأصلية؟ فهم قالوا أن الروح القدس كون من دمائها جسداً اتحد به ابن الله، فكيف لم يحمل هذا الجسد الخطيئة الأصلية إذ كان متكوناً من دم العذراء وهي حاملة للخطيئة الأصلية؟ هل العبرة بمستودع العذراء وليس دمها؟ فلماذا لم يقدس دمها أيضاً؟ ولماذا لم يقدس مستودع حواء فيأتوا البشر بدون أن يرثوا الخطيئة الأصلية؟ فإن قالوا أن البشر الذين جاءوا من رحم حواء هم من صلب أدم ولهذا ورثوا الخطيئة الأصلية، فنرد عليهم ولماذا لم يخلق الله مباشرة في رحم العذراء بشراً أخرين ليسوا من صلب أدم وهكذا لا تنتقل الخطيئة الأصلية؟". في الواقع فإن كل تلك المفاهيم هي مفاهيم فلسفية وكلما استمروا فيها وتمادوا فيها فإنهم يقعون في مشاكل أكبر.

لماذا لم يصلب أدم؟

إذا كان صاحب الخطيئة الأصلية هو أدم، فلماذا لم يصلب هو وينتهي الأمر، وهكذا يكون قد كفر عن خطيئته هو قبل أن تتوارثها الأجيال القادمة.

أيضا بالنسبة لمسألة توارث الأجيال للخطيئة الأصلية هي فكرة ساذجة جداً، لأن الله العادل لا يأخذ نفساً بذنب نفس أخرى، فالله لا يعاقب الأبناء بذنب الأباء. فهذا غير موجود لا في قانون إلهي ولا في قانون بشري، بل هذا ظلم واضح مستحيل على الله العادل العظيم الغفور الرحيم.

وعندما تسأل الكنيسة لماذا ورثت الأجيال ذنب أبوهم أدم، فإن رد الكنيسة غير منطقي ولا يدخل حتى عقل الأطفال، وهو أن جميع البشر كانوا داخل جسد أدم، وهكذا فهم قطعة منه، وهكذا حملوا ذنبه أيضاً. ولعلنا نسأل، لو وجد قديس وله أبناء ولكنهم فاجرون، هل سيدخلون الجنة لأنهم سيرثون ورع أبيهم وعمله الصالح؟ كل شخص مربوط بعمله، إن كان الشخص صالحاً فعمله يعود عليه ولا يرثه أبناءه، وإن كان فاجراً فجزاء فجوره يقع عليه ولا يقع على أبناءه.

الخطيئة الأصلية ذنب واحد دمر البشرية، فما بال الذنوب الكبيرة من يصلب لأجلها؟

جميع أوامر الله يجب توقيرها وتعظيمها، لأن الأمر يعظم بعظم الآمر، وأمر الله لأدم بعدم الأكل من تلك الشجرة، ليس لأنها شجرة المعرفة أو الأبدية أو ما إلى ذلك، بل من أجل "افعل" و "لا تفعل"، أي: الالتزام بأوامر الله والبعد عن نواهيه، ولكن عندما وسوس الشيطان لأدم ولزوجته بالأكل من تلك الشجرة حتى يوقعهما في عصيان أمر الله بسبب حسده عليهم، وعصيا أدم وزوجته أمر الله، عندها أنزل الله أدم وزوجته والشيطان للأرض، قال تعالى: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) }[126].

ولكن وفقاً للكتاب المقدس، فإنه وحتى يغفر الله ذلك الذنب كان يجب أن يرسل ابنه ليموت على الصليب، ولكن إن كانت كفارة الأكل من تلك الشجرة هو أن يموت ابن الله صلباً، فماذا عن كبائر الذنوب كالشرك والكفر والقتل، فإن أكبر الذنوب هو الشرك بالله، وقد حرم الله هذا الذنب بشدة في العهد القديم وأيضاً في القرآن الكريم، ويذكر لنا العهد القديم أن بني إسرائيل كانوا على مر العصور يقعون في عبادة الأصنام والإشراك بالله، ويذكر أيضاً أن الله عز وجل قد عاقبهم أحياناً بالسبي وتسلط الأعداء عليهم وغير ذلك، ويذكر أيضا أنه عندما تابوا وندموا غفر لهم. وعلى هذا فإن فكرة أن كفارة الأكل من الشجرة هو أن يصلب ويموت ابن الله هي فكرة غير منطقية ولا عقلانية ولا إيمانية حتى! فتلك الفكرة تصور الله عز وجل بأنه -حاشاه- عاجز عن الغفران، ومحب للانتقام -حاشاه-، وظالم لابنه الذي هو بعيد كل البعد عن ذلك الذنب!

مفهوم المسيح في اليهودية يناقض فكرة الصلب والفداء:

المسيح في اليهودية هو الرسول والملك الذي وعدهم به الله والذي سوف يجلس على عرش داود وسيملك على شعبه، ولا توجد أي إشارة في العهد القديم لعقيدة الصلب والفداء وأن أقنوم الابن سيأتي ليصلب ويخلص العالم.

 

 

الفصل السادس

أدلة أتباع مذهب التثليث

١- صيغة الجمع في العهد القديم:

يستشهد بعض القساوسة بكلمات وردت في العهد القديم، مثل ما ورد في سفر التكوين أن اسم الله "إلوهيم" والذي هو بصيغة الجمع، أيضاً "لنصنع الإنسان على صورتنا"، وهنا أيضا تحدث بصيغة الجمع، ولكن أغفل هؤلاء القساوسة أن صيغة الجمع في الكثير من اللغات إنما هو صيغة التوقير والتعظيم. ولهذا نجد في القرآن الكريم آيات تتحدث عن الله عز وجل بصيغة الجمع، ولا يفهم أي مسلم أن ذلك دليل على التثليث وإنما يفهمه جيداً أنه دليل على التعظيم. وقد تحاورت ذات مرة مع قسيس يوناني كان يريد إثبات لي أن عقيدة التثليث موجودة في القرآن الكريم، فسألني "لماذا توجد آيات في القرآن تتحدث عن الله بصيغة الجمع؟" فقلت له: "تماما مثل ما في اللغة اليونانية من استخدام صيغة الجمع عند التحدث لشخص مفرد بغرض الاحترام والتوقير"، فسكت.

٢- قدوس، قدوس، قدوس:

كثيراً ما سمعت من قساوسة هذه العبارة كدليل على الثالوث، وهي في سفر إشعياء الإصحاح ٦ العدد ١: ١ وَفِي سَنَةِ وَفَاةِ الْمَلِكِ عُزِّيَّا، شَاهَدْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى عَرْشٍ مُرْتَفِعٍ سَامٍ، وَقَدِ امْتَلأَ الْهَيْكَلُ مِنْ أَهْدَابِهِ، ٢ وَأَحَاطَ بِهِ مَلائِكَةُ السَّرَافِيمِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، أَخْفَى وَجْهَهُ بِجَنَاحَيْنِ، وَغَطَّى قَدَمَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ، وَيَطِيرُ بِالْجَنَاحَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ. ٣ وَنَادَى أَحَدُهُمُ الآخَرَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». ". وصدقاً فإنني عندما أرى مثل هذه العبارة تستخدم كدليل فإنني أشعر بالشفقة على من يقولها، فهل تكرار تسبيح الرب يجعل من الرب ثلاثة أرباب؟ فالمسلمين بعد كل صلاة يسبحون الله ٣٣ مرة، ويحمدونه ٣٣ مرة، ويكبرونه ٣٣ مرة، بل وفي الدعاء يتضرعون إلى الله مكررين اسمه حتى يعلنون خشوعهم له عز وجل، فهل يمكن أن يكون ذلك دليل على وجود أرباب متعددة؟ وهل فهم بنو إسرائيل وأنبيائهم جميعاً أن "قدوس، قدوس، قدوس" تعني وجود ثلاثة أرباب؟ ألم يرى من يستشهد بهذا النص أن بعد كلمة قدوس مكتوب الرب القدير؟ يعني رب واحد وليس ثلاثة أرباب.

٣- صيغة التعميد بالثالوث:

يستشهد القساوسة بنص إنجيل متى الإصحاح ٢٨ العدد ١٩: " ١٩ فَاذْهَبُوا إِذَنْ، وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ "، ولكن موثوقية هذا النص هي محل خلاف شديد بين القساوسة، فمنهم من يتشدد في إثبات موثوقيته مستشهدا بمخطوطات ترجع للقرن الرابع، وتحديداً بعد مجمع نيقية، مثل النسخة السينائية والفاتيكانية (رغم أنه يقول أيضاً أن تلك النسخ بها أخطاء لأنها تعارض العهد الجديد الحالي الذي بين يديه في العديد من الأماكن)، ومنهم من يؤكد أنه نص دخيل على إنجيل متى وأنه لم يوجد في النسخة الأصلية لإنجيل متي والتي كانت قبل مجمع نيقية، ويستشهدون باقتباس يوسابيوس القيصري بنفس العدد ١٩ من إنجيل متى في كتابه تاريخ الكنيسة الكتاب الثالث الفصل الخامس[127]: "١٩ اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا كل الأُمَمِ بِاسْمي"، وهذا الاقتباس قد كتبه يوسابيوس مرات عديدة في كتبه وليس مرة واحدة، وكما ترى فهو لم يكتب "وعمدوهم" وإنما كتب "وتلمذوا كل الأمم" ولم يقل "باسم الآب والابن والروح القدس" بل قال فقط "باسمي". 

يمكن للقارئ الكريم البحث في هذا الموضوع حول الخلاف في موثوقية هذا العدد في إنجيل متى، فهو موضوع يطول شرحه، ولكن الخلاصة أنه لا يمكن بناء عقيدة أساسية في المسيحية مثل عقيدة الثالوث على نص مختلف في موثوقيته. 

وهدفي من ذكر هذا النص وذكر الخلاف حول موثوقيته هو ألا يأخذ القارئ الكريم الكثير من المواضيع أو العقائد وكأنها من المسلمات التي لا لبس فيها أو لا خلاف فيها، وإنما يجب عليه التأكد دائما من مصداقية كل عقيدة يؤمن بها. 

أيضا فإن النص وحتى إن كان موجودا في النسخة الأصلية فهو لا يؤسس لألوهية المسيح، فهو يتحدث عن صيغة التعميد، ومن الشواهد التي تؤكد أنه نص دخيل على إنجيل متى، أن صيغة التعميد الواردة في العهد الجديد والتي أكدها بولس وبطرس كانت دائما باسم المسيح فقط، انظر أعمال الرسل الإصحاح ١٩ العدد ٣: " ٣ فَسَأَلَ: «إِذَنْ عَلَى أَيِّ أَسَاسٍ قَدْ تَعَمَّدْتُمْ؟» أَجَابُوا: «عَلَى أَسَاسِ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا!» ٤ فَقَالَ بُولُسُ: «كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، وَيَدْعُو الشَّعْبَ إِلَى الإِيمَانِ بِالآتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِيَسُوعَ». ٥ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. "، انظر أيضا أعمال الرسل الإصحاح ٨ العدد ١٤: ١٤ وَسَمِعَ الرُّسُلُ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ أَهْلَ السَّامِرَةِ قَبِلُوا كَلِمَةَ اللهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا. ١٥ فَصَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، ١٦ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، إِلّا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. "، انظر أيضا أعمال الرسل الإصحاح ٢ العدد ٣٨: ٣٨ أَجَابَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا، وَلْيَتَعَمَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَيَغْفِرَ اللهُ خَطَايَاكُمْ وَتَنَالُوا هِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ "، انظر أيضا غلاطية الإصحاح ٣ العدد ٢٦: ٢٦ فَإِنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. ٢٧ لأَنَّكُمْ، جَمِيعَ الَّذِينَ تَعَمَّدْتُمْ فِي الْمَسِيحِ، قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. ".

أيضا فإن من أقوى الأدلة أن هذا النص " وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " هو نص دخيل ولم يقله المسيح عليه السلام، هو أن إنجيل متى قد ذكر تلك العبارة في حوار المسيح عليه السلام مع تلاميذه بعد حادثة القيامة المزعومة، ولكن إن نظرنا في نفس الحوار ولكن وفقاً لإنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١٥: ١٥ وَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَبَشِّرُوا الْخَلِيقَةَ كُلَّهَا بِالإِنْجِيلِ: ١٦ مَنْ آمَنَ وَتَعَمَّدَ، خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَسَوْفَ يُدَانُ. ". أيضاً نفس الحوار ورد في إنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ٤٦: "٤٦ وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَدْ كُتِبَ، وَهكَذَا كَانَ لابُدَّ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ وَيَقُومَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، ٤٧ وَأَنْ يُبَشَّرَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَغُفْرَانِ الْخَطَايَا فِي جَمِيعِ الأُمَمِ انْطِلاقاً مِنْ أُورُشَلِيمَ. ٤٨ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ.» ". أيضا نفس الحوار  ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ٢١: ٢١ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «سَلامٌ لَكُمْ. كَمَا أَنَّ الآبَ أَرْسَلَنِي، أُرْسِلُكُمْ أَنَا». ٢٢ قَالَ هَذَا وَنَفَخَ فِيهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. ٢٣ مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُمْ غُفِرَتْ لَهُمْ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُمْ، أُمْسِكَتْ!» ".

وقد يقول قائل أن المسيح عليه السلام قد يكون قد قال كل هذا ولكن كل إنجيل نقل جزء من حواره مع التلاميذ، فأقول له أنك بهذا الشكل تصنع إنجيل خامس هو "الإنجيل وفق روايتك أنت"، فالحوار في كل إنجيل يتناقض مع الأناجيل الأخرى، بل ولو قرأت قصة القيامة من الأموات والمذكورة في الأناجيل لوجدت تناقضات كبيرة فيما بينهم، بل وأكثر القصص المذكورة في الأناجيل الأربعة إذا قرأتها وقارنت فيما بينهم كما وردوا في الأربعة أناجيل فستجد اختلافات وتناقضات كثيرة وكبيرة. 

٤- وهؤلاء الثلاثة هم واحد:

يستشهد القساوسة بنص رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧: ٧ فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد. ".

في الواقع فإن هذا العدد لم يُذكر في أي من المخطوطات اليونانية القديمة، وإنما هو كان عبارة عن تعليق كتب في الهامش الجانبي للصفحة في ترجمة لاتينية تعود للقرن الخامس الميلادي، ولكن مع مرور الوقت استحسنت الكنيسة الكاثوليكية إضافة هذا العدد داخل الكتاب المقدس وإضفاء عليه صفة القدسية حتى تقنع الناس بعقيدة التثليث.

وفي عام ١٥٠٢م كلف الكاردينال فرانسيسكو خيمينيز دي سيسنيروس[128] فريقًا من المترجمين الإسبان بتجميع الكتاب المقدس بأربع لغات وهي اليونانية والعبرية والأرامية واللاتينية، بحيث تكون كل صفحة بها الأربع لغات في أربع أعمدة متوازية، وذلك لإنشاء ما يعرف ب "الكتاب المقدس متعدد اللغات"[129]. وكان إيراسموس[130] هو المسؤول عن الطبعة اليونانية، والتي تعد أول طبعة للكتاب المقدس باللغة اليونانية، ولقد صدرت الطبعة اليونانية الأولى والثانية لإيراسموس بدون أن تحتوي على هذه العبارة الواردة في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧، ولكن قامت الكنيسة الكاثوليكية بالضغط على إيراسموس لكي يضيفها في الطبعة الثالثة، ولكنه رفض ذلك قائلاً أنه لم يجد تلك العبارة مذكورة في أي من المخطوطات اليونانية، ولكن بعد استمرار الضغط عليه من الكنيسة الكاثوليكية اضطر للموافقة، وهكذا صدرت الطبعة الثالثة محتوية على تلك العبارة! 

وبما أن نسخة الملك جيمس قد اعتمدت على ترجمة إنجليزية كانت قد اعتمدت على الطبعة الثالثة لإيراسموس، لهذا نجد أن تلك العبارة موجودة أيضا في نسخة الملك جيمس. أما في الترجمة الألمانية التي قام بها مارتن لوثر، والتي اعتمدت على الطبعة الثانية لإيراسموس، نجد أن تلك العبارة غير موجودة!

ومازالت تلك العبارة موجودة حالياً في الكثير من إصدارات الكتاب المقدس حول العالم رغم علم الكنيسة أنها عبارة مزورة لا أساس لها في أي من المخطوطات القديمة! وهناك إصدارات كثيرة حذفت تلك العبارة لعلمها أنها مزورة، مثل النسخة القياسية المنقحة (RSV) فكتبت:

7 And the Spirit is the witness, because the Spirit is the truth. 8 There are three witnesses, the Spirit, the water, and the blood; and these three agree.”

وترجمته بالعربية هي: ٧ والروح هو الشاهد، لأن الروح هو الحق. ٨ هناك ثلاثة شهود، وهم الروح، والماء، والدم، وهؤلاء الثلاثة متفقون. ".

٥- نصوص تؤكد على وجود الروح القدس:

نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث عن وجود "الروح القدس" لا يمكن الاستدلال بها على عقيدة الثالوث ولا على تأليه المسيح عليه السلام والروح القدس، فلو قرأناها لن نفهم منها أنها تأله الروح القدس أو تتحدث عن ثالوث مقدس وأن الله له ثلاثة أقانيم -حاشاه-. 

علماً أن المسلمين يؤمنون أيضا بروح القدس، يقول الله تعالى: { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }[131]، والمقصود بروح القدس هو الملاك جبريل عليه السلام، فهو رسول الله للأنبياء والرسل يبلغهم رسالاته ويؤيدهم بنصره، وقد أرسله الله تعالى لمريم أم المسيح عليهما السلام. 

يقول الله تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) }[132]، ويقول تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) }[133]، ويقول تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102) }[134]، ويقول تعالى: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ }[135].

وفي الحديث الشريف دعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت عندما رد على المشركين هجاءهم: " يا حَسَّانُ ! أَجِبْ عن رسولِ اللهِ ، اللهم أَيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ "[136].

ولكن قد يرد أحد القساوسة بنصين في غاية الأهمية بأن جبريل ليس هو الروح القدس، وقد وردا في إنجيل متى وإنجيل لوقا، إنجيل متى الإصحاح ١ العدد ١٨: ١٨ أَمَّا يَسُوعُ الْمَسِيحُ فَقَدْ تَمَّتْ وِلادَتُهُ هكَذَا: كَانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ؛ وَقَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا مَعاً، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ١٩ وَإِذْ كَانَ يُوسُفُ خَطِيبُهَا رَجُلاً صَالِحاً، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُشَهِّرَ بِها، قَرَّرَ أَنْ يَتْرُكَهَا سِرّاً. ٢٠ وَبَيْنَمَا كَانَ يُفَكِّرُ فِي الأَمْرِ، إِذَا مَلاكٌ مِنَ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ يَقُولُ: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ! لَا تَخَفْ أَنْ تَأْتِيَ بِمَرْيَمَ عَرُوسِكَ إِلَى بَيْتِكَ، لأَنَّ الَّذِي هِيَ حُبْلَى بِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ٢١ فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». ٢٢ حَدَثَ هَذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِلِسَانِ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: ٢٣ «هَا إِنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْبَلُ، وَتَلِدُ ابْناً، وَيُدْعَى عِمَّانُوئِيلَ!» أَيِ «اللهُ مَعَنَا». ".

إنجيل لوقا الإصحاح ١ العدد ٣٠: ٣٠ فَقَالَ لَهَا الْمَلاكُ: «لا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، فَإِنَّكِ قَدْ نِلْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ! ٣١ وَها أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. ٣٢ إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ ... ٣٤ فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاكِ: «كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا، وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» ٣٥فَأَجَابَهَا الْمَلاكُ: «الرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُدْرَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لِذلِكَ أَيْضاً فَالْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. ".

ولكن هذين النصين قد أثارا مسألة هامة جداً، وهي هل المسيح هو ابن الله أم ابن الروح القدس؟ فانظر في النص يقول "حبلى من الروح القدس"، "إنما هو من الروح القدس"، "الروح القدس يحل عليك"، فإن كانت حبلى من الروح القدس فكان بالأحرى أن يسمى الروح القدس بالآب، ولهذا فلماذا يسمى الآب بالآب إن لم يكن هو الآب؟ وإن قلت أن الروح القدس إنما هو روح الآب، فهكذا قد ألغيت أقنوم الروح القدس وجعلت الروح القدس جزء من الآب وجعلت الروح القدس والآب أقنوم واحد، وإن قلت لا ليسا أقنوم واحد وإنما أقنومين وأن المسيح عليه السلام مولود من الآب ولكن دور الروح القدس هنا يقتصر على إيصال الابن لرحم مريم عليها السلام، فعندها أنت تقر أن دور الروح القدس هو أنه رسول من عند الله ينفذ أمر من عند الله وليس هو الله نفسه. والذي ذكره القرآن الكريم هو أن روح القدس هو رسول الله الملاك جبريل عليه السلام. 

أيضا إن قلت أن المسيح هو ابن الله فسوف أفهم ماذا تقصد (رغم أنني لا أوافقك الرأي)، وإن قلت أن المسيح هو ابن الله الأزلي والغير مخلوق وأنه كائن سماوي وأنه أحد الأقانيم الثلاثة لله فأيضا سأفهم ماذا تقصد (رغم أنني لا أوافقك الرأي)، ولكن إن قلت لي " إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ " فعندها سأقول لك أني لا أفهم بأي لغة تتحدث، لأن الكلام هنا قد فاق العقل البشري وفاق كل ما يتعلق بالمنطق السليم، لأنه وببساطة أين هو الكائن السماوي الأزلي الغير مخلوق والذي تدعوه أنت بالابن؟ إن قلت لي أن الابن تجسد في هيئة جنين في بطن العذراء فسوف أفهم تلك اللغة، ولكن هنا أنت لا تتحدث عن تجسد الابن، وإنما أنت ألغيت وجود الابن أصلاً وتتحدث عن عملية خلق الابن في رحم العذراء عليها السلام، مما ينفي عنه صفة الألوهية والأزلية، فالنص لا يقول "وحل في رحمها الابن" أو "وتجسد الابن في رحمها" وإنما يقول "وجدت حبلى من الروح القدس"، ويقول أيضا "الروح القدس يحل عليك وقدرة العلي تظللك"، فهنا تحدث عن كائنين سماويين (أقنومين) ولم يذكر أين هو الكائن السماوي الثالث والأزلي (أقنوم الابن)! وإن قلت أن المولود إنما هو الناسوت، قلت لك وأين هو اللاهوت؟ ألم تقل أن المسيح إنسان كامل وإله كامل؟ ألم تقل أن له طبيعتين، ناسوتية ولاهوتية؟ فالطفل الذي سيولد نعم أفهمك أن هذا هو الناسوت، ولكن أنت لم تذكر أين هو اللاهوت في تلك اللحظة! لماذا يحتاج لاهوت الابن أن يوصله الروح القدس لرحم العذراء؟ ألم يستطع أن ينزل في رحمها وحده؟ وإن قلت أن الروح القدس والابن إنما هما الله نفسه، فسأقول لك أليست عقيدتك تنص أن الآب ليس هو الابن والابن ليس هو الروح القدس ولكنهم جميعا الله؟ فإن قلت أن العذراء وجدت حبلى من الروح القدس، فسأقول لا يمكن أن تكون حبلى بالروح القدس من الروح القدس، ولا يمكن أن تكون حبلى بالله -حاشاه- من الله -حاشاه-. 

إن عقيدة الثالوث تعتمد على السفسطائية، فلا علاقة لها بعقل أو إيمان، هي عقيدة تطلب فيها الكنائس من المسيحيين الاعتقاد بها حتى وإن فاقت قدراتهم العقلية، وهكذا فلماذا لا يؤمنون بأديان الهنود الحمر أو أي أديان تطلب من الناس الإيمان بها دون إعمال العقل؟

وأحب أن أعلق على مسألة أن النصين السابق ذكرهما قد فرقا بين الروح القدس وملاك الرب، وعليه فكيف يكون روح القدس هو الملك جبريل عليه السلام؟ والرد على ذلك:

أولا: الأناجيل ليست مصدر موثوق بحيث تأخذ منه الكلمات بدقة وتقف على كل حرف وكلمة فيها، وهذا سوف نوضحه بإذن الله تعالى عندما سنورد العديد من التناقضات بين الأناجيل الأربعة في ذكر نفس القصص، وعليه فإن عبارة أنها حبلت من الروح القدس، قد توضح أصلها ومعناها عند قراءة القرآن الكريم، قال الله تعالى: { وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ }[137]، أي واذكر - أيها الرسول - قصة مريم عليها السلام التي صانت فرجها من الزنى، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ فيها فحملت بعيسى عليه السلام، وكانت هي وابنها عيسى علامة للناس على قدرة الله، وأنه لا يعجزه شيء حيث خلقه من غير أب.

ثانيآً: الأناجيل الأربعة ليست وحياً من عند الله، فالنص الذي ذكرناه من لوقا الإصحاح ١ العدد ٣٠، لو نظرت فيما مكتوب قبله في نفس الإصحاح، لقرأت الآتي: ١ لَمَّا كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى تَدْوِينِ قِصَّةٍ فِي الأَحْدَاثِ الَّتِي تَمَّتْ بَيْنَنَا، ٢ كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنَ الْبَدَايَةِ شُهُودَ عَيَانٍ، ثُمَّ صَارُوا خُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، ٣ رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً، بَعْدَمَا تَفَحَّصْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ تَفَحُّصاً دَقِيقاً، أَنْ أَكْتُبَهَا إِلَيْكَ مُرَتَّبَةً يَا صَاحِبَ السُّمُوِّ ثَاوُفِيلُسَ ٤لِتَتَأَكَّدَ لَكَ صِحَّةُ الْكَلامِ الَّذِي تَلَقَّيْتَهُ. "

إذن إنجيل لوقا نفسه يعترف أنه عبارة عن رسالة كتبها كاتبها بدافع شخصي وليس لها علاقة بأي وحي من الروح القدس كما تدعي الكنيسة.

٦- الروح القدس هو روح الله والمسيح:

في حين يقول المسيحيون أنهم يؤمنون بإله واحد وأن ديانتهم هي ديانة توحيدية، نسمع في أحد عظات البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والتي كانت حول الروح القدس الآتي: 

"من هو الروح القدس؟ الروح القدس هو روح الله القدوس، وهو روح المسيح، وهو روح الحق، وهو روح المعزي أو البارقليط، وهو الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس أقنوم الحياة، نقول الله حي بروحه ... الروح القدس مذكور في العهد القديم، في أول إصحاح في الكتاب المقدس ستجدوا (سفر التكوين الإصحاح ١ العدد ١): ١ فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، ٢ وَإِذْ كَانَتِ الأَرْضُ مُشَوَّشَةً وَمُقْفِرَةً وَتَكْتَنِفُ الظُّلْمَةُ وَجْهَ الْمِيَاهِ، وَإِذْ كَانَ رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ. "، فروح الله هو الذي أعطى الحياة للكون كله ... أنا أريد أن أحدثكم قليلاً عن الروح القدس لأن أناس كثر يصلون لله الآب وأناس كثر يصلون للابن ويندر أن توجد صلة بين الناس وبين الروح القدس، ولهذا يجب أن تعرفوا أهمية الروح القدس لكي تكون لكم علاقة به.".

ولكن نعلق على ما ذكره بالآتي:

أولا: أليس هكذا قد اعترف البابا شنودة أن المسيحيين قد قصروا في عبادتهم للروح القدس وأنهم يصلون فقط للآب والابن، أليس هذا يعني أن الديانة المسيحية لا تؤمن بإله واحد وإنما بثلاثة آلهة؟ ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم: { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }[138]، ألم يقل الله تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[139].

بل والعجيب أن امرأة مسيحية كانت قد سمعت محاضرة الأنبا شنودة، وبعد ذلك بفترة اتصلت على برنامج تليفزيوني فيه قسيس آخر كبير، وسألته: "هل يجب أن نصلي للآب، ثم نصلى للابن، ثم نصلي للروح القدس؟".

فأجابها بأن الصلاة الواحدة تصلهم جميعاً، مثل الثلاثة أسلاك للكهرباء الواصلين بمقبس واحد، إذا ضغطت على المقبس فإن الكهرباء ستصل للثلاثة أسلاك في نفس الوقت. 

وكلامه هذا يناقض كلام البابا شنودة! بل وكلامه هذا نفسه خاطئ ومثاله خاطئ لأنه أراد تشبيه الصلاة بالكهرباء التي ستصل للثلاثة آلهة في نفس الوقت، فهو هكذا نفى أنه يؤمن بإله واحد، بل يؤمن بثلاثة آلهة، ستصلهم الصلاة في نفس الوقت، فهو شبه الأقانيم بثلاثة أسلاك مستقلة حتى وإن ارتبطت واتصلت بمقبس واحد، فهذا لا يجعل منها سلك واحد، بل هم ثلاثة أسلاك مستقلة حتى وان اتحدت وترابطت. أيضاً مثاله خاطئ لأنه التبس عليه المثال، فهو كان يقصد أن الله -حاشاه- هو الكهرباء ورغم سريانها في ثلاثة أسلاك إلا أنها ليست ثلاثة كهرباءات وإنما كهرباء واحدة، ولكن أنت هكذا بهذا المثال ألغيت الثلاثة أقانيم وأكدت أنك تؤمن أن الإله هو أقنوم واحد متفرع في ثلاثة أقسام (أو ثلاثة أسلاك حسب مثالك).

ثانياً: بالنسبة لكلمة "روح الله يرفرف على سطح المياه" فهل كل أنبياء العهد القديم كانوا على باطل فلم يفهم منهم أحد كلمة "روح الله" بأنها أقنوم ثالث؟ فالثالوث لا يوجد في دين بني إسرائيل وإنما يوجد فقط في الديانة المسيحية وأقر في القرن الرابع بعد خلق العديد من الحجج الواهية لإثباته. وإن كنت تقول أن "روح الله" تعني "أقنوم الروح القدس"، فما بالك بكلمة "عبد الله"، "ملاك الرب"، "رسول الله"، "ملكوت الله"، "جنة الله"، "نعيم الله"، "بيت الله"، فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم، ولو قلنا "عظمة الله"، "إرادة الله"، "علم الله" فنحن هنا نتحدث عن صفات الله تعالى، أما بالنسبة للروح فهي ليست من صفات الله تعالى، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى، وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء، وليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه. 

وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح"[140] في المسألة السابعة عشرة، "هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟":

"فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له. ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ }[141].".

 

 

الباب الخامس

الكتاب المقدس

 

الفصل الأول: ما معنى كتاب مقدس؟

الفصل الثاني: وقوع بني إسرائيل في عبادة الأصنام وترك العمل بالتوراة على مر العصور

الفصل الثالث: ضياع التوراة وتاريخ تأليفها من جديد وتأليف باقي الأسفار

الفصل الرابع: من كتب التوراة أو أسفار موسى الخمسة؟

الفصل الخامس: توراة المسلمين

الفصل السادس: من كتب الإنجيل؟

الفصل السابع: الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام

الفصل الثامن: اعتراف الكتاب المقدس بالتحريف الذي وقع فيه

الفصل التاسع: فظائع من الكتاب المقدس

الفصل العاشر: هل العهد القديم هو الكتاب المقدس للمسيحيين؟

 

 

 

الفصل الأول

ما معنى كتاب مقدس؟

ما معنى أن يكون كتاب ما مقدساً؟

إن أي كتاب مقدس يختلف عن الكتب العادية في أنه ينسب لله تعالى، وكل ما ينسب لله تعالى فهو مقدس. ولكن هل الكتاب المقدس للمسيحيين واليهود فعلاً مقدس؟ هل نسبته إلى الله تعالى صحيحة؟ هل هو كلام الله عز وجل أم هو سرد تاريخي كتبه مؤرخ ما؟

إن العقل القويم سيفرق بين كلام الله وكلام غيره من البشر بأن كلام الله سيكون دائماً ووفقاً لقواعد اللغة بضمير المخاطب أما إذا كان بضمير الغائب فعندها ليس الله عز وجل هو المتحدث.

كلام الله ورسالته للبشر:

إن الله عز وجل وبسبب تفرق البشر في أديان وضعية اخترعوها بأنفسهم، وبسبب بعدهم عن الدين الصحيح وبعدهم عن طريق الله عز وجل، أرسل لهم رسالات حملها إليهم رسله، تلك الرسالات هي كتب هداية وليست كتب تأريخ، فاحتوت على هداية البشر عقلاً وقلباً، بالدليل العقلي والإيمان القلبي، فأعلن الله عن نفسه وبوضوح في تلك الكتب وأشار للآيات الكونية كدليل على وجوده عز وجل وقدرته في هذا الكون الفسيح، فلا تبقى حجة لملحد أو لاأدري (معتنق مذهب اللاأدرية)، وأعلن عن دينه بوضوح في تلك الكتب، فذكر اسم دينه صراحة وأسماء رسله صراحة، وذكر تعاليمه وكيفيه عبادته وما افترضه على البشر وسبب خلقه إياهم ومصير الطائع منهم والفاجر منهم يوم القيامة. هذا هو من مضمون وهدف كتب الله عز وجل ورسالاته للبشر، وعلى هذا فإن العقل القويم يستطيع التفريق بين كلام الله وكلام غيره من البشر بأن كلام الله هو كلام معجز، لا يشبه كلام البشر، وليس به حشو من الكلام لا علاقة له برسالة الله للبشرية.

الفرق بين كلام الله وكلام الأنبياء وكلام المؤرخين وكلام الفقهاء في الدين الإسلامي:

إن المطلع في الدين الإسلامي يجد أن المسلمين يفرقون بين أربعة أنواع من الكتب:

١) كتاب الله تعالى القرآن الكريم:

والذي هو كلام الله تعالى، حتى في الآيات التي يكون الله تعالى حاكيا فيها عن بعض الأنبياء أو عن أهل الجنة أو أهل النار أو عن المؤمنين أو عن الكفار أو عن الملائكة أو عن الشياطين، فالقرآن الكريم كله هو كلام الله تعالى ولا توجد به كلمة واحدة أدخلها واحد من البشر. قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }[142].

٢) كتب الحديث الشريف:

وهي كتب خاصة بأقوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نخلط بينها وبين كلام الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحُمهم الرحمنُ ، ارحموا أهلَ الأرضِ يَرْحَمْكم من في السماءِ. ".

٣) كتب السيرة النبوية:

والتي هي كتب تاريخية تحكي سيرة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نخلط بينها وبين كتب الحديث الشريف. 

٤) كتب الفقه:

والتي هي توضح التشريع الإسلامي في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة.

اعتراف توراة اليهود والمسيحيين بأنها ليست توراة موسى:

سفر التثنية الإصحاح ١ العدد ١: " ١ هَذِهِ هِيَ الأَقْوَالُ الَّتِي خَاطَبَ بِها مُوسَى جَمِيعَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ الْمُخَيِّمِينَ فِي وَادِي الْعَرَبَةِ، فِي صَحْرَاءِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ سُوفٍ، مَا بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَلَ وَلابَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ. ٢ وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ تَسْتَغْرِقُ مِنْ حُورِيبَ عَبْرَ طَرِيقِ جَبَلِ سِعِيرَ إِلَى قَادَشَ بَرْنِيعَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً. ٣ فَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْحَادِي عَشَرَ، فِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ، خَاطَبَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ، ٤ وَذَلِكَ بَعْدَ هَزِيمَةِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الْمُقِيمِ فِي حَشْبُونَ، وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ السَّاكِنِ فِي عَشْتَارُوثَ فِي إِذْرَعِي. ٥ وَابْتَدَأَ مُوسَى فِي أَرْضِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ يَشْرَحُ الشَّرِيعَةَ قَائِلاً: ٦ «لَقَدْ قَالَ الرَّبُّ إِلَهُنَا لَنَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ: كَفَاكُمُ الْمُقَامُ فِي هَذَا الْجَبَلِ. ٧ تَحَوَّلُوا وَتَقَدَّمُوا وَادْخُلُوا جَبَلَ الأَمُورِيِّينَ وَكُلَّ مَا يَلِيهِ مِنْ وَادِي الْعَرَبَةِ وَالْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَالنَّقَبِ وَسَاحِلِ بَحْرِ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَلُبْنَانَ، إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ. ٨ وَانْظُرُوا، فَهَا أَنَا قَدْ وَهَبْتُكُمُ الأَرْضَ، فَادْخُلُوا وَتَمَلَّكُوهَا لأَنِّي أَقْسَمْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ». ٩ وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لا أَقْدِرُ وَحْدِي أَنْ أَتَحَمَّلَ مَسْؤولِيَّتَكُمْ، ١٠ فَقَدْ كَثَّرَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ فِي كَثْرَةِ نُجُومِ السَّمَاءِ. ١١ فَلْيَزِدْكُمُ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِكُمْ أَلْفَ مَرَّةٍ وَيُبَارِكْكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ. ١٢ وَلَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ أَحْمِلَ وَحْدِي مَشَاكِلَكُمْ وَأَثْقَالَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ؟ ١٣ فَاخْتَارُوا مِنْ أَسْبَاطِكُمْ رِجَالاً حُكَمَاءَ عُقَلاءَ مِنْ ذَوِي الْمَقَامِ، فَأَجْعَلَهُمْ قَادَةً لَكُمْ.» ".

وهذا المذكور هو من سفر التثنية والذي يؤمن اليهود والنصارى بأنه أحد أسفار موسى الخمسة والتي يؤمنون بأنها "التوراة"، ولكن في الواقع فإن ما ذكر في هذا الإصحاح يوضح الآتي:

١- وجود ثلاثة متحدثين هنا، شخص ما ذكر سرد تاريخي، وموسى عليه السلام، والله عز وجل. فالشخص الذي ذكر سرد تاريخي تحدث عن موسى بضمير الغائب قائلاً: " خَاطَبَ بِها مُوسَى جَمِيعَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ "، " خَاطَبَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ "،" وَابْتَدَأَ مُوسَى فِي أَرْضِ مُوآبَ "، ثم تحدث عن الله بضمير الغائب قائلاً: " بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ ". أما كلام موسى بضمير المتحدث فكان: " لَقَدْ قَالَ الرَّبُّ إِلَهُنَا لَنَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ: "، أما كلام الله بضمير المتحدث فكان: " كَفَاكُمُ الْمُقَامُ فِي هَذَا الْجَبَلِ ...".

إذن فليس كل ما ذكر هنا هو نص التوراة وإنما هو سرد تاريخي بأن موسى قد خاطب قومه بنص التوراة، ولو أردنا النص المنسوب للتوراة فيجب أن يكون فقط هو كلام الله والذي يبدأ ب " كَفَاكُمُ الْمُقَامُ فِي هَذَا الْجَبَلِ ...".

٢- وجود حشو زائد في هذا الكلام، وكلام الله منزه أن يكون به مثل هذا الحشو، "هَذِهِ هِيَ الأَقْوَالُ الَّتِي خَاطَبَ بِها مُوسَى جَمِيعَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ الْمُخَيِّمِينَ فِي وَادِي الْعَرَبَةِ، فِي صَحْرَاءِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ سُوفٍ، مَا بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَلَ وَلابَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ٢ وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ تَسْتَغْرِقُ مِنْ حُورِيبَ عَبْرَ طَرِيقِ جَبَلِ سِعِيرَ إِلَى قَادَشَ بَرْنِيعَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً ". فهذا كلام بشر، كلام شخص ما يريد سرد جغرافي لا فائدة من ذكره في كلام الله تعالى.

والواقع فإن العهد القديم ملئ بمثل ذلك السرد التاريخي والجغرافي والحشو في الكلام الذي لا فائدة منه، ولم ينتبه المسيحيين واليهود للأسف لمثل ذلك الأمر بسبب تعودهم عليه، وبسبب عدم قراءتهم للقرآن الكريم فيعرفوا الفرق بين الكلام المعجز والكلام المليء بالحشو الجغرافي والتاريخي وغير ذلك من الكلام الذي لا طائلة منه.

التحذير من التحريف:

١- سفر التثنية الإصحاح ٤ العدد ١: " ١ وَالآنَ أَصْغُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِها، فَتَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا لاِمْتِلاكِ الأَرْضِ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ ٢ لَا تُضِيفُوا عَلَى مَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ، بَلْ أَطِيعُوا أَوَامِرَ الرَّبِّ إِلَهِكُمُ الَّتِي أُوْصِيكُمْ بِها.".

٢- سفر الأمثال الإصحاح ٣٠ العدد ٥: " ٥ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ اللهِ صَادِقَةٌ، وَهُوَ تُرْسٌ لِمَنْ يَحْتَمِي بِهِ. ٦ لَا تُضِفْ عَلَى كَلامِهِ لِئَلّا يُوَبِّخَكَ فَتُصْبِحَ كَاذِباً. ".

 

 

الفصل الثاني

وقوع بني إسرائيل في عبادة الأصنام وترك العمل بالتوراة على مر العصور

تحريم الشرك وعبادة الأصنام:

حرمت توراة موسى ذنب الشرك وعبادة الأصنام أشد التحريم، فورد في الوصايا العشر في سفر الخروج الإصحاح ٢٠ العدد ١: " ١ ثُمَّ نَطَقَ اللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الأَقْوَالِ: ٢ «أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ دِيَارِ عُبُودِيَّتِكَ. ٣ لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى سِوَايَ. ٤ لَا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلا تَصْنَعْ صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضِ. ٥ لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ، إِلَهٌ غَيُورٌ. ".

ولأن ذنب عبادة آلهة أخرى هو ذنب عظيم، فكان جزاؤه هو الرجم حتى الموت، سفر التثنية الإصحاح ١٧ العدد ٢: ٢ إِذَا ارْتَكَبَ بَيْنَكُمْ، رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، مُقِيمٌ فِي إِحْدَى مُدُنِكُمُ الَّتِي يُوَرِّثُكُمْ إِيَّاهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ، الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مُتَعَدِّياً عَهْدَهُ، ٣ فَغَوَى وَعَبَدَ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لأَيٍّ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ مِمَّا حَظَرْتُهُ عَلَيْكُمْ، ٤ وَشَاعَ خَبَرُهُ، فَسَمِعْتُمْ بِهِ، وَتَحَقَّقْتُمْ بَعْدَ فَحْصٍ دَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ الرِّجْسَ اقْتُرِفَ فِي إِسْرَائِيلَ، ٥ فَأَخْرِجُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، الَّذِي ارْتَكَبَ ذَلِكَ الإِثْمَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ. ".

وقوع بني إسرائيل في الشرك وعبادة الأصنام:

ورغم تحذير الله تعالى لبني إسرائيل من الوقوع في الشرك وعبادة الأصنام، إلا أن الكتاب المقدس يذكر أن تاريخ بني إسرائيل ومن أيام موسى عليه السلام وعلى مر العصور من بعده مليء بوقوعهم في ذنب الشرك وعبادة الأصنام وترك العمل بالتوراة شريعة موسى عليه السلام، فكانوا أغلب الوقت يشركوا بالله ويعبدوا آلهة أخرى ثم يتوبوا لفترة صغيرة ثم سرعان ما يعودوا ثانية لعبادة الأصنام لفترة كبيرة. 

ففي أيام موسى عليه السلام عبدوا العجل، سفر الخروج الإصحاح ٣٢ العدد ٤: ٤ فَأَخَذَهَا مِنْهُمْ وَصَهَرَهَا وَصَاغَ عِجْلاً. عِنْدَئِذٍ قَالُوا: «هَذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ». ".

وفي أيام موسى أيضاً سجدوا لآلهة أخرى وعبدوا بعل فغور، سفر العدد الإصحاح ٢٥ العدد ١: " ١ وَأَقَامَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ فِي شِطِّيمَ، فَشَرَعَ الرِّجَالُ يَرْتَكِبُونَ الزِّنَى مَعَ الْمُوآبِيَّاتِ ٢ اللَّوَاتِي أَغْوَيْنَ الشَّعْبَ لِحُضُورِ ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ وَالأَكْلِ مِنْهَا وَالسُّجُودِ لَهَا. ٣ فَاشْتَرَكَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ فِي عِبَادَةِ بَعْلِ فَغُورَ. فَاحْتَدَمَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ. ٤ فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ جَمِيعَ قَادَةِ عَبَدَةِ الْبَعْلِ وَاصْلِبْهُمْ، وَعَلِّقْهُمْ تَحْتَ وَطْأَةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ أَمَامَ الرَّبِّ، فَتَرْتَدَّ شِدَّةُ غَضَبِهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ». ".

ومن بعد موسى عليه السلام عبدوا آلهة أخرى وأصنام، سفر القضاة الإصحاح ٢ العدد ٧: " ٧ وَظَلَّ الشَّعْبُ يَعْبُدُ الرَّبَّ طَوَالَ حَيَاةِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ عَمَّرُوا طَوِيلاً بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالَّذِينَ شَهِدُوا كُلَّ الْمُعْجِزَاتِ الْخَارِقَةِ الَّتِي أَجْرَاهَا الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٨ وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ الرَّبِّ وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعَشْرَ سَنَوَاتٍ ... ١٠ وَكَذَلِكَ مَاتَ أَيْضاً كُلُّ جِيلِ يَشُوعَ، وَأَعْقَبَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ وَلا كُلَّ أَعْمَالِهِ الَّتِي أَجْرَاهَا مِنْ أَجْلِ إِسْرَائِيلَ. ١١ وَاقْتَرَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ، ١٢ وَنَبَذُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ، وَغَوَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ أَوْثَانِ الشُّعُوبِ الْمُحِيطَةِ بِهِمْ، وَسَجَدُوا لَهَا، فَأَغَاظُوا الرَّبَّ. ١٣ تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ. ١٤ فَاحْتَدَمَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَتَرَكَهُمْ تَحْتَ رَحْمَةِ النَّاهِبِينَ الْغُزَاةِ. وَأَسْلَمَهُمْ إِلَى أَعْدَائِهِمِ الْمُحِيطِينَ بِهِمْ فَعَجَزُوا عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ. ١٥ وَحَيْثُمَا خَرَجُوا لِخَوْضِ الْحَرْبِ كَانَ الرَّبُّ ضِدَّهُمْفَيَنْكَسِرُونَ، تَمَاماً كَمَا سَبَقَ وَحَذَّرَهُمْ، فَاعْتَرَاهُمْ ضِيقٌ عَظِيمٌ جِدّاً. ١٦ وَأَقَامَ الرَّبُّ مِنْ بَيْنِهِمْ قُضَاةً فَأَنْقَذُوهُمْ مِنْ أَيْدِي غُزَاتِهِمْ. ١٧ غَيْرَ أَنَّهُمْ عَصَوْا قُضَاتَهُمْ أَيْضاً، وَخَانُوا الرَّبَّ إِذْ عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا، وَتَحَوَّلُوا سَرِيعاً عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا آبَاؤُهُمْ إِطَاعَةً لِوَصَايَا الرَّبِّ. ١٨ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ الرَّبُّ يُقِيمُ قَاضِياً كَانَ يُؤَيِّدُه بِقُوَّةٍ طَوَالَ حَيَاتِهِ فَيُخَلِّصُ الشَّعْبَ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَعْدَائِهِ إِذْ يُشْفِقُ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا يُذِيقُهُمْ مُضَايِقُوهُمْ وَظَالِمُوهُمْ مِنْ عَذَابٍ؛ فَكَانَ الرَّبُّ يُنْقِذُهُمْ طَوَالَ حَيَاةِ الْقَاضِي. ١٩ وَلَكِنْ مَا إِنْ يَمُوتُ الْقَاضِي حَتَّى يَرْتَدُّوا عَنِ الرَّبِّ وَيَتَفَاقَمَ فَسَادُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ تَفَاقُمِ فَسَادِ آبَائِهِمْ بِالسَّعْيِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَرْتَدِعُوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَسُلُوكِهِمِ الْعَنِيدِ. ".

سفر القضاة الإصحاح ٣ العدد ٥: ٥ وَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَيْنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. ٦ وَتَزَوَّجُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ، وَزَوَّجُوا بَنَاتِهِمْ لأَبْنَائِهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ. ٧ فَارْتَكَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَنَسُوا إِلَهَهُمْ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ وَالْعَشْتَارُوثَ. ٨ فَاحْتَدَمَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ، فَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكَ أَرَامَ النَّهْرَيْنِ، فَاسْتَعْبَدَ كُوشَانُ رِشَعْتَايِمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَمَانِيَ سَنَوَاتٍ. ".

سفر القضاة الإصحاح ٦ العدد ٢٨: ٢٨ وَفِي فَجْرِ الْيَوْمِ التَّالِي اكْتَشَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَذْبَحَ الْبَعْلِ مُتَهَدِّمٌ وَالنُّصُبَ الَّذِي إِلَى جِوَارِهِ مَقْطُوعٌ، وَالثَّوْرَ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الْجَدِيدِ. ٢٩ فَسَأَلَ الْوَاحِدُ صَاحِبَهُ: «مَنْ صَنَعَ هَذَا الأَمْرَ؟» وَبَعْدَ بَحْثٍ وَتَحَرٍّ، اكْتَشَفُوا أَنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ هُوَ الْجَانِي. ٣٠ فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ. يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ النُّصُبَ الَّذِي إِلَى جِوَارِهِ». ".

سفر القضاة الإصحاح ٨ العدد ٢٧: ٢٧ فَصَاغَ مِنْهَا جِدْعُونُ صَنَماً نَصَبَهُ فِي مَدِينَتِهِ عَفْرَةَ، فَغَوَى الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَرَاءَهُ وَعَبَدُوهُ فَكَانَ هَذَا الصَّنَمُ شَرَكاً لِجِدْعُونَ وَعَائِلَتِهِ ... ٣٣ وَرَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ وَغَوَوْا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ، وَاتَّخَذُوا بَعْلَ بَرِيثَ إِلَهاً لَهُمْ، ٣٤ وَنَسُوا الرَّبَّ إِلَهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ قَبْضَةِ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمِ الْمُحِيطِينَ بِهِمْ. ٣٥ وَأَسَاءُوا إِلَى بَيْتِ يَرُبَّعَلَ (جِدْعُونَ) رَغْمَ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي أَسْدَاهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ. ".

ويذكر الكتاب المقدس أن العديد من بني إسرائيل كانت لهم أصنامهم الخاصة داخل بيوتهم، فمن وصايا موسى للشعب في التثنية الإصحاح ٢٧ العدد ١٥: ١٥ مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً أَوْ مَسْبُوكاً مِمَّا تَصْنَعُهُ يَدَا نَحَّاتٍ، وَتَنْصِبُهُ لِلْعِبَادَةِ فِي الْخَفَاءِ. "

ويذكر أيضاً الكتاب المقدس أن لاوياً قد قبل أن يصير كاهناً لصنم، سفر القضاة الإصحاح ١٧ العدد ٣: ٣ فَرَدَّ لَهَا الأَلْفَ وَالْمِئَةَ شَاقِلٍ مِنَ الْفِضَّةِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: «سَأَهَبُ هَذَا الْمَالَ بِاسْمِكَ لِلرَّبِّ، لِنَنْحَتَ تِمْثَالاً وَنَصُوغَ مِنْهَا صَنَماً، وَهَا أَنَا أَرُدُّ لَكَ الْمَالَ». ٤ وَأَعْطَتْ أُمُّهُ مِئَتَيْ قِطْعَةِ فِضَّةٍ لِلصَّائِغِ فَنَحَتَ وَصَاغَ لَهَا تِمْثَالَيْنِ، نُصِبَا فِي بَيْتِ مِيخَا. ٥ إِذْ كَانَ مِيخَا قَدْ خَصَّصَ مَوْضِعاً فِي بَيْتِهِ لِيَكُونَ مَعْبَداً لِلآلِهَةِ. ثُمَّ صَنَعَ أَفُوداً وَتَرَافِيمَ، وَكَرَّسَ وَاحِداً مِنْ بَنِيهِ كَاهِناً لَهُ ... ٧ وَكَانَ هُنَاكَ شَابٌّ لاوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ مُقِيماً بَيْنَ سِبْطِ يَهُوذَا ... ٩ فَسَأَلَهُ مِيخَا: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟» فَأَجَابَهُ: «أَنَا لاوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَأَنَا ذَاهِبٌ لأَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا اتَّفَقَ». ١٠ فَقَالَ لَهُ مِيخَا: «أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي مُرْشِداً وَكَاهِناً، وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشْرَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ فِي السَّنَةِ وَحُلَّةَ ثِيَابٍ فَضْلاً عَنِ الْقُوتِ». فَوَافَقَ اللّاوِيُّ عَلَى عَرْضِهِ ... ١٢ فَكَرَّسَ مِيخَا اللّاوِيَّ، فَأَصْبَحَ لَهُ كَاهِناً وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ. ١٣ فَقَالَ مِيخَا: «الآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنِّي، لأَنَّ اللّاوِيَّ صَارَ لِي كَاهِناً». ".

سفر الملوك ١ الإصحاح ١٢ العدد ٢٦: ٢٦ وَحَدَّثَ يَرُبْعَامُ نَفْسَهُ قَائِلاً: «مِنَ الْمُرَجَّحِ أَنْ تَرْجِعَ الْمَمْلَكَةُ إِلَى بَيْتِ دَاوُدَ، ٢٧ وَلاسِيَّمَا إِنْ صَعِدَ الشَّعْبُ لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَمِيلُ قَلْبُهُمْ نَحْوَ سَيِّدِهِمْ رَحُبْعَامَ مَلِكِ يَهُوذَا وَيَقْتُلُونَنِي، ثُمَّ يَلْتَفُّونَ حَوْلَهُ». ٢٨ وَبَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ سَبَكَ الْمَلِكُ عِجْلَيْ ذَهَبٍ، وَقَالَ لِلشَّعْبِ: «إِنَّ الذَّهَابَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْعِبَادَةِ يُعَرِّضُكُمْ لِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَهَا هِيَ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ». ٢٩ وَأَقَامَ وَاحِداً فِي بَيْتِ إِيلَ وَالآخَرَ فِي دَانَ. ٣٠ فَصَارَ هَذَا الْعَمَلُ إِثْماً كَبِيراً، لأَنَّ الشَّعْبَ شَرَعَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلَيْنِ حَتَّى وَلَوِ اضْطُرَّ بَعْضُهُمْ لِلارْتِحَالِ إِلَى دَانٍ. ٣١ وَشَيَّدَ يَرُبْعَامُ مَذَابِحَ عِبَادَةٍ عَلَى التِّلالِ، كَرَّسَ لَهَا كَهَنَةً مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ، لَا يَنْتَمُونَ إِلَى سِبْطِ لاوِي. ".

سفر الملوك ١ الإصحاح ١٨ العدد ١٧: " ١٧ فَلَمَّا رَأى أخآبُ إيلِيَّا قَالَ: «أهُوَ أنْتَ يَا مَصْدَرَ المَتَاعِبِ فِي إسْرَائِيلَ؟» ١٨ فَأجَابَ إيلِيَّا: «لَسْتُ أنَا مَصْدَرَ المَتَاعِبِ فِي إسْرَائِيلَ، بَلْ أنْتَ وَعَائِلَةُ أبِيكَ! فَقَدْ تَرَكْتُمْ وَصَايَا اللهِ وَتَبِعْتُمْ آلِهَةً زَائِفَةً. ١٩ وَالْآنَ قُلْ لِكُلِّ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يُقَابِلُونِي عِنْدَ جَبَلِ الكَرْمَلِ. وَأحْضِرْ مَعَكَ أيْضًا أنْبِيَاءَ البَعْلِ الأرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ، وَأحْضِرْ أنْبِيَاءَ الإلَهَةِ الزَّائِفَةِ عَشْتَرُوتَ الأرْبَعَ مِئَةٍ الَّذِينَ تَعُولُهُمُ المَلِكَةُ إيزَابَلُ.» ٢٠ فَدَعَا أخآبُ كُلَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَؤُلَاءِ الأنْبِيَاءَ إلَى جَبَلِ الكَرْمَلِ. ٢١ فَخَاطَبَ إيلِيَّا كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَتَرَدَّدُونَ كَالعُرْجِ بَيْنَ طَريِقَينِ؟ إنْ كَانَ يهوههُوَ الإلَهُ الحَقِيقِيُّ، فَاتْبَعُوهُ! وَإنْ كَانَ البَعلُ هُوَ الإلَهُ الحَقِيقِيُّ، فَاتْبَعُوهُ!» فَلَمْ يَقُلِ الشَّعْبُ شَيْئًا. ٢٢ فَقَالَ إيلِيَّا: «أنَا النَّبِيُّ الوَحِيدُ لِيهوه هُنَا. أمَّا أنْبِيَاءُ البَعْلِ فَهُمْ كُثْرٌ، أرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ. ٢٣ فَهَاتُوا ثَوْرَينِ. وَلْيَخْتَرْ أنْبِيَاءُ البَعْلِ ثَوْرًا، وَلْيَذْبَحُوهُ وَيُقَطِّعُوهُ. ثُمَّ لِيَضَعُوا اللَّحمَ عَلَى الخَشَبِ. لَكِنْ لَا تُوقِدُوا نَارًا تَحْتَهُ. وَسَأفْعَلُ الأمْرَ نَفْسَهُ بِالثَّورِ الثَّانِي. وَلَنْ أُوقِدَ نَارًا تَحْتَهُ. ٢٤ وَبَعْدَ ذَلِكَ سَتُصَلُّونَ أنْتُمْ، أنْبِيَاءَ البَعْلِ، لِإلَهِكُمْ. وَأنَا سَأُصَلِّي لِيهوه. وَالإلَهُ الَّذِي سَيَسْتَجِيبُ لِلصَّلَاةِ بِإعطَاءِ نَارٍ يَكُونُ الإلَهَ الحَقِيقِيَّ.» فَقَالَ أنْبِيَاءُ البَعْلِ: «هَذَا حَسَنٌ.» ".

وفي زمن النبي صموئيل عليه السلام والذي كان أخر قضاة بني إسرائيل وهو من نصب شاول ملكاً على بني إسرائيل فتكونت مملكة إسرائيل، كانت بني إسرائيل تعبد الأصنام، صموئيل ١ الإصحاح ٧ العدد ٣٣ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ: «إِنْ كُنْتُمْ حَقّاً قَدْ تُبْتُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ إِلَى الرَّبِّ، فَانْزِعُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَأَصْنَامَ الْعَشْتَارُوثِ مِنْ وَسَطِكُمْ، وَهَيِّئُوا قُلُوبَكُمْ لِلرَّبِّ وَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، فَيُنْقِذَكُمْ مَنْ قَبْضَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ٤ فَتَخَلَّصَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْبَعْلِيمِ وَأَصْنامِ عَشْتَارُوثَ، وَعَبَدُوا الرَّبَّ وَحْدَهُ.".

بل ويدعي الكتاب المقدس وقوع عدداً من الأنبياء في ذنب عبادة آلهة أخرى وأصنام، الملوك ١ الإصحاح ١١ العدد ٤: ٤ وَلَمَّا شَاخَ سُلَيْمَانُ أغوَتْهُ زَوْجَاتُهُ فَتَبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَتَّبِعِ إلَهَهُ بِطَاعَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا فَعَلَ أبُوهُ دَاوُدُ. ٥ فَعَبَدَ سُلَيْمَانُ عَشْتَرُوتَ آلِهَةَ الصَّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ إلَهَ العَمُّونِيِّينَ البَغِيضَ. ٦ وَهَكَذَا فَعَلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ. وَلَمْ يُطِعِ اللهَ طَاعَةً كَامِلَةً كَمَا فَعَلَ أبُوهُ دَاوُدُ.٧ وَبَنَى سُلَيْمَانُ مَكَانًا لِعِبَادَةِ كَمُوشَ، إلَهِ المُوآبِيِّينَ البَغِيضِ، عَلَى تَلَّةٍ قُرْبَ القُدْسِ. وَعَلَى تِلْكَ التَّلَّةِ نَفسِهَا، بَنَى سُلَيْمَانُ مَكَانًا آخَرَ لِعِبَادَةِ مُولَكَ، إلَهِ العَمُّونِيِّينَ البَغِيضِ. ٨ وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الأمْرَ ذَاتَهُ مَعَ كُلِّ زَوْجَاتِهِ الأجنَبِيَّاتِ اللَّوَاتِي يُحْرِقْنَ البَخُورَ وَيُقَدِّمْنَ الذَّبَائِحَ لِآلِهَتِهِنَّ.".

وفي عهد الملك يوشيا كانت عبادة الأصنام مستفحلة في بني إسرائيل، وفي عهده ادعى رئيس الكهنة حلقيا أنه وجد كتاب التوراة بعد أن كان مفقودا لقرون، فقام الملك يوشيا بمحاربة عبادة الأصنام في بني إسرائيل، سفر الملوك ٢ الإصحاح ٢٣ العدد : ١ عِنْدَئِذٍ أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَاسْتَدْعَى إِلَيْهِ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، ٢ وَتَوَجَّهَ مَعَهُمْ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ، يُرَافِقُهُ جَمِيعُ شُيُوخِ يَهُوذَا وَكُلُّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَجَمِيعُ أَبْنَاءِ الشَّعْبِ مِنْ صِغَارٍ وَكِبَارٍ، فَقَرَأَ فِي مَسَامِعِهِمْ كُلَّ كَلامِ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي تَمَّ الْعُثُورُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. ٣ وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَطَعَ عَهْداً أَمَامَ الرَّبِّ أَنْ يَتَّبِعَ الرَّبَّ، حَافِظاً وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضَهُ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ، لِتَطْبِيقِ كَلامِ هَذَا الْعَهْدِ الْمُدَوَّنِ فِي هَذَا السِّفْرِ. فَوَعَدَ الشَّعْبُ بِالْوَفَاءِ بِهَذَا الْعَهْدِ. ٤ وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا رَئِيسَ الْكَهَنَةِ، وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ، أَنْ يَطْرَحُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِعَشْتَارُوثَ وَلِكُلِّ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ. وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ وَادِي قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. ٥ وَأَبَادَ كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوْقِدُوا عَلَى مَذَابِحِ الْمُرْتَفَعَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَضَوَاحِي أُورُشَلِيمَ، وَكَذَلِكَ قَضَى عَلَى الْكَهَنَةِ الَّذِينَ يُحْرِقُونَ لِلْبَعْلِ وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلِلأَبْرَاجِ الْفَلَكِيَّةِ وَلِسَائِرِ الْكَوَاكِبِ. ٦ وَأَخْرَجَ تِمْثَالَ عَشْتَارُوثَ مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ إِلَى خَارِجِ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ، وَأَحْرَقَهُ وَسَحَقَهُ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ غُبَاراً، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. ٧ وَهَدَمَ بُيُوتَ ذَوِي الشُّذُوذِ الْجِنْسِيِّ الْقَائِمَةَ حَوَالَيْ هَيْكَلِ الرَّبِّ، حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسُجْنَ ثِيَاباً لِتِمْثَالِ عَشْتَارُوثَ. ٨ وَاسْتَدْعَى يُوشِيَّا جَمِيعَ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَدَنَّسَ كُلَّ أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ الْوَثَنِيَّةِ فِي التِّلالِ، حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ مِنْ جَبَعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، وَهَدَمَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ مَدْخَلِ قَصْرِ يَشُوعَ مُحَافِظِ الْمَدِينَةِ، إِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ. ٩وَلَمْ يَدَعْ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ يَسْتَخْدِمُونَ مَذْبَحَ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ وَإِنْ شَارَكُوا بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ فِي أَكْلِ خُبْزِ الْفَطِيرِ، ١٠ وَدَنَّسَ الْمَلِكُ أَيْضاً مَذْبَحَ تُوفَةَ فِي وَادِي بَنِي هِنُّومَ، لِكَيْ لَا يُجِيزَ أَحَدٌ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ للِصَّنَمِ مُولَكَ[143]١١ وَأَبَادَ الْخَيْلَ الَّتِي كَرَّسَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا لإِلَهِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ الرَّبِّ بِجُوَارِ حُجْرَةِ نَثْنَمْلَكَ مُدِيرِ شُؤُونِ الْقَصْرِ، وَأَحْرَقَ الْمَرْكَبَاتِ الْمُكَرَّسَةَ لِعِبَادَةِ الشَّمْسِ. ١٢ وَهَدَمَ الْمَلِكُ الْمَذَابِحَ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي أَقَامَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَأَيْضاً الْمَذَابِحَ الَّتِي بَنَاهَا مَنَسَّى فِي سَاحَتَيِ الْهَيْكَلِ، وَسَحَقَ حِجَارَتَهَا هُنَاكَ ثُمَّ ذَرَّاهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ ١٣ وَنَجَّسَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الْمُرْتَفَعَاتِ الْمُوَاجِهَةِ لأُورُشَلِيمَ، الْقَائِمَةِ عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاكِ، الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتَارُوثَ إِلَهَةِ صِيدُونَ الرِّجْسَةِ، وَلِكَمُوشَ إِلَهِ مُوآبَ النَّجِسِ، وَلِمَلْكُومَ إِلَهِ بَنِي عَمُّونَ الْمَقِيتِ. ١٤ وَحَطَّمَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ أَعْمِدَةَ الأَصْنَامِ، وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. ١٥ وَكَذَلِكَ هَدَمَ الْمَذْبَحَ الَّذِي شَيَّدَهُ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ فِي مُرْتَفَعَةِ بَيْتِ إِيلَ، وَاسْتَغْوَى بِذَلِكَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ فَأَخْطَأُوا. ثُمَّ أَحْرَقَ الْمَذْبَحَ وَسَحَقَ الْمُرْتَفَعَةَ، حَتَّى تَحَوَّلَتْ إِلَى غُبَارٍ، وَأَحْرَقَ عَمُودَ الصَّنَمِ. ١٦ وَتَلَفَّتَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا حَوْلَهُ فَشَاهَدَ مَقَابِرَ مُنْتَشِرَةً عَلَى الْجَبَلِ، فَأَرْسَلَ وَجَمَعَ عِظَامَهَا وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ، وَنَجَّسَهُ تَتْمِيماً لِقَضَاءِ الرَّبِّ الَّذِي نَطَقَ بِهِ رَجُلُ اللهِ بِشَأْنِ مَذْبَحِ يَرُبْعَامَ ... ١٩ وَأَزَالَ يُوشِيَّا جَمِيعَ مَعَابِدِ الْمُرْتَفَعَاتِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ، الَّتِي بَنَاهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ لإِثَارَةِ سَخَطِ الرَّبِّ، وَأَجْرَى عَلَيْهَا مَا أَجْرَاهُ عَلَى بَيْتِ إِيلَ. ٢٠ وَقَتَلَ جَمِيعَ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هُنَاكَ عَلَى الْمَذَابِحِ، وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا. ثُمَّ عَادَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٢١ وَأَمَرَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلاً: «احْتَفِلُوا بِفِصْحِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي سِفْرِ الْعَهْدِ هَذَا». ٢٢ إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدِ احْتُفِلَ بِعِيدِ الْفِصْحِ هَذَا مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَلا فِي كُلِّ حِقْبَةِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. ٢٣ وَلَكِنْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَشْرَةَ لِحُكْمِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا احْتُفِلَ بِهَذَا الْفِصْحِ لِلرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ ٢٤ وَأَبَادَ يُوشِيَّا أَيْضاً السَّحَرَةَ وَالْعَرَّافِينَ وَأَصْنَامَ الآلِهَةِ الَّتِي يَتَعَبَّدُ لَهَا النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَالأَوْثَانَ وَجَمِيعَ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي اسْتَشْرَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَذَلِكَ لِيُطَبِّقَ مَا وَرَدَ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي عَثَرَ عَلَيْهِ حِلْقِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ فِي الْهَيْكَلِ ... ٣١ وَكَانَ يَهُوأَحَازُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ حِينَ مَلَكَ، وَدَامَ حُكْمُهُ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. ٣٢ وَارْتَكَبَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ عَلَى غِرَارِ مَا فَعَلَ آبَاؤُهُ ... ٣٦ وَكَانَ يَهُويَاقِيمُ فِي الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ حِينَ مَلَكَ، وَدَامَ حُكْمُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. ٣٧ وَارْتَكَبَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ عَلَى غِرَارِ مَا فَعَلَ آبَاؤُهُ. ".

 

 

الفصل الثالث

ضياع التوراة وتاريخ تأليفها من جديد وتأليف باقي الأسفار

التوراة في عهد موسى عليه السلام:

ذكر الكتاب المقدس أن موسى عليه السلام قبل موته قد سلم تلك التوراة للكهنة من سبط اللاويين ولسائر شيوخ بني إسرائيل، سفر التثنية الإصحاح ٣١ العدد ٩: " ٩ وَكَتَبَ مُوسَى كَلِمَاتِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَإِلَى سَائِرِ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. "

ثم أمر موسى حاملي تابوت العهد من سبط اللاويين (سبط الكهنة) أن يضعوا كتاب التوراة بجوار تابوت العهد، سفر التثنية الإصحاح ٣١ العدد ٢٤: " ٢٤وَعِنْدَمَا أَتَمَّ مُوسَى تَدْوِينَ نُصُوصِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ كَامِلَةً فِي كِتَابٍ، ٢٥ أَمَرَ اللّاوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: ٢٦ «خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ إِلَى جِوَارِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَلَيْكُمْ، ٢٧ لأَنِّي أَعْرِفُ تَمَرُّدَكُمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِكُمْ. إِذْ وَأَنَا مَازِلْتُ حَيًّا مَعَكُمُ الْيَوْمَ أَخَذْتُمْ فِي مُقَاوَمَةِ الرَّبِّ. فَكَمْ بِالأَحْرَى تَتَمَرَّدُونَ بَعْدَ مَوْتِي؟ ٢٨ اِجْمَعُوا إِلَيَّ جَمِيعَ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ، لأَتْلُوَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. ٢٩ لأَنَّنِي وَاثِقٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسَدُونَ وَتَضِلُّونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَيْتُكُمْ بِها، فَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، لأَنَّكُمْ تَقْتَرِفُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُثِيرُوا غَيْظَهُ بِمَا تَجْنِيهِ أَيْدِيكُمْ.» ".

سفر التثنية الإصحاح ١٧ العدد : ١٤ وَمَتَى بَلَغْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ وَامْتَلَكْتُمُوهَا وَاسْتَوْطَنْتُمْ فِيهَا وَقُلْتُمْ: لِنُتَوِّجْ عَلَيْنَا مَلِكاً كَبَقِيَّةِ الأُمَمِ الْمُحِيطَةِ بِنَا ... ١٨ وَحِينَ يَتَبَوَّأُ عَرْشَ مَمْلَكَتِهِ فَلْيَنْسُخْ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ فِي كِتَابٍ وَيَنْقُلْهَا عَنِ الْكَهَنَةِ وَاللّاوِيِّينَ، ١٩ فَتَكُونَ مَعَهُ لِيُطَالِعَهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ لِيَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلَهَهُ وَيُطِيعَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الْفَرَائِضِ لِيَعْمَلَ بِها.".

التوراة في عهد يشوع بن نون عليه السلام: 

ثم يذكر الكتاب المقدس أن يشوع بن نون الذي كان خادماً لموسى عليه السلام ونبي الله من بعده، قد نقش نسخة من التوراة على حجارة مذبح الرب الذي بناه على جبل عيبال، يشوع الإصحاح ٨ العدد ٣٢: ٣٢ وَعَلَى مَرْأَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيَل نَقَشَ يَشُوعُ عَلَى حِجَارَةِ الْمَذْبَحِ نُسْخَةً مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي كَانَ مُوسَى قَدْ أَمْلاهَا عَلَيْهِ ... ٣٤ ثُمَّ تَلا يَشُوعُ جَمِيعَ عِبَارَاتِ التَّوْرَاةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْبَرَكَةِ وَاللَّعْنَةِ، كَمَا وَرَدَتْ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ. ٣٥ لَمْ يَغْفَلْ يَشُوعُ كَلِمَةً مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، بَلْ قَرَأَهَا كُلَّهَا أَمَامَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى أَمَامَ النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ. ".

التوراة في عهد القضاة بعد عهد موسى ويشوع عليهم السلام:

بعدما ذكر الكتاب المقدس التوراة في زمن موسى ويشوع عليه السلام، انقطع ذكر التوراة من الكتاب المقدس لمدة ثمانية قرون كاملة، فلا توجد أي إشارة لتوراة موسى عليه السلام ولا لأي نسخة نسخت منها، سواء نسخة يشوع التي نقشها على حجارة المذبح أو أي نسخة أخرى قد يكون نسخها أحد القضاة، واقتصر الكتاب المقدس طيلة تلك الفترة على ذكر تابوت العهد والذي قد وضعت بجواره التوراة وفق أمر موسى عليه السلام. وبعد مرور ثمانية قرون، أي بعد انتهاء عهد القضاة وأثناء عهد الملوك (ملوك بني إسرائيل)، ذكر الكتاب المقدس قصة غريبة وهي قصة ادعاء إيجاد التوراة المفقودة في عهد الملك يوشيا، والتي سنتناولها بالبحث بالأسفل بإذن الله تعالى.

وقوع بني إسرائيل في الشرك وعبادة الأصنام على مر العصور:

كما ذكرنا في الفصل السابق فقد ذكر الكتاب المقدس أن بني إسرائيل قد وقعوا مراراً وتكراراً وعلى مر العصور من عهد موسى عليه السلام وعهد القضاة من بعده وعهد الملوك في ذنب الشرك وعبادة الأصنام وترك التوراة شريعة موسى عليه السلام، وهكذا عاقبهم الله عز وجل بتسلط الأعداء عليهم مراراً وتكراراً.

سفر القضاة الإصحاح ٢ العدد ٨: " ٨ وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ الرَّبِّ ... ١٠ وَكَذَلِكَ مَاتَ أَيْضاً كُلُّ جِيلِ يَشُوعَ، وَأَعْقَبَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ ... ١١ وَاقْتَرَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ ... ١٦ وَأَقَامَ الرَّبُّ مِنْ بَيْنِهِمْ قُضَاةً فَأَنْقَذُوهُمْ مِنْ أَيْدِي غُزَاتِهِمْ. ١٧ غَيْرَ أَنَّهُمْ عَصَوْا قُضَاتَهُمْ أَيْضاً، وَخَانُوا الرَّبَّ إِذْ عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا، وَتَحَوَّلُوا سَرِيعاً عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا آبَاؤُهُمْ إِطَاعَةً لِوَصَايَا الرَّبِّ. ١٨ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ الرَّبُّ يُقِيمُ قَاضِياً كَانَ يُؤَيِّدُه بِقُوَّةٍ طَوَالَ حَيَاتِهِ فَيُخَلِّصُ الشَّعْبَ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَعْدَائِهِ ... ١٩ وَلَكِنْ مَا إِنْ يَمُوتُ الْقَاضِي حَتَّى يَرْتَدُّوا عَنِ الرَّبِّ وَيَتَفَاقَمَ فَسَادُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ تَفَاقُمِ فَسَادِ آبَائِهِمْ بِالسَّعْيِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَرْتَدِعُوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَسُلُوكِهِمِ الْعَنِيدِ. ".

تسلط الأعداء على بني إسرائيل:

١- في زمن نبي الله صموئيل عليه السلام تسلط الأعداء على بني إسرائيل وسلبوا منهم تابوت العهد، وبما أن التوراة كانت بجوار تابوت العهد حسب أمر موسى عليه السلام المذكور بالأعلى، فهذا يعني إما أنها قد فقدت مع تابوت العهد أو أنها كانت مفقودة بالفعل قبل فقدان تابوت العهد! فعندما ذكر الكتاب المقدس حادثة استيلاء الأعداء على تابوت العهد لم يشر لا من قريب أو من بعيد عن حال التوراة التي كانت موجودة بجواره!

صموئيل ١ الإصحاح ٤ العدد ٣: ٣ وَرَجَعَ النَّاجُونَ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، فَتَسَاءَلَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: «لِمَاذَا هَزَمَنَا الرَّبُّ الْيَوْمَ أَمَامَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟ لِنَأْتِ بِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ مِنْ شِيلُوهَ وَنُدْخِلْهُ فِي وَسَطِنَا فِيُنْقِذَنَا مِنْ قَبْضَةِ أَعْدَائِنَا» ... ١٠ فَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَانْهَزَمَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، وَفَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَكَانَتِ الْمَجْزَرَةُ عَظِيمَةً جِدّاً، وَقُتِلَ مِنْ إِسْرَائِيلَ ثَلاثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ. ١١ وَاسْتَوْلَى الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَى تَابُوتِ اللهِ. ".

ويذكر الكتاب المقدس أن التابوت ظل عند الأعداء لفترة سبعة أشهر، ثم أرجع الأعداء تابوت العهد لبني إسرائيل، صموئيل ١ الإصحاح ٦ العدد ١: ١وَبَقِيَ تَابُوتُ اللهِ فِي بِلادِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ. ٢ ثُمَّ سَأَلَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ الْكَهَنَةَ وَالْعَرَّافِينَ: «مَاذَا نَفْعَلُ بِتَابُوتِ الرَّبِّ؟ أَخْبِرُونَا كَيْفَ نُعِيدُهُ إِلَى مَوْطِنِهِ» ".

وبعد أن استرد بنو إسرائيل تابوت العهد أبقوه في قرية يعاريم لمدة عشرين عاماً، صموئيل ١ الإصحاح ٧ العدد ٢: ٢ وَطَالَتْ مُدَّةُ بَقَاءِ التَّابُوتِ فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، إِذِ انْقَضَتْ عِشْرُونَ سَنَةً عَلَيْهِ هُنَاكَ. تَابَ فِيهَا كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ نَائِحِينَ."

ثم نقله داود عليه السلام لأورشليم، ثم نقله سليمان عليه السلام للهيكل الذي بناه، وعندما فتح تابوت العهد لم يجد فيه إلا لوحي الحجر اللذين وضعهما موسى عليه السلام وكان مكتوب عليهما الوصايا العشرة، سفر الملوك ١ الإصحاح ٨ العدد ٩: " ٩ وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ سِوَى لَوْحَيِ الْحَجَرِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ أَبْنَاءَ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ. ". وهكذا فلا أي ذكر للتوراة لا بداخل تابوت العهد ولا بجواره!

٢- في عهد الملك رحبعام ابن سليمان تسلط شيشق ملك مصر على بني إسرائيل وغزا الهيكل وسلب كل شيء، الملوك ١ الإصحاح  ١٤ العدد ٢٥: ٢٥ وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ هَاجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ أُورُشَلِيمَ. ٢٦ وَاسْتَوْلَى عَلَى خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَسَلَبَ كُلَّ مَا فِيهَا، لاسِيَّمَا الأَتْرَاسُ الذَّهَبِيَّةُ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. ٢٧ فَصَنَعَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضاً عَنْهَا أَتْرَاساً نُحَاسِيَّةً. ".

سفر أخبار الأيام ٢ الإصحاح ١٢ العدد ٩: ٩ فَهَاجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرٍ القُدْسَ وَاستَوْلَى عَلَى الكُنُوزِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ، وَالَّتِي فِي قَصرِ المَلِكِ. أخَذَ كُلَّ شَيءٍ بِمَا فِي ذَلِكَ التُّرُوسَ الذَّهَبيَّةَ. ١٠ فَصَنعَ رَحُبْعَامُ تُروسًا بُرُونزِيَّةً بَدَلَ التُّروسِ الذَّهَبيَّةِ.".

٣- في عام ٧٢٢ ق.م. استولى ملك أشور (سرجون الثاني) على مملكة السامرة، وسبى ٢٧.٢٩٠ نفساً من بني إسرائيل إلى أشور.

٤- في عام ٥٨٦ ق.م. تسلط ملك بابل نبوخذنصر على بني إسرائيل، سفر أخبار الأيام ٢ الإصحاح ٣٦ العدد ١٧: ١٧ فَحَرَّكَ اللهُ مَلِكَ بَابِلَ لِلهُجُومِ عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. فَقَتَلَ المَلِكُ الفِتيَانَ حَتَّى وَهُمْ فِي الهَيْكَلِ. وَلَمْ يُشفِقْ عَلَى شَعْبِ يَهُوذَا وَالقُدْسِ. قَتَلَ الكِبَارَ وَالصّغَارَ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، المَرْضَى وَالأصحَّاءَ. فَقَدْ سَمَحَ اللهُ لِنَبُوخَذْنَاصَّرَ بِمُعَاقَبَة يَهُوذَا وَالقُدْسِ. ١٨ وَحَمَلَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ إلَى بَابِلَ، وَأخَذَ كُنُوزَ بَيْتِ اللهِ، وَكُنُوزَ المَلِكِ، وَكُنُوزَ المَسؤُولِينَ الكِبَار لَدَى المَلِكِ. ١٩ وَأحْرَقَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ وَجَيْشُهُ بَيْتَ اللهِ، وَهَدَمُوا سُورَ القُدْسِ، وَأحْرَقُوا قُصُورَهَا وَدَمَّرُوا كُلَّ ثَمِينٍ فِيهَا. ٢٠ وَأخَذَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ الشَّعْبَ الَّذِينَ ظَلُّوا عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ إلَى بَابِلَ، فَصَارُوا عَبِيدًا لَهُ وَلِأبْنَائِهِ إلَى أنْ تَأسَّسَتِ المَملَكَةُ الفَارِسِيَّةُ.".

ادعاء إيجاد التوراة المفقودة:

قبل حادثة تسلط ملك بابل نبوخذنصر على بني إسرائيل وحدوث السبي البابلي بما يقارب ٣٥ عام[144]، ادعى حلقيا الكاهن في عهد الملك يوشيا أنه قد وجد التوراة المفقودة، أي أنها كانت مفقودة أصلا وحتى من قبل حدوث السبي البابلي، سفر الملوك ٢ الإصحاح ٢٢ العدد ٣: ٣ وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَشْرَةَ لِحُكْمِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا، بَعَثَ الْمَلِكُ الْكَاتِبَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا بْنِ مَشُلّامَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ قَائِلاً: ٤ «اذْهَبْ إِلَى حِلْقِيَّا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَاطْلُبْ إِلَيْهِ أَنْ يَحْسُبَ قِيمَةَ الْفِضَّةِ الَّتِي تَبَرَّعَ بِها أَبْنَاءُ الشَّعْبِ وَجَمَعَهَا مِنْهُمْ حُرَّاسُ الْبَابِ، ٥ فَيُعْطِيَهَا لِلْمُوَكَّلِينَ عَلَى الإِشْرَافِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ، ... ٨ ثُمَّ قَالَ حِلْقِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «لَقَدْ عَثَرْتُ عَلَى سِفْرِ الشَّرِيعَةِ فِي الْهَيْكَلِ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ فَقَرَأَهُ. ٩ وَحَمَلَهُ إِلَى الْمَلِكِ، بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ لَهُ تَقْرِيراً قَائِلاً: «قَدْ حَسَبَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْهَيْكَلِ وَأَوْدَعُوهَا لَدَى الْمُوَكَّلِينَ عَلَى الإِشْرَافِ عَلَى الْعَمَلِ فِي الْهَيْكَلِ». ١٠ ثُمَّ أَطْلَعَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ عَلَى السِّفْرِ قَائِلاً: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا سِفْراً». وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ ١١ فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ مَا وَرَدَ فِي سِفْرِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، ١٢ وَأَمَرَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ، وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ، وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا، وَشَافَانَ الْكَاتِبَ، وَعَسَايَا خَادِمَ الْمَلِكِ قَائِلاً: ١٣ «اذْهَبُوا وَاسْأَلُوا الرَّبَّ عَنْ مَصِيرِي وَمَصِيرِ شَعْبِ يَهُوذَا بِنَاءً عَلَى مَا وَرَدَ فِي هَذَا السِّفْرِ الَّذِي تَمَّ الْعُثُورُ عَلَيْهِ، إِذْ إِنَّ غَضَبَ الرَّبِّ الْمُحْتَدِمَ عَلَيْنَا عَظِيمٌ جِدّاً، لأَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يُطِيعُوا كَلامَ هَذَا السِّفْرِ، وَلَمْ يُمَارِسُوا كُلَّ مَا وَرَدَ فِيهِ».".

ونفس القصة مذكورة في سفر أخبار الأيام ٢ الإصحاح ٣٤ العدد ١٤: ١٤ وَفِيمَا كَانُوا يُخْرِجُونَ الْفِضَّةَ الَّتِي تَمَّ إِدْخَالُهَا فِي مَخَازِنِ هَيْكَلِ الرَّبِّ، عَثَرَ حِلْقِيَا الْكَاهِنُ عَلَى سِفْرِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ الَّذِي أَوْصَى بِهِ عَلَى لِسَانِ مُوسَى. ".

وهكذا يتضح مما سبق الآتي: 

١- ادعاء حلقيا أنه وجد توراة موسى عليه السلام، فكلمة "سفر الشريعة" أو "شريعة موسى" أو "شريعة الرب" هي بعض أسماء التوراة.

٢- الفرق الزمني بين موسى عليه السلام ويوشيا الملك هو ثمانية قرون، والكتاب المقدس لم يذكر شيئاً عن التوراة أو أي نسخة لها منذ زمن موسى ويوشع بن نون وحتى عهد يوشيا الملك، وذكر فقط تابوت العهد.

٣- مزق الملك ثيابه قائلاً أن غضب الرب عظيم لأن أباءهم لم يطيعوا كلام التوراة، قاصداً بهذا أنهم تركوا عبادة الله عز وجل وعبدوا الأصنام.

ورغم وضوح تلك القصة ودلالاتها إلا عند النظر في ردود القساوسة عن مسألة ضياع التوراة فنجد أنهم منقسمون على النحو الآتي: 

١- أكثر القساوسة يقرون بضياع التوراة، سواء النسخة الأصلية التي كتبها موسي وأيضاً أي نسخة تكون قد نسخت من تلك التوراة، ويقولون أن من نعم الله على بني إسرائيل أن حلقيا الكاهن قد وجد النسخة الأصلية المفقودة والتي خطها موسى عليه السلام. 

٢- بعض القساوسة يقرون بضياع التوراة الأصلية التي كتبها موسى عليه السلام، ولكن ينكرون مسألة ضياع النسخ التي تمت من التوراة ويقولون أن ما وجده حلقيا الكاهن كانت التوراة التي كتبها موسى بنفسه، ويتحججوا بعدة أمور على عدم ضياع نسخ التوراة من بني إسرائيل، فقالوا الآتي:

أ) ليس معنى أن حلقيا الكاهن قد وجد التوراة أنه لم يكن هناك نسخ أخرى بيد الكهنة والملوك، بل كان معهم نسخ أخرى ولكن لم تكتب بيد موسى وإنما بيد النساخ.

ب) كانت التوراة محور اهتمام موسى عليه السلام، فسلمها يداً بيد للاويين ولشيوخ بني إسرائيل، وأمرهم بوضعها بجوار تابوت العهد، وأمر موسى الكهنة بقراءة التوراة على الشعب في ميعاد سنة الإبراء من الديون كل سبع سنوات (تثنية إصحاح ٣١ عدد ١٠)، وأمر موسى شيوخ بني إسرائيل بأن يكتبوا التوراة على حجارة كبيرة متى عبروا الأردن، وأمر موسى أنه إذا تم اختيار ملك لبني إسرائيل " فَلْيَنْسُخْ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ فِي كِتَابٍ وَيَنْقُلْهَا عَنِ الْكَهَنَةِ وَاللّاوِيِّينَ "، وأمر موسى بني إسرائيل قائلا " اِجْمَعُوا إِلَيَّ جَمِيعَ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ، لأَتْلُوَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ " وهكذا فإن موسى عليه السلام قام بالنسخ الإملائي، فهو يقرأ على الشيوخ وهم يكتبون نسخ للتوراة التي يقرأها عليهم، وعلى هذا فقد كانت هناك نسخ كثيرة سواء مع الملوك أو القضاة أو الأسر أو النسخ الشخصية.

ج) كما ورد في سفر القضاة الإصحاح ٣ العدد ٤ أن الله قد سمح لبعض الشعوب الوثنية أن تبقى هناك ٤ لِيَمْتَحِنَ إِسْرَائِيلَ بِهِمْ لِيَرَى إِنْ كَانُوا يُطِيعُونَ أَوَامِرَهُ الَّتِي أَوْصَى بِها آبَاءَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى ".

د) تغنى داود عليه السلام بوصايا وكلام وشريعة الرب، وأمر ابنه سليمان باتباع شرائع الرب ويحفظ وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هي مكتوبة في شريعة موسى.

ولكن يرد على كل ما سبق بالآتي:

أ) عبارة " فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ مَا وَرَدَ فِي سِفْرِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ "، وعبارة " إِذْ إِنَّ غَضَبَ الرَّبِّ الْمُحْتَدِمَ عَلَيْنَا عَظِيمٌ جِدّاً، لأَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يُطِيعُوا كَلامَ هَذَا السِّفْرِ، وَلَمْ يُمَارِسُوا كُلَّ مَا وَرَدَ فِيهِ "، يوضحان مدى صدمة الملك يوشيا عند سماع كلام التوراة، وهذا معناه أنه لم يكن معه نسخة أخرى كما يدعي بعض القساوسة، فلو كانت توجد نسخ أخرى فلماذا إذن صدم الملك من كلام التوراة ومزق ثيابه؟ إذا كانت هناك نسخ أخرى فلماذا قال " لأَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يُطِيعُوا كَلامَ هَذَا السِّفْرِ "؟ فالملك لم يمزق ثيابه بسبب أنه سمع بعض العبارات التي بها لعنات كما يحاول بعض القساوسة الادعاء بذلك، ولكنه مزق ثيابه بسبب أن أباءه من بني إسرائيل أهملوا التوراة وأضاعوها وعبدوا الأصنام تاركين عبادة الله ولم يطبقوا شريعة موسى لكل تلك الفترة الزمنية الكبيرة.

أ) في الواقع فإن كل ما ذكره القساوسة إنما هو دليل على ضياع التوراة وأي نسخة لها، فكون التوراة محور اهتمام موسى عليه السلام وأنه سلمها للاويين وأمر بوضعها بجوار تابوت العهد وأمر بقراءتها على الشعب كل سبع سنوات وأمر بكتابتها على حجارة كبيرة وأمر بأن ينسخها كل ملك سيأتي لبني إسرائيل، كل هذا يدل على أنها فقدت بالفعل ونسخها كذلك، فكيف لكتاب بتلك الأهمية ولا يتم ذكره في الكتاب المقدس منذ عهد موسي وحتى ادعاء إيجاده زمن يوشيا الملك؟ أي بعد مرور ثمانية قرون كاملة! فلم ترد في الكتاب المقدس أي إشارة عن أنه تمت قراءة التوراة كل سبع سنوات أو أي إشارة لوجود التوراة نفسها أو نسخ منها خلال كل تلك الفترة، وأول إشارة لقراءة التوراة كل سبع سنوات إنما كانت في زمن عزرا بعد السبي البابلي، وهو ما سنتناوله بالأسفل بإذن الله تعالى.

ب) ادعاء أن موسى عليه السلام قام بالنسخ الإملائي عندما أمر بأن يجتمع إليه شيوخ الأسباط ليتلوا على مسامعهم تلك الكلمات، هو تصور خرافي لا وجود له، وهو يشير لوجود تعصب في الرد ومحاولة استخدام أسلوب السفسطائيين في الحوار بلي عنق الكلمات وتغيير معناها. فالقصة مذكورة بالأعلى ولا توجد أي إشارة عن وجود نسخ إملائي، فضلا عن أنه لا يتصور أن شيوخ الأسباط جلسوا يستمعوا لموسى عليه السلام ويكتبوا الأسفار الخمسة كاملة، فضلا عن أن أغلب بني إسرائيل كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة.

ج) قصة أن يشوع بن نون قد نسخ التوراة على حجارة المذبح، هي قصة يصعب تصورها، حيث كيف قام يشوع بنسخ التوراة كاملة على الحجارة؟ وهل عثر على أي أثر تاريخي لهذا الأثر العظيم؟

د) الادعاء بوجود نسخ كثيرة سواء مع الملوك أو القضاة أو الأسر ووجود الكثير من النسخ الشخصية، هو ادعاء خرافي ومبالغة كبيرة، لأن أغلب بني إسرائيل كانوا لا يعرفوا القراءة والكتابة، فضلا عن أن أمة بني إسرائيل بعد زمن يشوع عليه السلام قد غرقت في عبادة البعل وعبادة الأصنام على مر العصور وتركوا التوراة وشريعة موسى ووصاياه، وكانت أغلب ملوكهم من عباد الأصنام، وكذلك قضاتهم وكهنتهم، وظهر فيهم آلاف الأنبياء الكذبة، ملوك ١ إصحاح  ١٨ العدد ١٩: " وَأحْضِرْ مَعَكَ أيْضًا أنْبِيَاءَ البَعْلِ الأرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ، وَأحْضِرْ أنْبِيَاءَ الإلَهَةِ الزَّائِفَةِ عَشْتَرُوتَ الأرْبَعَ مِئَةٍ الَّذِينَ تَعُولُهُمُ المَلِكَةُ إيزَابَلُ "، ملوك ١ إصحاح ١٢ العدد ٣٠: " لأَنَّ الشَّعْبَ شَرَعَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلَيْنِ ... ٣١ وَشَيَّدَ يَرُبْعَامُ مَذَابِحَ عِبَادَةٍ عَلَى التِّلالِ، كَرَّسَ لَهَا كَهَنَةً مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ".

ر) بالنسبة لعبارة " لِيَمْتَحِنَ إِسْرَائِيلَ بِهِمْ لِيَرَى إِنْ كَانُوا يُطِيعُونَ أَوَامِرَهُ الَّتِي أَوْصَى بِها آبَاءَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى "، وغير ذلك من العبارات مثل تغني داود بوصايا وشريعة الرب وكلامه وأمره لابنه باتباع شرائع الرب كما هي مكتوبة في شريعة موسى، فكل تلك العبارات لا تشير لوجود توراة مكتوبة في ذلك الوقت وإنما اتباع وصايا الرب التي أمر بها موسى وكانت مكتوبة في التوراة قبل فقدانها، أما بعد فقدان التوراة فإن ما بقي من تلك الوصايا والشرائع كان يتناقل شفوياً من جيل لآخر، ومن تلك الوصايا والشرائع هو عدم عبادة آلهة أخرى وغير ذلك من الوصايا العشر.

ادعاء أن الذي وجد هو سفر التثنية فقط:

١- جدير بالذكر أن بعض القساوسة يعلقون على القصة السابق ذكرها، قائلين أنه ليس من المؤكد إن كان حلقيا الكاهن قد وجد التوراة الأصلية نفسها أو أنه وجد سفر التثنية فقط، محاولين بذلك خلق صورة في عقل المستمع أن التوراة لم تفقد، وأن الذي وجد هو سفر التثنية فقط.

ولكن يرد عليهم بأنه من أين عرفوا أن الذي وجده هو سفر التثنية، فالنص واضح أن حلقيا وجد سفر شريعة موسى ولا ذكر لسفر التثنية هنا، وشريعة موسى تعني التوراة نفسها، أما سفر التثنية فقد سمي بهذا الاسم اليوناني في القرن الثالث قبل الميلاد في الترجمة السبعينية التي هي ترجمة يونانية للكتاب المقدس، ومعنى الاسم في اللغة اليونانية هو "الشريعة الثانية" أو "نسخة للشريعة"، ولم يكن أبدا هذا هو اسم السفر قبل ذلك التاريخ، وإنما اسمه بالعبرانية هو "إله هدباريم"[145] ومعناه "هذا هو الكلام"، فبني إسرائيل كانت تسمي الأسفار بأول كلمات تذكر فيها، وبما أن هذا السفر ابتدأ بتلك الكلمات، أصبح بها اسمه في العبرانية، أيضا أطلق بني إسرائيل على هذا السفر اسم "سفر التوبيخ"[146] بسبب مضمونه من التوبيخ لبني إسرائيل.

أيضا فإن اعترافهم بأن الذي وجده هو سفر التثنية، هو اعتراف بضياع التوراة كلها، لأن التوراة كانت في كتاب، تثنية إصحاح ٣١ العدد ٢٤: " أَتَمَّ مُوسَى تَدْوِينَ نُصُوصِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ كَامِلَةً فِي كِتَابٍ "، فكيف ضاع سفر التثنية وحده دوناً عن باقي التوراة ثم تم إيجاده وحده دوناً عن باقي التوراة؟

الخلاصة من تلك القصة:

١- حدثت تلك القصة في عهد الملك يوشيا قبل السبي البابلي بما يقارب ٣٥ عاماً، فإن كان ما وجده حلقيا هي توراة موسى نفسها، فهي بالتأكيد قد فقدت ثانية أثناء تسلط نبوخذنصر على بني إسرائيل، سفر أخبار الأيام ٢ الإصحاح ٣٦ العدد ١٨: "  ١٨ وَحَمَلَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ إلَى بَابِلَ، وَأخَذَ كُنُوزَ بَيْتِ اللهِ، وَكُنُوزَ المَلِكِ، وَكُنُوزَ المَسؤُولِينَ الكِبَار لَدَى المَلِكِ. ١٩ وَأحْرَقَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ وَجَيْشُهُ بَيْتَ اللهِ، وَهَدَمُوا سُورَ القُدْسِ، وَأحْرَقُوا قُصُورَهَا وَدَمَّرُوا كُلَّ ثَمِينٍ فِيهَا.". فهنا نجد أنه أحرق بيت الله، وليس فقط كما يدعي بعض القساوسة أنه كان يستولي فقط على الذهب والأواني والأشياء الثمينة وأنه لم يعر انتباهاً للكتب والأسفار ولبيت الله.

٢- جاء الملك يوشيا في عصر الارتداد الذي تسبب فيه جده الملك منسي وأبوه الملك أمون (ملوك ٢ الإصحاح ٢١)، وهكذا فإن في عهد الملك يوشيا كانت بني إسرائيل غارقة في عبادة الأصنام والبعل والكواكب، وهكذا فإنه وفي الغالب أن حلقيا الكاهن لم يجد توراة موسى وإنما أعاد تأليفها بناءً على ما وصله من التقليد الشفهي، ثم ادعى أنها توراة موسى عليه السلام، وذلك حتى يُرجع بني إسرائيل لعبادة الله ويتركوا عبادة البعل والأصنام، وهذا بالفعل ما فعله الملك يوشيا بعد قصة إيجاد التوراة، فقد قضى على عبادة الأصنام وهدم مذابحها وقتل كهنتها وأخرج تمثال عشتاروث من هيكل الرب، سفر الملوك ٢ الإصحاح ٢٣ العدد ٤: ٤ وَأَمَرَ الْمَلِكُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ حِلْقِيَّا، وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ، أَنْ يَطْرَحُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِعَشْتَارُوثَ وَلِكُلِّ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ. وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ وَادِي قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. ٥ وَأَبَادَ كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوْقِدُوا عَلَى مَذَابِحِ الْمُرْتَفَعَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَضَوَاحِي أُورُشَلِيمَ، وَكَذَلِكَ قَضَى عَلَى الْكَهَنَةِ الَّذِينَ يُحْرِقُونَ لِلْبَعْلِ وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلِلأَبْرَاجِ الْفَلَكِيَّةِ وَلِسَائِرِ الْكَوَاكِبِ. ٦ وَأَخْرَجَ تِمْثَالَ عَشْتَارُوثَ مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ إِلَى خَارِجِ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ، وَأَحْرَقَهُ وَسَحَقَهُ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ غُبَاراً، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. ٧ وَهَدَمَ بُيُوتَ ذَوِي الشُّذُوذِ الْجِنْسِيِّ الْقَائِمَةَ حَوَالَيْ هَيْكَلِ الرَّبِّ، حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسُجْنَ ثِيَاباً لِتِمْثَالِ عَشْتَارُوثَ. ٨ وَاسْتَدْعَى يُوشِيَّا جَمِيعَ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَدَنَّسَ كُلَّ أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ الْوَثَنِيَّةِ فِي التِّلالِ، حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ مِنْ جَبَعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، وَهَدَمَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ مَدْخَلِ قَصْرِ يَشُوعَ مُحَافِظِ الْمَدِينَةِ، إِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ. ٩ وَلَمْ يَدَعْ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ يَسْتَخْدِمُونَ مَذْبَحَ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ وَإِنْ شَارَكُوا بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ فِي أَكْلِ خُبْزِ الْفَطِيرِ، ١٠ وَدَنَّسَ الْمَلِكُ أَيْضاً مَذْبَحَ تُوفَةَ فِي وَادِي بَنِي هِنُّومَ، لِكَيْ لَا يُجِيزَ أَحَدٌ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ للِصَّنَمِ مُولَكَ. ١١ وَأَبَادَ الْخَيْلَ الَّتِي كَرَّسَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا لإِلَهِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ الرَّبِّ بِجُوَارِ حُجْرَةِ نَثْنَمْلَكَ مُدِيرِ شُؤُونِ الْقَصْرِ، وَأَحْرَقَ الْمَرْكَبَاتِ الْمُكَرَّسَةَ لِعِبَادَةِ الشَّمْسِ. ١٢ وَهَدَمَ الْمَلِكُ الْمَذَابِحَ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي أَقَامَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَأَيْضاً الْمَذَابِحَ الَّتِي بَنَاهَا مَنَسَّى فِي سَاحَتَيِ الْهَيْكَلِ، وَسَحَقَ حِجَارَتَهَا هُنَاكَ ثُمَّ ذَرَّاهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ ١٣ وَنَجَّسَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الْمُرْتَفَعَاتِ الْمُوَاجِهَةِ لأُورُشَلِيمَ، الْقَائِمَةِ عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاكِ، الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتَارُوثَ إِلَهَةِ صِيدُونَ الرِّجْسَةِ، وَلِكَمُوشَ إِلَهِ مُوآبَ النَّجِسِ، وَلِمَلْكُومَ إِلَهِ بَنِي عَمُّونَ الْمَقِيتِ. ١٤ وَحَطَّمَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ أَعْمِدَةَ الأَصْنَامِ، وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ.".

عزرا الكاتب:

عندما تسلط نبوخذنصر على بني إسرائيل أحرق بيت الرب وجميع قصور القدس وهدم أسوارها ودمر كل شيء ثمين، وكان مما دمره هو تابوت العهد، لأن أخر مرة يذكر فيها تابوت العهد في الكتاب المقدس كان في عهد الملك يوشيا، سفر الأيام ٢ الإصحاح ٣٥ العدد ٣، حيث أمر الكهنة قائلا ٣ ضَعُوا تَابُوتَ الْقُدْسِ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ "، وقد سبى نبوخذنصر بني إسرائيل لبابل، ومما لا شك فيه أنهم لم يأخذوا معهم أغراضهم وكتبهم وتوراتهم وتابوت العهد، فهم ذهبوا مقيدين بالسلاسل كأسرى، وعلى هذا فلا يمكن تصور وجود توراة موسى أو نسخ منها معهم في ذلك الوقت وبعد كل ما حدث من دمار في المدينة وبيت الرب.

ولكن أثناء فترة السبي البابلي ظهر شخص اسمه عزرا، أراد أن يعيد بني إسرائيل لاتباع شريعة موسى، وعلى هذا أعاد كتابة شريعة موسى وتعليمها لبني إسرائيل. 

ولكن هل كتبها اعتماداً على التقليد الشفهي فجمع الروايات التي سمعها في كتاب أم كان نبياً من عند الله فأوحى الله له شريعة موسى عليه السلام مرة أخرى؟

الإجابة على هذا في ضوء ما ذكره الكتاب المقدس عن عزرا هي:

١- سمى الكتاب المقدس عزرا ب "عزرا الكاتب"، و "كاتب شريعة إله السماء" وغير ذلك من الألقاب التي تؤكد أنه أعاد كتابة شريعة موسى.

٢- سمى الكتاب المقدس عزرا ب "عزرا الكاهن" وليس "عزرا النبي"، وهكذا فإن الكتاب المقدس لم يعتبر عزرا نبي مرسل وإنما "كاهن"، وهكذا فإن ما كتبه لا يمكن أن يكون وحي من السماء والذي لا ينزل على الكهنة وإنما على الأنبياء والرسل، وهكذا فإن ما كتبه كان تجميعاً للروايات الشفهية التي وصلته من شريعة موسى.

٣- يؤكد الكتاب المقدس عدم وجود أي نسخ أخرى مع بني إسرائيل وقت كتابة عزرا لشريعة موسى، فقد سمى الكتاب المقدس عزرا ب "عزرا المعلم"، وذكر أن بني إسرائيل قد اجتمعوا حوله ليتعلموا منه ما كتبه، ولو كان معهم نسخ أخرى كما يدعي بعض القساوسة، لما احتاجوا أن يجتمعوا حوله هو فقط، أيضاً فإن الشعب كان ينوح بالبكاء وقتما سمعوا عزرا يقرأ الذي كتبه من شريعة موسى، وأن عزرا واللاويون كانوا يهدؤوا الشعب.

٤- يؤكد الكتاب المقدس أن ادعاء وجود نسخ للتوراة بعد عهد موسى ويشوع بن نون هو ادعاء غير صحيح، "١٤ وَوَجَدُوا فِيهَا مَا أمَرَ بِهِ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَىوَأنَّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَسْكُنُوا فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ فِي عِيدِ الشَّهْرِ السَّابِعِ ... ١٧ وَصَنَعَتْ كُلُّ الجَمَاعَةِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ السَّبِيِ سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةً، وَأقَامُوا فِيهَا. لِأنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا مِنْ أيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ.".

والآن لنستعرض ما ذكره الكتاب المقدس عن عزرا وعن الشريعة التي كتبها وعن الشعب:

سفر عزرا الإصحاح ٧ العدد ١: 

١ وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي أَثْنَاءِ حُكْمِ أَرْتَحْشَشْتَا مَلِكِ فَارِسَ، رَجَعَ مِنْ بَابِلَ رَجُلٌ اسْمُهُ عِزْرَا بْنُ سَرَايَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا ٢ بْنِ شَلُّومَ بْنِ صَادُوقَ بْنِ أَخِيطُوبَ، ٣ بْنِ أَمَرْيَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ مَرَايُوثَ، ٤ بْنِ زَرَحْيَا بْنِ عُزِّي بْنِ بُقِّي، ٥ بْنِ أَبِيشُوعَ بْنِ فِينْحَاسَ بْنِ أَلْعَازَارَ بْنِ هرُونَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، ٦ وَكَانَ عِزْرَا كَاتِباً مَاهِراً فِي شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَعْلَنَهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ؛ وَقَدْ مَنَحَهُ الْمَلِكُ كُلَّ سُؤْلِهِ بِفَضْلِ الرَّبِّ إِلَهِهِ ... ٩ إِذْ بَدَأَ رِحْلَتَهُ مِنْ بَابِلَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، وَوَصَلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، بِفَضْلِ يَدِ اللهِ الصَّالِحَةِ الَّتِي رَعَتْهُ، ١٠ لأَنَّ عِزْرَا أَخْلَصَ نِيَّتَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَمُمَارَسَتِهَا، وَتَعْلِيمِ الشَّعْبِ فَرَائِضَهَا وَأَحْكَامَهَا١١ وَهَذَا نَصُّ الرِّسَالَةِ الَّتِي سَلَّمَهَا الْمَلِكُ أَرْتَحْشَشْتَا لِعِزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ، الْعَالِمِ بِكَلامِ وَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَبْلَغَهَا لإِسْرَائِيلَ: ١٢«مِنْ أَرْتَحْشَشْتَا مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى عِزْرَا الْكَاهِنِ كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ، سَلامٌ، وَبَعْدُ. ١٣ لَقَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ بِالسَّمَاحِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ فِي مَمْلَكَتِي مِنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وَكَهَنَتِهِ وَاللّاوِيِّينَ أَنْ يَرْجِعَ مَعَكَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ١٤ فَأَنْتَ مُرْسَلٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ وَمُسْتَشَارِيهِ السَّبْعَةِ لِلاطِّلاعِ عَلَى مَدَى تَطْبِيقِ أَبْنَاءِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ لِشَرِيعَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْكَ ... ٢١ وَقَدْ أَصْدَرْتُ أَمْراً، أَنَا أَرْتَحْشَشْتَا الْمَلِكُ، إِلَى جَمِيعِ أُمَنَاءِ أَمْوَالِ الْمَلِكِ فِي عَبْرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ أَنْ يُلَبُّوا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ كُلَّ مَطَالِبِ عِزْرَا الْكَاهِنِ كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ ... ٢٣ وَلْيُنَفَّذْ بِأَسْرَعِ وَقْتٍ كُلُّ مَا يَأْمُرُ بِهِ إِلَهُ السَّمَاءِ بِشَأْنِ هَيْكَلِهِ، لأَنَّهُ لِمَاذَا يَحُلُّ غَضَبُهُ عَلَى دِيَارِ الْمَلِكِ وَأَبْنَائِهِ؟ ٢٤ نُفِيدُكُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْكَهَنَةِ وَاللّاوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَحُرَّاسِ الْهَيْكَلِ وَخُدَّامِهِ وَالْعَامِلِينَ فِيهِ، مُعْفَوْنَ مِنْ أَيَّةِ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَو خَفَارَةٍ. ٢٥ أَمَّا أَنْتَ يَا عِزْرَا فَبِمُقْتَضَى مَا تَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ حِكْمَةِ إِلَهِكَ، عَيِّنْ حُكَّاماً وَقُضَاةً مِنَ الْعَارِفِينَ بِشَرَائِعِ إِلَهِكَ، يَقْضُونَ بَيْنَ الشَّعْبِ الْمُقِيمِ فِي عَبْرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَلْيُعَلِّمُوا الْجَاهِلِينَ بِها. ٢٦ وَلْيُحْكَمْ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا يُطَبِّقُ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ وَشَرِيعَةَ الْمَلِكِ بِالْمَوْتِ أَوِ النَّفْيِ أَوْ بِغَرَامَةٍ مَالِيَّةٍ أَوْ بَالسَّجْنِ». ".

سفر نحميا الإصحاح ٨ العدد ١: 

١ اجتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ مَعًا فِي السَّاحَةِ قُرْبَ «بَابِ المَاءِ» وَطَلَبُوا مِنَ المُعَلِّمِ عَزْرَا أنْ يُحضِرَ كِتَابَ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أمَرَ اللهُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يَتَّبِعُوهَا. ٢ فَأحضَرَ عَزْرَا الكَاهِنُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ أمَامَ الجُمْهُورِ الَّذِي تَألَّفَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا، أيْ كُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ مَا يَسْمَعُهُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. ٣ وَقَرَأ عَزْرَا أمَامَ السَّاحَةِ، أمَامَ «بَابِ المَاءِ» مِنْ أوَّلِ الصَّبَاحِ إلَى الظُّهْرِ، لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَفْهَمَ مَا يَسْمَعُهُ. وَأصغَى كُلُّ الشَّعْبِ إلَى تَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ. ٤ وَوَقَفَ المُعَلِّمُ عَزْرَا عَلَى مِنَصَّةٍ خَشَبِيَّةٍ صُنِعَتْ لِتِلْكَ المُنَاسَبَةِ. وَعَلَى يَمِينِهِ وَقَفَ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَّا وَمَعْسِيَّا. وَعَلَى شِمَالِهِ وَقَفَ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلْكِيَّا وَحَاشُومُ وَحَشْبَدَّانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلَّامُ. ٥ وَفَتَحَ عَزْرَا الكِتَابَ عَلَى مَرْأى مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لِأنَّهُ كَانَ أعْلَى مِنْهُمْ. وَلَمَّا فَتَحَ عَزْرَا الكِتَابَ، وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. ٦ وَسَبَّحَ عَزْرَا اللهَ، الإلَهَ العَظِيمَ، فَأجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «آمِينَ! آمِينَ!» وَأيَادِيهِمْ مَرْفُوعَةٌ. وَانْحَنَوْا وَعَبَدُوا اللهَ وَوُجُوهُهُمْ إلَى الأرْضِ. ٧ وَقَامَ اللَّاوِيُّونَ، وَهُمْ يَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايَ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَّا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلَايَا، بِإفْهَامِ الشَّعْبِ شَرِيعَةَ اللهِ وَالشَّعْبُ وَاقِفُونَ فِي أمَاكِنِهِمْ. ٨ وَقَرَأُوا كِتَابَ شَرِيعَةِ اللهِ قِسْمًا قِسْمًا وَأوضَحُوا مَعْنَاهَا، فَفَهِمَ الشَّعْبُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ. ٩ وَقَالَ نَحَمْيَا الوَالِي وَعَزْرَا المُعَلِّمُ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ لَهُمْ: «هَذَا اليَوْمُ مُخَصَّصٌ لِإلَهِكُمْ. فَلَا تَحْزَنُوا وَلَا تَنُوحُوا،» لِأنَّ الشَّعْبَ كَانُوا جَمِيعًا يَبْكُونَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ الشَّرِيعَةِ. ١٠ وَقَالَ لَهُمْ عَزْرَا: «اذْهَبُوا وَكُلُوا طَعَامًا دَسِمًا وَاشْرَبُوا شَرَابًا حُلْوًا، وَأرسِلُوا حِصَّةً لِلَّذِينَ لَمْ يُحضِرُوا طَعَامًا، لِأنَّ اليَوْمَ مُخَصَّصٌ لِرَبِّنَا. وَلَا تَحْزَنُوا لِأنَّ فَرَحَ اللهِ يَجْعَلُكُمْ أقْوِيَاءَ.» ١١ وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يُهَدِّئُونَ الشَّعْبَ بِقَولِهِمْ: «اسْكُتُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَهَذَا يَوْمٌ مُخَصَّصٌ للهِ.» ١٢ فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا وَيُرْسِلُوا حِصَصًا مِنَ الطَّعَامِ، وَيَحْتَفِلُوا بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، لِأنَّهُمْ فَهِمُوا الكَلَامَ الَّذِي أُعْلِنَ لَهُمْ. ١٣ وفِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ جَمِيعِ العَائِلَاتِ وَالكَهَنَةُ وَاللَّاوِيُّونَ مَعَ المُعَلِّمِ عَزْرَا لِدِرَاسَةِ كَلَامِ الشَّرِيعَةِوَتَعْلِيمِهَا. ١٤ وَوَجَدُوا فِيهَا مَا أمَرَ بِهِ اللهُ عَلَى فَمِ مُوسَىوَأنَّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ يَسْكُنُوا فِي سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةٍ فِي عِيدِ الشَّهْرِ السَّابِعِ. ١٥ وَأنْ يُنَادُوا بِالكَلِمَاتِ التَّالِيَةِ وَيَنْشُرُوهَا عَبْرَ مُدُنِهِمْ وَفِي القُدْسِ: «اخْرُجُوا إلَى المَنَاطِقِ الجَبَلِيَّةِ وَأحْضِرُوا أغْصَانًا مِنَ الزَّيْتُونِ وَالزَّيْتُونِ البَرِّيِّ وَالآسِ وَالنَّخِيلِ وَأشْجَارٍ مُورِقَةٍ أُخْرَى لِكَي تَصْنَعُوا سَقَائِفَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ.» ١٦ فَخَرَجَ الشَّعْبُ وَأحضَرُوا أغْصَانًا وَصَنَعُوا سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةً لِأنْفُسِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ وَفِي سَاحَةِ مَنزِلِهِ، وَفِي سَاحَاتِ بَيْتِ اللهِ، وَفِي السَّاحَةِ القَرِيبَةِ مِنْ بَابِ المَاءِ، وَالسَّاحَةِ القَرِيبَةِ مِنْ بَابِ أفْرَايِمَ. ١٧ وَصَنَعَتْ كُلُّ الجَمَاعَةِ الَّتِي عَادَتْ مِنَ السَّبِيِ سَقَائِفَ مُؤَقَّتَةً، وَأقَامُوا فِيهَا. لِأنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا مِنْ أيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ. وَكَانَ فَرَحُهُمْ عَظِيمًا. ١٨ وَكَانَ عَزْرَا يَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ شَرِيعَةِ اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ إلَى آخِرِ يَوْمٍ فِي الِاحْتِفَالِ. وَاحْتَفَلُوا سَبْعَةَ أيَّامٍ، وَفِي اليَوْمِ الثَّامِنِ كَانَ هُنَاكَ اجْتِمَاعٌ خَاصٌّ كَمَا تَقُولُ الشَّرِيعَةُ. ".

ولسائل أن يسأل: إذا أعاد عزرا كتابة شريعة موسى، فهل هذا يعني أن العهد القديم الذي بين أيدينا الآن هو غير محرف وله موثوقية؟

هل العهد القديم الذي بين أيدينا الآن هو ما كتبه عزرا؟

بعض القساوسة لإضفاء طابع الموثوقية على أسفار العهد القديم، يقسمون تاريخ العهد القديم لعهد ما قبل عزرا، وعهد ما بعد عزرا، ثم يضعون أدلة ضعيفة جداً لمحاولة إثبات أن الأسفار المقدسة ومن وقت نبي الله موسى قد وصلت مكتوبة وسليمة لعزرا، ثم يضعون أدلة ضعيفة لمحاولة إثبات أن الكتاب المقدس الموجود بين أيدينا اليوم هو من كتابة عزرا. ولكن سنرد على كل هذا بإذن الله تعالى في النقاط الآتية:

١- الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام، ليست من كتابة موسى عليه السلام، وهذا سوف نستعرضه بالتفصيل في الفصل القادم بإذن الله تعالى.

٢- التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، كانت كلام الله وذو طابع تشريعي آمر ومباشر، وهداية لبني إسرائيل، وإخبارهم بأمور غيبية لم يعلموها مثل بداية الخلق وغير ذلك، أما الأسفار الخمسة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية) فهي لها طابع قصصي يحكي عن الله وعن موسى وعن شريعة موسى وعن خروج بني إسرائيل من مصر وغير ذلك، وحتى في ذكر تلك الأسفار لتشريعات لبني إسرائيل فكان هذا أيضاً بطابع قصصي يفهم منه بكل وضوح أن المتحدث ليس هو الله بضمير المخاطب أو موسى بضمير المخاطب، وإنما شخص آخر كتب ما وصله من التقليد الشفهي فكتب عن الله وعن موسى وغير ذلك بضمير الغائب. وتفصيل ذلك سنذكره في الفصل القادم بإذن الله تعالى.

٣- تسمية تلك الأسفار الخمسة بالتوراة كان اجتهاداً من بني إسرائيل وفي وقت متأخر وليس في عهد موسى أو حتى عهد قريب منه، وقد سميت بذلك بسبب ما تحكيه عن فترة موسى عليه السلام.

٤- تحتوي تلك الأسفار الخمسة على جزء من الحقيقة وقد نقل هذا الجزء من عهد موسى وحتى كتابة تلك الأسفار الخمسة عبر التقليد الشفهي، ولكن أضيف عليه كثير من التحريف والضلال.

٥- يؤكد علماء النقد الكتابي أن الأسفار الخمسة لم تكتب من شخص واحد وإنما من عدة مصادر مختلفة وعلى فترات متباعدة، وأن بين تلك المصادر اختلافات كبيرة في الأسلوب والمضمون والمفردات اللغوية، وسموا تلك المصادر ب "يهوي" (Yahwist) ويرمز له ب "J"، و "إلوهي" (Elohist) ويرمز له ب "E"، و "كهنوتي" (Priestly) ويرمز له ب "P"، و "تثنوي" (Deuteronomist) ويرمز له ب "D".

٦- يؤكد علماء النقد الكتابي أن سفر التثنية لم يكن في البداية جزءاً من الأسفار الخمسة الحالية، وقد تمت إضافته لهم مؤخراً، وأن تلك الأسفار الأربعة الأولى تشترك في المصادر "J" و"E" و"P"، أما جزء كبير من سفر التثنية فيشترك مع أسفار أخرى في المصدر "D". وهناك نظرية واسعة الانتشار والقبول باسم "المصدر التثنوي" (Deuteronomist) وهي للعالم التوراتي الألماني "مارتن نوث"[147] والمتخصص في التاريخ المبكر لبني إسرائيل، يقول فيها أن كل من سفر التثنية ويشوع والقضاة وصموئيل أول وثاني وملوك أول وثاني مشتركون في المصدر التثنوي "D"، فهناك وحدة في اللغة والمضمون فيما بينهم.

٧- بالنسبة لعزرا فكما ذكرنا بالأعلى فإن الملك أَرْتَحْشَشْتَا وجه رسالته له قائلا: "إِلَى عِزْرَا الْكَاهِنِ كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ"، وهذا يعني أن عزرا قد أعاد كتابة التوراة أو شريعة موسى فقط وحسب ما وصله من التقليد الشفهي أثناء فترة السبي البابلي. أي أنه لم يكتب أية أسفار أخرى، بل وسفر عزرا نفسه ليس من كتابة عزرا، على الرغم من ادعاء بعض القساوسة أنه من كتابته لاستخدامه ضمير المتحدث فيه، ولكن سفر عزرا والمكون من ١٠ إصحاحات، جميع إصحاحاته تتحدث عن عزرا بضمير الغائب إلا إصحاحين وهما السابع والثامن، ففيهما استخدم الكاتب أسلوب المتحدث لعزرا. ولكن ولأسباب كثيرة نرفض فكرة أن الكاتب هو عزرا نفسه، ومنها أن عزرا كان من سبط لاوي فهو كما ورد من نسل هارون، إلا أن كاتب سفر عزرا مؤيد في الواقع لسبط يهوذا وبنيامين، فسمى سكان السامرة من الأسباط العشرة بأنهم أعداء يهوذا وبنيامين، انظر في الإصحاح ٤ من سفر عزرا العدد ١: ١ وَعِنْدَمَا عَرَفَ أَعْدَاءُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ أَنَّ الْمَسْبِيِّينَ الْعَائِدِينَ شَرَعُوا فِي بِنَاءِ هَيْكَلٍ لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ، ٢ أَقْبَلُوا إِلَى زَرُبَّابِلَ وَرُؤَسَاءِ الْعَشَائِرِ قَائِلِينَ لَهُمْ: «دَعُونَا نَبْنِي مَعَكُمْ، لأَنَّنَا مِثْلُكُمْ نَعْبُدُ إِلَهَكُمْ. ". أيضاً فإن استخدام صيغة المتحدث في إصحاحين ليس دليل على أن عزرا هو كاتب هذا السفر، فهو استخدم ضمير الغائب في ثمانية إصحاحات، مما يشير إلى أن كاتب السفر ربما دون بعض من مذكرات عزرا وأضافها في السفر.

٨- المتعمق في دراسة العهد القديم، يجد إشارات كثيرة جدا تؤيد سبط يهوذا وبنيامين على حساب الأسباط العشرة الأخرى، مما يؤيد أن كتابة العهد القديم بوجه عام تمت بعد انفصال مملكة إسرائيل لمملكتين، فضلاً عن أن من تبقى من السامريين في عصرنا الحالي لا يؤمنون إلا بتوراتهم والتي هي تحتوي على الأسفار الخمسة الأولى، ويرفضون بشدة جميع الأسفار الأخرى التي يؤمن بها اليهود، ويتهمونهم بأنهم قد ألفوها أثناء السبي البابلي.

٩- عندما نقرأ الأسفار الأولى من العهد القديم، نجد تغير في جغرافيا فلسطين القديمة، فمن كتب تلك الأسفار شرح أسماء بعض الأماكن وغير أسماء بعض الأماكن فكتبها بأسمائها الجديدة، فمثلاً كتب مدينة دان، بدلاً من اسمها القديم "لايش"، وكتب مدينة حبرون، بدلاً من اسمها القديم "أربع"، وسوف نتناول هذا في الفصل القادم بإذن الله تعالى. وهكذا فلا يمكن لعزرا الذي ولد وتربى في بابل أن يعرف الأسماء الجديدة لتلك المدن البعيدة عنه. وطالما أن عزرا كان يعيد كتابة أو تجميع التوراة من التقليد الشفهي، فهو بالتأكيد كان يكتب أسماء المدن كما وصلته، أي بأسمائها القديمة التي عرفت بها في عهد إبراهيم وفي عهد موسى عليهما السلام.

١٠- بعض القساوسة يؤكدون على وجود أسفار العهد القديم ووجود التوراة كاملة أثناء السبي البابلي، مستشهدين بقول دانيال أثناء السبي، والذي هو في سفر دانيال الإصحاح ٩ العدد ٢: ١ فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ حُكْمِ دَارِيُّوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَادِيِّينَ، الَّذِي اعْتَلَى عَرْشَ مَمْلَكَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ. ٢ فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، أَدْرَكْتُ أَنَا دَانِيَالَ، مِنْ دِرَاسَةِ الأَسْفَارِ الَّتِي دُوِّنَ فِيهَا وَحْيُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا، أَنَّ عَدَدَ السَّنَوَاتِ الَّتِي قُضِيَ بِها عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ هُوَ سَبْعُونَ سَنَةً. ".

ولكن هذا تحريف متعمد، لأن إرميا له سفر واحد وهو المعروف باسم سفر إرميا، إذن هذا ليس بدليل على وجود كتب وأسفار ووجود التوراة محفوظة وسليمة. أيضاً فإن إرميا كان معاصراً لدخول نبوخذنصر لأورشليم، ودانيال أيضاً كان معاصراً لهذا، بل وأخذه نبوخذنصر لبابل، أي أن كلا من إرميا ودانيال عاشوا في نفس العصر، إلا أن إرميا كان يكبره سناً، أي كان من السهل أن يحصل دانيال على سفر إرميا. 

ولكن نحن هنا نتحدث عن كيفية وصول التوراة من زمن موسى عليه السلام لعزرا الكاتب الذي ولد في السبي البابلي! فما علاقة سفر إرميا وأيضا دانيال بهذا؟ 

ليست المشكلة هي وصول سفر قد كتب من نبي لنبي آخر، فالنبي عمره محدود، ونحن المسلمون نؤمن أن الله عز وجل قد أرسل العديد من الأنبياء لبني إسرائيل، ولكن المشكلة كانت تكمن دائما في أن هذا الشعب وقعوا على مر العصور في عبادة الأصنام ولم يعيروا انتباهاً لا لأنبيائهم ولا لأسفار أنبيائهم. 

بل على العكس كانوا دائمون في تكذيب أنبيائهم أو قتلهم وتحريف أقوالهم وفق أهوائهم أو حرق أسفارهم وتدميرها، وهذا هو السبب في عدم وصول إلينا أي مخطوطة أصلية من أسفارهم المقدسة. فكم من نبي قتلوا واضطهدوا؟ فهذا إرميا نفسه قد عانى من الاضطهاد والتكذيب، فسجن وأهين وحرم من دخول الهيكل وأحرق الملك يهوياقيم سفره (انظر سفر إرميا الإصحاح ٣٦ العدد ٢٣)، بل ويقول التقليد اليهودي أن اليهود قد رجموه حتى الموت في مصر في تحفنحيس! وأيضا النبي حزقيال الذي كتب سفر حزقيال في السبي البابلي، يقول التقليد اليهودي أن المسبيين من بني إسرائيل قتلوه في بابل بسبب أمانته وجرأته وتوبيخه لهم، ويقال أنهم سحلوه على الأحجار وظلوا يسحبونه حتى تحطم رأسه، بل ويذكر كتاب السنكسار[148] عنه أنه لما عبد بنو إسرائيل الأصنام في بابل بكتهم فوثب عليه رؤساؤهم وقتلوه ثم دفنوه في مدافن سام وار فكشاد[149].

بل وظهر في بني إسرائيل على مر العصور أعداد كبيرة من الأنبياء الكذبة والكهنة الذين قدموا محرقات للأصنام وعبدوها وبنو معابد للأصنام  والعديد من الملوك الأشرار حسب وصف الكتاب المقدس، فكيف بعد ذلك يكونوا قد حافظوا على أسفارهم المقدسة منذ زمن موسى عليه السلام؟

١١- يستشهد بعض القساوسة على عصمة الأسفار المقدسة من التحريف بأن رجال حزقيا جمعوا أمثال سليمان، وأن هذا شاهد على عملية تجميع الكتاب المقدس وعمل نسخ منه، سفر الأمثال الإصحاح ٢٥ العدد ١: " ١ هَذِهِ أَيْضاً أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ الَّتِي نَسَخَهَا رِجَالُ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا ". ولكن هذا أيضاً ليس بدليل على كيفية وصول توراة موسى لعزرا، وليس بدليل على حفظ بني إسرائيل لتوراة موسى ولأسفارهم المقدسة، أيضا فإن عبارة " أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ الَّتِي نَسَخَهَا رِجَالُ حَزَقِيَّا "، توضح أن جمع أمثال سليمان تم بعد مرور ما يقرب من ثلاثة قرون على موته، فسليمان عاش في القرن العاشر ق.م. أما حزقيا فحكم عام ٧٢٨ ق.م. فحزقيا هو أبو جد يوشيا الملك. أيضاً فإن عبارة "أمثال سليمان" توضح أن تلك الأمثال لم تكن سفر مقدس قد كتبه سليمان، ولم تكن وحي إلهي بل أمثال شفوية جمعها المتأخرون. فانظر في سفر الأمثال الإصحاح ٢٤ العدد ٢٣: ٢٣ وَهَذِهِ أَيْضاً أَقْوَالُ الْحُكَمَاءِ: التَّحَيُّزُ فِي الْحُكْمِ مُشِينٌ، ٢٤وَمَنْ يَقُولُ لِلشِّرِّيرِ: أَنْتَ بَرِيءٌ، تَلْعَنُهُ الشُّعُوبُ وَتَمْقُتُهُ الأُمَمُ. ". إذن لماذا أضاف بنو إسرائيل هذه الأمثال للكتاب المقدس جاعلين منها سفراً مقدساً ووحياً إلهياً؟ أخيراً نقول، أن سليمان قد وصفه الكتاب المقدس بأنه عبد الأصنام، فأي سفر مقدس قد يكون قد كتبه وأي أمثال نأخذها منه؟ (علماً أننا المسلمون لا نؤمن بأن نبي الله سليمان عليه السلام عبد الأصنام، ولكن هذا هو ادعاء الكتاب المقدس عليه)، سفر الملوك ١ الإصحاح ١١ العدد ٥: ٥ وَمَا لَبِثَ أَنْ عَبَدَ عَشْتَارُوثَ إلَهَةَ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ إِلَهَ الْعَمُّونِيِّينَ الْبَغِيضَ، ٦ وَارْتَكَبَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعْ سَبِيلَ الرَّبِّ بِكَمَالٍ كَمَا فَعَلَ أَبُوهُ دَاوُدُ. ". فإن كنت أنت عزيزي القس تؤمن بما قاله الكتاب المقدس عن سليمان، فعندها لا تقل لي أن أؤمن بسفر الأمثال وأقبله كسفر مقدس، فكيف أقبل سفر ممن وصف بعبادته للأصنام؟

١٢- نرجع للحديث عن عزرا الكاتب، فمن يدعي وجود نسخ مكتوبة في عصره، فنرد عليه بأنه إذا كانت هناك نسخ مكتوبة، فماذا كتب هو؟ يعني لا فائدة من كتابة شيء هو مكتوب أصلاً! ولكن عزرا لقب بكاتب شريعة إله السماء، لأنه أعاد كتابة القوانين والوصايا مما وصله من التقليد الشفهي وليس من كتب مكتوبة.

 

 

الفصل الرابع

من كتب التوراة أو أسفار موسى الخمسة؟

التوراة أو أسفار موسى الخمسة:

يؤمن المسيحيون واليهود بأن نبي الله موسى عليه السلام هو كاتب التوراة والتي يؤمنون أنها أول خمسة أسفار في العهد القديم (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية)، ويسمونها ب "أسفار موسى الخمسة" أو "كتاب الشريعة" أو "شريعة موسى".

وكما ذكرنا من قبل، فإن كلام الله في كتابه يجب أن يكون بضمير المخاطب، ولكن إذا قرأنا أسفار موسى الخمسة، لا نجد أنها تستخدم ضمير المخاطب وإنما المتحدث هو آخر غير الله عز وجل وغير موسى نفسه عليه السلام.

موت موسى عليه السلام:

سفر التثنية الإصحاح ٣٤ العدد ٥: " ٥ فَمَاتَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ بِمُوْجِبِ قَوْلِ الرَّبِّ. ٦ وَدَفَنَهُ فِي الْوَادِي فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ قَبْرَهُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. ٧ وَكَانَ مُوسَى قَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، لَمْ يَكِلَّ بَصَرُهُ وَلا غَاضَتْ نَضَارَتُهُ. ٨ وَنَاحَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ طَوَالَ ثَلاثِينَ يَوْماً. ٩ وَكَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ قَدِ امْتَلَأَ رُوحَ حِكْمَةٍ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ مُوسَى يَدَيْهِ عَلَيْهِ، فَأَطَاعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ مُوسَى. ١٠ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى، الَّذِي خَاطَبَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ ١١وَأَقَامَهُ لِيُجْرِيَ جَمِيعَ الآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ فِى دِيَارِ مِصْرَ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى جَمِيعِ عَبِيدِهِ. ١٢ إِذْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَصْنَعَ الْعَظَائِمَ الْمُخِيفَةَ بِقُدْرَةٍ فَائِقَةٍ كَمَا فَعَلَ مُوسَى أَمَامَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.".

ومن السابق نجد الآتي:

١- أن سفر التثنية قد ذكر قصة موت موسى عليه السلام، فكيف يكون موسى عليه السلام هو كاتب هذا السفر؟

٢- ذكر السفر " وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ قَبْرَهُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ "، مما يشير إلى وجود فرق زماني كبير بين تاريخ موت موسى عليه السلام وتاريخ كتابة هذا السفر.

٣- ذكر السفر أن من تولى حكم بني إسرائيل بعد موسى هو يشوع بن نون، " فَأَطَاعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ "، وفعل "أطاعه" هو فعل ماضي وليس حاضر، أي أن كاتب السفر يحكي شيء في الماضي وليس في الحاضر.

٤- ذكر السفر " وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى "، مما يشير إلى وجود فرق زماني كبير بين تاريخ موت موسى عليه السلام وتاريخ كتابة هذا السفر، حيث ظهر العديد من الأنبياء ولكن لم يكن أحدهم مثل موسى عليه السلام.

أقوال بعض القساوسة على ما سبق ذكره:

تنقسم أقوال القساوسة على ثلاث أقوال:

١- بعض القساوسة يعترفون أن كاتب هذا السفر ليس هو موسى عليه السلام، ويقولون أنهم لا يعرفون من يكون كاتب هذا السفر. وقولهم هذا يدحض فرضية أن ينسب هذا السفر لله تعالى وأن يعتبر من كلام الله تعالى.

٢- قساوسة أخرون يؤكدون أن كاتب السفر هو موسى علىه السلام، ولكن نهاية السفر قد تكون من كتابة يوشع بن نون وبأنه كتبها وضمها لنهاية سفر التثنية كتتمة لقصة موسى عليه السلام. 

ولكن يرد على قولهم هذا، بأن يوشع بن نون كان نبياً فكيف له التجرأ أن يضيف لكلام الله كلام ليس منه؟ كما أن هذا السفر قد ذكر اسم يوشع بن نون بضمير الغائب وليس ضمير المخاطب! أيضاً إن كان يوشع بن نون هو من كتب تتمة لقصة موسى، فهو إذن كان معتبراً أن هذا الكتاب إنما هو كتاب تاريخي وليس كلام الله! فضلاً عن وجود عبارات في تلك التتمة تشير إلى وجود فرق زماني كبير بين تاريخ موت موسى عليه السلام وتاريخ كتابة هذا السفر. أيضاً فإن هؤلاء القساوسة الذين ادعوا أن كاتب تلك التتمة هو يوشع، هم أنفسهم من ينسبون سفر يوشع ليوشع نفسه، ولكن أيضا عند النظر في نهاية سفر يوشع نجد أنه يذكر موت يوشع، فكيف يكون يوشع هو من كتب عن قصة موته؟

سفر يشوع الإصحاح ٢٤ العدد ٢٩: "٢٩ وَمَا لَبِثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ الرَّبِّ، وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعَشْرَ سَنَوَاتٍ، ٣٠ فَدَفَنُوهُ فِي أَرْضِ مِيرَاثِهِ فِي تِمْنَةَ سَارَحَ الَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ. ٣١ وَعَبَدَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ الرَّبَّ طَوَالَ حَيَاةِ يَشُوعَ، وَفِي أَثْنَاءِ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ عَمَّرُوا طَوِيلاً بَعْدَ يَشُوعَ، مِمَّنَ شَهِدُوا كُلَّ مُعَامَلاتِ الرَّبِّ الَّتِي أَجْرَاهَا مَعَ إِسْرَائِيلَ.".

٣- قساوسة أخرون يؤكدون أن كاتب هذا السفر هو موسى نفسه، متغاضين عما ذكر في تلك التتمة وضاربين بها عرض الحائط، وداعمين ادعاءهم هذا بحجج واهية، ومنها أنه واضح أن كاتب هذا السفر كان حريصاً على مصلحة شعبه وأنه كان يعرف جيداً جغرافية الأماكن المذكورة في هذا السفر وما إلى ذلك، أيضاً وجود شهادات من بعض علماء اليهود والمسيحيين أن كاتب هذا السفر هو موسى، ووجود عبارات داخل هذا السفر مستخدمة ضمير المخاطب لموسى عليه السلام.

ولكن يرد على ادعاءاتهم تلك بأنه إذا كان كاتب هذا السفر حريصاً على مصلحه شعبه فهذا لا يمكن أن يكون دليل على أن كاتبه هو موسى عليه السلام، وبالنسبة لمعرفة الكاتب لجغرافية الأماكن المذكورة في هذا السفر فهذا أيضاً لا يمكن اعتباره دليل على نسبة هذا السفر لموسى عليه السلام، أما بالنسبة لوجود عبارات داخل هذا السفر مستخدمة لضمير المخاطب، فهذا شيء طبيعي داخل أي كتاب تاريخي، فالكاتب الذي يحكي عن قصة شخص أخر، قد يستخدم أسلوب المخاطب عند ذكر بعض أقواله، وبالنسبة لاستخدام ضمير المخاطب في بعض الأماكن فيدحضه استخدام ضمير الغائب في أماكن أخرى!

دان أم لايش؟

من الأدلة التي تؤكد أن من كتب التوراة الحالية أو الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام لم يكن موسى وإنما شخص آخر قد كتبها بعد مرور فترة كبيرة من موت موسى عليه السلام، هو أن العديد من الأماكن في الكتاب المقدس قد وردت بأسمائها المتأخرة وليس بأسمائها الأصلية التي كانت على زمن موسى عليه السلام.

فعلى سبيل المثال ذهب نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمدينة "لايش" لإنقاذ ابن أخيه نبي الله لوط عليه السلام الذي وقع في الأسر، وعلى هذا فإن كان موسى عليه السلام هو من كتب التوراة الموجودة حالياً بين أيدينا، فبالتأكيد كان سيكتب اسم المدينة كما كان في زمنه "لايش"، ولكن عند قراءة سفر التكوين نجد أن اسم المدينة قد تغير ل "دان" وليس "لايش"!

سفر التكوين الإصحاح ١٤ العدد ١٤: " ١٤ فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ قَدْ أُسِرَ، جَرَّدَ ثَلاثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ غِلْمَانِهِ الْمُدَرَّبِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَتَعَقَّبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ دَانَ. ".

ولكن من أين أتي اسم دان؟ دان هو اسم أحد أبناء يعقوب (إسرائيل) عليه السلام والذي منه انحدر سبط دان، وعندما دخل سبط دان أرض لايش قتلوا كل من فيها وأحرقوها بالنار ثم قاموا بتسمية المدينة باسم أبيهم دان.

سفر القضاة الإصحاح ١٨ العدد ١: "١ ... شَرَعَ أَبْنَاءُ سِبْطِ دَانٍ يَبْحَثُونَ عَنْ مَكَانٍ يَسْتَوْطِنُونَ فِيهِ ... ٢ فَأَرْسَلَ الدَّانِيُّونَ خَمْسَةَ رِجَالٍ مِنْ سِبْطِهِمْ ... ، لِتَجَسُّسِ الأَرْضِ وَاسْتِكْشَافِهَا، ... ٧ فَمَضَى الرِّجَالُ الْخَمْسَةُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى لايِشَ، فَوَجَدُوا أَهْلَهَا الْصَّيْدُونِيِّينَ مُقِيمِينَ فِيهَا مُطْمَئِنِّينَ كَعَادَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ، آمِنِينَ، لَا يُؤْذِيهِمْ أَحَدٌ فِي أَرْضِهِمْ، أَثْرِيَاءَ وَيَتَمَتَّعُونَ بِالاكْتِفَاءِ الذَّاتِيِّ، ... ٩ فَأَجَابُوهُمْ: «هَيَّا بِنَا نَهْجُمْ عَلَى أَهْلِ لايِشَ فَأَرْضُهُمْ خَصِيبَةٌ، فَمَا بَالُكُمْ مُتَقَاعِسُونَ؟ لَا تَتَكَاسَلُوا عَنِ الْهُجُومِ لامْتِلاكِ الأَرْضِ ... ٢٧ أَمَّا الدَّانِيُّونَ فَقَدْ أَقْبَلُوا إِلَى لايِشَ وَمَعَهُمْ أَصْنَامُ مِيخَا وَالْكَاهِنُ، فَوَجَدُوا شَعْبَهَا آمِناً مُطْمَئِنّاً مُسَالِماً، فَهَاجَمُوهَا وَقَتَلُوا أَهْلَهَا بِحَدِّ السَّيْفِ وَأَحْرَقُوهَا ... ٢٩ وَدَعَوْهَا دَاناً بِاسْمِ دَانٍ أَبِيهِمْ الَّذِي أَنْجَبَهُ إِسْرَائِيلُ، أَمَّا اسْمُهَا الْقَدِيمُ فَكَانَ لايِشَ.".

ومن الحيل الطريفة التي قابلناها في ردود بعض القساوسة، أنه على أحد أشهر المواقع المسيحية على الإنترنت قد كتبوا عن عزرا الكاتب الآتي: 

" هو أيضًا غير أسماء بعض الأماكن التي اشتهرت بأسماء جديدة وأزال الأسماء التي لم تعد تستخدم ليفهم الناس المعاصرين مثال: تكوين 14:14 كان لايش هو الاسم القديم للمنطقة التي سميت دان فيما بعد.".

ولكن عندما ورد لنفس الموقع سؤال " كيف يذكر سفر التكوين اسم بلدة دان (تك 14: 14) رغم أن اسم المدينة كان لايش حتى عصر القضاة عندما احتلها أهل دان وضربوا أهلها بالسيف وأحرقوها بالنار وأعادوا بناءها ودعوها دان باسم أبيهم (قض 18: 27-29)؟"، رد الموقع بالآتي:

" كان هناك مدينتان باسم "دان" الأولى التي ورد ذكرها في سفر التكوين، ... والمدينة الثانية "دان" ذُكرت في سفر القضاة. "!

يعني نفس القساوسة الكبار الذين يديرون ذلك الموقع الشهير، قد تلاعبوا بالإجابات وفق أهوائهم، فمرة يقولون أن عزرا هو من غير اسم المدينة كتيسير على الناس، ثم بعد ذلك يقولون أنه لم يتم تغيير اسم المدينة وأن المذكور هي مدينة أخرى! ولكن إن أراد القارئ الكريم البحث عن اسم تلك المدينة التاريخية فسيجد أن جميع المؤرخين يذكرون أنها هي نفس المدينة التي ذهب إليها إبراهيم عليه السلام لإنقاذ ابن أخيه وأنه قد تم تغيير اسمها في الكتاب المقدس.

حبرون أم أربع؟

التكوين الإصحاح ٢٣ العدد ١: ١ وَعَاشَتْ سَارَةُ مِئَةً وَسَبْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً. ٢ ثُمَّ مَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، أَيْ حَبْرُونَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا. ".

يشوع الإصحاح ١٥ العدد ٥٤: "٥٤ وَحُمْطَةُ وَقَرْيَةُ أَرْبَعَ وَهِيَ حَبْرُونُ ".

يشوع الإصحاح ٢٠ العدد ٧: ٧ فَخَصَّصَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ مُدُنَ مَلْجَأٍ: قَادَشَ فِي الْجَلِيلِ فِي جَبَلِ نَفْتَالِي وَشَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَرْيَةَ أَرْبَعَ الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ فِي جَبَلِ يَهُوذَا. ".

 

 

الفصل الخامس

توراة المسلمين

معتقد المسلمين في التوراة:

يؤمن المسلمون أن الله عز وجل قد أنزل كتاباً على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام وهو كتاب التوراة، يقول الله تعالى: {وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ}[150].

كما يؤمن المسلمون أن بنو إسرائيل قد بعدوا عن طريق الله على مر العصور، وأن الله عز وجل قد أرسل لهم العديد من الأنبياء ليدعوهم للاستقامة على دين الله، ولكنهم قتلوا الكثير من أنبياء الله، يقول الله تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ }[151]، ويقول الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (٩١) ۞وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ (٩٢) }[152].

انظر أيضاً ملوك ١ الإصحاح ١٨ العدد ٤: ٤ فَحِينَ شَرَعَتْ إِيزَابِلُ فِي قَتْلِ أَنْبِيَاءِ الرَّبِّ، أَخَذَ عُوبَدْيَا مِئَةَ نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي مُغَارَتَيْنِ، وَتَكَفَّلَ بِإِعَالَتِهِمْ بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ. ".

انظر أيضا سفر أعمال الرسل الإصحاح ٧ العدد : ٥١ ثُمَّ قَالَ اسْتِفَانُوسُ: «يَا أَصْحَابَ الرِّقَابِ الصُّلْبَةِ وَالْقُلُوبِ وَالآذَانِ غَيْرِ الْمَخْتُونَةِ! إِنَّكُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. وَكَمَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ تَفْعَلُونَ! ٥٢ فَأَيُّ نَبِيٍّ نَجَا مِنِ اضْطِهَادِهِمْ وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ أَنْبَأُوا بِمَجِيءِ البَارِّ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَقَتَلْتُمُوهُ! ٥٣ فَأَنْتُمْ أَخَذْتُمُ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَيْدِي الْمَلائِكَةِ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوهَا!»".

انظر أيضاً متى الإصحاح ٥ العدد ١٢: ١٢ اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، فَإِنَّ مُكَافَأَتَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ عَظِيمَةٌ. فَإِنَّهُمْ هكَذَا اضْطَهَدُوا الأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكُمْ!".

انشر أيضا متى الإصحاح ٢٣ العدد ٢٩: ٢٩ الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصَّالِحِينَ، ٣٠ وَتَقُولُونَ: لَوْ عِشْنَا فِي زَمَنِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي سَفْكِ دَمِ الأَنْبِيَاءِ. ٣١ فَبِهَذَا تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِأَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَاتِلِي الأَنْبِيَاءِ! ٣٢ فَأَكْمِلُوا مَا بَدَأَهُ آبَاؤُكُمْ لِيَطْفَحَ الْكَيْلُ!٣٣ أَيُّهَا الْحَيَّاتُ، أَوْلادَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تُفْلِتُونَ مِنْ عِقَابِ جَهَنَّمَ؟ ٣٤ لِذَلِكَ: هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَمُعَلِّمِينَ، فَبَعْضَهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَبَعْضَهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتُطَارِدُونَهُمْ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى أُخْرَى. ٣٥ وَبِهَذَا يَقَعُ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ: مِنْ دَمِ هَابِيلَ الْبَارِّ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. ٣٦ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ عِقَابَ ذلِكَ كُلِّهِ سَيَنْزِلُ بِهَذَا الْجِيلِ. ٣٧ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا!".

كما يؤمن المسلمون أن بنو إسرائيل قد حرفوا عمداً كتاب التوراة، يقول الله تعالى: { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[153]، ويقول الله تعالى: { فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ }[154]، ويقول الله تعالى: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }[155].

أما بالنسبة للأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس والتي يطلق عليها بنو إسرائيل اسم التوراة وينسبونها لموسى عليه السلام، فيؤمن المسلمون أنه قد بقي فيها شيء من الحق والذي وصلهم بالتقليد الشفهي، ولكن هذا الحق قد اختلط بما وقع فيه من التحريف والكذب والزيادة والنقصان، فتعذر تمييز الحق الذي أنزله الله من الباطل الذي أدخلوه هم في التوراة.

وهذا نراه في العديد من الأحداث والقصص التي ذكرت في التوراة وفيها شيء من الحق، فقد ورد العديد من تلك القصص في القرآن الكريم ولكن بالشكل الصحيح، فالقرآن الكريم جاء هدى للعالمين وليبين الضلال الذي وقعت فيه الأمم السابقة التي سبقت ظهور الإسلام. 

ومن العجيب أن بعض القساوسة يتهمون الإسلام أنه قد نسخ تلك القصص من الكتاب المقدس، وكان من الأولى أن يقرؤوا هم نفس القصة كما وردت في القرآن الكريم وفي الكتاب المقدس، ليعرفوا أي الكتابين هو الحق المبين. 

أيضاً فإن ادعائهم هذا يستلزم أن يكون نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم دارساً للكتاب المقدس حتى يستطيع أن ينسخ منه، ولكن هل كانت على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم نسخ من الكتاب المقدس باللغة العربية حتى يستطيع دراستها؟ هل كان بنو إسرائيل يظهروا كتابهم المقدس لغيرهم من الأقوام الأخرى أم كانوا يخبئونه عن الآخرين ولا يسمحوا لأحد بالاطلاع عليه؟ أيضاً فإن قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يناصبونه العداء ويضطهدوه هو ومن تبعه ويعذبون المسلمين أشد أنواع التعذيب، فهل اتهموه بأن ما يقوله من القرآن الكريم إنما هو قصص قد نسخها من الكتاب المقدس؟ أيضاً يجب أن نأخذ في الاعتبار أن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم كان أمي لا يعرف القراءة والكتابة، أي حتى ولو كانت هناك نسخة من التوراة باللغة العربية (وهذا محال) لما استطاع قراءتها. ولم يشاهد أحد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبدا وفي يده لا كتاب ولا ورقة ولا قلم، وهذا من المعجزات التي أمده الله بها، فكيف لأمي لا يعرف القراءة والكتابة أن يأتي بكتاب لم يشاهد العالم مثيل له في إعجازه وعظمته!

قصة إبراهيم عليه السلام والضيوف الثلاثة:

سفر التكوين الإصحاح ١٨ العدد ١: ١ ثُمَّ ظَهَرَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَقْتَ اشْتِدَادِ حَرِّ النَّهَارِ، ٢ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَإذَا بِهِ يَرَى ثَلاثَةَ رِجَالٍ مَاثِلِينَ لَدَيْهِ. فَأَسْرَعَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ. ٣ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيْتُ بِرِضَاكَ فَلا تَعْبُرْ عَنْ عَبْدِكَ. ٤ بَلْ دَعْنِي أُقَدِّمُ لَكُمْ بَعْضَ مَاءٍ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ وَتَتَّكِئُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ٥ ثُمَّ آتِي لَكُمْ بِلُقْمَةِ خُبْزٍ تُسْنِدُونَ بِها قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ مَسِيرَتَكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ مِلْتُمْ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمْ». فَأَجَابُوهُ: «حَسَناً، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ». ٦ فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ إِلَى زَوْجَتِهِ سَارَةَ وَقَالَ: «هَيَّا أَسْرِعِي وَاعْجِنِي ثَلاثَ كَيْلاتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ وَاخْبِزِيهَا». ٧ ثُمَّ أَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ قَطِيعِهِ وَاخْتَارَ عِجْلاً غَضّاً مُسَمَّناً وَأَعْطَاهُ لِغُلامٍ كَيْ يُجَهِّزَهُ. ٨ ثُمَّ أَخَذَ زُبْداً وَلَبَناً وَالْعِجْلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَمَدَّهَا أَمَامَهُمْ، وَبَقِيَ وَاقِفاً فِي خِدْمَتِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ. ٩ ثُمَّ سَأَلُوهُ: «أَيْنَ زَوْجَتُكَ؟» فَأَجَابَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ». ١٠ فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ آنَئِذٍ قَدْ وَلَدَتْ لَكَ ابْناً». وَكَانَتْ سَارَةُ وَرَاءَهُ، عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ، فَسَمِعَتْ حَدِيثَهُ. ١١ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَجُوزَيْنِ طَاعِنَيْنِ جِدّاً فِي السِّنِّ وَقَدْ تَجَاوَزَتْ سَارَةُ سِنَّ الْيَأْسِ. ١٢ فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي نَفْسِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ أَنْ فَنِيَ عُمْرِي وَأَصْبَحَ زَوْجِي شَيْخاً يَكُونُ لِي هَذَا التَّنَعُّمُ؟» ١٣ فَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَحَقّاً أَلِدُ ابْناً وَقَدْ بَلَغْتُ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ؟ ١٤ أَيَتَعَذَّرُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟ سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ قَدْ أَنْجَبَتِ ابْناً». ١٥ فَخَافَتْ سَارَةُ وَأَنْكَرَتْ قَائِلَةً: «لَمْ أَضْحَكْ». فَقَالَ: «لا، بَلْ ضَحِكْتِ». ١٦ ثُمَّ نَهَضَ الرِّجَالُ وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. فَمَشَى إِبْرَاهِيمُ مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. ١٧ فَقَالَ الرَّبُّ: «أَأَكْتُمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ؟ ١٨ وَإِبْرَاهِيمُ لابُدَّ أَنْ يُصْبِحَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَبِهِ تَتَبَارَكُ شُعُوبُ الأَرْضِ جَمِيعاً، ١٩ لأَنَّنِي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِيُوْصِيَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَيْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، عَامِلِينَ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُنْجِزَ الرَّبُّ مَا وَعَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ». ٢٠ وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً ٢١ أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى ضِدَّهُمْ وَإلَّا فَأَعْلَمُ». ٢٢ وَانْطَلَقَ الرَّجُلانِ مِنْ هُنَاكَ نَحْوَ سَدُومَ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ مَاثِلاً أَمَامَ الرَّبِّ. ٢٣ فَاقْتَرَبَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «أَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟ ٢٤ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَدِينَةِ خَمْسُونَ بَارّاً، فَهَلْ تُدَمِّرُهَا وَلا تَصْفَحُ عَنْهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارّاً الَّذِينَ فِيهَا؟ ٢٥ تَنَزَّهْتَ عَنْ أَنْ تُهْلِكَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ؛ حَاشَا لَكَ. أَدَيَّانُ الأَرْضِ كُلِّهَا لَا يُجْرِي عَدْلاً؟» ٢٦ فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارّاً فَإِنَّنِي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ». ٢٧ فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدْ أَخَذْتُ فِي مُخَاطَبَةِ الْمَوْلَى، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ. ٢٨ مَاذَا لَوْ نَقَصَ الْخَمْسُونَ بَارّاً خَمْسَةً؟ أَفَتُهْلِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسَةِ؟» فَأَجَابَهُ: «إِنْ وَجَدْتُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ بَارّاً لَا أُهْلِكُهَا». ٢٩فَخَاطَبَهُ إِبْرَاهِيمُ ثَانِيَةً: «وَمَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ بَارّاً فَقَطْ؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ». ٣٠ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلْ دَعْنِي أَتَكَلَّمُ. مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلاثُونَ بَارّاً؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا إِنْ وَجَدْتُ ثَلاثِينَ». ٣١ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدِ اسْتَرْسَلْتُ فِي الْكَلامِ أَمَامَ الْمَوْلَى، فَمَاذَا لَوْ وَجَدْتَ هُنَاكَ عِشْرِينَ بَارّاً؟» فَقَالَ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعِشْرِينَ». ٣٢ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، فَأَتَكَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى: مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ؟». فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ». ٣٣ وَعِنْدَمَا فَرَغَ الرَّبُّ مِنْ مُحَادَثَةِ إِبْرَاهِيمَ مَضَى، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ.".

قال الله تعالى في القرآن الكريم: هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ (٢٤) إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ (٢٦) فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ (٢٧) فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ (٢٨) فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمٞ (٢٩) قَالُواْ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ (٣٠) ۞قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ (٣١) قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ (٣٢) لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ (٣٣) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِينَ (٣٤) فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ (٣٧) }[156].

وهكذا فقد ذكر القرآن الكريم قصة ضيوف إبراهيم عليه الصلاة والسلام والذين كانوا من الملائكة، فقالوا له "سلاما"، فرد عليهم "سلام" وفي نفسه قال "هؤلاء قوم لا نعرفهم"، فأراد إبراهيم إكرامهم فقرب إليهم طعاماً ظاناً أنهم بشر، ولكنهم لم يأكلوا، لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تنام، فخاف منهم ظاناً أنهم سيؤذونه، لأن رفض الطعام قديماً كان يدل على نية إلحاق الأذى، ولكنهم طمأنوه قائلين "لا تخف". وهكذا فلا نجد أن الله عز وجل قد ظهر -حاشاه- في صورة رجل يحتاج أن يغسل قدمه بالماء، ويستريح تحت الشجرة، ويسند قلبه بلقمة خبز، ويحتاج أن ينزل ليرى إن كانت أعمال أهل مدينة سدوم مطابقة للشكاوى ضدهم، ويستمع لنصيحة إبراهيم عليه السلام في إن وجد عشرة أبرار فلا يهلك المدينة. فكل ذلك هي صفات نقص لا تليق بعظمة الله وجبروته عز وجل. ولهذا وردت قصة ضيوف إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم لتبين الحق من الباطل وتدحض افتراء بني إسرائيل فيما ذكروه من صفات نقص نسبوها لله عز وجل.

قصة خلق الكون:

سفر التكوين الإصحاح ٢ العدد ١: " ١ وَهَكَذَا اكْتَمَلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ بِكُلِّ مَا فِيهَا. ٢ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَتَمَّ اللهُ عَمَلَهُ الَّذِي قَامَ بِهِ، فَاسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ مَا عَمِلَهُ. ٣ وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ اسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْخَلْقِ. ".

سفر الخروج الإصحاح ٣١ العدد ١٦: " ١٦ لِيَحْفَظْ بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّبْتَ وَيَحْتَفِلُوا بِهِ فِي كُلِّ أَجْيَالِهِمْ عَهْداً أَبَدِيًّا. ١٧ هُوَ بَيْنِي وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلامَةُ عَهْدٍ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ وَاسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ ".

قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }[157].

العجيب أن بعض القساوسة ابتدعوا شيء عجيب جديد، وهو أن كلمة "استراح" التي ذكرت في سفر التكوين وسفر الخروج، إنما معناها توقف عن العمل بعدما فرغ منه! ولكن بأي لغة يتحدثون؟ فهذا تحريف واضح لمعنى الكلام، ففي سفر التكوين قال "فاستراح فيه من جميع ما عمله" وهذا لا يمكن أن يكون معناه "فتوقف فيه عن العمل من جميع ما عمله"! أيضا في سفر الخروج مكتوب بكل وضوح "وفي اليوم السابع فرغ من العمل واستراح وتنفس" فهنا ذكر أنه فرغ من العمل واستراح، ولو كان معنا استراح توقف عن العمل لما قال قبلها فرغ من العمل واستراح، بالإضافة إلى وجود كلمة "وتنفس" فهل تنفس معناها توقف عن العمل!

تفسيراتهم هذه هي من تؤكد للجميع أن الكتاب المقدس تم تحريفه، وتفسيراتهم هذه هي في الواقع إساءة لهم لأنهم بعدها يصبحوا في عين الناس موضع شك وارتياب وليس موضع ثقة واطمئنان، بمعنى أن الناس توقفوا عن تصديق تلك التبريرات الواهية. أيضاً فإن تبريراتهم تلك هي اعتراف منهم بالتحريف.

 

 

 

الفصل السادس

من كتب الإنجيل؟

أهمية الكتاب المقدس:

على هذا الكتاب بنت الكنيسة حجر أساسها وعقيدتها ورسمت به طريق نحو الخلاص، ومنه يتعرف المسيحيون على أفعال المسيح وأقواله ومعجزاته، وعلى هذا الكتاب يعتمد جميع المناظرون المسيحيون في مناظراتهم ومنه يقتبسون حججهم، ولهذا فيجب التأكد أولا إن كان وحي إلهي أو كلام بشر عاديين، فقيمة كل كتاب تستمد من قيمة صاحبه، والكتب المقدسة تستمد قدسيتها من نسبتها لله تعالى، ولهذا يجب التأكد من صحة نسبتها لله تعالى وإن لم تثبت صحة نسبتها لله تعالى فإنها تفقد قدسيتها وتصبح هرطقات وكذب على الله تعالى، أي بدلاً من أن تكون الهدى والنور تصبح الضلال والظلام، وبدلاً من أن تقود لجنة النعيم تصبح عذاباً مقيماً أبدياً لمن اتبعها.

هل تلاميذ المسيح عليه السلام هم كتبة الأناجيل الأربعة؟

وردت أسماء تلاميذ المسيح عليه السلام في إنجيل متى الإصحاح ١٠ العدد ٢، وفي إنجيل مرقس الإصحاح ٣ العدد ١٦، وفي إنجيل لوقا الإصحاح ٦ العدد ١٤، وفي إنجيل يوحنا الإصحاح ١ العدد ٤٥ وأيضا في الإصحاح ٢١ العدد ٢. ولكن لا يوجد بين أسماء التلاميذ لا اسم لوقا ولا اسم مرقس، إذن فهم ليسوا من تلاميذ المسيح عليه السلام!

أدلة نسب الأناجيل الأربعة لتلاميذ المسيح:

كما ذكرنا فكلا من لوقا ومرقس ليسا من تلاميذ السيد المسيح، ولكن هل كلا من إنجيل متى وإنجيل يوحنا هما من كتابة متى العشار ويوحنا بن زبدي تلاميذ المسيح عليه السلام؟

يقوم التقليد الكنسي[158] في نسبته لإنجيل متى وإنجيل يوحنا لتلميذي السيد المسيح متى العشار ويوحنا بن زبدي على ثلاثة أسماء، وهي: (إريناؤس -بوليكاربوس - بابياس).

إريناؤس:

لا توجد لدى الكنيسة معلومات كثيرة عنه وعن شخصيته وعن حياته. ولكن الذي يُعرف عنه أنه كان أسقف ليون بفرنسا، ولد عام ١٤٠م وتوفي عام ٢٠٣م (إلا أن عام ولادته وأيضا عام وفاته هو محل خلاف والأرجح أنه غير معروف)، وبالنسبة لمحل ولادته فالمرجح أنه ولد بأسيا الصغرى من أبوين يونانيين (إلا أن أيضا محل ولادته بأسيا الصغرى هو محل خلاف). 

إريناؤس هو أول من تصدى للفرق المسيحية الأخرى وسماها بالهرطقات، مثل الغنوصية[159] والمونتانية[160]. وقد درس الشعر اليوناني واللغة والفلسفة اليونانية.

يلقب ب "أبو التقليد الكنسي" وأيضا ب "أبو اللاهوت المسيحي"، فهو أول من وضع أساس اللاهوت المسيحي والعقيدة المسيحية، وهو المصدر الرئيسي والوحيد الذي تعتمد عليه الكنيسة في إثبات أن كتبة الأناجيل هم تلاميذ المسيح، فهو أول من أشار إلى أن كتبة الأناجيل هم تلاميذ المسيح وذلك في كتابه "ضد الهرطقات" الذي كتبه عام ١٨٠م. 

وقد ذكر يوسابيوس القيصري[161] (الذي عاش بين القرن الثالث والرابع، وكان يلقب بأبو التاريخ الكنسي بسبب عمله في تسجيل تاريخ الكنيسة المبكرة) في كتابه "تاريخ الكنيسة"[162] أن إريناؤس قد ذكر الآتي في كتابه "ضد الهرطقات": "لقد نشر متى إنجيله بين العبرانيين بلغتهم، إذ كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنيسة في روما. وبعد ارتحالهما نقل إلينا مرقس تلميذ بطرس ولسان حاله- كتابة تلك الأمور التي كرز بها بطرس. ودَوّنَ لوقا الذي كان ملازما لبولس- في كتابة الإنجيل الذي أعلنه بولس. بعد ذلك نشر يوحنا تلميذ الرب، والذي كان أيضا يضطجع على صدره- إنجيله إذ كان مقيماً في أفسس بآسيا.".

بالنسبة لكتابات إريناؤس فقد فُقدت جميعها، لكن عثر على الترجمة اللاتينية لخمسة كتب له باسم "ضد الهرطقات"، كما عُثر على ترجمة أرمينية لكتابه "برهان الكرازة الرسولية". وفي هذين العملين وحدهما تجد الكنيسة عناصر النظام اللاهوتي المسيحي. أي أن الكنيسة قد بنت عقيدتها على ترجمات لاتينية وأرمينية لكتب إريناؤس ولم تطلع أبداً على الأصل، ولا تعرف من ترجمها وإن كان أميناً في ترجمتها، فضلا عن أن الكنيسة نفسها لا توجد عندها معلومات كثيرة عن إريناؤس نفسه!

وقد ادعى إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" أنه عندما كان صغيراً كان يحضر عظات لقديس اسمه بوليكاربوس الشهيد، وادعى أن بوليكاربوس هذا كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وادعى أن بوليكاربوس قد ذكر أن إنجيل يوحنا هو من تأليف معلمه يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وادعى أيضا أن بوليكاربوس كان له صديق اسم بابياس، وأن بابياس قد ذكر أن إنجيل متى هو من تأليف متى وأن إنجيل مرقس هو من تأليف مرقس تلميذ بطرس.

العهد الجديد وفقا لإريناؤس يحتوي أيضا على إنجيل "راعي هرمس"[163]، والذي تعده الكنيسة أنه أبوكريفا! وعلى هذا فكيف اعتمدت الكنيسة على أقوال إريناؤس في اعتماد الأناجيل الأربعة ثم تكذبه في اعتماد إنجيل راعي هرمس؟! 

بوليكاربوس[164]:

لا تعرف عنه الكنيسة أية معلومات إلا ما قد ذكره عنه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" من أنه كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وأنه هو من ذكر أن إنجيل يوحنا هو من كتابة يوحنا بن زبدي. وعلى هذا فبوليكاربوس هو الصلة الوحيدة بين الرسل تلاميذ المسيح الذين عاشوا في القرن الأول وبين أباء الكنيسة في القرن الثاني. 

أيضا ذكر ترتليانوس أن بوليكاربوس كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي، ولكن شهادته تلك كانت عبارة عن اقتباس مما ذكره إريناؤس فقط، لأن ترتليانوس قد ولد قبل وفاة بوليكاربوس بعام واحد، أي أنه لم يره في حياته، وعلى هذا فشهادته غير معتبرة!

بابياس[165]:

لا تعرف عنه الكنيسة أية معلومات إلا ما قد ذكره عنه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" من أنه كان صديقاً لبوليكاربوس، وأنه سمع ليوحنا بن زبدي، وأنه كان أسقفا لهيرابوليس، وأنه قد ذكر أن إنجيل متى هو من تأليف متى وأن إنجيل مرقس هو من تأليف مرقس تلميذ بطرس. 

وقد ذكر يوسابيوس القيصري في كتابه "تاريخ الكنيسة" أن بابياس قد أشار إلى أن كاتب إنجيل متى هو شخص اسمه متى في قوله: "وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية باللغة العبرانية، وفسرها كل واحد على قدر استطاعته."

وذكر أيضا يوسابيوس القيصري أن بابياس قد أشار إلى أن كاتب إنجيل مرقس هو شخص اسمه مرقس من تلاميذ بطرس في قوله: "إن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقة، ولو من غير ترتيب، كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع للرب ولا اتبعه، ولكنه فيما بعد كما قلت- اتبع بطرس الذي جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه، دون أن يقصد بأن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها.".

كما تعرف الكنيسة عن بابياس أنه قد كتب خمسة كتب تحت عنوان "تفسير أقوال الرب"، ولكن تلك الكتب لا أثر لها إلا بعض المقتطفات المدونة داخل كتابات إريناؤس!!

وللأسف فالمصدر الوحيد الذي استقت منه الكنيسة معلوماتها عن بابياس، كان ما ادعاه إريناؤس فقط. بل وأياً من أباء الكنيسة كان قد كتب عن بابياس إنما كان يقتبس مما ذكره إريناؤس عنه فقط! 

فقد ورد في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري الآتي: 

"أشار إريناؤس لتلك الكتب الخمسة التي كتبها بابياس على أنها العمل الوحيد الذي كتبه بابياس، فقال إريناؤس: "هذه الأشياء التي قد شهد عليها بواسطة بابياس في كتابه الرابع من ضمن الكتب الخمسة التي كانت قد كتبت منه، وبابياس هذا الذي هو كان رجلا عجوزا قد سمع من يوحنا وكان أيضا صديقاً لبوليكاربوس". ولكن في الواقع فإن بابياس نفسه لم يعلن أبدا في مقدمة خطابه أنه كان قد سمع أو حتى رأى أيا من الرسل تلاميذ المسيح، إنما يشير في الكلمات التي استخدمها أنه تلقى تعاليم الإيمان من هؤلاء الذين كانوا من أصدقاء الرسل!"[166]

فكما نرى أن يوسابيوس ذكر أقوال إريناؤس عن بابياس ولكن بتحفظ. وما ذكره إريناؤس: "وبابياس هذا الذي هو كان رجلا عجوزاً ... وكان أيضا صديقاً لبوليكاربوس"، يوحي لنا وكأنه كان يحكي قصة خيالية يحاول فيها التعريف بشخص هو أصلاً غير معروف، وهذا يجعلنا نشكك في وجود شخص باسم بابياس من الأصل، فلا دليل على وجوده أو على كتاباته أو على أنه سمع ليوحنا بن زبدي، إلا ادعاء إريناؤس ذلك فقط!! فهل لم يكن لبابياس أي رفقاء أو تلاميذ قط؟ ألم تسمع أي كنيسة عنه إلا من كتابات إريناؤس فقط؟ وكيف يمكن لشخص بتلك الأهمية والمكانة ألا يكون مشهوراً ولا حتى كتاباته مشهورة بين الكنائس؟ بل والمقتطفات التي دوّنها إريناؤس في كتاباته ونسبها إلى بابياس تشير إلى أنه من المفترض أن إريناؤس كان في يده كتب بابياس حتى يقتبس منها، ولكن طالما أن تلك الكتب لم تُحفظ أبداً ولم يُشر إلى وجودها إلا إريناؤس، فهذا يعني أنه لم تكن موجودة من الأصل وأن تلك المقتطفات إنما هي من فكر إريناؤس نفسه!!

يقول أيضا يوسابيوس القيصري: "يتضح لنا من كتابات بابياس (يقصد المقتطفات التي وردت في كتابات إريناؤس ونسبها لبابياس) أن بابياس كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك". وكان حكمه هذا على بابياس بأنه قليل الذكاء لسببين: السبب الأول: هو أن بابياس كان يؤمن "بالمُلك الألفي"[167] المادي (أي التفسير الحرفي لسفر الرؤيا عن المُلك الألفي)، معتقداً بأن السيد المسيح سوف يعود للأرض ليحكمها لمدة ١٠٠٠ سنة، وأن الصالحين من المؤمنين به سوف يقوموا من بين الأموات ليحكموا معه في تلك الألف سنة (وهو ما يسموه بالقيامة الأولى لهم، في حين أن غيرهم لن يقوموا من الأموات إلا في القيامة الأخيرة الكبرى)، وأن الأشرار سوف يبادوا وينتشر السلام في تلك الألفية. ولهذا فقد ألقى يوسابيوس على بابياس باللوم بأنه السبب وراء أن أغلب أباء الكنيسة من بعده مثل إريناؤس (وأيضا يوستينوس[168]، ترتليانوس، ميثوديوس[169]، وغيرهم) قد اعتنقوا نفس الآراء ونفس المعتقد عن المُلك الألفي المادي. السبب الثاني: من الواضح أن بابياس كان عنده عجز في القدرة على التمييز ولهذا كان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة، قائلاً بأنها وصلته من التقليد الشفوي.[170]

ونود الإشارة هنا عن أن معتقد المُلك الألفي هو معتقد مستمد من الكتب الأبوكريفا اليهودية التي كتبت بقرن أو قرنين قبل ميلاد المسيح، وقد عمّ هذا المعتقد أغلب الكنائس المسيحية، ولكن قلة قليلة من أباء الكنيسة قد قاوموا ذلك المعتقد ومنهم: أوريجانوس[171]، ديونسيوس[172]، يوسابيوس القيصري، باسيليوس الكبير[173]، غريغوريوس[174]، وقد قاوم أيضا القديس أوغسطينوس[175] تلك الهرطقة بمعناها الحرفي والمادي، واعتبر أن كل من يعتقد بعقيدة بابياس هو منحرف عن الإيمان! وفيما بعد أصبحت عقيدة الكنيسة سواء الأرثوذكسية أو الكاثوليكية عن المُلك الألفي هو أنه يجب أن يفهم بمعناه الرمزي وليس الحرفي، وأن ذلك المُلك قد بدأ بالفعل من زمن المسيح وأن الكنيسة في الحاضر هي ملكوت المسيح على الأرض. أما بالنسبة للكنيسة البروتستانتية فمازالت حتى يومنا هذا تؤمن بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي!

ونرجع مرة أخرى لشخصية بابياس، وحول إن كان شخصية حقيقية أو هو من نسج خيال إريناؤس، ونقول: طالما أن إريناؤس قد ادعى أن بابياس قد سمع عن "المُلك الألفي" (بمعناه الحرفي والمادي) من يوحنا بن زبدي، وطالما أن الكنيسة المبكرة وحتى الان تقول أن هذه بدعة وهرطقة، وأنه لا يوجد مُلك ألفي بمعناه الحرفي والمادي، وطالما أنه من المستحيل أن يكون يوحنا بن زبدي قد ذكر مثل تلك الهرطقة أو البدعة، إذن فهذا معناه أن ما ذكره إريناؤس عن بابياس هو خرافة لا وجود لها، وأن بابياس هو شخصية وهمية من نسج خيال إريناؤس ولا وجود لها في الواقع.

والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو:

لماذا قد يكذب إريناؤس ويختلق شخصيات وهمية والتي هي بوليكاربوس وبابياس، ويدعي أنهم سمعوا ليوحنا بن زبدي، ومن ثم ينسب لهم أنهم قد ذكروا أن إنجيل يوحنا هو من كتابة يوحنا بن زبدي؟

الجواب هو: كان إريناؤس أكثر من يقاوم ما يسميها هو بالهرطقات والبدع التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي. وقد كان إريناؤس يعتمد بشكل أساسي على إنجيل يوحنا في ردوده على تلك الهرطقات. وعلى هذا فمن المحتمل جدا أنه قد نسب زوراً هذا الإنجيل الذي يقتبس منه ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، ثم اختلق شخصية بوليكاربوس وذكر أن بوليكاربوس كان معلمه، ثم ادعى أن بوليكاربوس كان تلميذا ليوحنا بن زبدي، وذلك حتى يصبح قوله أمام الناس هو القول الصواب وليثبت العقيدة التي يراها هو أنها هي العقيدة الصحيحة، ويدحض حجج القساوسة الآخرين المخالفين لفكره ومنهجه.

وقد يقول قائل:

"لا يمكن أن يكون إريناؤس قد كذب مثل تلك الكذبة التي لا تغتفر بأن ينسب إنجيل مجهول الهوية ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح وأن يختلق شخصيات وهمية مثل شخصية بوليكاربوس وبابياس!". 

فنرد علىه ونقول: أنه وكما ورد في الموسوعة البريطانية: "لم يكن المسيحيون يعتقدون أن هذا الفعل (أن ينسبوا إنجيل مجهول الهوية لأحد التلاميذ) ينطوي على خداع أو احتيال"، فالذي كان يقوم بهذا الفعل لم يكن يشعر أنه يكذب على المسيح أو على الإيمان، بل كان يشعر أنه يكذب من أجل المسيح ومن أجل الإيمان وتثبيت العقيدة التي يراها أنها هي العقيدة الصحيحة. وفي حين كان إريناؤس معه في يده إنجيل وينسبه ليوحنا بن زبدي، كان أيضا هناك الكثير من كبار القساوسة في ذلك الوقت معهم أناجيل أخرى وينسبونها لتلاميذ المسيح! وقد كان إريناؤس ينتقد تلك الأناجيل الأخرى ويذكر أنها أبوكريفا أو أن نسبتها لتلاميذ المسيح هو كذب وتزوير! وعلى هذا، فإن من يقول أنه لا يمكن أن يكون إريناؤس قد كذب بخصوص نسبة إنجيل يوحنا ليوحنا بن زبدي، فإنه ومن دون أن يشعر قد ناصر إريناؤس وعادى معارضيه الذين هم أيضا كانوا قساوسة كبار! أي أنه قد اتهمهم بالكذب في نسبتهم للأناجيل التي كانت في أيديهم لتلاميذ المسيح، وذلك بدون أن يسمع لا حججهم ولا حجج إريناؤس، وبدون أن يكون على معرفة حقيقية بأي منهم!

خلاصة هذا الفصل: 

١) لا توجد لدى الكنيسة معلومات كثيرة عن إريناؤس. ٢) لا توجد لدى الكنيسة أية نسخة من كتب إريناؤس. ٣) بنت الكنيسة عقيدتها وإثباتها لشخصيات كتبة الأناجيل الأربعة من خلال ترجمة لاتينية وأرمينية لكتب إريناؤس. ٤) لا تعرف الكنيسة من ترجم تلك الكتب وإن كان محل ثقة. ٥) كلا من بوليكاربوس وبابياس شخصيات مجهولة لم يعرفها أياً من أباء الكنيسة المبكرة إلا فقط إريناؤس الذي هو نفسه غير متوفر عنه معلومات كثيرة لدى الكنيسة. ٦) يوسابيوس القيصري ذكر عن بابياس أنه كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك وأنه كان يؤمن ببدعة الملك الألفي المادي وأنه كان عنده عجز في القدرة على التمييز ولهذا كان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة مدعياً بأنها وصلته من التقليد الشفوي. ٧) القديس أوغسطينوس اعتبر أن كل من يعتقد بعقيدة بابياس هو منحرف عن الإيمان.

 

 

الفصل السابع

الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام

إنجيل المسلمين:

يؤمن المسلمون بأن الله عز وجل قد أرسل إنجيلاً مع نبيه عيسى المسيح عليه السلام لكي يرشد بني إسرائيل إلى طريق الله المستقيم بعد أن ضلوا وبعدوا عن تعاليم موسى عليه السلام والأنبياء الذين أرسلهم الله من بعد موسى عليه السلام.

يقول الله عز وجل: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) }[176].

ويقول الله عز وجل: { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }[177].

ويؤمن المسلمون بأنه يجب على كل مسلم الإيمان بهذا الإنجيل الذي نزل على نبي الله عيسى المسيح عليه السلام، وهنا هي نقطة الخلاف بين المسلمين والنصارى حول الإنجيل، فبينما النصارى يدعوا المسلمين للإيمان بالأناجيل الأربعة، يرد عليهم المسلمون بأنه كيف تريدوننا أن نؤمن بأناجيل هي وفق رواية أشخاص مجهولين بينما أنتم لا تؤمنون بالإنجيل وفق رواية عيسى عليه السلام الذي أوحاه الله عز وجل له؟! بل وتنفون أن المسيح كان معه إنجيلاً من الأساس.

أين إنجيل المسيح الان:

الإنجيل الذي أوحاه الله لنبيه عيسى عليه السلام، لا يوجد أي دليل قطعي على كيفية اختفاءه من الأرض! هل كان إنجيلاً مكتوباً على الأوراق وهكذا لعله قد ضاع من بين أيدي النصارى أو أن اليهود قد أحرقوه، أم أنه كان إنجيلاً شفوياً يُعلمه المسيح عليه السلام للناس شفاهة، وبعد أن أنقذ الله المسيح من بين أيدي اليهود ورفعه إليه بدون أن يصلب أو يموت، فيكون هكذا قد اختفى أيضا هذا الإنجيل نظراً لكونه إنجيلاً شفوياً. 

ولكن من الواضح من نصوص العهد الجديد الذي بين أيدينا الآن أن إنجيل المسيح كان شفوياً وأنه بعد أن أنقذ الله المسيح من الصلب ورفعه، ظل التلاميذ وأتباع المسيح يتناقلون بعضاً من تعاليم الإنجيل شفوياً، ولكن لم يكتبوا تلك التعاليم في كتب، ولكن من أتى بعدهم من أتباع المسيح بدأوا في تسجيل ما وصلهم عن حياة المسيح وتعاليم إنجيل المسيح عليه السلام.

تقول الترجمة اليسوعية للكتاب المقدس في المقدمة عن العهد الجديد: 

"كانت أقوال المسيح وما يبشر به الرسل تتناقلها ألسنة الحفاظ لمدة طويلة، ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة تدوين ما علمه الرسل. وما كان بد من أن تثار ذات يوم مسألة المكانة العائدة لهذه المؤلفات الجديدة، وإن حظي التقليد الشفهي في أول الأمر بمكانة أفضل كثيرا مما كان للوثائق المكتوبة. ويبدو أن المسيحيين، حتى ما يقرب من السنة ١٥٠م، تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر -إلا قليلا جدا- إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية. ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقا بالكتاب المقدس، بل كانوا يَدَعون الأحداث توجههم: فقد كانت رسائل بولس مكتوبة في حين أن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلا على ألسنة الحفاظ، فضلا عن أن بولس نفسه كان قد أوصى بتلاوة رسائله وتداولها بين الكنائس المتجاورة... ومع ما كان لتلك الرسائل من الشأن، فليس هناك قبل أول القرن الثاني أي شهادة تثبت أن تلك الرسائل كانت تعد أسفارا مقدسة لها من الشأن ما للكتاب المقدس. ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهورا واضحا كما يظهر شأن رسائل بولس. أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها، ولكنه يكاد أن يكون من العسير كل مرة الجزم هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي. ومهما يكن من أمر، فليس هناك قبل السنة ١٤٠ أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة. ولا يذكر أن لأي من تلك النصوص صفة إلزامية، فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحا على مر الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل وأن لها صفة إلزامية، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدريجي. وابتدأ نحو السنة ١٥٠ عهد حاسم لتكوين قانون العهد الجديد. وكان الشهيد يوستينوس[178] (الذي عاش بين عامي ١٠٠-١٦٥م) هو أول من ذكر "أن المسيحيين يقرأون أناجيل (دون أن يحدد ما هي تلك الأناجيل ودون أن يحدد إن كان منها الأناجيل الأربعة) في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل -أو أقله أشخاص يتصلون بالرسل صلة وثيقة- وأنهم وهم يستعملونها يولونها منزلة كمنزلة الكتاب المقدس". وإذا أوليت هذه المؤلفات تلك المنزلة الرفيعة، فيبدو أن الأمر لا يعود أولاً إلى أصلها الرسولي (أي لأنها كتبت من أي من الرسل)، بل لأنها تروي خبر "الرب" وفقا للتقليد المتناقل. ولكن سرعان ما شُدَّد على نسبة هذه المؤلفات إلى الرسل، وعلى الخصوص لما مست الحاجة إلى حمايتها من تكاثر المؤلفات الشبيهة بها في ظاهرها، في حين أن محتواها يعود في معظمه إلى تقليد سخيف، بل إلى ما ينسجه الخيال في حال الهذيان... يمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة ١٤٠ بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين. أما رسائل بولس فقد أدخلت برمتها في القانون يوم أخذ يغلب في الكنيسة الرأي القائل بأنه لابد من الحصول على قانون للعهد الجديد. "[179]

اعتراف الأناجيل الأربعة بوجود إنجيل المسيح:

تم ذكر إنجيل السيد المسيح بكل وضوح في الأناجيل الأربعة، بل وإن الكثير من القساوسة يعترفون بأنه كان هناك إنجيل مع السيد المسيح ولكنهم لا يعرفون كيف فُقدَ أو أين ذهب! ولكن يحاول أيضا الكثير من القساوسة إنكار هذا الأمر قائلين: "لم يوجد إنجيل مع السيد المسيح وإنما كلمة إنجيل هي كلمة يونانية معناها الخبر السار"!

ولكن ما ذكره الفريق الذي ينكر وجود إنجيل مع السيد المسيح هو كلام غير صحيح وفقاً لقواعد اللغة اليونانية! فكلمة "إنجيل" (إيفاجيليو باليونانية) هي تعني "الخبر السار" بالترجمة الحرفية، أما في الاستخدام فهي يقصد بها "الكتاب المقدس" ولا تستخدم أبداً بمعنى "الخبر السار"! 

فعلى سبيل المثال إذا قال أب يوناني لابنه أحضر لي الإنجيل (إيفاجيليو)، فسيحضر له كتاب الإنجيل ولن يفهم أبدا أنه قال له أحضر لي خبر سار! أيضا إذا أراد شخص يوناني أن يقول أنه أحضر أخبار سارة، فلن يستخدم أبدا كلمة "إيفاجيليو" لأنه سيفهم منها أنه أحضر معه الإنجيل، ولكن سيستخدم كلمتين آخرين وهما "كالآ نيا" (باليونانية Καλά Νέα) ("كالآ" تعني جيدة أو سارة، و"نيا" تعني أخبار، وهي التي اشتق منها الكلمة الإنجليزية "نيوز" News).

والآن لنرى كيف ذكرت الأناجيل الأربعة وجود إنجيل مع السيد المسيح، ولنرى إن كانت كلمة إنجيل هنا في العبارات الآتية تعني الإنجيل الذي أوحي به للمسيح أم تعني أخبار سارة:

١- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ١ العدد ٦: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل أخر! ليس هو أخر، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما (أي لعنة)، كما سبقنا فقلنا أقول الان أيضا إن كان أحد يبشركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما. ".

وهنا يتحدث بولس لكنائس غلاطية غاضباً منهم عن تحولهم عن الإنجيل (أي تعاليم المسيح) التي علمهم إياها، لإنجيل آخر، أي تعاليم المسيح التي كان يتبعها المسيحيون من أصل يهودي، مثل طائفة "الإبيونيين" الذين كانوا ينادوا بالحفاظ على اتباع شريعة موسى وشريعة الختان وحفظ السبت، الذين اعتبروا بولس مرتداً عن اليهودية والمسيحية بسبب إبطاله لشريعة موسى، وأنكروا أنه رسول ولهذا فهو في العدد ١ من نفس الإصحاح ذكر أنه رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب. 

وقد قال بولس عن الإنجيل الآخر " ليس هو أخر "، بمعني أنه متوافق مع إنجيله في المضمون ولكنه مختلف معه في أن عماده هو الحفاظ على شريعة موسى، أما إنجيل بولس فهو إلغاء اتباع شريعة موسى.

وهكذا فإن الادعاء بأن كلمة إنجيل تعني البشارة، هو ادعاء باطل، لأنه هنا حسب كلام بولس لا يمكن أن نفهم أنه كان يعاتب كنائس غلاطية بأنهم انتقلوا سريعاً من الخبر السار الذي بلغهم به لخبر سار آخر، بل هم انتقلوا من تعاليم لتعاليم أخرى. ثم قال " ليس هو آخر "، مما يؤكد أنه لا يتحدث عن خبر سار وإنما عن إنجيل آخر. ثم قال " يوجد قوم يريدون أن يحولوا إنجيل المسيح "، وهنا بالتأكيد لا يعني أنهم يريدوا يحولوا خبر سار المسيح، وإنما تعاليم المسيح عليه السلام.

٢- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ٢: " وانما صعدت بموجب اعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلا. "

وهنا يخبرنا بولس أنه عندما صعد لأورشليم فقد عرض على تلاميذ المسيح الإنجيل (أي تعاليم المسيح) التي يكرز بها، وذلك بسبب خلافه مع المسيحيين من أصل يهودي الذين اتهموه بالردة بسبب تعليمه أن الخلاص هو بفداء المسيح دون إعمال الناموس.

٣- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ١ العدد ١١: " وأعرّفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب انسان لأني لم أقبله (أستلمه) من عند انسان ولا علمته (ولم أتعلمه من أحد) بل بإعلان يسوع المسيح. ".

٤- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ١ العدد ١٣: " الذي فيه أيضا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا اذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. ".

٥- رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ١٠: " وإنما أظهرت الآن بظهور مخلّصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل، الذي جعلت أنا له كارزا ورسولا ومعلما للأمم. ".

وهنا هل أبطل المسيح الموت وأنار الحياة بالخبر السار أم بالإنجيل؟

٦- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ١٧: " وأولئك عن محبة عالمين أني موضوع لحماية الإنجيل. ".

٧- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١٠ العدد ١٥: " كما هو مكتوب: "ما أجمل المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات"، لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل لان إشعياء يقول يا رب من صدق خبرنا، إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله. ".

٨- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ٤ العدد ٣: " نعم أسألك أنت أيضا يا شريكي المخلص ساعد هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع اكليمنضس أيضا وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم في سفر الحياة. ".

وهنا أين هو سفر الحياة المذكور بالأعلى؟ أين اختفى وأين كان موجود؟

٩- إنجيل مرقس الإصحاح ١٤ العدد ٩: " الحق اقول لكم: حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه، تذكارا لها. ".

١٠- إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ١٣: " الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه، تذكارا لها. ".

١١- إنجيل مرقس الإصحاح ١ العدد ١٥: " جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول: "قد كمل الزمان وإقترب ملكوت الله، فتوبوا وءامنوا بالإنجيل". ".

١٢- إنجيل مرقس الإصحاح ٨ العدد ٣٥: " ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها. ".

١٣- إنجيل مرقس الإصحاح ١٠ العدد ٢٩: " فأجاب يسوع وقال "الحق أقول لكم: ليس أحد ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو إمرأة أو أولادا أو حقولا، لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف. ".

١٤- إنجيل لوقا الإصحاح ٥ العدد ١: " وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله. ".

١٥- إنجيل مرقس الإصحاح ٢ العدد ٢: " وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة. ". -أما في نسخة الأباء اليسوعيين فتقول: " فألقى إليهم كلمة الله. ".

١٦- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٢ العدد ٤٩: " لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية: ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به، فكما قال لي الآب هكذا أتكلم. ".

١٧- إنجيل يوحنا الإصحاح ٣ العدد ٣١ والتي بها شهادة يوحنا المعمدان للمسيح: " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع، وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها، ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق، لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله. ".

١٨- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٧ العدد ٦: ٦ وقد حفظوا كلامك، ٧ والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك، ٨ لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك، وآمنوا أنك أنت أرسلتني ... ١٤ أنا قد أعطيتهم كلامك. ".

١٩- إنجيل لوقا الإصحاح ٨ العدد ٢١: " فأجاب وقال لهم: "أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها". ".

٢٠- إنجيل يوحنا الإصحاح ٢ العدد ٢٢: " فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا، فأمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. ".

٢١- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٤: " الذي لا يحبني لا يحفظ كلاميوالكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني. ".

٢٢- سفر أعمال الرسل الإصحاح ١٥ العدد ٦: " فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم أيها الرجال الإخوة أنتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الإنجيل ويؤمنون. ".

٢٣- رسالة بولس إلى أهل كولوسي الإصحاح ١ العدد ٥: " من أجل الرجاء الموضوع لكم في السماوات الذي سمعتم به قبلا في كلمة حق الانجيل. ".

٢٤- رسالة بولس إلى أهل كولوسي الإصحاح ١ العدد ٢٣: " إن ثبتم على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذي سمعتموهالمكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء الذي صرت أنا بولس خادما له. ".

٢٥- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٢ العدد ٨: " هكذا اذ كنا حانّين اليكم كنا نرضى ان نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضا لأنكم صرتم محبوبين إلينا. ".

٢٦- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٣ العدد ٢: " فأرسلنا تيموثاوس أخانا وخادم الله والعامل معنا في إنجيل المسيح حتى يثبتكم ويعظكم لأجل ايمانكم. ".

٢٧- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ٦ العدد ١٥: " وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. ".

٢٨- رسالة بولس الثانية إلى تسالونيكي الإصحاح ١ العدد ٧: " عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته، في نار لهيب، معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي. "

وهنا هل هم لا يطيعون الخبر السار المسيح أم لا يطيعون إنجيل المسيح؟ هل يطاع الخبر السار أم يبشر به؟!

٢٩- رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ١١: " حسب إنجيل مجد الله المبارك الذي اؤتمنت انا عليه. ".

٣٠- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٢ العدد ٤: " بل كما استحسنّا من الله أن نؤتمن على الانجيل هكذا نتكلم، لا كأننا نرضي الناس، بل الله الذي يختبر قلوبنا. ".

٣١- رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ٨: " فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي انا أسيره بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله. ".

٣٢- رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح ٩ العدد ١٢: ١٢ بل نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح ... ١٤ هكذا أيضا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون ... ١٨ فما هو أجري إذ وأنا أبشر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة حتى لم استعمل سلطاني في الإنجيل ... ٢٣ وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه. ".

٣٣- إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ١٠: " وينبغي أن يكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم.".

فكما نرى هنا أن المسيح عليه السلام قد أمر تلاميذه بأن يكرزوا بالإنجيل في أسباط بني إسرائيل الاثنا عشر.

والمقصود بالأمم هنا هم أسباط بني إسرائيل الاثنا عشر، وليس المقصود جميع أمم العالم، فبعض الترجمات قد تلاعبت بترجمة كلمة الأمم لكي تخدع القارئ بأن رسالة المسيح هي رسالة عالمية وأنه لم يرسل فقط لخراف بني إسرائيل الضآلة (كما ورد في إنجيل متى الإصحاح ١٥ العدد ٢٤)، وأنه أمر تلاميذه بنشر الإنجيل في العالم أجمع!

وبالتأكيد فإن المسيح لم يكن يأمرهم وقتها أن يكرزوا بالإنجيل وفق رواية متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا، وإنما كان يأمرهم بإيصال رسالة الإنجيل الأصلي الذي أوحاه الله إليه ويكرزوا به بين أسباط اليهود.

٣٤- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ٥: " الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة ليبقى عندكم حق الإنجيل. ".

٣٥- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ١٤: " لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا فلماذا تلزم الأمم أن يتهوّدوا. ".

٣٦- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ٦ العدد ١٩: " ولأجلي لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهارا بسر الإنجيل. ".

٣٧- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ٧: " كما يحق لي أن أفتكر هذا من جهة جميعكم لأني حافظكم في قلبي في وثقي وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته أنتم الذين جميعكم شركائي في النعمة. ".

٣٨- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ١٢: " ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل. ".

٣٩- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ٢٧: " فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائبا أسمع أموركم أنكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل. ".

٤٠- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ٢ العدد ٢٢: " وأما اختباره فأنتم تعرفون أنه كولد مع أب خدم معي لأجل الإنجيل. ".

٤١- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١ العدد ١: " بولس، عبد ليسوع المسيح، المدعو رسولا، المفرز لإنجيل الله. ".

٤٢- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١ العدد ٩: " فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم. ".

٤٣- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١٥ العدد ٢٩: " وأنا أعلم أني إذا جئت إليكم سأجيء في ملء بركة إنجيل المسيح. ".

٤٤- رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح ٢ العدد ١٢: " ولكن لما جئت إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح وانفتح لي باب في الرب. ".

٤٥- رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح ١٠ العدد ١٤: " لأننا لا نمدد أنفسنا كأننا لسنا نبلغ إليكم. إذ قد وصلنا إليكم أيضا في إنجيل المسيح. ".

 

 

 

الفصل الثامن

اعتراف الكتاب المقدس بالتحريف الذي وقع فيه

يقول الله تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }[180].

الاعتراف بالتحريف:

سفر إرميا الإصحاح ٨ العدد ٤: ٤ وَتَقُولُ لَهُمْ: «هَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ: عِنْدَمَا يَسْقُطُ الرِّجَالُ، أَلا يَقُومُونَ ثَانِيَةً؟ وَعِنْدَمَا يَرْتَدُّونَ مُخْطِئِينَ أَلا يَرْجِعُونَ؟ ٥ فَمَا بَالُ شَعْبِ أُورُشَلِيمَ قَدِ ارْتَدُّوا ارْتِدَاداً دَائِماً مُتَشَبِّثِينَ بِالْخَدِيعَةِ وَرَافِضِينَ الرُّجُوعَ؟ ٦ قَدْ أَصْغَيْتُ وَسَمِعْتُ، وَإذَا بِهِمْ يَنْطِقُونَ بِمَا يُنَافِي الْحَقَّ، ...  ٨ كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟ ٩ سَيَلْحَقُ الْخِزْيُ بِالْحُكَمَاءِ وَيَعْتَرِيهِمِ الْفَزَعُ وَالذُّهُولُ، لأَنَّهُمْ رَفَضُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. إِذاً أَيَّةُ حِكْمَةٍ فِيهِمْ؟ ١٠ لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِلْوَارِثِينَ الْقَاهِرِينَ، لأَنَّهُمْ جَمِيعاً مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ مُوْلَعُونَ بِالرِّبْحِ. حَتَّى النَّبِيُّ وَالْكَاهِنُ يَرْتَكِبَانِ الزُّورَ فِي أَعْمَالِهِمَا، ... »، يَقُولُ الرَّبُّ. ".

إنجيل متى الإصحاح ١٥ العدد ١: ١ وَتَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ بَعْضُ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَسَأَلُوهُ: ٢ «لِمَاذَا يُخَالِفُ تَلامِيذُكَ تَقَالِيدَ الشُّيُوخِ، فَلا يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلُوا؟» ٣ فَأَجَابَهُمْ «وَلِمَاذَا تُخَالِفُونَ أَنْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ مِنْ أَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تَقَالِيدِكُمْ؟ ٤ فَقَدْ أَوْصَى اللهُ قَائِلاً: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ. وَمَنْ أَهَانَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ، فَلْيَكُنِ الْمَوْتُ عِقَاباً لَهُ. ٥ وَلَكِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: إِنَّ مَا أَعُولُكَ بِهِ قَدْ قَدَّمْتُهُ قُرْبَاناً لِلْهَيْكَلِ، ٦ فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ إِكْرَامِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَأَنْتُمْ، بِهَذَا، تُلْغُونَ مَا أَوْصَى بِهِ اللهُ، مُحَافَظَةً عَلَى تَقَالِيدِكُمْ. ٧ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ! أَحْسَنَ إِشَعْيَاءُ إِذْ تَنَبَّأَ عَنْكُمْ فَقَالَ: ٨ هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، أَمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي جِدّاً! ٩ إِنَّمَا بَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ لَيْسَتْ إِلّا وَصَايَا النَّاسِ». ".

أمثلة من تناقضات الكتاب المقدس:

المشكلة في عدم الانتباه لحجم التناقضات في الكتاب المقدس، وخصوصاً في العهد الجديد، هو أن القارئ المسيحي العادي يقوم بقراءة إنجيل متى على سبيل المثال حتى النهاية، دون أن يقارن جميع ما قرأ من قصص مع الأناجيل الأخرى التي ذكرت نفس القصة أو لم تذكرها.

فإذا كانت قصة مذكورة في إنجيل واحد فقط، فهذا قد يشير إلى عدم اتفاق كتبة الأناجيل الأخرى عليها أو عدم علمهم بها، وهكذا فإنه من الخطر استنباط عقيدة كاملة على هذه القصة.

أما إذا كانت القصة مذكورة في أكثر من إنجيل، فانظر بنفسك حجم التناقضات والاختلافات بين الأناجيل في ذكر نفس القصة.

١- كيف مات يهوذا؟

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٣: ٣ فَلَمَّا رَأَى يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ قَدْ صَدَرَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ، ٤وَقَالَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُكُمْ دَماً بَرِيئاً». فَأَجَابُوهُ: «لَيْسَ هَذَا شَأْنَنَا نَحْنُ، بَلْ هُوَ شَأْنُكَ أَنْتَ!» ٥ فَأَلْقَى قِطَعَ الْفِضَّةِ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ ذَهَبَ وَشَنَقَ نَفْسَهُ٦ فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ قِطَعَ الْفِضَّةِ وَقَالُوا: «هَذَا الْمَبْلَغُ ثَمَنُ دَمٍ، فَلا يَحِلُّ لَنَا إِلْقَاؤُهُ فِي صُنْدُوقِ الْهَيْكَلِ!» ٧ وَبَعْدَ التَّشَاوُرِ اشْتَرَوْا بِالْمَبْلَغِ حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ لِيَكُونَ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ، ٨ وَلِذَلِكَ مَازَالَ هَذَا الْحَقْلُ يُدْعَى حَتَّى الْيَوْمِ حَقْلَ الدَّمِ. ٩ عِنْدَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ إِرْمِيَا الْقَائِلِ: «وَأَخَذُوا الثَّلاثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْكَرِيمِ الَّذِي ثَمَّنَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، ١٠ وَدَفَعُوهَا لِقَاءَ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ». ".

سفر أعمال الرسل الإصحاح ١ العدد ١٧: ١٧ وَكَانَ يَهُوذَا يُعْتَبَرُ وَاحِداً مِنَّا، وَقَدْ شَارَكَنَا فِي خِدْمَتِنَا. ١٨ ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَرَى حَقْلاً بِالْمَالِ الَّذِي تَقَاضَاهُ ثَمَناً لِلْخِيَانَةِ، وَفِيهِ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَانْشَقَّ مِنْ وَسَطِهِ وَانْدَلَقَتْ أَمْعَاؤُهُ كُلُّهَا١٩ وَعَلِمَ أَهْلُ أُورُشَلِيمَ جَمِيعاً بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَأَطْلَقُوا عَلَى حَقْلِهِ اسْمَ حَقَلْ دَمَخْ بِلُغَتِهِمْ، أَيْ حَقْلَ الدَّمِ. ٢٠ فَتَمَّتِ النُّبُوءَةُ الْوَارِدَةُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً، وَلا يَسْكُنْهَا سَاكِنٌ. وَأَيْضاً: لِيَسْتَلِمْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ! ٢١ فَعَلَيْنَا إِذَنْ أَنْ نَخْتَارَ وَاحِداً مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَافَقُونَا طَوَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي قَضَاهَا الرَّبُّ يَسُوعُ مَعَنَا، ٢٢ مُنْذُ أَنْ عَمَّدَهُ يُوحَنَّا إِلَى يَوْمِ ارْتِفَاعِهِ عَنَّا إِلَى السَّمَاءِ، لِيَكُونَ مَعَنَا شَاهِداً بِقِيَامَةِ يَسُوعَ». ".

فهل شنق يهوذا نفسه، أم سقط على وجهه فانشق من وسطه وخرجت أمعاءه كلها؟

هل ذهب يهوذا لرؤساء الكهنة والشيوخ ورد المال وهم من اشتروا الحقل، أم لم يذهب لهم واشترى هو حقلاً بالمال الذي تقاضاه؟

هل سمي حقل الدم لأنه تم شراؤه بثمن دم، أم لأنه عندما خرجت أمعاء يهوذا وعلم أهل أورشليم سموا الحق بحقل الدم؟

هل النبوءة المذكورة التي ذكرها متى في العدد ٩ قالها النبي إرميا أم النبي إشعياء؟ ففي سفر إرميا لا وجود لها، وإنما هي مذكورة في سفر إشعياء. ١٢ ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: «إِنْ طَابَ لَكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي، وَإلَّا فَاحْتَفِظُوا بِها». فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاثِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ. ١٣ فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ إِلَى الْفَخَّارِيِّ». فَأَخَذْتُ الثَّلاثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى الْفَخَّارِيِّ. ١٤ وَحَطَّمْتُ عَصَايَ الأُخْرَى، وَحْدَةَ لأَنْقُضَ الإِخَاءَ بَيْنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. ".

ومن العجيب أن الكثير من القساوسة ليتهربوا من هذا التناقض ادعوا أنه كان من عادة بني إسرائيل أن يقسموا العهد القديم لثلاثة أقسام، وهي التوراة، والمزامير، وإرميا الذي يشمل أسفار جميع الأنبياء، ويسمونه بإرميا لأنه يبدأ بسفر إرميا. وهكذا فإن إنجيل متى عندما قال أنها نبوءة إرميا لم يقصد أنها نبوءة النبي إرميا، ولكن أنها نبوءة وردت في قسم إرميا، فلا مانع أن تكون مذكورة في سفر إشعياء ولكن تنسب لإرميا كقسم من الثلاثة أقسام للكتاب المقدس وليس كسفر. ولكن ادعاؤهم هذا هو كذب لسببين:

الأول: تقسيم بنو إسرائيل لكتابهم كان: ١) التوراة (الشريعة)، ٢) نبيئيم (الأنبياء وهو يقسم إلى أنبياء أوائل " نبيئيم رشونيم" ويبدأ بسفر يشوع وينتهي بالملوك ٢، وأنبياء متأخرون " نبيئيم أخرونيم" ويبدأ بسفر إشعياء وليس سفر إرميا)، ٣) كتوبيم (الكتابات).

الثاني: إنجيل متى ذكر بكل وضوح الآتي " عِنْدَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ إِرْمِيَا الْقَائِلِ "، فهنا ينسب النبوءة لإرميا بكل وضوح، فقال "بلسان النبي إرميا القائل" ولم يقل "المذكور في قسم إرميا"! فضلاً عن أنه إن أراد ذكر قسم لقال "المذكور في الأنبياء" وليس "في إرميا"! أيضاً إن قرأت النص اليوناني فهو واضح أنه يتحدث عن إرميا بشخصه وبصيغة مفردة. 

وهكذا فإن كاتب إنجيل متى لم يكن يعرف أين وردت النبوءة، فإن قال قائل بعد ذلك، أنه كتب إنجيله بوحي من الروح القدس، فهو بذلك ينسب إما الجهل أو الكذب للروح القدس. بل وتلك التبريرات الواهية تجعل الناس تفقد الثقة أكثر وأكثر فيما يقوله القساوسة، فهم بدلاً من الاعتراف بوجود تحريف وتناقضات في الكتاب المقدس، يكذبون لتبرير أية تناقضات أو تحريفات.

٢- القبض والصلب:

هل تحدث المسيح أم لا؟ 

متى الإصحاح ٢٧ العدد ١١: ١١ وَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْحَاكِمِ. فَسَأَلَهُ الْحَاكِمُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» أَجَابَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ!» ١٢ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يُوَجِّهُونَ ضِدَّهُ الاِتِّهَامَاتِ، وَهُوَ صَامِتٌ لَا يَرُدُّ. ١٣ فَقَالَ لَهُ بِيلاطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ عَلَيْكَ؟» ١٤ لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يُجِبِ الْحَاكِمَ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْحَاكِمُ كَثِيراً. ".

في حين أجمعت رواية كل من إنجيل متى ورواية إنجيل مرقس إصحاح ١٥ عدد ٢ ورواية إنجيل لوقا إصحاح ٢٣ عدد ٣ أن المسيح لم يجيب إلا ب "أَنْتَ قُلْتَ!"، نسب إنجيل يوحنا أقوال كثيرة للمسيح.

يوحنا الإصحاح ١٨ العدد ٣٣: " ٣٣ فَدَخَلَ بِيلاطُسُ قَصْرَهُ وَاسْتَدْعَى يَسُوعَ وَسَأَلَهُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» ٣٤ فَرَدَّ يَسُوعُ: «أَتَقُولُ لِي هَذَا مِنْ عِنْدِكَ، أَمْ قَالَهُ لَكَ عَنِّي آخَرُونَ؟» ٣٥ فَقَالَ بِيلاطُسُ: «وَهَلْ أَنَا يَهُودِيٌّ؟ إِنَّ أُمَّتَكَ وَرُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ سَلَّمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» ٣٦ أَجَابَ يَسُوعُ: «لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ حُرَّاسِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. أَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا». ٣٧ فَسَأَلَهُ بِيلاطُسُ: «فَهَلْ أَنْتَ مَلِكٌ إِذَنْ؟» أَجَابَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ، إِنِّي مَلِكٌ. وَلِهَذَا وُلِدْتُ وَجِئْتُ إِلَى الْعَالَمِ: لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يُصْغِي لِصَوْتِي». ". يوحنا الإصحاح ١٩ العدد : ٨ فَعِنْدَمَا سَمِعَ بِيلاطُسُ هَذَا الْكَلامَ، اشْتَدَّ خَوْفُهُ، ٩ وَدَخَلَ إِلَى قَصْرِهِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» فَلَمْ يُجِبْهُ يَسُوعُ بِشَيْءٍ. ١٠ فَقَالَ لَهُ بِيلاطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلا تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَةً أَنْ أُطْلِقَكَ، وَسُلْطَةً أَنْ أَصْلِبَكَ؟» ١١ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ «مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَةٌ قَطُّ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيَتْ لَكَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ فَالَّذِي سَلَّمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيئَةٌ أَعْظَمُ.»".

فلا يوجد أدنى شك أن هذا الكلام الذي كتبه كاتب إنجيل يوحنا إنما هو من مخيلته. فهو قد بالغ في كل ما يتعلق بالمسيح، حتى كلامه، فنسب له العديد من الأقوال التي لم يقلها.

هل سخر منه المجرمين المصلوبين أم لا؟

مرقس الإصحاح ١٥ العدد ٢٩: ٢٩ وَكَانَ الْمَارَّةُ يَشْتُمُونَهُ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهٍ! يَا هَادِمَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ٣٠ خَلِّصْ نَفْسَكَ، وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» ٣١ كَذلِكَ كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً يَسْخَرُونَ مِنْهُ مَعَ الْكَتَبَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «خَلَّصَ غَيْرَهُ، وَأَمَّا نَفْسَهُ فَلا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ. ٣٢ لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ مِنْ عَلَى الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!» وَعَيَّرَهُ أَيْضاً اللِصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ. ".

متى الإصحاح ٢٧ العدد ٣٩: ٣٩ وَكَانَ الْمَارَّةُ يَشْتُمُونَهُ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ ٤٠ وَيَقُولُونَ: «يَا هَادِمَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» ٤١ وَسَخِرَ مِنْهُ أَيْضاً رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ، قَائِلِينَ: ٤٢ «خَلَّصَ غَيْرَهُ؛ أَمَّا نَفْسَهُ فَلا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ! أَهُوَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ! ٤٣ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ، فَلْيُخَلِّصْهُ الآنَ إِنْ كَانَ يُرِيدُهُ! فَهُوَ قَدْ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللهِ!» ٤٤ وَكَانَ اللِّصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ يَسْخَرَانِ مِنْهُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ! ".

في حين أجمع إنجيل متى وإنجيل مرقس أن اللصان كانا يسخرا من المسيح، إلا أن إنجيل لوقا كان له رأي آخر، فذكر أن أحدهم سخر منه أما الآخر فكان تقي وآمن بالمسيح وأن المسيح بشره أنه يكون معه في الفردوس.

لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٣٩: ٣٩ وَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْرِمَيْنِ الْمَصْلُوبَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ؟ إِذَنْ خَلِّصْ نَفْسَكَ وَخَلِّصْنَا!» ٤٠ وَلكِنَّ الآخَرَ كَلَّمَهُ زَاجِراً فَقَالَ: «أَحَتَّى أَنْتَ لَا تَخَافُ اللهَ، وَأَنْتَ تُعَانِي الْعُقُوبَةَ نَفْسَهَا؟ ٤١ أَمَّا نَحْنُ فَعُقُوبَتُنَا عَادِلَةٌ لأَنَّنَا نَنَالُ الْجَزَاءَ الْعَادِلَ لِقَاءَ مَا فَعَلْنَا. وَأَمَّا هَذَا الإِنْسَانُ، فَلَمْ يَفْعَلُ شَيْئاً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ!» ٤٢ ثُمَّ قَالَ: «يَا يَسُوعُ، اذْكُرْنِي عِنْدَمَا تَجِيءُ فِي مَلَكُوتِكَ!» ٤٣ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: الْيَوْمَ سَتَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ!» ".

أما إنجيل يوحنا فلم يذكر إن كان اللصان قد سخرا من المسيح أم أن واحد فقط هو من سخر وأن الثاني آمن بالمسيح. 

أيضاً فقد تفرد إنجيل لوقا هنا بذكر شيء لم تذكره الأناجيل الأخرى، ففي حين ذكرت الأناجيل أن المارة كانوا يستهزئون به، ذكر إنجيل لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٢٧: ٢٧ وَقَدْ تَبِعَهُ جَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنْ نِسَاءٍ كُنَّ يُوَلْوِلْنَ وَيَنْدُبْنَهُ. ٢٨ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ، وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لَا تَبْكِينَ عَلَيِّ، بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلادِكُنَّ! ٢٩ فَهَا إِنَّ أَيَّاماً سَتَأْتِي فِيهَا يَقُولُ النَّاسُ: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ اللَّوَاتِي مَا حَمَلَتْ بُطُونُهُنَّ وَلا أَرْضَعَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ! ٣٠ عِنْدَئِذٍ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا، وَلِلتِّلالِ: غَطِّينَا! ٣١ فَإِنْ كَانُوا قَدْ فَعَلُوا هَذَا بِالْغُصْنِ الأَخْضَرِ، فَمَاذَا يَجْرِي لِلْيَابِسِ؟». ".

من حمل الصليب:

ذكر إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٣٢، ومرقس الإصحاح ١٥ العدد ٢١، ولوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٢٦ أن من حمل الصليب هو سمعان من القيروان، أما إنجيل يوحنا الإصحاح ١٩ العدد ١٧ فقد ذكر أن من حمل الصليب إنما هو المسيح نفسه.

ماذا قال المسيح على الصليب:

إنجيل يوحنا الإصحاح ١٩ العدد ٢٨: ٢٨ بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدِ اكْتَمَلَ، فَقَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ»، لِيَتِمَّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ. ٢٩ وَكَانَ هُنَاكَ وِعَاءٌ مَلِيءٌ بِالْخَلِّ، فَغَمَسُوا فِي الْخَلِّ إِسْفِنْجَةً وَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا، وَرَفَعُوهَا إِلَى فَمِهِ. ٣٠ فَلَمَّا ذَاقَ يَسُوعُ الْخَلَّ، قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ!» ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ".

إنجيل لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٤٤: ٤٤ وَنَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، حَلَّ الظَّلامُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. ٤٥ وَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ، وَانْشَطَرَ سِتَارُ الْهَيْكَلِ مِنَ الوَسَطِ. ٤٦ وَقَالَ يَسُوعُ صَارِخاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبِي، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي!» وَإِذْ قَالَ هَذَا، أَسْلَمَ الرُّوحَ. ".

إنجيل مرقس الإصحاح ١٥ العدد ٣٣: ٣٣ وَلَمَّا جَاءَتِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ظُهْراً، حَلَّ الظَّلامُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ. ٣٤وَفِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «أَلُوِي أَلُوِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: «إِلهِي إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» ٣٥ فَقَالَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ: «هَا إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا!» ٣٦ وَإذَا وَاحِدٌ قَدْ رَكَضَ وَغَمَسَ إِسْفِنْجَةً فِي الْخَلِّ وَثَبَّتَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَقَدَّمَهَا إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ، قَائِلاً: «دَعُوهُ! لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!» ٣٧ فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ٣٨ فَانْشَقَّ سِتَارُ الْهَيْكَلِ شَطْرَيْنِ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلُ. ".

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٤٥: ٤٥ وَمِنَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ظُهْراً إِلَى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حَلَّ الظَّلامُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا. ٤٦ وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِيلِي، إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» ٤٧ فَلَمَّا سَمِعَهُ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: «إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا!» ٤٨ فَرَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً غَمَسَهَا فِي الْخَلِّ، وَثَبَّتَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ؛ ٤٩ وَلَكِنَّ الْبَاقِينَ قَالُوا: «دَعْهُ وَشَأْنَهُ! لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُخَلِّصَهُ!» ٥٠ فَصَرَخَ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ".

نعلق على ما سبق بالآتي:

١- يدعي بعض القساوسة أنه لا يوجد تناقض بين أقوال المسيح، بل كل إنجيل ذكر جزء من كلامه. وادعائهم هذا خاطئ لأنه لا يمكن أن يكون المسيح قد قال كل تلك الأقوال قبل أن يسلم روحه، فمن الناحية اللغوية والمنطقية لا يستقيم هذا الادعاء.

٢- في إنجيل متى قال "إيلي، إيلي" أما في إنجيل مرقس قال "ألوي، ألوي"، حتى وإن كانا بنفس المعنى إلا أن الكلمتين مختلفتين، ولو كان الكاتبان يكتبان بإيحاء من الروح القدس لما حدث اختلاف بينهما.

٣- في إنجيل متى وإنجيل مرقس، قال "لما شبقتني؟"، ثم كتب الترجمة بالعربية "لما تركتني؟"، ولكن في اللغة اليونانية هو قال "لماذا تخليت عني؟"، وهي كلمة سيئة جدا أن توجه لله تعالى، ولا يمكن أن يكون المسيح قد قالها لله تعالى، لأنه بهذا يظهر امتعاضه وعدم رضاه، وهذا ينسف عقيدة الصلب والفداء من الأساس.

٤- ذكر لوقا أن الساعة كانت السادسة، بينما ذكر مرقس ومتى أنها كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً، فأيهما الصحيح؟

٥- ذكر إنجيل يوحنا أن بعض الواقفين هناك " َغَمَسُوا فِي الْخَلِّ إِسْفِنْجَةً "، أما إنجيل مرقس فذكر " وَإذَا وَاحِدٌ قَدْ رَكَضَ وَغَمَسَ إِسْفِنْجَةً فِي الْخَلِّ وَثَبَّتَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَقَدَّمَهَا إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ، قَائِلاً: «دَعُوهُ! لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!» "، أي أن هذا الذي ركض كان يتحدى المسيح، أما إنجيل متى فذكر " فَرَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً غَمَسَهَا فِي الْخَلِّ، وَثَبَّتَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ؛ ٤٩ وَلَكِنَّ الْبَاقِينَ قَالُوا: «دَعْهُ وَشَأْنَهُ! لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُخَلِّصَهُ!» " أي أن هذا الرجل الذي ركض هو شخص جيد ولكن الباقية كانوا سيئين.

هل تفتحت القبور وقام منها الأموات؟

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد : ٥٠ فَصَرَخَ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 51 وَإذَا سِتَارُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ شَطْرَيْنِ، مِنَ الأَعْلَى إِلَى الأَسْفَلِ، وَتَزَلْزَلَتِ الأَرْضُ، وَتَشَقَّقَتِ الصُّخُورُ، 52 وَتَفَتَّحَتِ الْقُبُورُ، وَقَامَتْ أَجْسَادٌ كَثِيرَةٌ لِقِدِّيسِينَ كَانُوا قَدْ رَقَدُوا؛ 53 وَإِذْ خَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ، دَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ بَعْدَ قِيَامَةِ يَسُوعَ، وَرَآهُمْ كَثِيرُونَ. ".

تلك القصة المثيرة لم ترد في أي من الأناجيل الأخرى، مما يؤكد زيفها وتناقضها مع ما ذكرته الأناجيل الأخرى. فتخيل عزيزي القارئ أن القبور تفتحت ثم خرج منها أجساد الأموات ومشوا في الطرق ورآهم الناس، ورغم تلك المعجزة الكبيرة جدا، فلم يذكرها أيا من الأناجيل الثلاثة الأخرى، بل ولم يخبرنا متى ماذا حدث بعد أن مشوا في الطرق، هل عادوا ثانية للقبور وتستطحوا بداخلها ثم أخذت كل مومياء منهم برمي التراب على نفسها حتى تقبر نفسها مرة ثانية؟

ماذا قال قائد المئة؟

وفق إنجيل متى في الإصحاح ٢٧ العدد ٥٤ قال قائد المئة: " حَقّاً كَانَ هَذَا ابْنَ اللهِ! "، أما وفق إنجيل لوقا إصحاح ٢٣ العدد ٤٧: " بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارّاً. ".

٣- القيامة:

إنجيل متى الإصحاح ٢٨ العدد ١: 

١ وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ، بَعْدَ انْتِهَاءِ السَّبْتِ، ذَهَبَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى تَتَفَقَّدَانِ الْقَبْرَ. ٢ فَإِذَا زِلْزَالٌ عَنِيفٌ قَدْ حَدَثَ، لأَنَّ مَلاكاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَجَاءَ فَدَحْرَجَ الْحَجَرَ وَجَلَسَ عَلَيْهِ٣ وَكَانَ مَنْظَرُ الْمَلاكِ كَالْبَرْقِ، وَثَوْبُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. ٤ وَلَمَّا رَآهُ الْجُنُودُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ الْقَبْرَ، أَصَابَهُمُ الذُّعْرُ وَصَارُوا كَأَنَّهُمْ مَوْتَى. ٥ فَطَمْأَنَ المَلاكُ الْمَرْأَتَيْنِ قَائِلاً: «لا تَخَافَا. فَأَنَا أَعْلَمُ إِنَّكُمَا تَبْحَثَانِ عَنْ يَسُوعَ الَّذِي صُلِبَ. ٦ إِنَّهُ لَيْسَ هُنَا، فَقَدْ قَامَ، كَمَا قَالَ. تَعَالَيَا وَانْظُرَا الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ مَوْضُوعاً فِيهِ. ٧ وَاذْهَبَا بِسُرْعَةٍ وَأَخْبِرَا تَلامِيذَهُ أَنَّهُ قَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وَهَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ، هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ أَخْبَرْتُكُمَا!» ٨ فَانْطَلَقَتِ الْمَرْأَتَانِ مِنَ الْقَبْرِ مُسْرِعَتَيْنِ، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمَا خَوْفٌ شَدِيدٌ وَفَرَحٌ عَظِيمٌ، وَرَكَضَتَا إِلَى التَّلامِيذِ تَحْمِلانِ الْبُشْرَى. ٩ وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُبَشِّرَا التَّلامِيذَ، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ الْتَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلامٌ!» فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ، وَسَجَدَتَا لَهُ. ١٠ فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لا تَخَافَا! اذْهَبَا قُولا لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي!» ... ١٦ وَأَمَّا التَّلامِيذُ الأَحَدَ عَشَرَ، فَذَهَبُوا إِلَى مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُمْ يَسُوعُ. ١٧ فَلَمَّا رَأَوْهُ، سَجَدُوا لَهُ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. ".

إنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١:

١ وَلَمَّا انْتَهَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ طُيُوباً عِطْرِيَّةً لِيَأْتِينَ وَيَدْهُنَّهُ. ٢ وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِراً جِدّاً مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. ٣ وَكُنَّ يَقُلْنَ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ مِنْ عَلَى بَابِ الْقَبْرِ؟» ٤ لكِنَّهُنَّ تَطَلَّعْنَ فَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَبِيراً جِدّاً. ٥ وَإِذْ دَخَلْنَ الْقَبْرَ، رَأَيْنَ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى شَابّاً جَالِساً، لابِساً ثَوْباً أَبْيَضَ، فَتَمَلَّكَهُنَّ الْخَوْفُ. ٦ فَقَالَ لَهُنَّ: «لا تَخَفْنَ. أَنْتُنَّ تَبْحَثْنَ عَنْ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صُلِبَ. إِنَّهُ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هُنَا. هَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ مَوْضُوعاً فِيهِ. ٧ لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ، وَلِبُطْرُسَ، إِنَّهُ سَيَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ؛ هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». ٨ فَخَرَجْنَ هَارِبَاتٍ مِنَ الْقَبْرِ، وَقَدِ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِنَّ الرِّعْدَةُ وَالدَّهْشَةُ الشَّدِيدَةُ. وَلَمْ يَقُلْنَ شَيْئاً لأَحَدٍ، لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.".

إنجيل لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٥٥: 

" ٥٥ وَتَبِعَتْ يُوسُفَ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي خَرَجْنَ مِنَ الْجَلِيلِ مَعَ يَسُوعَ، فَرَأَيْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جُثْمَانُهُ ... (إنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ١) ١ وَلكِنْ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ، بَاكِراً جِدّاً، جِئْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي هَيَّأْنَهُ. ٢ فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ عَنِ الْقَبْرِ. ٣ وَلكِنْ لَمَّا دَخَلْنَ لَمْ يَجِدْنَ جُثْمَانَ الرَّبِّ يَسُوعَ. ٤ وَفِيمَا هُنَّ مُتَحَيِّرَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلانِ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ قَدْ وَقَفَا بِجَانِبِهِنَّ ... ٩ وَإِذْ رَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ، أَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَالآخَرِينَ كُلَّهُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعاً. ١٠ وَكَانَتِ اللَّوَاتِي أَخْبَرْنَ الرُّسُلَ بِذلِكَ هُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَيُوَنَّا، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ، وَالأُخْرَيَاتُ اللَّوَاتِي ذَهَبْنَ مَعَهُنَّ١١فَبَدَا كَلامُهُنَّ فِي نَظَرِ الرُّسُلِ كَأَنَّهُ هَذَيَانٌ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ. ١٢ إِلّا أَنَّ بُطْرُسَ قَامَ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، وَإِذِ انْحَنَى رَأَى الأَكْفَانَ الْمَلْفُوفَةَ وَحْدَهَا، ثُمَّ مَضَى مُتَعَجِّباً مِمَّا حَدَثَ. ١٣ وَكَانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ تَبْعُدُ سِتِّينَ غَلْوَةً (نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ) عَنْ أُورُشَلِيمَ، اسْمُهَا عِمْوَاسُ. ١٤ وَكَانَا يَتَحَدَّثَانِ عَنْ جَمِيعِ مَا حَدَثَ ١٥ وَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ وَيَتَبَاحَثَانِ، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا وَسَارَ مَعَهُمَا. ١٦ وَلكِنَّ أَعْيُنَهُمَا حُجِبَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ... ٢٨ ثُمَّ اقْتَرَبُوا مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ التِّلْمِيذَانِ يَقْصِدَانِهَا، وَتَظَاهَرَ هُوَ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. ٢٩ فَأَلَحَّا عَلَيْهِ قَائِلَيْنِ: «انْزِلْ عِنْدَنَا، فَقَدْ مَالَ النَّهَارُ وَاقْتَرَبَ الْمَسَاءُ». فَدَخَلَ لِيَنْزِلَ عِنْدَهُمَا. ٣٠ وَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ، وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمَا. ٣١ فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ. ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا. ٣٢ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: «أَمَا كَانَ قَلْبُنَا يَلْتَهِبُ فِي صُدُورِنَا فِيمَا كَانَ يُحَدِّثُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» ٣٣ ثُمَّ قَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَوَالَّذِينَ مَعَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، ٣٤ وَكَانُوا يَقُولُونُ: «حَقّاً إِنَّ الرَّبَّ قَامَ، وَقَدْ ظَهَرَ لِسِمْعَانَ». ٣٥ فَأَخْبَرَاهُمْ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَا الرَّبَّ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ.٣٦ وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِذَلِكَ، وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «السلام عليكم!» ٣٧ وَلكِنَّهُمْ، لِذُعْرِهِمْ وَخَوْفِهِمْ، تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ شَبَحاً. ٣٨ فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ؟ وَلِمَاذَا تَنْبَعِثُ الشُّكُوكُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ ٣٩ انْظُرُوا يَدَيَّ وَقَدَمَيَّ، فَأَنَا هُوَ بِنَفْسِي. الْمِسُونِي وَتَحَقَّقُوا، فَإِنَّ الشَّبَحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». ٤٠ وَإِذْ قَالَ ذَلِكَ، أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ. ٤١ وَإِذْ مَازَالُوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ مِنَ الْفَرَحِ وَمُتَعَجِّبِينَ، قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ هُنَا مَا يُؤْكَلُ؟» ٤٢فَنَاوَلُوهُ قِطْعَةَ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ. ٤٣ فَأَخَذَهَا أَمَامَهُمْ وَأَكَلَ.".

إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ١: 

١ وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ، بَكَّرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى قَبْرِ يَسُوعَ، وَالظَّلامُ مُخَيِّمٌ، فَرَأَتِ الْحَجَرَ قَدْ رُفِعَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ. ٢ فَأَسْرَعَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا الرَّبَّ مِنَ الْقَبْرِ، وَلا نَدْرِي أَيْنَ وَضَعُوهُ!» ٣ فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَتَوَجَّهَا إِلَى الْقَبْرِ ... ١٠ ثُمَّ رَجَعَ التِّلْمِيذَانِ إِلَى بَيْتِهِمَا.١١ أَمَّا مَرْيَمُ فَظَلَّتْ وَاقِفَةً فِي الْخَارِجِ تَبْكِي عِنْدَ الْقَبْرِ. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي، انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ. ١٢ فَرَأَتْ مَلاكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ، جَالِسَيْنِ حَيْثُ كَانَ جُثْمَانُ يَسُوعَ مَوْضُوعاً، وَاحِداً عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الْقَدَمَيْنِ. ١٣ فَسَأَلاهَا: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟» أَجَابَتْ: «أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلا أَدْرِي أَيْنَ وَضَعُوهُ». ١٤ قَالَتْ هَذَا وَالْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَرَأَتْ يَسُوعَ وَاقِفاً، وَلكِنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ ... ١٧فَقَالَ لَهَا: «لا تُمْسِكِي بِي! فَإِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى الآبِ، بَلِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي سَأَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ، وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ!» ١٨ فَرَجَعَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَبَشَّرَتِ التَّلامِيذَ قَائِلَةً: «إِنِّي رَأَيْتُ الرَّبَّ!» وَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا قَالَ لَهَا. ١٩ وَلَمَّا حَلَّ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الأَوَّلُ مِنَ الأُسْبُوعِ، كَانَ التَّلامِيذُ مُجْتَمِعِينَ فِي بَيْتٍ أَغْلَقُوا أَبْوَابَهُ خَوْفاً مِنَ الْيَهُودِ، وَإذَا يَسُوعُ يَحْضُرُ وَسْطَهُمْ قَائِلاً: «السَلامٌ عليَكُمْ!» ٢٠ وَإِذْ قَالَ هَذَا، أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلامِيذُ إِذْ أَبْصَرُوا الرَّبَّ. ".

وهكذا فإن الأربع قصص مختلفة اختلافات جوهرية توضح مدى التلاعب بالنص وينفي تماما فرضية أن هذه الأناجيل قد كتبت بإلهام من الروح القدس. فمثلاً انظر من ذهب للقبر، وهل وجدوا خارج القبر ملاكاً جالساً على الحجر، أم أنهم دخلوا القبر ووجدوا داخل القبر ملاكآ، أم وجدوا رجلين داخل القبر، أم وجدوا ملاكين ويسوع واقفاً في القبر؟ وهل أخبروا التلاميذ أن يذهبوا للجليل لمقابلة المسيح أم أنهم لم يخبروا التلاميذ شيئاً (كم ورد في إنجيل مرقس)؟ علماً عزيزي القارئ أنك إذا أكملت قراءة إنجيل مرقس الإصحاح ١٦ من العدد ٩ فستجد أنهم أخبروا التلاميذ أن يذهبوا للجليل، ولكن أجمع علماء اللاهوت أن إنجيل مرقس ينتهي عند العدد ٨ من الإصحاح ١٦، وأن باقي الأعداد إنما هي أعداد مزورة أضيفت فيما بعد على إنجيل مرقس!

وهل قابل المسيح التلاميذ في الجليل أم في أورشليم كما هو مذكور في إنجيل لوقا؟

٤- الصعود إلى السماء:

معجزة الصعود إلى السماء هي معجزة هامة جداً ويستشهد به من يدعي ألوهية المسيح عليه السلام، ولكن تلك المعجزة لم تذكر في إنجيل يوحنا ولا في إنجيل متى. فإذا كان كما يدعي بعض القساوسة أن إنجيل يوحنا قد كتب من يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وأن إنجيل متى كتب من متى العشار تلميذ المسيح، فكيف لم يكتبا معجزة هامة مثل هذه في إنجيليهما؟

أما بالنسبة لإنجيل مرقس، فكما هو معلوم فمرقس لم يكن من تلاميذ المسيح الاثنا عشر على كل حال، أيضا فكما ذكرنا بالأعلى فإن الأعداد الأخيرة في الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس هي أعداد مزورة أضيفت فيما بعد، ومن ضمنها قصة صعود المسيح للسماء.

وبالنسبة لإنجيل لوقا، والذي أيضا لم يكن من تلاميذ المسيح عليه السلام، فهو الوحيد الذي ذكر تلك القصة. ولكن أيضاً العدد الذي ذكر فيه صعود المسيح للسماء، وهو العدد ٥١ من الإصحاح ٢٤، هو عدد مختلف عليه بين علماء النقد الكتابي إن كان أصلي أم مزور، لأنه لم يرد هذا العدد في عدة مخطوطات من مخطوطات العهد الجديد.

وأخيراً:

أحب أن أقول أن ما ذكرناه بالأعلى من تناقضات بين الأناجيل هو نذر يسير من فيض غزير، فأغلب القصص الواردة في الأناجيل الأربعة توجد بها تناقضات كثيرة جدا. مما ينفي صفة القدسية عن الأناجيل الأربعة وأنها قد كتبت بوحي إلهي أو بإلهام من الروح القدس. وللأسف فإن الكثير من القساوسة رغم علمهم بتلك التناقضات إلا أنه لا يعتبرها دليلاً على عدم قدسية الأناجيل الأربعة، والسبب في هذا هو حبهم الشديد للمسيح عليه السلام وأن تلك الأناجيل تحكي عن المسيح عليه السلام، ولكن أقول لهم لو تحبون حقاً المسيح عليه السلام، فاقرأوا القرآن الكريم، فهو القول الحق عن المسيح عليه السلام وعن جميع أنبياء بني إسرائيل.

 

 

 

 

 

 

الفصل التاسع

فظائع من الكتاب المقدس

إن كتاب الله تعالى هو كلامه المقدس، فكلامه يدل عليه عز وجل، فالله الحق كلامه حق، والله العادل كلامه عدل لجميع البشر، والله الرحمن كلامه رحمه للعالمين، والله العزيز كلامه يوضح لنا عزته وقوته، والله الخالق كلامه يوضح لنا أنه لا خالق غيره، والله القدوس كلامه يوضح لنا أنه منزه عن العيوب والنقائص.

وعليه فلا يمكن أن يكون كلام الله العادل به ظلم، أو عنصرية، أو عدم رحمة، أو أن ينسب لله تعالى صفات نقص وضعف، أو أن يؤله إله غيره.

والان لننظر للكتاب المقدس، هل هو كلام الله؟

السلام والرحمة لكل البشر في الكتاب المقدس:

سفر حزقيال الإصحاح ٩ العدد ٤: ٤ وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اجْتَزْ وَسَطَ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ وَارْسُمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَزْفَرُونَ عَلَى كُلِّ مَا ارْتُكِبَ مِنْ أَرْجَاسٍ فِيهَا». ٥ ثُمَّ قَالَ لِلسِّتَّةِ الآخَرِينَ عَلَى مَسْمَعِي: «اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ خَلْفَهُ وَاقْتُلُوا. لَا تَتَرَأَّفْ عُيُونُكُمْ وَلا تَعْفُوا. ٦ أَهْلِكُوا الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ.".

سفر إشعياء الإصحاح ١٣ العدد ٩: ٩ هَا هُوَ يَوْمُ الرَّبِّ آتٍ مُفْعَماً بِالْقَسْوَةِ وَالسَّخَطِ وَالْغَضَبِ الْعَنِيفِ، لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَاباً وَيُبِيدَ مِنْهَا الْخُطَاةَ ... ١٥ كُلُّ مَنْ يُؤْسَرْ يُطْعَنْ، وَمَنْ يُقْبَضْ عَلَيْهِ يُصْرَعْ بِالسَّيْفِ، ١٦ وَيُمَزَّقْ أَطْفَالُهُمْ عَلَى مَرْأىً مِنْهُمْ، وَتُنْهَبْ بُيُوتُهُمْ، وَتُغْتَصَبْ نِسَاؤُهُمْ. ١٧ هَا أَنَا أُثِيرُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لَا يَكْتَرِثُونَ لِلْفِضَّةِ وَلا يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ، ١٨ تُمَزِّقُ قِسِيُّهُمُ الْفِتْيَانَ وَلا يَرْحَمُونَ الأَوْلادَ أَوِ الرُّضَّعَ. ".

سفر هوشع الإصحاح ١٣ العدد ١٦: ١٦ لابُدَّ أَنْ تَتَحَمَّلَ السَّامِرَةُ وِزْرَ خَطِيئَتِهَا لأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا، فَيَفْنَى أَهْلُهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَيَتَمَزَّقُ أَطْفَالُهَا أَشْلاءَ، وَتُشَقُّ بُطُونُ حَوَامِلِهَا.".

سفر يشوع الإصحاح ٦ العدد ٢١: ٢١ وَدَمَّرُوا الْمَدِينَةَ وَقَضَوْا بِحَدِّ السَّيْفِ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهَا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَطْفَالٍ وَشُيُوخٍ حَتَّى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْحَمِيرِ ... ٢٤ ثُمَّ أَحْرَقَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ بِكُلِّ مَا فِيهَا. ".

سفر صموئيل ١ الإصحاح ١٥ العدد ١: ١ وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «أَنَا الَّذِي أَرْسَلَنِي الرَّبُّ لأُنَصِّبَكَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَاسْمَعِ الآنَ كَلامَ الرَّبِّ. ٢ هَذَا مَا يَقُولُهُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي مُزْمِعٌ أَنْ أُعَاقِبَ عَمَالِيقَ جَزَاءَ مَا ارْتَكَبَهُ فِي حَقِّ الإِسْرَائِيلِيِّينَ حِينَ تَصَدَّى لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. ٣ فَاذْهَبِ الآنَ وَهَاجِمْ عَمَالِيقَ وَاقْضِ عَلَى كُلِّ مَالَهُ. لَا تَعْفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بَلِ اقْتُلْهُمْ جَمِيعاً رِجَالاً وَنِسَاءً، وَأَطْفَالاً وَرُضَّعاً، بَقَراً وَغَنَماً، جِمَالاً وَحَمِيراً».".

سفر التثنية الإصحاح ٢٠ العدد ١٠: ١٠ وَحِينَ تَتَقَدَّمُونَ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةٍ فَادْعُوهَا لِلصُّلْحِ أَوَّلاً. ١١ فَإِنْ أَجَابَتْكُمْ إِلَى الصُّلْحِ وَاسْتَسْلَمَتْ لَكُمْ، فَكُلُّ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِيهَا يُصْبِحُ عَبِيداً لَكُمْ١٢ وَإِنْ أَبَتِ الصُّلْحَ وَحَارَبَتْكُمْ فَحَاصِرُوهَا ١٣ فَإِذَا أَسْقَطَهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ، فَاقْتُلُوا جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ١٤ وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ، وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ أَسْلابٍ، فَاغْنَمُوهَا لأَنْفُسِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِغَنَائِمِ أَعْدَائِكُمُ الَّتِي وَهَبَهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ. ١٥ هَكَذَا تَفْعَلُونَ بِكُلِّ الْمُدُنِ النَّائِيَةِ عَنْكُمُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ الأُمَمِ الْقَاطِنَةِ هُنَا. ١٦ أَمَّا مُدُنُ الشُّعُوبِ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ مِيرَاثاً فَلا تَسْتَبْقُوا فِيهَا نَسَمَةً حَيَّةً، ١٧ بَلْ دَمِّرُوهَا عَنْ بِكْرَةِ أَبِيهَا، كَمُدُنِ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ، ١٨ لِكَيْ لَا يُعَلِّمُوكُمْ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي مَارَسُوهَا فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، فَتَغْوُوا وَرَاءَهُمْ وَتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ.".

سفر العدد الإصحاح ٣١ العدد ١٣: ٦ فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى، أَلْفاً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ، لِلْحَرْبِ بِقِيَادَةِ فِينْحَاسَ بْنِ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ، الَّذِي أَخَذَ مَعَهُ أَمْتِعَةَ الْقُدْسِ وَأَبْوَاقَ الْهُتَافِ. ٧ فَحَارَبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ؛ ٨ وَقَتَلُوا مَعَهُمْ مُلُوكَهُمُ الْخَمْسَةَ: أَوِيَ وَرَاقِمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابِعَ، كَمَا قَتَلُوا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ بِحَدِّ السَّيْفِ. ٩ وَأَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَغَنِمُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَسَائِرَ أَمْلاكِهِمْ، ١٠ وَأَحْرَقُوا مُدُنَهُمْ كُلَّهَا بِمَسَاكِنِهَا وَحُصُونِهَا، ١١ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْغَنَائِمِ وَالأَسْلابِ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ، ١٢ وَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَجَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِالسَّبْيِ والأَسْلابِ وَالْغَنِيمَةِ إِلَى الْمُخَيَّمِ فِي سُهُولِ مُوآبَ بِالْقُرْبِ مِنْ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أَرِيحَا. ١٣ فَخَرَجَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ وَكُلُّ قَادَةِ إِسْرَائِيلَ لاِسْتِقْبَالِهِمْ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، ١٤فَأَبْدَى مُوسَى سُخْطَهُ عَلَى قَادَةِ الْجَيْشِ مِنْ رُؤَسَاءِ الأُلُوفِ وَرُؤَسَاءِ الْمِئَاتِ الْقَادِمِينَ مِنَ الْحَرْبِ، ١٥ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا اسْتَحْيَيْتُمُ النِّسَاءَ؟ ١٦ إِنَّهُنَّ بِاتِّبَاعِهِنَّ نَصِيحَةَ بَلْعَامَ أَغْوَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِعِبَادَةِ فَغُورَ، وَكُنَّ سَبَبَ خِيَانَةٍ لِلرَّبِّ، فَتَفَشَّى الْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. ١٧ فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَاقْتُلُوا أَيْضاً كُلَّ امْرَأَةٍ ضَاجَعَتْ رَجُلاً، ١٨ وَلَكِنِ اسْتَحْيَوْا لَكُمْ كُلَّ عَذْرَاءَ لَمْ تُضَاجِعْ رَجُلاً. ".

سفر صموئيل ١ الإصحاح ١٨ العدد ٢٥: ٢٥ فَقَالَ شَاوُلُ لَهُمْ: «هَذَا مَا تَقُولُونَهُ لِدَاوُدَ: إِنَّ الْمَلِكَ لَا يَطْمَعُ فِي مَهْرٍ، بَلْ فِي مِئَةِ غُلْفَةٍ مِنْ غُلَفِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، انْتِقَاماً مِنْ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ». قَالَ هَذَا ظَنّاً مِنْهُ أَنْ يُوْقِعَ دَاوُدَ فِي أَسْرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. ٢٦ فَأَبْلَغَ عَبِيدُ شَاوُلَ دَاوُدَ بِمَطْلَبِ الْمَلِكِ، فَرَاقَهُ الأَمْرُ، وَلاسِيَّمَا فِكْرَةُ مُصَاهَرَةِ الْمَلِكِ. وَقَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ الْمُهْلَةُ الْمُعْطَاةُ لَهُ، ٢٧ انْطَلَقَ مَعَ رِجَالِهِ وَقَتَلَ مِئَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَأَتَى بِغُلَفِهِمْ وَقَدَّمَهَا كَامِلَةً لِتَكُونَ مَهْراً لِمُصَاهَرَةِ الْمَلِكِ. فَزَوَّجَهُ شَاوُلُ عِنْدَئِذٍ مِنِ ابْنَتِهِ مِيكَالَ. ".

صموئيل ٢ الإصحاح ٨ العدد ١: ١ وَبَعْدَ ذَلِكَ حَارَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَخْضَعَهُمْ وَاسْتَوْلَى عَلَى عَاصِمَتِهِمْ جَتَّ. ٢ وَقَهَرَ أَيْضاً الْمُوآبِيِّينَ وَجَعَلَهُمْ يَرْقُدُونَ عَلَى الأَرْضِ فِي صُفُوفٍ مُتَرَاصَّةٍ، وَقَاسَهُمْ بِالْحَبْلِفَكَانَ يَقْتُلُ صَفَّيْنِ وَيَسْتَبْقِي صَفّاً. فَأَصْبَحَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيداً لِدَاوُدَ يَدْفَعُونَ لَهُ الْجِزْيَةَ. ".

سفر أخبار الأيام الأول الإصحاح ٢٠ العدد ٣: ٣ وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ".

سفر صموئيل ٢ الإصحاح ١٢ العدد ٣١: ٣١ وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ".

ونعلق على النصين السابقين، أولا بشرحهما، فهما يقولا أن داود قد أخرج الشعب ونشرهم بمناشير وبنوارج والتي هي حديدة المحراث الذي يجره الثيران، وضربهم بفؤوس حديد، ثم وضعهم داخل أفران الطوب ليحرقهم فيها. وهذا نص في غاية الوحشية، وقد أجمعت أغلب الترجمات باللغات المختلفة على صحة ما جاء فيه. ولكن بعض الترجمات حاولت التخفيف من حدة تلك الوحشية فتلاعبت في النص، فذكرت مثلا أنه استعبد الشعب وفرض عليهم العمل بالمناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأفران الطوب. وهذا تحريف واضح وتلاعب، لأن أولاً من ناحية الترجمة: فالنص العبري الذي اعتمدوا عليه يقول أنه نشرهم بالمناشير، ولا توجد فيه لا كلمة "استعبد" ولا كلمة "فرض عليهم العمل"، فالنص العبري يقول:

"ג  וְאֶת-הָעָם אֲשֶׁר-בָּהּ הוֹצִיא, וַיָּשַׂר בַּמְּגֵרָה וּבַחֲרִיצֵי הַבַּרְזֶל וּבַמְּגֵרוֹת, וְכֵן יַעֲשֶׂה דָוִיד, לְכֹל עָרֵי בְנֵי-עַמּוֹן; וַיָּשָׁב דָּוִיד וְכָל-הָעָם, יְרוּשָׁלִָם. "

وكلمة "וַיָּשַׂר" تعني أنه نشرهم بالمناشير. ثانياً من ناحية السياق: لا يدل سياق النص أن داود أخرج الشعب لكي يعملوا بالمناشير والنوارج الحديدية والفؤوس الحديدية وأفران الطوب، فكلمة حديدية أضيفت لنوارج ولفؤوس من أجل إظهار قوة وبأس داود وكيف أنه قد انتقم منهم أبشع انتقام، وهذا غير مستبعد عن داود (وفق الوصف الذي وصفه به الكتاب المقدس)، فانظر في الذي ذكرناه بالأعلى أنه قدم مهر ميكال ٢٠٠ غلفة من غلف الفلسطينيين، أي قص مذاكير الفلسطينيين، فتخيل المنظر عزيزي القارئ أنه داود قتل ٢٠٠ فلسطيني ثم جردهم من ملابسهم وجلس يقص في أعضائهم التناسلية ليقدمها كمهر. وانظر في الذي ذكرناه بالأعلى كيف أنه " َقَهَرَ أَيْضاً الْمُوآبِيِّينَ وَجَعَلَهُمْ يَرْقُدُونَ عَلَى الأَرْضِ فِي صُفُوفٍ مُتَرَاصَّةٍ، وَقَاسَهُمْ بِالْحَبْلِ. فَكَانَ يَقْتُلُ صَفَّيْنِ وَيَسْتَبْقِي صَفّاً ". بل وانظر ماذا فعل داود بركاب وبعنة المذكور في سفر صموئيل ٢ الإصحاح ٤ العدد ١٢: ١٢ وَأَمَرَ دَاوُدُ رِجَالَهُ فَقَتَلُوهُمَا وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَأَرْجُلَهُمَا، وَعَلَّقُوا جُثَّتَيْهِمَا عَلَى الْبِرْكَةِ فِي حَبْرُونَ. ".

وبالنسبة لاستخدام النوارج الحديدية في درس لحم الناس، فقد استخدمه أيضاً جدعون والذي ظهر له الرب وقال له "الرب معك أيها المحارب الجبار"، فدرس جدعون لحم شيوخ أهل سكوت لأنهم لم يقدموا له الطعام وسخروا منه.

سفر القضاة الإصحاح ٦ العدد ١١: ١١ ثُمَّ جَاءَ مَلاكُ الرَّبِّ إِلَى قَرْيَةِ عَفْرَةَ، وَجَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ الَّتِي يَمْلِكُهَا يُوآشُ الأَبِيعَزَرِيُّ. وَكَانَ ابْنُهُ جِدْعُونُيَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. ١٢ فَتَجَلَّى لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ أَيُّهَا الْمُحَارِبُ الْجَبَّارُ». ". سفر القضاة الإصحاح ٨ العدد ٤: ٤ وَاجْتَازَ جِدْعُونُ وَرِجَالُهُ الثَّلاثُ مِئَةٍ نَهْرَ الأُرْدُنِّ وَقَدْ نَالَ مِنْهُمُ الإِعْيَاءُ مِنْ مُطَارَدَتِهِمْ لِلْعَدُوِّ. ٥ فَقَالَ لأَهْلِ سُكُّوتَ: «أَعْطُوا رِجَالِي طَعَاماًفَإِنَّهُمْ مُنْهَكُونَ، وَأَنَا مَازِلْتُ أُطَارِدُ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ». ٦ فَأَجَابَهُ رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ: «أَلَعَلَّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ قَدْ وَقَعَا أَسِيرَيْنِ فِي يَدِكَ الآنَ حَتَّى نُقَدِّمَ لِرِجَالِكَ خُبْزاً؟» ٧ فَقَالَ جِدْعُونُ: «حَسَناً! عِنْدَمَا يَنْصُرُنِي الرَّبُّ عَلَيْهِمَا سَأَدْرُسُ بالنَّوَارِجِ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ» ... ١٣ وَرَجَعَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ الْحَرْبِ عَنْ طَرِيقِ عَقَبَةِ حَارَسَ. ١٤ وَقَبَضَ عَلَى شَابٍّ مِنْ أَهْلِ سُكُّوتَ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ أَسْمَاءَ رُؤَسَاءِ سُكُّوتَ وَشُيُوخِهَا. فَسَجَّلَ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ اسْماً. ١٥ ثُمَّ أَقْبَلَ جِدْعُونُ عَلَى أَهْلِ سُكُّوتَ قَائِلاً: «هُوَذا زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ اللَّذَانِ عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا قَائِلِينَ: أَلَعَلَّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ قَدْ وَقَعَا أَسِيرَيْنِ لَدَيْكَ الآنَ حَتَّى نُقَدِّمَ لِرِجَالِكَ الْمُنْهَكِينَ خُبْزاً؟» ١٦ وَقَبَضَ عَلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذَ أَشْوَاكاً مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَنَوَارِجَ وَعَاقَبَ بِها أَهْلَ سُكُّوتَ، فَكَانَ ذَلِكَ دَرْساً لَهُمْ.".

هل وافق العهد الجديد على تلك الفظائع التي في العهد القديم؟

نعم وافق وبشدة ومدحها مدحاً كبيراً، فانظر في الرسالة إلى العبرانيين والتي تنسبها أغلب الكنائس لبولس الرسول، ماذا قالت.

الرسالة إلى العبرانيين الإصحاح ١١ العدد ٣٠: ٣٠ بِالإِيمَانِ انْهَارَتْ أَسْوَارُ مَدِينَةِ أَرِيحَا، بَعْدَمَا دَارَ الشَّعْبُ حَوْلَهَا لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. ٣١ وَجَزَاءً لِلإِيمَانِ، نَجَتْ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ مِنَ الْمَوْتِ الْمُحَتَّمِ مَعَ الْمُتَمَرِّدِينَ، بَعْدَمَا اسْتَقْبَلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلامٍ. ٣٢ وَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ بَعْدُ لِمَزِيدٍ مِنَ الأَمْثِلَةِ؟ إِنَّ الْوَقْتَ لَا يَتَّسِعُ لِي حَتَّى أَسْرُدَ أَخْبَارَ الإِيمَانِ عَنْ: جِدْعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمْشُونَ وَيَفْتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأَنْبِيَاءِ. ٣٣ فَبِالإِيمَانِ، تَغَلَّبَ هؤُلاءِ عَلَى مَمَالِكِ الأَعْدَاءِ، وَحَكَمُوا حُكْماً عَادِلاً وَنَالُوا مَا وَعَدَهُمْ بِهِ اللهُ. وَبِهِ، سَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُودِ، ٣٤ وَأَبْطَلُوا قُوَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنَ الْمَوْتِ قَتْلاً بِالسَّيْفِ. وَبِهِ أَيْضاً نَالُوا القُوَّةَ بَعْدَ ضَعْفٍ، فَصَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْمَعَارِكِ، وَرَدُّوا جُيُوشاً غَرِيبَةً عَلَى أَعْقَابِهَا. ".

فذكرت الرسالة إلى العبرانيين انهيار أسوار آريحا، ولكن لم تخبرنا ماذا حدث بعد أن انهارت أسوار المدينة، ولكن سفر يشوع يخبرنا بذلك، سفر يشوع الإصحاح ٦ العدد ٢١: ٢١ وَدَمَّرُوا الْمَدِينَةَ وَقَضَوْا بِحَدِّ السَّيْفِ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهَا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَطْفَالٍ وَشُيُوخٍ حَتَّى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْحَمِيرِ... ٢٤ ثُمَّ أَحْرَقَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ بِكُلِّ مَا فِيهَا. ". فعن أي إيمان تتحدث الرسالة إلى العبرانيين؟

وجدعون، فقد ذكرنا بالأعلى كيف درس لحم شيوخ سكوت بالنوارج الحديدية بسبب أنهم لم يعطوا رجاله طعام، سفر القضاة الإصحاح ٨ العدد ٤، بل وجدعون هذا صنع صنماً وعبدوه بنو إسرائيل كما هو مذكور في سفر القضاة إصحاح ٨ العدد ٢٧، فعن أي إيمان تتحدث الرسالة إلى العبرانيين؟

وباراق، سفر القضاة الإصحاح ٤ العدد : ١٦ فَتَعَقَّبَ بَارَاقُ الْمَرْكَبَاتِ وَالْجَيْشَ إِلَى حَروُشَةِ الأُمَمِ، وَتَمَّ الْقَضَاءُ عَلَى كُلِّ جَيْشِ سِيسَرَا بِحَدِّ السَّيْفِ فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ حَيٌّ. "

ويفتاح، الذي أحرق ابنته بدون أي ذنب منها، كقربان لله، فعن أي إيمان تتحدث الرسالة إلى العبرانيين؟ سفر القضاة الإصحاح ١١ العدد ١: ١ وَكَانَ يَفْتَاحُالْجِلْعَادِيُّ مُحَارِباً شَدِيدَ الْبَأْسِ، أَنْجَبَهُ أَبُوهُ جِلْعَادُ مِنِ امْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ ... ٢٩ فَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى يَفْتَاحَ، فَاجْتَازَ أَرَاضِي جِلْعَادَ وَمَنَسَّى وَمِصْفَاةَ جِلْعَادَ، وَمِنْهَا تَقَدَّمَ نَحْوَ بَنِي عَمُّونَ. ٣٠ وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْراً لِلرَّبِّ وَقَالَ: «إِنْ نَصَرْتَنِي عَلَى بَنِي عَمُّونَ، ٣١ فَإِنَّنِي عِنْدَ رُجُوعِي سَالِماً مِنْ مُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ مُحْرَقَةًأَوَّلَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي». ٣٢ ثُمَّ تَقَدَّمَ يَفْتَاحُ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ، فَأَظْفَرَهُ الرَّبُّ بِهِمْ، ٣٣ وَهَزَمَهُمْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً مِنْ عَرُوعِيرَ حَتَّى مِنِّيتَ عَلَى امْتِدَادِ عِشْرِينَ مَدِينَةً إِلَى آبَلِ الْكُرُومِ. وَهَكَذَا أَخْضَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعَمُّونِيِّينَ. ٣٤ ثُمَّ رَجَعَ يَفْتَاحُ إِلَى بَيْتِهِ فِي الْمِصْفَاةِ، فَخَرَجَتِ ابْنَتُهُ الْوَحِيدَةُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوِ ابْنَةٌ سِوَاهَا، لِلِقَائِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. ٣٥ فَلَمَّا رَآهَا مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَوَلْوَلَ قَائِلاً: «آهِ يَا ابْنَتِي، لَقَدْ أَحْزَنْتِنِي وَحَطَّمْتِنِي، لأَنَّنِي نَذَرْتُ نَذْراً لِلرَّبِّ وَلا سَبِيلَ لِلرُّجُوعِ عَنْهُ». ٣٦ فَأَجَابَتْهُ: «لَقَدْ نَذَرْتَ نَذْرَكَ لِلرَّبِّ، فَافْعَلْ بِي كَمَا نَذَرْتَ، وَلاسِيَّمَا أَنَّ الرَّبَّ قَدِ انْتَقَمَ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ بَنِي عَمُّونَ». ٣٧ ثُمَّ قَالَتْ لأَبِيهَا: «وَلَكِنْ حَقِّقْ لِي هَذَا الطَّلَبَ: أَمْهِلْنِي شَهْرَيْنِ أَتَجَوَّلُ فِيهِمَا فِي الْجِبَالِ وَأَنْدُبُ عَذْرَاوِيَّتِي مَعَ صَاحِبَاتِي». ٣٨فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي». وَأَمْهَلَهَا شَهْرَيْنِ قَضَتْهُمَا هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا عَلَى الْجِبَالِ تَنْدُبُ عَذْرَاوِيَّتَهَا. ٣٩ ثُمَّ رَجَعَتْ فِي نِهَايَةِ الشَّهْرَيْنِ إِلَى أَبِيهَا، فَأَصْعَدَهَا مُحْرَقَةً وَفَاءً بِنَذْرِهِ، فَمَاتَتْ عَذْرَاءَ. ".

بل ومن غير المعقول أنه نذر أنه عند عودته سيحرق أول من يخرج من بيته، وهو ليس عنده إلا ابنة وحيدة! أكان يهدف من البداية للتخلص منها؟ فبالتأكيد لن يخرج من بيته لاستقباله أحد غيرها! فعن أي إيمان تتحدث الرسالة إلى العبرانيين؟

وشمشون، الذي أحب فتاة فلسطينية وعمل رهان مع ثلاثين شاباً حضروا عرسه أنه سيقول لهم أحجية فإن حلوها سيعطيهم ثلاثين قميصا، ولما حلوها ولكن لم يكن معه القمصان، يخبرنا سفر القضاة إصحاح ١٤ عدد ١٩ بما فعله: ١٩ وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ فَانْحَدَرَ إِلَى مَدِينَةِ أَشْقَلُونَ وَقَتَلَ ثَلاثِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ، وَأَخَذَ ثِيَابَهُمْ وَأَعْطَاهَا لِلرِّجَالِ الَّذِينَ حَلُّوا لُغْزَهُ ". قتل ثلاثين بريئاً ليسرقهم، بل ويفتري الكتاب المقدس قائلاً أن روح الرب حلت عليه! ثم غادر شمشون فظنت زوجته أنه تركها فتزوجت من غيره، فلما عاد وأخبره أبيها بذلك، قام بالانتقام من كل الفلسطينيين بسبب هذا، سفر القضاة إصحاح ١٥ عدد ٣: ٣ فَأَجَابَهُ شَمْشُونُ: «لا لَوْمَ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ إِذَا انْتَقَمْتُ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ٤ وَانْطَلَقَ شَمْشُونُ وَاصْطَادَ ثَلاثَ مِئَةِ ثَعْلَبٍ وَرَبَطَ ذَيْلَيْ كُلِّ ثَعْلَبَيْنِ مَعاً وَوَضَعَ بَيْنَهُمَا مَشْعَلاً، ٥ ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ بِالنَّارِ وَأَطْلَقَ الثَّعَالِبَ بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَحْرَقَتْ حُقُولَ الْقَمْحِ وَأَكْدَاسَ الْحُبُوبِ وَأَشْجَارَ الزَّيْتُونِ. ٦ فَسَأَلَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ: «مَنِ الْجَانِي؟» فَقِيلَ لَهُمْ: «شَمْشُونُ صِهْرُ التِّمْنِيِّ، لأَنَّهُ أَخَذَ امْرَأَةَ شَمْشُونَ وَزَوَّجَهَا لِنَدِيمِه»، فَصَعِدَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَأَحْرَقُوهَا مَعَ أَبِيهَا بِالنَّارِ ... ١٤ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى لَحْيٍ هَبَّ الْفِلِسْطِينِيُّونَ صَارِخِينَ لِلِقَائِهِ، فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، وَقَطَعَ الْحَبْلَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَكَأَنَّهُمَا خُيُوطُ كَتَّانٍ مُحْتَرِقَةٌ. ١٥ وَعَثَرَ عَلَى فَكِّ حِمَارٍ طَرِيٍّ، تَنَاوَلَهُ وَقَتَلَ بِهِ أَلْفَ رَجُلٍ١٦ ثُمَّ قَالَ شَمْشُونُ: «بِفَكِّ حِمَارٍ كَوَّمْتُ أَكْدَاساً فَوْقَ أَكْدَاسٍ، بِفَكِّ حِمَارٍ قَضَيْتُ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ». ". فعن أي إيمان تتحدث الرسالة إلى العبرانيين؟ وما الفائدة الدينية في قصة شمشون مع الفلسطينيين؟ فكتاب الله هو كتاب هداية وإرشاد للبشر، وليس لسرد قصص لا فائدة دينية منها، فضلا عن أنها قصة لا يصدقها عقل، كيف قتل ألف رجل بفك حمار؟ وكيف أمسك ب ٣٠٠ ثعلب وفي أي أقفاص وضعهم ومن أين أتى بكل تلك المشاعل؟ بل ويظهر الإيمان الذي تتحدث عنه الرسالة إلى العبرانيين في قصة شمشون مع دليلة الزانية، قصة أغرب من الخيال ولا يصدقها عقل، ولا نرى لماذا يتم وضعها في الكتاب المقدس؟ اقرأها كاملة وتدبر معاني الكلام المقدس، كلام الهدى ونور الحق.

شمشون ودليلة وسر قوته في شعره:

سفر القضاة الإصحاح ١٦ العدد ١: ١ وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَزَّةَ حَيْثُ الْتَقَى بِامْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ فَدَخَلَ إِلَيْهَا٢ فَقِيلَ لأَهْلِ غَزَّةَ: «قَدْ جَاءَ شَمْشُونُ إِلَى هُنَا». فَحَاصَرُوا الْمَنْزِلَ وَكَمَنُوا لَهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَاعْتَصَمُوا بِالْهُدُوءِ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ قَائِلِينَ: «عِنْدَ بُزُوغِ الصَّبَاحِ نَقْتُلُهُ». ٣ وَظَلَّ شَمْشُونُ رَاقِداً حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ هَبَّ وَخَلَعَ مِصْرَاعَيْ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ بِقَائِمَتَيْهَا وَقُفْلِهَا، وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِها إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِمُقَابِلَ حَبْرُونَ. ٤ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ شَمْشُونُ فِي حُبِّ امْرَأَةٍ فِي وَادِي سُورَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ، ٥ فَجَاءَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: «تَمَلَّقِي شَمْشُونَ إِلَى أَنْ تَكْتَشِفِي مِنْهُ سِرَّ قُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ وَنُوْثِقَهُ فَنُذِلَّهُ فَيُكَافِئَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِأَلْفٍ وَمِئَةِ شَاقِلٍ مِنَ الْفِضَّةِ (نَحْوَ مِئَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثلاثِينَ كِيلُو جِرَاماً)». ٦ فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَخْبِرْنِي مَا هُوَ سِرُّ قُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَكَيْفَ يَتَسَنَّى تَقْيِيدُكَ وَإِذْلالُكَ» ٧ فَأَجَابَهَا شَمْشُونُ: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِسَبْعَةِ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، أُصْبِحُ ضَعِيفاً كَأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». ٨ فَأَحْضَرَ لَهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَوْثَقَتْهُ بِها. ٩ وَكَانَ الْكَمِينُ مُتَرَبِّصاً بِهِ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ قَادِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَقَطَعَ الأَوْتَارَ وَكَأَنَّهَا خُيُوطٌ شَيَّطَتْهَا النَّارُ، وَلَمْ يُكْتَشَفْ سِرُّ قُوَّتِهِ. ١٠ فَقَالَتْ لَهُ دَلِيلَةُ: «لَقَدْ خَدَعْتَنِي وَكَذِبْتَ عَلَيَّ. فَأَخْبِرْنِي الآنَ كَيْفَ تُوْثَقُ؟» ١١ فَأَجَابَهَا: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِحِبَالٍ جَدِيدَةٍ، أُصْبِحُ ضَعِيفاً كَأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». ١٢فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالاً جَدِيدَةً وَأَوْثَقَتْهُ بِها، وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ قَادِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». وَكَانَ الْكَمِينُ يَتَرَبَّصُ بِهِ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَطَعَ الْحِبَالَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَكَأَنَّهَا خُيُوطٌ. ١٣ فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَنْتَ مَازِلْتَ تَكْذِبُ عَلَيَّ وَتَخْدَعُنِي، فَأَخْبِرْنِي بِمَاذَا تُوْثَقُ؟» فَأَجَابَهَا: «إِنْ ضَفَرْتِ خُصْلاتِ شَعْرِي السَّبْعَ بِمِغْزَلٍ وَثَبَّتِّهَا بِوَتَدٍ، فَإِنَّنِي أُصْبِحُ ضَعِيفاً كَأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». وَبَيْنَمَا كَانَ يَغِطُّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ ضَفَرَتْ دَلِيلَةُ خُصْلاتِ شَعْرِهِ السَّبْعَ بِمِغْزَلٍ. ١٤ وَثَبَّتَتْهَا بِوَتَدٍ، وَنَادَتْهُ ثَانِيَةً: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ قَادِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ» فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَخَلَعَ وَتَدَ النَّسِيجِ مَعَ الْمِغْزَلِ. ١٥ فَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ تَدَّعِي أَنَّكَ تُحِبُّنِي وَقَلْبُكَ لَا يَثِقُ بِي؟ قَدْ خَدَعْتَنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ تُطْلِعْنِي عَلَى سِرِّ قُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ». ١٦ وَظَلَّتْ تُلِحُّ عَلَيْهِ وَتُزْعِجُهُ كُلَّ يَوْمٍ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ حَتَّى ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ. ١٧فَكَشَفَ لَهَا عَنْ مَكْنُونِ قَلْبِهِ، وَقَالَ لَهَا: «إِنَّنِي نَذِيرُ الرَّبِّ مُنْذُ مَوْلِدِي، لِهَذَا لَمْ أَحْلِقْ شَعْرِيوَإِنْ حَلَقْتُهُ فَإِنَّ قُوَّتِي تُفَارِقُنِي وَأُصْبِحُ ضَعِيفاً كَأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». ١٨ وَلَمَّا أَدْرَكَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ قَدْ أَسَرَّ لَهَا بِمَكْنُونِ قَلْبِهِ، اسْتَدْعَتْ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَائِلَةً: «تَعَالَوْا هَذِهِ الْمَرَّةَ، فَقَدْ أَطْلَعَنِي عَلَى سِرِّ قُوَّتِهِ». فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حَامِلِينَ مَعَهُمُ الْفِضَّةَ. ١٩ فَأَضْجَعَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَاسْتَدْعَتْ رَجُلاً حَلَقَ لَهُ خُصْلاتِ شَعْرِهِ السَّبْعَ، وَشَرَعَتْ فِي إِذْلالِهِ بَعْدَ أَنْ فَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ. ٢٠ وَقَالَتْ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ قَادِمُونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ» فَاسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «أَقُومُ مِثْلَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ». وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ٢١ فَقَبَضَ عَلَيْهِ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ وَأَخَذُوهُ إِلَى غَزَّةَ حَيْثُ أَوْثَقُوهُ بِسَلاسِلَ نُحَاسِيَّةٍ، وَسَخَّرُوهُ لِيَطْحَنَ الْحُبُوبَ فِي السِّجْنِ. ٢٢ وَمَا لَبِثَ شَعْرُهُ أَنِ ابْتَدَأَ يَنْمُو بَعْدَ أَنْ حُلِقَ٢٣ وَاجْتَمَعَ أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَحْتَفِلُوا بِتَقْدِيمِ ذَبِيحَةٍ عَظِيمَةٍ لإِلَهِهِمْ دَاجُونَ قَائِلِينَ: «إِنَّ إِلَهَنَا قَدْ أَظْفَرَنَا بِشَمْشُونَ عَدُوِّنَا». ٢٤ وَلَمَّا شَاهَدَ الشَّعْبُ شَمْشُونَ فِي ذِلَّةٍ، مَجَّدُوا إِلَهَهُم قَائِلِينَ: «قَدْ أَظفَرَنَا إِلَهُنَا بِعَدُوِّنَا الَّذِي خَرَّبَ أَرْضَنَا، وَأَكْثَرَ مِنْ قَتْلانَا». ٢٥ وَإِذْ لَعِبَتْ بِهِمِ النَّشْوَةُ هَتَفُوا: «ادْعُوا شَمْشُونَ لِيُسَلِّيَنَا». فَجَاءُوا بِشَمْشُونَ مِنَ السِّجْنِ فَلَعِبَ أَمَامَهُمْ ثُمَّ أَوْقَفُوهُ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ. ٢٦ فَقَالَ شَمْشُونُ لِلْغُلامِ الَّذِي يَقُودُهُ: «أَوْقِفْنِي حَيْثُ يُمْكِنُنِي أَنْ أَلْمِسَ الأَعْمِدَةَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْمَعْبَدُ حَتَّى أَسْتَنِدَ إِلَيْهَا». ٢٧ وَكَانَ الْمَعْبَدُ يَكْتَظُّ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَضْلاً عَنْ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْخَمْسَةِ. وَكَانَ عَلَى السَّطْحِ نَحْوَ ثَلاثَةِ آلافِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى لَعِبِ شَمْشُونَ. ٢٨ فَصَلَّى شَمْشُونُ إِلَى الرَّبِّ قَائِلاً: «يَا سَيِّدِي الرَّبُّ، اذْكُرْنِي وَقَوِّنِي هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ لأَنْتَقِمَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عَنْ قَلْعِ عَيْنَيَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ». ٢٩ وَقَبَضَ شَمْشُونُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ اللَّذَيْنِ يَرْتَكِزُ عَلَيْهِمَا الْمَعْبَدُ وَضَغَطَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِيَمِينِهِ وَعَلَى الآخَرِ بِيَسَارِهِ ٣٠ وَهُوَ يَقُولُ: «لأَمُتْ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ثُمَّ دَفَعَهُمَا بِكُلِّ قُوَّتِهِ فَانْهَارَ الْمَعْبَدُ عَلَى الأَقْطَابِ وَعَلَى الشَّعْبِ الَّذِي فِيهِ. فَكَانَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ شَمْشُونُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ طَوَالَ حَيَاتِهِ. ٣١ وَجَاءَ إِخْوَتُهُ وَكُلُّ أَقْرِبَاءِ أَبِيهِ وَحَمَلُوا جُثَّتَهُ حَيْثُ دَفَنُوهُ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ فِي قَبْرِ مَنُوحَ أَبِيهِ، وَكَانَ شَمْشُونُ قَدْ قَضَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عِشْرِينَ سَنَةً. ".

نصوص للكبار فقط (+١٨) في الكتاب المقدس:

سفر حزقيال الإصحاح ٢٣ العدد ١: ١ وَأَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً: ٢ «يَا ابْنَ آدَمَ، كَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَتَانِ، ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ، ٣ زَنَتَا فِي صِبَاهُمَا فِي مِصْرَ حَيْثُ دُوعِبَتْ ثُدِيُّهُمَا، وَعُبِثَ بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهِمَا٤ اسْمُ الْكُبْرَى أُهُولَةُ وَاسْمُ أُخْتِهَا أُهُولِيبَةُ، وَكَانَتَا لِي وَأَنَجْبَتَا أَبْنَاءَ وَبَنَاتٍ، أَمَّا السَّامِرَةُ فَهِيَ أُهُولَةُ، وَأُورُشَلِيمُ هِيَ أُهُولِيبَةُ. ٥ وَزَنَتْ أُهُولَةُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ لِي، وَعَشِقَتْ مُحِبِّيهَا الأَشُّورِيِّينَ الأَبْطَالَ ... ٨ وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْ زِنَاهَا مُنْذُ أَيَّامِ مِصْرَ لأَنَّهُمْ ضَاجَعُوهَا مُنْذُ حَدَاثَتِهَا، وَعَبَثُوا بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهَا وَسَكَبُوا عَلَيْهَا شَهْوَاتِهِمْ، ٩ لِذَلِكَ سَلَّمْتُهَا لِيَدِ عُشَّاقِهَا أَبْنَاءِ أَشُورَ الَّذِينَ أُوْلِعَتْ بِهِمْ. ١٠ فَفَضَحُوا عَوْرَتَهَا، وَأَسَرُوا أَبْنَاءَهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتْ عِبْرَةً لِلنِّسَاءِ وَنَفَّذُوا فِيهَا قَضَاءً ... ١٦ عَشِقَتْهُمْ وَبَعَثَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلاً إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. ١٧فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا أَبْنَاءُ بَابِلَ وَعَاشَرُوهَا فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ. وَبَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ بِهِمْ كَرِهَتْهُمْ. ١٨ وَإِذْ وَاظَبَتْ عَلَى زِنَاهَا عَلانِيَةً، وَتَبَاهَتْ بِعَرْضِ عُرْيِهَا، كَرِهْتُهَا كَمَا كَرِهْتُ أُخْتَهَا. ١٩ وَمَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَتْ مِنْ فُحْشِهَا، ذَاكِرَةً أَيَّامَ حَدَاثَتِهَا حَيْثُ زَنَتْ فِي دِيَارِ مِصْرَ. ٢٠ فَأُوْلِعَتْ بِعُشَّاقِهَا هُنَاكَ، الَّذِينَ عَوْرَتُهُمْ كَعَوْرَةِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ٢١ وَتُقْتِ إِلَى فُجُورِ حَدَاثَتِكِ حِينَ كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يُدَاعِبُونَ تَرَائِبَ عِذْرَتِكِ طَمَعاً فِي نَهْدِ حَدَاثَتِكِ. ".

سفر نشيد الإنشاد الإصحاح ٧ العدد ١: " ١ (الحبيب) مَا أَرْشَقَ خَطْوَاتِ قَدَمَيْكِ بِالْحِذَاءِ يَا بِنْتَ الأَمِيرِ! فَخْذَاكِ الْمُسْتَدِيرَانِ كَجَوْهَرَتَيْنِ صَاغَتْهُمَا يَدُ صَانِعٍ حَاذِقٍ. ٢ سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لَا تَحْتَاجُ إِلَى خَمْرَةٍ مَمْزُوجَةٍ، وَبَطْنُكِ كُومَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. ٣ نَهْدَاكِ كَتَوْأَمَي ظَبْيَةٍ ... 6 مَا أَجْمَلَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ وَمَا أَلَذَّكِ بِالْمَسَرَّاتِ! ٧ قَامَتُكِ هَذِهِ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَنَهْدَاكِ مِثْلُ الْعَنَاقِيدِ. ٨ قُلْتُ: لأَصْعَدَنَّ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكَنَّ بِثِمَارِهَا، فَيَكُونَ لِي نَهْدَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَعَبِيرُ أَنْفَاسِكِ كَأَرِيجِ التُّفَّاحِ. ٩ فَمُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ! (الْمَحْبُوبَةُ): لِتَكُنْ سَائِغَةً لِحَبِيبِي، تَسِيلُ عَذْبَةً عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ. ١٠ أَنَا لِحَبِيبِي، وإِلَيَّ تَشَوُّقُهُ. ١١ تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَمْضِ إِلَى الْحَقْلِ وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى. ١٢ لِنَخْرُجْ مُبَكِّرَيْنِ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَرَى هَلْ أَفْرَخَتِ الْكَرْمَةُ، وَهَلَ تَفَتَّحَتْ بَرَاعِمُهَا، وَهَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَاكَ أَهَبُكَ حُبِّي. ١٣ قَدْ نَشَرَ اللُّفَّاحُ أَرِيجَهُ، وَتَدَلَّتْ فَوْقَ بَابِنَا أَفْخَرُ الثِّمَارِ، قَدِيمُهَا وَحَدِيثُهَا، الَّتِي ادَّخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي. ".

رد القساوسة:

إذا بحثت عزيزي القارئ عن ردود القساوسة عن النصوص السابقة، سواء التي فيها مجازر بشرية أو نصوص للكبار فقط، فسوف يكون الرد غالباً إما أن يبرر لك تلك الأفعال الوحشية بأن تلك الشعوب قد استحقت مثل هذا العقاب، رغم أن أغلب النصوص لا تتحدث عن عقاب، بل عن دخول بني إسرائيل للأرض التي ذكروا أنها موعودة، وكلما دخلوا مدينة أبادوها وأحرقوها، لأن أهلها يعبدون الأصنام، رغم أن بنو إسرائيل أنفسهم على مر العصور عبدوا الأصنام. 

وقد يكون رد القساوسة أن هذا ما حدث في الماضي وأن ليس لنا شأن به وأنها كانت بأوامر من الله، ونتعجب من مثل هذا الرد، هل تنسبون لله تلك المجازر البشرية الظالمة؟ فحتى الأطفال والنساء والعجائز وحتى الحيوانات لم تنج من مثل تلك الأفعال، وإن قلتم أنها أفعال من الماضي، فسنقول والكتاب المقدس كله من الماضي. 

المشكلة ليست في ماضي أو حاضر أو مستقبل، فدين الله واحد لا يتغير منذ خلق الكون. وإن قلتم أنه ليس لكم شأن بتلك الأفعال، إذن لماذا تقدسونها، انظر في الرسالة إلى العبرانيين كيف أثنى عليها ومجدها، أليس هذا هو كتابكم المقدس؟

وبالنسبة للنصوص للكبار فقط، فأغلب ردود القساوسة أن المسلمين لديهم نية سيئة، ولأن نيتهم سيئة فهم يفهمون النصوص حسب مستواهم العقلي والفكري المتدني، وأن النصوص ليست للكبار فقط، وإنما هي كلام مقدس.

سبحان الله، دفاعهم دفاع حتى النهاية، ومنهجهم في الرد هو منهج السفسطائيين. ووالله، كان أشرف لهم أن يعترفوا بأن تلك النصوص لا تليق بأن يطلق عليها كتاب الله أو كتاب مقدس، بدلاً من أن يستمروا في نسب تلك النصوص لكلام الله ويفتروا على الله الكذب وهم يعلمون.

العقل البشري هو عقل واحد، مهما اختلفت الأذواق، فلو سافرت جميع دول العالم ورأيت جميع شعوب العالم، فستعلم أن طريقة تفكير البشر هي واحدة، وأن عقلهم هو عقل واحد، العقل البشري. ولو سافرت اليابان فقد ترى شخص ياباني يشبه كثيراً شخص في فرنسا أو ألمانيا، وكأنهم توأمان في طريقة التفكير والتصرف والضحك والمشي. وعليه يجب أن يوافق ما تقوله من ردود عقل المسلمين وإلا فإنه لا يمكن ميزانه بالعقل البشري والمنطق البشري. والمسلمون عندما يسمعون مثل تلك الردود يتعجبوا أشد التعجب، لأن الردود لا تعقل ولا يتقبلها عقل، إلا عقل أقنع نفسه بها رغم أنه في قرارة نفسه غير مقر بها. 

وقد تقول إذن لماذا أقوال المسلمين أيضاً لم يقبلها غير المسلمين حول العالم، أليس العقل البشري واحد؟ فأرد عليك بأنه على العكس، فوفق أحدث الإحصائيات العالمية فإن أسرع دين انتشاراً حول العالم هو دين الإسلام، فانظر بنفسك عدد المسلمين الجدد في قارة أوروبا والأمريكتين، وما هذا إلا بسبب توافق الإسلام مع العقل البشري، وليس كل من يسمع كلام الإسلام يسلم، وذلك بسبب إما التردد في اتخاذ القرار، أو إغلاق الأذن عن السماع والعقل عن التفكر والتدبر، أو بسبب الإيمان البارد أو الإيمان الأعمى الذي ذكرناهم في الباب الأول من هذا الكتاب، أو بسبب تلك الحرب الإعلامية الشعواء التي أطلقها أولئك الذين يخشون من انتشار الإسلام أكثر وأكثر، فنسبوا للمسلمين صفة الإرهاب والعنف وغير ذلك من صفات لا يتقبلها الإسلام بل ويحرمها أشد التحريم. 

ولا يحتاج الإسلام لتقديم تبريرات واهية لا تتماشى مع العقل البشري القويم عن أي نقد يوجه إليه من غير المسلمين، فليس في الإسلام صفات ضعف لله عز وجل، بل كل تبجيل وتعظيم وتوقير، وليس في الإسلام نصوص للكبار فقط، أو نصوص تتحدث عن مجازر بشرية وقتل وظلم وإبادة وحرائق.

 

 

الفصل العاشر

هل العهد القديم هو الكتاب المقدس للمسيحيين؟

من خلال المحاورة مع بعض القساوسة نجد أنهم في بادئ الأمر يبدون حماسة بالغة بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو كلمة الله الموحاة والغير محرفة والتي لا يمكن أن تضيع أو تتغير، وبعد عرض عليهم بعض النصوص من العهد القديم، سرعان ما يتراجعوا ويقولون: "أنا لست يهوديا حتى تعرض علي نصوص العهد القديم". 

بل ويصل بهم الأمر في بعض الأحيان للتبرأ الكامل من العهد القديم، فيقولون: "كل هذا المكتوب في العهد القديم كان قبل مجيء المسيح، ولكن بعد مجيئه تغير كل شيء".

وبالطبع فإن تفسيرهم هذا غير مقبول لا عقلاً ولا نقلاً. فكل متبع لدين المسيحية لا يمكن أن يعتبر مسيحياً إلا إذا آمن بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد على السواء. 

وعلى هذا فإن قال أحد المسيحيين أنه لا يؤمن بالعهد القديم ويؤمن فقط بالعهد الجديد فهو قد أصبح كافرا بالديانة المسيحية! 

ومن يريد الجدال في هذا فلعله يذهب للكنيسة ويعلن تبرأه من العهد القديم وسيجد ماذا سيقول له القساوسة هناك.

ذكر إنجيل متى الإصحاح ٥ العدد ١٧ أن المسيح قد قال: ١٧ لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ. ١٨ فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، لَنْ يَزُولَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ. ١٩ فَأَيُّ مَنْ خَالَفَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُ، يُدْعَى الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وَعَلَّمَهَا، فَيُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. ٢٠ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ يَزِدْ صَلاحُكُمْ عَلَى صَلاحِ الْكَتَبَةِ والْفَرِّيسِيِّينَ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً. ".

 

 

 

الباب الخامس

الله في المسيحية واليهودية والإسلام

 

الفصل الأول: الله في المسيحية واليهودية

الفصل الثاني: الله في الإسلام

 

 

الفصل الأول

الله في المسيحية واليهودية

وصف الكتاب المقدس لله أنه يصارع يعقوب ويهزم منه -حاشاه-:

تكوين الإصحاح ٣٢ العدد ٢٤: " ٢٤ أمَّا يَعْقُوبُ فَبَقِيَ وَحْدَهُ. وَتَصَارَعَ إنْسَانٌ مَعَهُ هُنَاكَ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ. ٢٥ فَلَمَّا رَأى الإنْسَانُ أنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى يَعْقُوبَ، ضَرَبَ مِفْصَلَ فَخذِ يَعْقُوبَ فَانخَلَعَ وَهُوَ يُصَارِعُهُ. ٢٦ ثُمَّ قَالَ لِيَعْقُوبَ: «أطلِقْنِي، فَهَا الفَجْرُ يَبْزُغُ.» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لَنْ أُطلِقَكَ حَتَّى تُبَارِكَنِي!» ٢٧ فَقَالَ لِيَعْقُوبَ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «اسْمِي يَعْقُوبُ» ٢٨ فَقَالَ لَهُ: «لَنْ تُدْعَى يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ إسْرَائِيل. فَأنْتَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَفُزْتَ.» ٢٩ فَسَألَهُ يَعْقُوبُ: «أخبِرْنِي بِاسْمِكَ.» فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسألُ عَنِ اسْمِي؟» ثُمَّ بَارَكَهُ هُنَاكَ.٣٠ وَسَمَّى يَعْقُوبُ المَكَانَ فَنِيئِيلَ[181]. إذْ قَالَ: «لَقَدْ رَأيْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، لَكِنَّهُ أبقَى عَلَى حَيَاتِي.» ٣١ وَأشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَارٌّ بِفَنِيئِيلَ. وَكَانَ يَعْرُجُ بِسَبَبِ فَخذِهِ. ٣٢ وَلِهَذَا فَإنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَأْكُلُونَ العَضَلَةَ الَّتِي عَلَى مِفْصَلِ الفَخذِ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لِأنَّ يَعْقُوبَ ضُرِبَ عَلَى عَضَلَةِ مِفصَلِ فَخذِهِ. ".

وهكذا وصف الكتاب المقدس الله عز وجل -حاشاه- بأنه ظهر ليعقوب في هيئة إنسان وصارعه، وعندما رأى أنه لا يقدر أن يهزم يعقوب، استخدم حيلة فضرب مفصل فخذ يعقوب، ثم قال ليعقوب أطلقني لأنه لا يستطيع الإفلات من يدي يعقوب، وقال ليعقوب فها الفجر يبزغ وكأنه مثل طيور الظلام -حاشاه- يجب أن ينسحب قبل طلوع النهار، فقال له يعقوب متحدياً إياه أنه لن يطلقه حتى يباركه.

أدلة أن من صارعه هو الله -حاشاه-:

قوله: " فَأنْتَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَفُزْتَ "، وقوله: " وَسَمَّى يَعْقُوبُ المَكَانَ فَنِيئِيلَ " والذي معناه "وجه الله"، وقوله: " لَقَدْ رَأيْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ ".

أدلة أنها قصة حقيقية وليست رمزية وأنه كان صراع جسماني وليس روحاني:

قوله: " وَكَانَ يَعْرُجُ بِسَبَبِ فَخذِهِ "، وقوله: " وَلِهَذَا فَإنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَأْكُلُونَ العَضَلَةَ الَّتِي عَلَى مِفْصَلِ الفَخذِ إلَى هَذَا اليَوْمِ، لِأنَّ يَعْقُوبَ ضُرِبَ عَلَى عَضَلَةِ مِفصَلِ فَخذِهِ ".

تعليقنا على تلك القصة:

والله الذي لا إله إلا هو، فإن ما ذكر في تلك القصة كافي أن ينير قلوب البشر نحو دين الله الصحيح، وأن ترفض قلوب البشر وعقولهم ما نسبه الكتاب المقدس لله عز وجل من صفات نقص وتفيق من تلك الغفلة، ولكن للأسف هناك من البشر أولئك الذين لو أتيتهم بألف دليل ودليل لأتوا بألف حجة وحجة، أسلوبهم أسلوب السفسطائيين في خلق الحجج وإيهام البشر وإيهام العقل والنفس، مستخدمون أساليب أكروباتية لتحريف نص الكلام ومعناه.

فلقد وجدت ردود من بعض القساوسة عن تلك القصة، فمنهم من ينكر أن الله تعالى هو من ظهر ليعقوب، وبدأوا في تأليف قصة جديدة بأن من ظهر ليعقوب إنما هو ملاك! ولكن من أين أتوا بأن من ظهر هو ملاك؟ وأي ذكر لملاك هنا في ذلك النص المكتوب؟ إن الكلام واضح يراه كل ذي عقل قويم وأعين سليمة، فمعنى الكلام واضح صريح بأن الله عز وجل -حاشاه- هو من ظهر ليعقوب وصارعه.

وهناك بعض القساوسة من لا ينكر أن الله -حاشاه- هو من ظهر ليعقوب، ولكن يحاول تبرير ذلك بأساليب سفسطائية أكروباتية، فيقول أن الله قد شعر بحالة الحزن والقلق التي كان يشعر بها يعقوب وخوفه من أخيه الذي أراد قتله، فأراد أن يخفف عنه ويريه قوته، فتنازل الله -حاشاه- ونزل في صورة إنسان ليصارع يعقوب مثل ما يصارع الأب ابنه ويتركه ينتصر عليه.

يقول البابا شنودة الثالث (بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية): " أراد الله أن يرفع معنويات هذا الخائف، بأن يريه أنه يمكن أن يصارع ويغلب، فظهر له في هيئة إنسان، يمكن ليعقوب أن يصارعه ويغلبه. تمامًا كأب يداعب طفله، ويُظهر لهذا الطفل أنه يستطيع أن يغلبه فيفرح "!

وهناك من يقول أنه قصة رمزية وليست حقيقية، ولكن كيف تكون قصة رمزية ومكتوب أن يعقوب كان يعرج بسبب فخذه؟!

والمشترك بين جميع ردود أولئك القساوسة هو أنهم أعادوا صياغة النص ثانية وصياغة كل عبارة وتحويرها بأسلوب أكروباتي قائلين هذا ليس يعني كذا وإنما كذا وكذا، المهم أنك في النهاية تخرج مقتنعاً أن من صارعه ليس هو الله نفسه، أو أن الله قد صارعه ولكن ليس بالشكل الذي فهمته أنت هكذا!

رد القرآن الكريم على تلك القصة:

قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) }[182].

قال الله تعالى: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }[183].

قال الله تعالى في الحديث القدسي: " الكبرياءُ رِدائي ، والعظمةُ إِزاري ، فمن نازعَني واحدًا منهما ، قذفْتُه في النارِ. "[184].

وصف الكتاب المقدس لله أنه تعب من خلق السماوات والأرض واحتاج يوم للراحة -حاشاه-:

سفر التكوين الإصحاح ٢ العدد ١: " ١ وَهَكَذَا اكْتَمَلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ بِكُلِّ مَا فِيهَا. ٢ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَتَمَّ اللهُ عَمَلَهُ الَّذِي قَامَ بِهِ، فَاسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ مَا عَمِلَهُ. ٣ وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ اسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْخَلْقِ. ".

سفر الخروج الإصحاح ٣١ العدد ١٦: " ١٦ لِيَحْفَظْ بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّبْتَ وَيَحْتَفِلُوا بِهِ فِي كُلِّ أَجْيَالِهِمْ عَهْداً أَبَدِيًّا. ١٧ هُوَ بَيْنِي وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلامَةُ عَهْدٍ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ وَاسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ ".

رد القرآن الكريم على تلك القصة:

قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }[185].

وصف الكتاب المقدس لله تعالى بالجهل -حاشاه-:

سفر الخروج الإصحاح ١٢ العدد ٦: ٦ .. ثُمَّ يَقُومُ كُلُّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِ الْحُمْلانِ عِنْدَ الْمَسَاءِ. ٧ وَيَأْخُذُونَ الدَّمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا ...  ١٢ فَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَجْتَازُ فِي بِلادِ مِصْرَ وَأَقْتُلُ كُلَّ بِكْرٍ فِيهَا مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَأُجْرِي قَضَاءً عَلَى كُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا هُوَ الرَّبُّ. ١٣ أَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي عَلَى بُيُوتِكُمُ الْمُقِيمِينَ فِيهَا يَكُونُ الْعَلامَةَ الَّتِي تُمَيِّزُكُمْ، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلا تَنْزِلُ بِكُمْ بَلِيَّةُ الْهَلاكِ حِينَ أَبْتَلِي بِها أَرْضَ مِصْرَ. ١٤ وَيَكُونُ لَكُمْ هَذَا الْيَوْمُ تَذْكَاراً تَحْتَفِلُونَ بِهِ عِيداً لِلرَّبِّ، فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً تَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي أَجْيَالِكُمْ.".

هل يحتاج الله عز وجل لرؤية علامة الدم على البيوت ليميز بها بني إسرائيل عن المصريين؟

سفر التكوين الإصحاح ٣ العدد ٨: ٨ ثُمَّ سَمِعَ الزَّوْجَانِ صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ وَهُوَ يَمْشِي فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَآ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ الإِلَهِ بَيْنَ شَجَرِ الْجَنَّةِ. ٩ فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» ١٠ فَأَجَابَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَاخْتَبَأْتُ خِشْيَةً مِنْكَ لأَنِّي عُرْيَانٌ». ١١ فَسَأَلَهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إِنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟» ١٢ فَأَجَابَ آدَمُ: «إِنَّهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا رَفِيقَةً لِي. هِيَ الَّتِي أَطْعَمَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَأَكَلْتُ». ١٣ فَسَأَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْمَرْأَةَ: «مَاذَا فَعَلْتِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَغْوَتْنِي الْحَيَّةُ فَأَكَلْتُ».".

رد القرآن الكريم على تلك القصص:

قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }[186].

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ }[187].

قال تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ}[188].

قال تعالى: { يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[189].

قال تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75) إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) }[190].

وصف الكتاب المقدس لله تعالى بالندم والأسف -حاشاه-:

سفر صمويل ١ الإصحاح ١٥ العدد ٣٥: "وَأسِفَ اللهُ كَثِيرًا لِأنَّهُ جَعَلَ شَاوُلَ مَلِكًا عَلَى إسْرَائِيلَ.".

سفر الخروج الإصحاح ٣٢ العدد ١٤: " فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ. ".

وهل يندم إلا الجاهل بالعواقب؟ تعالى الله عما يصفون.

رد القرآن الكريم على تلك القصة:

قال تعالى: { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }[191].

وصف الكتاب المقدس لله بالضعف -حاشاه-:

سفر القضاة الإصحاح ١ العدد : " ١٨ وَاسْتَوْلَى رِجَالُ يَهُوذَا عَلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا وَأَشْقَلُونَ وَتُخْومِهَا وَعَقْرُونَ وَتُخُومِهَا. ١٩ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ أَبْنَاءِ يَهُوذَا فَتَمَلَّكُوا الْجَبَلَ، وَلَكِنَّهُمْ أَخْفَقُوا فِي طَرْدِ سُكَّانِ الْوَادِي لأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ مَرْكَبَاتٍ حَدِيدِيَّةً. ".

رد القرآن الكريم على تلك القصة:

قال تعالى: إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ }[192].

قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }[193].

وصف الكتاب المقدس لله بالجوع والعطش والحاجة لغسل الرجل والاتكاء للراحة:

سفر التكوين الإصحاح ١٨ العدد ١: ١ ثُمَّ ظَهَرَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَقْتَ اشْتِدَادِ حَرِّ النَّهَارِ، ٢ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَإذَا بِهِ يَرَى ثَلاثَةَ رِجَالٍ مَاثِلِينَ لَدَيْهِ. فَأَسْرَعَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ. ٣ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيْتُ بِرِضَاكَ فَلا تَعْبُرْ عَنْ عَبْدِكَ. ٤ بَلْ دَعْنِي أُقَدِّمُ لَكُمْ بَعْضَ مَاءٍ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ وَتَتَّكِئُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ٥ ثُمَّ آتِي لَكُمْ بِلُقْمَةِ خُبْزٍ تُسْنِدُونَ بِها قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ مَسِيرَتَكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ مِلْتُمْ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمْ». فَأَجَابُوهُ: «حَسَناً، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ». ٦ فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ إِلَى زَوْجَتِهِ سَارَةَ وَقَالَ: «هَيَّا أَسْرِعِي وَاعْجِنِي ثَلاثَ كَيْلاتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ وَاخْبِزِيهَا». ٧ ثُمَّ أَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ قَطِيعِهِ وَاخْتَارَ عِجْلاً غَضّاً مُسَمَّناً وَأَعْطَاهُ لِغُلامٍ كَيْ يُجَهِّزَهُ. ٨ ثُمَّ أَخَذَ زُبْداً وَلَبَناً وَالْعِجْلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَمَدَّهَا أَمَامَهُمْ، وَبَقِيَ وَاقِفاً فِي خِدْمَتِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ. ٩ ثُمَّ سَأَلُوهُ: «أَيْنَ زَوْجَتُكَ؟» فَأَجَابَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ» ... ١٦ ثُمَّ نَهَضَ الرِّجَالُ وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. فَمَشَى إِبْرَاهِيمُ مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. ١٧ فَقَالَ الرَّبُّ: «أَأَكْتُمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ؟  ١٨ وَإِبْرَاهِيمُ لابُدَّ أَنْ يُصْبِحَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَبِهِ تَتَبَارَكُ شُعُوبُ الأَرْضِ جَمِيعاً، ١٩ لأَنَّنِي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِيُوْصِيَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَيْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، عَامِلِينَ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُنْجِزَ الرَّبُّ مَا وَعَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ». ٢٠ وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً ٢١ أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى ضِدَّهُمْ وَإلَّا فَأَعْلَمُ». ٢٢ وَانْطَلَقَ الرَّجُلانِ مِنْ هُنَاكَ نَحْوَ سَدُومَ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ مَاثِلاً أَمَامَ الرَّبِّ. ".

تعليقنا على تلك القصة:

وهكذا قد صور لنا الكتاب المقدس الله عز وجل -حاشاه- في صورة رجل بلباس بدوية مرتدياً نعلاً رخيصا يسمح بوصول التراب والوسخ للأرجل، ويحتاج أن يرتاح تحت الشجرة من وعثاء السفر، ويحتاج أن يسند قلبه بلقمة خبز، ويحتاج أن يأكل زبداً ولبناً ولحم عجل، ويحتاج أن يسأل إبراهيم ليعرف مكان زوجته، ثم يحتاج أن يسأل الملكين الذان كانا معه إن كان من الجيد أن يخبر إبراهيم أم يكتم عنه الذي سيفعله، ويحتاج أن ينزل لسدوم وعمورة ليعرف إن كانت أفعال أهلها مطابقة لما سمعه من شكاوى ضدهم!

أعوذ بالله من هذا التجديف، فكل ما ذكر هنا هي صفات نقص تستحيل على الله عز وجل خالق هذا الكون ومدبر أمره، والله ما قدروا الله حق قدره ولا عظموه حق عظمته، فالعظمة كلها له، والحمد كله له، والجبروت كله له، والكمال كله له.

وللأسف فإن هناك من البشر ممن لا يرون أي مشكلة في كل ما ذكر من صفات نقص ونسبها لله تعالى، ويؤلفون ألف حجة واهية بأنه لا مشكلة في كل ما ذكر، ويلوون عنق الكلام حتى يصير معناه مغايراً لنصه، وهذا هو سبب الاختلاف في النقاش بين المسلمين والمسيحيين، فالمسلم لا يقبل أية صفات نقص لله تعالى، والمسيحي لا يراها صفات نقص، والسبب في أن المسيحي لا يراها بصفات نقص هو الآتي:

١- لقد تعود على قراءة تلك النصوص وقراءة تفاسير واهية لها.

٢- لقد تعود على الدفاع عن تلك النصوص مهما كان الأمر، معتبراً أن المساس بتلك النصوص هو مساس بروحه ودمه.

٣- لم يضع في الاعتبار، أنه إذا كان قد ولد مسلماً وليس مسيحياً، فهل كان سيدافع عن تلك النصوص أم سيراها أنها تنسب صفات نقص لله تعالى؟ بمعنى آخر، هل يرى شيء ما أنه هو الحق لأنه فعلاً حق، أم يراه أنه حق لأنه تعود أن يسمع أن هذا هو الحق.

٤- لم يتعرف على الله حق معرفته ولم يتدبر عظمة الله في الكون ولم يتدبر قدرته وجبروته.

٥- لم يحاول أن يدعم كلامه بأي دليل قوي ويكون ليس من الكتاب المقدس، وإنما أدلته جميعاً هي نصوص أخرى من الكتاب المقدس وتبريرات وتخمينات عقلية وسفسطائية وأشعار غناءة عن المسيح وأنه أتى ليخلصنا وليفدينا على الصليب وأنه أتى ليعطينا حياة وما إلى ذلك مما لا علاقة له بما نتحدث عنه.

يا أخي الكريم، هل تحب المسيح؟ والله وأنا أيضاً أحبه. وهل تريد اتباع المسيح واتباع إنجيله؟ والله وأنا أيضا أريد اتباع المسيح واتباع إنجيله الذي أرسله الله عز وجل له.

المشكلة ليست في حب المسيح أو اتباعه واتباع إنجيله، المشكلة أنك تنسب كتاب لا تعرف مصدره ولا كاتبه ولا مكان أو تاريخ أو لغة كتابته للمسيح عليه السلام.

انظر من الناحية العقلية، هل يعقل أن يكون الله لا يرى -حاشاه- ويحتاج أن ينزل من فوق عرشه من فوق السماوات السبع لكي يرى إن كانت أفعال سدوم وعمورة مطابقة للشكاوى التي سمعها؟ ألا يرى الله الكون كله كبيره وصغيره من فوق سبع سماوات؟ ألا يسمع دعاءنا ويرانا في صلواتنا؟

إن الله عز وجل خلق هذا الكون وهو ليس جزءاً منه، وهو أكبر من كل هذا الكون وما فيه، فكيف يعقل أن ينزل في صورة إنسان صغير الحجم لكي يرى ويسمع ويأكل ويشرب ويستريح؟ هل تستريح الشمس من العمل كل يوم؟ فهي مشرقة دائما تنير جزء من الأرض وتغيب عن الآخر لتترك فرصة للراحة لنا وللنوم؟ أألله أضعف من تلك الشمس -حاشاه-؟ هل ستحاول الآن سرد تفسيرات واهية سفسطائية لكي تحاول أن تقنعني أن من خلق هذا الكون أضعف منه وأصبح جزءاً منه وأصغر منه -حاشاه-؟

رد القرآن الكريم على تلك القصة:

قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) }[194].

الخلاصة:

إن الكتاب المقدس ملئ بالعبارات التي تنسب لله عز وجل -حاشاه- صفات نقص وضعف وجهل وغير ذلك من الصفات التي تستحيل على الله عز وجل وعلى عظمته وقدرته، وسوف أكتفي بما تم ذكره، ولمن أراد الاستزادة فيستطيع البحث أكثر في هذا الموضوع.

 

 

الفصل الثاني

الله في الإسلام

تعظيم الله تعالى:

إن أي حوار بين أتباع الأديان المختلفة يجب أن يكون أساسه وعموده هو تعظيم الله تعالى، فباستحضار عظمة الله في القلب، سيخشع القلب ويترقق ويقبل الحق أياً كان، وسيعرف المرء قدر نفسه فلا يبالغ في تعظيم نفسه أو أراءه النابعة من الهوى، وسيعرف قدرة عذاب الله على المتكبرين ونعيمه للصالحين، ولتعظيم الله تعالى يجب أن نتعرف عليه وعلى أسماءه وصفاته جل وعلا.

قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[195].

قال ابن عباس عن هذه الآية: "هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حقّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حقّ قدره".

وقال السدي عن تلك الآية: " ما عظموا الله حقّ عظمته ".

آيات من القرآن الكريم وأحاديث شريفة عن عظمة الله تعالى:

قال الله تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[196].

قال تعالى: مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }[197].

قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }[198].

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) }[199].

قال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[200].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ. "[201].

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: " أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيرًا فله وإنْ ظنَّ شرًّا فله "[202].

التفكر في عظمة الله في خلقه:

قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }[203].

قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }[204].

الله واحد أحد، فلا إله خالق غيره:

قال الله تعالى: { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }[205].

قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[206].

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }[207].

 

 

الباب السادس

صفات الأنبياء والرسل في القرآن الكريم والكتاب المقدس

 

الفصل الأول: صفات الأنبياء والرسل في القرآن الكريم

الفصل الثاني: صفات الأنبياء والرسل في الكتاب المقدس

 

 

 

الفصل الأول

صفات الأنبياء والرسل في القرآن الكريم

لقد منّ الله عز وجل علينا بأن أرسل إلينا أنبياءً ورسلاً ليهدونا لدينه القويم ولصراطه المستقيم، فلا حجة للبشر أنهم لم تصلهم رسالات ربهم، ولا حجة للاأدريين الذين لا يؤمنون ولا ينكرون وجود الله، مدعين أن الله لم يرسل إليهم رسلاً ليبلغوهم رسالاته. يقول الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }[208].

ويقول الله تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ }[209].

الصدق:

إن أهم صفات الأنبياء والرسل هو الصدق والإخلاص والأمانة، فهم المؤتمنون على تبليغ دين الله ورسالاته للبشرية، فلا يمكن أن يتصفوا بالكذب ولو لمرة واحدة، ولا بالغدر أو الخيانة، فإن كذب النبي مرة لن يتم تصديقه في أي مرة، وإن اتصاف النبي بالكذب هو نسب صفات نقص لله عز وجل وإقلال من قوته وعظمته، فهو من اختاره واصطفاه لتبليغ رسالته ويعلم صدقه وصلاحه. فكيف يختار ملك من ملوك الدنيا رسول يعلم أنه قد يكذب أو يخون في تبليغ رسالته فينقلها ناقصة أو زائدة أو محرفة؟ فما بالك بمالك هذا الكون ومالك يوم الدين؟

قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا }[210].

قال الله تعالى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) }[211].

قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) }[212].

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[213].

قال الله تعالى: قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[214].

ويقول النبي : " علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا. "[215].

الطاعة:

لا يمكن أن يتصف النبي أو الرسول بالخطيئة، فلا يمكن للنبي أن يكذب أو يسرق أو يزني أو يشرب الخمر، فكل تلك الأفعال تنال من شرفه وشرف الرسالة التي سيبلغها. فكيف بسكير أن يبلغ رسالة ربه؟ وكيف بسارق أو زاني أن يبلغ أمر الله للناس "لا تسرق"، "لا تزني" وهو نفسه لم يطعه؟

الصلاح:

الله عز وجل يصطفي من عباده لتبليغ رسالته الصالحين الأبرار، فلا مكان لفاجر بين الأنبياء والرسل، ولا مكان لمن يسعى في الأرض فساداً، فالنبي مصلح وليس مفسد، ينشر السلام وليس الإرهاب والخراب وترويع الآمنين.

العلم:

لقد علمهم الله العليم الحكيم، فمعهم من البراهين والأدلة ما يثبت صدق رسالتهم ويرد على المكذبين ويهدي الحائرين ويجيب السائلين.

قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) }[216].

قال الله تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }[217].

الرحمة:

قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[218].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن يُحرَمِ الرِّفْقَ يُحرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ "[219].

الصبر على البلاء:

سأل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسولَ اللهِ ! مَنْ أَشَدُّ الناسِ بَلاءً ؟ قال : الأنْبياءُ قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : العلماءُ قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال الصَّالِحُونَ "[220].

حسن الخلق:

يقول الله تعالى عن نبيه الكريم: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }[221].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ "[222].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً "[223].

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبَّابًا، ولَا فَحَّاشًا، ولَا لَعَّانًا "[224].

الفصل الثاني 

صفات الأنبياء والرسل في الكتاب المقدس

إن منزلة رجل الدين في الدين المسيحي كبيرة، وكلما زادت تقواه وورعه زادت مكانته عند الناس وثقتهم فيه، ولا يمكن أن يكون رجل الدين لصاً أو زانياً أو قاتلاً أو كاذباً أو غير ذلك من الصفات التي تقدح في سمعته، لأنه لو وقع في أي خطأ مثل هذا فلا يمكن أن تثق فيه الناس بعد ذلك، ولن يتلقوا تعاليم الدين منه، بل ولقامت أيضاً الكنائس بتجريده من رتبه الكنسية وطرده، فهو أصبح عار على الكنيسة ولا يمكن قبوله بها.

ولكن من المتفق عليه أن رجل الدين هو أقل مرتبة من الرسول والنبي، لأن رجل الدين قام من نفسه بتولي أمر تبليغ الدين وتعاليمه للناس، أما الرسول والنبي فهو من اصطفاه الله عز وجل مباشرة فأوحى له كلامه ورسالته ليبلغها للناس، ولهذا لا يمكن أن يتصف بأي صفة من الصفات التي ذكرناها بالأعلى والتي ستجعل الناس لا تصدقه أو تثق فيه أو تستمع له.

ولهذا فإن المسلمين يؤمنون بأن جميع الأنبياء الذين أرسلهم الله لبني إسرائيل كانوا من خير البشر، ولم تنل منهم الخطيئة والرذيلة، ولكن انظر ماذا قال كتبة العهد القديم عن الأنبياء، مما يؤكد أن العهد القديم ليس بكلام الله عز وجل وإنما هو كلام أناس أساءوا لدين الله.

اتهام نبي الله داود بالخيانة والزنى والقتل:

صموئيل ٢ الإصحاح ١١ العدد ٢: ٢ وَفِي إِحْدَى الأُمْسِيَاتِ نَهَضَ دَاوُدُ عَنْ سَرِيرِهِ وَأَخَذَ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ قَصْرِهِ، فَشَاهَدَ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ أَخَّاذٍ تَسْتَحِمُّ٣ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ مَنْ يَتَحَرَّى عَنْهَا. فَأَبْلَغَهُ أَحَدُهُمْ: «هَذِهِ بَثْشَبَعُ بِنْتُ أَلِيعَامَ زَوْجَةُ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ»، ٤ فَبَعَثَ دَاوُدُ يَسْتَدْعِيهَا. فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ وَضَاجَعَهَا إِذْ كَانَتْ قَدْ تَطَهَّرَتْ مِنْ طَمْثِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. ٥ وَحَمَلَتِ الْمَرْأَةُ فَأَرْسَلَتْ تُبَلِّغُ دَاوُدَ بِذَلِكَ. ٦ فَوَجَّهَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ قَائِلاً: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَبَعَثَ بِهِ يُوآبُ إِلَى دَاوُدَ. ٧ وَحِينَ مَثَلَ لَدَى دَاوُدَ اسْتَفْسَرَ مِنْهُ عَنْ سَلامَةِ يُوآبَ وَالْجَيْشِ وَعَنْ أَنْبَاءِ الْحَرْبِ. ٨ ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «امْضِ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَ لَهُ هَدِيَّةً إِلَى بَيْتِهِ. ٩ غَيْرَ أَنَّ أُورِيَّا لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَى بَيْتِهِ، بَلْ نَامَ مَعَ رِجَالِ الْمَلِكِ عِنْدَ بَابِ الْقَصْرِ. ١٠ فَأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَتَوَجَّهْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَسَأَلَهُ دَاوُدُ: «أَلَمْ تَرْجِعْ مِنْ سَفَرٍ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَمْضِ إِلَى بَيْتِكَ؟» ١١ فَأَجَابَ: «التَّابُوتُ وَجَيْشُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا مُعَسْكِرُونَ فِي الْخِيَامِ، وَكَذَلِكَ سَيِّدِي يُوآبُ، وَبَقِيَّةُ قُوَّادِ الْمَلِكِ مُخَيِّمُونَ فِي الْعَرَاءِ، فَهَلْ آتِي أَنَا إِلَى بَيْتِي لِآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأُضَاجِعَ زَوْجَتِي؟ أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ، لَنْ أَفْعَلَ هَذَا الأَمْرَ». ١٢ فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «امْكُثْ هُنَا الْيَوْمَ وَغَداً أُطْلِقُكَ». فَمَكَثَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي. ١٣ وَلَبَّى دَعْوَةَ الْمَلِكِ، فَأَكَلَ فِي حَضْرَتِهِ وَشَرِبَ حَتَّى أَسْكَرَهُ دَاوُدُ. ثُمَّ خَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَرْقُدَ فِي مَضْجَعِهِ إِلَى جِوَارِ رِجَالِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَى بَيْتِهِ أَيْضاً. ١٤ وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ رِسَالَةً إِلَى يُوآبَ، بَعَثَ بِها مَعَ أُورِيَّا، ١٥ جَاءَ فِيهَا: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي الْخُطُوطِ الأُولَى حَيْثُ يَنْشُبُ الْقِتَالُ الشَّرِسُ، ثُمَّ تَرَاجَعُوا مِنْ وَرَائِهِ لِيَلْقَى حَتْفَهُ».".

اتهام نبي الله لوط بالزنى مع ابنتيه:

سفر التكوين الإصحاح ١٩ العدد ٣٠: ٣٠ وَغَادَرَ لُوطٌ وَابْنَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صُوغَرَ، وَاسْتَقَرُّوا فِي الْجَبَلِ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَلَجَأَ هُوَ وَابْنَتَاهُ إِلَى كَهْفٍ هُنَاكَ. ٣١ فَقَالَتْ الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ: «إِنَّ أَبَانَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ حَوْلَنَا رَجُلٌ يَتَزَوَّجُنَا كَعَادَةِ كُلِّ النَّاسِ. ٣٢ فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ خَمْراًوَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَلا تَنْقَطِعُ ذُرِّيَّةُ أَبِينَا». ٣٣ فَسَقَتَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبَاهُمَا خَمْراً، وَأَقْبَلَتْ الابْنَةُ الْكُبْرَى وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. ٣٤وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَتْ الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ مَعَ أَبِي لَيْلَةَ أَمْسِ، فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ اللَّيْلَةَ أَيْضاً خَمْراً ثُمَّ ادْخُلِي وَاضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». ٣٥ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضاً وَأَقْبَلَتْ الابْنَةُ الصَّغِيرَةُ وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا. فَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. ٣٦ وَهَكَذَا حَمَلَتْ الابْنَتَانِ كِلْتَاهُمَا مِنْ أَبِيهِمَا. ٣٧ فَوَلَدَتِ الْكُبْرَى ابْناً دَعَتْهُ مُوآبَ (وَمَعْنَاهُ مِنَ الأَبِ)، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ، ٣٨ أَمَّا الصُّغْرَى فَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتْهُ «بِنْ عَمِّي» (وَمَعْنَاهُ ابْنُ قَوْمِي) وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ.".

وطبعاً هذه القصة هي ملفقة وكذب على نبي الله لوط، ولكن لماذا كتبها كتبة العهد القديم؟ الهدف من ذكرها هو القول أن الموابيين والعمونيين المنحدرين من "مواب" و"بن عمي" أبناء لوط هم أبناء زنى، فالموابيين والعمونيين كانا من الأعداء الأشداء أمام بني إسرائيل ودخلوا معهم في حروب كثيرة.

اتهام نبي بالزواج من زانية بأمر إلهي:

سفر هوشع الإصحاح ١ العدد ١: " ١ هَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي أَوْحَى بِها إِلَى هُوشَعَ بْنِ بِئِيرِي فِي أَثْنَاءِ حُكْمِ كُلٍّ مِنْ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا، وَفِي أَيَّامِ يَرُبْعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. ٢ وَأَوَّلُ مَا خَاطَبَ الرَّبُّ بِهِ هُوشَعَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَتَزَوَّجْ مِنْ عَاهِرَةٍ، تُنْجِبُ لَكَ أَبْنَاءَ زِنىً، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ إِذْ تَرَكَتِ الرَّبَّ». 3 فَمَضَى هُوشَعُ وَتَزَوَّجَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلايِمَ، فَحَمَلَتْ وَأَنْجَبَتْ لَهُ ابْناً.".

الخلاصة:

هناك قصص كثيرة عن اتهام كتبة العهد القديم لأنبياء الله بشتى الجرائم والمعاصي، فمنهم من بنى معابد للأصنام ومنهم من زنى ومنهم من قتل ومنهم من سرق ومنهم من كذب. وهذا في الوقع ليس اتهام للأنبياء فقط، وإنما هو اتهام لله عز وجل أنه -حاشاه- لم يختر أنبياءه بعناية. فإن كان هذا هو حال الأنبياء في الكتاب المقدس فكيف نصدق أنهم حافظوا على كلام الله "التوراة" وأن ما أوصلوه إلينا هو الحق؟

 

 

الباب السابع

القرار، الإسلام أم المسيحية

الفصل الأول: الإسلام أم المسيحية

الفصل الثاني: حرية الاعتقاد وعاقبة الشرك

الفصل الثالث: تأليه مريم والتماثيل والقديسين

 

 

 

Timeline

Description automatically generated with medium confidence

 

 

الفصل الأول

الإسلام أم المسيحية

عزيزي القسيس، إن طريق المسيح هو الطريق الحق، والمسيح كان يكره الكذب والنفاق وتقديم تبريرات واهية جبانة. عزيزي القسيس، إن الحق ثابت بين كل عقول البشر، ولا يوجد عقل سيلتبس عليه الحق من الباطل إلا العقل الذي يريد أن يقنع نفسه بالباطل.

عزيزي القسيس، بعد كل ما ذكرنا، فإن كنت مازلت مقتنعاً أن طريق المسيحية هو طريق المسيح الذي هو طريق الحق، إذن أنت تريدني أنا أيضاً أن أتبع هذا الطريق، فأنا أرغب في اتباع طريق الحق ونيل رضوان ربي خالق هذا الكون ودخول جنته والنجاة من عقابه.

ولكن أريد أسألك، أتريدني أن أترك الإسلام وأعتنق المسيحية؟ إذن أنت مقتنع أن المسيحية أفضل من الإسلام. ولكني عند النظر بموضوعية ودون أي تعصب أجد الآتي:

١- أنت تريدني أن أؤمن بالكتاب المقدس، وأنت لا تعلم من كتبه! فأنت لا تعرف من كتب أي سفر من أسفار بني إسرائيل، ولا تعرف حتى من كتب حقاً الأناجيل الأربعة.

٢- أنت تريدني أن أتبع عقيدة التثليث التي أنت نفسك لا تفهمها، والتي لا وجود لها في العهد القديم ولا في العهد الجديد. وكل الأدلة التي يستشهد بها القساوسة المؤيدين لها، هي أدلة مختلقة وتبريرات واهية.

٣- أنت تريدني أن أؤمن أن المسيح هو الله، رغم أنه لم يقل هذا صراحة، ورغم كل صفات الضعف البشرية التي كانت به، من جوع وعطش واحتياج وغير ذلك.

٤- أنت تريدني أن أؤمن بقدسية الكتاب المقدس، رغم كل ما به من نصوص تخدش الحياء.

٥- أنت تريدني أن أؤمن بأن الله في الكتاب المقدس هو رحيم وعادل، رغم كل تلك النصوص الموجودة في الكتاب المقدس عن بشاعة الأفعال التي فعلها بنو إسرائيل في الأمم الأخرى، بل وبموافقة أنبياءهم، بل وبأمر من ربهم.

٦- أنت تريدني أن أؤمن بقدسية الكتاب المقدس، رغم أنه وصل إلينا من شعب وصفه الكتاب المقدس نفسه أنه كان يعبد الأصنام على مر العصور.

٧- أنت تريدني أن أؤمن أن أنبياء بني إسرائيل الذي حملوا أمانة الحفاظ على التوراة والأسفار المقدسة كانوا شاربي خمر وزناة ومجرمي حرب وخونة.

ولكني أنا أريدك أن تؤمن بالآتي:

١- أني لا أريدك أن تترك دينك بل أن تعود لدينك، وهو الإسلام.

٢- لا أريدك أن تكفر بكتاب الله وتتركه، بل أن تلجأ إليه وتقرأه، وهو القرآن.

٣- الله في القرآن لا يتعب ولا يجهل ولا يستريح ولا يتأسف في نفسه، بل له العظمة كلها والجبروت كله والرحمة كلها والكمال كله.

٤- الله عز وجل عادل ورحيم.

٥- القرآن تحدى البشر أن يأتوا بمثله أو أن يأتوا بسورة واحدة مثله.

٦- القرآن تحدى البشر أن يجدوا فيه أي اختلاف أو تحريف.

٧- الأنبياء في القرآن لا يزنون ولا يسرقون ولا يكذبون، فهم أشرف الخلق، اصطفاهم العليم الخبير، وقد أدوا مهامهم على أكمل وجه كما أمرهم الله عز وجل، فبلغونا رسالته وأرشدونا لدينه الحنيف.

عزيزي القس، الان لحظة القرار، فلك الاختيار، ولي الاختيار، والله شاهد علينا، وأمامه سنقف يوم العرض عليه، فسيحاسبنا بعدله ورحمته عن الذي اخترناه.

فإن اخترنا دينه الصحيح، فقد وعدنا بجنته، وإن اخترنا اتباع الهوى والتعصب وإشراك غيره معه في العبادة، فقد توعدنا بناره وعقابه، فذنب الشرك بالله هو أعظم الذنوب.

نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
الفصل الثاني

حرية الاعتقاد وعاقبة الشرك

حرية الاعتقاد في الإسلام:

لقد عامل الإسلام المسيحيين واليهود المقيمين في بلاد المسلمين معاملة راقية لم ترها البشرية قبلاً، فالتاريخ يذكر لنا جيداً كيف تم اضطهاد الأقليات الدينية حول العالم، بل ويذكر لنا التاريخ كيف اضطهد المسيحيون أبناء جلدتهم ودينهم من المسيحيين أشد الاضطهاد، فقط لاختلافهم معهم في الطائفة والمذهب، ويذكر التاريخ كيف اضطهدت بعض البلاد المسيحية أبناءها ومواطنيها من اليهود المقيمين فيها، فقط لاختلافهم في الدين. 

أما الإسلام فقد حرم إجبار أي مسيحي أو يهودي مقيم في أي بلد مسلم على اعتناق الإسلام، سواء أكان مواطناً من مواطني ذلك البلد أو مهاجراً إليها أو زائراً، وهكذا يشهد لنا التاريخ كيف هرب اليهود من بعض الدول المسيحية ولجأوا للدول الإسلامية هرباً من الاضطهاد والتعسف. بل وهرب بعض المسيحيين من بلاد مسيحية لاقوا فيها اضطهاد بسبب الاختلاف في المذهب، ولجأوا للبلاد الإسلامية.

ولكن اشترط أيضاً الإسلام على جميع المواطنين في البلاد الإسلامية سواء من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أن يدفعوا قدر مالي، مثل نظام الضرائب المعروف حالياً حول العالم. 

وفي حين فرض الإسلام على المواطنين المسيحيين واليهود أن يدفعوا قدر مالي زهيد جدا، وهو ما يعرف بالجزية وهو دراهم معدودة سنوياً، فرض الإسلام على المواطنين المسلمين قدر مالي أكبر بكثير، وهو ما يعرف بالزكاة، حيث يدفع المسلمون المقتدرون ما قيمته ٢،٥٪ من أموالهم التي تندرج تحت قائمة الأموال المفروض عليها الزكاة سنوياً. وتلك الأموال لها مصارف شرعية لتصرف في الخير، فقال الله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[225].

ورغم هذا العدل والكرم الذي أعطاه الإسلام للمواطنين المسيحيين واليهود، المقيمين في البلاد الإسلامية، إلا أننا نرى أتباع مذهب السفسطائية قد قلبوا الحقائق واتهموا الإسلام بممارسة التمييز على المسيحيين من خلال فرض الجزية عليهم! ألم يروا أن الإسلام قد فرض على المسلمين مبلغ سنوي أكبر بكثير مما فرض على المسيحيين؟ ألا هذا يدل على مدى الكرم الذي أظهره الإسلام للمسيحيين؟

بل وقد حرم الإسلام على المسلمين التعرض للمسيحيين بما يضايقهم، وحرم الاعتداء عليهم أو على أموالهم أو على كنائسهم وأماكن عبادتهم، بل وحرم الإسلام ظلمهم بأي شكل من الأشكال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ. "[226].

وكلمة معاهدا هنا معناها: 

١- الذمي من أهل الكتاب: وهو المسيحي أو اليهودي المقيم في البلد الإسلامي سواء أكان مواطناً من أهل البلد أو مهاجرا إليها من بلد آخر. وكلمة ذمي معناها الذي له عهد من المسلمين بأن يقيم في البلد الإسلامي معصوماً في نفسه وفي ماله وفي عبادته، بل ووجب على المسلمين حمايته أيضاً، وعلى الذمي عهد وهو دفع الجزية سنوياً، وهي الدراهم المعدودة التي ذكرناها قبلاً.

٢- المستأمن: وهو غير المسلم الذي أخذ عهد أمان من المسلمين، فدخل بلاد المسلمين كزائر أو عابر.

ولكن حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام وعدم إجبار المسيحيين أو اليهود على اعتناق الإسلام هي حرية في هذه الدنيا، أما في الآخرة فعقوبة عدم اتباع دين الله الصحيح واتباع البدع والتحريفات هي الخلود في نار جهنم كما أخبرنا الله تعالى.

عاقبة الشرك:

قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا }[227].

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رسولَ اللهِ أيُّ الإثمِ أعظمُ؟ قال : أن تجعلَ للهِ ندًّا وهو خلقَك "[228].

قال الله تعالى: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ }[229].

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) ۞ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) }.

قال الله تعالى: { أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }[230].

 

 

 

الفصل الثالث 

تأليه مريم والتماثيل والقديسين

نقطة الخلاف:

كثيرا ما يقول المسلمون للمسيحيين أنهم يعبدون مريم والتماثيل والصلبان والقديسين، ولكن يردوا عليهم المسيحيون قائلين بأنهم لا يؤمنوا بألوهية مريم أو القديسين أو التماثيل أو الصلبان.

مفهوم الإلهية في الإسلام:

معنى شهادة التوحيد "لا إله إلا الله" في الإسلام، هو أنه لا يوجد معبود حق إلا الله، قال تعالى: { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }[231]، وهكذا فإن كل ما عبد من دون الله فهو باطل، وإذا صرف أي نوع من العبادة أو الدعاء لغير الله فهذا هو الشرك بالله -أعاذنا الله وإياكم منه-، وعلى هذا يجب إخلاص العبادة والدعاء لله وحده.

فإن صرف البشر أي نوع من العبادة أو الدعاء لرجل أو صنم أو صليب أو قديس، فهو بذلك يعلن أنه له حظ في الألوهية، وجعله شريكاً لله في العبادة والدعاء والالتجاء. حتى وإن لم يقل صراحة أنه إله أو أنه هو الله، فمجرد صرف العبادة أو الدعاء له كافي لإعلان أن له حظ في الألوهية.

والان لننظر في مسألة تأليه مريم عليها السلام في المسيحية، فإن أغلب المسيحيين حين تحل بهم نازلة، فإن أول من يلجؤون إليه ويدعون أن يكشف كربتهم هي مريم، فيعلنون بذلك أن لها حظ في الألوهية وأنها تستطيع كشف الكرب التي لا يستطيع أن يكشفها إلا الله عز وجل، وهذا هو مفهوم اتخاذ مريم إلهاً.

نفس الأمر في الدعاء للقديسين والسجود أمام الأيقونات (الصور) والصلبان والتماثيل. 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. "[232].

وقد روى عدي بن حاتم الطائي أنه عندما جاء وهو نصراني للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يسلم: " أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وفي عُنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال: "يا عديُّ اطرَح هذا الوثنَ"، وسمعتُه يقرأ في سورة براءةَ: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ }، فقلتُ: "إنا لسنا نعبدُهم"، قال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموهُ، فتلك عبادتُهم". "[233].

وهكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق قد ذكر أن الصليب هو وثن، أي الصنم الذي يعبد، وذكر أن المسيحيين قد عبدوا أحبارهم ورهبانهم.

سفر التثنية الإصحاح ٥ العدد ٦: ٦ أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي حَرَّرَكَ مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ فِي دِيَارِ مِصْرَ. ٧ لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. ٨ لَا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا فِي الْمَاءِ تَحْتَ الأَرْضِ. ٩ لَا تَسْجُدْ لَهَا وَلا تَعْبُدْهَا، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ إِلَهٌ غَيُورٌ. ".

 

 

 

 

الباب الثامن

قصص القساوسة الذين أسلموا

 

الفصل الأول: قصة إسلام القس النرويجي ليف سكجيتن (أحمد سكجيتن)

الفصل الثاني: قصة إسلام القس المصري د. بيشوي ملك داود سليمان (د. مؤمن إبراهيم داود سليمان)

الفصل الثالث: قصة إسلام القس الأمريكي جوزيف إدوارد إستس (يوسف إستس)

 

 

 

الفصل الأول

قصة إسلام القس النرويجي ليف سكجيتن (أحمد سكجيتن)

أذاعت القناة التليفزيونية السويدية (SVT) فيلماً وثائقياً من إنتاجها عن قسيس نرويجي اسمه "ليف سكجيتن" ويبلغ من العمر ٧٥ عاما، والذي قد اعتنق دين الإسلام. اسم الفيلم هو (Bekännelsen) أي "الاعتراف".

عمل ليف سكجيتن لمدة ٣٠ عاماً في كنيسة سويدية بمقاطعة سمولاند أبرشية "Växjö"،  وعمل أيضاً في مجال العمل التطوعي وفي قضايا اللاجئين وكان على اتصال دائم باللاجئين.

في عام ٢٠١٥ اتصل به أحد المدرسين والذي كان يدرس اللغة السويدية لغير الناطقين بها، وأخبره بأن لديهم شخص مغربي طالب للجوء ولا يحب العيش في سكن اللاجئين، وسأله إن كان يقبل بانتقاله إلى منزله، فالقس كان يعيش بمفرده. وهكذا انتقل إلى منزله هذا الطالب، والذي كان اسمه عبد الله.

خلال إقامته معه، تعرض القس لإصابة جعلته طريح الفراش لفترة، فقام عبد الله برعاية هذا القس المسن خلال تلك الفترة الصعبة، فكان يعد له الطعام ويعتني بأمور المنزل. وخلال تلك الفترة قويت العلاقة بينهما فأصبحت مثل علاقة الوالد بولده. وكان عبد الله مسلما متدينا، فكان يمارس عبادته الدينية، فكان يصلّي خمس مرات في اليوم، وكان يقرأ القرآن الكريم.

وذات مرة جرى نقاش بينهما، فسأل عبد الله القس متعجباً، لماذا لا يراه يصلي أو يقرأ من الكتاب المقدس. فإجابه القس أنه يقوم بهذا في الكنيسة. فأخبره عبد الله أنه يصلي ويقرأ القرآن في كل مكان. فحركت تلك الكلمات الكثير من التساؤلات في ذهن القس، فبدأ القس ليف سكجيتن يسأل نفسه "هل أنا مؤمناً حقاً بما أقوله للناس، أم أن هناك نفاقاً في إيماني؟".

بدأ بعد ذلك القس في رحلة بحثه عن الحقيقة والتعرف على الإسلام، فطلب من عبد الله أن يصحبه للمسجد الذي يصلي فيه. وقابل القس شيخ في المسجد اسمه عمر، فطرح القس على الشيخ عمر بعض التساؤلات، فأجابه عليها وأعطاه كتباً عن الإسلام.

شيئاً فشيئاً بدأ القس ليف سكجيتن في التقرب أكثر من الإسلام، فقرر أن يصوم شهر رمضان عام ٢٠١٦.

وبعد أن وقر الإيمان في قلبه، قرر في عام ٢٠١٧ أن يعتنق الإسلام سراً ، فنطق الشهادة على يد الشيخ عمر. غادر بعدها ليف سكجيتن السويد، وغير اسمه ل "أحمد"، ثم اتصل بعد ذلك برفاقه من القساوسة في الكنيسة ليخبرهم أنه أصبح مسلماً، مما أصاب رفاقه بالصدمة.

بعد علم الكنيسة بإسلامه أرسلت له مندوبة لتحاول أن تقنعه بالعودة لدين المسيحية، ودار حوار بينهما عن حقيقة الله وحول ألوهية المسيح، فأخبرها الشيخ أحمد أنه يؤمن بالمسيح، ولكن كنبي مرسل وليس الله، وأنه يؤمن بالله الواحد، رب المسيح ورب المخلوقات كلها.

بعد انتهاء الحوار، وعد الشيخ أحمد المندوبة أنه سيزورهم في الكنيسة في وقت لاحق، وهذا ما حدث بالفعل. فذهب الشيخ أحمد لزيارة رفقاءه القساوسة في الكنيسة، وظلت العلاقة بينهما علاقة صداقة واحترام متبادل، ثم قابل أحمد رئيس الكنيسة السويدية ليشرح له حقيقة إيمانه.

 

 

 

الفصل الثاني

قصة إسلام القس المصري د. بيشوي ملك داود سليمان 

(د. مؤمن إبراهيم داود سليمان)

التعريف بالدكتور مؤمن إبراهيم (القس بيشوي ملك سابقاً): 

حاصل على الدكتوراة في العلوم اللاهوتية من الكلية الأكلريكية، ومدرس سابق للطقوس الكنسية بالدير المحرق بمحافظة أسيوط، جمهورية مصر العربية، والموفد السابق للبابا شنودة إلى الكنيسة الأرثوذكسية، فلورنسا، إيطاليا.

الخدمة كقس: 

في عام ١٩٨٥م كان للقس السابق دور كبير في تحويل كنيسة تاوضروس المشرقي والتابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، لدير تاوضروس المشرقي، مما زكاه عند البابا شنودة الذي بدوره قام باستدعائه للقاهرة لكي يقوم بالخدمة كاهناً رسمياً على كنيسة القديسة دميانة. 

ثم انتدبه البابا شنودة كموفد رسمي في كنيسة مار مينا، فلورنسا، إيطاليا، فكان له دور بارز مع الجالية المصرية الموجودة بإيطاليا.

رحلته من المسيحية إلى الإسلام:

في عام ١٩٩٥م بدأ الدكتور مؤمن في التفكير في قضايا عقائدية هامة، هي لب العقيدة المسيحية، فتناقش على إثر هذا مع البابا شنودة في قضيتين من أهم القضايا في العقيدة المسيحية، وهما:

١- قضية الجسد والدم

٢- قضية التثليث

بدأ الأمر بالتفكير في عقيدة "الجسد والدم"، فكيف لخبز وخمر أن يتحولا لجسد ودم المسيح؟ فهل هذا الجسد هو جسد حقيقياً؟ وهل هذا الدم هو دم حقيقياً؟

يقول الدكتور مؤمن: 

جاء هذا التفكير في رأسي رغم أن هذا الموضوع كان هو صميم عملي، بل وكنت قد أصدرت سابقاً فيديو خاص لشرح طقس القداس وكيفية تحويل الخبز والخمر لجسد ودم!

وذات مرة سألت البابا شنودة: "هل نحن نتناول من ذبائح المسيح؟ وكم عدد القداسات في مصر وخارج مصر في اليوم الواحد؟" فرد علي البابا شنودة قائلاً: "في حدود عشرين ألف قداس يومياً." فقلت له: "كل هذا ذبائح المسيح؟" فرد علي قائلاً: "نحن لا نتناول من ذبائح المسيح، وإنما نحن نتناول ذبيحة المسيح، فالذبيحة واحدة في كل القداس هنا في مصر وخارج مصر.".

فزاد هذا من شكي، فكيف والوقت مختلف من قداس لقداس؟ ومن منطقة لمنطقة؟ بل والكهنة مختلفون، فكيف تكون ذبيحة واحدة في كل مكان؟!

وهذا ما دفعني أن أقطع الشك باليقين، فقمت بعمل في منتهى الجرأة، وهو أنني قد أخذت من هذا الخبز الذي قمت أنا بالصلاة عليه، ووضعته في منديل أبيض مطرز بالصلبان يستخدم للمتناولين في الكنيسة، ووضعت هذا المنديل في سيارتي، رغم خوفي الشديد لعلمي بخطورة هذا الأمر، فهذا هو جسد المسيح الحقيقي!

وكان الخبز كل يوم يجف أكثر وتتغير خواصه أكثر وأكثر، وفي اليوم الثالث أصبح لون هذا الخبز هو الأسود الداكن، مثل أي خبز عادي يترك لثلاثة أيام، وفي النهاية قمت بإلقائه في سلة المهملات! وبعد ذلك لم أقتنع موضوع تحويل الخبز إلى جسد، والخمر إلى دم.

مكثت بعدها سبع سنوات في الكهنوت وأنا غير مقتنع بموضوع التحويل، وكنت أشعر في كل مرة أقوم فيها بمناولة الناس القربان أنني أضحك عليهم، بل ومشفق عليهم في أنهم يقومون باستعداد كامل للمناولة من هذا الجسد، في حين أنه ليس بجسد، ويقومون باستعداد كامل لمناولة هذا الدم، في حين أنه ليس بدم! وكنت أشعر بالضيق عندا أناول الناس وأشعر أني أخطئ في حقهم، فعندما كنت أصلي بالقداس وأقول: "هذا الجسد لهذا الدم، وهذا الدم لهذا الجسد."، كان الذي يقول هذا إنما هو صوتي فقط دون الروح أو القلب أو الإيمان بما أقول أو بما أصلي!

وهذه كانت بداية التفكير: إن كان هذا ليس بجسد، ولا هو بدم، مع أن هذا هو صلب العقيدة الأرثوذكسية، فهي قائمة أساساً على هذا الاعتقاد، ومن يبعد عن التناول من الجسد والدم يعتبر خارج الكنيسة، بل ويعتبر إلى النار!

فبدأ عقلي يستنير نقطة، فإن كان هذا ليس بجسد، ولا هذا بدم المسيح، إذا ماذا يكون؟

قلت لنفسي: "إذن هذا الذي بين يدي ليس هو الله، لأن المسيح هو الله"، ثم بدأ تفكيري يقودني إلى أن المسيح أساساً ليس هو الله.

ذهبت إلى الإنجيل نفسه وإلى كلام المسيح نفسه، وكأنني أسأل المسيح نفسه: "هل قلت عن نفسك أنك أنت الله؟ أم هذا هو تفسير المفكرين؟

الإنجيل يصل بك إلى القرآن:

قرأت الإنجيل مراراً فوجدت في سفر التثنية الإصحاح ٤ العدد ٣٥: " ٣٥ لَقَدِ اطَّلَعْتُمْ عَلَى هَذِهِ كُلِّهَا لِتَعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلَهُ، وَلَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ. "

سفر التثنية الإصحاح ٤ العدد ٣٩: " ٣٩ فَاعْتَرِفُوا الْيَوْمَ وَرَدِّدُوا فِي قُلُوبِكُمْ قَائِلِينَ: إِنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلَهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَلَيْسَ إِلَهٌ سِوَاهُ. "

سفر إشعياء الإصحاح ٤٥ العدد ٥: " ٥ أَنَا هُوَ الرَّبُّ وَلا إِلَهَ غَيْرِي. لَيْسَ هُنَاكَ آخَرُ، شَدَّدْتُكَ مَعَ أَنَّكَ لَمْ تَعْرِفْنِي. ٦ حَتَّى يُدْرِكَ النَّاسُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنِّي أَنَا هُوَ الرَّبُّ وَلَيْسَ هُنَاكَ آخَرُ. ٧ أَنَا مُبْدِعُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، أَنَا صَانِعُ الْخَيْرِ وَخَالِقُ الضُّرِّ، أَنَا هُوَ الرَّبُّ فَاعِلُ كُلِّ هَذِهِ. ٨ اهْطِلِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَأَمْطِرِي يَا غُيُومُ بِرّاً، لِتَنْفَتِحِ الأَرضُ حَتَّى يُثْمِرَ الْخَلاصُ، وَيَنْبُتَ الْبِرُّ. أَنَا خَلَقْتُهُ. "

سفر إشعياء الإصحاح ٤٦ العدد ٨: " ٨ اذْكُرُوا هَذَا وَاتَّعِظُوا. انْقُشُوهُ فِي أَذْهَانِكُمْ يَا عُصَاةُ! ٩ تَذَكَّرُوا الأُمُورَ الْغَابِرَةَ الْقَدِيمَةَ لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. ".

ووجدت أيضا أن المسيح يعلن بصراحة أنه ليس الله، إنجيل يوحنا الإصحاح ٥ العدد ٢٦: " ٢٦ لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ لِلآبِ حَيَاةً فِي ذَاتِهِ، فَقَدْ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ. " فذات مختلفة عن ذات، وحياة مختلفة عن حياة، فكيف يكون واحد؟ وبالمناسبة أين الثلث الباقي؟

إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ٣٢: ٣٢ وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلا يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لَا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلا الاِبْنُ، إِلّا الآبُ. " وهذا يبطل عقيدة التثليث، لأن المسيح خص علم القيامة بالله، ونفى عن نفسه العلم بهذا! 

إنجيل متى الإصحاح ١٩ العدد ١٦: ١٦ وَإذَا شَابٌّ يَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاحٍ أَعْمَلُ لأَحْصُلَ عَلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ؟» ١٧ فَأَجَابَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أحَدٌ صَالِحًا إلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ، إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ، فَاعْمَلْ بِالْوَصَايَا». ".

إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٨: ٢٨ سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ عَنْكُمْ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لَكُنْتُمْ تَبْتَهِجُونَ لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ، لأَنَّ الآبَ أَعْظَمُ مِنِّي.".

وقد تقول: "أنه في كل هذا كان يتكلم بصفة الناسوت أو بالنيابة عن البشرية!"، ولكني أقول لك: "هذا خطأ، لأن تفسير الكلام واضح وضوح الشمس. وإن كان بالنيابة عن البشرية، فهل في القيامة إنابة عن البشرية؟ هذا إن كانت قصة الصلب والقيامة من الأموات أصلاً حقيقية! 

وما رأيك في قول المسيح لمريم بعد القيامة في ظهوره الأول في إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ١٧: " ١٧ فَقَالَ لَهَا: «لا تُمْسِكِي بِي! فَإِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى الآبِ، بَلِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي سَأَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ!» ".".

القرار:

كل هذا جعلني أقرر أني لابد أن أترك هذا الدين، لابد أن أهجر كل شيء يجعلني أعبد غير الله! وقلت لنفسي: يا حسرة على كل صلاة صليتها لغير الله، وكل دعاء دعيته لغير الله، وكل صيام صمته لغير الله، فكل هذا لم يكن موجه لله، أربعين عاماً أعبد غير الله، أدعو غير الله، أصوم لغير الله! 

ومثل حال البوذيين الذين يوجهون عبادتهم إلى بوذا، وعباد البقر الذين يوجهون عبادتهم إلى البقر، وعباد الشمس الذين يوجهون عبادتهم إلى الشمس، فأنت عزيزي القس لك إله هو المسيح، وليس الله، هو يسوع (عيسى) وليس الله، فأين الله الواحد في حياتك؟!

عزيزي القس، أحياناً تقول: "إن الله والمسيح واحد"، ولكني أقول لك: "فكر في حرف الواو، كيف الله والمسيح، وكيف الآب والابن والروح القدس، لماذا حرف (الواو) هذا؟!".

فكر معي في البسملة في الإسلام (بسم الله الرحمن الرحيم) أين الواو فيها؟! فهي تقول إن الله هو الرحمن هو الرحيم، لا يوجد بين اسم واسم حرف الواو!

أسلمت شوقاً إلى التوحيد وعبادة إله قوي لا يموت ولا يصلب.

 

 

الفصل الثالث

قصة إسلام القس الأمريكي جوزيف إدوارد إستس (يوسف إستس)

يقول يوسف استس القس الأمريكي السابق:

بدايتي مع الإسلام:

إسمي «يوسف» إستس بعد الإسلام وقد كان قبل الإسلام «جوزيف» إدوارد إستس، ولدت لعائلة نصرانية شديدة الالتزام بالنصرانية تعيش في الغرب الأوسط لأمريكا، أباؤنا وأجدادنا لم يبنوا الكنائس والمدارس فحسب، بل وهبوا أنفسهم لخدمة النصرانية،بدأت بالدراسة الكنسية أو اللاهوتية عندما اكتشفت أني لا أعلم كثيراً عن ديني النصراني، وبدأت أسأل أسئلة دون أن أجد أجوبة مناسبة لها، فدرست النصرانية حتى صرت قسيساً وداعياً من دعاة النصرانية وكذلك كان والدي، وكنا بالإضافة إلى ذلك نعمل بالتجارة في الأنظمة الموسيقية وبيعها للكنائس، وكنت أكره الإسلام والمسلمين حيث أن الصورة المشوهة التي وصلتني وارتسمت في ذهني عن المسلمين أنهم أناس وثنيون لا يؤمنون بالله ويعبدون صندوقاً أسوداً في الصحراء (يقصد الكعبة) وأنهم همجيون وإرهابيون يقتلون من يخالف معتقدهم.

لم يتوقف بحثي في الديانة المسيحية على الاطلاق ودرست الهندوسية واليهودية والبوذية، وعلى مدى ٣٠ سنة لاحقة، عملت أنا وأبي معاً في مشاريع تجارية كثيرة، وكان لدينا برامج ترفيه وعروض كثيرة جذابة، وقد عزفنا البيانو والأورج في تكساس واوكلاهما وفلوريدا، وجمعت العديد من ملايين الدولارات في تلك السنوات، لكني لم أجد راحة البال التي لا يمكن تحقيقها إلا بمعرفة الحقيقة وايجاد الطريق الصحيح للخلاص.

كنت أود تنصيره:

قصتي مع الإسلام ليست قصة أحد أهداني مصحفاً أو كتباً إسلامية وقرأتها ودخلت الإسلام، بل كنت عدواً للإسلام فيما مضى، ولم أتوان عن نشر النصرانية، وعندما قابلت ذلك الشخص الذي دعاني للإسلام، فانني كنت حريصاً على إدخاله في النصرانية وليس العكس.
كان ذلك في عام ١٩٩١، عندما بدأ والدي عملاً تجارياً مع رجل من مصر وطلب مني أن أقابله، طرأت لي هذه الفكرة وتخيلت الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل وكل ذلك،ففرحت في نفسي وقلت : سوف نتوسع في تجارتنا وتصبح تجارة دولية تمتد إلى أرض ذلك الضخم أعني (أبا الهول)! 

ثم قال لي والدي : لكنني أريد أن أخبرك أن هذا الرجل الذي سيأتينا مسلم وهو رجل أعمال. فقلت منزعجاً: مسلم! لا، لن أتقابل معه. فقال والدي: لابد أن تقابله. فقلت: لا، أبداً. لم يكن من الممكن أن أصدق .. مسلم!

ذكرت أبي بما سمعنا عن هؤلاء الناس المسلمين، وانهم يعبدون صندوقاً أسود في صحراء مكة وهو الكعبة، لم أرد أن أقابل هذا الرجل المسلم، وأصر والدي على أن أقابله، وطمأنني أنه شخص لطيف جداً، لذا استسلمت ووافقت على لقائه.

ومع ذلك لما حضر موعد اللقاء لبست قبعة عليها صليب ولبست عقداً فيه صليب وعلقت صليباً كبيراً في حزامي، وأمسكت بنسخة من الإنجيل في يدي وحضرت إلى طاولة اللقاء بهذه الصورة، ولكني عندما رأيته ارتبكت .. لا يمكن أن يكون ذلك المسلم المقصود - الذي نريد لقاءه، كنت أتوقعه رجلاً كبيراً يلبس عباءة ويعتمر عمامة كبيرة على رأسه وحواجبه معقودة، فلم يكن على رأسه أي شعر «أصلع» .. وبدأ مرحباً بنا وصافحنا، كل ذلك لم يعنِ لي شيئاً، فصورتهم في ذهني أنهم ارهابيون.

تطرقنا في الحديث عن ديانته وتهجمت على الإسلام والمسلمين حسب الصورة المشوهة التي كانت لدي، وكان هو هادئاً جداً وامتص حماسي واندفاعي بهدوء. 

ثم بادرت إلى سؤاله: هل تؤمن بالله؟ قال: أجل .. ثم قلت ماذا عن ابراهيم هل تؤمن به؟ وكيف حاول أن يضحي بابنه لله؟ قال: نعم .. قلت في نفسي: هذا جيد سيكون أمر جعله مسيحيا أسهل مما اعتقدت..

ثم ذهبنا لتناول الشاي في محل صغير، والتحدث عن موضوعي المفضل: المعتقدات. بينما جلسنا في ذلك المقهى الصغير لساعات نتكلم وقد كان معظم الكلام لي، وقد وجدته لطيفاً جداً، وكان هادئا وخجولاً، استمع بانتباه لكل كلمة ولم يقاطعني أبداً.

وفي يوم من الأيام كان محمد عبد الرحمن صديقنا هذا على وشك أن يترك المنزل الذي كان يتقاسمه مع صديق له، وكان يرغب أن يعيش في المسجد لبعض الوقت، حدثت أبي إن كان بالامكان أن ندعو محمدا للذهاب إلى بيتنا الكبير في البلدة ويبقى هناك معنا.. ثم دعاه والدي للإقامة عندنا في المنزل، وكان المنزل يحويني أنا وزوجتي ووالدي، ثم جاء هذا المصري واستضفنا كذلك قسيساً آخر لكنه يتبع المذهب الكاثوليكي 
فصرنا نحن الخمسة .. أربعة من علماء ودعاة النصارى ومسلم مصري عادي .. أنا ووالدي من المذهب البروتستانتي النصراني والقسيس الآخر كاثوليكي المذهب وزوجتي كانت من مذهب متعصب له جانب من الصهيونية . وللمعلومية والدي قرأ الإنجيل منذ صغره وصار داعياً وقسيساً معترفا به في الكنيسة، والقسيس الكاثوليكي له خبرة ١٢ عاماً في دعوته في القارتين الأمريكيتين، وزوجتي كانت تتبع مذهب الإنجيليين الذي له ميول صهيونية، وأنا نفسي درست الإنجيل والمذاهب النصرانية واخترت بعضاً منها أثناء حياتي وانتهيت من حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية النصرانية.

وهكذا انتقل للعيش معنا، وكان لدي الكثير من المنصرين في ولاية تكساس، وكنت أعرف أحدهم، كان مريضاً في المستشفى، وبعد أن تعافى دعوته للمكوث في منزلنا أيضاً، وأثناء الرحلة إلى البيت تحدثت مع هذا القسيس عن بعض المفاهيم والمعتقدات في الإسلام، وأدهشني عندما أخبرني أن القساوسة الكاثوليك يدرسون الإسلام، وينالون درجة الدكتوراه أحياناً ف هذا الموضوع.

بعد الاستقرار في المنزل بدأنا جميعاً نتجمع حول المائدة بعد العشاء كل ليلة لمناقشة الديانة، وكان بيد كل منا نسخة إنجيل تختلف عن الأخرى، وكان لدى زوجتي إنجيل «نسخة جيمي سواجارت للرجل المتدين الحديث»-والمضحك أن جيمي سوجارت هذا عندما ناظره الشيخ المسلم أحمد ديدات أمام الناس قال: إنا لست عالماً بالإنجيل! فكيف يكتب رجل إنجيلاً كاملاً بنفسه وهو ليس عالماً بالإنجيل ويدعي أنه من عند الله؟! وكان لدى القسيس بالطبع الكتاب المقدس الكاثوليكي كما كان عنده ٧  كتب أخرى من الإنجيل البروتستانتي. وقد كان مع والدي في تلك الفترة نسخة الملك جيمس وكانت معي النسخة القياسية المنقحة (RSV) التي تقول: إن في نسخة الملك جيمس الكثير من الأغلاط والطوام الكبيرة! حيث أن النصارى لما رأوا كثرة الأخطاء في نسخة الملك جيمس اضطروا إلى كتابته من جديد وتصحيح ما رأوه من أغلاط كبيرة،  لذا قضينا معظم الوقت في تحديد النسخة الأكثر صحة من هذه الأناجيل المختلفة، وركزنا جهودنا لاقناع محمد ليصبح نصرانياً. وكنا نحن النصارى في البيت يحمل كل منا نسخة مختلفة من الإنجيل ونتناقش عن الاختلافات في العقيدة النصرانية وفي الأناجيل المختلفة على مائدة مستديرة، والمسلم يجلس معنا ويتعجب من اختلاف أناجيلنا. من جانب آخر كان القسيس الكاثوليكي لديه ردة فعل من كنيسته واعتراضات وتناقضات مع عقيدته ومذهبه الكاثوليكي، فمع أنه كان يدعو لهذا الدين والمذهب مدة ١٢ سنة لكنه لم يكن يعتقد جازماً أنه على عقيدة صحيحة وكان يخالف كنيسته في أمور العقيدة المهمة. ووالدي كان يعتقد أن هذا الإنجيل كتبه الناس وليس وحياً من عند الله، ولكنهم كتبوه وظنوه وحياً.
وزوجتي تعتقد أن في إنجيلها أخطاء كثيرة، لكنها كانت ترى أن الأصل فيه أنه من عند الرب!

أما أنا فكانت هناك أمور في الإنجيل لم أصدقها لأني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه، فمن تلك الأمور أني كنت أسأل نفسي وغيري: كيف يكون الرب واحداً وثلاثة في نفس الوقت! وقد سألت القسس المشهورين عالمياً عن ذلك وأجابوني بأجوبة سخيفة جداً لا يمكن للعاقل أن يصدقها، وقلت لهم: كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية وأعلّم الناس أن الرب شخص واحد وثلاثة أشخاص في نفس الوقت، وأنا غير مقتنع بذلك فكيف أقنع غيري به.

بعضهم قال لي: لا تبيّن هذا الأمر ولا توضحه، قل للناس: هذا أمر غامض ويجب الإيمان به، وبعضهم قال لي: يمكنك أن توضحه بأنه مثل التفاحة تحتوي على قشرة من الخارج ولب من الداخل وكذلك النوى في داخلها، فقلت لهم: لا يمكن أن يضرب هذا مثلاً للرب، التفاحة فيها أكثر من حبة نوى فستتعدد الآلهة بذلك ويمكن أن يكون فيها دود فتتعدد الآلهة، وقد تكون نتنة وأنا لا أريد رباً نتناً.

وبعضهم قال: مثل البيضة فيها قشر وصفار وبياض، فقلت: لا يصح أن يكون هذا مثلاً للرب فالبيضة قد يكون فها أكثر من صفار فتتعدد الآلهة، وقد تكون نتنة، وأنا لا أريد أن أعبد رباً نتناً.

وبعضهم قال: مثل رجل وامرأة وابن لهما، فقلت له: قد تحمل المرأة وتتعدد الآلهة، وقد يحصل طلاق فتتفرق الآلهة وقد يموت أحدها، وأنا لا أريد رباً هكذا.

وأنا منذ أن كنت نصرانياً وقسيساً وداعية للنصرانية لم أستطع أن اقتنع بمسألة التثليث ولم أجد من يمكنه إقناع الإنسان العاقل بها.

قرآناً واحداً، وعدة أناجيل:

أتذكر أنني سألت محمداً فيما بعد: كم نسخة من القرآن ظهرت طوال السنوات 1400سنة الماضية؟ فأخبرني أنه ليس هناك الا مصحف واحد، وأنه لم يتغير أبداً، وأكد لي أن القرآن قد حفظ في صدور مئات الآلاف من الناس، ولو بحثت على مدى قرون لوجدت أن الملايين قد حفظوه تماماً وعلموه لمن بعدهم.

هذا لم يبد ممكناً بالنسبة لي .. كيف يمكن أن يحفظ هذا الكتاب المقدس ويسهل على الجميع قراءته ومعرفة معانيه؟! كان بيننا حوار متجرد واتفقنا على أن ما نقتنع به سندين به ونعتنقه فيما بعد. هكذا بدأنا الحوار معه، ولعل ما أثار إعجابي أثناء الحوار أن محمداً لم يتعرض للتجريح أو التهجم على معتقداتنا أو انجيلنا وأشخاصنا وظل الجميع مرتاحين لحديثه.وعلى العموم .. لما كنا نجلس في بيتنا نحن النصارى الأربعة المتدينين مع المسلم المصري (محمد) ونناقش مسائل الاعتقاد حرصنا أن ندعو هذا المسلم إلى النصرانية بعدة طرق .. فكان جوابه محدداً بقوله : أنا مستعد أن أتبع دينكم إذا كان عندكم في دينكم شيء أفضل من الذي عندي في ديني. قلنا: بالطبع يوجد عندنا. فقال المسلم: أنا مستعد إذا أثبتم لي ذلك بالبرهان والدليل. فقلت له : الدين عندنا لم يرتبط بالبرهان والاستدلال والعقلانية .. إنه عندنا شيء مسلّم وهو مجرد اعتقاد محض! فكيف نثبته لك بالبرهان والدليل؟! .. فقال المسلم: لكن الإسلام دين عقيدة وبرهان ودليل وعقل ووحي من السماء. فقلت له : إذا كان عندكم الاعتماد على جانب البرهان والاستدلال فإني أحب أن أستفيد منك وأن أتعلم منك هذا وأعرفه. ثم لما تطرقنا لمسألة التثليث .. وكل منا قرأ ما في نسخته ولم نجد شيئاً واضحاً .. سألنا الأخ (محمد): ما هو اعتقادكم في الرب في الإسلام. فقال : ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد )، تلاها بالعربية ثم ترجم لنا معانيها .. وكأن صوته حين تلاها بالعربية دخل في قلبي حينها .. وكأن صوته لا زال يرن صداه في أذني ولاأزال أتذكره .. أما معناها فلا يوجد أوضح ولا أفضل ولا أقوى ولا أوجز ولا أشمل منه إطلاقاً. فكان هذا الأمر مثل المفاجأة القوية لنا .. مع ما كنا نعيش فيه من ضلالات وتناقضات في هذا الشأن وغيره.

ولما أردت دعوته للنصرانية قال لي بكل هدوء ورجاحة عقل إذا أثبت لي بأن النصرانية أحق من الإسلام سأتبعك إلى دينك الذي تدعو إليه، فقلت له متفقين، ثم بدأ محمد: أين الأدلة التي تثبت أفضلية دينكم وأحقيته، قلت: نحن لا نؤمن بالأدلة، ولكن بالإحساس والمشاعر، ونلتمس ديننا وما تحدثت عنه الاناجيل، قال محمد ليس كافياً أن يكون الإيمان بالإحساس والمشاعر والاعتماد على علمنا، ولكن الإسلام فيه الدلائل والأحاسيس والمعجزات، التي تثبت ان الدين عند الله الإسلام. فطلب جوزيف هذه الدلائل من محمد والتي تثبت أحقية الدين الإسلامي، فقال محمد ان أول هذه الأدلة هو كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم الذي لم يطرأ عليه تغيير أو تحريف منذ نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من ١٤٠٠ سنة، وهذا القرآن يحفظه كثير من الناس، إذ ما يقرب من ١٢ مليون مسلم يحفظون هذا الكتاب، ولا يوجد أي كتاب في العالم على وجه الأرض يحفظه الناس كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم من أوله لآخره. ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (سورة الحجر الآية ٩)، وهذا الدليل كافيا، لإثبات أن الدين عند الله الإسلام.

معجزات القرآن:

من ذلك الحين بدأتُ البحث عن الأدلة الكافية، التي تثبت أن الإسلام هو الدين الصحيح، وذلك لمدة ثلاثة شهور بحثاً مستمراً. بعد هذه الفترة وجدت في الكتاب المقدس أن العقيدة الصحيحة التي ينتمي إليها سيدنا عيسى عليه السلام هي التوحيد وأنني لم اجد فيه أن الاله ثلاثة كما يدعون، ووجدت أن عيسى عبدالله ورسوله وليس إلها، مثله كمثل الأنبياء جميعا جاء يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وأن الأديان السماوية لم تختلف حول ذات الله سبحانه وتعالى، وكلها تدعوا الى العقيدة الثابتة بأنه لا اله الا الله، بما فيها الدين المسيحي قبل أن يفترى عليه بهتانا، ولقد علمت ان الإسلام جاء ليختم الرسالات السماوية ويكملها ويخرج الناس من حياة الشرك الى التوحيد والإيمان بالله تعالى، وإن دخولي في الإسلام سوف يكون إكمالا لإيماني بأن الدين المسيحي كان يدعو إلى الإيمان بالله وحده، وأن عيسى هو عبدالله ورسوله، ومن لا يؤمن بذلك فهو ليس من المسلمين.

ثم وجدت ان الله سبحانه وتعالى تحدى الكفار بالقرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو يأتون بثلاث آيات مثل سورة الكوثر فعجزوا عن ذلك، (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) (سورة البقرة آية 23). أيضا من المعجزات التي رأيتها والتي تثبت ان الدين عند الله الإسلام التنبؤات المستقبلية التي تنبأ بها القرآن الكريم مثل: (الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3}) (أول سورة الروم)

وهذا ما تحقق بالفعل فيما بعد وأشياء أخرى ذكرت في القرآن الكريم مثل سورة الزلزلة تتحدث عن الزلزال، والتي قد تحدث في أي منطقة، وكذلك وصول الإنسان إلى الفضاء بالعلم، وهذا تفسير لمعنى الآية التي تقول: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (سورة الرحمن الآية 33)، وهذا السلطان هو العلم الذي خرق به الإنسان الفضاء فهذه رؤية صادقة للقرآن الكريم.

أيضا من المعجزات التي تركت أثراً في نفسي هي العلقة، التي ذكرها الله في القرآن الكريم، والذي وضحها العالم الكندي «كوسمر» وقال، ان العلقة هي التي تتعلق برحم الأم، وذلك بعدما تتحول الحيوانات المنوية في الرحم إلى لون دموي معلق. وهذا بالفعل ما ذكره القرآن الكريم من قبل أن يكتشفه علماء الأجنة في العصر الحديث، وهذا بيان للكفار والملحدين.

وبعد كل هذا البحث الذي استمر ثلاثة شهور، قضاها معنا محمد تحت سقف واحد، بسبب ذلك اكتسب ود الكثيرين، وعندما كنت أراه يسجد لله ويضع جبهته على الأرض، أعلم أن ذلك الأمر غير عادي.

محمد كالملائكة:

يوسف استس يتحدث عن صديقه ويقول: أن مثل هذا الرجل (محمد) ينقصه جناحان ويصبح كالملائكة يطير بهما، وبعد ما عرفت منه ما عرفت، وفي يوم من الأيام طلب صديقي القسيس من محمد هل من الإمكان أن نذهب معه إلى المسجد، لنعرف أكثر عن عبادة المسلمين وصلاتهم، فرأينا المصلين يأتون إلى المسجد يصلون ثم يغادرون .. قلت: غادروا؟ دون أي خطب أو غناء؟ قال: أجل.

مضت أيام وسأل القسيس محمداً، أن يرافقه إلى المسجد مرة ثانية، ولكنهم تأخروا هذه المرة حتى حل الظلام .. قلقنا بعض الشيء ماذا حدث لهم؟ أخيراً وصلوا، وعندما فتحت الباب .. عرفت محمدا على الفور .. قلت من هذا؟ شخص ما يلبس ثوباً أبيض وقلنسوة وينتظر دقيقة! كان هذا صاحبي القسيس! قلت له هل أصبحت مسلماً قال: نعم أصبحت من اليوم مسلماً! ذهلت .. كيف سبقني هذا إلى الإسلام .. ثم ذهبت إلى أعلى للتفكير في الأمور قليلاً، وبدأت أتحدث مع زوجتي عن الموضوع، فقالت لي: أظن أني لن أستمر بعلاقتي معك طويلاً. فقلت لها: لماذا؟ هل تظنين أني سأسلم؟ قالت : لا . بل لأني أنا التي سوف تسلم!
فقلت لها: وأنا أيضاً في الحقيقة أريد أن أسلم.

بعد ذلك خرجت أنا من باب البيت وخررت على الأرض ساجداً وقلت: يا رب .. اهدني.

ذهبت إلى أسفل، وأيقظت محمداً، وطلبت منه أن يأتي لمناقشة الأمر معي... مشينا وتكلمنا طوال تلك الليلة، وحان وقت صلاة الفجر.. عندها أيقنت أن الحقيقة قد جاءت أخيراً، وأصبحت الفرصة مهيئة أمامي .. أذن الفجر، ثم استلقيت على لوح خشبي ووضعت رأسي على الأرض، وسألت إلهي إن كان هناك أن يرشدني .. وبعد فترة رفعت رأسي إلى أعلى فلم ألحظ شيئاً ولم أر طيوراً أو ملائكة تنزل من السماء، ولم أسمع أصواتاً أو موسيقى، ولم أر أضواء.

أدركت أن الأمر الآن أصبح مواتياً والتوقيت مناسباً، لكي أتوقف عن خداع نفسي، وأنه ينبغي أن أصبح مستقيماً مسلماً. عرفت الآن ما يجب علي فعله.

وفي الحادية عشرة صباحاً وقفت بين شاهدين: القسيس السابق والذي كان يعرف سابقاً بالآب «بيتر جاكوب» ومحمد عبدالرحمن، وأعلنت شهادتي، وبعد لحظات قليلة أعلنت زوجتي إسلامها بعد ما سمعت بإسلامي.

كان أبي أكثر تحفظاً على الموضوع، وانتظر شهوراً قبل أن ينطق بالشهادتين.

أرى أن إسلامنا جميعاً كان بفضل الله ثم بالقدوة الحسنة في ذلك المسلم الذي كان حسن الدعوة وكان قبل ذلك حسن التعامل، وكما يقال عندنا: لا تقل لي، ولكن أرني.

أسلمنا دفعة واحدة!!

لقد دخلنا ثلاثة زعماء دينيين من ثلاث طوائف مختلفة، دخلنا الإسلام دفعة واحدة، وسلكنا طريقاً معاكساً جداً لما كنا نعتقد. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل في السنة نفسها دخل طالب معهد لاهوتي معمد من «تينسي» يدعى «جو» دخل في الإسلام بعد أن قرأ القرآن. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رأيت كثيراً من الأساقفة والقساوسة، وأرباب الديانات الأخرى يدخلون الإسلام ويتركون معتقداتهم السابقة.

أليس هذا أكبر دليل على صحة الإسلام، وكونه الدين الحق؟ بعد أن كان مجرد التفكير في دخولنا الإسلام، ليس أمراً مستبعداً فحسب، بل أمر لا يحتمل التصور بأي حال من الأحوال.

كل هذه الدلائل السابقة أن الدين عند اللّه الإسلام، جعلتني أرجع إلى الطريق المستقيم، الذي فطرنا اللّه عليه منذ ولادتنا من بطون أمهاتنا، لأن الإنسان يولد على الفطرة «التوحيد» وأهله يهودانه أو ينصرانه، ولم يكن اسلامي فردياً، ولكنه يعد اسلام جماعي لي أنا وكل الأسرة من خلال مدة بسيطة قضاها مسلم مصري مع أسرتنا، وفي بيتنا اكتشفنا من وجوده وطريقة حياته ومعيشته ونظامه ومن خلال مناقشتنا له أموراً جديدة علينا لم نكن نعلمها عن المسلمين وليست عندنا كنصارى.

أسلم والدي بعدما كان متمسكاً بالكنيسة، وكان يدعو الناس إليها. أسلمت زوجتي وأولادي، والحمد للّه الذي جعلنا مسلمين. 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أمة محمد خير الأنام.

تعلق قلبي بحب الإسلام وحب الوحدانية والإيمان باللّه تعالى، وأصبحت أغار على الدين الإسلامي أشد من غيرتي من ذي قبل على النصرانية، وبدأت رحلة الدعوة إلى الإسلام وتقديم الصورة النقية، التي عرفتها عن الدين الإسلامي، الذي هو دين السماحة والخلق، ودين العطف والرحمة.

 

 

 

 

تم بحمد الله وتوفيقه.،

 

قال الله تعالى: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) }

 

قال الله تعالى عن مريم والمسيح عليهما السلام: { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (38) }

 

 

 

 

[1] سورة الملك الآية ٢.

[2]  

[3] سورة الحجرات الآية ١٣

[4] سورة آل عمران الآية ٦٤

[5] سورة البقرة الآية ٣٤

[6]  سورة ص الآية ٧٥-٧٦

[7] سورة البقرة الآية ١٧٠

[8] الإنجيل وفق رواية متى الإصحاح ١١ العدد ١٥

[9] سورة الأعراف الآية ١٧٩

[10] سورة غافر الآية ٢٩

[11] سورة الفرقان الآية ٤٣

[12] Sophistry.

[13] Πρωταγόρας - Protagoras.

[14] the clever use of arguments that seem true but are really false, in order to deceive people.

[15] Protagoras' paradox, The Paradox of the Court, counterdilemma of Euathlus.

[16] Εύαθλος.

[17] صحيح مسلم

[18] سورة السجدة من الآية ٧ إلى الآية ٩

[19] سورة مريم من الآية ٦٥ إلى الآية ٦٧

[20] سورة نوح الآية ٢٣

[21] النُّصُبُ هو ما كان مِنَ الحجرِ أو غيرِه وليس له صورةٌ، أما الصَّنمُ فهو ما كان له صورةٌ.

[22] أي: زال وارتفعَ، فلم يَعُدِ النَّاسُ يَعرفونَ ما أَصلُ هذه الأوثانِ.

[23] صحيح البخاري

[24] السلسلة الصحيحة

[25] سورة الطور الآيات ٣٥-٣٧

[26] سورة المؤمنون الآية ٩١

[27] سورة البقرة الآية ٢٥٨

[28] Χριστιανοί, English “Christians”.

[29] Pompey the Great.

[30] Πομπηιανοί, English “Pompeians”.

[31] Nero Claudius Caesar Augustus Germanicus.

[32] Αυγουστινιανοί, English “Augustinians”.

[33] Χριστιανοί, English “Christians”.

[34] מָשִׁיחַ

[35] Мεσσίας.

[36] Χρίω.

[37] Christ - Christians.

[38] Jesusians.

[39] Jesus.

[40] اسم المسيح عليه السلام في القرآن هو عيسى وليس يسوع.

[41] The Bible: A Biography, by Karen Armstrong. تاريخ الكتاب المقدس، كارين أرمسترونج صفحة ٤٥.

[42] صموئيل ١ الإصحاح ٨ العدد ٥.

[43] صموئيل ١ الإصحاح ١٠ العدد ١٧.

[44] صموئيل ٢ الإصحاح ٥ العدد ١.

[45] الملوك ١ الإصحاح ١ العدد ٣٢.

[46] الملوك ١ الإصحاح ١١ العدد ٤٢.

[47] الملوك ٢ الإصحاح ١٧ العدد ٦.

[48] الملوك ٢ الإصحاح ١٧ العدد ٢٤.

[49] الملوك ٢ الإصحاح ١٧ العدد ٢٥.

[50] سورة يونس الآية ٧٢

[51] سورة آل عمران الآية ٦٧

[52] سورة البقرة الآية ١٣٢-١٣٣

[53] سورة يوسف الآية ١٠١

[54] سورة يونس الآية ٨٤

[55] سورة آل عمران الآية ١٩

[56] سورة آل عمران الآية ٨٥

[57] Irenaeus (يُكتب أيضًا بالعربية: إيرينيوس، إيريناوس، إرينيؤس).

[58] Carpocrates.

[59] Saturninus.

[60] Basilides.

[61] Saint Polycarp Bishop of Smyrna, 70-166.

[62] Synoptic Gospels.

[63] Synoptic problem.

[64] Philo of Alexandria, 20 BC - 45 After Jesus birth.

[65] “On the Embassy to Gaius”, by Philo of Alexandria, Taylor Anderson.

[66] Neoplatonism.

[67] Gnosticism.

[68] “Judaism: History, Belief, and Practice”, by Matt Stefon, Hellenistic Judaism page 39.

[69] St. Justin Martyr, (Latin: Iustinus Martyr), 100-165.

[70] Papias.

[71] Eusebius of Caesarea, 260-339.

[72] Saint Pantaenus the Philosopher.

[73] Origen of Alexandria (c. 184 – c. 253).

[74] Tertullian, 155-240.

[75] Platonism.

[76] Epicureanism.

[77] Dialectic.

[78] Montanism.

[79] Montanus.

[80] John Shelby Spong.

[82] Melito of Sardis (died c. 180).

[83] Hippolytus of Rome (c. 170 – c. 235).

[84] Ambrose (c. 340 – c. 397).

[86] Arianism.

[87] سورة يس الآية ٨٢

[88] سورة البقرة الآية ١١٧

[89] سورة آل عمران الآية ٥٩

[90] سورة آل عمران الآية ٤٥

[91] سورة آل عمران الآية ٤٧

[92] سورة مريم الآية ٣٥

[93] Heraclitus (c. 535 – c. 475 BC)

[94] The sophists.

[95] Stoic philosophers. أطلق عليهم لقب الرواقيون لأنهم عقدوا اجتماعاتهم في الأروقة في مدينة أثينا. 

[96] Hellenistic Judaism.

[97] Jehovah - Yəhōwā - יְהֹוָה‎

[98] سورة آل عمران الآية ٥٩

[99] سورة المائدة الآية ١١٠

[101] Diatessaron

[102] Peshitta

[103] سورة المائدة الآية ١١٦

[104] سورة المائدة الآية ٧٥

[105] سورة النساء الآية ١٧٢

[106] سورة مريم الآية ٩٣

[107] Δοκητισμός – Docetism.

[108] δοκεῖν (dokeĩn)

[109] Separation.

[110] Modalism.

[111] هذا ما يعرف بمذهب "التبعية".

[112] Paulians.

[113] Macedonius I of Constantinople.

[114] Subordinationism.

[115] Apollinaris of Laodicea

[116] Pope Eusebius

[117] Sabellius

[118] سورة آل عمران الآية ٧٨

[119] سورة البقرة الآية ١٦٨-١٦٩

[120] Eutyches 380-456.

[121] Paulicians - Paulicianism.

[122] Paul of Samosata 200-275.

[123] Nestorianism.

[124] Nestorius 386-450.

[125] Cyril of Alexandria 376-444.

[126] سورة البقرة الآية ٣٥-٣٨

[127] Church History (Book III), Chapter 5. The Last Siege of the Jews after Christ. “Go and make disciples of all the nations in my name.”.

[128] Francisco Jiménez de Cisneros.

[129] Complutensian Polyglot Bible.

[130] Desiderius Erasmus.

[131] سورة البقرة الآية ٨٧

[132] سورة مريم الآية ١٦-٢١

[133] سورة الشعراء الآية ١٩٢-١٩٤

[134] سورة النحل الآية ١٠٢

[135] سورة المائدة الآية ١١٠

[136] صحيح الجامع

[137] سورة الأنبياء الآية ٩١

[138] سورة الإسراء الآية ٤٢

[139] سورة المؤمنون الآية ٩١

[140] كتاب الروح صفحة ١٤٤

[141] سورة الجاثية الآية ١٣

[142] سورة المائدة الآية ١١٦

[143] كانوا يلقون بأبنائهم أحياءً في النار كقربان للصنم مولك.

[144] في السنة الثامنة عشر من حكم الملك يوشيا والذي توفي عام ٦٠٨ ق.م.، أي توفي قبل السبي البابلي ب ٢٢ عاماً.

[145] Elleh Haddeborim.

[146] Seper Tokahoth

[147] Martin Noth (born 1902, Dresden, Germany - died 1968, H̱orvot Shivta, Israel).

[148] هو كتاب سير القديسيين والشهداء.

[150] سورة البقرة الاية ٨٧

[151] سورة البقرة الآية ٨٧

[152] سورة البقرة الاية ٩١-٩٢

[153] سورة البقرة الاية ٧٥

[154] سورة البقرة الآية ٧٩

[155] سورة النساء الآية ٤٦

[156] سورة الذاريات الآيات ٢٤-٣٧

[157] سورة ق الآية ٣٨

[158] التقليد الكنسي: هو ما وصل إلى الكنيسة الحالية من كتابات الآباء الأولين.

[159] Gnosticism

[160] Montanism.

[161] Eusebius of Caesarea, 260-339.

[162]  تاريخ الكنيسة، الفصل الثامن، أقوال إريناؤس عن الأسفار الإلهية، يوسابيوس القيصري.

[163] The Shepherd of Hermas.

[164] Saint Polycarp Bishop of Smyrna, 70-166.

[165] Papias.

[166] The Church History of Eusebius, chapter xxxix, the writings of Papias. Aeterna Press.

[167] Millennialism, The Millennial Kingdom.

[168] St. Justin Martyr, (Latin: Iustinus Martyr), 100-165.

[169] Methodius of Olympus.

[171] Origen of Alexandria (c. 184 – c. 253).

[172] Saint Dionysius of Alexandria.

[173] Basil of Caesarea (c. 330 - c. 379).

[174] Gregory of Nyssa, (c. 335 – c. 395).

[175] St. Augustine of Hippo (c. 354 – c. 430.

[176] سورة المائدة الآية ٤٦

[177] سورة الفتح الآية ٢٩

[178] St. Justin Martyr, (Latin: Iustinus Martyr), 100-165.

[179] الترجمة اليسوعية للكتاب المقدس، مدخل إلى العهد الجديد، صفحة ٧، دار المشرق بيروت – لبنان.

http://www.coptology.com/Bible/downloads/Jesuit_Arabic_Bible.pdf

[180] سورة النساء الآية ٨٢

[181] ومعناه وجه الله.

[182] سورة الإخلاص.

[183] سورة الإسراء الآية ٤٤

[184] سنن أبي داود

[185] سورة ق الآية ٣٨

[186] سورة الأنعام الآية ٥٩

[187] سورة آل عمران الآية ٥

[188] سورة الأنبياء الآية ١١٠

[189] سورة التغابن الآية ٤

[190] سورة النمل الآية ٧٤-٧٦

[191] سورة الأنبياء الآية ٢٣

[192] سورة آل عمران الآية ١٦٠

[193] سورة فاطر الآية ٤٤

[194] سورة الذاريات الآية ٢٤-٣٧

[195] سورة الزمر الآية ٦٧

[196] سورة يس الآية ٨٢

[197] سورة المائدة الآية ٩٩

[198] سورة الطلاق الآية ١٢

[199] سورة البقرة الآية ١٦٥-١٦٦

[200] سورة المائدة الآية ٩٨

[201] صحيح البخاري

[202] صحيح ابن حبان

[203] سورة البقرة الآية ١٦٤

[204] سورة النور الآية ٤١

[205] سورة الإسراء الآية ٤٢

[206] سورة المؤمنون الآية ٩١

[207] سورة الحج الآية ٧٣

[208] سورة آل عمران الآية ١٦٤

[209] سورة فاطر الآية ٢٤

[210] سورة مريم الآية ٤١

[211] سورة مريم الآية ٤٩-٥٠

[212] سورة مريم الآية ٥٤-٦٠

[213] سورة التوبة الآية ١١٩

[214] سورة المائدة الآية ١١٩

[215] صحيح مسلم

[216] سورة مريم الآية ٤١-٤٣

[217] سورة البقرة الآية ١٤٥

[218] سورة الأنبياء الآية ١٠٧

[219] سنن أبي داود

[220] صحيح الترغيب

[221] سورة القلم الآية ٤

[222] السلسلة الصحيحة

[223] صحيح مسلم

[224] صحيح البخاري

[225] سورة التوبة الآية ٦٠

[226] صحيح أبي داود

[227] سورة النساء الآية ٤٨

[228] مسند أحمد (صحيح)

[229] سورة الزمر الآية ٨

[230] سورة الكهف الآية ١١٠

[231] سورة الحج الآية ٦٢

[232] صحيح مسلم

[233] الترمذي

رسالة إلى قسيس

تحميل

عن الكتاب

المؤلف :

Ahmed Al-Amir

الناشر :

www.islamland.com

التصنيف :

مقارنة الأديان