За статията

Изтегляне

هل في المال حق سوى الزكاة؟

هل في المال حق سوى الزكاة؟



 
بعض الأغنياء الصالحين يظن أنه إذا أخرج زكاة أمواله فقد برئت ذمَّته من كل حقٍّ مالي، ولم يعُدْ مطالبًا بإخراج الصدقات، ولا التعاون على البر والتقوى، وهذا خطأ، ففي المال حق سوى الزكاة، وقد روى أبو عبيد في الناسخ (48) من طريق هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم قال: سمعت الشعبي وسئل: هل في المال حق سوى الزكاة؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177] إلى آخرها.
 
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 411)، بسند صحيح، عن إبراهيم النَّخَعي قال: كانوا يرون في أموالهم حقًّا سوى الزكاة.
 
وروى أيضًا، بإسناد صحيح، عن مجاهد: ﴿ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾ [المعارج: 24] قال: سوى الزكاة.
 
وروى أيضًا، بإسناد صحيح، عن قزعة قال: قلت لابن عمر: إن لي مالاً، فما تأمرني إلى من أدفع زكاته؟ قال: ادفعها إلى وليِّ القوم، يعني الأمراء، ولكن في مالك حقٌّ سوى ذلك يا قزعة.
 
وعن مزاحم بن زفر قال: كنت جالسًا عند عطاء، فأتاه أعرابي فسأله: إن لي إبلاً، فهل علَيَّ فيها حق بعد الصدقة؟ قال: نعم.
 
وروى أيضًا عن عبدالأعلى، عن هشام، عن الحسن قال: في المال حق سوى الزكاة.
 
ويدلُّ على أن في المال حقًّا سوى الزكاة ما ذكرناه في هذه الرسالة من آيات كثيرة فيها الحث على الصدقة، والأمر بها، والثناء على من يتصدق بأمواله سرًّا وجهرًا، وليلاً ونهارًا، وفي كثيرٍ من الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن في المال حقًّا سوى الزكاة، ومن ذلك الحديث الصحيح: ((ليس المؤمن بالذي يشبَعُ وجارُه جائع إلى جنبه))؛ رواه الطبراني عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (5382)، وفي الصحيحين عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: انتهيتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة، فلمَّا رآني قال: ((هم الأخسرون وربِّ الكعبة!))، قال: فجئت حتى جلست، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، مَن هم؟! قال: ((هم الأكثرون أموالًا، إلَّا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا - مِن بين يديه ومِن خلفه، وعن يمينه وعن شماله - وقليلٌ ما هم)).
 
الخاتمة:
يجب على أغنياء المسلمين أن يشكُروا ما هم فيه من نعمة المال؛ ففضل المال لا يُجهل، وفضل الغنيِّ الشاكر لا يُنكر، وفي الحديث: ((المؤمن القويُّ خيرٌ مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير))، وإن من أعظم قوة المؤمن: قوة المال؛ فبالمال يستطيع الغنيُّ الموفَّق أن يعمل مِن الخير ما لا يستطيعه الفقراء؛ ولذا حث الإسلامُ على جمع المال مِن حِلِّه، وأثنى الله في كتابه على مَن لهم تجاراتٌ وبيوعٌ لا تُلهيهم عن ذِكره، ولا تشغَلُهم عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
 
وكم في القرآن مِن آيات فيها الثناء على المنفقين أموالَهم، والمحسنين على غيرهم، ولا تجب الزكاة إلا على الأغنياء، وورَدت الأحاديثُ الصحيحة في الحث على الصدقة والجود والسخاء، وأعظم مَن يقوم بهذا أهلُ السَّعة والفضل من المسلمين؛ ولذا كان كثير من علماء السلف يحثُّون الناسَ على جمع المال والتجارة فيه، وكانوا يُوصُون صاحبَ المال أن يترك العجز والكسل، وأن يحرِص على ما ينمي ماله؛ لينفَع نفسه وغيره، وكان السلف الصالح يعُدُّون إصلاحَ المال وتنميتَه مِن المروءة.
 
والناظرُ في سيرةِ أغنياء السلف يجد أنهم كانوا يتوسَّعون في جمع المال بما يستطيعون مِن حِلِّه، مع زهدهم وورَعِهم، وكان قصدُهم بجمع المال أن يتقرَّبوا به إلى الله؛ بإخراج الزكاة، والتصدق من الأرباح، فكانوا ينفقون من أموالهم سرًّا وجهرًا، وليلاً ونهارًا.
 
وقد ذكَرْنا في هذه الرسالة مِن فوائد الزكاة والصدقات وأخبار المحسنين ما يحمِل الغنيَّ الموفَّق على المسارَعة في الخيرات، والمبادَرة بإنفاقِ الأموال في مرضاتِ الله، وهذا إحسانٌ منه لنفسِه قبل أن يكونَ إحسانًا لغيره، والمُوفَّق مَن وفَّقه الله.