عن المقال

المؤلف :

محمد بن علي بن جميل المطري

التاريخ :

Sat, Apr 11 2015

التصنيف :

عبادات ومعاملات

تحميل

إقامة البرهان على مشروعية الزيادة في عدد ركعات القيام

إقامة البرهان على مشروعية الزيادة في عدد ركعات القيام



الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سبيلهم أما بعد:
فإن صلاة قيام الليل مشروعة في شهر رمضان جماعة أو فرادى، في المسجد أو في البيت، والأفضل صلاتها في المسجد لينشط المسلم مع جماعة المسلمين، والدليل على مشروعيتها في المسجد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الجماعة فيها، بل وإقامته إياها في المسجد بعض الليالي، وبيانه لفضلها مع الإمام في المسجد:
فروى البيهقي في السنن الكبرى (4282) وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فرأى ناسًا في ناحية المسجد يصلون فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قال قائل: يا رسول الله هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأُبَي بن كعب يقرأ وهم معه يصلون بصلاته، فقال: "قد أحسنوا "، أو "قد أصابوا "، ولم يكره ذلك منهم.
 
وروى أحمد (18402) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1608) وصححه الألباني عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح قال: وكنا ندعو السحور الفلاح، وقال الحاكم بعد أن أخرجه (1/ 607): "فيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة، وقد كان علي بن أبي طالب يحث عمر رضي الله عنهما على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها".
 
وروى البخاري (924) ومسلم (761) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها».
 
وروى أصحاب السنن الأربعة وصححه الألباني في إرواء الغليل (447) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام بنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة في العشر الأواخر من رمضان حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيامُ ليلة"، قال أبو ذر: ثم صلى بنا ليلة سبع وعشرين ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا فوات السحور.
 
وفي هذا الحديث الصحيح دليل على مشروعية صلاة النساء التراويح في المسجد، لكن يخرجن من غير تبرج ولا تطيب، ولا فتنة للرجال.
 
وفي هذا الحديث أيضًا أن الأفضل صلاة الوتر مع الإمام، خلافا لمن يصلي التراويح مع الإمام ثم يفارق الإمام عند الوتر، سئل الإمام أحمد: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته "انظر كتاب صلاة التراويح للألباني ص 15.
 
وصلاة الليل ليس لها عدد محدود لا يزاد ولا ينقص، ففي صحيح البخاري (472) ومسلم (472) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مَثنى مَثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى».
 
ففي هذا الحديث أوضح دلالة على أن عدد قيام الليل ليس له حد محدود، فلو كانت الزيادة لا تجوز لنهى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل عن الزيادة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
 
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 214): "وليس في عدد الركعات من صلاة الليل حد محدود عند أحد من أهل العلم لا يُتعدى، وإنما الصلاة خير موضوع وفعل بر وقربة، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل".
 
وقال ابن عبدالبر أيضًا في شرحه للحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، قال ابن عبدالبر: "لا خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود، وأنها نافلة وفعل خير وعمل بر، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر"؛ انظر التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (21/ 70).
 
وهذا الحديث هو حجة بعض العلماء المتأخرين الذين فهموا منه تحديد عدد ركعات القيام بإحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشر ركعة، ولم يجوزوا الزيادة على هذا العدد، مع أن ابن عبدالبر نقل اتفاق العلماء على خلاف هذا الفهم!!
 
فنقول للمانعين من الزيادة: مهلا رحمكم الله أرأيتم لو أن مصليًا صلى بعد صلاة الظهر ركعتين ركعتين إلى أن حضرت صلاة العصر، هل فعله مشروع أو أنه بدعة؟!
 
قطعًا ستجيبون بأنه مشروع مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد بعد صلاة الظهر على ركعتين أو أربع ركعات، فهذه الزيادة مشروعة؛ لأنها من باب النفل المطلق، والزيادة في قيام الليل مشروعة أيضًا كالزيادة بعد راتبة الظهر سواء بسواء.
 
بل إن التطوع في الليل أفضل من التطوع في النهار، ففي صحيح مسلم (1163) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"، قال ابن قدامة في المغني (2/100): "النوافل المطلقة تشرع في الليل كله، وفي النهار فيما سوى أوقات النهي، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار".
 
والعجب أن بعضهم يحتج على المنع من الزيادة في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة بقوله: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو لم يزد على ذلك، فنقتصر على ما ثبت في السنة!!
 
فنقول لهذا القائل: وهل تظن أن الزيادة ليست من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟! بل هي من السنة القولية، فقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من صلاة النافلة، ففي صحيح مسلم (488) عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
 
وروى الطبراني في المعجم الأوسط (243) عن أبي هريرة مرفوعا قال: "الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3870)، والراجح أنه ضعيف كما حققه الأرنؤوط في تخريج مسند أحمد (36/ 620)، لكن معناه صحيح يشهد لما نقرره من أن الاستكثار من عدد الركعات في قيام الليل مشروع.
 
ومعلوم أن السنة قولية وفعلية، وما ثبت بالسنة القولية لا نعارضه بما ثبت في السنة الفعلية، فمثلاً من صام يومًا وأفطر يومًا، لا نعارض فعله بما ثبت من كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس، بل كلاهما سنة، فالذي قال: "صم يومًا وأفطر يومًا"؛ كما في الحديث المتفق عليه، هو الذي كان يصوم يوم الاثنين والخميس كما في سنن الترمذي (745)، ومسألة الزيادة في الصلاة النافلة كمسألة الزيادة في صيام التطوع، ولا يجوز لمن أخذ بالسنة الفعلية أن ينكر على من أخذ بالسنة القولية، وكلاهما على خير، لكن ليس من عمل القليل كمن عمل الكثير.
 
ورحم الله السلف ما أفقههم، وكل خير في اتباعهم، والآثار عنهم مستفيضة في مشروعية الزيادة في عدد ركعات القيام، وهذه بعض الآثار عنهم:
1- قال عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه (4716): عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أقتصر على وتر النبي صلى الله عليه وسلم فلا أزيد عليه أحب إليك؟ قال: "بل زيادة الخير أحب إلي"، وسنده صحيح.
 
2- قال ابن أبي شيبة (7687): حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيدالله، قال: "كان عبدالرحمن بن الأسود يصلي بنا في رمضان أربعين ركعة ويوتر بسبع"، وسنده صحيح، وعبدالرحمن بن الأسود من كبار التابعين.
 
3- قال ابن أبي شيبة (7689): حدثنا ابن مهدي عن داود بن قيس قال: "أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبدالعزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث"، وسنده صحيح.
 
4- قال ابن أبي شيبة (6738): حدثنا حفص عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "من أوتر أول الليل ثم قام، فليصل ركعتين ركعتين"، وسنده صحيح.
 
5- وقال محمد بن نصر المروزي في كتابه صلاة الوتر ص 310: "قال مالك: "من أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى، وهو أحب ما سمعت إلي، قال محمد بن نصر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا"، إنما هو ندب واختيار، وليس بإيجاب، والدليل على ذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر، وسئل أحمد فيمن أوتر أول الليل ثم قام يصلي: قال: يصلي ركعتين ركعتين، قيل: وليس عليه وتر؟ قال: لا"؛ انتهى مختصرًا.
 
فهذه الآثار تدل على أن السلف لم يكونوا يرون أن قيام الليل له عدد مخصوص من الركعات لا يجوز الزيادة عليها، بل يرون الأمر واسعًا، ومن ظن غير ذلك فقد أخطأ.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (23/113): "لا يتوقت في قيام رمضان عدد فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عددًا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران، فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات".
 
وقال الشيخ ابن باز كما في مجموع فتاواه (15/ 29): "الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله، وليس فيها حد محدود لا يجوز غيره، وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده، حتى يفعل كل مسلم ما يستطيع من ذلك، وهذا يعم رمضان وغيره".
 
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (7/ 221): "له أن يصلي من النوافل ما شاء، وليس لذلك حدٌّ معين فيما نعلم من الشرع إلا ما حدَّده الشرعُ؛ كسنة الظهر والمغرب، والعشاء والفجر، والراتبة بعد الجمعة".
 
وختامًا نقول: من أراد الأكمل في قيام الليل، فليصل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة، ويطيلها كما كان ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مشروع إن كان المصلي سيصلي وحده، أو كان خلفه جماعة راضون بإطالته، وإلا فليخفف في القراءة وليُكثر من عدد الركعات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (22/272): "نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددًا معينًا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبَي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها - كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره - هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين؛ فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة؛ كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه، فقد أخطأ".
 
انتهى البحث، والحمد لله رب العالمين.
 
تقريظ علامة اليمن القاضي محمد بن إسماعيل العمراني:
بسم الله، لله دَرُّك ورضي الله عنك، وزادك علمًا ونشاطًا؛ محمد العمراني.