عن المقال

المؤلف :

Saeed Bin Ali Bin Wahf Al-Qahtani

التاريخ :

Thu, Jul 02 2015

التصنيف :

سير وأعلام

تحميل

حال السلف في رمضان

حال السلف في رمضان
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن حال السلف الصالح في رمضان كان عظيماً، وذلك لفقههم قول اللَّه تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾( )؛ ولفقههم قول النبي : «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، ومَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّة، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»، وفي لفظ للبخاري: «وفُتحَتْ أبْوابُ السَّمَاء»، وفي لفظ لمسلم: «وَفُتِحَتْ أبْوَابُ الرَّحْمَةِ»، وفي لفظ للبخاري ومسلم: «وسُلْسِلَتُ الشَّيَاطِينُ»( )؛ ولحديث أنس  قال: دخل رمضان، فقال رسول اللَّه : «إنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا، فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، َولاَ يُحْرَمُ خَيْرُهَا إلاَّ مَحْرُومٌ»( )؛ ولقول النبي  في حديث أبي هريرة : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»( )؛ ولحديث أبي هريرة  أيضاً: قال: قال رسول اللَّه : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»( )، وهذه الأدلة وغيرها هي التي جعلت السلف الصالح يجتهدون اجتهاداً عظيماً في الأعمال الصالحة في شهر رمضان، فبلغوا أكمل الأحوال في عبادتهم للَّه  في هذا الشهر المبارك العظيم، الذي عظَّم اللَّه شأنه، وعظَّم شأنه رسول اللَّه ؛ ولهذا قال الإمام ابن رجب : : «قال بعض السلف: كانوا يدعون اللَّه ستة أشهر في أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون اللَّه ستة أشهر أن يتقَبَّلَه منهم»( )، وكان بعض السلف يقول: «اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلاً»( )، ومما يدل على اجتهاد نبيّنا ، واجتهاد السلف الصالح في هذا الشهر العظيم الأدلة في الأحوال الآتية:
1- مضاعفة الجود والكرم في شهر رمضان المبارك، فقد كان رسول اللَّه  أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان في هذا الشهر المبارك أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل( ).
2- مدارسة القرآن في رمضان، كان جبريل يلقى النبي  في كل سنة في رمضان وذلك في كل ليلة فيدارسه القرآن، فيعرض رسول اللَّه  على جبريل القرآن؛ لحديث ابن عباس ب، قال: ((كان رسول اللَّه  أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول اللَّه  أجود بالخير من الريح المرسلة»، وفي لفظ: ((فإذا لقيه جبريل كان رسول اللَّه  أجود بالخير من الريح المرسلة»)( ).
وعن عائشة ل،عن فاطمة ل، قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي : «أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة، وإنه عارضني العام مرتين، و لا أراه إلا حضر أجلي»( ) .
3- الاجتهاد في العبادة في شهر رمضان؛ كان النبي  يجتهد في رمضان، وفي العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره؛ لحديث عائشة ل، قالت: «كان رسول الله  يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» ( ).
وعنها ل قالت: «كان رسول الله  إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشد المئزر»( ). ومعنى شدَّ المئزر: أي: شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء.
وعن عائشة لقالت: «كان النبي  يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر – يعني الأخير – شمّر وشدّ المئزر»( ).
وعن عائشة ل قالت: «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ  قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ»( ).
4- الاجتهاد في تحري ليلة القدر، فعن عائشة ل أن رسول الله  قال: «تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، وفي لفظ: ((تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان))( )، وقد تكون ليلة القدر في الأشفاع؛ لحديث ابن عباس ب: ((التمسوها في أربع وعشرين ))( )، وفي لفظ له عن النبي : ((هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين))، يعني ليلة القدر. وفي لفظ: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى ))( ).
و قد كان الصحابة  يجتهدون في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ ولهذا قالت عائشة ل: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعفُ عني))( ) .
5- الاجتهاد في قيام رمضان وصلاة التراويح؛ وسميت بذلك لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات))( ).
والتراويح: هي قيام رمضان أول الليل، ويقال: الترويحة في شهر رمضان؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، بناءً على حديث عائشة لأنها سُئلت: كيف كانت صلاة رسول الله  في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله  يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنّ، ثم يصلِّي ثلاثاً...))( ). ودل قولها ل: ((يصلَّي أربعاً ... ثم يصلِّي أربعاً... )) على أن هناك فصلاً بين الأربع الأولى والأربع الثانية، والثلاث الأخيرة، ويسلم في الأربع من كل ركعتين( )؛ لحديث عائشة ل قالت: ((كان رسول الله  يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)). وفي لفظ: ((يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة))( ). وهذا يُفسِّر الحديث الأول ، وأنه  يسلم من كل ركعتين، وقد قال : ((صلاة الليل مثنى مثنى))( ).
قال الإمام النووي : في شأن صلاة التراويح: ((اتفق العلماء على استحبابها))( ) ، ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة أول من سنها بقوله وفعله رسول الله ( ) .
والأفضل ملازمة الإمام حتى ينصرف؛ لحديث أبي ذر  قال: صمنا مع رسول الله  في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة))، وفي لفظ: ((كُتِبَ له قيام ليلة))،فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونساءه، والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال، قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر))( )؛ ولحديث عائشة ل أن رسول الله  خرج ليلة من جوف الليل فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج إليهم رسول الله  في الليلة الثانية فصلُّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله ، فطفق( ) رجال منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسول الله  حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس،ثم تشهَّد،فقال:((أما بعد،فإنه لم يخف عليَّ شأنكم، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها))، وذلك في رمضان))( ).
قال الإمام ابن رجب :: «وكان عمر  قد أمر أبي بن كعب وتميماً الداري ب أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارىء يقرأ بالمائتين في ركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، ... ثم كان في زمن التابعين يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات، فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف»( ).
وقال الإمام ابن رجب : أيضاً: «قال أحمد لبعض أصحابه، وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفى، اقرأ خمساً، ستاً، سبعاً، قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين، وقد رُوي عن الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس كان يقرأ خمس آيات، ست آيات، وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يُراعَى في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وقاله أيضاً غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، وقد روي عن أبي ذر أن النبي  قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفَّلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته» خرجه أهل السنن، وحسنه الترمذي»( ).
وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب  ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: ((إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل))، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعبٍ، ثم خرج معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: ((نعم البدعةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله))( ).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز : يقول عن قول عمر : ((نعم البدعة هذه )): ((البدعة هنا يعني من حيث اللغة، والمعنى أنهم أحدثوها على غير مثال سابق بالمداومة عليها في رمضان كله، وهذا وجهُ قول عمر  وإلا فهي سنة فعلها  ليالي))( ).
وعن النعمان بن بشير  قال: ((قمنا مع رسول الله  ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح. وكانوا يُسَمُّونه السحور))( ). وفي حديث أبي ذر : ((أن النبي  لما كانت ليلة سبع وعشرين جمع أهله ونساءه والناس فقام بهم))( ).
وعدد صلاة التراويح: ليس له حدٌّ محدود لا يجوز غيره، وإنما قال النبي : ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتِرُ له ما قد صلّى))( ). فلو صلى عشرين ركعة وأوتر بثلاث، أو صلى ستاً وثلاثين وأوتر بثلاث، أو صلى إحدى وأربعين فلا حرج( )، ولكن الأفضل ما فعله رسول الله  وهو ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لحديث ابن عباس ل قال: ((كان رسول الله  يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة))( )؛ ولحديث عائشة ل قالت: ((ما كان رسول الله  يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة))( )، فهذا هو الأفضل والأكمل في الثواب( )، ولو صلى بأكثر من ذلك فلا حرج لقوله : ((صلاة الليل مثنى منثى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى))( ). والأمر واسع في ذلك ، لكن الأفضل إحدى عشرة ركعة، والله الموفق سبحانه( ).
6- الاجتهاد في الإكثار من قراءة القرآن في صلاة التراويح والقيام، قال الإمام ابن رجب :: «وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم: قتادة، وبعضهم في كل عشرة، منهم: أبو رجاء العطاردي، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث وكان قتادة يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام»( ).
وجاء عن الإمام البخاري : أنه كان يختم في رمضان أكثر من أربعين ختمة، قال الإمام الذهبي :: «قال مسبِّح بن سعيد: «كان محمد بن إسماعيل [البخاري] يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة»( ) .
وقال الحافظ بان حجر :: «وقال مقسم بن سعد: «كان محمد بن إسماعيل البخاري : إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلي بهم، ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليالٍ، وكان يختم في النهار في كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإِفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختمة دعوة مستجابة»( ) .
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: «.. كان أبو عبد اللّه يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، ويوتر منها بواحدة»( )، وكان : يصلي ذات يوم، أو ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قال: انظروا أي شيء آذاني في صلاتي، فنظروا فإذا الزنبور قد ورّمه في سبعة عشر موضعاً، ولم يقطع صلاته»( )، وقد قيل: إن هذه الصلاة كانت التطوع بعد صلاة الظهر، وقيل له بعد أن فرغ من صلاته: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما لسعك؟ قال: «كنت في سورةٍ فأحببت أن أتمها»( ) .
ومن شعره رحمه الله تعالى:
فعسى أن يكون موتك بغتة
        اغتنم في الفراغ فضل ركوع

ذهبت نفسه الصحيحة فلتة( )
    
    كم صحيح رأيت من غير سقم

وقال الإمام ابن رجب :: «قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم [ويقبل] على تلاوة القرآن من المصحف قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن وكانت عائشة ل تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه»( ).
وقال الإمام النووي : في تلاوة القرآن: «ينبغي أن يحافظ على تلاوته، ويكثر منها، وكان السلف  لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف  أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثرين في كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثاً، وختم بعضهم ثمان ختمات: أربعاً بالليل، وأربعاً بالنهار، فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم عثمان بن عفان ، وتميم الداري ، وسعيد بن جبير :، ومجاهد :، والشافعي :، وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سليم بن عِتْر  قاضي مصر في خلافة معاوية ، وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب  يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة، وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده، عن منصور بن زاذان من عُبَّاد التابعين  أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان، وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.
وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير  ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون، نُقل عن عثمان بن عفان  وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب ، وعن جماعة من التابعين، كعبد الرحمن بن يزيد، وعلقمة، وإبراهيم رحمهم اللَّه»( ).
قال الإمام النووي :: «والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين، فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة، وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ب قال: قال رسولُ اللَّه : «لا يَفْقَهُ من قَرَأ القرآنَ في أقلَّ مِنْ ثلاثٍ»( )»( ).
وقال الإمام ابن رجب :: «وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المُفَضَّلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق، وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره»( ).
والأقرب واللَّه أعلم والأفضل ألا يختم القرآن في أقل من ثلاث، فخير الهدي هدي محمد ، قال الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :: «المشروع للمؤمن والمؤمنة، العناية بالتدبر والتعقل، والإكثار من التلاوة؛ لقصد الفائدة، قصد العلم، قصد خشوع القلب، والاستفادة من كلام اللَّه ، لا مجرد أنه ختم، المقصود أن يستفيد من كلام اللَّه، وأن يخشع قلبه، فيرق قلبه ويعمل، ويعلم ما يتلو، وإذا رتّل القرآن، وختم في ثلاثٍ، أو في خمسٍ، أو في سبعٍ فلا بأس، والأفضل ألا يختم في أقل من ثلاث، أقل شيء ثلاث، كل يوم عشرة أجزاء، حتى يتدبر، حتى يتعَقَّل، حتى لا يعْجَل، وفّق اللَّه الجميع»( ).
7- الاعتكاف في شهر رمضان، ولزوم المساجد لطاعة الله تعالى،والتفرُّغ لمناجاته سبحانه؛ لحديث عائشة ل زوج النبي ، «أن النبي  كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، واعتكف أزواجه من بعده))( ).
وعن أبي هريرة  ، قال: «كان النبي  يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً»( ).
وعنه  قال في جبريل: «كان يعرض على النبي  القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه»( )، والمراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير( ).
8- جهاد المؤمن في رمضان، قال الإمام ابن رجب :: «واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وُفّي أجره بغير حساب»( )، والقرآن والصيام يشفعان للعبد عند اللَّه  يوم القيامة، فعن عبد اللَّه بن عمرو ب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ»، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ»( ).
واللَّه أسأل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يُوفِّق جميع المسلمين لكل خير، ولكل ما يرضيه ، وللاقتداء بالنبي  كما يحبه ربنا تبارك وتعالى.
وصلى اللَّه، وسلّم على نبيّنا محمدٍ، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرريوم الأربعاء 27/ 5/ 1436هـ