عن المقال

المؤلف :

Hakam A. Zummo Al-Aqily

التاريخ :

Tue, Apr 16 2024

التصنيف :

المرأة في الإسلام

تحميل

اختلط الحابل بالنابل

اختلط الحابل بالنابل

 

الجيوش على مر العصور والدهور تكون متراصة مصفوفة في فرق وألوية وفيالق جنباً إلـى جنب قــال تعــالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾([1])، ومن جهة أخرى فهي تنقسم إلى خيالة وراجلة، رماة (النبالة) ومقاتلة بالسيوف، ومن جنود يمسكون بحبال الخيول والجمال وهم الحبالة ومن الطهاة والممرضين وغيرهم.

وفي حال التحام الجيوش وعلو النقع وتعالي الصيحات وتطاير الأكف والرؤوس، وكذلك في حال الهزيمة وتفرق الصفوف واندحار الجيوش تدب الفوضى فتختلط الصفوف وتتفرق الفلول ولا يلوي أحدهم على شيء إلا النجاة بنفسه وهنا ينطبق المثل المشهور " اختلط الحابل بالنابل ".

ولم قيل هذا المثل لأن في كلا الحالين إما القتال أو الهزيمة تنحل عرى النظام وتسود الفوضى وتتفكك الصفوف وتختلط الأصناف التى ما كان لها ذلك في حال التنظيم والاستعداد للقتال.

ومن هذا المعنى اللغوي البليغ، نستشرف المعنى المراد من إقرار الاختلاط بين أي فرقتين ما ينبغى لهم ذلك. إذ أن التواجد في مكان ما لا يعد اختلاطاً إذا التزمت كل طائفة أعمالها ووجباتها وخصوصيتها دون تدخل الطائفة الأخرى بتلك الخصوصية.

فالعمل مثلاً في دائرة واحدة ممكن أن يكون اختلاطاً وممكن ألا يكون، فعندما يكون هناك قسم خاص بالموظفات لا يختلطن بزملائهن من الرجال في مكان عملهن اليومي ولا يتبادلون الأحاديث والضحكات والهموم والغموم والآمال والتطلعات والحاضر والماضى والآلام والذكريات والأمل والمستقبل، عندها لايكون اختلاطاً من جهة مكان العمل. وعندما تخدم المرأة أختها وتُتِم اجراءات معملتها فهنا لا يكون اختلاطاً من جهة تقديم الخدمة. وهكذا.

وأن قال قائل إن المرأة محتشمة ومؤدبة في نفسها، نقول صدقت قال تعالى: ﴿ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾([2])، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾([3])، ولكن من يضمن لنا ذلك للجميع في مكتبنا وأسواقنا ومساجدنا وتجمعاتنا، ففي الأية توجيه لأفضل النساء على وجه البسيطة وهن نساء خير البشرية ﷺ بأنهن لو خضعن بالقول فإن ذلك يُطمع بهن ذوي القلوب المريضة والنفوس الضعيفة، وذلك في خير العصور والأمصار فما بالكم بعصرنا وأمصارنا، حيث كثرت هذه الأيام الفتن والمغريات وضعاف النفوس، وقل الإيمان وانعدمت التقوى إلا من رحم ربي. وإن كان خير نساء العالمين أمرن بذلك فمن باب أولى من هن دونهن من عوام النساء، وإن كان هناك من في قلبه مرض في ذلك العصر الطاهر الأفضل على الإطلاق على مر العصور فما بالكم بعصرنا! فكم من قلب مريض شغف بحب الشهوات والشبهات فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً  كالكوز مجخياً([4]).

فإن كنت أخي وأختي أتقياء فليس الجميع كذلك، وإن كنتم أنقياء السريرة فالربما الباقي على عكس ذلك. إن البشرية جمعاء تهوي وتقترب من النهاية، وهذا أمر قدره الله عليها، لذا كان علينا لزاماً المحافظة على ما تبقى من حشمتها وحيائها، وألا نكون معول هدم للبقية الباقية من صرح أخلاقها وقيمها التي جاء بها الإسلام وأيدها به من قبل كافة الشرائع السماوية قبل التحريف والتبديل.

إخواني ألا ترون أن الرسول  لم يمنع النساء من حضور الصلوات ولكن في ذات الوقت في الصلاة وفي أطهر بقاع الأرض بيوت الله، قال الرسول ﷺ: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )([5])، ولم ذلك؟ ليمنع بأي حال من الأحوال دواعي الخلطة وأسبابها ولو كانت بسبب عبادة أو في بقعة مباركة. وعلى ذلك من باب أولى عدم السماح بذلك فيما دونها من الأماكن والأحوال مهما كانت الغايات.        

إخواني وأخواتي، إن وجود الشخص في منطقتة المريحة ( Comfort Zone ) يكون أكبر ما يكون وسط بيته وأهله أو وسط أصدقاءه ومعارفه أو بين زملائه في العمل فكلما اتسعت دائرة المخالطة تضيق المنطقة المريحة للشخص وبالعكس كلما ضاقت دائرة المعارف تتسع الدائرة المريحة. فلو كانت المرأة وسط مثيلتها فإن دائرة منطقتها المريحة تتسع والعكس حين تكون المرأة وسط الرجال فإنها تشعر بضيق منطقتها المريحة. وهذا ينطبق على كافة الأجناس والأعمار والأوساط. ألا ترى أهل الغربة يلتفون ويتعارفون فيما بينهم وخاصة إن كانو من بلد واحد أو دين واحد. وألا ترى أن المراهقين يتعارفون ويقبلون على قرنائهم، وألا ترون أصحاب المهنة الواحدة يتجمعون في نواد ونقابات، وهكذا.

أن من المتعارف عليه في المقابلات أن يتم كسر الحاجز بين المتقابلين وخصوصاً في مقابلات التوظيف لجعل الشخص يرجع أو يكون في إطار المنطقة المريحة لكي يثمر اللقاء ويؤتي غايته ويحقق أهدافه، والعكس صحيح.

لذا فإن الاختلاط ينافي الدين وفطرة البشر على الإطلاق مهما كانت درجاتهم العلمية أو مراتبهم الوظيفية أو مشاربهم العقدية، ومن قال بغير ذلك فقد نافى فطرة الله التي فطر الناس عليها، وخالف شرعه المطهر وما درجت عليه الأمة إلى عصور متأخرة حين أطلت الرزيلة والسفور برأسها الفاسد على ديار المسلمين فأطاحت به بلداً تلو الأخر ويالأسف. واتخذت من بني جلدتنا دعاة لها، يتكلمون بألسنتنا ويلوون ألسنتهم بالقول بتحسبه حقاً وهو الشر الزلال فيقلبون الحق باطلاً والباطل حقاً، فصدق فيهم قــول الرسول ﷺ بوصـفـه لفتن أخــر الزمــان: ( دعــاة على أبواب جهنم مــن أجابهم إليها قذفوه فيها قال حذيفة: يــا رســـول الله صفهم لنا قال: هم قوم مــن جلدتنا يتكلمون بألسنتنا )([6]).

اللهم أسألك بفضلك أن تجنب بلاد المسلمين كافة الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. وأن تهدي ضال المسلمين للحق والصواب. ونجعلك اللهم في نحور المفسدين المنافقين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. وأن يرينا جميعا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

آمـــــــين.

 السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي    ( ١٤31 - ٢٠10 )  

 

([1]) سورة الصف آية 4.

([2]) سورة الأحزاب آية 32.

([3]) سورة الأحزاب آية 53.

([4]) عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه ). رواه مسلم في الإيمان (144).

([5]) رواه مسلم في الصلاة (440)، النسائي فيه (894) وأبو داود فيه (678).

([6]) متفق عليه، رواه البخاري في الفتن (7084)، ومسلم في الإمارة (1847)