اشهدوا بأنا مسلمون

(رمتني بدائها وانسلت ) يقال هذا المثل لمن يلقي بما فيه من تهم على الأخرين  ويمضي ولا يلوي على شئ  وهذا ما ينطبق تماما على ما يقوم به الغرب من يهود ونصارى ضدنا نحن المسلمين فما من نقيصة ولا جريمة إلا ارتكبوها ثم نفاجأ بهم يتهموننا بأننا الإرهابيون .
ومن المعلوم أن الإرهاب هو بث الرعب والفزع ونشره بين الآمنين ؛ وهذا لم يحدث من المسلمين طوال عقودهم الطويلة بل هو ما تعرض له المسلمون ولولا عناية الله تعالى لهلك المسلمون من جراء أهل الكتاب وأفعالهم .
ولذلك رأيت أن استعرض في عجالة تاريخ المسلمين من خلال القادة العظماء الذين قاموا بنشر الإسلام بداية من المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ومرورا بعدد من الصحابة الأجلاء ثم من تبعهم بإحسان وسار على نهجهم ثم نعقب ببعض ماقام به أبناء اليهود والنصارى من عجائب وغرائب وتدمير وإهانة للبشرية وأنفسهم .
وما هذا إلا  ليعلم اليهود والنصارى بأننا نحن المسلمين الذين قال عنهم الحق سبحانه وتعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس " ومن ثم فنحن ندعوهم إلى ما دعاهم به الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حين قال تعالى :
   "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "


بسم الله الرحمن الرحيم

{اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}

إعداد
أ/ أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
محاضر بقناة الأمة الفضائية

 

                      المقدمة
(رمتني بدائها وانسلت ) يقال هذا المثل لمن يلقي بما فيه من تهم على الأخرين  ويمضي ولا يلوي على شئ  وهذا ما ينطبق تماما على ما يقوم به الغرب من يهود ونصارى ضدنا نحن المسلمين فما من نقيصة ولا جريمة إلا ارتكبوها ثم نفاجأ بهم يتهموننا بأننا الإرهابيون .
ومن المعلوم أن الإرهاب هو بث الرعب والفزع ونشره بين الآمنين ؛ وهذا لم يحدث من المسلمين طوال عقودهم الطويلة بل هو ما تعرض له المسلمون ولولا عناية الله تعالى لهلك المسلمون من جراء أهل الكتاب وأفعالهم .
ولذلك رأيت أن استعرض في عجالة تاريخ المسلمين من خلال القادة العظماء الذين قاموا بنشر الإسلام بداية من المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ومرورا بعدد من الصحابة الأجلاء ثم من تبعهم بإحسان وسار على نهجهم ثم نعقب ببعض ماقام به أبناء اليهود والنصارى من عجائب وغرائب وتدمير وإهانة للبشرية وأنفسهم .
وما هذا إلا  ليعلم اليهود والنصارى بأننا نحن المسلمين الذين قال عنهم الحق سبحانه وتعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس " ومن ثم فنحن ندعوهم إلى ما دعاهم به الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حين قال تعالى :
   "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "







محتويات الكتاب
الباب الأول 7-22
آل بيت النبي محمد
-----------------
الباب الثاني23-33
الأحبار والرهبان
-------------------
الباب الثالث34-76
النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة
-----------------------
الباب الرابع77-135
رجال ونساء حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أم عمارة نسيبة بنت كعب
أبو دجانة
سعد بن أبي وقاص
أبو عبيدة بن الجراح
عبد الله بن حذافة السهمي
خالد بن الوليد
عمرو بن العاص..داهية العرب وفاتح مصر
عقبة بن نافع
---------------------
136-140
الماسونية
----------------------------
الباب الخامس 141-160
التابعون
عمر بن عبد العزيز
الدولة العباسية
خلفاء بني العباس في بغداد
-----------------------
الباب السادس161-177
الإسلام والهند والصين
------------------------
الباب السابع178-190
الصهيونية المسيحية
--------------------
الباب الثامن191-234
أوروبا و صلاح الدين الأيوبي
-------------------
الباب التاسع235-267
محمد الفاتح
------------------
الباب العاشر268-284
طارق بن زياد
يوسف بن تاشفين
(وقيام دولة المرابطين في المغرب)
----------------------
الباب الحادي عشر285-313
لماذا كل هذا العداء ؟
البروتوكولات والعالم العربي
--------------------
المراجع –314

  "بين يدي الكتاب"
كما شاء الحق سبحانه وتعالى أن يمر الإنسان بمراحل متعددة فكذلك كتب الله سبحانه وتعالى على الأمم والحضارات أن تمر بهذه المراحل : فكما لكل إنسان لحظة ميلاد وفترة إعداد وفترة شباب وعطاء وفترة شيخوخة انحدار ثم إلى زوال قكذلك الأمم ؛ فلكل أمة لحظة ميلاد وفترة إعداد وفتر حضارة وقوة ثم إلى شيخوخة ثم إلى انتهاء  إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم
والسؤال : ألم تولد أمة محمد مثل سائر الأمم ؟      بالطبع  نعم
 ألم تراعى أمة محمد حتى أصبحت قوية فتية ؟        بالطبع  نعم
أم تمر أمة محمد بفترات قوة وحضارة وعطاء ؟       بالطبع  نعم
 ألم تمر أمة محمد بفترات ضعف وإنكسار ؟           بالطبع  نعم
                      إذن فلماذا لم تمت أمة محمد مثل سائر الأمم ؟   
                                 وهذا يطرح أسئلة أخرى :
                    -- ألم يخلق الله سبحانه وتعالى كل الأمم ؟
-- ألم يرسل الحق سبحانه وتعالى الأنبياء إليهم ؟
-- ألم ينزل الحق سبحانه وتعالى عليهم الكتب ؟
-- ألم يقل سبحانه وتعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}
-- ألم يقل سبحانه وتعالى عن التوراة  {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور }
وعن الإنجيل قال تعالى { وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور }
وعن القرآن الكريم قال تعالى{يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا}
فلماذا إذن بقيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبقى كتابها كما أنزله الله جل وعلا؟
-- ولكي نجيب على تلك التساؤلات ينبغي أن نبين الفارق بين امتنا الحبيبة والأمم الأخرى موضحين سبب بقاء امتنا بكتابها وسنة نبيها وسبب انهيار الأمم الأخرى  .
والحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التى أسهمت في بقاء أمتنا الحبيبة ودوامها إلى يوم القيامة بل وإلى ما بعده ؛ فلقد أخبرنا القرآن الكريم بأننا بما أنعم الله تعالى علينا بالقرآن الكريم وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم سنشهد على الخلائق يوم القيامة .
 فقال تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }
وعن الأمة قال سبحانه وتعالى { وليتخذ منكم شهداء }وقال تعالى أيضا {ولتكونوا شهداء على الناس وليكون الرسول عليكم شهيدا }
ومع كثرة الأسباب ووفرتها بفضل الله تعالى إلا أننا رأينا أن أفضل ما نبينه ونذكره هو سير أبطال المسلمين  وأخلاقهم ليرى العالم أن الأبطال من أمة محمد وعلى رأسهم الرسول الكريم إنما هم نبراس هذا العالم ؛ ولولا أن الله أكرم الدنيا والعالم بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم  وصحابته الكرام  ومن سار على نهجهم لأصبحنا وكأننا فى غابة لأنك حين تطلع على العهد القديم لا ترى فيه إلا نقضا للعهود ؛ودعوى بالشرك والكفر ؛ وتتدميرللأخر؛  وإذهاق للأرواح بل إحتقار الأخر أيا كان جنسه أودينه .
ومن ثم كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما سماه ربه سبحانه وتعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "
وكذلك كان أصحابه الكرام والتاعين لهم بإحسان أناروا الدنيا بعلمهم وفقههم وحضارتهم بل ويرافق ذلك أخلااقهم النبيلة والتى ظهرت بوضوح فى حروبهم ونضالهم من أجل نشر الدين وإعلاء لكلمة الله تعالى فلم يرهقوا الشعوب ولم ينقضوا عهدا ولم يجبروا أحدا على الدخول فى الإسلام .
بدليل أن الفتوحات توقفت منذ أمد بعيد  والدخول فى الإسلام لا ينقطع . لأنه بفضل الله تعالى كلما كذب علينا الأحبار والكهنة وعلماء بنى إسرائيل وقالوا لاولادهم زورا وبهتانا أن ديننا انتشر بحد السيف كلما إزداد عدد الدخول فى الإسلام لأن أبناءهم حين يقرأو تاريخنا وتاريخهم ويرون الفارق بينا بينهم وبين أجدادنا وأجدادهم  يسارعون في الدخول فى الأسلام
ولذلك نحن نقول لهم ما قاله الحق سبحانه " إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا* فمهل الكافرين أمهلهم رويدا *
ولذا فأنا أدعوهم للإطلاع على سير أبطالنا الأفذاذ الذين حاولوا  تشويه سيرتهم أمام أبناءهم  ونقول لهم { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } وعلى الأقل إن عجزتم عن قول الصدق فدعونا وشأننا ؛ ولكن بعد الإعتراف بأننا مسلمون .








الباب الأول
آل بيت النبي محمد
" تمهيد "
بما أننا سنبدأ كتابنا بالحديث عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم فينبغى أن نذكر نبذة مختصرة عن حياة أسرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام  ليعلم الجميع أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو بشر علمه ربه فأحسن تعليمه وأدبه ربه فأحسن تأديبه ؛ ولأنه قام بما أمره به ربه جل وعلا على أكمل وجه فسعدت به الدنيا ونسعد به في الأخرة إن شاء الله تعالى .
   وترك لنا صلى الله عليه وسلم ميراثا عظيما ووعدنا إن سرنا عليه لن نضل أبدا وهذا الميراث هو كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم ما علمه ربه تعالى لاصحابه الكرام حتى أصبحوا بفضل الله تعالى هداة مهديين وقال عنهم صلى الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
   ولقد بهر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم العالم أجمع بعلمهم وأخلاقهم ونبلهم مما جعل من عاصروهم يسارعون في الدخول إلى الإسلام ولقد رأينا هذا رأي العين مع أننا لم نعاصرهم ولكن التاريخ خير شاهد فلقد رأيناهم بفضل الله تعالى استطاعوا أن يفتحوا بلدان في حقبة من الزمن لا تتجاوز النصف قرن في حين عجزت الإمبراطورية الرومانية والفرسية والإنجليزية وغيرهم من الإمبراطوريات تحقيقة فى عشرة قرون .
والأفضل من ذلك هو دوام تلك البلاد على الإسلام فلقد انتهت الإمبراطورية الفارسية وكذلك الرومانية وحتى الإمبراطوريات الحديثة فقد كانت لبريطنيا إمبراطورية مترامية الأطراف وكانت تلقب آنذاك الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وها هي الأن تتقوقع وتعود أدراجها جزيرة فى غياهب البحار .
 فما استطاع أى رجال فى التاريخ أن يفعلوا ما فعله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أضف إلى ذلك علمهم الذي نقلوه بكل أمانة وإخلاص فلم يزيدوا على تعاليم نبيهم ولم يحيدوا عنها قيد أنملة ؛حتى وصل  إلينا القرآن الكريم غضا طريا ويتناوله كل جيل مسلم وكأنه أنزل إليه .
  وكذلك سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم وصلت إلينا برجالها الثقات بخلاف مارأينا فى كتب السابقين فما استطاع أصحاب أى نبى سبق نبينا أن ينقلوا كتبهم كما هو بدليل عشرات الأناجيل وكذلك الكتب التى تحتوى على العهدين القديم والجديد تختلف من ملة مسيحية إلى أخرى ويخالف بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا .
وليس هذا فحسب بل كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصفون بالتسامح حتى مع الأعداء فى الوقت الذي كان فيه أعداءهم يتصفون بالخسة والندالة فلم يغير هذا من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
والعجيب أننا نرى المتشدقين من هنا وهناك يتهموننا بالإرهاب والقسوة مع أن التاريخ يشهد على قسوتهم وأفعالهم الخبيثة حتى مع أهل ملتهم فلقد رأينا المسيحين الذي جاؤء فى الحروب الصليبية لم يرقبوا لا في المسلمين وحدهم إلا ولا ذمة فهذا متوقع من حقدهم وغلهم بل لم يرحموا إخوانهم المسيحين هنا فى الشرق .
ولما نذهب بعيدا ففى العراق إبان الإحتلال الأمريكى لم يفرقوابين مسلمي العراق ومسيحيه ؛ أبادوا الجميع و اهلكواالأخضر واليابس وعاثوا فى الأرض الفساد .ولم يفرقوا بين ممتلكات مسلم أو مسيحي ولا بين بنات مسلمة ولا أخرى مسيحيات ولا مساجد ولا كنائس بخلاف المسلمين حينكانوا يفتحون البلاد والمعاهدات خير شاهد ودليل كما سنرى في محتوى الكتاب بإذن الله تعالى .
والعجيب أننا نسمع ونرى  بين الحين والأخر بعض العناصر المسيحية الغير مسئولة تختلق الخلاف و تنادى بضرورة تدخل أمريكا لحل خلاف بين المسلمين والمسيحين فى مصرنا الحبية ويعاونهم فى هذا من يحقد على ديننا وأمتنا ويتمنى لنا الهلاك ؛ وأنا أقول لهؤلاء وهؤلاء  " موتوا بغيظكم "
لأن الشاعر قديما قال :
              إنما الأمم الأخلاق مابقيت    فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ونحن بفضل الله تعالى تغير وجه الزمان مرارا ولم تتغير أخلاقنا ؛ عاث اليهود والصليبيون الفساد فى الأرض  وعاندونا وأذونا في أنفسنا وأموالنا وحين نتمكن مهم نعفوا عنهم ونصفح ؛ لأن ديننا ينادى بالتسامح والعفو ولكن ليس تسامح الضعيف وإنما عفو القادر وهو العفو عند المقدرة .
مصداقا لقول الشاعر : -
          لا خير في حلم إن لم تكن له        بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ومن ثم رأيت أن استعرض فى هذا الكتاب جانبا مهما من حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فى تعاملهم مع الأخر
ولأن فى الشدة تظهر معادن الرجال ؛ وبما أنه ليس هناك موقف أشد ولا أخطر من شدة الحروب ؛ رأيت أن أتناول جانبا من حياة الرسول الكريم وصحابته الكرام من خلال الحروب لنرى الفارق بيننا وبينهم ؛  فإننا إن كنا بهذه الرحمة وذلك النبل اثناء الحروب فلا شك أننا في السلم أكثر نبلا وأفضل خلقا .
وحتى لا يظن البعض أننا نتشدق الأن بأننا مسلمون متسامحون لأن الوضع الراهن يحتم ذلك فأنا سأعرض لك عزيزى القاري تاريخنا من أوله فى عجالة سريعة مرورا بالعظماء وكيف تصرفوا مع الأعداء وبنفس المنهج الذي  أرساه لنا الحق سبحانه  تعالى والسنة الكريمة ومادامت السنة والكتاب فينا فأولنا وأخرنا بإذن الله سواء لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم " أنتم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأفضلها على الله "
والأحفاد منا  يسيرون على هدى الأجداد فما تركوا لنا إلا خيرا فلم يأمرونا  بإبادة الأخر كما فى توراة اليهود ولا اجتناب الأخر واحتقاره كما أمر بولس اتباعه انما أمرونا بكل البر والتقوى واحترام الأخر. 
عبد المطلب بن هاشم
 ولن نذهب بعيد في أسرة المعصوم صلى الله عليه وسلم فالحمد لله أن أسرة نبينا تمتد عبر الزمان إلى آدم عليه السلام ولم تشوبها شائبة رغم هذا التاريخ الطويل ؛ ولذ رأيت أن أبدا بأقربهم منه صلى الله عليه وسلم ليعلم الجميع أن نبينا ذو حسب ونسب وزاده الهم تعالى حلما وعلما ودينا وكرما فأصبح النموذج الأفضل على مستوى البشرية حنى قال عنه الحق سبحانه وتعالى" وما أتاكم الرسول فخذوه ومنهاكم عنه فانتهوا "
وقال عنه الشاعر :
           أنت الذي لولاك ما خلق امرئ    كلا وما خلق الورى لولاك  
وحين انتقل صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه تعالى قال عنه سيدنا حسان بن ثابت:
                 وما فقد الماضون مثل محمد       وما مثله حتى القيامة يفقد
نبدأ بجد المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ألا وهو :  عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي واسمه شيبة الحمد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب إلى عدنان، جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 ولد بيثرب نحو عام 480م وعاش عند أخواله من بني النجار، وقد مات أبوه بغزة في تجارته، فأرجعه عمه المطلب بن عبد مناف وحمله معه إلى مكة وأردفه على بعيره فلما دخل به إلى مكه قالت قريش عبدالمطلب فقال: لا إنما هو ابن أخي شيبة.
 أمه سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية. نشأ عبدالمطلب في بيئة سيادة وشرف. وعظم قدره لما احتفر بئر زمزم، وكانت من قبل مَطْوِية، وذلك في مدة ملك قباذ ملك فارس، فاستخرج منها غزالتي ذهب عليهما الدر والجوهر، وغير ذلك من الحلي، وسبعة أسياف قلعية، وسبعة أدرع سوابغ ؛ فضرب من الأسياف باباً للكعبة، وجعل إحدى الغزالتين صفائح ذهب في الباب، وجعل الأخرى في الكعبة. وعظم قدره كثيراً بين العرب بعد يوم الفيل.
وقدم اليمن في وجوه قريش ليهنيء الملك سيف بن ذي يزن لتغلبه على الأحباش المغتصبين للجنوب العربي، فأكرمه الملك، وقرَّبه، وحباه، وخصَّه، وبشَّره بأنَّ النبوة في ولده.وكان محسوداً من بعض قريش، فنافره بعضهم فنكسوا وانتكسوا، وحاول آخرون مجاراته فأُفْحِمُوا وتعبوا.
شدَّ أحلاف آبائه، وأوثق عُراها، وعقد لقريش حلفاً مع خُزاعة فكان سببا لفتح مكة في عام 8 للهجرة النبوية ودخول الناس في دين الله أفواجاً. كفل النبي الكريم  بعد موت أبيه، ونال شرف تربية النبي الكريم بعد موت أمه الطاهرة آمنة بنت وهب الزهرية.
 ومات عبد المطلب وعمر رسول الله ثمان سنين. توفي عام 578م ودفن بمكة. كان كاملاً عاقلاً، ذا أناة ونجدة، فصيح اللسان، حاضر القلب، أحبه قومه ورفعوا من شأنه، فكان سيد قريش حتى مات.
قال الجاحظ : لم تقل العرب: أحلمَ من عبد المطَّلب، ولاَ هو أحلم من هاشم، لأنَّ الحلم خَصلة من خصاله كتمام حلمه، فلمَّا كانت خصالهُ متساويةً، وخلالُه مشرفة متوازيةِ، وكلُّها كان غالباً ظاهراً، وقاهراً غامراً، سمِّي بأجمعِ الأشياء ولم يُسمّ بالخصلة الْوَاحدة، فيستدلَّ بذلك على أنَّها كانت أغلب خصال الخيرِ علَيه.
وكلام الجاحظ هذا يصدق في جميع آباء عبد المطلب.ولقب عبد المطلب بالفيّاض. كان اعظم رجال مكه والجزيرة العربية كان له مجلس عند الكعبه يجلس ويلتف من حوله رجال مكه وقريش يتكلم ويسمعون منه ويحترمونه فقد كان له كلمه علي مكه كلها فكان فاتح بيوت لإطعام الحجاج والزاءرين وعابري السبيل وكانوا يلقبونه بمطعم الإنس والوحش والطير وكان له من الابل ما يخصصه في خدمة الكعبه بيت الله الحرام.
زوجاته
- صفية بنت جندب بن حجير من بني عامر بن صعصعة والدة الحارث وقثم
- نتيلة بنت جناب بن كليب من بني النمر بن قاسط والدة ضرار والعباس
- فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران ين مخزوم القرشية والدة أبو طالب وعبد الله والزبير وعاتكة وبرة وأميمة وأروى وأم حكيم -اسمها البيضاء وهي توأمة عبد الله-، وفاطمة هي جدة الرسول صلى الله عليه وسلم
- هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشية والدة المقوم والمغيرة وحمزة وصفية.
- لُبنى بنت هاجَر بن عبد مناف الخزاعية والدة أبي لهب
- مُمَنَّعة بنت عمرو بن مالك الخزاعية والدة مصعب ولكن غلب عليه اسم الغّيْداق
أبنائه الذكور
•    الحارث بن عبد المطلب أكبر أبنائه ومات على حياة أبيه ومن أبنائه عبد الله وأبو سفيان وأمية وربيعة ونوفل وعبد المطلب وأروى.
•    عبد مناف بن عبد المطلب وهو أبو طالب سيد قريش بعد وفاة أبيه ومن أبنائه طالب وعقيل وجعفر وعلي وأم هانئ وجمانة.
•    ضرار بن عبد المطلب مات قبل البعثة ولم يُعقب.
•    الزبير بن عبد المطلب شاعر قريش مات قبل البعثة وليس له عقب باقي، ولد له الطاهر وعبد الله وحجل وقرة وضباعة.
•    عبد العزى بن عبد المطلب وهو عمه أبو لهب ومات كافرا بعد بعثة الرسول من أبنائه عتبة وعتيبة ومعتب ودرة.
•    مصعب بن عبد المطلب ولقب بالغَيْداق وليس له عقب.
•    المقوم بن عبد المطلب ولد له عبد الله وبكر وهند، وآخر من بقي من ذريته عبد الله بن بكر بن المقّوِّم، مات ولم يُغقب.
•    قثم بن عبد المطلب مات صغيرا وليس له عقب.
•    المغيرة بن عبد المطلب لقب بحِجْل وليس له عقب.
•    عبد الله بن عبد المطلب وُلد له: سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
•    العباس بن عبد المطلب ولد له: الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وكثير والحارث وتمام وأم حبيب وصفية وآمنة.
•    حمزة بن عبد المطلب أسد الله توفي شهيداً يوم أحد وولد له: يعلى وعمارة وعامر وفاطمة.
بناته الإناث
•    أم حكيم بنت عبد المطلب جدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان لأمه.
•    عاتكة بنت عبد المطلب والدة عبد الله بن أبي أمية.
•    برة بنت عبد المطلب والدة أبي سلمة بن عبد الأسد.
•    أميمة بنت عبد المطلب والدة عبد الله بن جحش وأم المؤمنين زينب بنت جحش.
•    أروى بنت عبد المطلب والدة طُلَيْب بن عمرو.
•    صفية بنت عبد المطلب والدة الزبير بن العوام.
قصة حفر بئر زمزم : * عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه - قال ( قال عبد المطلب : إنى لنائم فى الحجر إذا أتانى أت فقال لى :احفر طيبه قلت وما طيبة ؟ قال ثم ذهب عنى .
قال :فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى .فنمت فيه : فجاءنى فقال : احفر المضنونة قال :قلت : وما المضنونة ؟ قال :ثم ذهب عنى .
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى . فنمت فيه : فجاءنى فقال : احفر زمزم . قال قلت و ما زمزم ؟ قال : لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم . و هى بين الفرث و الدم . عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل .
قال : لما بين شأنها . ودل على موضعها . وعرف أنه قد صدق . غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب و ليس معه يومئذ ولد غيره فحفر فيها فلما بدا لعبد المطلب الطى كبر . فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا : ياعبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل . و إن لنا فيها حقا .فأشركنا معك فيها .قال : ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم . و اعطيته من بينكم .
 قال له : فأنصفنا . فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ..قال فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا :  كاهنة بنى سعد بن هذيم . قال : نعم . وكانت بأشراف الشام .
فركب عبد المطلب و معه نفر من بنى أمية , و ركب من كل قبيلة من قريش نفر فخرجوا و الأرض إذ ذاك مفاوز ,حتى إذا كانوا ببعضها نفد ماء عبد المطلب و أصحابه , فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة , فاستسقوا من كانوا معهم فأبوا عليهم , و قالوا : إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ماأصابكم . فقال عبد المطلب : إنى أرى ان يحفر كل رجل منكم حفرته بما لكم الأن من القوة , فكلما مات رجل دفعه أصحابه فى حفرته ثم واروه , حتى يكون أخرهم رجلا واحدا , فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه . فقالوا : نعم ما أمرت به فحفر كل رجل لنفسه حفرة , ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا .
ثم إن عبد المطلب قال لاصحابه : و الله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا ضرب فى الأرض . ولا نبتغى لآنفسنا لعجز , فعسى الله ان يرزقنا ماء ببعض البلاد . ارتحلوا فارتحلوا حتى اذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب و كبر أصحابه , ثم نزل فشرب وشرب أصحابه , و استسقوا حتى ملآوا أسقيتهم , ثم دعا قبائل قريش - وهم ينظرون إليهم فى جميع الأحوال - فقال هلموا الى الماء فقد سقانا الله , فجاءوا فشربوا و استقوا كلهم
ثم قالوا : قد والله قضى لك علينا والله ما نخاصمك فى زمزم أبدا إن الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذى سقاك زمزم , فارجع ساقيتك راشدا فرجع ورجعوا معه و لم يصلوا الى الكاهنة , وخلوا بينه و بين زمزم ))
صفية بنت عبد المطلب
هي عمةالنبي(صلى الله عليه وسلم) صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، وهي أخت حمزة لأمه، كان لها دور مهم في حماية جيوش المسلمين ودحر الأحزاب في غزة الخندق.
نسبها :  هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبوها عبد المطلب بن هاشم سيد قريش بلا منازع في أيامه، وأمها هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كُلاب، توفي والدها وهي طفلة بعمر التسع سنين، فكفلها أحد اخوتها، والمرجح أنه أبو طالب لأنه كان أبزر أخوتها وأرشدهم.
نشأتها :  نشأت صفية وترعرعت كلداتها من بنات عبد المطلب الهاشميات، ولما بلغت مبلغ النساء في الجاهلية تزوجها، الحارث بن حرب بن أمية أخو أبو سفيان بن حرب ولما مات عنها الحارث، تزوجها العوام بن خويلد فولدت له الزبير بن العوام، والشائب بن العوام
صفاتها  : كانت (رضى الله عنها) صابرة محتسبة، راضية بقضاء الله، ترى كل المصائب هينة مهما عظمت ما دامتْ في سبيل الله، فهي قدوة، في وجدها إنسانة وفي صبرها مؤمنة.
إسلامها :  أسلمت صفية مع ولدها الزبير وأخيها حمزة، وبايعت النبي وهاجرت إلى المدينة، وكانت من أوائل المهاجرات، وما يذكر في ذلك، أنه لم يختلف في إسلامها كما اختلف في إسلام غيرها من عمات الرسول (صلى الله عليه وسلم)
منهاجها : كانت (رضى اللَّه عنها) مقاتلة شجاعة. ويذكر التاريخ لصفية أنها نالت شرف الصحبة، روت عن النبي بعض الأحاديث وروي عنها، ويذكر لها أنها لما استشهد شقيقها حمزة، حزنت عليه حزنا شديدا، وعصف بها الحزن بعد ما مثل المشركون بجثته بعد استشهاده ولكنها قالت : " بلغني انه مثل بأخي، وذاك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله"، وأتت صفية موضع استشهاد حمزة بأحد، فنظرت إليه، واستغفرت له، ثم عادت ادراجها تسترجع وتستغفر ولا تزيد.
دورها في غزوة الخندق
عندما خرج المسلمون لغزوة الخندق أمام الأحزاب، أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحماية النساء والضعفاء في أماكن آمنة داخل المدينة، وعندما تحالف بني قريظة مع الأحزاب قرر المتحالفان  إبادة المسلمين، وكانت خطتهم هي تهديد بني قريظة لنساء المسلمين وشيوخهم واطفالهم داخل المدينة، مما يدفع المسلمين للإنسحاب من مواضعهم في الخندق للدفاع عن ذويهم وحينها يقتحم الأحزاب الخندق ويهزمون المسلمين .
ولتنفيذ الخطة، بعثت قريظة واحد من رجالها الأذكياء، فتسلل إلى الآطام التي فيها عوائل المسلمين وكانت مهمته معرفة أماكن النساء والذراري ومعرفة درجة حمايتهم، وكانت صفية حينها في حصن فارع لصاحبه حسان بن ثابت، فلمحت اليهودي، وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه وضربته بالعمود على رأسه بقوة حتى قتله، وانتظرت قريظة عودة ذاك اليهودي اليهم دون جدوى، فحسبوا أن نساء المسلمين وذراريهم ليسوا وحدهم بل في حماية قوة ضاربة من المسلمين، ولذلك قبع اليهود في حصونهم لا يفكرون في التعدي على نساء المسلمين وذراريهم.
وفاتها
عاشت في المدينة حتى توفيت سنة عشرين هجرية (640 م) في خلافة عمر بن الخطاب (رضى اللَّه عنه) ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة، ودفنت في مدافن أهل المدينة بـ البقيع في دار المغيرة بن شعبة، وقد روت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعض الأحاديث الشريفة.
عاتكة بنت عبد المطلب
هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية ، عمّة الرسـول الكريم
كانت زوجة أبي أمية بن المغيرة ، والد أم سلمة زوج النبـي -صلى الله عليه
وسلم- ، رُزِقت منه عبد الله و زهير وقُرَيْبَة وغيرهما ، أسلمت بمكة وهاجرت
الى المدينة ، عبد الله لم يُسلم ، ولكن الزهير كان ممن سعى في نقض الصحيفة
التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة النبـي -صلى الله عليه وسلم- والذين
اتبعوه ، ثم أسلم -رضي الله عنه-
الرؤيا
كانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت رؤيا أفزعتها ، وعظمت في صدرها ، فأخبرت بها أخاها العباس بن عبد المطلب ، وقالت :( اكتم عليّ مما أحدثك ) فقال لها :( وما رأيت ؟)قالت :( رأيت راكباً أقبل على بعير له ، حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ، يا آل غُدْرٍ انفروا إلى مصارعكم ، في ثلاث ، صرخ بها ثلاث مرّات ، فأرى الناس اجتمعوا إليه فدخلوا المسجد ، والناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مَثَل بِهِ بعيره على ظهر الكعبة .
 ثم صرخ بمثلها ثلاثاً : ألا تنفروا يا آل غُدْرٍ إلى مصارعكم ، في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأي -جبل- أبي قُبَيْس ، فصرخ بمثلها ثلاثاً ، ثم أخذ صخرة من أبي قُبَيْس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل انفضت -تفتت- فما بقي بيتٌ من بيوت مكة ولا دار من دور مكة إلا دخلته منها فلذةٌ ، ولم يدخل داراً ولا بيتاً من بيوت بني هاشم ولا بني زهرة من تلك الصخرة شيئاً000 فقال أخوها العباس :( والله إن هذه لرؤيا ، وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد )000
قريش والرؤيا
ثم خرج العباس مغتماً فلقيَ الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان صديقاً له فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث بمكة حول الرؤيا حتى تحدّثت به قريش في أنديتها ، قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، وأبو جهل في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال :( يا أبا الفضلِ إذا فرغت من طوافك فاقبل علينا )
 فلمّا فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل :( يا بني عبد المطلب ، متى حدثت فيكم هذه النبيّة ؟)قلتُ :( وما ذاك ؟)قال :( تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ؟)فقلت :( وما رأت ؟)قال :( يا بني عبد المطلب ، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربّص بكم هذه الثلاث ، فإن يكُ حقاً ما تقول فسيكون ، وإن تمضِ الثلاث ولم يكن من ذلك شيئ ، نكتب عليكم كتاباً أنّكم أكذب أهل بيت في العرب ) قال العباس :( فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك ، وأنكرت أن تكون قد رأت شيئاً ، ثم تفرّقنا  نساء عبد المطلب
يقول العباس :( فلمّا أمسيت لم تبقَ امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقالت :( أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غيرٌ لشيء مما سمعت ؟)قلت :( قد والله فعلت ، ما كان مني إليه من كبير ، وأيم الله لأتعرَّضنَّ له ، فإن عاد لأكفينكُنّه )
تحقيق الرؤيا
قال العباس :( فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مُغضَبٌ أرى أني قد فاتني منه أمرٌ أحب أن أدركه منه ، فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحْوه أتعرّضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، فما أن رآني إذ خرج يشتدّ نحو الباب فقلت في نفسي :( ما له لعنه الله ؟
 أكلُّ هذا فَرَقٌ مني -أي خوف مني- ، وإذا هو قد سمِعَ ما لم أسمع ، سمع صوت ضَمْضَم بن عمرو الغفاريّ ، وهو يصرخ ببطن الوادي ، واقفاً على بعيره قد جَدَعَ بعيره وحوّل رحله ، وشقّ قميصه وهو يقول :( يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة !! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تُدركوها ، الغَوْثَ الغَوْثَ !!) قال العباس :( فشغلني عنه وشغله عني ما قد جاء من الأمر )
وبذلك تحقق رؤيا عاتكة -رضي الله عنها- ، ويُساق أشراف قريش الى مصارعهم في بدر ، وعلى رأسهم أبو جهل الذي قتله الله تعالى على يدِ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرّ قتلة ، فكانت هذه الرؤيا في نفس عاتكة تزيدها يقيناً وتصديقاً برسول الله تعالى ، وأنه ناصره ومؤيد دينه ، وخاذل عدوه
                       حمزة بن عبد المطلب
حمزة بن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخوه من الرضاعة فهما من جيل واحد نشأ معا ، ولعبا معا ، وتآخيا معا وعندما كبر حمزة كان يتمتع بقوة الجسم ، وبرجاحة العقل ، وقوة الارادة ، فأخذ يفسح لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش ، وعندما بدأت الدعوة لدين الله كان يبهره ثبات ابن أخيه ، وتفانيه في سبيل ايمانه ودعوته ،الذى طوى صدره على أمر ظهر في اليوم الموعود يوم اسلامه
اسلام حمزة
كان حمزة -رضي الله عنه- عائدا من القنص متوشحا قوسه ، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج اليه وكان اذا عاد لم يمر على ناد من قريش الا وقف وسلم وتحدث معه ، فلما مر بالمولاة قالت له :( يا أبا عمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام ، وجده ههنا جالسا فآذاه وسبه .
 وبلغ منه مايكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد -صلى الله عليه وسلم-)فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد ، معدا لأبي جهل اذا لقيه أن يوقع به ، فلما وصل الى الكعبة وجده جالسا بين القوم ، فأقبل نحوه وضربه بالقوس فشج رأسه ثم قال له :( أتشتم محمدا وأنا على دينه أقول ما يقول ؟فرد ذلك علي ان استطعت )
وتم حمزة -رضي الله عنه- على اسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عز وامتنع ، وان حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه
حمزة و الاسلام
ومنذ أسلم حمزة -رضي الله عنه- نذر كل عافيته وبأسه وحياته لله ولدينه حتى خلع النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه هذا اللقب العظيم :( أسد الله وأسد رسوله ) وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء العدو كان أميرها حمزة -رضي الله عنه-وأول راية عقدها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد من المسلمين كانت لحمزة ويوم بدر كان أسد الله هناك يصنع البطولات حتى أصبح هدفا للمشركين في غزوة أحد يلي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الأهمية
استشهاد حمزة
            " اخرج مع الناس ، وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق"
هكذا وعدت قريش عبدها الحبشي ( وحشي غلام جبير بن مطعم ) ، لتظفر برأس حمزة مهما كان الثمن ، الحرية والمال والذهب الوفير ، فسال لعاب الوحشي ، وأصبحت المعركة كلها حمزة -رضي الله عنه- ، وجاءت غزوة أحد ، والتقى الجيشان ، وراح حمزة -رضي الله عنه- لايريد رأسا الا قطعه بسيفه ، وأخذ يضرب اليمين والشمال و ( الوحشي ) يراقبه .
 يقول الوحشي :( وهززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته (ما بين أسفل البطن الى العانة ) حتى خرجت من بين رجليه ، فأقبل نحوي فغلب فوقع ، فأمهلته حتى اذا مات جئت فأخذت حربتي ، ثم تنحيت الى العسكر ، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره ، وانما قتلته لأعتق
وقد أسلم (الوحشي) لاحقا فهو يقول :( خرجت حتى قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ، فلم يرعه الا بي قائما على رأسه أتشهد بشهـادة الحـق ، فلما رآني قال :( وحشي ) قلت :( نعم يا رسـول اللـه ) قال :(اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ؟)فلما فرغت من حديثي قال :( ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك !) فكنت أتنكب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث كان ، لئلا يراني حتى قبضه الله -صلى الله عليه وسلم-)
واستشهاد سيد الشهداء -رضي الله عنه- لم يرض الكافرين وانما وقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها ، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يجدعن الآذان والآنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما ( خلخال ) وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة ، فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها ، فلفظتها 
حزن الرسول على حمزة
وخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلتمس حمزة بن عبد المطلب ، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به ، فجدع أنفه وأذناه ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين رأى ما رأى :( لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم !) فلما رأى المسلمون حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا :( والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب )
فنزل قوله تعالى :( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك الا بالله ، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون
فعفا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونهى عن المثلة ، وأمر بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى فيوضعون الى حمزة ، فصلى عليهم وعليه معهم ، حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة وكان ذلك يوم السبت ، للنصف من شوال ، سنة (3) للهجرة
أرأيت عزيزي القارئ كيف كان آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأعزهم حسبا ونسبا وبلغ بهم الأمر أن أكرمهم الله تعالى بالنبوة وأفاض عليهم الحق سبحانه وتعالى بأن جعلهم نبراسا للبشر وجعلهم شموسا مضيئة عبر الزمان فما منهم إلا وله على من حوله من البشر الفضل والمنة  وسنتناول بمشيئة الله تعالى رموز آل هاشم بالتفصيل .
ولكن لتعرف عزيزي القارئ قدرهم رأيت أن أطلعك على ما قام الكبار من أبناء الملة المسيحية وكيف أهانوا أنفسهم وأهانوا كذلك ملتهم  بما ارتكبوه من فظائع وجرائم وأن كان الكبار منهم على هذا النحو فكيف بابناءهم ؟
لأننا رأينا البلد الطيب من آل هاشم أخرج نبتا طيبا و شجرة يانعة طيبة أظلت الدنيا بظلالها الوافرة وأمدت الدنيا بثمارها الشهية وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بالذي خبث !!! بالله عليك ماذا سيثمر ؟ حتى لا أسقط عليك أفكاري عزيزي القارئ  أترك لك المجال فتقرأ ثم عقب بما شئت .







الباب الثاني
الأحبار والرهبان
صدق الحق سبحانه وتعالى حين قال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}
وقال تعالى :{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}
وقال سبحانه :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون}ثمّ قال جلَّ وعلا : {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
فرغم البلاغ والنذير لأهل الكتاب إلا أنهم لم يؤمنوا فختم اللهُ على قلوبهم وعلى سمعهم وأعمى أبصارهم وبصيرتهم ، وليس هذا فحسب بل  بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ، وهاهم يصدّون عن سبيل الله ويكنزون الذهب ويتسربلون به ، ثمّ هم يؤذون المسلمين المؤمنين بكلامهم .ولا نرد عليهم إلا بما قاله الشاعر :
            أعرض عن الجاهل السَّفيه               فكلّ مـا قـالَـهُ فـهو فـيه
             مـا ضرّ نهر الـفُرات يومـاً             أنْ خاضَ بعض الكلاب فيه
 ومهما حلم الحاقدون وحاولوا أن ينالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم . من تشويه سيرته والكذب عليه والتشنيع بدينه العظيم فلن يفلحوا ولن يعكّروا صفوَ الإسلام وسيبقى حُجّة عليهم إلى يوم الدين ،
وصدق الشاعر حين قال :  
                   لو رَجَمَ النّجمَ جميعُ الوَرَى          لما وصلِ.الرَّجمُ إلى النّجمِ
وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة وأمرنا مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، وامتثلَ المسلمون لذلك طيلة القرون الماضية وإلى الأن وإلى قيام الساعة  ، ولكنّ الحاقدون على الإسلام والذين ملئت قلوبهم غيظاً منه لم يُجدِ معهم كل ذلك ،فنقول لهم " قل موتوا بغيظكم ؛
ومن  تبلغُ به الوقاحة أن يصف الإسلام الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بأنه دين العنف والسيف واللاعقلانية ، ويتجاهل تاريخ دينِ كنيسته المظلم المحارب للعلم والقاتل للعلماء، والمنافر للعقل والبعيد عن التوحيد والمتأصّل بالوثنيّة ، ويتجاهل الانحطاط الأخلاقي لرجال الكنيسة الذي لم يُعرف له مثيل عبر التاريخ ، ويتجاهل الوحشية والدمويّة المغروسة في نفوس رؤساء و أتباع هذه الكنيسة والتي ظهرت جليّةً في صراع البابوات على كرسي الفاتيكان والوحشية التي تعاملوا فيها بينهم ، مِنْ فقئ العيون وقطع الألسن والقتل عطشاً ، وفي صراع الفرق المسيحيّة فيما بينها قديماً وحديثاً .
 وفي حروبهم الصليبيّة التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها في الوحشية والهمجية ولا حتى عند التتار وكذلك محاكم التفتيش التي أرعبت وأذهلت قوّاد الجيوش المسيحيين الذين ؛ كما صرّحوا حينها ؛ لم يكونوا يتخيّلون وحشيةً كتلك التي رأوها تجري على أيدي رؤساء الكنيسة تجاه المسلمين واليهود في الأندلس !!
كل ذلك لا لنشر فضيلة ولا لإحقاق حق وإنما حبّاً في سفك الدماء وتلذّذاً بإزهاق أرواح الملايين ، وما حروبهم في التاريخ المعاصر ببعيدة عن أذهاننا فقد تطاحنوا في أوربا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وأهلكوا الحرث والنسل وأبادوا بعضهم بالملايين ومحوا مدناً بكاملها عن وجه الأرض كما فعل الحلفاء بمدينة (درسدن)الألمانية ، بعدما دمّر الألماني هتلر صاحب الصليب المعقوف أوربا شرقاً وغرباً ولم يعرف العالم حروباً في همجيتها كهاتين الحربين ، ثمّ يأتينا هذا البندكت القس الألماني ليقول إنّ الإسلام نُشِرَ بالسيف !!
وتناسى أنّ عدد القتلى الذين وقعوا في جميع غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلى الطرفين (المسلمين والمشركين ) كان ألف قتيل تقريباً !!!! هذا العدد الذي تحصده حروب الصليبيين في ساعة واحدة .
سنتناول سيرتهم وما قاموا به من فضائح يندى لها الجبين ثم نتبع فضائحهم وأفعالهم القبيحة  ببعض من سيرة المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم  ليرى العالم الفارق الشاسع بين ما نادى به المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وحسن التعامل مع الأخر مهما كانت ديانته ومهما كان جنسه .
وبين ما نادى به الباباوات وبل وما فعلوه من جرائم يعف اللسان عن ذكرها ؛ وما نذكرها هنا في كتابنا إلا ذرا للرماد في العيون ؛ فكلما تحدثنا معهم قالوا أين الدليل ؟  فها هو الدليل على بشاعتهم وظلمهم ليس لنا فحسب بل لبني جنسهم .
ولنبين كيف علمنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كيف  نتعامل مع الأخر بالحسنى ولو في أحلك الظروف . وفي الحروب كذلك ؛  وأن نتعامل معهم بكل ثقة فإننا لا نرجوا إلا إحدى الحسنيين .
 وهذا ما يجعلنا نتصرف بثقة ونتعامل مع الأخرين بكل حرية ؛  أما هؤلاء فلا يتمنون إلا ما ملكته أيديهم ؛ ومن ثم فهم يبذلون كل ما يستطيعون للحصول عليه وهذا ما سنلحظه من جرائم ومجازر ؛  وليتها من أجل الله جل وعلا  أو الجنة بل العجيب إنها من أجل كرسي زائل ؛ بل لقد زال منهم الآن بالفعل ؛ فكل من ارتكب هذه الجرائم هم الآن تلاحقهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ولذا فأنا أدعوهم لما دعاهم إليه القرآن الكريم بقول الله تعالى {قل  يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به أحدا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }
تاريخ البابوات
وإليكم الآن مقتطفات عن تاريخ البابوات في أوربا ثمّ ترجمة موجزة للعديد منهم : جاء في كتاب   (( رحلتي من الكفر إلى الإيمان )) للكاتبة الأمريكيّة "مريم جميلة" وهي سيدة أمريكية من أصل يهودي اعتنقت الإسلام ، وهي خبيرة بالدين اليهودي والمسيحي .ص167 طبع المختار الإسلامي ما نصه :
1- وصلَ البابا [بولس الأول] إلى المنصب عام (757م) وبعد وفاته أَجْبَرَ دوق(نيبي) بعضَ الأساقفة على تكريس قسطنطين وهو شقيقه غير الشرعي لمنصب البابوية . ولكن اجتمع أساقفة آخرون عام (768م) وانتخبوا [ستيفن الرابع] للمنصب وعُوقِبَ قسطنطين بفقء عينيه كما قُطِعَ لسان أحدِ الأساقفة الذين انتخبوه وتُرِكَ ليموت في جُبٍّ من العطش !!
2- وفي عام (795م) ألقى ابنُ عمّ البابا أدريان القبضَ على البابا [ليو الثالث] الذي خَلَفَ ستيفن الرابع ، وذهبَ به إلى كنيسةٍ حيثُ فقأ عينيه وقطعَ لسانه وحلّ مكانه في المنصب !
وتمرُّ أكثر من مئة سنة في مؤامرات متبادلة بين الطامعين في البابوية وكان كل من يصل منهم إلى مبتغاه يُحاكم خصومه ويحكم عليهم بالموت !!! وخلال أربعة أعوام فقط من (896 إلى 900م) وصَلَ إلى المنصب أربعة بابوات وعُزِلوا !!
3- ونصل إلى عام (904م) لنجد صورة أخرى من الفساد . ففي ذلك العام وصلَ البابا [سرجيوس الثالث] إلى منصب الحبر الأعظم بالقوّة المسلّحة ! وقد كان للعاهرة (ثيودورا) سيّئة الصيت وابنتيها وهما أيضاً عاهرتان ، تأثيرٌ كبير عليه . وكانت ثيودورا تعشق أيضاً أحد الأساقفة وساعدته بنفوذها إلى الوصول للبابوية عام (915م) باسم يوحنا العاشر .
وتمكّن هذا البابا من الثّبات في منصبه لمدة أربعة عشر عاماً بفضل مساندة ثيودورا له ، لكنه فقد مكانه وأُطيح به عندما تآمرت عليه ابنتها (ماروزيا) بعد أن حَنَقَت عليه لأنّها فاجأتهُ في القصر البابوي في وضعٍ مخلٍّ مع ابنة أخيه !!!
4- وفي عام (931م) أوصَلَت ماروزيا ابنها غير الشرعي إلى البابوية تحت اسم يوحنّا الحادي عشر . لكن أحد أبنائها الآخرين منَ الحرام شَعَرَ بالغيرة ، فألقى القبض على أمّه وشقيقه ووضعهما في السجن وجلس على المقعد البابوي .
5- كذلك انتخب ابنه غير الشرعي للبابوية عام (956م) باسم يوحنا الثاني عشر وكان عمره في ذلك الوقت ثلاثة عشر عاماً !!
واشْتُهِرَت فضائح هذا البابا الأخير إلى حد أنّ الشعب الألماني دفعَ الإمبراطور (أوتوا) للتدخل . وعُقِدَ مَجْمَعٌ مقدّس ! لمحاكمة يوحنا الثاني عشر وتبيّن من الجلسات أنّه كان يتلقى رشاوى لتكريس الأساقفة ، وأنّه نصّبَ أُسقُفاً لا يتجاوز سنّه العاشرة ، بينما أقام احتفال (سيامة) لآخر في حظيرة للخيول . واتُّهمَ البابا كذلك بالزنا مع محظيّةٍ لأبيه ! وبارتكاب الفاحشة مرّات لا تعدّ !!! وكان معروفاً بالانحراف في الشراب والمقامرة والقسم بالآلهة الوثنيّة !!! وعندما طُلِبَ منه المثول أمام المجمع أبلغهم أنه خارجٌ للصيد .
6- وبعد عزلِه خَلَفَه البابا [ليو الثامن] عام (963م) الذي حاكمَ خصومه ومثَّلَ بهم ، إلاّ أنّ حياته انتهت على يد رجُلٍ كان قد غرَّرَ بزوجته !!))
ولكي يطمئنّ القرّاء لصدق هذه المعلومات إليكم تراجم هؤلاء البابوات وغيرهم من المصادر المسيحيّة المطبوعة والمنشورة ، وقد ترجمها أحد الكتّاب قديماً وهذا جزءٌ منها :
            فحش الباباوات وفسوقهم !!
    كيف الخلاصُ من الخطيئة بعدما ـ رَكِبَ الدَّعارةَ زمرةُ الرّهبان ؟!
 إنّا نوردُ الآن باختصار موجز تلك الجرائم والرّذائل التي ارتكبها كثيرون من سادات أحبار روما العظام ، الخلفاء الشرعيين للقديس بطرس الأوّل ، الذين شانوا ذلك الكرسي الرسولي بتوليهم عليه . وقبل أن ننهي كلامنا عن رؤساء الكنيسة المنظورين ، يتضح للقارئ أنّ كل نقيصة ورذيلة يمكن للعقل أن يتصوّرها قد انتهكها الذين زعموا أنهم نوّاب المسيح أو كما يعتقد النصارى نواب الله على هذه الأرض .
فالسرقة والاضطهاد والقتل والزنا والفحش والزنا بالأقارب المحارم وما يخجل منه القلم ويحمرُّ منه الجبين ، كل ذلك قد ارتكبه هؤلاء الحكّام المتعالون بالنصرانية الذين جلسوا على مركز العصمة وادّعوا الشرعيّة ، وما تسلُّطهم على عقول الشعوب النصرانية إلاّ مكرٌ منهم ومن الباباوات القدماء لجلب الدنيا إلى هؤلاء الرؤساء !
   شهِدوا على القدّيس حيث جَنَابُه ـ ركِبَ الزنا أَكْرِمْ به قدّيسا !
1- القديس [داماسوس الأول](366 ـ 384م) إنَّ هذا أوّل بابا لُقِّبَ بالحبر الأعظم ، وحين انتخابه مانَعَ فيه [أرسينيوس] وحِزْبه حيث قاموا على قداسته شكاية بأنّه رجلٌ زانٍ  . قال [ريدل] : بعد مقاتلة عنيفة جرت ما بين حزبي المتخاصمين أُبعِد [أرسينيوس] من المدينة .
والحُكمُ نفسه كان على وشك أن يجري ضد سبعة قسوس من حزبه لكن بمداخلة الشعب أُخِذَ أولئك القسوس ووضعوا في ملجأ أمين بالكنيسة لكنّ الكنيسةَ نفسها وحرمتَها لم تكن قادرة على حماية أرواح الملتجئين إليها من هياج خصومهم فـ [داماسوس] كان مسلّحاً بالسيف والنار مع بعض أتباعه وجميعهم من الإكليروس .
وعامّة القوم ذهبوا تواً إلى المكان الذي التجأ إليه أعداؤهم وتركوا أكثر من مئة وستين منهم قتلى على الأرض ضمن حدود ذلك المكان المقدّس على أنّ هذا الخصام كان مذبحةً وليس قتالاً بين حزبين ظاهر حيث لم يُقتل أحدٌ من أتباع [داماسوس] في هذه الموقعة
        وافْتَضَّ سكستوس بِكراً غادةً ـ فَلْيَسْلَمِ القديسُ سكستوس
2- القديس [سكستوس الثالث](432 ـ 440م) إنّ هذا البابا حسب رواية [باروينوس و بلاتبن ] قد أُقيمت ضدَّ قداسته دعوى وذلك لأنّ قداسته افْتضَّ بكارة إحدى العذارى ، وتألّف مَجْمَعٌ للحكم على قداسته لكن هذا المجمع الذي كان تحت رئاسة الإمبراطور [فالانتين] تركَ البابا وحوّل إليه كي يحكم بالقضيّة ! " حيث قاضي الكل لا يدنيه أحد "
3- علموا بأنّ اللهَ يُبغِضُ راهباً -- فتزوّجَ القديس هرمزداس
القديس [ هرمزداس] (514 ـ 523م) كان رجلاً متزوّجاً وله ولدٌ تولّى بعد ذلك كرسي البابويّة وكان قداسة هذا البابا طمّعاً ووقحاً في طلباته لدى الإمبراطور وهو الذي هيّجهُ لاضطهاد الهراتقة
4- في المهدِ قد نطقَ المسيحُ لقومه ـ وكذاك نجلُ البابا سرجيوس
القديس [ سرجيوس الأول ](678 ـ 701م) إنّ هذا القديس قد اتُّهِمَ بارتكاب الزنا ، لكن برهن على براءته بعبارة عجيبة حيث الطفل الذي قيل إنّه ابن البابا الزاني الفاسق في حين تعميده وكان عمره حينئذٍ ثمانية أيّام فقط ، صرخ قائلاً :" إنّ الحبر سرجيوس ليس والدي " .
 وقال [برايس] المؤرخ الفرنساوي عن البابوات :" إنَّ الذي يدهشني في هذه القصّة ليس كون الطفل الصغير في المهد يتكلم بل كونه أكّد باعتقادٍ تام على أنّ البابا ليس والده "
5- وكذلك أدريانوس هنَّأَ قاتلاً ــ بخطيئةٍ يا نِعمَ أدريانوس ‍‍!!
[ أدريانوس الثاني](867 ـ882م) كان كاهناً متزوجاً وهو الذي هنَّأَ [بازيليوس ] القاتل حين قتل الإمبراطور ميكائيل واتَّحدَ معه
6- أيُّ بابا أتى المخاضُ إليه ـ في احتفالٍ وولّده غلاماً ؟!
[يوحنّا الثامن](872 ـ 882م) إنّ هذا البابا لم يكن رجلاً بل امرأةً وأيّ نوع من النساء ؟
من النساء الزانيات وكان الشعب مغشوشاً بقداسته ولم يشك أحدٌ في ذكورته إلاّ معارفه الذين يسوسون له أو بالأحرى لها شهواتها . وبينما كان هذا البابا ماشياً في احتفالٍ في مقدّمة الكاردينالات والمطارنة مُحاطاً بالزينة والأنوار علامةً على قوةِ وجلالة البابوية ، أتى لقداسته ( البابا يوحنا الثامن أو حنة !) المخاضُ وذلك في أهمّ شارع من شوارع روما
أمّا تاريخ حياته فهو ابنة أحد المرسلين الإنكليز ، مسقطُ رأسها في مدينة (ماينز) أو (انكلهايم) حيث يوجد اختلاف في الرواية ، وهذه الابنة كانت لها علاقة غير شرعيّة بأحد رُهبانِ (فولده) لذلك لبست ثياباً كالرجال وهربت مع عاشقها إلى أثينا وهنالك مات حبيبها بمدة قصيرة بعد وصولها . وبعد موت العاشق رجعت هذه الزانية إلى روميّا وهنالك بسبب معارفها الممتازة صارت خوري فكردينال ثمّ ارتقت فصارت بابا ! وظلّت إلى أن عُرفت أنوثتها وذلك لمّا ولدت طفلاً أمام الجمهور وهي ماشية في مقدمة أحد المحافل العظيمة .
7- ومنذ ذلك الوقت حتى أيّام [لاون العاشر](1513 ـ 1522م) في القرن السادس عشر أي لمدّة نحو ستة قرون ونصف كانوا يقيمون في روميّا احتفالات ، والتي لا يمكن وصفها هنا ، حيث تحدث عند انتخاب كل بابا وذلك للكشف عليه كي يتأكّدوا ما إذا كان ذكراً أم أنثى
8- إنْ قيلَ إنَّ إلههم صلبوه ــــ سلْ أمَّ أسطفانوس أين أبوه ؟
[أسطفانوس السابع](896 ـ 897 م) : إنَّ هذا البابا نفسه كانت أمُّه زانية!!
9- كيف الذي عَبَدَ الرَّذيلةَ يعبدنَ __ مولاه مثلَ البابا سرجيوس !
[ سرجيوس الثالث ] (904 ـ 911م) : قال [ باريتوس ] عن هذا البابا : إنَّه كان عبداً لكلِّ رذيلة وأعظم إنسان شرير ، وقداسته عاش مع [ماروزية] الزانية كسريّة عنده
10- وقداسة البابا الذي مِنْ أُمِّهِ ــ عُرِفَ الخَنَا وعلم الأقواما
[يوحنّا العاشر](914ـ 928م) هذا كانت أم قداسته زانية  وتوصَّلَ إلى تولّي الكرسي الرسولي لأنّه كان حبيب ثيودورة أم ماروزية الزانية
11- [يوحنا الحادي عشر](931 ـ936م) كان ابن البابا سرجيوس الثالث وأم قداسته ماروزية الزانية ، وقد فاق والده في الجرائم وحين انتخابه للبابوية وكان في الثامنة عشرة من عمره طردَ أخاه [الباريك] من روميّا وسجنَ أمّهما ماروزية  إنّ الزانية ماروزية كانت ابنة رومانية من الأشراف بالولادة لكنها ذات سمعة رديئة كأمها الزانية ثيودوره من قبلها ، ولدت في أواخر القرن التاسع .
12- وهذه الزانية كانت صاحبة البابا سرجيوس الثالث وأم وجدّة لثلاثة باباوات ( قداسة يوحنا الحادي عشر ، وقداسة يوحنا الثاني عشر ، وقداسة لاون السابع) وقد تزوّجت ثلاث مرّات . وإن صدّقنا ما رواه لنا (لويتبرند) فهي كانت السبب في خلع وقتل البابا يوحنا العاشر وهي التي رفعت ابنها غير الشرعي (يوحنا الحادي عشر) من حبيبها البابا سرجيوس الثالث إلى مقام البابوية .
13- فالقصرُ حوّلَهُ إلى ماخورة --- (حنّا) ومات بضربة الشيطان
[يوحنا الثاني عشر] (956 ـ 964م) هو ابن الباريك وهو أول بابا غيَّرَ اسمه ، حيث كان اسمه الأصلي أوكتافيان وهو الذي انتخب نفسه للبابوية لما كان في السابعة عشرة من عمره. قال (وْلك) : " إنّ تدنُّسَهُ وتَهتُّكَهُ فاق كلّ حد " وقد أُقيمت على قداسته الحجّة علناً من أجل التسرّي والزنا بالأقارب المحارم والرشوة بوظائف الكنيسة . وهذا البابا كان ذا شهرة رديئة من أجل شهواته حتى إنّ النساء الزّائرات لم يتجاسرن على المجيء إلى روميّا 
 قال ( بوار) : " إنّ هذا البابا قد حوّل القصر اللا تيريني ، الذي كان مسكناً للقديسين ، إلى ماخورة وفيه كان يُضاجع سريّة أبيه ، وإنّ النساء من أجله كنَّ يخفن أن يأتين من البلاد الأخرى ليزرن قبور الرسل والقديسين في روميّا . وإنّ قداسته ما كان يدع أي امرأة بل كان يُجبر الزوجات والأرامل والعذارى أن يخضعن لمطالبه الرَّجسة .
ثمّ تمكّن [ أوتو] من خلع هذا البابا بالتماسٍ من مجمعٍ مؤلّف من المطارنة والعامة لارتكابه انتهاك حرمة الأشياء المقدسة والرشوة بوظائف الكنيسة والتجديف والتشويه القاسي لأنه قطع يد أحد الشمامسة اليمنى وخصاه ، وقلع عين [بانديكت]* وقطع أنف حافظ الأوراق القديمة وجلَدَ نيافةَ مطران أسباير ولعن وحرم جميع أضداده ، ثم مات عقب هذا الحرام بضربة أتته على رأسه بينما كان مضجعاً في الفراش مع إحدى النساء المتزوجات
ولاحظ (جوتن) أنّ ( باروينوس) قال راوياً عن (لويتبراندس) إن الشيطان هو الذي ضرب البابا يوحنا تلك الضربة على رأسه . لكن يظهر أنه من غير المحتمل أن الشيطان يُسيء لأخيه بعملٍ يقضي عليه بل من المرجّح غالباً أنّ الذي ضربَه تلك الضربة هو زوج المرأة الزانية التي كان في فراشها
14- [ بونيفاشيوس السابع](984 ـ 985م) والقديس [غريقوريوس السابع](1073 ـ 1087م) كانا أولاد زنا
15- تزوَّجَ بابنتي أخته (حوبا) ــ قداسته كما غفرَ الذّنوبا
[بوينفاشيوس الثامن](1294 ـ 1303م) إنّ هذا البابا لقّب نفسه بملك الملوك واحتجّ الشعبُ على بيعه وظائف الكنيسة وسفك الدماء والنهب ومِنْ سُكناه مع ابنتي أخته كسريّات له ، وقد ولدتا من قداسته
16- أغوى ولاط وأمرهُ مستنكرُ ــ إنّ الكنيسة للخطايا تغفِرُ ؟!
[ يوحنا الثالث والعشرين](1410 ـ 1417م) إنّ هذا البابا حوكِمَ أمام جمعٍ تألَّفَ لذلك الغرض وتبرهن ضده بشهادة سبعة وثلاثين شاهداً ومعظم أولئك الشهود من المطارنة والقسوس على أن قداسته مذنبٌ لارتكابه الفسق والزنا بالأقارب المحارم واللِّواطة والرشوة بوظائف الكنيسة والسرقة والقتل ، وقد شهِدَ عليه جماعة بأنّه أغوى واغتصب ثلاثمئة راهبة ، وقال كاتمُ أسراره الخاص (نبام) : إنّ هذا البابا كانت له نسوة في بولونيا وأصبحت نحو مئتي بنت ضحيّة شهواته ورفاهة قداسته
                           أحبار روما
17- [ سكستوس الرابع](1471 ـ1484م) قال (سنجر) في كتابه تاريخ العهارة وجه 159 : أنه وقعَ تحت نظره كتاب عن حياة البابوات والكتاب يُدعى (( الأحبار الرومانية )) طبع مدينة نيويورك سنة 1845م ، قال إنه قرأ في ذلك الكتاب أنّ تذكاراً أهدي إلى سكستوس الرابع بأحد أفراد عائلة الكردينال القديس (لوسيا) حيث سمحَ له أن يرتكب جريمة اللِّواطة ! ، وأنّ البابا كتبَ على ذلك التصريح أو الإذن كلمة (فيات) ومعناها أمر أو حكم .
18- [إينوستنسيوس الثامن](1492 ـ 1503م) إنّ قداسة هذا البابا كان من الأدنياء ولم يكن له أدنى سلطة على شهواته ، وقد اشتهى قداسته أرملةً وابنتين فجعلهن تحت تصرف شهوات قداسته . قال (وْلك) : إن هذا البابا رجلٌ لا آداب عنده ومخادعٌ وطمّاع ، وكسلفه لم يكن نصب عينيه إلاّ غرضٌ واحد يرمي إليه وهو تنمية وإكثار عائلته الوقتية الوراثيّة وقال عنه (موشايم) :" إنّ دناآتٍ كثيرة وجرائم عظيمة وارتكابات فظيعة قد أُرِّخَت عنه حتى صار من اللازم المؤكّد أنه كان رجلاً مُجَرَّداً ليس عن الدِّيانة فقط بل من اللياقة والخجل وهذا البابا في أحد الأعياد كان عند قداسته نسوة زانيات يرقصن وهؤلاء الزانيات بإشارة منه خَلَعْنَ ملابسهنّ و........ نحن نُسدل ستاراً على بقيّة المنظر
وقد كان قداسته يزني بأخته وابنته مدموزيل [لوكراتيا] حيث أنجَبَ منها ولداً !أمّا من جهة رواية موته فنتبع [رِنك] في تاريخه عن البابوات حيث قال :" من الثابت والمحقق أنّه أراد أن يُسمم أحد الكردينالات الأغنياء ليتخلّص من شرّه ، فأوعزَ إلى الطّاهي كي يضع السمّ في إناء الكاردينال ولكنّ الكردينال عرفَ ذلك فاحتال بواسطة الهدايا والوعودات والصلوات وكسب قلب رئيس طهاة البابا ، والإناء المسموم الذي كان منوياً وضعه أمام الكردينال وُضِعَ أمام البابا ومات بالسمّ الذي دسَّه لغيره !!
19- [بولس الثالث](1534 ـ 1550م) هذا البابا أيضاً كان زانياً واعترف بولد وبنتٍ وُلِدا له غير شرعيين . ولقد اعترضَ الإمبراطور عليه لأنّه رقَّى حفيديه إلى منصب الكردينالات وهما حديثا السن، فأجاب البابا أنه يريد أن يفعل كما فعل سلفه من قبله !!
ورثوا من الأسلاف كلَّ كريهَةٍ ــ وتستّروا خوفاً من الأتباعِ
قال الأب [شنكوي] : لا يظن القارئ ولا يُخدع بتصوره أنّ بابوات روميا في يومنا هذا أحسن أو أشرف من بابوات القرون الوسطى ! بل هم الآن على نمطِ أسلافهم القدماء لا فرق بينهم سوى أنّهم في هذه الأيّام يهتمّون في إخفاء خلاعتهم خوفاً من هذا العالم الذي أصبح متمدّناً ، فهم يخافون على وظائفهم وتهييج الشعب ضدهم ، فيُخفون خلاعتهم وتهتُّكهم بظواهر التَّديُّن قدر ما أمكن .
وتضيف الكاتبة : اذهب الآن إلى روميّا وهناك الرّوم الكاثوليك يدلّونك على البنتين الجميلتين اللتين وُلِدَتا للبابا [بيوس التاسع] (1846 ـ 1878م) من صاحبتيه !!! وهناك يُخبِرونك عن أسماء خمس صاحبات أخر له ـ ثلاث منهنّ راهبات ـ وهؤلاء كان يُصاحبهنّ منذ كان خورياً ومطراناً !! والبعض منهن ما زلنَ على قيد الحياة يرزقن.
البابا غريغوريس من أكبر سكيري إيطاليا !!
قال الأب شنكوي في كتابه الخوري والمرأة والاعتراف :" سل أولئك الذين يعرفون البابا [غريغوريس السادس عشر] (1832 ـ 1846) سلف [بيوس التاسع] وهم يروون لكَ تاريخ صاحباته ، وكانت إحداهنّ زوجةَ حلاّقِه ! ويُخبرونك أيضاً بأنّ قداسته كان من أكبر سكيري إيطاليا 
وبعد هذا العرض الموجز للتاريخ المخزي لبابوات الفاتيكان ألا يستحي بندكتوس السادس عشر من الظهور أمام العالم ليتحدّث باسم هذه البابوية المقرفة ، فضلاً عن النيل من شريعة الإسلام الطاهرة ومن رسولها الزكيّ عليه الصلاة والسلام ؟؟!وألا يستحي المصفّقون له والمدافعون عنه ودعاة التقارب معه من الظهور أمام الناس بعد اليوم ؟!
وبعد هذا الغث أدعوك عزيزي القارئ لتستنشق معي عبير النبوة وتمتع عينيك بقبس من أنوار المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم وبعض من تاريح القادة العظماء من أمته  وقد رأيت هنا أن أتحدث عن القادة ليرى الجميع تصرفات قادة المسلمين وهم في أوج انتصاراتهم في الوقت الذي تزوغ فيه الابصار ويرتكب المنتصرون مالا يحمد من الأعمال رأينا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرفون بنبل منقطع النظير فكادوا حقا أن يكونوا انبياء .
وان قال البعض بأن هولاء تدربوا ونشاؤا علي يد المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ؛  تقول نعم  وان كانت في صالحنا فسنتبعهم بسيرة ممن جاؤء بعدهم ليعلم الجميع إنما الفضل لله وللرسول فالحق سبحانه وتعالى أنزل إلينا المنهج ووضحه لنا الرسول الكريم فكان نعم القدوة ولذا حين سار التابعون على المنهج كانوا نعم المثال ونعم النماذج المشرفة للإسلام إذن فهو الدين والمنهج ولذا فنحن ننادي أهل الكتاب إن لم يتبعونا فعليهم أن يشهدوا بأنا مسلمون .

                  


























الباب الثالث
النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة
أخبرتك عزيزي القارئ بأن نبينا ذو حسب ونسب فريد فما من بشر يعرف نسبه إلى آدم أبي البشر نقيا سليما طاهرا مثل المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم وستعرض فى عجالة نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكره صفى الرحمن المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم : وهو ينقسم إلى ثلاثة أجزاء‏:‏
الجزء الأول ‏:‏ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان‏.‏
الجزء الثانى ‏:‏ ما فوق عدنان، وعدنان هو ابن أُدَد بن الهَمَيْسَع بن سلامان بن عَوْص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حَمْدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما السلام‏.‏
الجزء الثالث ‏:‏ ما فوق إبراهيم عليه السلام، وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن رَاعُو بن فَالَخ بن عابر بن شَالَخ بن أرْفَخْشَد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن مَتوشَلخَ بن أَخْنُوخ ـ يقال ‏:‏ هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يَرْد بن مَهْلائيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السلام‏.‏
الأسرة النبوية :-
وقد تحدثنا فيما سبق عن جد النبيمحمد صلى الله عليه وسلم وهو عبد المطلب وعن أشهر أعمامه وعماته ولأن أسرة النبي  صلى الله عليه وسلم تعرف بالأسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف ـ فينبغي أن نذكر شيئًا من أحوال هاشم ومن بعده ‏:
هاشم بن عبد مناف بن قصي
‏ واسم هاشم عَمْرو وشرُف بعد أبيه وجل أمره واصطلحت قريش على أن يولّى هاشم الرئاسة والسقاية والرفادة . قال ابن عباس : أن قريشاً كانوا إذا أصابت واحداً منهم مَخْمَصة ؛ أي ( فقر)  جرى هو وعياله إلى موضع معروف فضربوا على أنفسهم خباء فماتوا ، حتى كان عَمْرو بن عبد مناف (يعني هاشماً) وكان سيّداً في زمانه ، وله ابن يقال له : أسد ، وكان له تِرْبٌ أى ( صديق )  من بني مخزوم يحبه ويلعب معه .
 فقال له : نحن غداً نعتفد وتأويله ذهابهم إلى ذلك الخباء وموتهم واحداً بعد واحد ، فدخل أسد على أمه يبكي وذكر ما قال تربه ، فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق فعاشوا به أياماً ، ثمّ إن تربه أتاه أيضاً فقال له : نحن غداً نعتفد فدخل أسد على أبيه يبكي وخبره خبر تربه .
 فاشتدّ ذلك على عَمْرو بن عبد مناف ، فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره فقال : إنّكم أحدثتم حَدَثاً تقِلُّون فيه وتكثر العرب وتذِلّون وتعِزّ العرب وأنتم أهل حرم الله جلّ وعز وأشرف ولد آدم والناس لكم تبع ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم فقالوا له : نحن لك تبع ، قال : ابتدئوا بهذا الرجل (يعني أبا ترب أسد) فأغنوه عن الاعتفاد ففعلوا  .
 وكان هاشم أول من سَنَّ الرحلتين لقريش  ، ترحل إحداهما في الشتاء إلى اليمن وإلى الحبشة إلى النجاشي فيكرمه ويَحْبوه ، ورحلة في الصيف إلى الشام إلى غزة وربّما بلغ أنقرة ، فيدخل على قيصر فيكرمه ويحبوه ، فأصابت قريشاً سنوات ذهبن بالأموال ، فخرج هاشم إلى الشام ، فأمر بخبز كثير فخبز له فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكة ، فهشم ذلك الخبز (يعني كسره وثرده) ونحر تلك الإبل ، ثم أمر الطهاة  فطبخوا ، ثم كفأ القدور على الجِفان ، فأشبع أهل مكة ، فكان ذلك أول الحيا بعد السَّنة  التي أصابتهم ، فسمي بذلك : هاشماً .
 وقال عبد الله بن الزبعرى في ذلك :
      عمرو العلى هشم الثريد لقومه      ورجال  مكة مُسنِتون عجاف
وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : يا معشر قريش إنّكم جيران الله وأهل بيته وإنّه يأتيكم في هذا الموسم زُوّار الله يعظِّمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزُوّاره يأتون شعثاً غبراً من كل بلد على ضَوامر كأنهن القِداح  قد أزحفوا  وتفلوا  وقملوا وأرملوا  فاقروهم  وأسقوهم .
 فكانت قريش ترافَدُ  على ذلك ، حتى أن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم .وكان هاشم بن عبد مناف بن قصي يخرج في كل عام مالاً كثيراً ، وكان قوم من قريش أهل يسارة يترافدون ، وكان كل إنسان يرسل بمائة مثقال هرقلية  ، وكان هاشم يأمر بحياض من أُدُم فتجعل في موضع زمزم ثم يستقي فيها الماء من البِئار التي بمكة فيشربه الحاج. وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وجُمَّع وعَرَفة ، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والخبز والسمن والسويق  والتمر ، ويجعل لهم الماء فيسقون بمنى ، والماء يومئذ قليل في حياض الأدم  إلى أن يصدُروا  من منى فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس لبلادهم .
وعمرو بن عبد مناف الجد الأكبر للرسول صلى الله عليه وسلم وكان رجلا كريمًا فقد حدث في عصره أن نزل القحط بالناس، فلم يجدوا ما يأكلون، وكادوا يموتون جوعًا، وبدأ كل إنسان يفكر في نجاة نفسه فقط، فالذي عنده طعام يحرص عليه ويحجبه عن الناس، فذهب عمرو إلى بيته وأخرج ما عنده من الطعام، وأخذ يهشم الثريد (أي: يكسر الخبز في المرق) لقومه ويطعمهم، فسموه (هاشمًا)؛ لأنه كريم يهشم ثريده للناس جميعًا.
وعندما ضاق الرزق في مكة أراد هاشم أن يخفف عن أهلها، فسافر إلى الشام صيفًا، وإلى اليمن شتاء؛ من أجل التجارة، فكان أول من علَّم الناس هاتين الرحلتين، وفي إحدى الرحلات، وبينما هاشم في طريقه للشام مر بيثرب، فتزوج سلمى بنت عمرو إحدى نساء بني النجار،وذهب بها إلى مكة إلا أنهم اشترطوا عليه ألا تلد إلا عندهم بيثرب فأخذها معه وهوفي طريقه إلى رحلة الشام  وتركها وهي حامل بابنه عبد المطلب لتلد بين أهلها كما اشترطوا عليه. وَوَلَدَ هاشم : عبد المطلب وهو شيبة الحمد ، ونضلة بن هاشم وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم واسمه عمرو
2 ـ عبـد المطلب ‏:‏ كنا قد تحدثنا عن عبد المطلب جد الرسول بشئ من الإيجاز والأن نتناوله ببعض التوضيح  فمن المعلوم أن السقاية والرفادة بعد هاشم صارت إلى أخيه المطلب بن عبد مناف ‏[‏وكان شريفًا مطاعًا ذا فضل في قومه، كانت قريش تسميه الفياض لسخائه‏]‏
لما صار شيبة ـ عبد المطلب - ابن سبع سنين أو ثماني سنين سمع به عمه المطلب‏.‏ فرحل إلى يثرب في طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه، وأردفه على راحلته فامتنع حتى تأذن له أمه، فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت، فقال ‏:‏ إنما يمضى إلى ملك أبيه وإلى حرم الله فأذنت له، فقدم به مكة مردفه على بعيره، فقال الناس‏:‏ هذا عبد المطلب.
 فقال‏:‏ ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع، ثم إن المطلب مات  بـ ‏[‏دمان‏]‏ من أرض اليمن، فولى بعده عبد المطلب، فأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لقومهم،وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم‏.‏
ولما مات المطلب وثب نوفل على أركاح بد المطلب فغصبه إياها، فسأل رجالًا من قريش النصرة على عمه، فقالوا‏:‏ لا ندخل بينك وبين عمك، فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتًا يستنجدهم، فسار خاله أبو سعد بن عدى في ثمانين راكبًا، حتى نزل بالأبطح من مكة، فتلقاه عبد المطلب، فقال‏:‏ المنزل يا خال، فقال‏:‏ لا والله حتى ألقى نوفلًا، ثم أقبل فوقف على نوفل، وهو جالس في الحجر مع مشايخ قريش، فسل أبو سعد سيفه
وقال‏:‏ ورب البيت، لئن لم ترد على ابن أختى أركاحه لأمكنن منك هذا السيف، فقال‏:‏ رددتها عليه، فأشهد عليه مشايخ قريش، ثم نزل على عبد المطلب، فأقام عنده ثلاثًا، ثم اعتمر ورجع إلى المدينة‏.‏ فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم‏.‏ ولما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا‏:‏ نحن ولدناه كما ولدتموه، فنحن أحق بنصره ـ وذلك أن أم عبد مناف منهم ـ فدخلوا دار الندوة وحالفوا بني هاشم على بني عبد شمس ونوفل، وهذا الحلف هو الذي صار سببًا لفتح مكة كما سيأتى‏.‏    ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان‏:‏
حفر بئر زمزم ووقعة الفيل
 الأول: على يدي عبد المطلب بن هاشم التي كان قد درس رسمها بعد طم جرهم لها إلى زمانه .
قال محمد بن إسحاق : ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، وكان أول ما ابتدئ به عبد المطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري ، عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال :
 قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال لي : احفر طيبة قال : قلت : وما طيبة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت ، فجاءني فقال : احفر برة قال : قلت : وما برة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فجاءني فقال : احفر المضنونة قال : قلت : وما المضنونة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فيه فجاءني قال : احفر زمزم قال : قلت : وما زمزم ؟ قال : لا تنزف أبدا ، ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم.
وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل قال : فلما بين لي شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، وليس له يومئذ ولد غيره فحفر ، فلما بدا لعبد المطلب الطي ، كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا ، فأشركنا معك فيها قال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وأعطيته من بينكم قالوا له : فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها . قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا : كاهنة بني سعد بن هذيم قال : نعم وكانت بإشراف الشام فركب عبد المطلب ، ومعه نفر من بني أمية ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر فخرجوا ، والأرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعضها نفد ماء عبد المطلب ، وأصحابه ، فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا من معهم فأبوا عليهم وقالوا : إنا بمفازة ، وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم .
فقال عبد المطلب : إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلا واحدا ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا .
فقالوا : نعم ما أمرت به ، فحفر كل رجل لنفسه حفرة ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض لا نبتغي لأنفسنا ، لعجز فعسى أن يرزقنا الله ماء ببعض البلاد . فارتحلوا حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل ، فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا قبائل قريش ، وهم ينظرون إليهم في جميع هذه الأحوال .
 فقال : هلموا إلى الماء فقد سقانا الله ، فجاءوا فشربوا واستقوا كلهم ثم قالوا لعبد المطلب : قد والله قضي لك علينا والله ما نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم .
قال ابن إسحاق فهذا ما بلغني عن علي بن أبي طالب في زمزم قال ابن إسحاق وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم
ثـم ادع بالمـاء الـروى غـير الكدر
يسـقي حجـيج اللـه فـي كـل مبر
ليس يخاف منه شيء ما عمر
قال : فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال : تعلموا أني قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا : فهل بين لك أين هي ؟ قال : لا قالوا : فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت ، فإن يك حقا من الله يبين لك وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك ، فرجع ونام فأتى فقيل له : احفر زمزم إنك إن حفرتها لن تندم ، وهي تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم ، وينذر فيها ناذر بمنعم تكون ميراثا ، وعقدا محكم ليست لبعض ما قد تعلم ، وهي بين الفرث والدم .
قال ابن إسحاق فزعموا أن عبد المطلب حين قيل له ذلك قال : وأين هي ؟ قيل له : عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا ، فالله أعلم أي ذلك كان قال : فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره - زاد الأموي ومولاه أصرم - فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين إساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر .
 فقامت إليه قريش وقالوا : والله لا نتركنك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث : ذد عنا حتى أحفر ، فوالله لأمضين لما أمرت به ، فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه ، فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطي فكبر وعرف أنه قد صدق ، فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالتين من ذهب اللتين كانت جرهم قد دفنتهما ، ووجد فيها أسيافا قلعية وأدرعا فقالت له قريش : يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق قال : لا ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا : وكيف نصنع ؟ قال : أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن خرج قدحاه على شيء كان له ، ومن تخلف قدحاه فلا شيء له قالوا : أنصفت فجعل للكعبة قدحين أصفرين وله أسودين ولهم أبيضين ثم أعطوا القداح للذي يضرب عند هبل ، وهبل أكبر أصنامهم ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد اعل هبل يعني هذا الصنم
وقام عبد المطلب يدعو الله وذكر يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق أن عبد المطلب جعل يقول:
اللهم أنـت الملـك المحـمود        ربـي أنـت المبـدئ المعيــد
وممسـك الراسية الجـلمود          مـن عنـدك الطـارف والتليـد
إن شـئت ألهمـت كمـا تريـد          لمـوضع الحليـة والحــديد
فبيـن اليـوم لمـا تريـد         إنـي نذرت العــاهد المعهـود
 اجعله لي رب فلا أعود
قال : وضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة ، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب ، وتخلف قدحا قريش ، فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة ، وضرب في الباب الغزالتين من ذهب ، فكان أول ذهب حليته الكعبة فيما يزعون ، ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج.
وذكر ابن إسحاق وغيره أن مكة كان فيها أبيار كثيرة قبل ظهور زمزم في زمن عبد المطلب ثم عددها ابن إسحاق وسماها وذكر أماكنها من مكة وحافريها إلى أن قال : فعفت زمزم على البئار كلها وانصرف الناس كلهم إليها لمكانها من المسجد الحرام ، ولفضلها على ما سواها من المياه ، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها ، وعلى سائر العرب .
وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث إسلام أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زمزم إنها لطعام طعم وشفاء سقم وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماء زمزم لما شرب منه .
وقد رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن المؤمل ، وقد تكلموا فيه ولفظه ماء زمزم لما شرب له ورواه سويد بن سعيد عن عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ماء زمزم لما شرب له ولكن سويد بن سعيد ضعيف والمحفوظ عن ابن المبارك عن عبد الله بن المؤمل كما تقدم
وقد رواه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا ماء زمزم لما شرب له وفيه نظر والله أعلم . وهكذا روى ابن ماجه أيضا والحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة ، واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم . .
وقد ذكر عن عبد المطلب أنه قال : اللهم إني لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل وقد ذكره بعض الفقهاء عن العباس بن عبد المطلب والصحيح أنه عن عبد المطلب نفسه ، فإنه هو الذي جدد حفر زمزم كما قدمنا والله أعلم . وقد قال الأموي في مغازيه حدثنا أبو عبيد أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب يحدث أن عبد المطلب بن هاشم حين احتفر زمزم قال : لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل وذلك أنه جعل لها حوضين حوضا للشرب وحوضا للوضوء فعند ذلك قال : لا أحلها لمغتسل لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه .
قال أبو عبيد : قال الأصمعي : قوله وبل إتباع قال أبو عبيد : والإتباع لا يكون بواو العطف وإنما هو كما قال معتمر بن سليمان : إن بل بلغة حمير : مباح .
ثم قال أبو عبيد : حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود أنه سمع رزا أنه سمع العباس يقول : لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن علقمة أنه سمع ابن عباس يقول ذلك ، وهذا صحيح إليهما وكأنهما يقولان ذلك في أيامهما على سبيل التبليغ والإعلام بما اشترطه عبد المطلب عند حفره لها فلا ينافي ما تقدم والله أعلم .
وقد كانت السقاية إلى عبد المطلب أيام حياته ثم صارت إلى ابنه أبي طالب مدة ثم اتفق أنه اتفق في بعض السنين فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف إلى الموسم الآخر ، وصرفها أبو طالب في الحجيج في عامه فيما يتعلق بالسقاية ، فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شيء فقال لأخيه العباس : أسلفني أربعة عشر ألفا أيضا إلى العام المقبل أعطيك جميع مالك فقال له العباس : بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لي أكفكها فقال : نعم فلما جاء العام الآخر لم يكن مع أبي طالب ما يعطي العباس فترك له السقاية فصارت إليه ثم من بعده صارت إلى عبد الله ولده ثم إلى علي بن عبد الله بن عباس ثم إلى داود بن علي ثم إلى سليمان بن علي ثم إلى عيسى بن علي ثم أخذها المنصور واستناب عليها مولاه أبا رزين ذكره الأموي
و الثانى‏:‏ الأحباش على اليمن وكانوا يدينون بالنصرانية، ورأى أبرهة عامل ملك الحبشة على اليمن أنَّ الناس يسافرون للحج إلى مكة شرَّفها الله بالكعبة، وأراد صرف النَّاس عن ذلك، فبنى كنيسة ضخمة بصنعاء لم يُر مثلها، وسمَّاها القليس، لارتفاع بنائها وعلوها، وقد استغلَّ أبرهة أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة، وكان ينقل إليها الرخام والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس، وأراد حمل الناس على الحج إليها .
ولكن العرب احتقروها، فغضب أبرهة وحلف ليسيرن إلى الكعبة في مكة حتى يهدمها، ثُمَّ أمر جيشه بالاستعداد والتجهيز. وكان مع أبرهة فيل ضخم لم ير مثله قوةً وجسماً، ثُمَّ سار أبرهة بجيشه يتقدمهم الفيل متجهين إلى مكة يريدون هدم الكعبة بيت الله الحرام، وأثناء مسيرته إلى مكة خافتة القبائل وهابته واستسلمت له.
 وعندما قرب أبرهة من مكة أرسل رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على مقدمة الخيلة، وأمره بالغارة على مكة، فقام الأسود بالإغارة على مكة وساق إلى أبرهة أموال أهل مكة، وأصاب مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم سيد قريش وجد رسول    الله صلى الله عليه وسلم. بعد هذه الغارة التي قام بها الأسود على مكة بعث أبرهة رجلاً من حمير اسمه حناطة الحميري إلى مكة ليسأل عن سيد أهلها وشريفها، ويبلغه أنَّ أبرهة  لم يأت لقتالٍ وإنما جاء لهدم الكعبة، فإن لم تُعرضوا لحربه فلا حاجـة له في دمائكم، فدخل حناطة مكة وأبلغ عبد المطلب برسالة أبرهة .
فقال عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا به طاقة، فإنَّ الكعبة بيت الله الحرام، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه فوالله  ما عندنا دفع عنه. فطلب إلـيه حناطة أن يذهب معه لمقابلة أبرهة، فذهب معه عبد المطلب، وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلمَّـا رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه ودعاه فأجلسه معه، وطلب عبد المطلب من أبرهة أن يرد عليه إبله التي أصابها وأخذها  
  فقال أبرهة لعبد المطلب: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئـت لأهدمه لا تكلمني فيه. قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإنَّ للبيت رباً يحميه. قال أبرهة: ما كان ليمتنـع عني. فقال عبد المطلب: أنت وذلك، فأمر أبرهة برد إبل عبد المطلب إليه     
بعد هذا اللقاء انصرف عبد المطلب بن هاشم إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتفرق في الشعاب، تخوفاً عليهم من أبرهة وشدة جيشه، ثُمَّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده،
وقال عبد المطلب:
اللهم إن المرء يمنع * رحله فامنع يارب رحالك
وانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك
لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم أبــداً محــالك
فإن تتركهم وبيتك  * فإن أمــرا ما بـدا لك
 ثُمَّ انطلق عبد المطلب ومن معه إلى شعاب الجبال ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها، تهيأ أبرهة للدخول إلى مكة، وعبأ جيشه وهيأ فيله، إلا أنَّ الفيل عندما وجه إلى مكة برك على الأرض، ثُمَّ أرسل الله تعالى عليهم طيراً من جهة البحر، ومع كل طير ثلاثة أحجار، فما أصابت هذه، الحجارة أحداً إلا هلك.
 وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل* ألم يجعل كيدهم في تضليل* وأرسل عليهم طيراً أبابيل* ترميهم بحجارة من سجيل* فجعلهم كعصفٍ مأكول } [ سورة الفيل]. وسلَّط الله على أبرهة داء في جسده فأخذت تسقط أنامله، حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ طائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه             
، فلما نزل بالجيش ما نزل رجعوا إلى بيوتهم آمنين‏.‏ وكانت هذه الوقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يومًا أو بخمسة وخمسين يومًا ـ عند الأكثر ـ وهو يطابق أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة 571 م، وكانت تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته؛ لأنّا حين ننظر إلى بيت المقدس نرى أن المشركين من أعداء الله استولوا على هذه القبلة مرتين بينما كان أهلها مسلمين، كما وقع من بُخْتُنَصَّر سنة 587 ق‏.‏م، ومن الرومان سنة 70 م، ولكن لم يتم استيلاء نصارى الحبشة على الكعبة وهم المسلمون إذ ذاك، وأهل الكعبة كانوا مشركين‏.‏
وقد وقعت هذه الوقعة في الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك‏.‏ فالحبشة كانت لها صلة قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم؛ ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة.
 وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الوقت‏.‏ فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله ، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرًا للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله للمشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب‏.‏
وكان لعبد المطلب عشرة بنين، وهم‏:‏ الحارث، والزبير، وأبو طالب، وعبد الله ، وحمزة، وأبو لهب، والغَيْدَاق، والمُقَوِّم، وضِرَار، والعباس‏.‏ وقيل‏:‏ كانوا أحد عشر، فزادوا ولدًا اسمه‏:‏ قُثَم، وقيل ‏:‏ كانوا ثلاثة عشر، فزادوا‏:‏ عبد الكعبة وحَجْلًا، وقيل‏:‏ إن عبد الكعبة هو المقوم، وحجلا هو الغيداق، ولم يكن من أولاده رجل اسمه قثم، وأما البنات فست وهن ‏:‏ أم الحكيم ـ وهي البيضاء ـ وبَرَّة، وعاتكة، وصفية، وأرْوَى، وأميمة‏.‏
3ـ عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
أمـه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بـن مـرة، وكـان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح؛ وذلك أن عبد المطلب لمـا تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه.
 فقيل ‏:‏ إنه أقـرع بينهم أيهم ينـحـر ‏؟‏ فطـارت القرعــة على عـبد الله ، وكــان أحـب النـاس إليه‏.‏فقال‏:‏الله م هو أو مائة من الإبل‏.‏ثم أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل، وقيل‏:‏إنه كتب أسماءهم في القداح،وأعطاها قيم هبل، فضرب القداح فخرج القدح على عبد الله .
 فأخذه عبد المطلب، وأخذ الشفرة،ثم أقبل به إلى الكعبة ليذبحه،فمنعته قريش ولاسيما أخواله من بني مخزوم وأخوه أبو طالب‏.‏ فقال عبد المطلب ‏:‏ فكيف أصنع بنذري‏؟‏ فأشاروا عليه أن يأتى عرافة فيستأمرها، فأتاها، فأمرت أن يضرب القداح على عبد الله وعلى عشر من الإبل، فإن خرجت على عبد الله يزيد عشرًا من الإبل حتى يرضى ربه، فإن خرجت على الإبل نحرها، فرجع وأقرع بين عبد الله وبين عشر من الإبل، فوقعت القرعة على عبد الله ، فلم يزل يزيد من الإبل عشرًا عشرًا ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغت الإبل مائة فوقعت القرعة عليها، فنحرت ثم تركت، لا يرد عنها إنسان ولا سبع، وكانت الدية في قريش وفي العرب عشرًا من الإبل، فجرت بعد هذه الوقعة مائة من الإبل، وأقرها الإسلام، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أنا ابن الذبيحين‏]‏ يعنى إسماعيل، وأباه عبد الله ‏.‏
واختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها، فبني بها عبد الله في مكة، وبعد قليل أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرًا، فمات بها.
 وقيل ‏:‏ بل خرج تاجرًا إلى الشام، فأقبل في عير قريش، فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها، ودفن في دار النابغة الجعدى، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر المؤرخين، وقيل ‏:‏ بل توفي بعد مولده بشهرين أو أكثر‏.‏ ولما بلغ نعيه إلى مكة رثته آمنة بأروع المراثى، قالت ‏:‏ -
عَفَا جانبُ البطحاءِ من ابن هاشم ** وجاور لَحْدًا خارجـًا في الغَـمَاغِـــم
دَعَتْـه المنـايا دعــوة فأجـابـهـا ** وما تركتْ في الناس مثل ابن هاشـم
عشيـة راحـوا يحملـون سريـره ** تَعَاوَرَهُ أصـحـابــه في التزاحــــم
فإن تـك غـالتـه المنـايا ورَيْبَهــا ** فقـد كـان مِعْطــاءً كـثير التراحم
وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
المولـــد
ولـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل، ولأربعـين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصورفورى ـ رحمه الله ‏.‏
وروى ابــن سعــد أن أم رســول الله صلى الله عليه وسلم قالــت ‏:‏ لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام‏.‏ وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـًا مـن ذلك‏.‏
وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما‏.‏ وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعى التسجيل‏.‏
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له‏.‏ واختار له اسم محمد ـ وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب ـ وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون‏.‏
ولقد كتب الشاعر الدكتور صلاح القوصي ديوانا فيه ما يزيد عن الف بيت في مدح الرسول الكريم  اقتبست منها هذه الأبيات المناسبة للحدث :
لما مست ذات رسول            الله الأرض وولد محمد
حجب الجن وهدم القصر               وأطفأ نار الكفر محمد
لا بالروح ولكن جسدا                 فيه السر بنفس محمد
عطر كل الكون النفس                   وشرف كل الكون محمد
حتى الحجر حتى الشجر                      تهلل من إشراق محمد
اّمن ادم عند الخلق                            وإبراهيم اتبع محمد
أما يعقوب الأسباط                    وكل بنيه رجال محمد
واذكر إدريس المحبوب                     وموسى بشر باسم محمد
حتى عيسى  قبلا جاء                  وقال : أنا من حزب محمد
كل الرسل جميعا اخذوا                       إصر الله لنصر محمد
والرحمن تعالى قال                         إمام جميع الرسل محمد
سبقوا بعثا والأنوار                        إليهم يرسل قلب محمد
محراب الأرواح جميعا                     وشفيع الأكوان محمد
ديوان ألفية محمد صلى الله عليه وسلم الجزء الحادي عشر ص 34 , 35
وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع ـ ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له‏:‏ مَسْرُوح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي‏.‏
أول لقاء للرسول صلى الله عليه وسلم مع أهله خارج المدينة ومكة
من المعلوم أن غزوة بدر هي أول لقاء مسلح بين المسلمين وبين أهل مكة ولكن سبق الغزوة سنوات من التعذيب والأسى ما يعلمه إلا الله تعالى  فقد يظن البعض أن المسلمين ما خرجوا إلا لأخذ أموال القافلة  فيسأل أين السلمون الذين تتحدث عنهم نقول لهولاء : لقد تحمل المسلمون في مكة قبل لهجرة مالا يتحمله أحد فسعقد مقارنة سريعة بين معاندة وتعذيب فرعون لقوم موسى عليه السلام وبين معاندة أهل مكة للمسلمين منهم  تاركا لك عزيزي القارئ الحكم في النهاية :
أولا : رأى فرعون أن بني إسرائيل أغراب وصورت له نفسه إن تركهم وما يريدون فلا شك أنهم ستقوى شوكتهم وقد ينتزعوا منه ملكه
أما صحابة الرسول الكريم فهم أبناء البلد بل وعلى رأسهم السول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فهو الحسيب النسيب وهم جمبعا يفتخرون بالنسب إلي هذه الشجرة المباركة فمكانة قريش إنما هي من انتماءهم لنبي الله إبراهيم عليه السلام والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هوأفضلهم وأكرمهم نسبا .
ثانيا : يخشى فرعون من امتلاك بني إسرائيل لأرض مصر فآثر حربهم وقتالهم على الإيمان بالله وبرسوله .
أما الرسول الكريم محمد وصحابته فأبناء البلد كما ذكرنا فإن تركوهم وشأنهم لاينقص من بلدهم شئ بل إن اتبعوهم سيملكون بهم الدنيا فعزهم عز لهم 
فالحقيقة أنه ليس هناك ما يبرر العداء الذي افتعلته قريش ضد الرسول الكريم وصحابته الكرام وبخاصة أنهم يعلمون علم اليقين من هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عرفوه أنقى الأطفال وأفضلهم حسبا ونسبا
أرقى الشباب وأنقاهم نبلا وخلقا عهدوه صادق أمينا أودعوا لديه أموالهم وودائعهم يحاربوه نهارا ويودعوه الأمانات ليلا فما قعلوا ذلك إلا لأنهم يثقون ثقة تامة بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب الخلق الرفيع يكاد يكون النبيل الأوحد
ومع عداوتهم له ولاصحابه لم يفرط في أماناتهم بل استبقى ابن عمه على بن ابى طالب ليلة الهجرة ليرد ما لديه من أمانات وودائع فى حين خرج المهاجرين من ديارهم وأموالهم  ومن المعلوم أن أهل مكة كانوا تجارا يعرفون قيمة الأشياء فكانت الأمانة تقتضى أنه كما أوفى الرسول الكريم لهم أن يوفوا هم كذلك ويقيموا ما تركه المسلمون بمكة ويقدمونه لهم بديارهم الجديدة ليكون عونا لهم على الحياة التى لولا رحمة الله تعالى والف بين قلوب المهاجرين والانصار لكان لحياتهم شكلا أخر
والمسلمون المهاجرون تركوا أموالا طائلة لأنك لو علمت أن المهاجرين مع الرسول كانوا أكثر من ثلاثمائة بمعنى أنهم لا يقلون عن مائتي أسرة فلو تركت كل أسرة على الأقل عشرة من الإبل وعشر رؤؤس من الأغنام لكانت التركة ألفي بعير والفي رأس من الأغنام هذا غير البيوت والأموال
لقد استقوى أهل مكة بهذه الأموال على المسلمين بالله عليك فحين يعلم المسلمون أن هناك قافلة لقريش بها ألف بعير ألا يعتقدون أنها أموالهم وأنها من الواجب أن تعود إليهم وهذا ما دفع الرسول الكريم محمد ومن نفر معه من الصحابة لأخذ القافلة عوضا عما فاتوه وتركوه فى مكة
ورغم أنها حقهم كما رأيت إلا أن الله تعالى لم يرد لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون أول لقاء بين نبيه وبين أهل مكة خارج البلاد أن يكون من أجل المال والقافلة فالمال ظل زائل وعارية مسترجعة وإن شأن النبي الكريم والدين أكبر من أن يقال أنهم خرجوا لقافلة أو لأجل لعاعة من الدنيا
ثم أن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يلقن أهل مكة وغيرهم من الأمم والمعاندين من بعدهم أن الله إذا أراد أمرا فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا يحول بين تنفيذ أمره ما نعا أيا كان فرغم عدد المسلمين القليل والعدة القليلة إلا أن الحق سبحانه مكنهم من الأعداء وقضى على غطرسة قريش  ولو أرادها الله تعالى القاضية لهم لكانت ولكنه سبحانه وتعالىلم يرد أن يضع في تاريخ نبيه ما يجعل المتشدقون يقولون ها هو النبي الذي تتحدثون عنه قد تسبب في إبادة أهله فلاحمد لله رب العالمين
فما عرفت الدنيا أوفى من محمد ولا أكرم من محمد ولا رجلا بذل كل جهده لهداية أهله وإنقاذهم من النار ولو أرادها إبادة لاستجاب لملك الجبال حين جاءه بأمر من ربه أن يريحه منهم وأن يطبق عليهم الجبلين ولكنه صلى الله عليه وسلم وقتها قالها صريحة لا لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله
ولو أن النبي يرد قتالهم ما تمنى أن ينزلو على رأي عتبة بن ربيعة قبيل الغزوة فضلا أنه لم يؤمر بقتالهم طيلة ثلاث عشر سنة  فلم يكتف أهل مكة بإخراجهم من بلدهم بل استولوا على ممتلكاتهم وتعقبوهم وألبوا عليهم اليهود وحالوا بينهم وبين العرب ومع هذا عاملهم الرسول بالرحمة فلم يبدأالقتال حتى بدأوا هم  ولم يقتل أسراهم بل كاد أن يتعرض للسؤال من الله والعتاب لأنه لم يقتل أسراهم ليكون هذا رادعا لهم فأين الإرهاب إذن فيا أهل الكتاب إن عجزتم عن اللحوق بنا والانضمام إلى ديننا والسير تحت لؤانا فعلى الأقل اشهدوا بأنا المسلمون الذين أخبركم عنهم الحق سبحانه وتعالى في التوراة والإنجيل . فإن أبيتم {فاشهدوا بنا مسلمون }
ولقد أورد صفي الرحمن المباركفوري هذه الغزوة في كتابه الرحيق المختوم نذكرها بشئ من الإيجاز وبتصريف يسير :
 مواقف مشرفة من الجيش الإسلامي
حين نقلت الاستخبارات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو لا يزال في الطريق بوادي ذَفِرَان ـ خبر القافلة وكيف كتب الله تعالى لها النجاة لأنه لاحاجة لله بها وخبر النفير الذي تولى أبو جهل القدر الأكبر في تجهيزهم والنفور بهم إلى أرض الميدان .
 وتأكد لديه صلى الله عليه وسلم بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال لاجتناب اللقاء الدامي، وأنه لا بد من إقدام يبني على الشجاعة والبسالة، والجراءة، والجسارة، فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيمًا لمكانة قريش العسكرية، وامتدادًا لسلطانها السياسي، وإضعافًا لكلمة المسلمين وتوهينًا لها.
بل ربما تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسدًا لا روح فيه، ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة‏.‏ ثم هل هناك ضمان للمسلمين بامتناع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة، حتى ينقل المعركة إلى أسوارها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم‏؟‏ كلا‏!‏ فلو حدث من جيش المدينة نكول ما، لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم‏.‏
 {وشاورهم في الأمر }
ونظرًا إلى هذا التطور الخطير المفاجيء عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا عسكريًا استشاريًا أعلى، أشار فيه إلى الوضع الراهن، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته‏.
‏ وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس،وخافوا اللقاء الدامى،وهم الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏5، 6‏]‏
 وأمــا قادة الجيش فقـام أبو بكر الصديق فقال وأحسن،ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن،ثم قام المقداد بن عمرو فقال‏:‏ يا رسول الله، امض لما أراك الله،فنحن معك،والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏24]‏، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له به‏.‏
وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار؛ لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة‏:‏ ‏‏(‏أشيروا علىّ أيها الناس‏)‏ وإنما يريد الأنصار، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ‏.‏
فقال‏:‏ والله، ولكأنك تريدنا يا رسول الله‏؟‏
قال‏:‏ ‏‏(‏أجل‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب، صُدَّق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله‏.‏
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم‏:‏ فاظعن حيث شئت، وصِلْ حَبْل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فهو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غِمْدان لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك‏.‏
فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكإني الآن أنظر إلى مصارع القوم‏)‏‏.‏
 عملية الاستكشاف
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذَفِرَان، فسلك على ثنايا يقال لها‏:‏ الأصافر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له‏:‏ الدَّبَّة، وترك الحَنَّان بيمين ـ وهو كَثِيب عظيم كالجبل ـ ثم نزل قريبًا من بدر‏.‏
 الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بعملية الاستكشاف وهناك قام صلى الله عليه وسلم بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد وأصحابه ـ
سأل عن الجيشين زيادة في التكتم ـ ولكن الشيخ قال‏:‏ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏إذا أخبرتنا أخبرناك‏)‏، قال‏:‏ أو ذاك بذاك‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏نعم‏)‏‏.‏
قال الشيخ‏:‏ فإنه بلغنى أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا ـ للمكان الذي به جيش المدينة‏.‏ وبلغنى أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا ـ للمكان الذي به جيش مكة‏.‏
ولما فرغ من خبره قال‏:‏ ممن أنتما‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏نحن من ماء‏)‏، ثم انصرف عنه، وبقى الشيخ يتفوه‏:‏ ما من ماء‏؟‏ أمن ماء العراق‏؟‏
ذكاء الرسول صلى الله عليه وسلم في اختيار أهم المراكز العسكرية
وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكرى وقال‏:‏ يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه‏؟‏ أم هو الرأي والحرب والمكيدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏)‏‏.‏
قال‏:‏ يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغوّر ـ أي نُخَرِّب ـ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏لقد أشرت بالرأي‏)‏‏.‏
فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب‏.‏
التفاني في حب الرسول صلى الله عليه وسلم
وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقرًا لقيادته؛ استعدادًا للطوارئ، وتقديرًا للهزيمة قبل النصر، حيث قال‏:‏
يا نبى الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بِمَنْ وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك‏.‏
فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير، وبني المسلمون عَرِيشًا على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقى لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة‏.‏
كما تم اختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مقر قيادته‏.‏
 تعبئة الجيش وقضاء الليل
ثم عبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‏.‏ ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده‏:‏ ‏‏(‏هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله‏)‏‏.‏ ثم بات رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئي الأنفاس منيري الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا‏:‏ ‏{‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ‏} [‏الأنفال‏:‏11‏]‏‏.‏
كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم في 8 أو12 من نفس الشهر‏.‏
  وقوع الانشقاق في جيش مكة
أما قريش فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر‏.‏ وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏دعوهم‏]‏، فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان إذا اجتهد في اليمين قال‏:‏ لا والذي نجاني من يوم بدر‏.‏
فلما اطمأنت قريش بعثت عُمَيْر بن وهب الجُمَحِى للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏؟‏
فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئًا، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما وجدت شيئًا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك‏؟‏ فروا رأيكم‏.‏
وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل ـ المصمم على المعركة ـ تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة ابن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏ قال‏:‏ ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى ـ المقتول في سرية نخلة ـ فقال عتبة‏:‏ قد فعلت‏.‏ أنت ضامن علىّ بذلك‏.‏ إنما هو حليفي، فعلى عقله ‏[‏ديته‏]‏ وما أصيب من ماله‏.‏
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام‏:‏ فائت ابن الحَنْظَلِيَّةِ ـ أبا جهل، والحنظلية أمه ـ فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره‏.‏
ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألْفَاكُمْ ولم تَعَرَّضُوا منه ما تريدون‏.‏
وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل ـ وهو يهيئ درعًا له ـ قال‏:‏ يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلنى بكذا وكذا، فقال أبو جهل‏:‏ انتفخ والله سَحْرُهُ حين رأي محمدًا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدًا وأصحابه أكلة جَزُور، وفيهم ابنه ـ وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديمًا وهاجر ـ فَتَخَوَّفَكُمْ عليه‏.‏
ولما بلغ عتبة قول أبي جهل‏:‏ انتفخ والله سحره، قال عتبة‏:‏ سيعلم مُصَفِّر اسْتَه من انتفخ سحره، أنا أم هو‏؟‏ وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمى ـ أخي عمرو بن الحضرمى المقتول في سرية عبد الله بن جحش ـ فقال‏:‏ هذا حليفك ‏[‏أي عتبة‏]‏ يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانْشُد خُفْرَتَك ، ومَقْتَلَ أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ‏:‏ واعمراه، واعمراه، فحمى القوم، وحَقِبَ أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏ وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون جدوى‏.
أمنية الرسول لعدم القتال 
ولما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيَلائها وفَخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحْنِهُم ‏[‏الغداة‏]‏‏)‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر‏:‏ ‏‏(‏إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يَرْشُدُوا‏)‏‏.‏
 الأعداء هم الأعداء 
وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومى ـ وكان رجلًا شرسًا سيئ الخلق ـ خرج قائلًا‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏ فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما التقيا ضربه حمزة فأطَنَّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض‏.‏
إظهار قريش للعداوة 
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار عَوْف ومُعَوِّذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد الله بن رواحة،
 فقالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ رهط من الأنصار‏.‏ قالوا‏:‏ أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم‏:‏ يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على‏)‏، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ فأخبروهم، فقالوا‏:‏ أنتم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد‏.‏ فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كَرَّ على وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فلم يزل ضَمِنًا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة‏.‏ وكان على يقسم بالله أن هذه الآية نــزلت فيهم‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏الحج‏:‏19‏]‏‏.‏
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشركين؛ إذ فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،فاستشاطوا غضبًا،وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏
وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتتالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون‏:‏ أحَد أحَد‏.‏
 الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول‏:‏ ‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‏)‏، حتى إذا حَمِىَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال‏:‏ ‏‏(‏اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏.‏
وأوحى الله إلى ملائكته‏:‏ ‏{‏أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 12‏]‏،وأوحى إلى رسوله‏:‏ ‏{‏أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏9‏]‏ ـ أي إنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضًا أرسالًا، لا يأتون دفعة واحدة‏.‏
تأييد الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين 
وأغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثَنَاياه النَّقْعُ‏)‏ ‏[‏أي الغبار‏]‏ وفي رواية ابن إسحاق‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع‏)‏‏.‏
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏45‏]‏ ،ثم أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال‏:‏ ‏‏(‏شاهت الوجوه‏)‏ ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللهَ رَمَى‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏17‏]‏‏.‏
 صمود المسلمين 
وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال‏:‏ ‏‏(‏شدوا‏)‏، وحرضهم على القتال، قائلًا‏:‏ ‏‏(‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏، وقال وهو يحضهم على القتال‏:‏ ‏‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏، ‏[‏وحينئذ‏]‏ قال عُمَيْر بن الحُمَام‏:‏ بَخْ بَخْ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏ما يحملك على قولك‏:‏ بخ بخ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال‏:‏ ‏‏(‏فإنك من أهلها‏)‏‏.‏ فأخرج تمرات من قَرَنِه فجعل يأكل منهن، ثم قال‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل‏.‏
وكذلك سأله عوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ فقال‏:‏ يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏غَمْسُه يده في العَدُوّ حاسرًا‏)‏، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل‏.‏
وحين أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم ـ وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه ـ قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق‏.‏ وزادهم نشاطًا وحدة أن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وقد تقدمهم فلم يكن أحد أقرب من المشركين منه، وهو يقول في جزم وصراحة‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ فقاتل المسلمون أشد القتال ونصرتهم الملائكة‏.‏ ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال‏:‏ كان يومئذ يَنْدُر رأس الرجل لا يدرى من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربها‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول‏:‏ أقدم حَيْزُوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخْضَرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصارى فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏‏(‏صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة‏)‏‏.‏
وقال أبو داود المازنى‏:‏ إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيرى، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا،فقال العباس‏:‏ إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح، من أحسن الناس وجهًا على فرس أبْلَق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري‏:‏ أنا أسرته يا رسول الله، فقال‏:‏ ‏‏(‏اسكت فقد أيدك الله بملك كريم‏)‏‏.‏
وقال علي‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ولأبي بكر‏:‏ ‏‏(‏مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال‏)‏‏.‏
 الهزيمة الساحقة
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون، حتى تمت عليهم الهزيمة‏.‏
 صمود أبي جهل
أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه ويقول لهم في شراسة ومكابرة‏:‏ لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلًا منكم قتل منهم رجلًا، ولكن خذوهم أخذًا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم‏.‏
ولكن سرعان ما تبدت له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلًا حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين‏.‏ نعم، بقى حوله عصابة من المشركين ضربت حوله سياجًا من السيوف، وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج، وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدى غلامين أنصاريين‏.‏
 مصرع أبي جهل
قال عبد الرحمن بن عوف رضي اله عنه إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًا من صاحبه‏:‏ يا عم، أرني أبا جهل، فقلت‏:‏ يابن أخي، فما تصنع به‏؟‏ قال‏:‏ أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 قال‏:‏ والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك‏.‏ قال‏:‏ وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس‏.‏ فقلت‏:‏ ألا تريان‏؟‏ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال‏:‏ فابتدراه فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـقال‏:‏ ‏‏(‏أيكما قتله‏؟‏‏)‏
 فقـال كـل واحد منهما‏:‏ أنا قتلته، قال‏:‏ ‏‏(‏هل مسحتما سيفيكما‏؟‏‏)‏ فـقالا‏:‏ لا‏.‏ فنـظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلــى السيفـين فقال‏:‏ ‏‏(‏كلاكما قتله‏)‏، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء‏.‏
وقال ابن إسحاق‏:‏ قال معاذ بن عمرو بن الجموح‏:‏ سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحَرَجَة ـ والحرجة‏:‏ الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة ـ وهم يقولون‏:‏ أبو الحكم لا يخلص إليه، قال‏:‏ فلما سمعتها جعلته من شاني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطَنَّتْ قدمه ـ أطارتها ـ بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تَطِيحُ من تحت مِرْضِخَة النوى حين يضرب بها‏.‏ قال‏:‏ وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عَامَّةَ يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تَمَطَّيْتُ بها عليها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل ـ وهو عَقِيرٌ ـ مُعَوِّذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رَمَق، وقاتل معوذ حتى قتل‏.‏
ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏من ينظر ما صنع أبو جهل‏؟‏‏)‏ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال‏:‏ هل أخزاك الله يا عدو الله‏؟‏ قال‏:‏ وبماذا أخزاني‏؟‏ أأعمد من رجل قتلتموه‏؟‏ أو هل فوق رجل قتلتموه‏؟‏ وقال‏:‏ فلو غير أكَّار قتلنى، ثم قال‏:‏ أخبرني لمن الدائرة اليوم‏؟‏ قال‏:‏ لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود ـ وكان قد وضع رجله على عنقه‏:‏ لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِىَ الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة‏.‏
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال‏:‏ ‏‏(‏الله الذي لا إله إلا هو‏؟‏‏)‏ فرددها ثلاثًا، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه‏)‏، فانطلقـنا فــأريته إيـاه، فقال‏:‏ ‏‏(‏هذا فرعون هذه الأمة‏)‏‏.‏
 من روائع الإيمان في هذه المعركة
1 ـ روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه‏:‏ ‏‏(‏إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا‏)‏، فقال أبو حذيفة بن عتبة‏:‏ أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه ـ أو لألجمنه ـ بالسيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب‏:‏ ‏‏(‏يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف‏)‏، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق‏.‏
فكان أبو حذيفة يقول‏:‏ ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عنى الشهادة‏.‏ فقتل يوم اليمامة شهيدًا‏.‏
2 ـ وكان النهي عن قتل أبي البختري؛ لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب‏.‏
ولكن أبا البختري قتل على رغم هذا كله، وذلك أن المُجَذَّر بن زياد الْبَلَوِىّ لقيه في المعركة ومعه زميل له، يقاتلان سويًا، فقال المجذر‏:‏ يا أبا البخترى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، فقال‏:‏ وزميلي‏؟‏ فقال المجذر‏:‏ لا والله ما نحن بتاركي زميلك، فقال‏:‏والله إذن لأموتن أنا وهو جميعًا، ثم اقتتلا، فاضطر المجذر إلى قتله‏.‏
3 ـ كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن، وهو واقف مع ابنه على بن أمية، آخذًا بيده، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال‏:‏ هل لك في‏؟‏ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن‏؟‏ ـ يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن ـ فطرح عبد الرحمن الأدراع، وأخذهما يمشى بهما، قال عبد الرحمن‏:‏ قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه‏:‏ من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره‏؟‏ قلت‏:‏ ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال‏:‏ ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل‏.‏
قال عبد الرحمن‏:‏ فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ـ وكان أمية هو الذي يعذب بلالًا بمكة ـ فقال بلال‏:‏ رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أي بلال، أسيري‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أتسمع يابن السوداء‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏.‏ قال‏:‏ فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الْمَسَكَة، وأنا أذب عنه، قال‏:‏ فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت‏:‏ انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئًا‏.‏ قال‏:‏ فَهَبَرُوهُمَا بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول‏:‏ يرحم الله بلالًا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري‏.‏
وروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي ـ أي خاصتي ومالي ـ بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة‏.‏‏.‏‏.‏ فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس الأنصار فقال‏:‏ أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه ليشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلًا ثقيلًا، فلما أدركونا قلت له‏:‏ ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه‏.‏ وكان عبد الرحمن يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه‏.‏
4 ـ وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، ولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الأسر‏:‏ يا عباس أسلم، فوالله أن تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك‏.‏
5 ـ ونادى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ـ وهو يومئذ مع المشركين ـ فقال‏:‏ أين مالي يا خبيث‏؟‏ فقال عبد الرحمن‏:‏
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شَكَّةٍ ويَعْبُوب ** وصَارِمٍ يَقْتُلُ ضُلاَّل الشِّيَبْ
 6 ـ ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه، رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له‏:‏ والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم‏؟‏ قال‏:‏ أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلىّ من استبقاء الرجال‏.‏
7 ـ وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلًا من حطب، فقال‏:‏ ‏‏(‏قاتل بهذا يا عكاشة‏)‏، فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده‏.‏
8 ـ وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين،مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري‏:‏ شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب‏:‏ أهذه وصاتك بي‏؟‏ فقال مصعب‏:‏ إنه ـ أي الأنصاري ـ أخي دونك‏.‏
9 ـ ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القَلِيب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال‏:‏ ‏‏(‏يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك‏.‏ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا‏.‏
 قتلى الفريقين
انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار‏.‏
أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون‏.‏ وعامتهم القادة والزعماء والصناديد‏.‏
ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال‏:‏ ‏‏(‏بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس‏)‏، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قُلُب بدر‏.‏
وعن أبي طلحة‏:‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طَويّ من أطواء بدر خَبِيث مُخْبث‏.‏ وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرْصَة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه‏.‏
 حتى قام على شفة الرَّكِىّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ‏‏(‏يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله‏؟‏ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا‏؟‏‏)‏ فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها‏؟‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏‏(‏ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون‏)‏‏.‏
مكة تتلقى نبأ الهزيمة
فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة؛ تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف يدخلونها خجلًا‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ وكان أول من قدم بمصاب قريش الحَيْسُمَان بن عبد الله الخزاعى، فقالوا‏:‏ ما وراءك‏؟‏ قال‏:‏ قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، في رجال من الزعماء سماهم‏.‏ فلما أخذ يعد أشراف قريش
قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحِجْر‏:‏ والله إن يعقل هذا، فاسألوه عنى‏.‏ قالوا‏:‏ ما فعل صفوان بن أمية‏؟‏ قال‏:‏ ها هو ذا جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا‏.‏
وقال أبو رافع ـ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كنت غلامًا للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهلَ البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزًا، وكنت رجلًا ضعيفًا أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طُنُب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهرى، فبينما هو جالس إذ قال الناس‏:‏ هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم.
 فقال له أبو لهب‏:‏ هلم إلىَّ، فعندك لعمرى الخبر، قال‏:‏ فجلس إليه،والناس قيام عليه‏.‏ فقال‏:‏ يابن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس‏؟‏ قال‏:‏ ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لَقِينَا رجال بيض على خيل بُلْق بين السماء والأرض، والله ما تُلِيق شيئًا، ولا يقوم لها شيء‏.‏
قال أبو رافع‏:‏ فرفعت طنب الحجرة بيدى، ثم قلت‏:‏ تلك والله الملائكة‏.‏ قال‏:‏ فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملنى فضرب بى الأرض، ثم برك علىّ يضربني، وكنت رجلًا ضعيفًا فقامت أم الفضل إلى عمود من عُمُد الحجرة فأخذته، فضربته به ضربة فَلَعَتْ في رأسه شجة منكرة، وقالت‏:‏ استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليًا ذليلًا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة ‏[‏وهي قرحة تتشاءم بها العرب‏]‏ فقتلته، فتركه بنوه، وبقى ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه‏.‏
هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، وقد أثر ذلك فيهم أثرًا سيئًا جدًا، حتى منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون‏.‏
ومن الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، وكان يحب أن يبكي عليهم، وكان ضرير البصر، فسمع ليلًا صوت نائحة، فبعث غلامه، وقال‏:‏ انظر هل أحل النَّحْبُ‏؟‏ هل بكت قريش على قتلاها‏؟‏ لعلي أبكي على أبي حكيمة ـ ابنه ـ فإن جوفي قد احترق، فرجع الغلام وقال‏:‏ إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته، فلم يتمالك الأسود نفسه وقال‏:‏
أتبكي أن يضل لها بعير ** ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ** ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكى إن بكيت على عقيل ** وبكى حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى جميعا ** وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ** ولولا يوم بدر لم يسودوا
المدينة تتلقى أنباء النصر
ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرين إلى أهل المدينة؛ ليعجل لهم البشرى، أرسل عبد الله بن رواحة بشيرًا إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرًا إلى أهل السافلة‏.‏
وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأي أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبًا القَصْوَاء ـ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فَلاّ
فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلميـن، فَعَمَّت البهجـة والسـرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلًا وتكبيرًا، وتقدم رءوس المسلمين ـ الذين كانوا بالمدينة ـ إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الفتح المبين‏.‏
قال أسامة بن زيد‏:‏ أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفنى عليها مع عثمان‏.‏
الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام، وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا، ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة‏.‏
عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يصيب العدو منه غِرَّة،
حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم‏:‏ نحن حويناها، وليس لأحد فيها نصيب،وقال الذين خرجوا في طلب العدو‏:‏ لستم أحق بها منا، نحـن نحـينا منـها العـدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خفنا أن يصيب العدو منه غرة، فاشتغلنا به، فأنزل الله‏:‏ {‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏1‏]‏‏.‏ فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين‏.‏
وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه الأسارى من المشركين،
 واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل عليه عبد الله بن كعب، فلما خرج من مَضِيق الصفراء نزل على كَثِيب بين المضيق وبين النَّازِيَة، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس‏.‏
وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث ـ وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أكابر مجرمى قريش، ومن أشد الناس كيدًا للإسلام وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فضرب عنقه علي بن أبي طالب‏.‏
ولمـا وصل إلى عِرْق الظُّبْيَةِ أمر بقتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْط ـ وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان ألقى سَلا جَزُور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه وكاد يقتله، لولا اعتراض أبي بكر رضي الله عنه ـ فلما أمر بقتله قال‏:‏ من للصِّبْيَةِ يا محمد‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏النار‏)‏‏.‏ فقتله عاصم ابن ثابت الأنصارى، ويقال‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏
وكان قتل هذين الطاغيتين واجبًا نظرًا إلى سوابقهما، فلم يكونا من الأسارى فحسب، بل كانا من مجرمى الحرب بالاصطلاح الحديث‏.‏
 وفود التهنئة
ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى الرَّوْحَاء لقيه رءوس المسلمين ـ الذين كانوا قد خرجوا للتهنئة والاستقبال حين سمعوا بشارة الفتح من الرسولين ـ يهنئونه بالفتح‏.‏ وحينئذ قال لهم سَلَمَة بن سلامة‏:‏ما الذي تهنئوننا به‏؟‏ فوالله إن لَقِينا إلا عجائز صُلْعًا كالْبُدْن المعُقَّلَةِ، فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏يا بن أخي، أولئك الملأ‏)‏‏.‏
وقال أسيد بن حضير‏:‏ يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏صدقت‏)‏‏.‏
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مظفرًا منصورًا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أبي وأصحابه في الإسلام ظاهرًا‏.‏
وقدم الأسارى بعد بلوغه المدينة بيوم، فقسمهم على أصحابه، وأوصى بهم خيرًا‏.‏ فكان الصحابة يأكلون التمر، ويقدمون لأسرائهم الخبز، عملًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
 قضية الأسارى
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشِيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏ما ترى يابن الخطاب‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننى من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عَقِيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين‏.‏ وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم‏.‏
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء‏:‏ فلما كان من الغد قال عمر‏:‏ فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة‏)‏ ـ شجرة قريبة‏.‏
وأنزل الله تعالى‏:‏ {‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏67، 68‏]‏‏.‏
والكتاب الذي سبق من الله قيل‏:‏ هو قوله تعالى‏:‏ {‏فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسارى؛ ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، وقيل‏:‏ بل الآية المذكورة نزلت فيما بعد، وإنما الكتاب الذي سبق من الله هو ما كان في علم الله من إحلال الغنائم لهذه الأمة، أو من المغفرة والرحمة لأهل بدر‏.‏
وحيث إن الأمر كان قد استقر على رأي الصديق فقد أخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء‏.‏
ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة من الأسارى فأطلقهم بغير فداء، منهم‏:‏ المطلب ابن حَنْطَب، وصَيْفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجُمَحِى، وهو الذي قتله أسيرا في أحد، وسيأتي‏.‏
ومنّ على خَتَنِه أبي العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلى سبيل زينب، فخلاها فهاجرت، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال‏:‏ ‏‏(‏كونا ببطن يَأجَج حتى تمر بكما زينب فتصحباها‏)‏، فخرجا حتى رجعا بها‏.‏ وقصة هجرتها طويلة ومؤلمة جدًا‏.‏
وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيبًا مِصْقَعًا، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يَدْلَعْ لسَانُه، فلا يقوم خطيبًا عليك في موطن أبدًا، بيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض هذا الطلب؛ احترازًا عن المُثْلَةِ، وعن بطش الله يوم القيامة‏.‏
وخرج سعد بن النعمان معتمرًا فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد‏.‏
 القرآن يتحدث حول موضوع المعركة
وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي ـ إن صح هذا التعبير ـ على هذه المعركة، يختلف كثيرًا عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح‏.‏
إن الله تعالى لفت أنظار المسلمين ـ أولًا ـ إلى بعض التقصيرات الأخلاقية التي كانت قد بقيت فيهم، وصدر بعضها منهم؛ ليسعوا في تحلية نفوسهم بأرفع مراتب الكمال، وفي تزكيتها عن هذه التقصيرات‏.‏
ثم ثَنَّى بما كان في هذا الفتح من تأييد الله وعونه ونصره بالغيب للمسلمين‏.‏ ذكر لهم ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم وبسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء، بل ليتوكلوا على الله، ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصلاة والسلام‏.‏
ثم بين لهم الأهداف والأغراض النبيلة التي خاض الرسول صلى الله عليه وسلم لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، ودلهم على الصفات والأخلاق التي تتسبب في الفتوح في المعارك‏.‏
ثم خاطب المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، ووعظهم موعظة بليغة، تهديهم إلى الاستسلام للحق والالتزام به‏.‏
ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، وقنن لهم مبادئ وأسس هذه المسألة‏.‏
ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، ويتفوق المسلمون في الأخلاق والقيم والمثل، ويتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظر، بل هو دين يثقف أهله عمليًا على الأسس والمبادئ التي يدعو إليها‏.‏
ثم قرر بنودًا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها‏.‏
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة الأخرى، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الأخرى تخفيفًا لكثير من الأوزار التي كان يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضربًا في الأرض‏.‏
ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ، إثر الفتح المبين الذي حصل لهم في غزوة بدر‏.‏ فما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به الله بعد أن تَوَّجَ هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى الله، وحنينًا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أولاهم به من النعم،وأيدهم به من النصر، وقد ذكرهم بذلك قائلًا‏:‏ {‏وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏26‏]‏‏.








الباب الرابع
رجال ونساء حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أم عمارة نسيبة بنت كعب
تمهيد:-
يحاول الأعداء في كل زمان ومكان أن يأخذوا المراة المسلمة من أحضان الإسلام الذي أنقذها من العري والإبتذال ومن السفور ومن الوأد وهي لا تزال طفلة فلقد وضع لها الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فجعل النساء شقائق الرجال وأعادوهن إلى مكانتهن التي أرادها الله تعالى لهن فهي نصف المجتمع وتربي النصف الأخر فهي عندنا مدرسة إن أعددناها إعدادا طيبا مباركا فإنها ستخرج وتنشئ لنا جيلا كريم الأعراق نبيل الأخلاق وهذا ما جعل الأعداء يتحرقون علينا ويكيدون لبناتنا وينادونهن بالوسوسة تارة وبالإعلانات المبتذلة تارة أخرى ينادونهم بما ناداهم به ابليس {لأغوينهم أجمعين }
والعجيب أننا تركنا لهم المجال ليأخذوها من بين أيدينا ودعا الأعداء النساء ليكون لهن صديق أو عشيق مع وجود الزوج  حتى تخرج الأجيال ولا يعرفون لهم نسبا يعتزون به وبالتالى لا وطن يحمونه ولا دين ينتمون إليه  .
لأن الدين بعيدكل البعد عما ينادون به ويحاولون أن يعلمونهن أن الدين لافائدة من وراءه إلا في المسجد أو المعبد أو الكنيسة ولكى تعلم عزيزي القارئ أن الأعداء على إطلاع كامل بديننا وأنهم يعلمون أننا لو تفرغنا لتربية ابناءنا وبناتنا على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم سيكون لدينا نساء فضليات من أمثال أسماء بنت أبي بكر وعائشة رضى الله عنها وصفية بنت عبد المطلب  وغيرهن من نساء الصحابة اللواتي نفخر بهن على مر التاريخ.
 ولقد رأيت أن أقدم نموذجا هنا لإمراة من نساء الصحابة كانت ولاتزال نموذجا فريدا على قوة المراة في الدين وأنها تقوم على خدمة بيتها وأهلها ولكن إن تغيرت الأحوال وأصبح الميدان في حاجة إليها تجدها من أقوى وأشجع الفرسان فهي تذكرنا ببنات نبي الله شعيب لم يخرجن إلا لحاجة وإن خرجن كن عفبفات كريمات والأعدء دائما وأبدا يبغونها عوجا .
فالنموذج الذي سنقدمه إنما هو للسيدة الكريمة :  أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن النجار وهي أم حبيب وعبد الله ابني زيد ابن عاصم.شهدت نسيبة بنت كعب أم عمارة وزوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها: حبيب وعبد الله ابنا زيد العقبة وشهدت هي وزوجها وابناها أُحدًا. عن محمد بن إسحاق قال وحضر البيعة بالعقبة امرأتان قد بايعتا إحداهما نسيبة بنت كعب بن عمرو وهي أم عمارة وكانت تشهد الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدت معه أحدا هي وزوجها زيد بن عاصم وابناها حبيب بن زيد وعبد الله بن زيدا   
سألت الرسول صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة
حبها للنبي صلى الله عليه وسلم: ويظهر ذلك في القتال دونه يوم أحد وأيضا لما سألته مرافقته في الجنة.  يقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لزيد بن عاصم) :
بارك الله عليكم من أهل البيت إن مقام أمك خير من مقام فلان وفلان ؛ رحمكم الله أهل البيت ومقام ربيبك يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان ؛ رحمكم الله أهل البيت قالت : ادع الله أن نرافقك في الجنة .  فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة
   من مواقفها مع النبي صلى الله عليه وسلم       
  موقفها في غزوة أحد:شهدت أم عمارة بنت كعب أحدا مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها وخرجت معهم بشن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف فكانت أم سعيد بنت سعد بن ربيع تقول دخلت عليها فقلت حدثيني خبرك يوم أحد قالت خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء
 فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح قالت فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف فقلت يا أم عمارة من أصابك هذا قالت أقبل بن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله يصيح دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان فكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا تسقي الماء قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا وكانت تقول إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة 
ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا فلما رجع رسول الله من الحمراء ما وصل رسول الله إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا عبد الجبار بن عمارة عن عمارة بن غزية قال قالت أم عمارة قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورآني لا ترس معي فرأى رجلا موليا معه ترس فقال لصاحب الترس ألق ترسك إلى من يقاتل فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله فيقبل رجل على فرس فضربني وتترست له فلم يصنع سيفه شيئا وولى وأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح بابن أم عمارة أمك أمك قالت فعاونني عليه حتى أوزدته شعوب
 أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عمرو بن يحيى عن أمه عن عبد الله بن زيد قال جرحت يومئذ جرحا في عضدي اليسرى ضربني رجل كأنه الرقل ولم يعرج علي ومضى عني وجعل الدم لا يرقأ فقال رسول الله اعصب جرحك فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح فربطت جرحي والنبي واقف ينظر إلي ثم قالت انهض بني فضارب القوم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة قالت وأقبل الرجل الذي ضرب ابني فقال رسول الله هذا ضارب ابنك قالت فأعترض له فأضرب ساقه فبرك قالت فرأيت رسول الله يتبسم حتى رأيت نواجذه 
وقال استقدت يا أم عمارة ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله قال سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول شهدت أحدا مع رسول الله.
 فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال بن أم عمارة قلت نعم قال ارم فرميت بين يديه رجلا من المشركين بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه وجعلت أعلوه بالحجارة حتى نضدت عليه منها وقرا والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر يتبسم ونظر جرح أمي على عاتقها فقال أمك أمك اعصب جرحها بارك الله عليكم من أهل البيت مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت ومقام ربيبك يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت قالت ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة فقالت ما أبالي ما أصابني من الدنيا.
وعن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال أتى عمر بن الخطاب بمروط فكان فيها مرط جيد واسع فقال بعضهم إن هذا المرط لثمن كذا وكذا فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد قال وذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر فقال أبعث به إلى من هو أحق به منها أم عمارة نسيبة بنت كعب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم أحد ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني.
وعن أم عمارة بنت كعب الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدمت إليه طعاما  فقال كلي فقالت إني صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا وربما قال حتى يشبعوا. وقالت أم عمارة الأنصارية: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } الآية.
نموذج للصبر على البلاء
وذلك عندما قتل مسيلمة ابنها قالت (لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته. وابنها حبيب هو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الحنفي صاحب اليمامة فكان مسيلمة إذا قال له: أتشهد أن محمدا رسول الله قال: نعم وإذا قال: أتشهد أني رسول الله قال: أنا أصم لا أسمع ففعل ذلك مرارا فقطعه مسيلمة عضوا عضوا فمات شهيدا رضي الله عنه     
 جهادها: وشهدت العقبة وبايعت ليلتئذ ثم شهدت أحدا والحديبية وخيبر والقضية والفتح وحنينا واليمامة.وكانت تشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهدت بيعة العقبة وشهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم ومع ابنها حبيب وعبد الله في قول ابن إسحاق. وشهدت بيعة الرضوان وشهدت يوم اليمامة فقاتلت حتى أصيبت يدها وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة.
وعن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت: رأيت نسيبة بنت كعب ويدها مقطوعة فقلت له: متى قطعت يدك؟ قالت: يوم اليمامة كنت مع الأنصار فانتهينا إلى حديقة فاقتتلوا عليها ساعة حتى قال أبو دجانة الأنصاري واسمه: سماك ابن خرشة: أحملوني على الترسة حتى تطرحوني عليهم فأشغلهم فحملوه على الترسة وألقوه فيهم فقاتلهم حتى قتلوه رحمه الله
قالت: فدخلت وأنا أريد عدو الله مسيلمة الكذاب فعرض الي رجل منهم فضربني فقطع يدي فو الله ما عرجت عليها ولم أزل حتى وقعت على الخبيث مقتولا وابني يمسح سيفه بثيابه فقلت له: أقتلته يا بني؟ قال: نعم يا أماه فسجدت لله شكرا قال: وابنها هو: عبد الله بن زيد بن عاصم       
وفاتها: توفيت أم عمارة في خلافة عمر- رضي الله عنهما عام 13هـ.





 
 
أبو دجانة
وإليك عزيزي القارئ نماذج أخرى مشرفة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا شك أن أعداءنا يعرفون تاريخهم حق المعرفة ومن ثم فهم يريدون أن يجعلوا البون بيننا وبينهم شاسع لأنهم يخشون إن بقينا أمثالهم أن نجذب إلينا أبناءهم بأخلاقنا وإسلامنا الذي يبذل الأعداء جهدهم ليل نهار في تشويه صورته أمام أهليهم ونبدأ  بالصحابي الجليل : سِماك بن خَرَشه وقيل : سِماك بن أوس بن خَرَشه بن لوذان الأنصاري شهد بدراً وأحداً وجميع المشاهد مع رسول الله  ، وثبت ‎  عنه يوم أحد مع النبي  ، وبايعه على الموت، ودافع عن النبي  يوم أحد هو ومصعب بن عمير، فكثرت فيه الجراحات.هو سماك بن خرشة بن الخزرج أسلم مبكراً مع قومه الأنصار، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان، وشهد معركة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سيرته وشجاعته
كان ‎  من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء، يعلم بها في الحرب، فلما كان يوم أحد أعلم بها، واختال بين الصفين، فقال رسول الله  : إن هذه مشية يبغضها الله عز وجل، إلا في هذا المقام.
موقفه يوم أحد
عرض النبي  سيفه يوم أحد وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانه: وما حقه يا رسول الله ؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني. فقال أبو دجانه: أنا آخذه بحقه، فدفعه رسول الله  إليه، ففلق به هام المشركين، وقال في ذلك:
أنا الذي عاهدني خليلي    ونحن بالسفـح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكيول  أضرب بسيف الله والرسول
ولما كانت نهاية المعركة, رأى أبو دجانة رجلا يمثل بجثث الشهداء فضربه ضربة قسمت عدو الله إلى قسمين بالرغم من أن الكافر كان أوفرهما عدة وتهيئة.
أثره الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره 
عن الزبير بن العوام قال : عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت فقلت : أنا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقلت : أنا يا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال : آنا آخذه يا رسول الله بحقه فما حقه؟ قال: أن لا تقتل به مسلما و لا تفرّ به عن كافر قال : فدفعه إليه وكان إذا كان أراد القتال أعلم بعصابة...
فلما أخذ أبو دجانة السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصبها برأسه فجعل يتبختر بين الصفين - قال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن" -
قال: قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه و أفراه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن إمرأة تقول:
( نحن بنات طارق     نمشي على النمارق )
( إن تقبلوا نعانق       و نبسط النمارق )
( أو تدبروا نفارق        فراق غير وامق )
قال فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها ثم كف عنها فلما انكشف له القتال قلت له كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة لم تضربها قالا إني و الله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقتل به امرأة.
مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عن قتادة بن النعمان قال : كنت نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي وكان أبو دجانة سماك بن خرشة موقيا لظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره حتى امتلأ ظهره سهاما وكان ذلك يوم أحد.
من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم
قال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة وهو مريض - وكان وجهه يتهلل - فقيل له: ما لوجهك يتهلل فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما
ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه:
عن ابن عباس قال : دخل عليٌّ بسيفه على فاطمة رضي الله عنهما و هي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: خذيه فلقد أحسنت به القتال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن كنت قد أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وأبو دجانة.
لما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى، ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله (، منهم أبو دجانة الذي كان يدفع السهام عن رسول الله ( بعدما رأى كتائب المشركين تريد الوصول إليه، فتصدى لهم بكل ما أوتى من قوة؛ أملا في الحصول على الشهادة.
استشهاده
ولما انتقل  الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه تعالى  ( كان راض عنه، فواصل جهاده مع خليفته أبي بكر الصديق، وشارك في حروب الردة، وكان في مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعى النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة، وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال، فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة، وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة صنيعه من تضحية وجهاد لإعلاء كلمة الله.
سعد بن أبي وقاص
سعد بن أبي وقاص من أوائل من دخلوا في الإسلام وكان في السابعة عشر من عمره, ولم يسبقه في الإسلام إلا أبو بكر وعلي وزيد وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
مولده ونشأته
ولد في مكة سنة 23 قبل الهجرة. نشأ سعد في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، وهذا عمل يؤهل صاحبه للائتلاف مع الرمي، وحياة الصيد والغزو، وكان يمضي وقته وهو يخالط شباب قريش وساداتهم ويتعرف على الدنيا من خلال معرفة الحجيج الوافد إلى مكة المكرمة في أيام الحج ومواسمها، المتباينة الأهداف والمتنوعة الغايات.

نسبه الشريف
أبوه ابن سيد بني زهرة: مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهي ابنة عم الصحابي الجليل أبي سفيان لحاً.
فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول  ، وقد كان الرسول  يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه  كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه: "هذا خالي فليرني أمرؤ خاله".
إسلامه
سعد بن أبي وقاص دخل الإسلام وهو ابن سبع عشرة سنة, وكان إسلامه مبكرا, ويتحدث عن نفسه فيقول: «".. ولقد أتى عليّ يوم, واني لثلث الإسلام"..!!»، يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا إلى الإسلام، وقد أعلن إسلامه مع الذين أعلنوه بإقناع أبي بكر الصديق إياهم, وهم عثمان بن عفان, والزبير بن العوّام, وعبد الرحمن بن عوف, وطلحة بن عبيد الله اللهم صل على محمد.
مكانته عند رسول الله 
عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدٍ، قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ أَنَا؟ قَالَ: (سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ وُهَيْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ بنِ زُهْرَةَ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعنَةُ اللهِ). عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَرِقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: (لَيْتَ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ). قَالَتْ: فَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَحِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (مَنْ هَذَا؟). قَالَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ! جِئْتُ أَحْرُسُكَ. فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيْطَهُ. عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ سَعْدُ بنُ مَالِكٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ). قُلْتُ: لأَنَّ أُمَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زُهْرِيَّةٌ، وَهِيَ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، ابْنَةُ عَمِّ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ سَعْدٌ بن ابى وقاص: اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُوْدُنِي، فَمَسَحَ وَجْهِي وَصَدْرِي وَبَطْنِي، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً). فَمَا زِلْتُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كَبِدِي حَتَّى السَّاعَةَ.وهو سابع سبعه
الرامي الأول
يعتبر أول من رمى بسهم في سبيل الله, وأول من رمي أيضا، وأنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد: «" ارم سعد فداك أبي وأمي"..»، ويقول علي ابن أبي طالب:«" ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا, فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي"». كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين, وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه. وكان مجاهداً في معركة بدر وفي معركة أحد.
أحد المبشرين بالجنة
كان الرسول  يجلس بين نفر من أصحابه، فرنا ببصره إلى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد، فإذا سعد بن أبي وقاص آت وقد سأله عبد الله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به إلى الله من عبادة وعمل فقال له لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوء

محاولات رده عن الإسلام
أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإسلام، فلجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه. لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب, حتى يعود سعد إلى دين آبائه وقومه, ومضت في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى وصلت على الهلاك. وحين كانت تشرف على الموت, أخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت.
وذهب سعد ورأى مشهد أمه وهي تتعذب ولكن إيمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل شيء, وقال لها: «" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس, فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء. فكلي ان شئت أو لا تأكلي".» وعدلت أمه عن صومها، ونزل الوحي يحيي موقف سعد, ويؤيده فيقول:وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{15}(سورة لقمان)
الدعوة المجابة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول  له اللهم سدد رميته، وأجب دعوته ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعلي والزبير فنهاه فلم ينته فقال له إذن أدعو عليك فقال الرجل أراك تتهددني كأنك نبي !فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبه إياهم، فاجعله آية وعبرة فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها، وما زالت تتخبطه حتى مات.
غزوة أحد
شارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله  ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول  يرمي جعل يحرضه ويقول له يا سعد إرم فداك أبي وأمي وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته.
معركة القادسية
خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل ولقاء الفرس المجتمعين في أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدربين المدججين بأنواع متطورة من عتاد وسلاح ويتولى قيادة الفرس رستم، وقبل المعركة كانت الرسائل بين سعد وعمر بن الخطاب ومنها:
«" يا سعد بن وهيب..
لا يغرّنّك من الله, أن قيل: خال رسول الله وصاحبه, فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء.. الله ربهم, وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية, ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه, فألزمه, فانه الأمر." ثم يقول له: " اكتب اليّ بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟ وأين يكون عدوّكم منكم.. واجعلني بكتبك إلي كأني أنظر إليكم"..!! »
ويكتب سعد فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه. وقد أوصى عمر سعد بدعوتهم إلى الإسلام، وينفذ سعد وصية عمر, فيرسل إلى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه إلى الله والى الإسلام.

الحوار مع رستم
بعث سعد جماعة من السادات منهم: النعمان بن مقرن، وفرات بن حبان، وحنظلة بن الربيع، وعطارد بن حاجب، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب، فدخلوا عليه، وقد زّينوا مجلسه بالنَّمارق المُذْهَبة والزرابيّ الحريرَيّة وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد.
 وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت. فقال رستم: ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فحرق عامتها. فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
 فأرسلنا بدينه إلى خلقه لتدعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟قال: نعم !كم أحب إليكم؟ يوماً أو يومين؟
قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا رؤساء قومنا. فقال: ما سن لنا رسول الله  أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل. فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا، تدع دينك إلى هذا الكلب أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلكم لا تنظرون إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي، والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.
وبعث سعد أكثر من رسول لحوار رستم، وكان المرض قد اشتد على سعد وملأت الدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس, فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركة، عندئذ وقف في جيشه خطيبا, مستهلا خطابه بالآية الكريمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، وبعد فراغه من خطبته, صلى بالجيش صلاة الظهر, ثم استقبل جنوده مكبّرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. وأستطاع جيش سعد هزيمة الفرس وقائدها رستم ووصل الجيش إلى المدائن.
موقعة المدائن
كانت موقعة المدائن, بعد موقعة القادسية بقرابة عامين, جرت خلالهما مناوشات مستمرة بين الفرس والمسلمين, وقد استطاع سعد هزيمة الفرس بقيادة الجيش لعبور نهر دجلة وجهز كتيبتين، الأولى: واسمها كتيبة الأهوال والثانية: اسمها الكتيبة الخرساء وقد نجحا في العبور وهزيمة الفرس.
إمارة العراق
ولاه عمر ‎  إمارة العراق، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا إن سعدا لا يحسن يصلي ويضحك سعدا قائلا والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين واستدعاه عمر إلى المدينة فلبى مسرعا، وحين أراد أن يعيده إلى الكوفة ضحك سعدا قائلا أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!ويؤثر البقاء في المدينة
الستة أصحاب الشورى
عندما حضرت عمر الوفاة بعد أن طعنه المجوسي جعل الأمر من بعده إلى الستة الذين مات النبي  وهو عنهم راض وأحدهم سعد بن أبي وقاص، وقال عمر إن وليها سعد فذاك، وإن وليها غيره فليستعن بسعد
اعتزاله الفتنة
اعتزل سعد في الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان, وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبارها، وقد ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص, ويقول له: يا عم, ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر. فيجيبه سعد ‎ : " أريد من مائة ألف سيف, سيفا واحدا، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا, وإذا ضربت به الكافر قطع". فيتركه وعزلته. وحين انتهى الأمر لمعاوية بعد الاتفاق الشائك الذي تم بعد معركة صفين واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا: مالك لم تقاتل معنا..؟؟ فأجابه:" إني مررت بريح مظلمة, فقلت: أخ.. أخ..، وإتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."
فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا, فأصلحوا بينهما, فان بغت إحداهما على الأخرى, فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة, ولا مع العادلة على الباغية. أجابه سعد -رضي الله عنه- قائلا: " ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".


وفاته وقبره
عمر سعد بن أبي وقاص كثيرا وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال كفنوني بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر وإني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ما يبكيك يا بني ؟ إن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله  كبيرا وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية وكان آخر المهاجرين وفاة، ودفن في البقيع
أبو عبيدة بن الجراح

  نسبه:-
أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الجَرَّاحِ بنِ هِلاَلِ بنِ أُهَيْبِ بنِ ضَبَّةَ بنِ الحَارِثِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ القُرَشِيُّ، الفِهْرِيُّ، المَكِّيُّ. يَجْتَمِعُ فِي النَّسَبِ هُوَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فِهْرٍ. شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالجَنَّةِ، وَسَمَّاهُ: أَمِيْنَ الأُمَّةِ.
  اسلامه كان من أول من أسلم عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: انْطَلَقَ ابْنُ مَظْعُوْنٍ، وَعُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ حَتَّى أَتَوْا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِشَرَائِعِهِ، فَأَسْلَمُوا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ دُخُوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ.
غزوة بدر و أحد
وَقَدْ شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَدْراً، فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ أَبَاهُ، وَأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلاَءً حَسَناً، وَنَزَعَ يَوْمَئِذٍ الحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا مِنَ المِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ، فَانْقَلَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَحَسُنَ ثَغْرُهُ بِذَهَابِهِمَا، حَتَّى قِيْلَ: مَا رُؤِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحْسَنُ مِنْ هَتْمِ أَبِي عُبَيْدَةَ.
  غزوة ذات السلاسل
قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فِي (مَغَازِيْهِ): كان عَمْرِو بنِ العَاصِ فى غزوة هِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، ، فطلب المدد من رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْتَدَبَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ومجموعة مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وجعلَ نَبِيُّ اللهِ أَبَا عُبَيْدَةَ.أميراُ عليهم
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: أَنَا أَمِيْرُكُم.
فَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ: بَلْ أَنْتَ أَمِيْرُ أَصْحَابِكَ، وَأَمِيْرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ.
فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا أَنْتُم مَدَدٌ أُمْدِدْتُ بِكُم.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الشِّيْمَةِ، مُتَّبِعاً لأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَهْدِهِ، فَسَلَّمَ الإِمَارَةَ لِعَمْرٍو.
  أمين الأمة
عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ).
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْقُفَا نَجْرَانَ: العَاقِبُ وَالسَّيِّدُ، فَقَالاَ: ابْعَثْ مَعَنَا أَمِيْناً حَقَّ أَمِيْنٍ.
فَقَالَ: (لأَبْعَثَنَّ مَعَكُم رَجُلاً أَمِيْناً حَقَّ أَمِيْنٍ).
فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ، فَقَالَ: (قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ).
فَأَرْسَلَهُ مَعَهُم.
لَمَّا وصل عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إلى " سَرْغ "َ، قالوا له أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيْداً، فَقَالَ:
إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ، اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟
قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ).
قَالَ: فَأَنْكَرَ القَوْمُ ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا بَالُ عَلْيَاءِ قُرَيْشٍ؟
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، أَسْتَخْلِفْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُوْلُ: (إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ).
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ.
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ مَعَ خَالِدٍ، الَّذِيْنَ أَمَدَّ بِهِم أَبَا عُبَيْدَةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ دِمَشْقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِم قَالَ لِخَالِدٍ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ؛ لأَنَّكَ جِئْتَ تَمُدُّنِي.
فَقَالَ خَالِدٌ: مَا كُنْتُ لأَتَقَدَّمَ رَجُلاً سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ)  
  أبو عبيدة فى الشام
كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ بَيْتَ المَالِ.
ثُمَّ وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الشَّامِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد
وصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد : يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟
فأجاب أبوعبيدة : اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0
بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حُصِرَ بِالشَّامِ، وَنَالَ مِنْهُ العَدُوُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ شِدَّةٌ، إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَهَا فَرَجاً، وَإِنَّهُ لاَ يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}، الآيَةَ
  فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}، إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعُ الغُرُوْرِ}
فَخَرَجَ عُمَرُ بِكِتَابِهِ، فَقَرَأَهُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ:
يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّمَا يُعَرِّضُ بِكُم أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ بِي، ارْغَبُوا فِي الجِهَادِ.
حسن خلقه
عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لأَخَذْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ خُلُقِهِ، إِلاَّ أَبَا عُبَيْدَةَ).
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَوْصُوْفاً بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَبِالحِلْمِ الزَائِدِ، وَالتَّوَاضُعِ.
قَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ: تَمَنُّوْا.
فَتَمَنَّوْا، فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى بَيْتاً مُمْتَلِئاً رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ.
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ أَصْحَابِي أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ أَخَذْتُ عَليْهِ، إِلاَّ أَبَا عُبَيْدَةَ).
قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: أَخِلاَّئِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ.
  زهده و ورعه
 قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ، فَتَلَقَّاهُ الأُمَرَاءُ وَالعُظَمَاءُ.
فَقَالَ: أَيْنَ أَخِي أَبُو عُبَيْدَةَ؟
قَالُوا: يَأْتِيْكَ الآنَ.
قَالَ: فَجَاءَ عَلَى نَاقَةٍ مَخْطُوْمَةٍ بِحَبْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْصَرِفُوا عَنَّا.
فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَرَحْلَهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوِ اتَّخَذْتَ مَتَاعاً، أَو شَيْئاً.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ هَذَا سَيُبَلِّغُنَا المَقِيْلَ
  عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ عُمَرَ حِيْنَ قَدِمَ الشَّامَ، قَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ.
قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ عِنْدِي؟ مَا تُرِيْدُ إِلاَّ أَنْ تُعَصِّرَ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ.
قَالَ: فَدَخَلَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئاً، قَالَ: أَيْنَ مَتَاعُكَ؟ لاَ أَرَى إِلاَّ لِبْداً وَصَحْفَةً وَشَنّاً، وَأَنْتَ أَمِيْرٌ، أَعِنْدَكَ طَعَامٌ؟
فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى جَوْنَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا كُسَيْرَاتٍ، فَبَكَى عُمَرُ،
فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ سَتَعْصِرُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَكْفِيْكَ مَا يُبَلِّغُكَ المَقِيْل
قَالَ عُمَرُ: غَيَّرَتْنَا الدُّنْيَا كُلَّنَا، غَيْرَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ.
  و روى أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، أَوْ بِأَرْبَعِ مَائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: انْظُرْ مَا يَصْنَعُ بِهَا.
قَالَ: فَقَسَّمَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مُعَاذٍ بِمِثْلِهَا.
قَالَ: فَقَسَّمَهَا، إِلاَّ شَيْئاً قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ الرَّسُوْلُ عُمَرَ، قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الإِسْلاَمِ مَنْ يَصْنَعُ هَذَا.
 و روى أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ كَانَ يَسِيْرُ فِي العَسْكَرِ، فَيَقُوْلُ: أَلاَ رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ، مُدَنِّسٍ لِدِيْنِهِ! أَلاَ رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِيْنٌ! بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ القَدِيْمَاتِ بِالحَسَنَاتِ الحَدِيْثَاتِ.
  قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا مِنْكُم مِنْ أَحْمَرَ وَلاَ أَسْوَدَ يَفْضُلُنِي بِتَقْوَى، إِلاَّ وَدِدْتُ أَنِّي فِي مِسْلاَخِهِ : أى أكون مثله
  وفاته فى طاعون عمواس
  روى أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: إِنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، وَلاَ غِنَى بِي عَنْكَ فِيْهَا، فَعَجِّلْ إِلَيَّ.
فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، قَالَ: عَرَفْتُ حَاجَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ.
فَكَتَبَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ، فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزِيْمَتك، فَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ، لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُم.
فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟
قَالَ: لاَ، وَكَأَنْ قَدْ.
قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَانْكَشَفَ الطَّاعُوْنُ   
عَنْ عِيَاضِ بنِ غُطَيْفٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ فِي مَرَضِهِ، وَامْرَأَتُهُ تُحَيْفَةُ جَالِسَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى الجِدَارِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟
قَالَتْ: بَاتَ بِأَجْرٍ.
فَقَالَ: إِنِّي -وَاللهِ- مَا بِتُّ بِأَجْرٍ!
فَكَأَنَّ القَوْمَ سَاءهُمْ، فَقَالَ: أَلاَ تَسْأَلُوْنِي عَمَّا قُلْتُ؟
قَالُوا: إِنَّا لَمْ يُعْجِبْنَا مَا قُلْتَ، فَكَيْفَ نَسْأَلُكَ؟
قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَبِسَبْعِ مَائَةٍ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ، أَوْ عَادَ مَرِيْضاً، أَوْ مَاز أَذَىً، فَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا، وَمَنِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ، فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ).
  وَعَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ وَجَعَ عَمَوَاسَ كَانَ مُعَافَىً مِنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَهْلُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَصِيْبَكَ فِي آلِ أَبِي عُبَيْدَةَ!
قَالَ: فَخَرَجْتُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، فِي خَنْصَرِهِ بَثْرَةٌ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُبَارِكَ اللهُ فِيْهَا، فَإِنَّهُ إِذَا بَارَكَ فِي القَلِيْلِ، كَانَ كَثِيْراً.
انْطَلَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الجَابِيَةِ إِلَى بَيْتَ المَقْدِسِ لِلصَّلاَةِ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ. فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ بِفِحْلٍ، فَتُوُفِّيَ بِهَا بِقُرْبِ بَيْسَانَ. طَاعُوْنُ عَمَوَاسَ: مَنْسُوْبٌ إِلَى قَرْيَةِ عَمَوَاسَ، وَهِيَ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْنَ بَيْتِ المَقْدِسِ   

عبد الله بن حذافة السهمي
صدق الرسول الكريم حين قال " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
فلقد عمل هذا الصحابي الجليل هذا الحديث وأتى به على أكمل وجه  فمن هو ؟
إنه صحابي جليل من الرعيل الأول الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه و سلّم - عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي ، رضي الله تعالى عنه ..
بعد أن استقرت دولة الإسلام في الشام و تولى أمرها معاوية بن أبي سفيان من قبل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ،
فكتب إليه يأمره بغزو الروم، وبأن يولي على الجيش عبد الله بن حذافة السهمي ففعل
خرج الجيش لغزو الروم ،فغزاهم و أوقع بهم ، و لكن عبد الله و ثلة قليلة كانت معه وقعوا في كمين من الروم فأخذوهم أسرى ..!!
ما تظن أن يفعل هرقل برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلّم المقربين إليه ، هؤلاء الذين طالما سمع عنهم و عجب من أمرهم و قد فعلوا بجيشه ما فعلوا بالشام .. لطالما أحب أن يرى بعضهم ليختبرهم بنفسه ، فيرى أي نوع من الرجال هم..!!تعالَوا لنسمع ما فعل هرقل ...
دفع هرقل عبد الله إلى أحد رجاله و أوصاه ، أن يجيعه ، ثم يطعمه لحم خنزير ، فأجاعه الرجل و كان كل يوم يأتيه بلحم خنزير فيضعه أمامه ليأكله ، و لكن عبد الله كان يُعرض عنه، و يقول: هذا طعام لا يحل لنا أكله ، و مضت على ذلك أيامٌ حتى شارف على الهلاك..
فأخبر الرجل هرقل بذلك ، فقال له : أطعمه ما يريد ، ثم ، أعطشه، و أعطه خمراً ليشربها بدلاً من الماء. ، ففعل الرجل ذلك ..لكن ما ظنكم بصاحب رسول الله أيُشمِت به الروم؟ كان يعرض عن الخمر و يقول :هذا شراب لا يحل لنا شربه . حتى أشرف على الهلاك

فأخبر الرجل هرقل بذلك ، و قال له :إن كانت لك في الرجل حاجة فأطعمه ما يريد و دعه يشرب ما يريد قبل أن يهلك . فقال هرقل:
دعه يأكل و يشرب ما يريد، إنني بلوته بالضراء و سأبلوه بالسراء، أرسلوا إليه أفخر الطعام و الشراب و الثياب و....  ففعل الرجل ذلك .. لكن ما ظنكم بصاحب رسول الله أيُشمِت به الروم؟ كان يعرض عن الخمر و يقول :و لكن عبد الله ما كان يلتفت إلى شيء بل كان لا يأكل إلا قوتاً، و لا يشرب إلا كفافاً ، و لا يبدل ثوبه إلا إذا اتسخ ....
عند ذلك أرسل إليه هرقل و قال له :قد بلوتك بالضراء و بالسراء فصبرت ، فهل لك أن تقبّل رأسي و تنجو بنفسك؟ قال :لا ،لا أقبّل رأسك لأنجو بنفسي فقط .
فقال له : فهل لك أن تقبّل رأسي و أدفع لك كل أسير من المسلمين عندي؟ قال : نعم.
و قبّل عبد الله بن حذافة رضي الله تعالى عنه رأس هرقل ،و دفع إليه هرقل جميع أسارى المسلمين الذين عنده(و كانوا ثمانين رجلاً)فعاد بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. و عندما قصّ القصة على عمر قام و قبّل رأسه ، و قال له: يرحمك الله ،
ما منعك إذ بلغ بك الجهد ما بلغ أن تأكل لحم الخنزير ، و أن تشرب الخمر ، فقال :و الله يا أمير المؤمنين ، لقد علمت أن ذلك موسّعاً لي فيه، و لكنني كرهت أن يشمت الروم و هرقل بالإسلام و أهله.
فهوصحابي جليل من المهاجرين،أسلم قديماً، و هاجر إلى الحبشة، و أرسله النبي صلى الله عليه و سلّم بكتابه إلى كسرى، عندما أرسل الكتب إلى ملوك الدول حوله ليدعوهم إلى الإسلام .شهد فتح مصر و توفي بها ، في أيام عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه سنة 33 هـ


خالد بن الوليد
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي (توفي 21 هـ/642 م) صحابي جليل وقائد عسكري من طراز خاص ؛  ما عرفت الفروسية فارسا مثله فى دهائه وذكاءه وعبقريته وتواضعه ؛ يكفيه أن يلقبه الرسول صلى الله عليه وسلم " سيف الله المسلول " ويقول عنه الصديق رضي الله عنه  " ما كنت لأشيم سيفا سله الله على المشركين "
 وقال أيضا " عقمت النساء أن ينجبن مثل خالد "  وعنه يقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه " على خالد تبكى البواكى " ولقد ضرب مثلا فى التواضع لم نعرف له مثيلا في التاريخ فرغم انتصاراته وفتوحاته التى لولا أن الله تعالى أراده لها لكان أمرا أخر؛ فبعد الإنتهاء من معركة اليرموك وبعد أن وفقه الله تعالى ونصره على الروم نصرا عزيزا مؤزرا وصله خطاب عمر بن الخطاب أن يترك القيادة العامة لأبي عبيدة بن الجراح فإذا به يصبح جنديا عاديا وكأن شيئا لم يكن .
فهو خادم لدين الله لايعنيه أن يكون فى الساقة أو فى المقدمة المهم أن يكون فى سبيل الله فهيا نقترب من هذا الفارس المغوار ونتعرف على بعض من جوانب حياته المضيئة لتكون لنا نبراسا وهدى ؛ ولعل الله تعالى ينفع بسيرته البلاد والعباد ولعل القادة يعلموا ويتعلموا أن الأمر كله لله ؛ فإن خدموا أوطانهم فبفضل الله وإن انتصروا فالنصر من عند الله  .
ولا يعطهم ذلك حقا في امتلاك الشعوب أو استعبادهم أن مكنهم الله تعالى من النصر مرة  أو شاركوا فى فضيلة لأبناء وطنهم. فرضى الله تعالى عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله تعالى وسلم تسليما كثير على من علمهم التواضع والعزة  والحمد لله رب العالمين . 
خالد بن الوليد :  لقّبه الرسول بـ سيف الله المسلول اشتهر بتكتيكاته وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام، في عهد خليفتي الرسول أبي بكر وعمر في غضون عدة سنوات من عام 632 حتى عام 636.
 يعد أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومانية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى. اشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، وتكتيكاته التي استخدمها في معركتي الولجة واليرموك.
قبل إسلامه، لعب خالد بن الوليد دورًا حيويًا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد، كما شارك ضمن صفوف الأحزاب في غزوة الخندق. ومع ذلك، اعتنق خالد الدين الإسلامي بعد صلح الحديبية، شارك في حملات مختلفة في عهد الرسول، أهمها غزوة مؤتة وفتح مكة. وفي عام 638، وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش، ثم انتقل إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته ودفنه بها.
نسبه ونشأته
--اسمه كاملآً خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، المكنّى بأبي سليمان، وقيل: أبو الوليد. يلتقي في النسب مع الرسول في مرة بن كعب الجد السادس للرسول.
-- أبوه: الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم أحد بطون قريش، رفيع النسب والمكانة حتى أنه كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس خاصة في مواسم الحج وسوق عكاظ، وأحد أغنى أغنياء مكة في عصره حتى أنه سمّي بـ "الوحيد" وبـ "ريحانة قريش"، لأن كانت تكسو الكعبة عامًا ويكسوها الوليد وحده عامًا. أمه: لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية من بني هلال بن عامر بن صعصعة من هوازن، وهي تلتقي في النسب مع الرسول في مضر بن نزار الجد السابع عشر للرسول.
-- جده لأبيه المغيرة بن عبد الله سيد بني مخزوم، الذي كان الرجل من بني مخزوم يؤثر الانتساب إليه تشرفًا، والذي كان له من الأبناء الكثير:
--  أشهرهم الوليد أبي خالد
-- "الفاكه" الذي كان له من كرمه بيت ضيافة يأوى إليه بغير استئذان.
-- و"أبو حنيفة" أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف رداء الرسول يوم أن اختلفت قريش عند بناء الكعبة.
--  و"أبو أمية" الملقب بـ "زاد الركب" لأنه كان يكفي أصحابه مئونتهم في السفر، وهو أبو أم المؤمنين أم سلمة والصحابي المهاجر بن أبي أمية.
--  و"هشام" قائد بني مخزوم في حرب الفجار، والذي أرخت قريش بوفاته، ولم تقم سوقًا بمكة ثلاثًا لحزنها عليه، وهو أبو أبو جهل،و"هاشم" جد الصحابي عمر بن الخطاب لأمه.
-- جدته لأمه هند بنت عوف بن زهير بن الحرث، التي قيل عنها أنها "أكرم عجوز في الأرض أصهاراً.
--  فهي أم أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وأم المؤمنين زينب بنت خزيمة وأم الفضل "لبابة الكبرى بنت الحارث" زوج العباس بن عبد المطلب و"أروى بنت عميس" الخثعمية زوج حمزة بن عبد المطلب وأسماء بنت عميس زوج جعفر بن أبي طالب ثم أبي بكر الصديق ثم علي بن أبي طالب.
-- إخوته ستة أخوة وقيل تسعة بين ذكور وإناث، منهم الصحابيان الوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، إضافة إلى عمارة بن الوليد الذي عرضته قريش بدلاً على أبي طالب ليسلمهم محمدًا، وهو ما رفضه أبو طالب.
-- قبيلته بنو مخزوم وهو البطن الذي كان له أمر القبة التي كانت تضرب ليجمع فيها ما يجهّز به الجيش، وأعنة الخيل وهي قيادة الفرسان في حروب قريش. كان لمخزوم عظيم الأثر في قريش.
--  فقد كانوا في ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى بطون قريش وهو ما كان له أثره في اضطلاعهم وحدهم ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليماني، واشتركت قريش كلها في بناء بقية الأركان، وقد اشتهر منهم الكثير في الجاهلية والإسلام ومنهم الشاعر عمر بن أبي ربيعة والتابعي سعيد بن المسيب.
-- وفقًا لعادة أشراف قريش، أرسل خالد إلى الصحراء، ليربّى على يدي مرضعة ويشب صحيحًا في جو الصحراء. وقد عاد لوالديه وهو في سن الخامسة أو السادسة. مرض خالد خلال طفولته مرضًا خفيفًا بالجدري، لكنه ترك بعض الندبات على خده الأيسر
-- عرف خالد في صباه بمهارته في المصارعة، كما تعلم ركوب الخيل واستخدام الأسلحة كالرماح والحراب والقسي والسيوف.
-- أما صفته، فقد كان خالد طويلاً بائن الطول، عظيم الجسم والهامة يميل إلى البياض،كث اللحية. كان خالد شديد الشبه بعمر بن الخطاب، حتى أن ضعاف النظر كانوا يخلطون بينهما

خالد في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
أولا : قبل إسلامه
لا يعرف الكثير عن خالد خلال فترة الدعوة المحمدية للإسلام في مكة. وبعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة المنورة، دارت العديد من المعارك بين المسلمين وقريش.
--  لم يخض خالد غزوة بدر أولى المعارك الكبرى بين الفريقين، والتي وقع فيها شقيقه الوليد أسيرًا في أيدي المسلمين. وذهب خالد وشقيقه هشام لفداء الوليد في يثرب، إلا أنه وبعد فترة قصيرة من فدائه، أسلم الوليد وهرب إلى يثرب.
-- كانت غزوة أحد أول معارك خالد في الصراع بين القوتين، والتي تولى فيها قيادة ميمنة القرشيين. لعب خالد دورًا حيويًا لصالح القرشيين، فقد استطاع تحويل دفة المعركة، بعدما استغل خطأ رماة المسلمين، عندما تركوا جبل الرماة لجمع الغنائم بعد تفوق المسلمين في بداية المعركة. انتهز خالد ذلك الخطأ ليلتف حول جبل الرماة ويهاجم بفرسانه مؤخرة جيش المسلمين، مما جعل الدائرة تدور على المسلمين، وتحوّل هزيمة القرشيين إلى نصر.
-- شارك خالد أيضًا في صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، وقد تولى هو وعمرو بن العاص تأمين مؤخرة الجيش في مائتي فارس، خوفًا من أن يتعقبهم المسلمون كما كان على رأس فرسان قريش الذين أرادوا أن يحولوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية.
إسلامه -- بينما كان المسلمون في مكة لأداء عمرة القضاء في عام 7 هـ، وفقًا للاتفاق الذي أبرم في صلح الحديبية، أرسل الرسول إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلاً له: «ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره.» 
-- أرسل الوليد إلى خالد برسالة يدعوه فيها للإسلام ولإدراك ما فاته. وافق ذلك الأمر هوى خالد، فعرض على صفوان بن أمية ثم على عكرمة بن أبي جهل الانضمام إليه في رحلته إلى يثرب ليعلن إسلامه، إلا أنهما رفضا ذلك.
-- ثم عرض الأمر على عثمان بن طلحة العبدري، فوافقه إلى ذلك. وبينما هم في طريقهم إلى يثرب، إلتقوا عمرو بن العاص مهاجرًا ليعلن إسلامه، فدخل ثلاثتهم يثرب في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم، وحينها قال الرسول: "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها".
-- فلما وصل يثرب، قصّ خالد على أبي بكر رؤية رأها في نومه كأنه في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج إلى بلاد خضراء واسعة، فقال له: "مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك".
سيف الله المسلول
-- في عام 8 هـ، وجّه الرسول جيشًا لقتال الغساسنة، بعد أن اعترض شرحبيل بن عمرو الغساني عامل قيصر الروم على البلقاء الحارث بن عمير الأزدي رسول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  إلى صاحب بصرى، وقتله. انضم خالد حديث العهد بالإسلام إلى ذلك الجيش ذي الثلاث آلاف مقاتل.
--  اختار النبي زيد بن حارثة لقيادة الجيش، على أن يخلفه جعفر بن أبي طالب إن قتل، ثم عبد الله بن رواحة إن قتل جعفر، وإن قتل الثلاثة يختار المسلمون قائدًا من بينهم.
-- عند وصول الجيش إلى مؤتة، وجد المسلمون أنفسهم أمام جيش مائتي ألف مقاتل نصفهم من الروم والنصف الآخر من الغساسنة. فوجئ المسلمون بالموقف، وأقاموا لليلتين في معان يتشاورون أمرهم. أشار البعض بأن يرسلوا للرسول ليشرحوا له الموقف، وينتظروا إما المدد أو الأوامر الجديدة. عارض ابن رواحة ذلك، وأقنع المسلمين بالقتال بدأت المعركة، وواجه المسلمين موقفًا عصيبًا، حيث قتل القواد الثلاثة على التوالي.
--  عندئذ اختار المسلمون خالدًا ليقودهم في المعركة. صمد الجيش بقية اليوم، وفي الليل نقل خالد ميمنة جيشه إلى الميسرة، والميسرة إلى الميمنة، وجعل مقدمته موضع الساقة، والساقة موضع المقدمة.
-- ثم أمر طائفة بأن تثير الغبار ويكثرون الجلبة خلف الجيش حتى الصباح. وفي الصباح، فوجئ جيش الرومان والغساسنة بتغيّر الوجوه والأعلام عن تلك التي واجهوها بالأمس، إضافة إلى الجلبة، فظنوا أن مددًا قد جاء للمسلمين.
-- عندئذ أمر بالانسحاب وخشي الرومان أن يلاحقوهم، خوفًا من أن يكون الانسحاب مكيدة. وبذلك، نجح خالد في أن يحفظ الجيش من إبادة شاملة.
-- حارب خالد ببسالة في غزوة مؤتة، وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف. وبعد أن عاد إلى يثرب، أثنى عليه الرسول ولقّبه بـ سيف الله المسلول.
-- وبعد شهور، نقضت قريش أحد شروط الصلح، عندما هاجم بكر بن مناة بن كنانة حلفاء قريش بني خزاعة حلفاء الرسول. عندئذ توجه الرسول في جيش من عشرة آلاف مقاتل إلى مكة.
--  وقسم الجيش إلى أربعة أقسام تولى بنفسه قيادة أحدها وأمّر الزبير بن العوام وسعد بن عبادة وخالد بن الوليد على الثلاثة الأخرى، وأمرهم أن يدخلوا مكة كلٌ من باب. فدخلوها كل من الباب الموكل إليه، ولم يلق أحدهم قتالاً إلا كتيبة خالد، حيث قاتله عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية في جند جمعوه لقتال المسلمين، واستطاع خالد أن يظفر بهم، وقتل منهم عددًا.
--  ثم أرسله الرسول في سرية من ثلاثين فارسًا لهدم العزى صنم جميع بني كنانة، فهدمها ثم رجع إلى الرسول، فأخبره فسأله الرسول إن كان قد رأى شيئًا؟، فرد بالنفي، فطلب منه الرسول أن يعود لأنه لم يهدمها. فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فضربها خالد فشقها نصفين ورجع إلى الرسول. فأخبره فقال: "نعم تلك العزى، وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا!".
--  بعد الفتح، أرسل الرسول السرايا لدعوة القبائل إلى الإسلام، فأرسل خالد بن الوليد قائدًا على 350 من المهاجرين والأنصار وبني سليم في سرية إلى "بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة"، ولم يأمره بقتال.
--  وهنا كانت أول زلاّت خالد حيث قاتلهم، وأصاب منهم، رغم معارضة من كان معه من الصحابة، ومنهم سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما وصل الخبر إلى الرسول رفع يديه إلى السماء ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد وأرسل الرسول عليًا إلى بني جذيمة، لدفع ديّة قتلاهم.
-- ورغم هذا الخطأ، أشركه الرسول بعد ذلك في غزوة حنين، حيث جعله الرسول يومئذ قائدًا على بني سليم،وأصيب يومها إصابات بليغة.
-- كما شارك خالد أيضًا في غزوة تبوك تحت قيادة الرسول، ومن هناك أرسله الرسول في سرية إلى دومة الجندل، فدخلها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك الذي صالحه الرسول على الجزية،وهدم صنمهم "وُدّ"
-- في عام 10 هـ، بعث الرسول خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول في سرية من أربعمائة مقاتل إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا له يقبل منهم ويقيم فيهم ويعلمهم دينهم، وإن لم يفعلوا يقاتلهم.
-- لبّى بنو الحارث بن كعب النداء وأسلموا، فأقام خالد فيهم يعلمهم الإسلام. ثم كتب خالد إلى الرسول بذلك، فأمره أن يقيم فيهم يعلمهم، ثم ليقبل معه وفدهم، فوفدوا عليه يعلنون إسلامهم.
خالد في عهد أبي بكر وعمر رضى الله عنهما
حروب الردة بنو أسد وطليحة بن خويلد
-- بعد وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، انتقضت معظم القبائل العربية عدا أهل مكة والطائف والقبائل المجاورة لمكة والمدينة والطائف على سلطان أبي بكر الخليفة الجديد للمسلمين. اختلفت أسباب الانتقاض، فمنهم من إرتد عن الدين الإسلامي، ومنهم من ظل على دين الإسلام مع رفضهم أداء فريضة الزكاة، ومنهم من إلتف حول مدعي النبوة في القبائل العربية
-- استغل مانعي الزكاة من قبائل عبس وذبيان وغطفان خروج بعث أسامة بن زيد الذي كان قد أوصى به الرسول قبل وفاته، وحاولوا مهاجمة المدينة. وبعد أن استطاع الخليفة صد الهجوم، وإرساله من يطارد فلول المنهزمين.
-- عقد أبو بكر أحد عشر لواءً، لمحاربة المرتدين ومانعي الزكاة في جميع أرجاء جزيرة العرب. أمّر أبو بكر خالد بن الوليد أحد تلك الجيوش قوامه 4,000 مقاتل، ووجهه إلى إخضاع طيئ ثم محاربة مدعي النبوة طليحة بن خويلد وقبيلته بني أسد، ثم التوجه لإخضاع بني تميم. إلا أنه وقبل أن يتحرك الجيش، وصل عدي بن حاتم الطائي بأموال زكاة طيئ، لتنضم بذلك طئ لجيش خالد.
-- اجتمعت قبائل أسد وفزارة وسليم وفلول عبس وذبيان وبكر حول طليحة بن خويلد الذي إدعى النبوة، توجه إليهم خالد بجيشه، واشتبك معهم في بُزاخة، وهزمهم وفرّ طليحة إلى الشام. أمر خالد بعد ذلك بمطاردة فلول المنهزمين، ثم أمر بإحراق الأسرى بالنيران ونكّل بهم، وأرسل رؤسائهم مكبّلين بالأصفاد إلى الخليفة لينظر ماذا يفعل بهم، لما ألحقوا بمن بقوا على دينهم من أذى، وليكون ذلك ردعًا لمن سيلقاه بعد ذلك.
                   خط سير خالد بن الوليد في حروب الردة
-- إلتفت الفلول حول أم زمل التي كانت لها ثارات عند المسلمين، فقد قتل زيد بن حارثة أمها أم قرفة في سريته إلى بني فزارة، لتحريضها قومها على قتال المسلمين. فقاتلهم خالد في معركة كبيرة في ظفر، وهزمهم وقتل أم زمل.
 بنو تميم
-- توجه خالد بعد ذلك بجيشه إلى بني تميم. لم تكن بنو تميم على موقف واحد، فمنهم بطون إيتاء الزكاء وإتباع خليفة رسول الله، ومنهم من رأي عكس ذلك، وبقي فريق ثالث في حيرة من أمرهم فلما وصل جيش خالد البطاح وهي منزل بنو يربوع، لم يجد بها أحدًا. كان سيدهم مالك بن نويرة ممن كانوا تحيروا في أمرهم، وكان قد أمر قومه بأن يتفرقوا. بثّ خالد السرايا، وأمرهم بأن يأتوه بكل من لم يجب داعية الإسلام، وإن امتنع أن يقتلوه.
-- وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذّنوا إذا نزلوا منزلاً، فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاقتلوا وانهبوا، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم‏.
-- عندئذ، جاءه الجند بمالك بن نويرة في جماعة من قومه، اختلفت السرية فيهم، فشهد أبو قتادة الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا أمر خالد بقتل ابن نويرة،
--واختلف الرواة في سبب قتل خالد مالكًا، فمنهم من قال أن الأسرى قتلوا لأن الليلة كانت باردة، وقد أمر خالد بأن يدفئوا الأسرى، وكانت تعني في لغة كنانة القتل، فقتلهم الحراس
--ومنهم من قال أنه دارت بين خالد ومالك حوارًا استنتج منه خالد أن مالكًا ينكر الزكاة، فقتله بذلك. وفي نفس ليلة مقتل مالك، تزوج من أم تميم ليلى بنت المنهال زوجة مالك، وهو ما أنكره العديد من الصحابة، حتى أن أبو قتادة ترك الجيش وعاد إلى المدينة مقسمًا ألا يجمعه لواء مع خالد بن الوليد.
--  استنكر الصحابة في المدينة فعل خالد، وأرسل أبو بكر في طلب خالد. كان عمر بن الخطاب ممن أغضبه فعل خالد، حتى أنه طلب من الخليفة أن يعزل خالد، إلا أن أبي بكر رفض ذلك، قائلاً: "ما كنت لأشيم سيفًا سلّه الله على الكافرين".عنّف أبو بكر خالدًا على فعله، ثم صرفه إلى جيشه. 
مسيلمة الكذاب
-- إدعى مسيلمة بن حبيب النبوة، واستطاع أن يجمع حوله أربعين ألفًا من قومه بني حنيفة وغيرهم، ممن أقروا بنبوته. وكان في شهادة " الرجال بن عنفوة" الذي كان الرسول قد بعثه مع وفد بني حنيفة، حين وفدوا عليه ليعلنوا إسلامهم في عام الوفود ليعلمهم الدين، بأن محمدًا قد أشركه في النبوة، أكبر الدعم له في إدعائه، مما زاد من خطورة فتنته على المسلمين
-- لذا، فقد وجّه له أبو بكر لواءً بقيادة عكرمة بن أبي جهل، ثم أردفه بلواء آخر بقيادة شرحبيل بن حسنة. تسرّع عكرمة في قراره بمواجهة جيش مسيلمة وحده قبل أن يدركه جيش شرحبيل بن حسنة، مما عرّضه لهزيمة نكراء. حين وصل شرحبيل بجيشه، أدرك صعوبة الموقف
--  لذا أرسل للخليفة ليُعلمه بما كان. حينئذ، كان خالد قد فرغ من أمر بني تميم، فأمره أبو بكر بالتوجه من البطاح إلى اليمامة، لقتال مسيلمة الكذاب متنبي بني حنيفة. حين وصل خالد بجيشه إلى ثنية اليمامة، أدرك جيشه سرية من بني حنيفة، فأمر بقتلهم واستبقى رئيسهم مجاعة بن مرارة، لعله يخلُص منه بما ينفعه، وقيّده بالحديد في خيمته، وجعل على حراسته زوجته أم تميم.
-- نزل مسيلمة بجيشه في عقرباء على أطراف اليمامة. ثم إلتقى الجمعان، وكانت الغلبة في البداية لبني حنيفة، فتراجع المسلمون حتى دخلوا فسطاط خالد، وكادوا أن يبطشوا بأم تميم لولا أن أجارها مجاعة بن مرارة، لما وجد منها من حسن معاملة
-- حينئذ، ثارت الحمية في قلوب المسلمين، فأظهر المهاجرون والأنصار بطولاتٍ قلبت دفة المعركة لصالحهم، فتقهقرت بنو حنيفة يحتمون بحديقة مسوّرة منيعة الجدران تسمى بـ "حديقة الرحمان". أدرك المسلمون أنهم إن لم يسرعوا بالظفر بهم، فقد يطول الحصار.
--  فطلب البراء بن مالك من رفقائه أن يحملوه ليتسوّر الحديقة وتبعه بعض زملائه، واستطاعوا فتح باب الحديقة، وأعمل المسلمون القتل في بني حنيفة، وقتل وحشي بن حرب مسيلمة الكذاب ، مما فتّ في عضد بني حنيفة. ومن يومها، أصبحت الحديقة تسمى بـ "حديقة الموت".
-- بعد أن انتهت المعركة تحرك خالد بجيشه، ليفتح حصون اليمامة، وكان خالد قد وثق بمجاعة لإجارته لأم تميم. وكان مجاعة قد أرسل للحصون التي لم يكن بها سوى النساء والأطفال والشيوخ ومن لا يستطيعون القتال بأن يلبسوا الدروع. أقنع مجاعة خالدًا بأن الحصون مملوءة بالرجال، ونظر خالد فوجد جيشه قد أنهكته الحروب، وقتل منه الكثير حتى أنه قُدر قتلى المسلمون يوم اليمامة بمائتين وألف منهم 360 من المهاجرين والأنصار.
--  لذا رأى خالد أن يصالحهم على أن يحتفظ المسلمون بنصف السبى والغنائم. عندئذ طلب منه مجاعة أن يذهب ليعرض على قومه الأمر، ثم عاد زاعمًا بأنهم لم يقبلوا العرض، فخفّضه خالد إلى الربع. وحين دخل المسلمون الحصون، لم يجد المسلمون سوى النساء والأطفال والعجزة، غضب خالد لخداعه، إلا أنه وجدها شجاعة من مجاعة، استطاع بها أن يحفظ بها من بقي من قومه، فأجاز الصلح.
-- بعد أن تم لخالد النصر، طلب من مجاعة أن يزوجه ابنته، فلبّى مجاعة طلبه. تسبب ذلك في إثارة غضب الخليفة وكبار الصحابة، لأنه لم يختار الوقت المناسب لذلك، فقد كانت المدينة في حالة حزن على فقدانهم لألف ومائتي شهيد بينهم 39 من حفظة القرآن الكريم،وهو ما استدعى جمعهم للقرآن. أرسل أبو بكر لخالد فعنّفه أشد مما عنفه يوم زواجه من أم تميم، فتألم خالد لغضب أبي بكر رضى الله عنه .بعد اليمامة، انتهت مهمة خالد في حروب الردة، فاتخذ له بيتًا في أحد أودية اليمامة، عاش فيه مع زوجتيه.
دوره في فتح العراق
-- مع انتهاء حروب الردة، بلغ أبي بكر أن المثنى بن حارثة الشيباني ورجال من قومه أغاروا على تخوم فارس حتى بلغ مصب دجلة والفرات،فسأل عنه فأثنى عليه الصحابة. ولم يلبث أن أقبل المثنى على المدينة، طالبًا منه أن يستعمله على من أسلم من قومه، فأقر له أبو بكر بذلك.
-- رأى أبو بكر بأن يمدّ المثنى بمدد ليتابع غزواته، لذا أمر خالد بأن يجمع جنده في اليمامة، وألا يستكره أحدًا منهم، ويتوجه إلى العراق. كما أمر عياض بن غنم بأن يتوجه إلى دومة الجندل ليخضع أهلها، ثم يتوجه إلى الحيرة، وأيهما بلغ الحيرة أولاً تكون له القيادة. وجد خالد أن جيشه قد قلّ عدده، فطلب المدد من الخليفة، فأمدّه بالقعقاع بن عمرو التميمي. تعجّب الناس من هذا المدد، فقال لهم أبو بكر: "لا يُهزم جيش فيه مثل هذا".
معارك خالد بن الوليد في فتح العراق.
-- أدرك خالد المثنى قبل أن يصل إليه عياض بعشرة الآف مقاتل، لينضم إليه ثمانية الآف مقاتل هم جند المثنى. كانت أول معارك خالد في العراق أما جيش فارسي بقيادة "هرمز" في معركة ذات السلاسل. في بداية المعركة، طالب هرمز أن يبارز خالد، وكان قد دبّر مكيدة بأن يتكاتل عليه جنده فيقتلوه، فيفتّ ذلك في عضد المسلمين فينهزموا. لم يعطي هرمز خالد قدره، فقد قتله خالد قبل أن تكتمل المكيدة، وأدرك القعقاع جند الفرس قبل أن يغدروا بخالد، ليثبت بذلك للمسلمين صحة وجهة نظر الخليفة فيه.
-- بعد ذلك، شدّ المسلمون على الفرس وهزموهم، وأمر خالد المثنى بمطاردة الفلول. استمر المثنى يطارد الفلول، إلى أن ترامى إلى أذنه زحف جيش آخر بقيادة "قارن بن قاريونس"، فأرسل إلى خالد، فلحقه خالد بالجيش، وإلتحم الجيشان وللمرة الثانية يهزم جيش خالد جيشًا فارسيًا ويقتل قادته في معركة عرفت بمعركة المذار.
-- أدرك الفرس صعوبة موقفهم، فقرروا أن يستعينوا بأوليائهم من العرب من بني بكر بن وائل، وإلتقى الجيشان في معركة الولجة والتي استخدم فيها خالد نسخة مطورة من تكتيك الكماشة، حيث استخدم مجموعتين من الجند ليكمنوا للفرس.
-- استثارت الهزيمة غضب الفرس وأوليائهم من العرب، فاجتمعوا في أُلّيس بجيش عظيم، واشتبك معهم جيش المسلمين في معركة عظيمة تأرجحت وطالت بين الفريقين، فتوجه خالد بالدعاء إلى ربه، ونذر أن يجري النهر بدماء أعدائه إن انتصر المسلمون. في النهاية، انتصر المسلمون وفر الفرس والعرب، وأمر خالد بأسرهم، ليبرّ بنذره. ثم أمر بحبس النهر، وضرب رقاب الأسرى ثم أجرى النهر فتحوّل دمًا.
-- كانت الخطوة التالية لتأمين النصر هي فتح الحيرة عاصمة العراق العربي، فتوجه بجيشه إليها وحاصرها، ولما لم يجدوا مهربًا قبلوا بأن  يؤدوا الجزية. وبعد أن أراح جيشه، سار خالد على تعبئته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس، فحاصرها وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا حولهم، فطاف خالد بالخندق بحثًا عن أضيق مكان فيه، ثم أمر بنحر ضعاف الإبل وإلقائها في ذلك الموضع، وعبرهم عليها جيشه ففتح بذلك الحصن.
--  اتجه خالد بعد ذلك إلى عين التمر، حيث واجه جيشًا من الفرس والعرب من قبائل بني النمر بن قاسط وتغلب وإياد بقيادة "عقة بن أبي عقة" في معركة عين التمر وانتصر عليهم، وبذلك أصبح معظم العراق العربي تحت سيطرة المسلمين.
-- كان عياض بن غنم ما زال في حربه في دومة الجندل منذ بعثه الخليفة لقتالهم، حيث طال حصاره لعام ولم يظفر بهم. يأس الخليفة من الموقف، فأمده بالوليد بن عقبة، وحين وصل إليه الوليد أيقن صعوبة موقف عياض، فأشار عليه بأن يرسل إلى خالد بن الوليد يستنصره. لم يتردد عياض فأرسل لخالد، وكان قد همّ بالرحيل عن عين التمر. -- لذا، فقد توجه خالد إليه بجيشه، فجعل دومة بينه وبين جند عياض، ونجح في افتضاض الحصن في معركة دومة الجندل. انتهز أهل العراق فرصة غياب خالد، فثاروا على الحاميات الإسلامية، ووصل الخبر لخالد في دومة الجندل، فلم يطق البقاء وعاد واستطاع اخضاعهم مرة أخرى في معارك المصّيخ والثني والزميل.
-- واصل خالد زحفه شمالاً حتى بلغ الفراض، وهي موقع على تخوم العراق والشام، وأقام فيها شهرًا لا يفصله عن الروم سوى مجرى الفرات. أرسل قائد الروم لخالد يطالبه بالاستسلام، إلا أن خالد قال له أنه ينتظره في أرض المعركة. ثم بعث إليه الروم يخيرونه إما أن يعبر إليهم أو يعبروا إليه، فطالبهم بالعبور.
--  استغل خالد عبور الروم إليه، وحاصرهم بجناحيه مستغلاً وجود النهر خلفهم، وهزمهم هزيمة ساحقة كانت معركة الفراض آخر معارك خالد بن الوليد في العراق. أمر خالد جيشه بالعودة إلى الحيرة، وقرر أن يؤدي فرضة الحج في سرّية تامة دون حتى أن يستأذن الخليفة. وبعد أن أتم حجه علم الخليفة فلامه ونهاه عن تكرار فعله مرة أخرى.
دوره في فتح الشام
-- بعد أن سقطت دومة الجندل في أيدي المسلمين، أصبح الطريق ممهدًا للتحرك لغزو الشام. أرسل خالد بن سعيد قائد المسلمين على تخوم الشام إلى أبي بكر يستأذنه في منازلة الروم. وبعد أن استشار أبو بكر أهل الرأي، شجّعته انتصارات المسلمين في العراق على الإقدام على خطوة مشابهة في الشام، فأذن لخالد بن سعيد. لم يحالف الحظ جيش خالد بن سعيد بعد أن نجح الروم في استدراجه وهزموا جيشه، وفر في كتيبة من جنده بعد مقتل ابنه، تاركًا عكرمة يتقهقر بالجيش.
-- لم يُضعف ذلك من عزم الخليفة، فوجّه أربعة جيوش دفعة واحدة إلى الشام، بقيادة أبي عبيدة الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ووجه كل منهم لوجهة مختلفة إلا أن الروم جيّشوا لهم في كل موضع جيوشًا تفوقهم عددًا. وجد القادة أنهم إن قاتلوا منفردين فسيهزموا لا محالة،
--  لذا أرسل أبو عبيدة إلى أبي بكر يطلب المدد. ضاق أبو بكر بالموقف، فقرر أن يرسل إلى خالد بن الوليد يأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة الشيباني في نصف الجند، ويسير بالنصف الآخر إلى الشام ليمدّ جيوش المسلمين. ضاق خالد بالأمر، إذ كان يرجو أن يظل بالعراق حتى يفتح المدائن، إلا أنه امتثل للأمر.
-- كان أمام خالد طريقين للوصول لقوات المسلمين في الشام، الأول عبر دومة الجندل، والثاني يمر بالرقة. ولما كانت حاجة قوات المسلمين في الشام ملحّة لمدده، تجنب خالد طريق دومة الجندل لطوله، وسوف يستغرق أسابيع للوصول إلى الشام. كما قرر أن يتجنب الطريق الآخر لأنه سيمر على الحاميات الرومانية في شمال الشام. اختيار خالد طريقًا وعرًا لكنه أقصر عبر بادية الشام.
-- ( اتخذ خالد من "رافع بن عميرة الطائي" دليلاً له الذي نصحهم بالاستكثار من الماء، لأنهم سيسيرون لخمس ليال دون أن يردوا بئرًا. استخدم خالد بطون الإبل لتخزين الماء لشرب الجياد، وبذلك نجح خالد في اجتياز بادية الشام في أقصر وقت ممكن. ثم أخضع الغساسنة بعد أن قاتلهم في مرج راهط، ومنها انحدر إلى بصرى ففتحها)
-- وعندئذ جاءته الأنباء بأن جيشًا روميّا قد احتشد في أجنادين، فأمر خالد جيشه بالتوجه إلى أجنادين، وراسل قادة الجيوش الأخرى بموافاته في أجنادين. ولما تم اجتماعهم  هناك، جعل أبو عبيدة بن الجراح على المشاة في القلب، ومعاذ بن جبل على الميمنة، سعيد بن عامر بن جذيم القرشي على الميسرة، وسعيد بن زيد على الخيل. -- بدأت المعركة بمهاجمة ميسرة الروم لميمنة المسلمين، ولكن معاذ بن جبل ورجاله صمدوا أمام الهجوم، ثم شنت ميمنة الروم هجومًا على ميسرة المسلمين، فثبتوا كذلك. عند ذلك أمر قائد الروم برمي الأسهم، عندئذ بدأ هجوم المسلمين، واستبسلوا ففر الروم منهزمين.
--ثم بلغ خالد أن الروم قد حشدوا جيشًا آخر يشرف على 240 ألف جندي في اليرموك، فتوجهت جيوش المسلمين إليهم. وأظهر خالد أحد تكتيكاته الجديدة، فقسم جيشه فرقًا كل منها ألف رجل، وجعل على ميمنته عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وعلى القلب أبا عبيدة 
--وجعل على رأس كل فرقة بطلاً من أبطال المسلمين أمثال القعقاع وعكرمة وصفوان بن أمية. ثم رسم خالد خطة لاستدراج الروم بعيدًا عن مواقعهم التي حفروا أمامها الخنادق فكلف عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو التميمي الهجوم بفرقتيهما فجرًا حتى يبلغا خنادق الروم وبعد ذلك يتظاهران بالانهزام ويتقهقران. ونفذ القائدان المهمة بنجاح، فلم رأهم الروم يتراجعون، هاجمهم الروم.
-- أظهر المسلمون بسالة في القتال، واستمر القتال إلى الغروب، وأخيرًا تمكن المسلمون من الفصل بين فرسان الروم ومشاتهم، فأمر خالد بمحاصرة الفرسان. فلما ضاق فرسان الروم بالقتال وأصابهم التعب، فتح المسلمون أمامهم ثغرة أغرتهم بالخروج منها طالبين النجاة، تاركين المشاة لمصيرهم. اقتحم المسلمون عليهم الخنادق، وقتلوا منهم ألوف. كان انتصار اليرموك بداية نهاية سيطرة الروم على الشام.
-- تفرقت الجيوش بعد ذلك، فتوجه كلٌ إلى وجهته التي كان أبو بكر قد وجهه إليها، فتوجه خالد مع أبي عبيدة إلى دمشق ففتحوها بعد حاصروها وصالحوا أهلها على الجزية.
--  وبينما هم هناك إذ أقبل رسول يحمل خبر وفاة أبي بكر وتولى عمر بن الخطاب الخلافة، ومعه كتاب إلى أبي عبيدة يولّيه إمارة الجيش ويعزل خالد،إلا أنه ظل تحت قيادة أبي عبيدة، كأحد قواده. وبعد أن اطمأن أبو عبيدة إلى مقام المسلمين، تقدم بقواته ومعه خالد إلى فحل، وقد كان قد أرسل بعض جنده لحصارها خلال محاصرته لدمشق، فهزم حاميتها ومن لجأ إليهم من جند الروم الفارين من أجنادين، وقد أظهر خالد بن الوليد وضرار بن الأزور يوم فحل بطولات ذكرها لهم المؤرخون.
-- كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة يأمره بغزو حمص. انتهز هرقل قيصر الروم انشغال المسلمين في فحل، فأرسل جيشًا بقيادة توذر (تيودوروس) لاستعادة دمشق. وبينما كان جيش المسلمين في طريقهم إلى حمص، إلتقى الجيش البيزنطي في منتصف الطريق في مرج الروم. خلال الليل.
--  أرسل توذر نصف جيشه إلى دمشق لشن هجوم مفاجئ على حامية المسلمين. وفي الصباح، وجد المسلمون أن جيش الروم قد قلّ عدده، فتوقع خالد أن يكون الروم قد وجهوا جزء من جيشهم لمهاجمة دمشق. استأذن خالد أبا عبيدة، وانطلق في فرقة من الفرسان ليدرك جيش الروم المتوجّه لدمشق.
--  استطاع خالد أن يهزم هذا الجيش الرومي بعدما حُصر الروم بين قوات خالد وحامية المدينة. عاد خالد لينضم لقوات أبي عبيدة، وحاصر معه حمص إلى أن سلّم أهلها طالبين الصلح، فصالحهم أبو عبيدة على شروط وخراج صلح دمشق، ثم سلمت حماة واللاذقية وعلى نفس الشروط.
-- واجه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة صعوبات في مواجهة الروم في فلسطين وجنوب الشام، لذا أرسلا إلى عمر فأمر أبا عبيدة وخالد بالتوجه إليهم للدعم، واستطاعت قوات المسلمين تطهير البلاد ثم توجهوا إلى القدس آخر المعاقل البيزنطية في جنوب الشام، التي فرّ إليها العديد من الناجين من معركة اليرموك،وحاصروها.
-- لم تقبل المدينة بالتسليم، إلا للخليفة شخصيًا. بعد القدس، توجه جيش أبو عبيدة وخالد، لاستكمال فتح شمال الشام. وجه أبو عبيدة خالد إلى قنسرين المدينة منيعة الحصون، فوجد بها جيشًا روميًا عظيمًا،فقاتلهم خالد وهزمهم في معركة قنسرين، وفرّت الفلول لتتحصن بالمدينة طالبين الصلح كصلح حمص، إلا أن خالد رفض ورأى أن يعاقبهم لمقاومتهم للمسلمين. لحق جيش أبوعبيدة بن الجراح بقوات خالد بن الوليد في قنسرين بعد فتحها ليتابعا زحفهما إلى حلب، حيث استطاعا فتحها.
-- كان الهدف التالي للمسلمين أنطاكية عاصمة الجزء الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية. وقبل أن يسيروا إليها، قرر أبو عبيدة وخالد عزل المدينة عن الأناضول، بالاستيلاء على جميع القلاع التي قد توفر الدعم الاستراتيجي إلى أنطاكية، وأهمها أعزاز في الشمال الشرقي من أنطاكية.
-- وقد خاض الروم المدافعون عن أنطاكية معركة يائسة مع جيش المسلمين خارج المدينة بالقرب من نهر العاصي، لكنها انتهت بهزيمتهم، وتراجعهم إلى أنطاكية، فحاصرها المسلمون. فقد الروم الأمل في وصول المدد من الامبراطور، فاستسلمت أنطاكية على أن يُسمح لجند الروم بالمرور إلى القسطنطينية بأمان.
-- وجّه أبو عبيدة خالد شمالاً، بينما توجّه جنوبًا وفتح اللاذقية وجبلة وطرطوس والمناطق الساحلية الغربية من جبال لبنان الشرقية. استولى خالد على الأراضي حتى "نهر كيزيل" في الأناضول. قبل وصول المسلمين إلى أنطاكية، كان الإمبراطور هرقل قد غادرها إلى الرها، لترتيب الدفاعات اللازمة في بلاد ما بين النهرين وأرمينيا، ثم غادرها متوجها إلى عاصمته القسطنطينية. وفي طريقه إلى القسطنطينية، نجا بصعوبة من قبضة خالد الذي كان في طريقه منصرفًا من حصار مرعش إلى منبج.
-- بعد الهزائم الساحقة المتتالية لقوات هرقل في تلك المعارك، أصبحت فُرصُه لتصحيح أوضاعه قليلة، بعدما أصبحت موارده العسكرية المتبقية ضعيفة، لذا لجأ إلى طلب مساعدة من المسيحيين العرب من بلاد ما بين النهرين الذين حشدوا جيشًا كبيرًا توجهوا به نحو حمص، قاعدة أبو عبيدة في شمال الشام، وأرسل إليهم جندًا عبر البحر من الإسكندرية.
--  أمر أبو عبيدة كل قواته في شمال الشام بموافاته في حمص، بعدما حاصرتها القبائل العربية المسيحية. فضّل خالد خوض معركة مفتوحة خارج المدينة، إلا أن أبا عبيدة أرسل إلى عمر يطلب رأيه.
-- بعث عمر إلى سعد بن أبي وقاص بأن يسيّر جندًا لغزو منازل تلك القبائل العربية المسيحية في بلادها، وأن يبعث القعقاع بن عمرو في أربعة آلاف فارس مددًا لأبي عبيدة. بل وسار عمر بنفسه من المدينة على رأس ألف جندي.
-- دوت تلك الأنباء في العراق والشام، فرأت تلك القبائل أن تسرع بالرجوع إلى منازلها، تاركين جند الروم في مواجهة مصيرهم أمام قوات المسلمين الذين هزموا تلك القوات هزيمة نكراء، قبل أن تصل قوات المدد من العراق أو المدينة. ثم أرسل أبو عبيدة خالد في قوة لمهاجمة القبائل من الخلف،وكانت تلك آخر محاولات هرقل لإستعادة الشام.
-- بعد تلك المعركة، أمر عمر باستكمال غزو بلاد ما بين النهرين. فبعث أبو عبيدة خالد وبعث سعد عياض بن غنم لغزو شمال بلاد ما بين النهرين. ففتحا الرها وديار بكر وملطية ثم اجتاحا أرمينية حتى بلغ خالد آمد والرها، وهو يفتح البلاد ويستفئ الغنائم، ثم عاد إلى قنسرين وقد اجتمع له من الفئ شيء عظيم.
-- اختلفت روايات المؤرخين حول ترتيب وقائع فتح الشام، فمثلاً روى الطبري أن معركة اليرموك كانت المعركة التالية لفتح بصرى، أما البلاذري فقد روى أنها كانت آخر معارك فتح الشام، وأنها تمت في عهد عمر بن الخطاب.
العزل -- حدث الناس بفعال خالد في أرمينية، وتحدثوا بانتصاراته في الشام والعراق،فتغنّى الشعراء بفعاله، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، وكان ممن وهبهم خالد الأشعث بن قيس الذي وهبه خالد عشرة الآف درهم.
-- بلغ عمر في المدينة خبر جائزة خالد للأشعث،فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يستقدم خالد مقيدًا بعمامته، حتى يعلم أجاز الأشعث من ماله أم من مال المسلمين، فإن زعم أنها من مال المسلمين، فتلك خيانة للأمانة. وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، وفي كلتا الحالتين يُعزل خالد من قيادته للجيوش.
--  تحيّر أبو عبيدة، فترك تنفيذ تلك المهمة لبلال بن رباح رسول الخليفة بالكتاب. أرسل أبو عبيدة يستدعي خالد من قنسرين، ثم جمع الناس وسأل بلال خالدًا عما إذا كانت جائزته للأشعث من ماله أم من مال المسلمين؟. فأجاب خالد أنها من ماله الخاص، فأعلنت براءته.
--فاجأ أبو عبيدة خالدًا بأن الخليفة قد عزله، وأنه مأمور بالتوجه للمدينة.  ذهب خالد للمدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره. كثر اللغط في الأمصار حول عزل عمر لخالد، فأذاع في الأمصار:
إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة
وفاته
في غضون أقل من أربع سنوات من عزله، توفي خالد في عام 21 هـ/642 م، ودفن في حمص، حيث كان يعيش منذ عُزل. قبره الآن في الجامع المعروف باسمه. وقد شهد خالد بن الوليد عشرات المعارك بعد إسلامه, وقد روي أنه قال على فراش الموت: لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء
حزن المسلمون لموت خالد أشد الحزن، وكان الخليفة عمر من أشدهم حزنًا، حتى أنه مرّ بنسوة من بني مخزوم يبكينه، فقيل له: ألا تنهاهن؟. فقال: "وما على نساء قريش أن يبكين أبا سليمان، ما لم يكن نقع أو لقلقة (يعني صياح وجلبة). على مثله تبكي البواكي.





    عمرو بن العاص..داهية العرب وفاتح مصر
   عمرو بن العاص بن وائل السهمي قائد إسلامي عظيم تمتع بعقلية قيادية مميزة، بالإضافة لدهاء وذكاء مكنه من اجتياز العديد من المعارك والفوز بها، أعلن إسلامه في العام الثامن للهجرة مع كل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وفي الإسلام كان ابن العاص مجاهداً وبطلاً، يرفع سيفه لنصرته، عندما أعلن إسلامه قال عنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" { أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص }.
لقب "بداهية العرب" لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.   
ندين نحن أهل مصر بل وشمال إفريقيا وما بعدنا من بلاد مسلمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه بالكثير من الحب والإحترام الذي لولا شجاعته ودهائه وذكاءه وإلحاحه على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ان يفتح مصر لكان لنا شأن أخر فربما كنا في عداد أهل المجوس أو من يعبدون الأصنام أو من يقدسون الصور والأيقونات  .
 كما أنه رضي الله عنه ضرب لنا وللعالم أجمع أروع الأمثلة في معاملة الأخر فعامل النصارى فى مصر معاملة حسنة لم يسبق أن عاملهم بها أحد إلا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم .
 فلقد أعطاهم الأمان والحرية فى أداء طقوسهم وعباداتهم فى الوقت الذي كانوا فيه يسامون سؤء العذاب من اخوانهم الكاثوليك بدليل أنه حين دخل عمرو بن العاص مصر وجد كبير المسيحين الأرثوذكس وهو البابا  " بنيامين "  طريدا شريدا فأعاده إلى منصبه .
ولم يجبرهم على إعتناق الإسلام أو التحدث باللغة العربية وشاء الله تعالى أن يسارعوا فى الدخول إلى الإسلام بشكل لم يسبق له مثيل وغيروا لغتهم من تلقاء أنفسهم فتكلموا اللغة العربية أيضا وأصبحوا نعم العون للمسلمين وساعدوا فى نشر دين الله إلى أكثر بقاع الأرض  وصدق فيهم قول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم " سيفتح الله عليكم بعدى مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فهم خيرأجناد الأرض "
 حياته
   ولد عمرو بن العاص في الجاهلية والده هو العاص بن وائل أحد سادة العرب في الجاهلية، شرح الله صدره للإسلام في العام الثامن من الهجرة، ومنذ ذلك الحين كرس عمرو حياته لخدمة المسلمين فكان قائد فذ تمتع بذكاء ودهاء كبير، قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بتوليته قائداً على الكثير من البعثات والغزوات، فكان احد القادة في فتح الشام ويرجع له الفضل في فتح مصر.
 قبل الإسلام
    قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه كانت له إحدى المواقف مع النجاشي حاكم الحبشة والذي كان قد هاجر إليه عدد من المسلمون فراراً بدينهم من المشركين واضطهادهم لما عرف عن هذا الحاكم من العدل، ولكن قام المشركون بإرسال كل من عمرو بن العاص - كان صديقاً للنجاشي - وعبد الله بن ربيعة بالهدايا العظيمة القيمة إلى النجاشي من أجل أن يسلم لهم المسلمين الذين هاجروا ليحتموا به، فرفض النجاشي أن يسلمهم لهم دون أن يستمع من الطرف الأخر وهم المسلمين ولما استمع لهم رفض أن يسلمهم إلى عمرو وصاحبه.
 قال له النجاشي ذات مرة : يا عمرو، كيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فوالله إنه لرسول الله حقًا، قال عمرو: أنت تقول ذلك؟ قال: أي والله، فأطعني، فخرج عمرو من الحبشة قاصدًا المدينة، وكان ذلك في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" فساروا جميعًا إلى المدينة، وأسلموا بين يدي رسول الله، وكان النجاشي قد أعلن إسلامه هو الأخر.
 قال عمرو بن العاص عندما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟  قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟، قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟، وما كان أحد أحب إلى من رسول الله "ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة".
 عمرو قائداً حربياً
   كانت أولى المهام التي أسندت له عقب إسلامه، حينما أرسله الرسول "صلى الله عليه وسلم" ليفرق جمعاً لقضاعة يريدون غزو المدينة، فسار عمرو على سرية "ذات السلاسل" في ثلاثمائة مجاهد، ولكن الأعداء كانوا أكثر عدداً، فقام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيساً على الجميع فقبل أبو عبيدة، وكتب الله النصر  لجيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وفر الأعداء ورفض عمرو أن يتبعهم المسلمون، كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا ناراً للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك للرسول حين سأله انه قال " كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم " فحمد الرسول الكريم حسن تدبيره.
بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وفي خلافة أبي بكر "رضي الله عنه"، قام بتوليته أميراً على واحداً من الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة ألاف مجاهد، ثم وصله مدد أخر فأصبح عداد جيشه سبعة ألاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معاً على أن يتولى كل قائد قيادة الجيش يوماً من أيام المعركة.
 وبالفعل تمكنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام، انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح.
كان عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" إذا ذُكر أمامه حصار "بيت المقدس" وما أبدى فيه عمرو بن العاص من براعة يقول: لقد رمينا "أرطبون الروم" "بأرطبون العرب".
 فتح مصر
    بعد أن توالت انتصارات وفتوحات عمرو بن العاص في الشام، توجه نظره إلى مصر، فرغب في فتحها فأرسل إلى الخليفة ليعرض عليه الأمر وكان حينها عمر بن الخطاب متولياً الخلافة، وبعد تفكير وتردد أقتنع عمر بن الخطاب بفكرة عمرو.
 وبالفعل قام ابن العاص بإعداد العدد والعتاد من أجل التوجه لفتح مصر فسار على رأس جيش مكون من أربعة ألاف مقاتل فقط، ولكن بعد أن قام الخليفة باستشارة كبار الصحابة في الأمر رأوا ألا يدخل المسلمين في حرب قاسية، وقام عمر بن الخطاب بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص جاء فيها " إذا بلغتك رسالتي قبل دخولك مصر فارجع، و إلا فسر على بركة الله"، وحين وصل البريد إلى عمرو بن العاص وفطن إلى ما في الرسالة، فلم يتسلمها حتى بلغ العريش، فاستلمها وفضها ثم سأل رجاله: انحن في مصر الآن أم في فلسطين؟،  فأجابوا : نحن في مصر ، فقال : إذن نسير في سبيلنا كما يأمر أمير المؤمنين".
 توالت انتصارات عمرو فدخل بجيشه إلى مدينة الفرما والتي شهدت أول اشتباك بين الروم والمسلمين، ثم فتح بلبيس وقهر قائدها الروماني ارطبون الذي كان قائداً للقدس وفر منها، وبعد أن وصل المدد لجيش عمرو تابع فتوحاته لأم دنين، ثم حاصر حصن بابليون حيث المقوقس حاكم مصر من قبل هرقل، لمدة سبعة أشهر وبعد أن قبل المقوقس دفع الجزية غضب منه هرقل واستدعاه إلى القسطنطينية ونفاه، فأنتهز المسلمون الفرصة وهاجموا حصون بابليون مما اضطر الروم إلى الموافقة على الصلح ودفع الجزية.
 توالت فتوحات عمرو بن العاص بعد ذلك في المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ أسوار الإسكندرية فحاصرها وبها أكثر من خمسين ألفاً من الروم، وخلال فترة الحصار هذه مات هرقل وجاء أخوه بعده مقتنعاً بأن لا أمل له في الانتصار على المسلمين، فأستدعى المقوقس من منفاه  وكلفه بمفاوضة المسلمين للصلح.
وجاءت عدد من البنود في اتفاقية الصلح هذه منها: أن تدفع الجزية عن كل رجل ديناران ماعدا الشيخ العاجز والصغير، وأن يرحل الروم بأموالهم ومتاعهم عن المدينة، وأن يحترم المسلمون حين يدخلونها كنائس المسيحيين فيها، وان يرسل الروم مئة وخمسين مقاتلاً وخمسين من أمرائهم رهائن لتنفيذ الشروط، وقام عمرو بن العاص بإرسال رسول إلى الخليفة عمر ليبلغه بشارة الفتح، وقد مهد فتح الشام لفتح مصر وذلك بعد ما علمه الروم والأقباط من قوة  المسلمين.
 عمرو حاكماً لمصر
   قضى عمرو بن العاص في فتح مصر ثلاث سنوات، وقد استقبله أهلها بالكثير من الفرح والترحيب لما عانوه من قسوة الروم وظلمهم، وقد كانوا خير العون لعمرو بن العاص ضد الروم، وكان عمرو يقول لهم: يا أهل مصر لقد أخبرنا نبينا أن الله سيفتح علينا مصر وأوصانا بأهلها خيرا، حيث قال الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم": ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا، فان لهم ذمة ورحما.
وقد كان عهد ولاية عمرو على مصر عهد رخاء وازدهار فكان يحب شعبها ويحبوه وينعموا في ظل حكمه بالعدل والحرية، وفيها قام بتخطيط مدينة الفسطاط، وأعاد حفر خليج تراجان الموصل إلى البحر الأحمر لنقل الغنائم إلى الحجاز بحراً، وانشأ بها جامع سمي باسمه وما يزال جامع عمرو بن العاص قائماً إلى الآن بمصر، وظل عمرو والياً على مصر حتى جاء عثمان على الخلافة وقام بعزله.
 اللقاء الثاني بين الروم والمسلمين
   كان الأقباط في فترة حكم الروم يعانون من قسوتهم واضطهادهم، وإجبارهم على ترك مذهبهم واعتناق المذهب الرومي، فجاءت إحدى المواقف الهامة والتي أكدت على مدى احترام المسلمين للديانات الأخرى، فقد كان للأقباط رئيس ديني يدعى بنيامين حين تعرض للقهر من الروم اضطر للفرار، وعندما علم المسلمون بالأمر بعد الفتح أرسلوا إليه ليبلغوه انه في أمان، وعندما عاد أحسنوا استقباله وأكرموه، وولوه رئاسة القبط، وهو الأمر الذي نال استحسان وإعجاب الأقباط بالمسلمين، فأحسنوا التعامل معهم.
جاءت المعركة الثانية بين المسلمين والروم بعد أن علم ملك الروم أن الحامية الإسلامية بالإسكندرية قليلة العدد، فانتهز هذه الفرصة وأرسل بثلاثمائة سفينة محملة بالجنود، وتمكن من اختراق الإسكندرية واحتلالها وعقد العزم على السير إلى الفسطاط، وعندما علم عمرو بن العاص بذلك عاد من الحجاز سريعاً وجمع الجيش من أجل لقاء الروم ودحرهم، وبالفعل تمكن عمرو من قيادة جيشه نحو النصر فكانت الغلبة لجيش المسلمين، ولم يكتفي أبن العاص بهذا بل سارع بملاحقة الروم الهاربين باتجاه الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً وفتحها، وكسر شوكة الروم وأخرجهم منها، كما قام بمساعدة أهل الإسكندرية لاسترداد ما فقدوه نتيجة لظلم الروم والفساد الذي قاموا به أثناء فترة احتلالهم للمدينة.   
بعد معركة الإسكندرية، وأثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بعزل عمرو عن ولاية مصر وولي عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم  في عهد معاوية بن أبي سفيان عاد إليها عمرو مرة أخرى واستمر والياً عليها حتى وفاته.
 الوفاة
   كانت أخر الكلمات التي انطلقت من فمه قبل وفاته " اللهم آمرتنا فعصينا .. ونهيتنا فما انتهينا .. ولا يسعنا إلا عفوك يا ارحم الراحمين"، وقد كانت وفاة عمرو بن العاص في مصر هذه البلد التي فتحت على يديه، وشهدت أزهى عصورها عندما كان والياً عليها، فتوفى عام 43هـ.






    عقبة بن نافع

عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الطرب بن أمية بن الحارث بن فهر القرشي (1 ق.هـ - 63 هـ( من القادة العرب والفاتحين لبلاد الله في صدر الإسلام. واشتهر تاريخيا باسم "مرنك إفريقية"، وهو الاسم العربي لشمال قارة أفريقيا.
نشأته
ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بعام واحد. وأمه من قبيلة المعز من بني ربيعة من العدنانيين. ولذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يمت بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة. وقد نشأ عقبة تحت شمس الصحراء المحرقه وفي جوها اللافح في البيئة التي ينشأ فيها الرجال أقوياء. في المجتمع الذي لا يعتز إلا بالفتوة والجرأة والإقدام. وقد ولد في بيت والده نافع بن عبد القيس الفهري، أحد أشراف مكة، ومن أبطالها المعدودين.
نبوغه
برز اسم عقبة مبكراً في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث اشترك هو وأباه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، والذي توسم فيه خيرا وشأنا في حركة الفتح، فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، فأسند إليه مهمة قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر. ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا (تونس حاليا)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر.
تعاقب عدة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص، منهم عبد الله بن أبي السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، أقر جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة. لكن عمرو بن العاص اختار عقبه في الحروب ليس للقرابه لانه يعرف مهارته علي المبارزه والقتال.
فتوحاته
ظل عقبة في منصبه كقائد للحامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصب اهتمامه على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم، فلما استقرت الأمور عام 41 هـ وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج والياً على مصر، أرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة.
كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وأفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأعادها بلقوة إلى الطاعة. خلف معاوية عقبة أفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة . حتى أتى وادياً فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسماها القيروان أي محط الجند، ذلك أنها تعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المتقدمة والواغلة في المغرب الكبير. كما بنى بها جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هـ عزله معاوية وولى بدلا منه أبو المهاجر بن دينار أفريقية، فعاد للمشرق.
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62 هـ، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف وغزا حصوناً ومدناً حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي.
وفاته
قتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين للهجره  بعد أن غزا السوس القصوى، قتله كسيلة بن لمرم الأودي وقتل معه أبا المهاجر دينار وكان كسيلة نصرانياً. ثم قتل كسيلة في ذلك العام أو في العام الذي يليه قتله زهير بن قيس البلوي، ويقولون: إن عقبة بن نافع كان مستجاب الدعوة.
في مكان يعرف حتى الآن باسم سيدي عقبة. بالجزائر في معركة مع الملكة الأمازيغية تيهيا المعروفة عند العرب بالكاهنة.
ومن أحفاد عقبة المشهورين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة وعبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري.







الباب الخامس
الماسونية
 الماسونية هي : إصطلاحا : منظمة يهودية سرية هدامة ، إرهابية غامضة ، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد ، وتتستر تحت شعارات خداعه ( حرية - إخاء - مساواة – إنسانية وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال ( قد بدت البغضاء من أواههم وما تخفي صدورهم أكبر )
والعجيب أن يختارون شخصيات هذه المنظمة ومن ينتمي إليهم  من الشخصيات المرموقة في العالم ، من يوثقهم عهداً بحفظ الأسرار ، ويقيمون لهم ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام تمهيداً بحفظ جمهورية ديمقراطية عالمية ، وتتخذ الوصولية والنفعية أساساً لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية .
وهذا ما يؤكدون عليه فى العديد من  البروتوكولات فيقولون على سبيل المثال " بأننا حين نمكن لأنفسنا فنكون سادة العالم لن نبيح دين غير ديننا " وبما أنهم لا دين لهم فهم يريدون عالما خال من الدين ومبادئه يريدون مهجا يبيح التحرر والإباحية والفساد ودون حساب
هذه هي طبيعة اليهود وإن استطاعوا إخفاءها عن العالم إلا بروتوكولاتهم  وأفعالهم كافية وإن ما يحزننا في هذا المضمار هومساعدة النصارى لهم في كل ميدان فلا تجد مأساة في العالم إلا واليهود هم المخططون والنصارى هم المنفذون  وإذا دعونا اليهود والنصارى للتى هي أقوم فإذا بهم يتهموننا بالإرهاب ومثيري الشغب  ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهدف هذه المنظمة هو التنكيل بالمتدينين واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الإنتشار ، وحتى لاينسب إليها تلك الإغتيالات صنعوا لأنفسهم نقابة وأطلقوا عليها " البنائين الأحرار " وأصبح هذا الاسم هو الافتة التي يعملون  من خلالها ثم التصق بهم الاسم دون حقيقة أرأيت عزيزي القارئ كم الخداع ولكن ما يريحنا هو أن " الله من وراءهم محيط "
نشأتها
مرت هذه المنظمة بالعديد من المراحل فأول من أسسها هو " هيرودس أكريبا"  سنة 43 م ويرجح أن يكون  ملكا من ملوك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهوديين .وظلت في الخفاء حقبة من الزمن
أما المرحلة الحديثة للماسونية تبدأ سنة 1770م عن طريق "  آدم وايزهاويت " المسيحي الألماني ، الذي ألحد واستقطبته الماسونية ، حيث وضع الخطة الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة  1776م ، ووضع أول محفل في هذه الفترة ( المحفل النوراني )
استطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرون وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المسمى بمحفل الشرق الأوسط ، وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية ، وأعلنوا شعارات براقة تخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من المسلمين
ومن كبار الساسة والمفكرين
وإليك عزيزي القارئ  أسماء بعض  الشخصيات المرموقة :
ميرابو : كان أحد مشاهير قادة الثورة الفرنسية
مازيني  : إيطالي الجنسية و هو الذي أعاد الأمور إلى نصابها بعد موت وايزهاويت
البرت مايك : جنرال أمريكي سرح من الجيش فصب حقده على الشعوب من خلال الماسونية ، وهو واضع الخطط التدميرية منها موضع التنفيذ
ليوم بلوم : فرنسي الجنسية ، مكلف بنشر الإباحية ، أصدر كتاباً بعنوان الزواج لم يعرف أفحش منه
كودير لوس : يهودي ، صاحب كتاب العلاقات الخطرة
لاف أريدج : هو الذي أعلن في مؤتمر الماسونية سنة 1865م في مدينة "أليتش" في جموع من الطلبة الألمان والإسبان والروس والإنجليز والفرنسيين قائلاً :"يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السموات ويمزقها كالأوراق
ومن شخصياتهم كذلك : جان جاك روسو ،فولتير ( في فرنسا ) جرجي زيدان ( في مصر ، كارل ماركس وأنجلز ( في روسيا ) والأخيران كانا من ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثون ومن منتسبي المحفل الإنجليزي ومن الذين أداروا الماسونية السرية وبتدبيرهما صدر البيان الشيوعي المشهور
جذور الماسونية
أما عن جذور الماسونية : فهي جذور يهودية صرفة ، من الناحية الفكرية ومن حيث الأهداف والوسائل وفلسفة التفكير . وهي بضاعة يهودية أولاً وآخيراً ، وقد اتضح أنهم وراء الحركات الهدامة للأديان والأخلاق .
وقد نجحت الماسونية بواسطة جمعية الإتحاد والترقي في تركيا في القضاء على الخلافة الإسلامية ، وعن طريق المحافل الماسونية سعى اليهود في طلب أرض فلسطين من السلطان عبد الحميد الثاني ، ولكنه رفض رحمه الله وقد أغلقت محافل الماسونية في مصر سنة 1965م بعد أن ثبت تجسسهم لحساب إسرائيل.
لم يعرف التاريخ منظمة سرية أقوي نفوذاً من الماسونية ، وهي من شر مذاهب الهدم التي تفتق عنها الفكر اليهودي ،فهي تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة ، بحسب ظروف الزمان والمكان ، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي سرية في جميع الأحوال محجوب علمها حتى على أعضائها إلا خواص الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها . وإليك مبادئهم وأفكارهم لتعرف الفارق بين المسلمين وما ينادون به من رحمة وإخاء ومودة لأنهم يقتدون بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "  فالمسلمون إنما ينادون بمكارم الأخلاق وحسن الجوار . فياترى بما ينادي أعضاء الماسونية  وياترى ما هي أفكارهم ومعتقداتهم ؟
الأفكاروالمعتقدات:
• يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات .
• يعملون على تقويض الأديان .
• العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد المختلفة والسيطرة عليها
• إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة .
• العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم .
• تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها
• بث سموم النـزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية .
• تهديم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى ولانحلال والإرهاب والإلحاد
• استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع وخاصة ذوي المناصب الحساسة لضمهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة
• إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتيسيره كما يريدون ولينفذ صاغراً كل أوامرهم
• الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم يشترطون عليه التجرد من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني وأن يجعل ولاءه خالصاً للماسونية
• إذا تململ الشخص أو عارض في شيء تدبر له فضيحة كبرى وقد يكون مصيره القتل .
• كل شخص استفادوا منه ولم تعد لهم به حاجة يعملون على التخلص منه بأية وسيلة ممكنة .
.العمل على السيطرة على رؤساء الدول لضمان تنفيذ أهدافهم التدميرية .
•السيطرة على الشخصيات البارزة في مختلف الاختصاصات لتكون أعمالهم متكاملة .
• السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعلية .
• بث الأخبار المختلفة والأباطيل والدسائس الكاذبة حتى تصبح كأنها حقائق لتحويل عقول الجماهير وطمس الحقائق أمامهم
• دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الإتصال بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري
• الدعوة إلى العقم الاختياري وتحديد النسل لدى المسلمين
• السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها من قبل أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأرصاد الدولية ، ومنظمات الطلبة والشباب والشابات في العالم
ولذا فنحن ننادي أهل الكتاب وبخاصة النصارى منهم قبل أن ينخرطوا في هذه المهازل أن يفيقوا ويقرأوا ديننا بعين الحكمة والموعظة الحسنة وإن رفضوا فعلى الأقل ندعوهم بما دعاهم به الحق سبحانه وتعالى " فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "
الباب الخامس
التابعون
عمر بن عبد العزيز
تمهيد :-   
بعدما رأينا كيف يفكر اليهود وأعوانهم في تدمير العالم وإبادته ؛ ورأينا الفارق بينهم وبين صحابة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رأينا أن نتحدث عن بعض أعمال قام بها شخصيات إسلامية بارزة ما كان همها إلا العدل والمساواة والرحمة بكل بني البشر.
 فإن قالوا بأن ما ذكرناهم من قبل إنما هم تربية محمد صلى الله عليه وسلم  نقول لهم:  نعم وما الضير في ذلك ؟  فنحن نفخر بهم فهم خيرأصحاب لخير نبي أثنى الحق سبحانه وتعالى عليهم فى العديد من آيات القرآن الكريم؛  أيد بهم نبيه ونصر بهم الدين ونشر بهم العلم وأرسى بهم المبادئ القيمة فكانوا حقا " خير أمة أخرجت للناس"    
ولأن ديننا يربى الرجال ويعدهم لقيادة الأمم والحضارات فلايكاد يمر عصر إلا وبه شخصية إسلامية تنير للناس الطريق وتأخذ بأيدى البشر من الظلام إلى النور وما هذا ولا ذاك إلا لأن ديننا معين للخير لا ينضب. فيه خير العالم على مدى الدهور فالحق سبحانه وتعالى يقول " إن هذا القرآن يهدي للتى هي أقوم " فإليك عزيزي القارئ نماذج من عصور إسلامية متتابعة لترى كيف يربى الإسلام الأبطال والأفذاذ الذين أخذوا بأيدي الأمة إلى الأمام واتسعت فى عصورهم الفتوحات.
 ولم يسيئوا إلى دين أخر كما يفعل أهل الكتاب يهودا كانوا أم نصارى  بل لم يسعد أصحاب الأديان الأخرى إلا في الفترات التى كانت فيها امتنا قوية تسود الدنيا ولكن حين ضعفت الأمة وضعف القادة تحول العالم إلى غابة يأكل القوي الضعيف ويستولى القادر على غير القادر. لماذا ؟ لأن اليهود كما رأينا فى الصفحات السابقة حين ينفردون بالقيادة لا نرى منهم إلا دمارا وفسادا  وليس هذا فحسب بل بعد أن نستعرض بعض النماذج الطيبة نقدم لك نموذجا أخر من مخططات الصهاينة وماذا يفعلون حين تكون الدولة لهم .
الدولة الأموية
 
خلفاء بني أمية في دمشق
1- معاوية بن أبي سفيان، 661-680.     2-  يزيد بن معاوية، 680-683.
3- معاوية بن يزيد، 683-684.            4- مروان بن الحكم، 684-685.
5- عبد الملك بن مروان، 685-705.     6-الوليد بن عبد الملك، 705-715.
7- سليمان بن عبد الملك، 715-717     8- عمر بن عبد العزيز، 717-720.
9- يزيد بن عبد الملك، 720-724.     10- هشام بن عبد الملك، 724-743
11- الوليد بن يزيد، 743-744.         12- يزيد بن الوليد، 744.
13- إبراهيم بن الوليد، 744.              14-مروان بن محمد، 744-750.
فمن هو عمر بن عبد العزيز؟
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (717م -720م) ثامن الخلفاء الأمويين، ويرجع نسبه من أمه إلى عمر بن الخطاب حيث كانت أمه هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وبذلك يصبح الخليفة عمر بن الخطاب جد الخليفة عمر بن عبد العزيز. ولد في المدينة المنورة وقد تلقى علومه وأصول الدين على يد صالح بن كيسان في المدينة المنورة واستفاد كثيراً من علماءها ثم استدعاه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية وزوجه ابنته فاطمة وعينه أميراً على إمارة صغيرة بالقرب من حلب تسمى دير سمعان وظل والياً عليها حتى سنة 86 هـ.
مكانته العلميـة وولايته للمدينة
لقب بخامس الخلفاء الراشدين لسيره في خلافته سيرة الخلفاء الراشدين. تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك في دمشق سنة 99 هجرية وقد سمي الخليفة العادل لمكانته وعدله في الحكم. في ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91 هـ وبذلك صار واليآ على الحجاز كلها .
واشترط عمر لتوليه الأماره شروط منها:
الشرط الأول :أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً ولا يجور على أحد في أخذ ماعلى الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل مايرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
الشرط الثاني : أن يسمح له بالحج في أول سنة لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة وفرح الناس به فرحآ شديدآ. من أبرز الأعمال التي قام بها في المدينة وهو عمل مجلس الشورى يتكون من عشر من فقهاء المدينة. ثم عينة الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك وزيراً في عهده.
قال عنه سفيان الثوري: كخامس الخلفاء الراشدين (الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان ،وعلي، وعمر بن عبد العزيز).
وعن شدة إتباعه للسنة قال حزم بن حزم:قال عمر:لو كان كل بدعة يميتها الله على يدي وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة من لحمي، حتى يأتي آخر ذلك من نفسي، كان في الله يسيراً. أتفقت كلمة المترجمين على أنه ممن ائمة زمانه، فقد اطلق عليه كل من الإمامين :مالك وسفيان بن عيينه وصف إمام، وقال مجاهد:أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه .
وقال ميمون بن مهران :كان عمر بن عبد العزيز معلم العلماء، قال فيه الذهبي :كان إمامآ فقيهآ مجتهدآ، عارفآ بالسنن ،كبير الشأن حافظآ قانتآ لله أواهآ منيبآ يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وفي الزهد مع الحسن البصري وفي العلم مع الزهري
أمانة عمر :عندما كان يكتب للشعب كان يضئ شمعة من بيت المسلمين وعندما كان يكتب امور خاصة به كان يضيئ شمعة من ماله وذلك يدل على امانة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ,,
في عهد الوليد بن عبد الملك
لما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة أمر عمر بن عبد العزيز على المدينة فظل واليا عليها من سنة 92هـ حتى 93 هـ
ولايته على المدينة المنورة وأعماله فيها
لما قدم على المدينة والياً صلى الظهر ودعا بأحد عشر فردا :-
                      : عروة بن الزبير   وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة
                      وسليمان بن يسار    والقاسم بن محمد بن أبي بكر
                               وسالماً وخارجة بن زيد بن ثابت
                        وأبا بكر بن عبد الرحمن    وأبا بكر بن سليمان
وعبد الله بن عامر
 فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني". فجزوه خيراً وافترقوا.
بنى في مدة ولايته هذه المسجد النبوي ووسعه عن أمر الوليد له بذلك. اتسعت ولايته فصار والياً على الحجاز كلها، وراح ينشر بين الناس العدل والأمن، وراح يذيقهم حلاوة الرحمة، وسكينة النفس، نائياً بنفسه عن مظالم العهد وآثامه، متحدياً جباريه وطغاته، وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي.
وكان عمر يمقته أشد المقت بسبب طغيانه وعَسْفه، وكان نائباً على الحج في إحدى السنين فأرسل عمر إلى الوليد يسأله أن يأمر الحجاج ألا يذهب إلى المدينة ولا يمر بها، رغم أنه يعرف ما للحجاج من مكانة في نفوس الخلفاء الأمويين…وأجاب الخليفة طلب عمر وكتب إلى الحجاج يقول:" إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه بالمدينة، فلا عليك ألا تمر بمن يكرهك، فنح نفسك عن المدينة".
وشى به الحجاج وشاية إلى الوليد كانت سبباً في عزله، ولما عُزِل منها وخرج منها التفت إليها وبكى وقال لمولاه:" يا مزاحم نخشى أن نكون ممن نفت المدينة". يعني أن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد وينصع طيبها، ونزل بمكان قريب منها يُقال له السويداء حيناً، ثم قدم دمشق على بني عمه.
رفضه خلع سليمان من ولاية العهد
إن الوليد بن عبد الملك عزم على أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد، وأن يعهد إلى ولده، فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً وكرهاً، فامتنع عمر بن عبد العزيز وقال:" لسليمان في أعناقنا بيعة ". وصمم، فعرفها له سليمان. وشكره
في عهد سليمان بن عبد الملك
قال سليمان بن عبد الملك لعمر بعد أن ولي:" يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به". فأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت تصلى في آخر الوقت، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها.
قيل إن سليمان بن عبد الملك حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غداً خصماؤك. فبكى بكاءً شديداً. اصطحبه الخليفة سليمان بن عبد الملك يوماً لزيارة بعض معسكرات الجيش وأمام معسكر يعج بالعتاد والرجال.
 سأله سليمان في زهوه:" ما تقول في هذا الذي ترى يا عمر؟" فقال :"أرى دنيا، يأكل بعضها بعضاً وأنت المسؤول عنها والمأخوذ بها" فقال له بعد أن بُهت:"ما أعجبك!!" فقال عمر:"بل ما أعجب من عرف الله فعصاه، وعرف الشيطان فاتبعه، وعرف الدنيا فركن إليها".
كيف أختير للخلافة
بويع بالخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك وهو لها كاره فأمر فنودي في الناس بالصلاة، فاجتمع الناس إلى المسجد، فلما اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيبًا، فحمد الله ثم أثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال:
 أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه ولا طلب له... ولا مشورة من المسلمين، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم خليفة ترضونه. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليمن والبركة. فأخذ يحض الناس على التقوى ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في الآخرة،
ثم قال لهم: " أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له على أحد، أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " ثم نزل عن المنبر.
يقول التابعي العالم الجليل رجاء بن حيوة: " لما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة وقف بنا خطيبا فحمد الله ثم أثنى عليه، وقال في جملة ما قال : يا رب إني كنت أميرا فطمعت بالخلافة فنلتها، يا رب إني أطمع بالجنة اللهم بلغني الجنة. قال رجاء: فرتج المسجد بالبكاء فنظرت إلى جدران المسجد هل تبكي معنا"
ما دار بينه وبين ابنه بعد توليه الخلافة
اتجه عمرإلى بيته وآوى إلى فراشه، فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه ابنه عبد الملك وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامًا، وقال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فرد عمر: أي بني أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة. قال عبد الملك: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أي بني إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله. فقال عبد الملك: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟! فقام عمر وقبَّل ابنه وضمه إليه، ثم قال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.
نماذج من عـدله
اشتهرت خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها الفترة التي عم العدل والرخاء في أرجاء البلاد الإسلامية حتى أن الرجل كان ليخرج الزكاة من أمواله فيبحث عن الفقراء فلا يجد من في حاجة إليها.
كان عمر قد جمع جماعة من الفقهاء والعلماء وقال لهم: " إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، فما ترون فيها؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين : إن ذلك أمرًا كان في غير ولايتك، وإن وزر هذه المظالم على من غصبها "، فلم يرتح عمر إلى قولهم وأخذ بقول جماعة آخرين منهم ابنه عبد الملك الذي قال له: أرى أن تردها إلى أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل كنت شريكا للذين أخذوها ظلما. فاستراح عمر لهذا الرأي وقام يرد المظالم إلى أهلها.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز :أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه، سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشئ حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في اقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.
كان شديد المحاسبة لنفسه وَرِعًا تقيًا، كان يقسم تفاحًا أفاءه الله على المسلمين، فتناول ابن له صغير تفاحة، فأخذها من فمه، وأوجع فمه فبكى الطفل الصغير، وذهب لأمه فاطمة، فأرسلت من أشترى له تفاحًا. وعاد إلى البيت وما عاد معه بتفاحة واحدة، فقال لفاطمة: هل في البيت تفاح؟ إني أَشُمُ الرائحة، قالت: لا، وقصت عليه القصة –قصة ابنه- فَذَرفت عيناه الدموع وقال: والله لقد انتزعتها من فم ابني وكأنما أنتزعها من قلبي، لكني كرهت أن أضيع نفسي بتفاحة من فيْء المسلمين قبل أن يُقَسَّم الفَيءُ.
تواضعه وزهده
أشتهى عمر تفاحاً، فقال لو كان لنا شيء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، أرفعه يا غلام فاقرئ فلاناً منا السلام وقل لهُ: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فقال : ويحك، إن الهدية كانت للنبي وهي لنا اليوم رشوة.
وعن بشير بن الحارث قال: أطرى رجل عمر بن عبد العزيز في وجهه، فقال له عمر: يا هذا لو عرفت من نفسي ما أعرف منها، ما نظرت في وجهي. فما اطيبه ويا لشدة تواضعه
سياسته الداخلية
وقبل أن يلي عمر بن عبد العزيز الخلافة تمرّس بالإدارة واليًا وحاكمًا، واقترب من صانعي القرار، ورأى عن كثب كيف تُدار الدولة، وخبر الأعوان والمساعدين؛ فلما تولى الخلافة كان لديه من عناصر الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وأضاف إلى ذلك أن ترفَّع عن أبهة الحكم ومباهج السلطة، وحرص على المال العام، وحافظ على الجهد والوقت، ودقَّق في اختيار الولاة، وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل.
وخلاصة القول أن عمر بن عبد العزيز لم يكن  رجل زهد وولاية ووجد نفسهُ فجأة خليفة؛ بل كان رجل دولة أستشعر الأمانة، وراقب الله فيما أُوكل إليه، وتحمل مسؤولية دولته الكبيرة بجدٍّ واجتهاد؛ فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه بإعجاب وتقدير.
وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم؛ فلا يلي عنده منصبًا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلمًا وإيمانًا، وحسبك أن تستعرض أسماء من اختارهم لولاياته؛ فتجد فيهم العالم الفقيه، والسياسي البارع، والقائد الفاتح، من أمثال أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أمير المدينة وقاضيها،
والجراح بن عبد الله الحكيمي، أمير البصرة، وكان قائدًا فاتحًا، وإداريًا عظيمًا، وعابدًا قائدًا، والسمح بن مالك أمير الأندلس، وكان قائدًا فذًا، استُشهد على أرض الأندلس، وكان باقي ولاته على هذه الدرجة من القدرة والكفاءة.
وكان عمر لا يكتفي بحسن الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.
وإذا كان قد أخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فإنه لم يلزم بها ولاته، بل وسّع عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة .
وأعطى لهم الحرية في إدارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه إلا في الأمور العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة إذا استوضحوه في الأمور الصغيرة، حيث كتب إليه أحد ولاته يستوضح منه أمرًا لا يحتاج إلى قرار من الخليفة، فضاق منه عمر، وكتب إليه: "أما بعد، فأراك لو أرسلتُ إليك أن اذبح شاة، ووزِّع لحمها على الفقراء، لأرسلت إلي تسألني: كبيرة أم صغيرة؟ فإن أجبتك أرسلت تسأل: بيضاء أم سوداء؟ إذا أرسلت إليك بأمر، فتبيَّن وجه الحق منه، ثم أمْضِه".
روي أن الرعية أشتكت عاملاً له فأرسل إليه خطابا قال له في " يا أبن أخي تذكر طول سهر أهل النار في النار لاينامون ولا يستريحون ولا يقضي عليهم فيموتوا ولايخفف عنهم من عذابها ولا يكن آخر عهدك بالله الأنصراف إلي النار" فطوي هذا الوالي الأرض طيا حتي قدم عليه فقال ما أقدمك عليّ قال خلعت قلبي بخطابك والله لا ألي أمرة حتي اموت . و قد كان أول من أوقف عطايا بني أمية وأول من أوقف عطايا الشعراء.
آخر خطبة
في آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز من منبر الجامع الكبير في دمشق قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السموات والأرض.
ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنياً عما خلف، فقيراً إلى ما أسلف.
 فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وأني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه. ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى توفي.
وفـاته وشكوك من مقتله
توفي الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز سنة 101 للهجرة ودفن في منطقة دير سمعان من أعمال المعرة بالقرب من حلب في سوريا. وقد قال بعض المؤرخين ان عمر عبد العزيز قد قتل مسموما على ايدى بعض امراء بنى امية بعد أن اوقف عطياهم وصادر ممتلاكتهم واعطها لبيت مال المسلمين وهذا الرأي الارجح. استمرت خلافته فترة قصيرة جداً، فلم تطل مدة خلافته سوى عامين ونصف، ثم حضره أجله ولاقى ربه عادلاً في الرعية قائماً فيها بأمر الله.
وعندما توفي لم يكن في سجنه رجل واحد. وفي عهده انتشر العلم وكثرت المساجد في ارجاء الدولة الأموية التي تعلم القرآن، وفي عهده القصير أوقف الحرب مع جيرانه ووسع العمل داخل دولته (البنية التحتية للدولة) كالشوارع والطرقات والممرات الآمنة ودور الطعام كما في دمشق وحلب والمدينة وحمص ومدن مصر والمدن الإسلامية في كل البقاع والمدارس ونسخ الكتب والترجمة والتعريب ونقل العلم وإلى غير ذلك من الأعمال الخيرة حتى دعاه المؤرخون بخامس الخلفاء الراشدين .
أرأيت عزيزي القارئ : الفارق بين حكامنا وحكامهم وأئمة المسلمين وأأمتهم ؟حقا فنحن ندعوهم إلى الجنة وهم يدعوننا إلى النار ندعوهم إلى المحبة والمودة وهم يبغونها عوجا  والعجيب أنه كلما دعوناهم للنقذهم من خزي الدنيا وعذاب الأخرة فإذا بهم ينظرون إلينا نظر المغشي عليه من الموت ويقولون " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين "
الدولة العباسية
خلفاء بني العباس في بغداد
1- السفاح، 750 -  7542 -المنصور، 754-775
3- المهدي، 775 -7854 -  الهادي، 785-786  5-الرشيد، 786-809
6-الأمين، 809-813 7- المأمون، 813-8338- المعتصم بالله، 833- 842 10-المتوكل على الله، 847-861 11-   المنتصر بالله، 861-862    12-المستعين بالله، 862-86613-المعتز بالله، 866-86914-  المهتدي بالله، 869-870   15-المعتمد على الله، 870-892
16-المعتضد بالله، 892-902    17- المكتفي بالله، 902-90818-   المقتدر بالله، 908-19- القاهر بالله،20الراضي بالله، 934- 940   21-المتقي لله، 940-94422-المستكفي بالله، 944-946  23-المطيع لله، 946-974
                            24 - الطائع بالله، 974-991
25-القادر بالله، 991-1031 26- القائم بأمر الله، 1031 -107527- المقتدي بأمر الله، 1075-109428-المستظهر بالله، 1094  -111829-المسترشد بالله، 1118 -1135 30- الراشد بالله، 1135-1136
31-المقتفي لأمر الله، 1136- 116032- المستنجد بالله، 1160 -1170 33-  المستضئ بأمر الله، 1170-118034-   الناصر لدين الله، 1180-1225   35-الظاهر بأمر الله، 1125-112636-المستنصر بالله، 1226-124237-   المستعصم بالله، 1242-1258
وبعدما قدمنا نموذجا مشرفا من عصر الدولة الأموية نقدم الأن نموذجا أخر من عصر الدولة العباسية والذي يعد مفخرة لنا على طول التاريخ ؛ فكان عالما وقائدا وفاتحا عظيما ضُرب به المثل في العظمة والأبهة رغم المهام والفتوحات ليعُلم الدنيا بأن ديننا لا يدعو إلى التقشف وإفتراش الأرض والتحاف السماء ؛ ولكن ما المانع أن تستمتع بنعيم الله مادام فى طاعة الله فيقول تعالى " كل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة "
ولكن هذا لا يعنى أننا نوافق من صوروه بالإباحية والمجون والسهر والليالي الحمراء فحاش لله أن يكون القائد والفاتح للبلاد والناشر لدين الله أن يكون ماجنا؛  ولكنهم الأعداء على مر العصور الذين يحاولون ضرب الرموز الإسلامية حتى لايجد الأجيال قدوة يقتدون بها كما أرادوا أن يقللوا من شأن أبى هريرة ليطعنوا فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الحمد لله القائل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  "
ولذا رأيت أن استعرض جانبا من جوانب هذا القائد لعظيم لترى الفارق بيننا وبينهم فإن آبوا اتباعنا فما أقل إلا أن يشهدوا بأنا مسلمون لله طائعين له سبحانه وأنه جل وعلا لن يخزينا أبدا فهو جل وعلا لا يضيع أهله فقال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد "
فمن هو هذا القائد ؟ إنه الخليفة العباسي الخامس، ومن أشهر واعظم الخلفاء العباسيين والعرب. عاش في العراق وحكم بين 786 و809 م. هو هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ولد (حوالي 763م - 24 مارس 809م). والدته الخيزران بنت عطاء‎. وهو أكثر الخلفاء العباسيين جدلاً خلال فترة حكمة، حيث قيل أنه من أكثر خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء، وعرف عنه أنه الخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما وكان يلقب بأمير المؤمنين.
تُوفي في 3 جمادى الآخر 193هـ، الموافق 4 إبريل 809 م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدولة العباسية والعالم العربي. وقد دفن في مكان ما وقبره مجهول حتي اليوم.
توليه الخلافة
بويع الرشيد بالخلافة في (14 ربيع الأول 170هـ/14 سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلنطي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الأمور شاقة.
أعماله
بتولي الرشيد الحكم بدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، إرتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية. ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وأزدهار حضارتها.
•    كما استعمل الرشيد الرقة عاصمة لهُ بين عامي 796 و808.
•    وأنشأ بمايعرف ببيت الحكمة في بغداد وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.
•    وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأى والمناقشة، وثراء الجدل والحوار.
•    كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطهِ تخطب وده، وتطلب صداقته.
الرشيد والبرامكة
أحاط الرشيد نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة وخاصةً من البرامكة أمثال يحيى بن خالد البرمكي حتى حدث نزاع بين الخليفة الرشيد والبرامكة ونتج عن ذلك أن الرشيد حبس البرامكة وعلى رأسهم كبيرهم وأميرهم يحي بن خالد البرمكي.
الرشيد محارباً
كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه العظيمه ضد الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريباً. وأضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت إيريني ملكة الروم صلحاً مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة 181هـ، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة 186هـ 
وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (أي بمعنى القلعة القوية)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (أي بمعنى الجندي الضعيف)، فحملت إليك من أموالها، ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وأفتدِ نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".
فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".
وخرج هارون بنفسه في 183 هـ، حتى وصل هرقلة واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الرشيد كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام 188هـ وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه تسعين ألفا.
الرشيد وشارلمان
كان شارلمان حاكم مملكة الفرنجه، أمبراطور قوي ويملك أغلب اجزاء اوروبا الغربيه، وقد أراد أن يقلل من خطر هجوم بيزنطية عليه فوضع خطة لعقد اتفاق ودي مع هارون الرشيد، وقد أيد هارون ما نشأ بينهما من حسن التفاهم بأن أرسل إليه عدداً من الفيلة ومفاتيح الأماكن المقدسة في بيت المقدس وساعة مائية.
وكعادة اليهود والنصارى أن  ردّ الامبراطور الشرقي على ذلك بأن شجع أمير قرطبة على عدم الولاء لبغداد، وانتهى الأمر في عام 812 حين اعترف إمبراطور الروم بشارلمان إمبراطوراً نظير اعترافه بأن البندقية وإيطاليا الجنوبية من أملاك بيزنطية
ومن المواقف الطريفة التي حدثت بين الرشيد وشارلمان في القرن التاسع الميلادي (حوالي سنة 807 م) أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد، هدية عجيبة إلى شارلمان ملك الفرنجة "وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنيه بعضها في أثر بعض بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيسمع لها رنين موسيقى يسمع دويه في أنحاء القصر.
وفي نفس الوقت يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ئم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم.
 كان هذا هو الوصف الذي جاء في المراجع الأجنبية والعربية عن تلك الساعة التي كانت تعد وقتئذ أعجوبة الفن، وأثارت دهشة الملك وحاشيته.. ولكن رهبان القصر اعتقدوا أن في داخل الساعة شيطان يحركها.. فتربصوا به ليلا، واحضروا البلط وانهالوا عليها تحطيما إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا"،
وتواصل مراجع التاريخ الرواية.. فتقول: إن العرب قد وصلوا في تطوير هذا النوع من الآلات لقياس الزمن بحيث أنه في عهد الخليفة المامون أهدى إلى ملك فرنسا ساعة أكثر تطورا تدار بالقوة الميكانيكية بواسطة أثقال حديدية معلقة في سلاسل وذلك بدلا من القوة إلمائية. وهذا خير دليل على تقدم العرب على العالم وتأخر أوروبا علمياً وثقافياً في هذا الوقت
الرشيد كما يراه علماء الإسلام والمؤرخون
قال السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء وكان من أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا وكان كثير الغزو والحج كما قال فيه أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يـرده           فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر                وفي أرض الترفه فوق كور
وقال أيضا: وكان أبيض طويلاً جميلا مليحاً فصيحاً له نظر في العلم والأدب. وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام ويبغض المراء في الدين والكلام في معارضة النص.
وقال الذهبي في ترجمته للرشيد ضمن كتابه سير أعلام النبلاء: وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي
وكان أبيض طويلاً جميلاً وسيما إلى السمن ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة وله نظر جيد في الأدب والفقه
وحين خطه الشيب أغزاه أبوه بلاد الروم وهو حدث في خلافته. كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق بألف وكان يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لا سيما إذا وعظ وكان يحب المديح ويجيز الشعراء ويقول الشعر.
قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الرشيد إلا قال: صلى الله على سيدي ورويت له حديثه وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيى ثم أقتل فبكى حتى انتحب.
حج غير مرة وله فتوحات ومواقف مشهودة ومنها فتح مدينة هرقلة ومات غازياً بخراسان.
أبناؤه:-       ولد لهارون الرشيد عدد من الأبناء منهم:
•    محمد الأمين  . عبد الله المأمون  . القاسم بن الرشيد  . أحمد بن هارون
الرشيد وعصر التطور العلمي
تطورت الأمة الإسلامية في عهد الرشيد أيما تطور وبرع المسلمون في عهده في كافة الفنون وفي ميادين الطب والهندسة, ومن العجائب مارواه السيوطي والذهبي من أن هارون الرشيد كان يفكر في عمل قناة السويس الموجودة حاليا قبل أكثر من ألف عام وانتهى عن ذلك تحسبا لغزوات الروم ودخولهم الحجاز.
 قال الذهبي: وقال المسعودي في مروجه: رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر الروم وبحر القلزم مما يلي الفرما فقال له يحيى البرمكي: كان يختطف الروم الناس من الحرم وتدخل مراكبهم إلى الحجاز ((وهي قناة السويس حاليا))
وفاة الرشيد
وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام 192 هـ، فخرج إلى خراسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي أشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس إشتدت به العلة، وتُوفي في 3 جمادى الآخر 193هـ، الموافق 4 إبريل 809م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدولة العباسية. وقد دفن في منطقة من نواحي بلاد فارس وقبره مجهول لليوم.
من أقواله الشهيرة
نظر إلى السحابة ذات يومٍ وقال:(في أي مكان شئتِ أمطرى فسيحمل إليّ خراجك إن شاء الله)، أي بمعنى زكاتك راجعة لبيت المال عندي. وهذا دلالة على سعة الدولة العباسية وبلوغها أوج عظمتها في عصره. بقى في خلافته أكثر من ثلاث وعشرين سنة في الدولة العباسية.
الباب السادس
الإسلام والهند والصين
نتحدث الأن عن نموذجين أخرين من النماذج الإسلامية المشرفة ونبدأها بالفاتحين لبلاد الهند والسند وما قاموا به من نشر لدين الله تعالى في بلاد ما كان يذكر فيها اسم الله تعالى فجزاهم الله خير الجزاء .
كما اردت بهذا الحديث أن أبين لك عزيزى القارئ أن امتنا كانت تمتد من أقصى البلاد شرقا إلى أقصاها غربا وبحمد الله تعالى وجدت بغيتى حين اطلعت على شبكة الانترنت على بحثينا هامين أولهما لبلاد الهند والفاتحين لها والثانى لبلاد الصين وفاتحها الأعظم .
يعتبر دخول الإسلام إلى بلاد الهند الشاسعة أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي سطرها كبار المؤلفين والمؤرخين، والإسلام قد دخل بلاد الهند الضخمة والواسعة منذ القرن الأول الهجري، ولكنه ظل في بلاد السند بوابة الهند الغربية فترة طويلة من الزمان، حتى جاء العهد الذي فتح فيه الإسلام تلك البلاد الكبيرة المتشعبة الأفكار والعادات، والمبنية على نظام الطبقات .
 فاصطدم الإسلام ليس فقط مع القوة المادية والجيوش الحربية ولكنه اصطدم أيضا مع الأفكار الغربية والانحرافات الهائلة و الضلالات المظلمة لذلك فإن معركة الإسلام مع الكفر بأنواعه الكثيرة بالهند ظلت لمئات السنين، ومازالت قائمة حتى وقتنا الحاضر والذي نلمسه جلياً في المذابح والمجازر السنوية والموسمية التي يقوم بها عباد البقر من الهندوس ضد المسلمين، الذين تحولوا من قادة وحكام للبلاد إلى أقلية وذلك رغم ضخامة أعدادهم مقارنة بغيرهم من بلدان العالم .
الإسلام والهند
بلاد الهند قديماً قبل التقسيم الحالي كانت تشمل بجانب الهند كل من [باكستان ، وأفغانستان، وبورما،] وغيرهم إلى حدود الصين، وكانت منقسمة إلى بلاد الهند وبلاد السند، لذلك فلقد عرفت عند الجغرافيين باسم 'شبه القارة الهندية' لضخامتها .
 ولقد دخل الإسلام إلى بلاد السند منذ الأيام الأولى للدولة الإسلامية، وبالتحديد سنة 15 هجرية في خلافة 'عمر بن الخطاب'عن طريق الحملات الاستكشافية التي قادها 'الحكم بن العاص' الذي وصل إلى ساحل الهند، وتواصلت الحملات الاستكشافية أيام أمير المؤمنين 'عثمان بن عفان' ولكنه رضي الله عنه رفض إرسال جيوش كبيرة خوفاً على المسلمين لبعد البلاد واتساعها .
ظل الأمر هكذا حتى صدر الدولة الأموية وعندما تولى 'زياد بن أبيه' العراق وما بعدها، فقرر أن يجعل سواحل الهند ولاية منفصلة سميت بالثغر، وتشمل المساحة التي تلي [سجستان وزابلستان وطخارستان 'أفغانستان الآن] وكان أول من تولاها رجل اسمه 'راشد بن عمرو' ومن يومها بدأت الحملات الجهادية القوية للفتح الإسلامي للهند، وبرز رجال في تلك الحملات : أمثال [عباد بن زياد وسعيد بن أسلم ومحمد بن هارون] وكلهم أكرمهم الله بالشهادة في ميادين الجهاد
كان التحول الكبير في مسيرة الفتح الإسلامي للهند عندما تولى الشاب القائد 'محمد بن القاسم الثقفي' رحمه الله قيادة الحملات الجهادية بناحية السند، وحقق انتصارات هائلة بالقضاء على ملك السند 'داهر البرهمى' وفتح معظم بلاد 'السند' وضمها للدولة الإسلامية، وأزال عنها شعائر الشرك والكفر والبوذية والبرهمية، وذلك سنة 89 هجرية، ولكن 'محمد بن القاسم' ما لبث أن راح ضحية لمؤامرة دنيئة قامت بها 'صيتا ابنة داهر' حيث ادعت وافترت عليه كذباً أنه أغتصبها، وسجن 'ابن القاسم' ومات في سجنه، وحزن عليه أهل 'السند' حزناً شديداً، وبموته توقفت حركة الفتح الإسلامي للهند .
وبعد ذلك انتفض ملوك 'الهند' و'السند' وعادوا إلى عروشهم، فلما تولى الخليفة الراشد 'عمر بن عبد العزيز' كتب إلى ملوك 'السند' يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يظل كل ملك منهم مكانه، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فأجابوه، ودخلت بلاد 'السند' كلها في الطاعة المسلمين، وأسلم أهلها وملوكها وتسموا بأسماء العرب، وبهذا أصبحت بلاد 'السند' بلاد إسلام، وقد اضطرب أمر 'السند' في أواخر أيام بنى أمية، ولكنها عادت إلى الطاعة والانتظام في أيام 'أبى جعفر المنصور' وفي أيامه افتتحت 'كشمير' ودخلت في دولة الإسلام، ولكن ظلت بلاد 'الهند' الغربية بعيدة عن الإسلام حتى ظهرت عدة دول محلية موالية للخلافة العباسية، ولكنها مستقلة إدارياً وسياسياً ومالياً ، ومن أعظم تلك الدول المحلية التي ساعدت على نشر الإسلام دولة الغزنويين وقائدها الفاتح الكبير 'محمود بن سبكتكين' .
الدولة الغزنوية
اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة 'غزنة' الموجودة حالياً بأفغانستان وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد 'سبكتكين' الحاجب التركي الذي عمل في خدمة الأمير 'عبد الملك بن نوح السامانى' وترقى في المناصب وارتفعت به الأطوار حتى نال رضا أمراء 'السامانية' فعينوه والياً على 'خراسان' و'غزنة' و'بيشاور'، فكون نواة الدولة 'الغزنوية' وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك 'الهند' وخاصة ملوك شمال 'الهند'، وأكبرهم الملك 'جيبال' الذي قاد ملوك وأمراء الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة 'سبكتكين' سنة 369هجرية، وكان النصر حليفاً للمسلمين، فرسخ بذلك 'سبكتكين' الوجود الإسلامي وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد 'الأفغان' و'طاجيكستان' .
وكل ما قام به 'سبكتكين' كان باسم 'السامانيين' وملوك ما وراء النهر، ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة 'السامانية' عندما قضى على قوة 'البوبهيين' الشيعة بنيسابور' سنة 383 هجرية، فقام الأمير 'نوح بن نصر السامانى' بتعين 'محمود بن سبكتكين' والياً على 'نيسابور' وبالتالي غدت الدولة 'الغزنوية' أوسع من الدولة 'السامانية' نفسها، ومات 'سبكتكين' سنة 388 هجرية، وخلفه ابنه 'محمود' لتدخل المنطقة عهداً جديداً من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة 'الفاروق' .
الفاتح الكبير
لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد 'محمود بن سبكتكين' حتى بدأ نشاطاً جهادياً واسعاً أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون أن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة 'عمر بن الخطاب'، وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساساً على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وهو الأهم فعمل على ما يلى :
1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية ، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين البلاد الواقعة تحت حكمه.
2- قضى على الدولة 'البويهية' الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر 'الساسانى' الفارسى، واتخاذ ألقاب المجوس مثل 'شاهنشاه' وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان 'محمود' أعظم خدمة للإسلام .
3- أزال الدولة السامانية' التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف والانحلال أثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات على الجبهة الهندية .
4-أدخل بلاد الغور وسط 'أفغانستان' وهى مناطق صحراوية شاسعة في الإسلام، وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة 'القرامطة' الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه 'أبو الفتوح داود' وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة مثل الباطنية والإسماعيلية .
5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد وخطب للخليفة العباسي 'القادر بالله' وتصدى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين 'التاهرتى' الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد 'محمود بن سبكتكين'، وأهدى بغلته إلى القاضي 'أبى منصور محمد بن محمد الأزدى' وقال 'كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين' .
وهكذا ظل السلطان 'محمود بن سبكتكين' يرتب للبيت من الداخل ويقوى القاعدة إيمانياً وعقائدياً وعسكرياً، ويكون صفاً واحداً استعداداً لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد 'الهند' .
فتوحات الهند الكبرى
بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد 'الهند' من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول 'البنجاب' فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك لم يكن هناك مناؤى أو معارض داخلي للسلطان 'محمود' يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته، لذلك البداية في غاية القوة .
بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال 'الهند' سنة 392 هجرية، حيث انتصر السلطان 'محمود' على ملك الهند الكبير والعنيد 'جيبال' وجيوشه الجرارة، ووقع 'جيبال' في الأسر، فأطلقه السلطان 'محمود' لحكمه يعلمها الله ثم هو : وهى إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين منذ أيام والده السلطان 'سبكتكين'، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع منهم في أيدي المسلمين أسيراً لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى 'جيبال' ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.
غزا السلطان 'محمود' بعد ذلك أقاليم : 'ويهنده'، و'الملثان'، و'بهاتندة'، ثم حارب 'أناندابال'، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال 'الهند' تماماً وقضى على سلطانه في 'البنجاب' وبعد ذلك مباشرة عمل على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى 'السند' إلى حوض 'البنجاب' .
تصدى السلطان 'محمود' لمحاولة أمراء شمال 'الهند' استعادة ما أخذ المسلمون، وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398 هجرية، وفتح أحصن قلاع 'الهند' قلعة 'بيهيمنكر' على جبال 'الهملايا'، وأخضع مدينة 'ناردبين' أحصن وأقوى مدن إقليم 'الملتان' .
وفي سنة 408 هجرية فتح السلطان 'محمود' إقليم 'كشمير'، وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء 'الهند' في الإسلام، وعبر السلطان 'محمود' بجيوشه نهر 'الكنج' أو 'الجانح' وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز 'البراهمة' في 'موجهاوان' وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان 'محمود' على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية .
فتح سومنات
استمر السلطان 'محمود بن سبكتكين' في حملاته وفتوحاته لبلاد 'الهند' وكان كلما فتح بلداً أو هدم صنماً أو حطم معبداً قال الهنود : إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان 'محمود' الأمر اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقيناً عند الهنود، فسأل عن 'سومنات' هذا فقيل له : إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له .
يقع 'سومنات' على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر 'الجانح' بإقليم 'الكوجرات' في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وأما الصنم 'سومنات' نفسه فهو مبنى على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، و'سومنات' من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان .
عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان 'محمود' على حقيقة الأمر عزم على غزوه وتحطيمهن وفتح معبده : ظناً منه أن 'الهند' إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان 'محمود' لا يبغى من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام فاستخار الله عز وجل،وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416 هجرية.
 واخترق صحارى وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى 'سومنات'، مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان 'سومنات' سيدفع عن نفسه أو غيره شيئاً .
بلغ السلطان 'محمود' بجيوشه مدينة 'دبولواره' على بعد مرحلتين من 'سومنات'، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم 'سومنات' يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى 'سومنات' يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 416 هجرية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم .
وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين الفاتحين زحف السلطان 'محمود' ومن معه من أبطال الإسلام، وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جداً وتقدم جماعة من الهنود إلى معبدوهم 'سومنات' وعفروا وجوههم وسألوه النصر، واعتنقوه وبكوا.
 ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعاً وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود على باب معبد الصنم 'سومنات' أشد ما يكون القتال، حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون فما نجا منهم أحد، وكان يوماً على الكافرين عسيراً، وأمر السلطان 'محمود' بهدم الصنم 'سومنات' وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير شكراً لله عز وجل
أعظم مشاهد المعركة
لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به المسلمون أبداً الدنيا وزينتها، بل كان خالصاً لوجه الله، ولنشر دين الإسلام وإزاحة قوى الكفر وانطلاقاً من طريق الدعوة الإسلامية .
أثناء القتال الشرس حول صنم 'سومنات' رأى بعض عقلاء الهنود مدى إصرار المسلمين على هدم 'سومنات' وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا جميعاً عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان 'محمود' ، وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزاً عظيمة في سبيل ترك 'سومنات' والرحيل عنه، ظناً منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان 'محمود' قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية .
فبات السلطان 'محمود' طول ليلته يفكر ويستخير الله عز وجل، ولما أصبح قرر هدم الصنم 'سونمات'، وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة {وإنى فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين 'محمود' الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال : الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ؟ ! }
وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه، والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية، وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغاياته النبيلة


فاتح الصين الأعظم
أمير المجاهدين قتيبة بن مسلم الباهــلـي
هو البطل المغوار والقائد العظيم ميمون النقيبة وكبير مجاهدى الدولة الأموية بلا منازع وناشر الإسلام فى أقصى ربوع الأرض من ناحية الشرق وصاحب الراية التى لا تجاوز آى فاتح بعده مكانها، ومدخل الإسلام إلى بلاد الصين، صاحب الشخصية الجهادية الساحرة التى بهرت كل من رآه، وأسرت نفس كل من سمع أخباره. من أسلم على يديه الألاف من الكفرة حباً فيه وفى جهاده وشجاعته الذى انتصر على كل اعدائه، وحطم معابد الشرك والأوثان، ولم يفر أو يهزم فى معركة قط، صاحب الراية المباركة على الإسلام والمسلمين الأمير أبو حفص 'قتيبة بن مسلم بن عمر بن حصين بن ربيعة الباهلى'
 الذى أثبت بكل قوة ويقين كيف يكون الإنسان عصامياً وليس عظامياً، وأن وضاعة الأصل لا تؤثر بحال على صاحبها طالما كان صاحب همة وعزيمة وإيمان راسخ، ذلك لأن قبيلة 'باهلة' التى ينتمى إليها بطلنا العظيم، كانت من القبائل المرزولة والوضيعة عند العرب قبل الإسلام،
 يدلنا على ذلك الحديث الصحيح عندما سأل الأشعث بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال 'يا رسول الله أتتكافأ دماؤنا ؟ قال نعم ، لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك' والرسول صلى الله عليه وسلم لا يهزأ أو يسخر من باهلة بهذا الحديث ولكن يضرب له المثل بأقرب المعانى والأفكار المتبادرة عن الشرف والوضاعة.  
  فالإسلام جاء فألغى كل هذه الأوهام والعصبيات القبلية المقيتة وجعل ميزان التفاضل بين الخلق التقى والعمل الصالح لا الأهل أو النسب، وبفضل الله ورسوله ودينه ظهرت أمثال شخصية هذا العملاق الجهادى، الذى لولا الإسلام لم يكن له ذكر ولا ظهور ولا أثر .

ميلاد قتيبة بن مسلم
ولد قتيبة بن مسلم سنة 48 هجرية بأرض العراق، وكان أبوه 'مسلم بن عمرو' من أصحاب 'مصعب بن الزبير' والى العراق من قبل أخيه أميرالمؤمنين 'عبد الله بن الزبير'، وقتل معه فى حربه ضد 'عبد الملك بن مروان' سنة 72 هجرية، وقد نشأ 'قتيبة' على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للجهاد، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات.
 لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالجهاد فى سبيل الله لاستغلال طاقاتهم الثورية فى خدمة الإسلام ونشر الدعوة. لذلك كانت أرض العراق هى قاعدة الانطلاق للحملات الجهادية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية، وقد اشترك 'قتيبة' فى هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم 'المهلب بن أبى صفرة الازدي'
وكان خبيراً فى معرفة الأبطال ومعادن الرجال فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالى العراق الشهير 'الحجاج بن يوسف الثقفى' الذى كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح 'المهلب' له، وهل سيصلح للمهمة العظيمة التى سيؤهله إليها بعد ذلك أم لا؟
رحلة المجد الجهادى :
بدأت رحلة المجد الجهادى لهذا القائد الفذ منذ 86 هجرية، وذلك عندما ولاه 'الحجاج بن يوسف الثقفى' ولاية 'خراسان' وهو إقليم شاسع مترامى الأطراف، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وكان 'المهلب بن أبى صفرة' والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية، وقد رأى 'الحجاج' أن يدفع بدماء شابة جديدة فى قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من 'قتيبة بن مسلم' لهذه المهمة .
سار 'قتيبة بن مسلم' على نفس الخطة التى سار عليها آل المهلب، وهى خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، غير عابىء بالمصاعب أو الأهوال التى ستواجهه، معتمداً على بسالته النادرة وروح القيادة التى امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام .
استراتيجية الفتح الإسلامى:
من ضمن الأباطيل التى يروجها المستشرقون على سيرة الجهاد الإسلامى فى الصدر الأول هو عدم وجود استراتيجية واضحة للفتوحات الإسلامية، يقول المستشرق 'أنتونى نتنج' وهو يجزم بباطله [ والحملات بعيدة جداً على أن تكون نتيجة لتدبير مقصود هادىء، إذ يبدو أنها بدأت كغارات قصد منها أن توجد مخارج جديدة للروح الحربية التى كانت تسود القبائل، والتى خطرعليها أن تشتبك فى معارك أخوية]
 وهذه شبهة واهية وباطل يرده أحداث التاريخ، ووقائع الفتوحات الإسلامية، وما قام به الأمير 'قتيبة بن مسلم' من تقسيم لحملاته الجهادية خير دليل على بطلان هذه الآراء والشبهات .
قام 'قتيبة بن مسلم' بتقسيم أعماله لأربع مراحل، حقق فى كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين للأبد :-
وهى كالآتى: -
المرحلة الأولى : قام فيها 'قتيبة' بحملته على 'طخارستان السفلى' فاستعادها وثبت أقدام المسلمين وذلك سنة 86 هجرية، وطخارستان السفلى هى الآن جزء من أفغانستان وباكستان     
المرحلة الثانية : قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين سنتى 87 –90هجرية وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانا وأمنعها حصوناً .
المرحلة الثالثة : وقد استمرت من سنة 91- 93 هجرية، وفيها تمكن 'قتيبة' من نشر الإسلام وتثبيته فى وادى نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم 'سجستان' فى إيران الآن، وإقليم خوارزم 'يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان'،و وصلت فتوحاته إلى مدينة 'سمرقند' فى قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً .
المرحلة الرابعة: وامتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم 'قتيبة' فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة 'كاشغر' وجعلها قاعدة إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام فى آسيا شرقا ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط. ألم أقل لكم يا أهل الكتاب أن استجيبوا لما ناداكم به الحق سبحانه حين قال تعالى " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "
الأمير 'قتيبة' وقبائل الأتراك :
عندما قام المسلمون الأوائل بحركة الفتح الإسلامى فى شرق المعمورة كان هناك نوعان من الأجناس البشرية، القبائل الساسانية أو الفارسية والقبائل التركية، وكان نهر 'المرغاب' هو الحد الفاصل بين هؤلاء وهؤلاء، وقد تم إدخال القبائل الفارسية فى الإسلام فى عهد الخلفاء الراشدين، أما القبائل التركية فقد كانت أكبر عدداً وأوسع انتشاراً منهم الأتراك الغزية والأتراك القراخطاى والأتراك القوقازيين والأتراك الأيجور والأتراك البلغار والأتراك المغول .
ونستطيع أن نقول أن الأمير 'قتيبة بن مسلم' هو صاحب الفضل الأول بعد الله عز وجل فى إدخال الأتراك شرقى نهر المرغاب وفى بلاد ما وراء النهر فى الإسلام، فقد سحرت شخصيته الجهادية الأتراك فدخلوا فى دين الله أفواجاً حباً فى بطولات وشجاعة هذا البطل الجسور الذى رأى فيه الأتراك الرمز الحقيقى للفضيلة والشجاعة والرجولة.
 ومعانى الإسلام النقية المتجسدة فى شخصه، وكان دخول هؤلاء فى دين الإسلام من أكبر الفتوحات والانتصارات التى حققها المسلمون وكان لهم أعظم الأدوار فى نشر الدعوة فى قارة آسيا كلها، فكان من قبائل الأتراك الغزية مثلاً السلاجقة العظام والعثمانيون الأبطال والأوزبك الشجعان والمماليك قادة العالم وهؤلاء أدوا خدمات جليلة لا تنسى فى خدمة الإسلام، ومن الأتراك القوقازيين ظهر أبطال داغستان والشيشان، ومن الأتراك الهياطلة ظهر الغزنويون والغوريون فاتحو الهند الكبار وهكذا كان ذلك كله على يد من ألقى البذرة الأولى 'قتيبة بن مسلم ' .
خصال الأسد الجسور :
لقد كانت شخصية 'قتيبة بن مسلم' مثالاً حياً وتجسيداً حقيقاً لقيم الإسلام وتعاليمه، وجمع من الصفات والخصال التى رشحته لأن يكون عملاق الجهاد الاسلامى فى هذه الفترة من الزمان حتى أن مجرد ذكر اسمه كان يلقى الرعب فى قلوب أعدائه، والطاعة الكاملة والمهابة الشديدة فى نفوس أتباعه، ومواقفة البطولية، وأيام جهاده خير دليل على ذلك
أولاً: غيرته على الإسلام والمسلمين :
عندما فتح 'قتيبة'مدينة 'بيكند' وكانت تابعة 'لبخارى'، صالحه أهل المدينة فجعل عليهم والياً من المسلمين وترك بها مجموعة من المسلمين لتعليم الناس الإسلام، فلما رحل عنهم نقضوا العهد وقتلوا الوالى المسلم وجدعوا أنوف من كان بالمدينة من المسلمين ومثلوا بجثثهم، فلما وصلت الأخبار إلى قتيبة وكان محاصراً لمدينة أخرى، ترك حصارها وعاد مسرعاً إلى 'بيكند'
وحاصرها شهراً وهدم سورها فحاول أهل المدينة الصلح من جديد ولكنه أبى، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأصر على فتحها بالسيف حتى تم له ذلك، فقتل المقاتلين وسبى الذرية وغنم الأموال، ليرتدع الكفار والخارجون عن مثلها فلا يعودوا لنقض ذمة المسلمين وعهدهم، وليعلموا أن قطرة دم واحدة من مسلم أعز وأغلى من كفار الأرض جميعاً.
 ومن المواقف الرائعة فى هذا الفتح التأديبى، أن الذى ألب على المسلمين وحرض أهل المدينة على نقض عهدهم، رجل كافر من أهل المدينة أعور العين، وقد وقع هذا الرجل أسيراً بيد المسلمين، فقال لقتيبة [أنا أفتدى نفسى بخمسة ألاف ثوب حريرى قيمتها ألف ألف] فأشار أمراء الجيش على قتيبة أن يقبل ذلك منه، فقال 'قتيبة' [لا والله لا أروع بك مسلماً مرة أخرى] ثم أمر به فضربت عنقه، وهذا يوضح مدى غيرة الأسد 'قتيبة' على دماء الإسلام والمسلمين وحرصه الشديد على أرواحهم وتأديبه القوى لمن يتعدى على حرماتهم، كما أرسل برسالة واضحة بأن المسلم لا يبغى بجهاده وقتاله سوى وجه الله عز وجل ونصرة الدين ، ولا يريد من الدنيا مالاً ولا متاعاً لأنه وبمنتهى البساطة قد آثر الآخرة على الأولى، واشترى الجنة بالدنيا .
ثانياً: خبرته بالرجال :
كان الأسد أبو حفص 'قتيبة بن مسلم' من نوعية القادة الذين لا يسع اى جندى يعمل تحت رايته إلا أن يطيعه، ولا يسع آى خليفة أو والى إلا أن يجعله قائداً على الجيوش، فهو قائد بالفطرة يعرف كيف يوجه رجاله نحو تنفيذ أشق المهام التى يستحيل على غيرهم تنفيذها، فهو خبير بقيادة الرجال وتوجيه النفوس والطبائع البشرية، فلقد علم أن المسلمين يقاتلون وهم بعيدون عن أرضهم وعيالهم وتشتاق قلوبهم لديارهم وأهليهم.
 فاستأذن 'الحجاج بن يوسف' والى العراق فى أن يوزع أموال الغنائم على المجاهدين حتى تقوى قلوبهم ونفوسهم على القتال ضد عدوهم الكافر، فوافق الحجاج على ذلك، حتى كثرت الأموال فى أيدى المجاهدين وصاروا قوة عظيمة لا تقهر بأرض ما وراء النهر .
 كانت خبرته بالرجال تمتد إلى أعدائه، فيعرف كيف يحاربهم ومتى يهادنهم ومتى يشتد عليهم ؟ وهكذا لا يستطيع أن يخدعه أحد أبداً، ولقد حاول أهل 'بيكند' أن يخدعوه بواسطة عميل مزدوج كان يعمل لحساب 'قتيبة' أولاً ثم استماله أهل البلد ليفك الحصار عنهم .
 وكان اسم هذا العميل 'تندر' فحاول خداع 'قتيبة' وإيهامه بأن 'الحجاج' والى العراق قد عزل من منصبه وأن الأسلم أن يفك الحصار ويعود مسرعاً للعراق، ففطن 'قتيبة' للخدعة وقتل العميل الجاسوس، ثم اشتد فى حصار البلد حتى فتحها بإذن الله
وكان 'قتيبة' يعرف كيف يختار رجاله، ويعرف كيف يشجعهم ويحمسهم فى القتال، خاصة فى المواقف الصعبة، ففى أثناء فتح 'بخارى' اشتد الكفار فى القتال ضد المسلمين حتى انهزمت بعض قبائل العرب مثل 'الأزد' ، فانتدب 'قتيبة' قبيلة بنى تميم لمهمة فى غاية الصعوبة وهى الأصطدام مع معسكر الكفار الكبير المطل على نهر المدينة .
 وكان المسلمون قد أحجموا على هذه المهمة المستحيلة، فأحسن 'قتيبة' الأختيار عندما اختار بنى تميم لأنهم أشجع العرب فى قتال الأتراك، ثم نادى فى باقى جيشه [ من جاء برأس كافر فله مائة دينار] فاشتد الناس فى قتال الكفار حتى فتحت المدينة وكافأ 'قتيبة'بنى تميم أعظم مكافأة على شجاعتهم وبطولتهم فى القتال .
** فلا عجب أن تأسر شخصيته قلوب الكفار قبل المسلمين ويدخل الأتراك فى دين الله أفواجاً بل يقاتلوا بنى جلدتهم مع قتيبة والمسلمين .
ثالثاً :- إيمانه بالله وتوكله عليه :
*كانت دولة بنى أمية معنية طول مدتها بشأن الجهاد فى سبيل الله ونشر الإسلام شرقاً وغرباً، فلم يأتى عليها مدة إلا وراية الجهاد مرفوعة وخفاقة لذلك فقد كان خلفاء بنى أمية معنيين بإختيار القادة الأكفاء الموصوفين بالدين والشجاعة، كان 'قتيبة' واحد من هؤلاء الذين تغلغل الإيمان بالله عز وجل فى قلوبهم وتوكلوا عليه بالكلية .
 وهذا يتضح من إقدامه على القتال ضد جيوش الكفار وإقتحام مدنهم وقلاعهم على الرغم من التفاوت الكبير والضخم بين القوتين، ذلك لأنه كان متوكل على الله عز وجل وحده، معتمداً عليه لا على قوة أو متاع ، حتى أن ملك الصين وكان من أكبر من ملوك الدنيا يخاف منه ويؤثر مهادنته ويرسل إليه بتراب بلاده وأربعة من أولاده وهدايا مهولة من أجل أن يبر قسم قتيبة أن يطأ أرض الصين ويفتحها، فأى عز هذا ؟؟ وأى قوة إيمانية تلك ؟؟ التى تهز عروش ملوك الأرض .
*ومن مواقفه الإيمانية الرائعة التى كانت سبباً لإسلام الكثير من قبائل الأتراك أنه لما فتح مدينة 'سمرقند' وكانت قاعدة ملك الأتراك الهياطلة، اشترط 'قتيبة' على أهل سمرقند شرطين :-
أولهما : أن يبنى فى المدينة مسجداً لله عز وجل ويضع فيه منبراً ويصلى فيه ويخطب على المنبر .
ثانيها : أن يحطم أصنام المدينة ومعابدها ، وبالفعل نفذ الشرطان .
*فلما أخذ الأصنام والأوثان ألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت مثل الجبل الكبير، ثم أمر بإحراقها، فتصارخ أهل المدينة وبكوا، ثم قالوا له [ إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك فى الحال] فقال القائد المؤمن 'قتيبة' [أنا أحرقها بيدى فكيدونى جميعاً ثم لا تنظرون] ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النار حتى احترقت كلها وصدق الحق حين قال " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين "
رابعاً :- صبره وشدته فى المواقف العصيبة :
القائد الحقيقى هو الذى يستطيع أن يصبر فى الشدائد بل ويتخذ القرار الصائب وسط سحائب الشدة والمخاطر، ولقد تعرض الأمير 'قتيبة' لعدة مواقف عصيبة صمد أمامها كالطور العظيم، وأظهر شجاعة وثباتاً لا يعلم مثله إلا من الصحابة رضوان الله عليهم.
 من هذه المواقف أنه بعد أن فتح مدينة 'بخارى' فر منها ملكها 'وردان شاه' وراسل ملوك الترك الكفرة الذين كانوا من قبل صالحوا 'قتيبة' فأجابوه ونقضوا الصلح مع 'قتيبة' واتفقوا عليه وحشدوا أعداداً هائلة من الكفار، وأقبلوا فى جيوش جرارة فى تحالف وثنى على أهل الإيمان، ووصلت الأخبار للأمير 'قتيبة' فأعد جنوده البواسل بعدما حرضهم وشجعهم على الجهاد والشهادة، فكشر الأسد عن أنيابه ووثب هو وجنوده على جيوش الكفار فى معركة رهيبة، أبدى فيها المسلمون شجاعة نادرة وبسالة هائلة، فانتصروا على القوم الكافرين
وقتل منهم عشرات الألاف، وحتى يردع الكافرين عن مثلها، صلبهم على مسافة أربعة فرسخ فى نظام واحد، الرجل بجوار الرجل، وذلك فى كل أتجاه من الجهات الأربعة، فلم يقم للكافرين بعدها قائمة
** وبالجملة كان هذا البطل من أعظم الفاتحين فى الإسلام وصاحب شخصية آسرة، كانت سبباً فى إسلام أمم بأكملها من الأتراك، وكان علم الجهاد المقدم فى الشرق حتى أدخل الإسلام لأرض الصين النائية، ولا يعلم أحد بعده قد وصل براياته إلى ما وصل إليه من بلاد كاشغر بالصين، فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له زلته التى راح ضحيتها، ويكفى لنعرف مدى شدة هيبة 'قتيبة' فى نفوس أعدائه، شهادة أحد ملوك الأتراك وهو 'الأصبهند' عندما سأل عن قتيبة بن مسلم ويزيد بن المهلب وهو من ولى العراق بعده أيهما كان أعظم عندكم وأهيب ؟؟ فقال [لوكان قتيبة بأقصى حجر فى الغرب مكبلاً ويزيد معنا فى بلادنا واليا علينا لكان قتيبة أهيب فى صدورنا وأعظم من يزيد        








الباب السابع
الصهيونية المسيحية
تمهيد :-  لقد أخبرتك من قبل عزيزي القارئ أن اليهود لا ينفكون عن المؤمرات والخيانة ؛ وإذا اتيحت لهم فرصة لإبادة أي بشر لا يتركونها ؛ ولقد تحدثنا عن جانب من جوانبهم  والذي عرف " بالمنظمة الماسونية " والأن نتحدث عن منظمة لهم أخرى تحت مسمى أخر؛  ولكن الهدف لا يختلف كثيرا عن الأولى.
 فإذا كانت الأولى تجذب إليها المشاهير لتختفى وراءهم فالثانية كذلك لا ينتسب إليها إلى القوى العظمى لتحتمي بهم وإن كانت الأولى تنفذ التعاليم في سرية تامة فالثانية ايضا تنفذ التعاليم دون أن يشعر أحد ؛  المهم لديهم هو أن تسود العالم الفوضى بكل صورها وأشكالها فيصبح العالم بلا دين ؛ وأسمى غاياتهم ان ينتمي الشباب المسلم اليهم حتى لا يخرج منهم صلاح الدين الذي عرفوه جيدا ولا قتيبة بن مسلم ولا قطز ولا غير هؤلاء العظماء ولكن هيهات آنى لهم وذلمك والحق سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم  " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " 
ولقد عثرت على بحث منظم عن الصهيونية المسيحية وكبف استطاع الصهاينة أن يجذبوا إليهم المسيحبن ويجعلوهم مطية وأداة ينفذون بهم مايشاؤون من تدمير وحرق حتى إذا تضجر العالم منهم  فإنه سيحمل العناد والكره لمن ينفذون وهم النصارى لأن اليهود نجحوا فى ان يجعلوا النصارى دائما فى المقدمة ليتحملوا العبء وليجنوا هم الثمار وصدق الحق سبحانه حين قال " وما زادوهم غير تتبيب " أي خسارة وبوار.
ولايمكننا الحديث عن الصهيونية المسيحية دون التطرق للكنيسة البروتستانتية. ويبدو أن الدارس للأولى لا ينفك يجد نفسه يغوص في تاريخ ظهور الثانية. بعض المصادر التاريخية تؤكد على العلاقة العضوية بين الاثنتين رغم إصرار مصادر أخرى على أن الصهيونية المسيحية سبقت التيار البروتستانتي بقرون وتربطها بحملة تنصير اليهود في الأندلس.
وقد تأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.
وإليك عزيزي القارئ تقريرا موسعا نشره موقع تقرير واشنطن يستعرض ابعاد هذه العلاقة واهم المفاهيم التي تتبناه الصهيونية المسيحية.
لوثر والثورة على الكاثوليكية
البروتستانتية إحدى طوائف الدين المسيحي نشأت على يد القس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر، أما اصطلاح البروتستانتية فيعني لغويا الاحتجاج والاعتراض.
ولد القس مارتن لوثر في مدينة إيسليبن بمقاطعة ساكس الألمانية سنة 1483 لأب فلاح كانت أمنيته أن يدرس ابنه القانون ويصبح قاضيا، لكن مارتن لوثر حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة فيتنبرج.
زار لوثر في العام 1510 روما للتبرك بالمقر الرسولي، وكان يتمنى رؤية القديسين والرهبان الزهاد. غير أنه ما إن حل بروما حتى فوجئ بمدى الفساد المنتشر داخل الكنيسة الكاثوليكية حتى على أعلى المستويات.
كانت الكنيسة آنذاك تبيع صكوك غفران الذنوب وصكوك التوبة، بل إن بعض الرهبان كانوا يحددون المدة التي سيقضيها الإنسان المخطئ في النار قبل أن يمنحوه صكوك الغفران التي تعتقه وتسمح له بالمرور إلى الجنة!وقد أثرت تلك الصور كثيرا في نفسية مارتن لوثر المتحمس فأحس بالغبن وقرر إصلاح الكنيسة وتقويض سلطة البابا.
قام مارتن لوثر بتعليق احتجاج صارخ على باب كنيسة مدينة فيتنبرج في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1517 تضمن 95 نقطة طالب فيه بإلغاء النظام البابوي لأنه يمنح قدسية كبيرة للبشر قد يسيؤون استعمالها تماما كما كان شائعا في الكنيسة الكاثوليكية آنذاك.
كما رفض لوثر أن يبقى القسيس بلا زواج مدى الحياة، فأقدم على الزواج من الراهبة كاترينا فون بورا وأنجب منها ستة أطفال.
وكانت من بين مطالب لوثر أيضا المساواة بين الإكليروس "رجال اللاهوت المسيحي" والمسيحيين العاديين. غير أن ما سيؤثر على مستقبل الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام كان دعوة مارتن لوثر إلى جعل الكتاب المقدس المصدر الوحيد للإيمان تأثرا بنظرية القديس بطرس التي تقول ما معناه أن الإنسان الذي لوثته الخطيئة لا يمكن أن يطهره من تلك الخطيئة سوى الإيمان الذي يتجلى في رحمة الرب وإرادته.
 ودعا لوثر إلى إلغاء الوساطة بين المؤمنين والرب بمعنى إقامة علاقة مباشرة بين العبد والمعبود دون المرور عبر البابا أو أي شخص آخر.
وكان أخطر ما حملته مطالب لوثر دعوته للعودة إلى كتاب التوراة العبرانية القديمة وإعادة قراءته بطريقة جديدة بالإضافة إلى اعتماد الطقوس العبرية في الصلاة عوضا عن الطقوس الكاثوليكية المعقدة
بداية تهويد المسيحية  أرسل مارتن لوثر رسالة إلى البابا ليو العاشر في روما سنة 1520 اتهمه فيها باستعمال الكنيسة الكاثوليكية لتحقيق مصالح شخصية له وللحاشية التي تحيط به، مؤكدا أنه لن يتخلى عن نضاله لتقويض تلك الكنيسة مادام حيا.
فجاء رد فعل الكنيسة الكاثوليكية قاسيا حيث اعتبرت لوثر من الخارجين عن الكنيسة وطردته من الديانة المسيحية واتهمته بالهرطقة، وهي تهمة كانت عقوبتها آنذاك الحرق على الملأ.
لجأ لوثر بعد ذلك إلى العمل السري وعمل على استمالة بعض اليهود الذين كان لهم نفوذ كبير في المجتمع عن طريق التأكيد على أن مذهبه الجديد يعيد الاعتبار لليهود الذين كانوا يعانون من ازدراء الكنيسة الكاثوليكية.
أصدر لوثر كتابه "عيسى ولد يهوديا" سنة 1523 وقال فيه إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد.
ويرى الكثير من الكتاب والمؤرخين أن هذه الفترة تعد الولادة الحقيقية والفعلية للمسيحية اليهودية.
وتقوم المسيحية اليهودية على تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على الطقوس الكاثوليكية بالإضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله.
ووصلت محاولة استمالة لوثر لليهود من أجل الدخول في مذهبه حدا قال فيه يوما أمام عدد من اليهود الذين كانوا يناقشونه "إن البابوات والقسيسين وعلماء الدين -ذوي القلوب الفظة- تعاملوا مع اليهود بطريقة جعلت كل من يأمل أن يكون مسيحيا مخلصا يتحول إلى يهودي متطرف وأنا لو كنت يهوديا ورأيت كل هؤلاء الحمقى يقودون ويعلمون المسيحية فسأختار على البديهة أن أكون خنزيرا بدلا من أن أكون مسيحيا". وتشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن رغبة مارتن لوثر الجامحة في إعادة الاعتبار لليهود و"تمسيحهم" كانت تعود لإيمانه العميق بضرورة وجودهم في هذا العالم تمهيدا لعودة المسيح.
واعتبرت دعواته تلك انقلابا على موقف الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تنظر لليهود على أنهم حملة لدم المسيح عيسى بعدما صلبوه.
حيث دأبت الكنيسة الكاثوليكية على تحميل اليهود المسؤولية الكاملة عن مقتل المسيح. وكان بعض المسيحيين في أوروبا يحتفلون بمقتل المسيح عن طريق إحياء طقوس عملية الصلب، بل وكان سكان مدينة تولوز الفرنسية يحرصون على إحضار يهودي إلى الكنيسة أثناء الاحتفال ليتم صفعه من قبل أحد النبلاء بشكل علني إحياء لطقس الضرب الذي تعرض له المسيح من قبل اليهود.
كما أن هناك نصا في إنجيل متى يحمل اليهود مسؤولية مباشرة عن مقتل المسيح ويذكر بالتفصيل كيف غسل بيلاطس الحاكم الروماني للقدس آنذاك يديه بالماء معلنا براءته من دم المسيح الذي كان اليهود على وشك صلبه قبل أن يصيح فيه اليهود قائلين "ليكن دمه علينا وعلى أولادنا".
وهذه العبارة الأخيرة تطبع الاعتقاد المسيحي الكاثوليكي بشكل مرير ظهر جليا في الشعبية الكبيرة التي نالها فيلم "آلام المسيح" للمخرج المسيحي ميل غبسون الذي حصد مئات الملايين من الدولارات عدا حالات الإغماء الكثيرة التي شهدتها قاعات السينما التي عرضت الفيلم في الولايات المتحدة لرجال ونساء مسيحيين لم يستطيعوا تحمل التفاصيل المليئة بالألم التي حفل بها الفيلم
علاقة الكنيسة البروتستانتية وباليهود
المسيحية هي ديانة سماوية ورسالة حملها المسيح وتعد أكثر الأديان انتشارا في العالم، حيث يفوق عدد معتنقيها ملياري نسمة. وجذور المسيحية هي الديانة اليهودية التي تتشارك وإياها الإيمان بالتوراة.
والصهيونية اختصارا هي أيديولوجية تؤيد قيام دولة قومية يهودية في فلسطين بوصفها أرض الميعاد لليهود. وصهيون هو اسم جبل في القدس وتقول بعض المصادر إنه اسم من أسماء القدس.
أما الصهيونية المسيحية فهي الدعم المسيحي للفكرة الصهيونية، وهي حركة مسيحية قومية تقول عن نفسها إنها تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين وسيادة اليهود على الأرض المقدسة. ويعتبر الصهيونيون المسيحيون أنفسهم مدافعين عن الشعب اليهودي خاصة دولة إسرائيل، ويتضمن هذا الدعم معارضة وفضح كل من ينتقد أو يعادي الدولة العبرية.
تقوم فلسفة الصهيونية المسيحية على نظرية الهلاك الحتمي لليهود. وهناك الكثير من الدراسات اللاهوتية في هذا المجال خلاصتها أن هلاك يهود الأرض قدر محتوم وضرورة للخلاص من "إرث الدم" الذي حمله اليهود على أكتافهم بعدما صلبوا المسيح وهم سيتحولون إلى المسيحية بعد عودته ولن يبقى شيء اسمه اليهودية.
ومارتن لوثر الذي تحدثنا عنه أعلاه عمل على تهويد المسيحية عندما أصر على اعتماد التوراة العبرانية بدلا عن كتاب "العهد الجديد". وقد قام عدد من رجال الدين البروتستانت مثل القس الإنجليزي جون نلسون داربي بإعادة قراءة العقائد المسيحية المتعلقة باليهود، ومنحهم مكانة متميزة حتى أصبحت الكنيسة البروتستانتية هي حاملة لواء الصهيونية المسيحية أينما حلت.
وقد حصل انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية نفسها بسبب اليهود. فبينما أعرب بعض البروتستانت الإنجليز عن اعتقادهم بأن اليهود سيعتنقون المسيحية قبل أن تقوم دولتهم في فلسطين، ذهب بعض البروتستانت الأمريكيين إلى أن اليهود لن يدخلوا في المسيحية حتى لو قامت إسرائيل وأن عودة المسيح هي الشرط النهائي لخلاصهم وتوبتهم ودخولهم في الدين الذي جاء فيهم أصلا.
وقد تزعم القس نلسون داربي هذا الفريق وينظر إليه على أنه الأب الروحي للمسيحية الصهيونية قبل أن يعمل العشرات من القساوسة على نشر نظريته تلك. ونشر وليم باكستون الذي كان من أشد المتحمسين الأمريكيين لأطروحة داربي كتاب "المسيح آت" سنة 1887 وترجم الكتاب إلى عشرات اللغات وركز فيه على حق اليهود التوراتي في فلسطين. وبلاكستون كان وراء جمع 413 توقيعا من شخصيات مرموقة مسيحية ويهودية طالبت بمنح فلسطين لليهود وتم تسليم عريضة التوقيعات للرئيس الأمريكي آنذاك بنيامين هاريسون.
أما القس سايروس سكوفيلد فيعتبر من أشد المسيحيين الصهيونيين تشددا وقام بوضع إنجيل سماه "إنجيل سكوفيلد المرجعي" نشره سنة 1917 وينظر إليه اليوم على أنه الحجر الأساس في فكر المسيحية الأصولية المعاصرة
كتاب اليهود واكاذيبهم
تتباين المراجع التاريخية في تقييم ما قام به مارتن لوثر، فهناك من ينظر إليه على أنه ثائر إصلاحي خلص الكنيسة الكاثوليكية من الكثير من الأساطير اللاهوتية التي أفسدتها، وهناك من يرى أنه أفسد العقيدة المسيحية بمنحه اليهود مكانة رفيعة جعلتهم يستعملون المذهب البروتستانتي لتحقيق أهدافهم الخاصة، غير أن الكثير من المصادر تتجاهل حقيقة عودة مارتن لوثر عن الكثير من مواقفه وآرائه خاصة تلك المتعلقة منها باليهود.
وقد كتب مارتن لوثر في آخر أيامه كتاب "اليهود وأكاذيبهم" أعرب فيه عن خيبة أمله من اليهود وأقر بالفشل في استقطابهم لعقيدته الجديدة. كما أقر في شبه استسلام تلقفه اليهود قبل غيرهم بأن دخول اليهود في الدين المسيحي لن يتم إلا عبر عودتهم لأرض فلسطين وعودة المسيح الذي سيسجدون له ويعلنون دخولهم في الدين المسيحي حتى يعم السلام العالم.
المفاهيم الأساسية للمسيحية الصهيونية
حمل غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأمريكية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأمريكية في القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة.
وتأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:
• هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية.
• سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.
وآمنت المسيحية الصهيونية Christian Zionism "قبل تأسيس دولة إسرائيل" بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام.
وتمثل فكرة عودة اليهود إلى فلسطين حجر الأساس في فكر المسيحية الصهيونية، لذا كانت فكرة إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" التي آمن بها المسيحيون البروتستانت قبل إيمان اليهود أنفسهم بها هي أهم ما يجمع بين الطرفين.
ومصطلح المسيحية الصهيونية لم يتم الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين Protestant Evangelical ، ولهذه الحركة ما يقرب من 130 مليون عضو في كل قارات العالم.
ويمكن تعريف المسيحية الصهيونية بأنها "المسيحية التي تدعم الصهيونية"، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم "مسيحيين متصهينين".
وتتلخص فكرة هذه الحركة في ضرورة المساعدة لتحقيق نبوءة الله من خلال تقديم الدعم لإسرائيل.
وتريد المسيحية الصهيونية إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم. وفي نظرهم يتم ذلك عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل "فلسطين"، كون فلسطين هي (الأرض الموعودة). وتعتقد المسيحية الصهيونية أن من شأن القيام بذلك تعميم البركة الإلهية على العالم كله
نشاة الحركة
نشأت المسيحية الصهيونية -كما نعرفها اليوم- في إنجلترا في القرن الـ17، حيث تم ربطها بالسياسة لا سيما بتصور قيام دولة يهودية حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى الولايات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سياسية واضحة وثابتة، كما أخذت بعدا دوليا يتمثل في تقديم الدعم الكامل للشعب اليهودي في فلسطين.
وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية (Millenarianism)، والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفية.
هناك تفسير اعتمد تاريخيا في العقيدة المسيحية ينص على أن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح، وأن خروج اليهود من فلسطين كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين، إلا أن ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن الـ16 تبنت مقولة أن "اليهود هم شعب الله المختار"، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناك وعدا إلهيا يربط اليهود بفلسطين، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة الإصلاح بالإيمان بعودة المسيح الثانية بشرط قيام الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين.
وحدث انقسام بين منظري المسيحية الصهيونية في القرن الـ19، وظهرت مدرستان، البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأمريكية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية.
ورأس فكر المدرسة الأمريكية القس الأيرلندي جون نيلسون داربي الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لحركة المسيحية الصهيونية الأمريكية.
وخلال 60 عاما بشر داربي لنظريته بكتابة العديد من المؤلفات التي فصلت رؤيته لنظرية عودة المسيح الثانية، ونظرية الألفية. وقام داربي بست زيارات تبشيرية للولايات المتحدة، ومن ثم أصبح داعية مشهورا ومدرسا له أتباع كثيرون.
وحمل لواء الحركة من داربي عدة قساوسة من أشهرهم داويت مودي الذي عرف بترويجه لنظرية "شعب الله المختار"، وويليام يوجين بلاكستون الذي ألف كتاب "المسيح آت" عام 1887 وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقراءته للتوراة في فلسطين. إلا أن أكثر المنظرين تطرفا كان القس سايروس سكوفيلد الذي ألف كتابا عنوانه "إنجيل سكوفيلد المرجعي" عام 1917، وهو الكتاب الذي أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسيحية الصهيونية.
ومن أشهر السياسيين الذين أسهموا في نمو حركة المسيحية الصهيونية عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري، وكان شافتسبري مسيحيا محافظا وعلى علاقة جيدة بصانعي السياسة البريطانيين في منتصف القرن الـ19.
وفي العام 1839 ذكر شافتسبري في مقال نشر في دورية شهيرة Quarterly Review أنه "يجب أن نشجع عودة اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل"، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهيونية العالمية، وكان اللورد شافتسبري هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا "شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب".
يعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية"، وعرف المسيحي المتصهين بأنه "المسيحي الذي يدعم الصهيونية"، بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو "الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح".
تيودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تيودور هرتزل
ادبيات الحركة
تلتقي الحركتان الصهيونية اليهودية  والصهيونية المسيحية حول "مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم". لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين بدعوة أنها "أرض اليهود الموعودة" ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم.
وترجمت معتقدات هذه الحركة بداية في العام 1917 مع صدور وعد بلفور "الذي أيد فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين" وافق أغلب البروتستانت الأمريكيين على هذه الفكرة واعتبروا تنفيذها واجبا دينيا راسخا.
وتأثرت المسيحية الصهيونية بثلاثة توجهات يجمع بينها خلفية التفسير الديني المعتمد على النصوص التوراتية، ورغم تباين هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحيانا، فإن التفسير الحرفي للتوراة والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل جمع بينهم.
والحركات الثلاث هي:
1. حركة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته.
2. حركة تهتم بقضية التقرب من اليهود من أجل المسيح.
3. حركة تركز على الدفاع عن إسرائيل وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
وأهم ما يجمع بين المسيحية الصهيونية واليهودية اليوم يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:
1. التراث المسيحي اليهودي المشترك.
2. الأخلاق اليهودية المسيحية.
3. الالتزام الأدبي والأخلاقي بدعم إسرائيل.
تترجم حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف. لذا قامت حركة المسيحية الصهيونية بإنشاء العديد من المؤسسات مثل "اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة" ومؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل"،
ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأمريكية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي. وهناك ما يقرب من 40 مليونا من أتباع الصهيونية المسيحية داخل الولايات المتحدة وحدها، ويزداد أتباع تلك الحركة خاصة بعدما أصبح لها حضور بارز في كل قطاعات المجتمع الأمريكي.
ويشهد الإعلام الأمريكي حضورا متزايدا لهم حيث إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، إضافة إلى أكثر من 1000 محطة إذاعية ويعمل في مجال التبشير ما يقرب من 80 ألف قسيس.
وامتد نفوذ الحركة إلى ساسة الولايات المتحدة بصورة كبيرة وصلت إلى درجة إيمان بعض من شغل البيت الأبيض بمقولات الحركة والاعتراف بهذا علنيا. الرئيسان السابقان جيمي كارتر "ديمقراطي" ورونالد ريغان "جمهوري" كانا من أكثر الرؤساء الأمريكيين إيمانا والتزاما بمبادئ المسيحية الصهيونية




الباب الثامن
أوروبا و صلاح الدين الأيوبي
نتحدث في هذا الباب عن شخصيتين متناقضتين تمام التناقض إذا ذكر الأول فيهما ذكر معه العفو والتسامح والفروسية النبيلة ؛  شهد له العدو كما شهد له الصديق ؛ أما الثاني حين يذكر تذكر معه الخيانة والكذب والتدمير والرغبة الجامحة في إبادة الأخر؛ سخر منه العدو كما سخر من الصديق . الأول أنهى الحروب الصليبية الأولى وعلمهم من الدروس مالا تنسى ؛ والثاني أشعل الحروب الصليبية الحديثة .
إذا ذكر الأول يذكر معه التطهير والتحرير وحسن السياسة وتدبير الأمور ولا يخطو خطوة إلا ولها الف حساب حتى لا يعتذر أو يرتكب مايضطره إلى الإعتذار ؛ أما الثانى فهو أحمق التصرف ؛ متهور فى افعاله ؛ أقدم على حروب دمرت العديد من دول العالم بلا ذنب ؛  إلا أنه كذب وأوهم شعبه أن الشعوب المسلمة خطر عليهم ؛ ولما انتهت الحروب وانتهى الدمار فوجئ العالم ان الحروب لم تكن لشئ سوى الحماقة والبله .
أما الاول فهو الناصر صلاح الدين الذي نصر الله به الدين وحرر به بيت المقدس إذا ذكر نترحم عليه وندعو الله تعالى أن يقيض للمسلمين قائدا عبقريا مخلصا مثله نحرر به الأقصى من دنس اليهود .
أما الثانى فهو بوش اللعين الذي إن ذكر تلاحقه لعنة الله والملائكة والناس جمعين فالالاف من الامهات الثكلى فى العراق وافغانستان يلعنه ؛ والاف الجرحى من أبناء العراق وأفعانستان يلعنونه ؛ والاف الشياب الذين انتهكت أعراض امهاتهم واخواتهم يلعنونه ليل نهار ؛ فاصبح لعينا طريدا ؛ له فى الدنيا خزى وفى الاخرة عذاب عظيم .
الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب (1138 - 1193م)، مؤسس الدولة الأيوبية في مصر وأمتد سلطانه إلى مدن الشام وشمال العراق وبلاد اليمن والحجاز. اشتهر بلقب صلاح الدين في دمشق قبل أن يصبح سلطاناً لمصر وتسمى بالملك الناصر، استولى على أغلب مدن مملكة بيت المقدس وفتح عاصمتها القدس الأمر الذي أدى لقيام الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ملوك فرنسا وإنجلترا وألمانيا.
مولده:-
ولد صلاح الدين في تكريت عام 532 هـ/1138م (حالياً في العراق) في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان والياً عليها، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا، ويرجع ابن الأثير نسب أيوب بن شاذي بن مروان إلى الأكراد الروادية وهم فخذ من الهذبانية، بينما يرفض بعض ملوك الأيوبيين هذا النسب وقالوا: "انما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم".
 الأيوبيون نفسهم اختلفوا في نسبهم فالملك المعز إسماعيل صاحب اليمن أرجع نسب بني أيوب إلى بني أمية وحين بلغ ذلك الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب قال كذب إسماعيل ما نحن من بني أمية أصلاً، أما الأيوبيون ملوك دمشق فأنهم أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق واسمعه ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود.
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية" ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادا، بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم. وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".
كما أن الحسن بن داوود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب التي وضعها الحسن بن غريب، والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي (محمد) بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمروبن مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فِهر (وهوجد قريش).
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح والياً عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك دمشق
. وكان من القادة في جيش نور الدين، أرسله نور الدين من دمشق في الحملات في الشام وإلى مصر ليستكمل عمل عمه أسد الدين شيركوه على رأس الجيش الذي أرسله من دمشق لمواجهة الصليبين في الشام وفي مصر بسط سيطرته عليها والعمل على صد الحملة الصليبية، وفي ذات الوقت ليستكمل انتزاعها من الفاطميين الذين كانت دولتهم في أفول، فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169 بعد موت عمه شيركوه، وقمع تمرداً للجنود الزنوج، كما فرض نفسه كوزير للخليفة للعاضد، فكان صلاح الدين هوالحاكم الفعلي لمصر.
بدايته
كان الوزير الفاطمي شاور قد فر من مصر هرباً من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة وقتل ولده الأكبر طيء بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك نور الدين زنكي في دمشق وذلك في شهر رمضان 558ھ ودخل دمشق في 23 من ذي القعدة من السنة نفسها .
 فوجه نور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وخدمة جيش الشام وهو كاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان؛ قضاء حق شاور لكونه قصده، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش وفي جمادى الأولى سنة 559ھ فدخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.
ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها.
 ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر على الانسحاب من مصر. واعاد الملك نور الدين بن عماد الدين زنكي بأرسال الجيش من دمشق لمجابهة الصليبين. وبلغ إلى علم نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.
وتوجه صلاح الدين في قيادة الجيش إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562ھ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى دمشق.
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع أسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين في الشام لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والجيش ولم يمكنه المسير بنفسه للتصدي لاي محاولة من قبل الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله وسار الجيش.
يقول بن شداد:
«لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت من دمشق مع عمي باختياري وهذا معنى قول القرآن "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"»(البقرة:216)
وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين في دمشق الشام يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564ھ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى، وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564ھ ودام آمرا وناهيا وصلاح الدين يباشر الأمور مقراً له لمكانه و كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.
ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل فانتصر عليهم فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.
في 1170 أغار صلاح الدين على غزة التي كان يسيطر عليها الصليبيون، وفي السنة التالية انتزع أيلة من مملكة بيت المقدس الصليبية وأغار على مقاطعتي شرق نهر الأردن وقلاع الشوبك والكرك.
تأسيس الدولة فى مصر
بعد دخول صلاح الدين وسيطرته على مصر في البداية لم يكن مركز صلاح الدين مستقرا بسبب الاضطراب الذي سببه توالي عدد كبير من الخلفاء الفاطميين في مدد قصيرة، تحكم في قراراتهم سلسلة من الوزراء.
واستقرت الأمور لصلاح الدين ونقل أسرته ووالده نجم الدين أيوب إلى مصر ليتم له السرور وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى مات العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 1171 وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني أيوب (الدولة الأيوبية).
بعد موت العاضد سنة 1171، دفع صلاح الدين العلماء إلى المناداة بالمستضيء الخليفة العباسي والدعاء له في الجمعة والخطبة باسمه من على المنابر، وبهذا انتهت الخلافة الفاطمية في مصر، وحكم صلاح الدين مصر كممثل لنور الدين الذي كان في النهاية يقر بخلافة العباسيين.
سلطان مصر
حدّث صلاح الدين اقتصاد مصر، وأعاد تنظيم الجيش مستبعداً العناصر الموالية للفاطميين، واتبع نصيحة أبيه أيوب بألا يدخل في مواجهة مع نور الدين الذي كان يدين له رسميًا بالولاء ويتبع له
و مع موت نورالدين سنة 1174 أسس صلاح الدين في مصر الدولة الأيوبية وأتخذ من القاهرة عاصمة لهذه الدولة ولقب "بالسلطان"، ومد نفوذه في اتجاه المغرب العربي.
اليمن
كان "شيركوه" عندما انطلق إلى جنوب مصر للقضاء على مقاومة مؤيدي الفاطميين قد واصل الاتجاه جنوبا بحذاء البحر الأحمر باسطا نفوذه على اليمن ومُدخلها تحت حكم الأيوبيين.
دمشق
كان صلاح الدين قد تراجع في مناسبتين عن غزو مملكة بيت المقدس، وذلك في عامي 1170 و1172 حيث كان يسعى للإبقاء على امن بلاد مصر والنوبة، فكاد هذا يكون سببا في وقوع مواجهة مباشرة مفتوحة بين صلاح الدين ونورالدين إلا أن موت نورالدين حسم المسألة، وكان ابنه الصالح إسماعيل طفلا، فعاد صلاح الدين إلى دمشق واستقبل فيها بترحاب كبير بينما انتقل الصالح إسماعيل إلى حلب وظل يقاوم حتى مقتله سنة 1181.


في دمشق
كان نور الدين قد خلف ولده الملك الصالح إسماعيل وكان بدمشق عند وفاة أبيه ثم إن صلاح الدين بعد وفاة نور الدين علم أن ولده الملك الصالح صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك واختلفت الأحوال بالشام وكاتب شمس الدين ابن المقدم صلاح الدين فتجهز من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرا أنه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها في سنة 570هـ 
وتسلم قلعتها وكان أول دخوله دار أبيه، وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي، واجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم مالا جليلا وأظهر السرور بالدمشقيين وصعد القلعة, ثم بسط نفوذه على حلب والموصل عامي 1176 و1177 على الترتيب، وبينما كان يحاصر حلب يوم 22 مايو 1176 حاول الحشاشون اغتياله، فأجروا محاولتين كانت ثانيهما وشيكة إلى حد أنه أصيب. بعد ذلك فرض صلاح الدين نفوذه على الجزيرة وشمال العراق وأخضع الزنكيين في الموصل وسنجار والأرتوقيين في ماردين وديار بكر، كما بسط نفوذه على الحجاز. وعضّد صلاح الدين مُلكه بالزواج من أرملة نورالدين، عصمت الدين خاتون
الموصل
لما أحس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل بما جرى علم أن صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه وخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه فأنفذ عسكرا وافرا وجيشا عظيما وقدم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد .
 فلما بلغ صلاح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدا إلى حماة ورجع إلى حمص فأخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في جمع عظيم فلما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه فما صالحوه ورأوا أن ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم والقضاء يجر إلى أمور وهم بها لا يشعرون فتلاقوا فقضى الله تعالى أن هزموا بين يديه وأسر جماعة منهم.
 فمن عليهم وذلك في تاسع شهر رمضان من سنة570 هـ عند قرون حماة ثم سار عقيب هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعة الثانية فصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب وبارين ولما جرت هذه المعركة كان سيف الدين غازي يحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار وعزم على أخذها منه لأنه كان قد انتمى إلى صلاح الدين وكان قد قارب أخذها فلما بلغه الخبر وأن عسكره انكسر خاف أن يبلغ أخاه عماد الدين الخبر فيشتد أمره ويقوى جأشه فراسله وصالحه ثم سار من وقته إلى نصيبين واهتم بجمع العساكر والإنفاق فيها وسار إلى البيرة وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن نور الدين صاحب حلب حتى تستقر له قاعدة يصل عليها ثم إنه وصل إلى حلب وخرج الملك الصالح إلى لقائه أقام على حلب مدة.
محاولة الباطنية اغتياله
يقول أبو شامة المقدسي في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين: "لما فتح السلطان حصن بزاعة ومنبج أيقن من هم تحت سلطتهم بخروج مافي أيديهم من المعاقل، والقلاع ونصبوا الحبائل للسلطان. فكاتبوا سناناً صاحب الحشيشية مرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد .
 فأرسل، لعنه الله، جماعة من أصحابه فجاءوا بزي الأجناد، ودخلوا بين المقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان لعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يوماً جالس في خيمة جاولي، والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشية وضربه بسكينة على رأسه، وكان محترزاً خائفاً من الحشيشية، لايترع الزردية عن بدنه ولاصفائح الحديد عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائح الحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلى خد السلطان فجرحه وجرى الدم على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.
ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرض وركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر في ذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرا، فاخترط سيف وضرب الحشيشي فقتله. وجاء آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بن منكلان الكردي وضربه بالسيف، وسبق الحشيشي إلى ابن منكلان فجرحه في جبهته، وقتله ابن منكلان، ومات ابن منكلان من ضربة الحشيشي بعد أيام. وجاء آخر من الباطنية فحصل في سهم الأمير علي بن أبي الفوارس فهجم على الباطني ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحت إبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لايتمكن من ضربه.
 فصاح علي: اقتلوه واقتلوني معه، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه، وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر من الحشيشية منهزما، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكب الباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وقطعوه بالسيوف.
وأما السلطان فإنه ركب من وقته إلى سرادقه ودمه على خده سائل، وأخذ من ذلك الوقت في الاحتراس والاحتراز، ونصب له في وسط سرادقه برجا من الخشب كان يجلس فيه وينام، ولايدخل عليه إلا من يعرفه، وبطلت الحرب في ذلك اليوم، وخاف الناس على السلطان. واضطرب العسكر وخاف الناس بعضهم من بعض، فألجأت إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس، فركب حتى سكن العسكر."
الحرب مع الصليبين
بينما كان صلاح الدين يعمل على بسط نفوذه على عمق سورية فقد كان غالبا يترك الصليبيين لحالهم مرجئا المواجهة معهم وإن كانت غالبا لم تغب عنه حتميتها، إلا أنه كان عادة ما ينتصر عندما تقع مواجهة معهم، وكان الاستثناء هو موقعة مونتجيسارد يوم 25 نوفمبر 1177 حيث لم يُبدِ الصليبيون مقاومة فوقع صلاح الدين في خطأ ترك الجنود تسعى وراء الغنائم وتتشتت، فهاجمته قوات بولدوين السادس ملك أورشليم وأرناط وفرسان المعبد وهزمته.
 إلا أن صلاح الدين عاد وهاجم الإمارات الفرنجية من الغرب وانتصر على بولدوين في معركة مرج عيون في 1179 وكذلك في السنة التالية في موقعة خليج يعقوب، ثم أرسيت هدنة بين الصليبيين وصلاح الدين في 1180.
إلا أن غارات الصليبيين عادت فحفزت صلاح الدين على الرد. فقد كان أرناط يتحرش بالتجارة وبالحجاج المسلمين بواسطة أسطول له في البحر الأحمر، فبنى صلاح الدين أسطولا من 30 سفينة لمهاجمة بيروت في 1182، وعندها هدد أرناطُ بمهاجمة مكة والمدينة، فحاصر صلاح الدين حصن الكرك معقل أرناط مرتين في عامي 1183 و1184، ورد أرناط بمهاجمة قوافل حجاج مسلمين سنة 1185.
تروى مصادر فرنسية من القرن الثالث عشر أن أرناط قد أسرَ في غارة أختَ صلاح الدين وإن كان ذلك غير مشهود في المصادر المعاصرة، سواء الإسلامية أو الفرنجية، بل يُذكر أن أرناط هاجم قافلة قبل ذلك وأن صلاح الدين أرسل حراسا لحماية اخته وابنها الذين لم يصبها أذى.
بعد أن استعصى حصن الكرك المنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى وعاود مهاجمة عزالدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي الموصل التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182، إلا أن تحالف عزالدين مع حاكم أذربيجان وجبال حال دون تحقق مراده، ثم إن صلاح الدين مرض فأرسيت معاهدة في 1186.
في عام 1187 سقطت أغلب مدن وحصون مملكة بيت المقدس في يد صلاح الدين بعد أن هزمت القوات الصليبية في موقعة حطين بتاريخ في 4 يوليو 1187.
حيث ألتقت قوات صلاح الدين في معركة حطين مع القوات المجتمعة بقيادة غي دي لوزينيان نائب ملك مملكة بيت المقدس، وريموند الثالث كونت طرابلس، وفي تلك الموقعة كادت قوات الصليبيين تفنى.
فتح القدس
دخلت قوات صلاح الدين القدس يوم 2 أكتوبر 1187 بعد أن أستسلمت المدينة وكان صلاح الدين قد عرض شروطا كريمة للاستسلام، إلا أنها رفضت، فبعد بدء الحصار رفض أن يمنح عفوا للأوروبيين من سكان القدس حتى هدد باليان بقتل كل الرهائن المسلمين الذين كان عددهم يقدر بخمسة آلاف، وتدمير قبة الصخرة والمسجد الأقصى، فاستشار صلاح الدين مجلسه ثم قبِل منح العفو، على أن تُدفع فدية لكل فرنجي في المدينة سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا، إلا أن صلاح الدين سمح لكثيرين بالخروج ممن لم يكن معهم ما يكفي لدفع الفدية عن جميع أفراد أسرهم.
قبل القدس كان صلاح الدين قد استعاد كل المدن تقريبا من الصليبيين، ما عدا صور التي كانت المدينة الوحيدة الباقية في يد الصليبين. من الناحية الإستراتيجية ربما كان من الأفضل لصلاح الدين فتح صور قبل القدس لكون الأولى بموقعها على البحر تشكل مدخلا لإمدادات الصليبيين من أوروبا، إلا أنه اختار البدء بالقدس بسبب أهميتها الروحية لدى المسلمين.
كانت صور في ذلك الوقت تحت إمرة كونراد أمير مونتفرات الذي حصنها فصمدت أمام حصارين لصلاح الدين. كان صلاح الدين قد أطلق سراح جاي ذي لوزينان وأعاده إلى زوجته سيبيلا ملكة أورشليم، فلجئا أولا إلى طرابلس ثم إلى أنطاكيا، وحاولا عام 1189 استعادة صور إلا أن كونراد حاكمها رفض دخولهما لأنه لم يكن يعترف بجاي ملكا، فذهب جاي لحصار عكا.
ريتشارد قلب الأسد والحملة الثالثة
حفّز فتح القدس خروج حملة صليبية ثالثة، مُوِّلت في إنجلترا وأجزاء من فرنسا بضريبة خاصة عرفت بضريبة صلاح الدين (بالإنجليزية: Saladin tithe‏)، قاد الحملة ثلاثة من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت هم رِيتشَارد (قلب الأسد) ملك إنجلترا، وفيليب أوغست ملك فرنسا، وملك ألمانيا فريدريك بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس، إلا أن هذا الأخير مات أثناء الرحلة، وانضم الآخران إلى حصار عكا التي سقطت في 1191.
 وأُعدم فيها ثلاثة آلاف سجين مسلم بمن فيهم نساء وأطفال، في 7 سبتمبر 1191 اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة رِيتشَارد في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين، إلا أن الصليبيين لم يتمكنوا من اجتياح الداخل وبقوا على الساحل وفشلت كل محاولاتهم لغزو القدس فوقّع رِيتشَاردفي 1192 معاهدة الرملة مع صلاح الدين مستعيدا بموجبها مملكة أورشليم الصليبية في شريط ساحلي ما بين يافا وصور كما فتحت القدس للحجاج المسيحيين. العلاقة بين صلاح الدين الأيوبي ورِيتشَارد مثالا على الفروسية والاحترام المتبادلين رغم الخصومة العسكرية، فعندما مرض رِيتشَارد بالحمى أرسل إليه صلاح الدين طبيبه الخاص، كما أرسل إليه فاكهة طازجة وثلجا لتبريد الشراب، وهو إلى جانب كونه فعلا كريما يعد استعراضا للقدرة، وعندما فقد رِيتشَارد جواده في أرسوف أرسل إليه صلاح الدين اثنين.
عرض رِيتشَارد على صلاح الدين فلسطين موحدة للمسيحيين الأوربيون والمسلمين العرب بطريق تزويج أخت رِيتشَارد بأخو صلاح الدين وأن تكون القدس هدية زفافهما. إلا أن الرجلين لم يلتقيا أبدا وجها لوجه وكان التواصل بينهما بالكتابة أو بالرسل.
وتذكر كتب التاريخ ان الحروب الصليبية قديمة فقد بدت بوادرها مع ظهور الاسلام  فعندما تغلب هرقل على الفرس واعاد الصليب وبيت المقدس  وكانت الكنيسه تسانده  فاعلن انها حربا صليبيه حتى لقب هرقل  "أول الصليبين "   
       الا انه اذا ذكرت الحروب الصليبية  يصرف الذهن على الفور الى الحروب الصليبية التى شنتها اوروبا فى أول الالفية الثانية  ولقد تناول الحروب الصليبية , والاحتلال الاوروبى  والعدوان الامريكى   العديد من الكتب  وبالتفصيل الا اننى هنا احاول ذكرها باختصار شديد لاننى لست بصدد تاريخها  انما اريد ان اركز على ما قام به بنو اسرائيل على مر التاريخ  من اعتداءات  على المسلمين  وهذا لا يتسع له دائرة معارف  فجعلتها  فى نقاط  موجزة تذكرة لامتى الحبيبة  من باب (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164
     المدة :   مايقرب من مائتى عام  اى  منذ عام /1095 الى /1314
  البلاد المعتدية : معظم دول اوروبا  ومنها بريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا وغيرهم 
 البلاد المعتدى عليهم:      الدول الاسلامية وبخاصة الشرق الاوسط
الأسباب الدينية  :  ذكر ول ديورانت  :  ان الكنيسة انذاك كانت تعانى من مشاكل عديدة داخلية وخارجية مما جعل البابا اوربان الثانى  حين وصل الى كرسى البابوية  ولم يجد خلاصا لهذه المشاكل سرعان ما كرس جهده فى اشعال حروب خارجية وبخاصة مع دول الشرق الأوسط   بحجة لم شمل الكنائس جميعا تحت إمرته وتكون رومة هى حاضرة العالم المسيحى  العظيم القوة  وكانت لدية رغبة جامحة  فى السيطرة على العالم
  ومن ثم اشعل فتيل الازمة  وبث فى روح شعبه روح الجهاد بعدما وعدهم بغفران الخطايا  ومنحهم صكوك الغفران  واعفاء جميع المسجونين وبخاصة من كانت عليهم احكام بالاعدام  شريطة ان يخدموا بقية اعمارهم فى فلسطين  وحتى  يتسنى له ذلك كذب على شعبه  اتهم المسلمين  بما ليس فيهم وذكر افعالا لم يقوموا بها  وكان مما قال " يا شعب الفرنجة  شعب الله المختار   لقد جاءت من تخوم فلسطين انباء محزنة  تعلن ان جنسا  لعينا  ابعد ما يكون عن الله  قد طغى وبغى  فى تلك البلاد بلاد المسيحين وخربها بما نشره فيها من اعمال السلب والنهب  بالحرائق  ولقد ساقوا الاسرى الى بلادهم  وقتلوا بعضهم الاخر  بعد ان عذبوهم  أبشع التعذيب  وهم يهدمون المذابح فى الكنائس بعد ان دنسوها برجسهم
   انظر الى مدى يكذب البابا  فبدلا من يسخر ذكاءه  وفكره فى اصلاح كنيسته والاهتمام بامرها شغل بال شعبه  بل والامم المجاورة له من رعاياه بقتال المسلمين  وهتك استارهم  ونهب  اموالهم وثرواتهم    
          ولم بكن البابا وحده  بل  قالها غيره : فها هو القس " لبسوس " فيقول : ان الشرق  يدعو الغرب  لشد ازره  فجل ما نتوخاه ان نحرر الشرق  بواسطة السيد المسيح  ونخلص الكنائس المسيحيه  من ظلم الاسلام  ونفتح طريقا للسيد المسيح  بارجاع هذه الكنائس  لسيتها الاولى  هلموا الى قلب العالم الاسلامى  لنحرز فوز الصليب على الهلال  –
 ثم قال المستر " بلس "  ان الدين الاسلامى  هو العقبة القائمة  فى طريق تقدم التيشير  والمسلم فقط هو العدو اللدود لنا  -
        الأسباب الإقتصادية  :تذكر كتب التاريخ ان اوروبا فى تلك الأونة كانت قد سئمت الفقر جعلت اهلها على استعداد  ان  يبذلوا كل جهدهم فى سبيل الحصول  على اى مال  وان كلفهم ارواحهم فهم لا يملكون شيئا يبكون عليه فان  استجابوا لرغبة البابا وذهبوا الى بلاد الشرق  وامتلكوا ما فيها من اراضى وعقارات  واموال وثروات  وان هلكوا  فما خسروا شيئا , ونتج هذا الفقر عن اشياء كثيره منها عدم العدالة فى توزيع الميراث  فقد كانوا  يعطون الابن الاكبر الميراث  باكمله ويبحث اخوته الاخرون عن عمل يربحون منه ومن ثم اصبح هناك اقطاعيون فى الوقت الذى ازدادت فيه البطالة بشكل مطرد   , كما انه ظهرت طائفة من التجار والذين كانوا يرغبون فى الاتجار فى بطائع الشرق  والتى لا تعرف عنها اوروبا شيئا  .
         الأسباب الاستراتيجية :هو حلم البابا اوربان الثانى فى ضم الكنيسة الشرقية والكنائس الاخرى  المخالفة لكنيستة  الى حظيرة الكنيسة الام فى روما لانه كانت لديه رغبه جامحة فى السلطة لا تعلوها رغبة  وكانه لا يريد دينا اخر بجوارههم  فهو فى هذا الصدد شديد الشبه باخوانه اليهود الذين ذكروا فى بروتوكولاتهم  انه :حين نصبح سادة العالم لن نسمح بقيام دين غير ديننا     ويؤكد ذلك ما قاله  القائد " البوكرك "فى يومياته : فكان هدفنا الوصول الى الاراضى  المقدسة للمسلمين  واقتحام المسجد النبوى  , واخذ رفاة النبى محمد رهينة  لنساوم عليه العرب من اجل استرداد القدس  وكان هدفنا الثاتنى : احتلال جنوب مصر  من اجل تغيير مجرى نهر النيل كى يصب فى البحر الاحمر بدلا من مروره على القاهرة  فات طريقه الى البحر المتوسط مما يضمن لنا خنق  القلب الذى يقود الحرب ضدنا  .
      الإدعاءات  والأكاذيب :راينا كيف كذب البابا على شعبه وأوهمهم ان المسلمين هم الجنس اللعين  وانهم ابعد مايكون عن الله  وكانه يذكر احوال شعبه  الذين وصل بهم الحال الى اسوا ما يكون   فقد بعدوا عن طريق الله   وافسدوا فى الارض  وخالفوا اوامر الله جل وعلا  حتى ارتكب ملك فرنسا جريمة الزنا  مما اوقع البابا فى حرج لانه كان يكيل بمكيالين   فكانت القوانين الكنسية تطبق على الضعفاء بحذافيرها  بينما يمثل السادة  شوكة فى حلق الكنيسة     مما جعل البابا  لا يرى حلا الا فى ابعاد الجميع عن اوروبا  فهو كالطبيب العاجز  الذى اراد ان يريح نفسه وكذلك المريض  فاعطاه سما قاتلا على انه الدواء  فان مات المريض لا يسئل عنه الطبيب فهو امام الجميع مات موتا طبيعيا . وليس هذا فحسب بل ذكر  " ول ديورانت  "  ان القسيس  بطرس بارثليموا  حتى يلهب مشاعر المقاتلين ادعى انه عثر على الحربة التى طعن بها المسيح  وجعلها علما امام الجنود 
               والأعجب من ذلك  هو اتفاقه مع ثلاثة من الجنود  ان يختبؤ وراء التل  ويلبسون ثيابا بيض حتى اذا نادى على ارواح شهداء قديسين ماتوا قديما ظهروا وكانهم هم  فنادى البابا الرسول ادمهار على الشهداء القديسين  موريس , وتيودور , وجورج   وكأنها عادة البابوات  لماذا ؟ وهم القدوة وقد وصلوا الى ارقى مكانة يحلم بها من هم فى اهل ملتهم  وهنا نحمد الله جل وعلا  على نعمة الاسلام الذى امرنا بالصدق وحذرنا من الكذب  .
            وجعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى حين قال " ان الرائد لايكذب اهله "  ولذا نجح المعصوم فى تربية جيل من المسلمين له من المبادى والقيم ما لم تشهد الدنيا لهم مثيل  واثنى عليهم الحق سبحانه وتعالى فقال جل وعلا   ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ال عمران /110  اما البابوات فقد اوردوا انفسهم واهليهم المهالك  وصدق الحق حين قال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } إبراهيم28
        أحوال المسلمين : فى الوقت الذى كذب فيه البابا على رعاياه بخصوص المسلمين  فقد ذكر المؤرخون بان المسيحين فى الشرق الأوسط كانوا ينعمون انذاك  بما لم ينعم به اخوانهم فى اى مكان  وفى اى زمان  ولقد كان الحجاج المسيحين  يسيرون الى بلاد المقدس امنين مطمئنين فى حماية المسلمين 
       لأن المسلمين يعلمون جيدا ما اوصى به المعصوم صلى الله عليه وسلم بخصوص الذميين  والمعاهدين  وان الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون خصما لمن اذى ذميا  ومن ثم فلم تمتد ايدى المسلمين الى احد من النصارى  الا ان البابا واعونه  استطاعوا  ان يبثوا الرعب والفرقه بين  المسلمين والمسيحين     فقد تمكنوا من ارسال قوات تابعة لهم فقتلوا الحجاج المسيحين  والصقوا التهمة بالمسلمين مما اشعل نار الفتنة بينهم وجعل القادة فى اوروبا يتحركون للثار لاخوانهم  ولتامين الطريق الى بيت الرب فى فلسطين  فلم يجنوا الا الدمار  لانفسهم ولشعوبهم   والعجيب ان القادة وكانهم منزوعى الارادة  فقد ساروا  وراء اوهام البابا حتى خلت بلادهم تقريبا من ساكنيها  فكانت هناك سبع نسوة لكل رجل  وكانت هناك ارامل لازواج احياء .        
  القادة المعتدون :رغم اننا حين نقرا التاريخ  نشعر ان ملوك اوروبا انذاك كانو وكانهم مغيبون فكانو يتصفون بالحمق  والتهور  والغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد  فقد ارتكبوا من الاثام  والافعال مما يخجل الانسان من ذكرها  رغم المعاملة الحسنة  التى كانوا يتلقونها من المسلمين قادة وشعوب .       
  ومن ذلك ان صلاح الدين الايوبى كان قد عقد صلحا مع المملكة المتحدة  الا ان  احد القادة المسيحين  وهو ريجنلد سئم طول المدة  وكانه يكره الامن والامان فاعترض قافلة  وقتل من بها من الرجال  ونهب ما فيها من اموال وثروات وسبى النساء  وكانت من بينهم اخت صلاح الدين  فهو بهذا يكون قد خان العهد ونقض الصلح وروع الامنين  كل هذا فوق احتلاله للارض  واغتصابها من اهلها 
       القادة المسلمون  ابان تلك الحروب :من الطبيعى اذا تحدثنا عن القادة المسلمين فاننا سنذكر المحاسن والفضائل  وحتى لا يقال اننا نجامل اهل ملتنا , رايت ان اذكر ماقاله  اهل ملتهم ممن عاصروا القادة وراوا  بانفسهم الأخلاق مجسدة  فيهم بشكل أذهلهم لأنهم راوا فارقا شاسعا بين تصرفات قادتهم والتى تتسم بالطيش والتهور والغدر. وبينما نرى  تصرفات القادة المسلمين والتى تتسم بالرحمة والعفو والعجيب انها ليست نتيجة ضعف وانما عفوا وصفح عن قدرة وتمكين ولذا قال ول ديورانت ":وكان العالم قد كيف نفسه لقبول سيطرة المسلمين على الشرق الادنى  وكان الفاطميون يحكمون فلسطين حكما سمحا رحيما  استمتعت فيه الطوائف المسيحية بحرية واسعة فى ممارسة شعائر دينها  وكان فى وسع الحجاج المسيحين ان يدخلوا الاماكن المقدسة  بكامل حريتهم  مما لم يوفره القدادة المسيحين لابنائهم  بل بين الحين والاخر وليشعلوا فتيل الازمات  ويثيروا حمية جنودهم كانوا ينتظرون حجاجهم ويعتدون عليهم  ,     بل وقال : إن صلاح الدين كان شفيقا على الضعفاء رحيما بالمغلوبين يسمو على اعدائه  فى وفائه بوعده  سمو حعل المؤرخين المسيحين يعجبون كيف يخلق الدين الاسلامى ( الخاطى ) فى ظنهم  رجلا يصل فى العظمة  الى هذا الحد وكان يعامل خدمه ارقى معامله  ويستمع بنفسه الى مطالب الشعب جميعها  وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب  ولم يترك فى خزائنه الخاصة بعد موته  الا دينارا واحدا .
             الحمد لله رب العالمين  ان ارسل الينا خير رسله فعلمنا مكارم الاخلاق  , فلو اننا نحن الذين ذكرنا هذا عن صلاح الدين وغيره من القادة العظماء لقالوا اننا نبالغ فى مدح القادة   الاان الغرب لم يتعود على مثل تلك الأخلاق   .
  الإنتهاكات التى ارتكبها القادة المعتدون :بالطبع لم نشهد ما فعلوه وانما حرصت ان انقل مافعلوه على لسان مؤرخيهم  وصدق الله جل وعلا حين قال (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) يوسف /26      فيحكى " ول ديورانت " هو ايضا على لسان شاهد عيان  وهو القس " ريمند لاجيلى " قوله :وشاهدنا اشياء عجيبه اذ قطعت رؤؤس عدد كبير من المسلمين  وقتل غيرهم رميا بالسهام  او ارغموا  ان يلقوا بانفسهم  من فوق الابراج وظل بعضهم الاخر يعذبون عدة ايام  ثم احرقوا بالنار وكنت ترى فى الشوارع اكوام الرؤؤس والايدى والاقدام  وكان الانسان اينما سار فوق جواده يسير بين جثث الرجال .   كما يروى " ول ديورانت  " على لسان شاهد اخر قوله : إن النساء كن يقتلن  بالسيوف والحراب  والاطفال الرضع يخطفن بارجلهن من اثداء امهاتهم  ويقذف بهم من فوق الاسوار  وتهشم رؤؤسهم بدقها بالعمد وذبح السبعون الف من المسلمين الذين بقوا فى المدينه    .قاتلهم الله  ارايت ثم يتهموننا بالإرهاب  فمن  الإرهابى اذن ؟
  نتائج تلك الحملات والحروب : كان ينبغى ان تكون هناك نتائج مرضية  تساوى ماقاموا به من اعمال لاتقوم بها الحيوانات فى الغابة ,الا ان  " ول ديورانت "   ذكر فى كتابه  ما نصه :اذا نظرنا الى الحروب الصليبية من حيث اغراضها  المباشرة  والتى دارت رحاها من اجلها قلت انها اخفقت لا محاله    (  ذلك انه بعد ما دامت هذه الحروب قرنين من الزمان  بقيت بيت المقدس فى ايدى المسلمين  ولم يكسب المسيحيون شيئا سوى تقليلل عدد الحجاج الى بيت المقدس  لخوفهم ان يحدث معهم ما احدثه قادتهم بابناء المسلمين  يضاف الى هذا  ان الحكومات الاسلامية  التى كالنت تمتاز بالتسامح  مع اصحاب الاديان الاخرى  قد ذهب عنها تسامحها  بسبب الهجمات المتكررة على بلادها ).   وعلى الصعيد الاخر  فقد الاباطرة هيبتهم  لعجزهم  عن استرداد بيت المقدس  بل ودارت الخلافات بينهم فى بلادهم وكانها تصفية حسابات  لان عودة القادة والجنود ليبحثون عن اقطاعياتهم  ومن عاد منهم اراد ان يسطوا على اراضى غيره  ومن ثم نشبت الحروب الاهلية   والعجيب ان البابوات باركوا تلك النزاعات  ومنحوا الاطراف المتقاتله صكوك الغفران مما اذهل العاقلين  فقالو كيف يبارك البابا حربا نشبت بين الاخوة ولكى يكيدوا للبابا استدعوا بعض المتسولين وتصدقوا عليهم باسم محمد  لانهم راوا راى العين ان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم افضل من اتباع المسيح عليه السلام .  

وفاته
كانت المواجهة مع ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، مات صلاح الدين من الحمى في دمشق في 3 مارس 1193، الموافق يوم الأربعاء 27 صفر 589 ھـ. وعندما فُتحت خزانته الشخصية وجدوا أنه لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهبا ولم يخلف ملكا ولا دارا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات
إمبراطور ألمانيا
صلاح الدين مدفون في ضريح في المدرسة العزيزية قرب الجامع الأموي في دمشق إلى جوار الملك نور الدين زنكي، وكان فلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهور جنائزية على قبره عليها نقش معناه "ملك بلا خوف ولا ملامة علّم خصومه طريق الفروسية الحق"، كما أهدى نعشا رخاميا للضريح إلا أنه جثمان صلاح الدين لم ينقل إليه وبقي في النعش الخشبي، بينما بقي الهدية في الضريح خاويا إلى اليوم.
القاضي الفاضل
في ساعة موته كتب القاضي الفاضل قاضي دمشق إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضي عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايا فما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم والسلام}.
صلاح الدين في التراث
بالرغم من أن الدولة التي أسساها صلاح الدين لم تدم طويلا من بعده، إلا أن صلاح الدين يُعَدُّ في الوعي العربي الإسلامي محرر القدس واستلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلِّفَت عشرات الكتب عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية. لا يزال صلاح الدين يضرب به المثل على القائد المسلم المثالي الذي يواجه أعداءه بحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة.
نسر العقاب الذي يرمز للدولة الأيوبية اتخذ كشعار للعديد من الدول العربية في العصر الحديث، إذ يظهر هذا النسر في العلم المصري، كما اتخذ شعارًا رسميآ في سوريا وكذلك لكل من ليبيا وفلسطين والعراق.
في الوعي الأوروبي
بالرغم من كون صلاح الدين خصما للأوربيين فإنه ظل في الوعي الأوربي نموذجا للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوربي، حتى أنه توجد ملحمة شعبية شعرية من القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية.
كما أن الشاعر دانتي أليجييري مؤلف الكوميديا الإلهية قد وضعه في المطهر مع عدد من الشخصيات التي عدها كافرة - وفق معتقده المسيحي الكاثوليكي - لكنها في نظره شخصيات صالحة وسامية أخلاقيا (وضع دانتي الرسول محمد في المطهر كذلك). كما أن صلاح الدين يُصوَّر بشكل مقبول في رواية والتر سكوت التعويذة (The Talisman) المكتوبة سنة 1825.
عام 2006 جُسِدتْ شخصيةُ صلاح الدين في فيلم مملكة الجنة (Kingdom of Heaven) على نحو يُبرز جوانب الفروسية وكرم النفس في شخصيته وقد جسد الشخصية الفنان السوري غسان مسعود. ويدرك الأوربيون أنه بالرغم من المذابح التي أوقعها الصليبيون عندما غزوا القدس في 1099 فإن صلاح الدين قد عفا عن كل المسيحيين الكاثوليك (الأوروبيين) وحتى عن الجنود المنهزمين طالما كانوا قادرين على دفع الفدية، في حين عومل الأرثودكس (و منهم مسيحيون العرب) حتى بأفضل من ذلك لأنهم عادة ما كانوا يعارضون الغزو الأوربي الصليبي.
بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القُواد المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصا ريتشارد قلب الأسد الذي قال عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي؛ كما رد صلاح الدين بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من ريتشارد.
قال عنه المؤرخون الأوربيون أن "من الحق أن كرمه وورعه وبعده عن التعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخينا القدماء؛ هي ما أكسبه احتراما في سورية الإفرنجية لا يقل عن الذي له في أرض الإسلام."
وماكدنا ننتهي من الحروب الصليبية الاولي حتى خرج اليهود والصليبيون مرات ومرات على العالم بحروب صليبية منها ما كان في القرن الثامن عشر  والتى قامت بها أوروبا وكانت تحت مسمى :
                                   الاحتلال الاوروبى
      يقول احد المنصرين  وقتها : لماذا كنا نحاول البفاء  فى الجزائر  ؟ ويجيب على نفسه قائلا :  اننا لم نكن نسخر نصف مليون جندى  من اجل نبيذ الجزائر  او صحاريها او زيتونها  اننا كنا نعتبر انفسنا  سور اوروبا  الذى يقف فى وجه الزحف الاسلامى المحتمل ان يقوم به الجزائريون  واخوانهم من المسلمين عبر المتوسط  ليستعيدوا الاندلس  التى فقدوها  وليدخلوا معنا فى قلب فرنسا  بمعركة " بواتيه " جديدة  ينتصرون فيها  ويكتسحون اوروبا  الواهنة  ويكملون ما عزم عليه الامويون لتحويل البحر المتوسط الى بحيرة اسلامية  من اجل ذلك كنا نحارب الجزائر  –
   المدة :من القرن الخامس عشر  الى الخمسينات والستينات من القرن العشرين
 البلاد المعتدية :معظم دول اوروبا  ومنها اسبانيا والبرتغال وبريطاني وفرنسا والماني وايطاليا  وغيرهم
 البلاد المعتدى عليها : العديد من دول العالم الثالث وبخاصة دول العالم الاسلامىفى الشرق الاوسط
  الاسباب الدينية :تذكر كتب التاريخ  : انه بعدما خرجت اوروبا من العزلة ومن سطوة الكنيسة فلم يجد البابوات وسيلة للتخفيف من معاناتهم لانهم فقدوا الكثير بمجرد ان انسحب البساط من تحتهم الا ان يباركوا هذه  الحملات ومن ثم  حمل البرتغال لواء حركة دينية  يعترها البعض امتداد للحركة الصليبية  وذلك بهدف تعقب القوى الاسلامية  والاتصال بملك الحبشة المسيحى  للاشتراك فى معركة تطويق للدول الاسلامية  ولذا سارع  الباباوات فى فض النزاع بين اسبانيا والبرتغال  فى معاهدة شهيرة عام /1494  وهى معاهدة  توردميلاس 
  الأسباب الاقتصادية :بعد الثورة الصناعية التى قامت بها اوروبا  اصبحت فى حاجة ماسة الى العديد من الايدى العاملة  التى تقوم على التصنيع ليظل اهل اوروبا فى مكان السيادة  والقيادة وليصبح الايدى العاملة التى جلبوها من شتى البلاد هم العبيد والعمال  
           كما أن اهل اوروبا يحتاجون الى المواد الخام فهى متوفرة بكثرة فى البلاد العربيه وهم سياخذونها بلا مقابل  ومن ثم يتسنى لهم التصنيع بأرخص الاثمان واذا احتاجوا الى سوق فيعيدون ماتم تصنيعه الى تلك البلاد مرة اخرى ولذا فالمحتلون الأوروبيون لم يرقبوا فى اهل البلاد التى احتلوها عهدا  ولا ذمة  ففى مقابل المال  فعلوا كل شى فقد سلبوا الاموال والاولاد  وتركوا البلاد خالية من العمال والمهرة ومن ثم تسببوا فى تخلف اهل هذه البلاد عن الركب والتقدم الى سنوات طويلة والى الان تقريبا نعانى من جراء هذا الاحتلال  .
الأسباب الإستراتيجية :قديما قالوا  من لايملك اعطى لمن لايستحق  لاننا رايناهم يقتسمون البلاد وكأنهم ورثوها  فراينا كل منهم يختار البلاد التى يستفيد منها بشكل ميسر واكثر فعلى سبيل المثال  اختارت اسبانيا المغرب  واستاثرت ايطاليا بليبيا  وفرنسا بالجزائر  واخذت بريطانيا  نصيب الاسد فاحتلت البلاد التى تقع فى مواقع حساسة اى انها اختارت البلاد التى تقع على المضايق  والقنوات   لتظل متحكمة فى تلك البلاد بل وفى مصالح اخوانها السفاحين  وبالمناسبة انتهت بريطانيا  التى كانت لا تغرب عنها الشمس   فباذن الله سينتهى غيرها من الوجود  وما ذلك على الله بعزيز .
     كما ان الفاتيكان فى خرائطه منذ ما قبل القرن السادس عشر , يرسم قارات اسيا وافريقيا واوروبا  على  شكل ثلاث دوائر بيضاوية تتصل اعناقها الثلاث بحلقةهى القدس  اى ان فلسطين تشكل النقطة المركزية  الاستراتيجية  التى تمسك بخناق التقاطع الاستراتيجى بين قارات العالم  
  الإدعاءات والاكاذيب :سار الاحفاد المحتلين من اسبان وبرتغال وبريطان وفرنسيين  وغيرهم على نهج اجدادهم فى الاستعداد للحروب  فكما اوهم البابا  اوربان الثانى العالم المسيحى انذاك  بالخطورة التى يتعرض لها اخوانهم المسيحين فى الشرق  وتسبب فى اندفاع الالاف من ابناء اوروبا الى الشرق ظانين ان  البابا لايكذب  ,
          فكذلك أوهم المحتلون الجدد ابناهم بانه من الضرورى استئصال المسلمين لان بلادهم تفيض عسلا ولبنا وموارد خام وايدى عاملة من الكثرة بمكان   وانهم لايستحقونها  وان المحتلين هم اولى بها  لانهم حسب اراء الأحبار والرهبان والباباوات هم شعب الله المختار و من ثم فما ارادوه لا ينبغى ان يحرموا منه  ولا يمنعوا من الحصول عليه  وان ناوئهم اهل الأديان الاخرى وان كانوا مسلمين ابادوهم  ليتقربوا الى الله جل وعلا بذلك .
              والعجيب انهم يجدون اذانا مصغية  والمحزن انهم لايفيقون الا بعد فوات الاوان  فلم يدرك  "ريتشارد قلب الاسد  "  انه خدع بما حكوه عن قسوة المسلمين  الا حين راى بعينيه  ما فعله صلاح الدين معه ومع الجنود من تسامح ومودة لم يشهد لها مثيل بينما  لم يرى من اهل ملته الا الغدر  والخيانه  مما جعله يبادر بعقد صلح  مع صلاح الدين  والانسحاب فورا من الاراضى المقدسة  تاركا البلاد المقدسة تحت امرة المسلمين فهم احق الناس بها بل وهى فى امان اكثر  مادامت فى ايدى المسلمين  بخلاف ما اعتقد الباباوات واوهموا اهل ملتهم  .
    احوال المسلمين انذاك : كان العالم الاسلامى انذاك يعانى الامرين من جراء العثمانيين  بفرضهم الحصار على العالم الاسلامى الذى تسبب فى تخلفهم عن ركب الحضارة  والعالم الاوروبى انذاك كان قد تقدم فى العلم  والحضارة  حتى اصبحت لديهم تكنولوجيا ومعدات لايستطيع العالم العربى والاسلامى مقاومتها 
     ومن ثم فكان العالم الاسلامى فوق رحمته وتسامحه التى يتصف بها      ليس بحاجة ان يجر على نفسه ويلات لايستطيع دفعها ولا قوات لايستطيع ردها   بدليل ان التاريخ لم يذكر انه كانت هناك مناوشات بين المسلمين والمسيحين  ولم يذكر ان المسلمين اعتدوا على المسيحين او اليهود فى عقر دارهم بل فوجئ المسلمون بما قام به بنوا اسرائيل من اعتداءات عليهم فى عقر دارهم وبدون انذار سابق   او ردا لاعتداء سابق  وانما هو الحقد  لاكثر  وصدق الحق حين قال ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )  البقرة /120
القادة المعتدون :ما اشبه الليلة بالبارحة , فكما استغل  بوهمند  وريجنلد  من قبل فكرة البابا اوربان  الثانى  فى استغلال ثروات الشرق  وركعوا امام البابا  ليبارك لهم هذه الخطوات  سرعان ما استغل فاسكوا داجاما  وكريستوفر كولمبس حاجة بلادهم للموارد الخام  والايدى العاملة
             فلم يجدوا امامهم سوى البلاد الاسلامية والتى كانت تعانى من حصار وتخلف  وضعف  ولم يراقبوا الله جل وعلا فيهم  فساموا اهل البلاد الاسلامية سوء العذاب  من قتل  ونهب وتخريب  والتاريخ يشهد بما قام به فاسكوا داجاما من قتل  للبحارة الذين ارشدوه لطريق راس الرجاء الصالح الذى ضاع فى سبيله العديد من الارواح  والعتاد .
                 والأدهى من ذلك ما قام به نابليون بونابرت  من قتل لأهل غزة بعد ان عقد معهم صلحا  والقوا السلاح لمجرد الصلح فاستدار عليهم  وقتل ثلاثة الاف جندى فى جملة واحدة  ولن ينسى التاريخ ما فعله الايطاليون  ب ( عمر  المختار ) الرجل المجاهد الذى  ظل يدافع عن بلده لسنوات رغم كبره وضعف المؤن والمعتدات  ناهيك عما فعله رؤساء امريكا المعتدون على العالم الاسلامى بداية من كلينتون   وبوش الاب والابن  الذين لم يألو جهدا فى تشريد ابناء المسلمين وتخريب بلادهم  ونهب اموالهم  وثرواتهم وسرقة حضارة الشعوب الاسلامية  على مراى ومسمع من العالم 
القادة المسلمون انذاك : لايخفى على القارئ العادى ان احوال المسلمين عامة انذاك كان يرثى له  وكذلك الحكام  :  لأن  الشعوب فى منعة وقوة وعزة  مادام حكامهم اقوياء ,  الا اننا حين نقرا التاريخ نفاجأ بان المسلمين  بعد انتهاء الخلافة العباسية  وصدر دولة المماليك اصبحوا مطمع للغزاة  والمحتلين الذين استغلوا انشغال بعض ولاة الامور الى الدنيا متجاهلين قول الحق سبحانه (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) النساء /102
        وقد كان فما ان غفل القادة وضعفت الرعية الا وانقض عليها الاعداء من كل حدب وصوب مصداقا لقول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم سوف تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة الى قصعتها  قالو او من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : بل كثير  ولكنكم غثاء كغثاء السيل  وينزع الله مهابتكم من قلوب أعداءكم ويصيبكم بالوهن  قالوا وما الوهن يارسول الله  قال حب الدنيا وكراهية الموت )  حقا صدق رسول الله  ,    والله ما  اصيب القادة ومن بعدهم اممهم  الا بالركون الى الدنيا  والفناء من اجلها  ولقد نسى هولاء القادة الامانة التى حملوها   وهى ان يضحوا بارواحهم من اجل امتهم ودينهم  ان اروادوا ان يكونوا قادة ولكن شغل القادة انفسهم بتأمين قصورهم وضياعهم وثرواتهم  وشتان بين من يريد الدنيا ومن يريد الاخرة  فمن اراد الدنيا  وكل اليها  وهى دائما ابدا تقتل اصحابها  اما من اراد الاخرة اعانه الله جل وعلا على الدنيا واعطاه الله سبحانه وتعالى حظه من الدنيا لان الحق سبحانه وتعالى يعطى الدنيا لمن احب ولمن لا يحب   ولايعطى جل وعلا الدين الا لمن احب  .
           ولا يجتمع حب الله جل وعلا والدنيا فى قلب واحد لان الله سبحانه وتعالى اغنى الشركاء عن الشرك  فمن اشرك مع الله احدا فعمله للذى اشرك والله جل وعلا  منه براء   وعليه فان قادة الامم الاسلامية ابان الحروب  كانوا من الضعف بمكان   .
          ومن عاد الى التاريخ  على الأقل وجد ان القادة  لا يمثلون خطرا على جيرانهم  ومن باب اولى الاعداء اذن  فالاعتداء عليهم  انما هو اعتداء دون مبرر   ولا يمثل الا رغبة فى تدمير المسلمين  ويبدوا ان القادة  المسلمين  لم يكونوا يدركون مدى الخطورة لوجود الاعداء بين ظهرانيهم  فكانوا يظنون انها مجرد حركة تطهير  ثم يعودون  الا اننا وهم فوجئنا بهم  جاثمون على صدورنا  بعد ان سرقوا حضارتنا  ونهبوا ثروات البلاد  وارتكبوا فى سبيل ذلك من المجازر  البشرية ما لا يخطر لا حدهم على بال .     
 الإنتهاكات التى ارتكبها المعتدون :  لقد سلب الإحتلال الاوروبى  البلاد الاسلامية خيرة شبابها  الى بلادهم لا لشى الا  رغبة منهم فى استئصال شافة المسلمين  والقضاء عليهم   بتنصيرهم   والضغط  عليهم لترك الإسلام بكل الوسائل ,   ثم رغبتهم فى الإستفادة من الايدى العاملة  التى يحتاجونها  بشدة وبخاصة بعد الثورة الصناعية  التى غيرت  مجرى الحياة هناك  وقبل هذا  وذاك  رغبتهم  فى الحصول على المواد الخام لتشغيل المصانع  وهم على استعداد ان يحصلوا على المواد الخام  وإن كلفهم ذلك القضاء على أهل تلك البلاد   .والعجيب انهم استغلوا تلك الشعوب  التى تئن تحت وطاة الاحتلال  ومن تلك الجرائم  سوقا لمنتجاتهم وسوقا للرقيق   فقد كانت قانونهم  هو امتصاص زبد الاقاليم  وان الميدان الحقيقى  للحصول على ذلك هو ميدان القتال ضد المسلمين       ولذا اصدر المشير  بادوليو  عام /1929  قرارا قال فيه "اذا ما  ارغمنا على القتال  فسوف نخوضها حربا شعواء  باساليب  ووسائل  جبارة  ستبقى ذكراعا  عالقة بالذهان  ولن يتذوق  ثائر واحد ولا سرته  او قطعانه او ورثته  طعم الهناء  ونحن جازمون  على تحطيم كل شى  رجالا   ونساء  واولالدا  وبناتا  واننا موجدون هنا  وسنبقى الى الابد  
نتائج الاحتلال الاوروبى على البلاد المعتدى عليها : تسبب الإحتلال الاوروبى فى خلق العديد من المشاكل  منها :    
  مشكلة الحدود :  فقد زرع الإحتلال الفرقة بين البلاد بما قام به من تغير حدود البلاد  مما أوقع البلاد الاسلامية فى حير وفى نزاع  مستمر  بسبب الحدود  كما نرى  فى منطقة المغرب العربى   وكما شاهدنا بين العراق وايران ثم العراق والكويت  ونسى المسلمون  ان المبدا الذى يعيش عليه اليهود واعوانهم  الا وهو " فرق  تسد " 
 مشكلة التخلف الاقتصادى :كما اوضحنا  ان الإحتلال  الاوروبى قام بشفط كل مقدرات الشعوب   بالاضافة الى سلب الابناء  والفتيات  والفتيان وتقريبا خلت البلاد من خيرة شبابها  ومن ثرواتها   فكيف ينتجون ؟ وما معهم شى  وما لديهم شى  ,   مشكلة التخلف العلمى :من  المعلوم ان الاقتصاد هو عصب الحياة للافراد والمجتمعات  فبالاقتصاد يستطيع الفرد وكذلك المجتمع ان يمول الابحاث العلمية  ويتابعها حتى يصلون الى النتائج المرجوة والتى بها يتطور الفرد والمجتمع  فما بالك والاحتلال قد سلب الاموال والايدى العاملة كذلك  ولم يبقى لاهل تلك البلاد الا ما يبكون عليه . 
          ومن ثم عاشت البلاد  المعتدى عليها فى ضنك من العيش وتخلف علمى وحضارى بسبب الاحتلال  ولذا نرى الان الفجوة واضحة بين الشرق الاوسط وبين الغرب  وهذا لان منطقة  الشرق الأوسط فى صراع مرير منذ امد بيعيد فلم تكد تفيق من حرب حتى تقع فى اخرى  وحتى البلاد التى ليس لها شان بالحروب فهى ايضا تتاثر بما يحدث لاخواتها  وجيرانها فهى ايضا فى حالة طوارئ ومن ثم فلا مجال لها للتطور العلمى وبخاصة ان البلاد المعتدية لا تمول احدا ولا تاخذ بايدى احد فى تلك الاونة  .

بوش والحرب الصليبية الحديثة
لقد كتب الأستاذ مصطفى بكري مقالا عن بوش وحربه الصليبية ننقله بتصريف يسير أشعل حربا صليبية مجنونة، قادها هو وعصابة معه يزعمون بأن 'إسرائيل' مشروع إلهي لابد أن يسيطر ويتحكم، وأن علوّها محطة تاريخية لازمة لعودة المسيح، وأن هذه الحرب لابد أن تجتاح العالم الإسلامي بأسره.
بدأ بأفغانستان ثم العراق، وقبل ذلك فلسطين التي تذبح صباح مساء، فلسطين التي يتآمر ضدها الجميع.
إن خطة العدوان علي العراق هي خطة إسرائيلية وضعها الصهيوني الأمريكي ريتشارد بيرل الذي كان  يترأس مجلس السياسات الدفاعية بالبنتاجون وعمل مستشارا لوزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد .لقد أعد هذه الخطة بمشاركة عناصر هامة من اللوبي اليهودي الصهيوني وجري إقناع الرئيس الأسبق بوش بتبنيها، باعتبارها بداية تحقيق الحلم الإلهي الكبير بقيام دولة إسرائيل الكبرى التي ستمهد لعودة المسيح ونشر المسيحية في أنحاء العالم الإسلامي بعد القضاء علي الإسلام.
فلقد نشرت مجلة النيوزويك " إن أنصار بوش من الإنجيليين يأملون أن تكون الحرب علي العراق فاتحة لنشر المسيحية في بغداد" ..!!
وتحركت أمريكا وفي يدها الصليب الذي تحمّله دعاوى وتفسيرات زائفة، وهل هناك أخطر من شهادة القس الأمريكي 'فريتس ريتسش' الذي كتب مقالا في الواشنطن بوست عن 'الرب والإنسان في المكتب البيضاوي'!!
لقد قال 'فريتس': 'لم يحدث في التاريخ أن كانت أمريكا مسيحية سياسيا وبشكل علني مثل ماهي اليوم، وكان تقديم ُ بوش تبريرات دينية لحربه علي العراق أمرا مقلقا بل ومرعبا لكثيرين'
وأهم ما يقلق القس 'فريتس' في ذلك هو أن هذه الظاهرة تقلب العلاقة التقليدية بين الكنيسة والدولة في التاريخ الأمريكي رأسا علي عقب، وتجعل رجل الدين في خدمة رجل الدولة، بكل ما يعنيه ذلك من استغلال المسيحية في تبرير الغزو والاستعمار وإشعال الحروب مع ديانات أخري وخصوصا الإسلام.
هذا كلام خطير يعكس الحقيقة ويكشف أن مجموعة الهوس الديني داخل البيت الأبيض قررت أن تشن حربا دينية مرتبطة بمخطط استراتيجي هدفه القضاء علي الأمة وعقيدتها والسيطرة علي كل مناحي الحياة علي أرضها.
ومجموعة الهوس الديني التي تسمي نفسها اليمين المسيحي الصهيوني وجدت علي حد تعبير القس فريتس قائدا علي منوال شخصية داود الإنجيلية يوحد مطامحهم السياسية مع رؤاهم الدينية، وهذا القائد هو بوش الذي يؤمن بالفعل بأنه مبعوث العناية الإلهية!!
وهذه الحرب تستهدف المسلمين وأيضا المسيحيين في الشرق علي السواء، كلنا مستهدفون وتعالوا نقرأ التفاصيل المرعبة
وهذا لأن للكنيسة فضل كبير في علاج ُ بوش 'الابن' من إدمان الخمور والكوكايين، وبعد ذلك أصبح  ُبوش"ُ إنسانا مختلفا عن ذي قبل، يذهب إلي الكنيسة يوميا ويتتلمذ علي أيدي كبار القساوسة المتشددين خاصة القس المتطرف بيلي جراهام الذي يؤمن بالمسيحية الصهيونية.
تأثر بوش كثيرا بأفكار القس جراهام وأصبح واحدا من مريديه المقربين، وكان يبدو مقتنعا بما يردده جراهام من أن المسلمين هم الذين يشكلون الخطر الأكبر علي عودة المسيح إلي الأرض، وأن هؤلاء المسلمين لا يتبعون ملة دينية وانما يتبعون رجلا اسمه محمد صلي الله عليه وسلم..لخ
وكان يقول له دائما أن المسيحية تعرضت للكثير من التغيير والتبديل علي يد المسيحيين الذين أرادوا تحويلها لمنافع شخصية لهم.
وقد آمن بوش بهذه الأفكار وراح يرددها أمام زوجته والمقربين منه وكان يقول لها: 'المسلمون ليسوا أصحاب ديانة والمسيحيون أصحاب ديانة تعرضت للتغيير والرب غاضب علي هذا العالم الذي غير دينه'.
كانت رؤية بوش للإسلام أنه دجل ديني، وأن المختلفين والمتعصبين هم الذين يحركون الناس نحو هذا الإسلام وقد دفعت هذه القناعة  بوش إلي الاقتناع الكامل بمقولات القس جراهام وابنه فرانكلين.. الذي أصبح فيما بعد من أعز أصدقاء بوش، وكذلك رفيقه في كل خطواته الدينية والسياسية.
وقد استطاع القس جراهام إقناع بوش بالانضمام إلي طائفة 'الميسوديت' المعبرة عن التحالف الصهيوني المسيحي.
وقد سار بوش مع هذه الطائفة حتي صار أحد أعمدتها الأساسية، بل إن نجاح بوش في حياته السياسية بعد ذلك توقف علي هذه الطائفة التي هي عبارة عن خليط من الصهيونية والمسيحية.
وتشير المعلومات إلي أن بوش تدرج في المراتب الدينية لهذه الطائفة حتي وصل إلي مرتبة عالية يطلق عليها 'المعلم'، من يحصل علي هذه المرتبة لابد وأن يكون قد درس باستفاضة متناهية مبادئ 'الميسوديت' وبدأ يطبقها ويدعو إليها عمليا.
وقد نجح بوش في اجتذاب مئات الشباب للإنضمام إلي الميسوديت، وكذلك برع في قدرته علي إقناع الآخرين بهذه الأفكار . وقد تسببت هذه التطورات الفكرية التي طرأت علي بوش الاب  في قلقه على بوش الابن وعلي المستقبل السياسي لنجله خاصة بعد تلك النزعة الدينية الغالبة التي قلبت حياته رأسا علي عقب.
في البداية كان بوش الابن رافضا للطريق السياسي بحجة أن الرب يريده للعبادة والتدين ونشر المذهب الديني الصحيح في العالم كله، وأن السياسة ستأخذه من هذا الطريق، ولكن بعد حوارات عدة اقتنع بأهمية السياسة لنشر الدين.
في البداية كان بوش يريد أن يكون داعية 'للميسوديت' في البلدان الإسلامية والعربية إلا أن جراهام وفرانكلين أقنعاه بأن المهمة الأولي هي تطهير المسيحية والرجوع إلي أصولها الأولي، بينما كان بوش يخالفهم ويري أهمية القضاء علي المسلمين أولا قبل التفكير في إصلاح أحوال المسيحيين.
وآيا كانت الخلافات في هذا الشأن، إلا أن بوش كان ينفي دائما في جلساته مسألة الوجود الديني للإسلام وكان يقر بأن المسيحية الحقة ستنتصر في النهاية.
وكان بوش دائم التردد علي إسرائيل لأن 'الميسوديت' تعتبر أن أرض إسرائيل هي البقعة المباركة في هذا العالم، وأن المسيحية الحقة جاءت لتقيم التحالف الروحي لانقاذ العالم من خلال الاعتماد علي التوراة التي تمثل قيمة دينية عليا وأن العالم لابد وأن يبعث علي أساس من التوراة والإنجيل الحق.
ولهذا فإن بوش عندما يقرأ كل يوم في كتابه المقدس فهو لايقرأ الإنجيل المتداول بين المسيحيين، وإنما يقرأ الكتاب المقدس للميسوديت الذي يجمع بين التوراة والإنجيل في مزيج مشترك، حتى أن صلواته التي يؤديها كل يوم وبانتظام تعبر عن فكر الميسوديت والتحالف الصهيوني المسيحي، ولا تعبر عن المسيحية المعروفة في الشرق أو الفاتيكان.
والمتتبع لنشاط طائفة 'الميسوديت' يري أن أعدادها في تزايد مستمر بين الطوائف المسيحية وأن هذه الزيادة تعود أساسا إلي نشاط الجماعات الصهيونية اليهودية المنتشرة في الولايات المتحدة والدول الأوربية، حيث أن هؤلاء هم بالأساس أصحاب هذه الفكرة في إقامة التحالف المسيحي الصهيوني ضد الإسلام
وتردد المعلومات أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني انضم إلي طائفة الميسوديت وأنه أصبح منتظما في قراءة الكتاب المقدس للميسوديت وأداء كل طقوس العبادة التي تقرها هذه الطائفة.
وقد كان لانضمام بلير إلي الطائفة الفضل في وجود لغة مشتركة بينه وبين بوش، حيث يعتبر بلير أن بوش أستاذه في الطائفة.
الميسوديت وضرب العراق
قد يتساءل البعض وما هي العلاقة بين الميسوديت وضرب العراق؟ والإجابة تقول: إن جميع أبناء هذه الطائفة يؤمنون بفكرة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل علي أنقاضه، ويعتبرون أن ذلك هو الذي سيمهد لعودة المسيح الذي سيظهر بعد إنشاء هذا الهيكل المقدس علي حد قولهم.
يري أصحاب المذهب أن الإسرائيليين الذين يعيشون فيما يسمونه بالأراضي الإسرائيلية المباركة هم الجنود المخلصون الذين سيتحملون أن يكونوا في طليعة الصفوف التي تقاتل إلي جانب المسيح حتي يتم القضاء علي كل المسلمين أولا ثم القضاء علي المسيحيين غير المخلصين ثانيا.
ويري أتباع هذا المذهب أن الوقت قد حان لظهور المسيح منذ عام 2000 وبنهاية القرن الماضي، وأن المسيح لن يستطيع أن يخرج إلي النور طالما ظل المسجد الأقصى قائما، فالهيكل المقدس لابد أن يتم بناؤه علي أنقاض هذا المسجد، وقد تبرع الكثيرون وفي المقدمة منهم بوش وبلير من أجل صنع أعمدة هذا الهيكل وتزيينه، وكذلك الانتهاء من رسوماته وتصميمه، وقد وافق شارون علي أن يكون التصميم الأمريكي الذي وافق عليه بوش لإقامة الهيكل هو المعتمد لدي حكومته.
ويري بوش الذي يبدو علي يمين المتشددين من أبناء التيار المسيحي الصهيوني أن ظهور المسيح لن يتم فقط بهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل بل لابد من تهيئة الشرق الأوسط بأسره لاستقباله في عودته الجديدة من خلال نشر المسيحية وإقامة دعائمها في أكثر من دولة في هذه المنطقة.
ويري بوش وفقا لمعتقداته أن الخطر الأكبر علي ظهور المسيح سيكون من خلال العراقيين حيث إنهم الأكثر تأهيلا لقتال إسرائيل، وأن أي ضعف ديني أو سياسي لإسرائيل سيؤدي إلي تأخير ظهور المسيح، وأن كل يوم يمضي دون ظهور المسيح ستلعن فيه طائفة الميسوديت وأن هذه اللعنة ستجعلهم يعذبون يوم القيامة.
ويري تيار بوش أن الدول العربية هي التي تشكل الخطر الأكبر علي إسرائيل وأنها هي التي عمل علي إضعافها سياسيا وعسكريا ودينيا.
ويقول أنصار التيار إن العراق احتلت جزءا كبيرا في كتب الميسوديت، وأن المسيح مثل الذهب النقي الخالص، وأن هذا الذهب يجب أن يحيط به عند ظهوره لهذا العالم وبكميات ضخمة، وأن تكون له مناطق، و ممرات يسير فيها ذهبا نقيا خالصا وأن هذا الذهب لابد أن يأتي من احدي الدول القريبة من أورشليم.
وتعتقد هذه الطائفة أن الذهب وضع في هذه الدولة لأنه يجب أن يكون هناك اقتتال عنيف علي هذا الذهب، وأن هذا الذهب لن يتم الحصول عليه إلا بصعوبة بالغة وبعد فترات طويلة من الاقتتال العنيف مع أصحاب هذا الذهب.
وتري كتبهم أيضا أن هذا الذهب الذي هو ذو مواصفات معينة لن يوجد في أي دولة مسيحية ولكن سيوجد في دولة يدين أهلها بالإسلام، وأن خصائص هذه الدولة تنطبق علي العراق، وأن جبل الذهب مازال موجودا داخل العراق حتى وإن لم يتم اكتشافه بعد.
إن هذا الكلام ليس مجرد خيال ولكنه ادعاءات يؤمن بها بوش وغيره من طائفة الميسوديت ولذلك فإن بوش ، وفق المعلومات، دائما ما كان يوجه قادة البنتاجون بأن تهتم الأقمار الصناعية الأمريكية بتصوير الجبال العراقية الأمريكية وتكبير هذه الصور.
ووفقا للمعلومات فإن أكثر ماتم تصويره في داخل العراق في الأشهر الأخيرة هو الجبال العراقية، بل إن بعض الطائرات الأمريكية بدون طيار ترصد هذه الجبال، ويتم تحليل هذه الصور بواسطة علماء متخصصين في الجيولوجيا والطبيعة بل وإن هؤلاء العلماء سيتم نقلهم للاقامة الدائمة في العراق إذا ما تمكنت أمريكا من الانتصار علي العراق. وستكون مهمة هؤلاء البحث عن جبل الذهب العراقي والذي في حال اكتشافهم له سيتم نثره في داخل الهيكل الذي سيمهد بقوة لظهور المسيح.
وتقول كتب التيار التجديدي للميسوديت إن العراقيين إذا نجحوا أولا في السيطرة علي الذهب وما يرتبط به من جبل الذهب فإنهم قد يسيطرون علي كل المنطقة وأنهم سيدفعون في اتجاه الحرب مع إسرائيل وأن العراقيين سينتصرون علي إسرائيل في هذه الحرب بل وسيزيلون هذه الدولة من الوجود وأنهم سيطورون المسجد الأقصى بدلا من هدمه، وعندما يصل بهم الأمر إلي هذا الحد فإن ذلك يعني عدم ظهور المسيح وتأخيره إلي مئات الأعوام الأخرى حتى يتحقق الانتصار من جديد للعالم المسيحي اليهودي المشترك.
ويري بوش أن العالم الآن مهيأ للانقضاض علي العراق قبل أن تستفحل قوته من جديد، ولذلك فإن أحد الأغراض المهمة لهذا التيار التجديدي التي يعتقدون إنها لا تزال مخبأة في داخل الأراضي العراقية.
من هنا فإن السيطرة الأمريكية علي العراق كما تقول كتب التيار التجديدي كما يزعم منع سيطرة العراقيين علي جبال الذهب تتناول خططا مستقبلية للسيطرة علي العالم، وأن يكونوا هم رفقاء المسيح في حياته الجديدة وأن السيطرة الأمريكية لابد أن تكون دائمة لضمان السيطرة النهائية علي تطورات الأوضاع في هذه المنطقة.
وتعود أفكار هذا التيار إلي 'أوزالد شامبرز' وهو قسيس مسيحي عاش في أوائل القرن الماضي، وهو أول من دعا إلي إقامة تحالف بين المسيحيين واليهود ضد المسلمين، وأنه يؤيد الحق اليهودي في القدس وأن القدس لا ينبغي أن تكون في يوم من الأيام تحت سيطرة المسلمين.
وقد كتب 'شامبرز' كتابا في اوائل القرن الماضي يعد هو بحق الملهم الروحي لبوش، وبوش كان قد أعلن قبل ذلك لوسائل الإعلام الأمريكية أنه لابد له من قراءة كتاب 'شامبرز' عن العالم ونهايته يوميا.
ويمثل 'شامبرز' المعلم الأهم في تشكيل أفكار بوش عن الشرق الأوسط والمسلمين ، حيث يري ضرورة أن ينتبه البشر إلي أن حقيقة الخلود تبدأ وتنتهي في هذه المنطقة المحيطة بالقدس.
ويرى أن القدس هي أفضل بقعة في العالم وان حساب الآخرة لابد وأن يبدأ من خلالها وحذر من أن نهاية العالم ستكون في ال50 عاما الأولي من القرن الحالي وأنه في خلال الخمسين عاما الأولي سيقوي المسلمون وينتشرون انتشار السرطان في الأجساد وسيعملون كما يقول علي محاصرة المسيح في القدس والقضاء عليه وعلي كل المسيحيين في العالم . ونبه 'شامبرز' إلي أهمية أن يحكم المسيحيون أمرهم بالتعاون مع اليهود في خلال الأعوام العشرة الأولي من هذا القرن وأن يحققوا انتصارا كبيرا علي المسلمين .
وكان 'شامبرز' هو أول من نبه في كتبه إلي خطورة البابليين 'أي العراقيين' واعتبر أن البابليين سيكونون مرشحين لقيادة هذا العالم وانتزاع السيطرة من قوي عظمي مسيحية، ولذلك فهناك اعتقاد لدي البعض منهم بأن أمريكا إذا لم تنتصر علي العراق وتبيدها في هذه الحرب، فإن العراق سيصبح في غضون سنوات قليلة قوة عظمي يحسب لها ألف حساب مما سينقل مركز الثقل الدولي إلي منطقة الشرق الأوسط، وان التاريخ سيعيد كرته من جديد ويكتب للمسلمين السيطرة علي العالم.
هذه هي الأفكار التي يؤمن بها بوش، وكان بوش بعد فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية قد ذهب إلي قيادات 'الميسوديت' حيث قاموا بأداء الصلوات بعد أن أصبحوا الآن يحكمون العالم من خلال حكم بوش للولايات المتحدة .ولم يخف بوش هذه النزعة وطلب من فرانكلين نجل أستاذه جراهام أن يصلي به في حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة .وهكذا راح بوش بعد فترة قليلة من رئاسته للولايات المتحدة يعد الخطة للسيطرة واحتلال العراق ويرفض أي حل سلمي عكس سابقه بيل كلينتون .. كان ذلك طبيعيا لأن الحرب أهدافها دينية واستراتيجية وقد بدأت اليوم بالعراق وغدا سوريا وإيران وليبيا والسودان ثم في مرحلة لاحقة السعودية ومصر.وهذل ما نسميه .
                           العدوان الأوروامريكى
البلاد المساعدة لبوش  : بريطانيا  والمانيا واسبانيا وفرنسا واسرائيل  والعجيب أن عاون امريكا على الاعتداء على المسلمين بلادا لأول مرة تشارك فى حروب بتلك الصورة مثل اليابان والصين ناهيك عن معظم بلاد اوروبا .
البلاد المعتدى عليها :البلاد الإسلامية ومنها افغانستان والعراق وجنوب السودان ولبنان  ولم تكتف بذلك بل يتحرشون بسوريا وايران  .
الأسباب الدينية :يقضى المخطط الأمريكى بإخضاع المنطقة لإسرائيل واستلاب العالم الاسلامى  وحضارة الاسلام  قيمة وثقافتة  هذا بالاضافة الى ان امريكا وحلفاءها يكنون عداء غير مبرر للإسلام واهله  ويظهر هذا بوضوح فى الحروب التى شنتها عليهم .
الأسباب الاقتصادية : رغبة امريكا فى السيطرة على منابع البترول  للتحكم فى مسار العالم الاقتصادى  ومنع تطور الراسمالية القومية  وخاصة فى البلدان الاسلامية  لان البترول  هو عصب التطور الصناعى  ومن ثم الراسمالى  ومن يسيطر على البترول يستطيع ان يتحكم فى كل شى  وفى حجم المسموح به من التصنيع والتطور  ومن ثم فلم تتوانى امريكا وحلفاءها من السيطرة على منابع اليترول  وان ازهقت الارواح  .
الأسباب الإستراتيجية  : يهدف المشروع الامريكى  والعدوان على العالم الاسلامى  هو اخضاع العالم لارادة  واشنطن التى تريد ان تهيمن على العالم الاسلامى  وبدات بالعراق لتؤمن الاماكن البعيدة فى افغانستان  ثم جاءت الى العراق  لتنطلق منها الى الشرق والغرب  لتخضع المنطقة لصالح اسرائيل
الادعاءات :ما اشبه الليلة بالبارحة : فكما كذب البابا اوربان الثانى على ملوك اوروبا وشعوبها واشعل فتيل الحروب الصليبية والتى عانت منها اوروبا والعالم الاسلامى كثيرا  , كذلك كذب بوش الابن على العالم وزعم ان بالعراق اسلحة دمار شامل ان تركت دون تدمير  فلن تقوم للعالم قائمة  وانه ينبغى ان يقف العالم جنبا الى جنب مع اليهود والمسيحين  الامريكان واعونهم لكى يحموا العالم من هذه الاسلحة الفتاكه .
   ولا نعجب حين استجاب  القادة الصهيو مسيحين لرغبة بوش الملحة فى تدمير العراق ومقدراته بدعوى امتلاكه اسلحة دمار شامل  لأن ملة الكفر واحدة ولقد اخبرنا القران بذلك حين قال جل وعلا ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى  حتى تتبع ملتهم )
 ولكننا نعجب لدرجة الأسى من القادة المسلمين وبخاصة العرب منهم  الذين اعانوا بوش على تدمير العراق  وانا لن أتطاول بالألفاظ على أحد ولكن ثمة سؤال اوجهه الى كل من اعان بوش ولو بالكلمة  : ماذا تقول لربك حين يسالك عن البنات اللائى هتك زبانية بوش اعراضهن  وعن الايتام الذين سفك بوش وزبانيته دماء  اباءهم  وعن الارامل اللائى  قتل بوش وجنوده ازواجهن  وعن مقدرات العراق التى نهبها الصهاينه؟
 ألا تذكرون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله  , فقال عمر بن الخطاب هذا لمن أعان فما بال القاتل يارسول الله ؟  قال صلى الله عليه وسلم لقد قال فيه جل وعلا ( ومن قتل مومنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما )
      أحوال المسلمين :لايخفى على العالم الحالة التى عليها المسلمون الأن فقد وصلوا الى مرحلة عجيبة من الإحباط واليأس  والتخلف العلمى والحضارى درجة جعلت خداع العالم لهم بمنتهى السهولة  وانا اعحب  غاية العجب  للمسلمين الذين لا يملكون صرفا ولا عدلا  ولا يملكون اى طاقة للتغير  وليس لهم الان اى شوكة يخشى بأسها  او قدرة يحسب لها الحساب  ولم يرتكبون جرائم تجعل العالم  فى حيرة من امرهم او ان على العالم ان يسارعو بتلقين المسلمين درسا لاينسوه وانما هم فى غاية الضعف الذى لمنشهد له مثيل  .  
       وإن ما حدث من إحتراق وتدمير لمبنى التجارة العالمى  إنما هو من صنيعة بوش واعوانه اليهود  فهذا دأبهم  فكذلك فعل جدهم الأكبر نيرون  حين اراد ان يجعل العالم وشعبه انذاك يتعاطف معه فى محاربة اليهود وطردهم من روما ,  تدرى ماذا فعل ؟  قام بحرق روما  ونسب الحريق الى اليهود واتهمهم بانهم دائما وابدا يثيرون الشغب فى بلاده  ومن ثم فلم يحاسبه احد حين شرع لنفسه الانتقام من اليهود وطردهم من بلاده  والقضاء على من بقى منهم بارضه .
 فعلى نفس الدرب سار بوش واليهود فقاموا بضرب مبنىالتجارة العالمىواتهموا المسلمين بانهم هم من دمر هذا البرج ليسمحوا لأنفسهم بضرب المسلمين فى عقر دارهم والعجيب ان العالم الإسلامى فرح طربا لضرب البرج وسارع بالتعبير عن فرحته بأن احد ابنائه هو الذى دمر هذا البرج .
     وزكى الصهاينة تلك الاشاعة حتى اعتقد  الناس مسلمون وغير مسلمين  بأن المسلمين ارهابيون وانهم يستحقون ان يعاقبوا الى ان وقعوا فى المحظور  ولم يدركوا هذا الفخ الا بعد فوات الاوان  بعدما صنع اليهود مالم يكن يحلمون به  فهل كانت تحلم امريكا ان يكون لها قاعدة فى قلب المسلمين  وعلى مقربة من البيت الحرام  ( إنا لله وإنا اليه راجعون )  ولذا ( ياليت قومى يعلمون ) بما يحااك وبما يدبر ويبيت لهم  فاليهود والصهيومسيحيون لا يرغبون فى رؤية المسلمين  بل ويريدون استئصالهم  ولكن بقدرة الله جل وعلا ( حيل بينهم وبين ما يشتهون )وعليهم ان يتذكروا قول الله سبحانه وتعالى ( إن يثقفوكم يكونوا لكم اعداء )     
  المعتدون : بعد قراءات عديدة عن الحروب التى شنها اليهود والمسيحين على المسلمين  عبر التاريخ  راينا انه لافارق بين أول حرب واخرها   إلا فيما صاحب كل حرب من وسائل متطورة  اما الاسس والمبادئ فهى هى لا تختلف الا فى اسماء القادة  المعتدين والمعتدى عليهم   فكما دخل بوهمند وريتشارد وريجنلد  ارض القدس وذبحوا  اهلها  ودمروا  مقدساتهم واستحلوا  المحرمات  فكذلك دخل بوش وتونى بلير ورامسفيلد  وكولن باول  وغيرهم الى العراق وذبحوا قائده بعدما قتلوا الرجال ودمروا الشباب  وهتكوا الأعراض  وسرقوا حضارته  واوقفوا العراق مئات السنين  . (قاتلهم الله )
   ولقد كذبوا على الشعوب كما كذب البابا  اوربان وغيره من قبل ولقد اعترف بوش   فى مؤتمر صحفى فى العراق قبل انتهاء فترة ولايته  مما اثار حفيظة الصحفى العراقى  ( منتظر الزيدى )   فلم يملك الا الحذاء فرشق به بوش  على مراى ومسمع من العالم 
الإنتهاكات : لقد إرتكب الصهيو مسيحيون من المجازر مالم يرتكب من قبل  ففى العراق الان الالاف من المشردين  ومن المعاقين ومن الارامل اللائى لا عائل لهن كما سرق المحتلون المقدرات التى كانت من الممكن ان تاخذ بايدى الشعب الى النجاة وكذلك اصيب العراقيين بالأمراض التى لا علاج لها  فمن يرى العراق الان يرثى له .
        وكما قال شاهد العيان ابان الحروب الصليبية انه اينما سار الانسان على جواده سار على الرؤؤس وجثث القتلى  فكذلك فى اغتصاب العراق ذكر شهود عيان امريكان انه اينما سار الانسان فى بغداد كان يشم رائحة اللحم المشوى  وهذا صحيح لأن الامريكان استخدموا فى العراق الاسلحة المحرمة دوليا  واستطاع اليهود واعونهم بما لديهم من ادوات إعلام وإعلان  ان يخدعوا العالم وهم يحاولون ان يجتثوا العراق من جذوره  من تدمير للقرى  والمدن وتلويث المياه وصب الوان البلاء على ابناء العراق حتى يفقدوهم  القدرة على الحركة والعمل والدفاع عن انفسهم
       ولكى يوهم اليهود العالم  ان العراق بخير يقوم الزبانية الامريكان بين الحبن والاخر بعملية تدمير بعربية مفخخه وينسبونها الى القاعدة  وشاء الله ان يكشف زيفهم فيعلنون انهم قبضوا على زعيم القاعدة فى العراق  ثم يعلنون بعدها بفترة انهم تم لهم السيطرة على زعيم القاعدة فى ارض الرافدين  والغريب اننا فى كل مرة نصدقهم ونقول ينبغى على ابناء العراق ان ينهوا تلك العمليات حتى يطالب العالم اليهود والامريكان بالخروج من العراق   وكأننا لم نعى الدرس  ولا حول ولا قوة الا بالله .
النتائج :لقد خسر العدوان الأورو امريكى بعدوانه على المسلمين اكثر ما كان يتوقع من غنائم  فلو كسب بعض البترول فسرعان ما ينفد وكسب بعض الشهرة فسرعان ماتتلاشى ولكن الجروح والالام لن تموت  انما نجح الصهيو مسيحيون فى غرس الحقد والكراهية والرغبة فى الانتقام منهم فى اى وقت وفى اى مكان  ففى نفوس المسلمين الأن من الغيظ مما لو اشتعل  يوما ما لأحرق الاجضر واليابس  .
ولن يكون هذا عجيبا  فانما هم الذين سبقونا الى ذلك تدرى ماذا كان يقول الجندى الصهيومسيحى 
لامه وهو قادم على تدمير بلادنا :اماه اعلى صلاتك , لاتبك , بل اضحكى ,  فانا ذاهب الى ارض المسلمين فرحا مسرورا  سأبذل دمى فى سبيل  سحق الامه الملعونه ساحارب الديانه الاسلامية  ساقاتل بكل قوتى لمحو القران .  لماذ كل هذا التعنت ؟ لان الحاخامات شرعوا لابنائهم ذلك  فقد قال الحاخام اليهودى عوفاديا يوسف وهو يصف المسلمين بانهم صراصير وحشرات  وينبغى سحقهم بالاقدام 



الباب التاسع
محمد الفاتح
في هذا الباب سنحدث عن شباب مسلم نفتخر بهم ونعتز بهم أيما إعزاز لأكثر من سبب :
أولا : كونهم شباب يعطينا الأمل مهما حدث للأمة من عقبات وأزمات فالخير بإذن الله تعالى في الشباب وأن الخير في الرسول الكريم وأمته من بعده .
ثانيا : زادنا هؤلاء الشباب ثقة على ثقتنا في أحاديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأنه علي أيديهم تحققت النبؤات التى ذكرها المعصوم صلى الله عليه وسلم
ثالثا : كما تحققت نبؤءة المعصوم صلى الله عليه وسلم وفتحت القسطنطنية على يد محمد الفاتح بعد أكثر من ثمانمائة عام من قولها على لسان المعصوم صلى الله عليه وسلم فنحن الأن ننتظر تحقيق الجزء الثاني من البشارة لأن البشارة كانت كالتالى : سأل الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم " أي المدينتين تفتح أولا ورمية أم قسطنطنية فقال صلى الله عليه وسلم قسطنطنية تفتح أولا "
رابعا : من يقرأ سيرة هؤلاء الشباب الفاتحين العظماء يشعر بأنهم إما من جيل الصحابة أو على الأقل تربوا على أيديهم ولذا كم قلت لك عزيزي القارئ فهم يزرعوا في نفوسنا الأمل بأننا إن تمسكنا بكتب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم سنصبح مثلهم وسيفتح الله تعالى بنا كما فنح بهم من قبل فالأمر كله لله من قبل ومن بعد .
فمن هو محمد الفاتح ؟
هو السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح هو سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان، يُلقب، إلى جانب "الفاتح"، بأبي الفتوح وأبو الخيرات، وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب "قيصر" إلى ألقابه وألقاب باقي السلاطين الذين تلوه  حكم ما يقرب من ثلاثين عامًا عرفت توسعًا كبيرًا للخلافة الإسلامية.
يُعرف هذا السلطان بأنه هو من قضى نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استمرّت أحد عشر قرنًا ونيفًا، ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وعند الأتراك فهذا الحدث هو "فاتحة عصر الملوك"
تابع السلطان محمد فتوحاته في آسيا، فوحّد ممالك الأناضول، وتوغّل في أوروبا حتى بلغراد. من أبرز أعماله الإدارية دمجه للإدارات البيزنطية القديمة في جسم الدولة العثمانية المتوسعة آنذاك. يُلاحظ أن محمد الثاني لم يكن أول حاكم تركي للقسطنطينية
 فقد كان أحد الأباطرة الروم السابقين، والمدعو "ليون الرابع" من أصول خزرية، وهؤلاء قوم من الترك شبه رحّل كانوا يقطنون سهول شمال القوقاز. كان محمد الثاني عالي الثقافة ومحبًا للعلم والعلماء، وقد تكلّم عدداً من اللغات إلى جانب اللغة التركية، وهي: الفرنسية، اللاتينية، اليونانية، الصربية، الفارسية، العربية، والعبرية.
بداية حياته
إخبار النبي محمد صلى الله عليه وسلم عنه
تذكر كتب السيرة بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحدث عن أمير من أفضل أمراء العالم، وأنه هو من سيفتح القسطنطينية ويُدخلها ضمن الدولة الإسلامية، فقد ورد في مسند أحمد بن حنبل في الحديث رقم 18189:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ
مولده ونشأته
وُلد محمد الثاني، للسلطان "مراد الثاني" و"هما خاتون"، فجر يوم الأحد بتاريخ 20 أبريل، 1429 م، الموافق في 26 رجب سنة 833 هـ في مدينة أدرنة، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك.  عندما بلغ محمد الثاني ربيعه الحادي عشر أرسله والده السلطان إلى أماسيا ليكون حاكمًا عليها وليكتسب شيئًا من الخبرة اللازمة لحكم الدولة، كما كانت عليه عادة الحكّام العثمانيين قبل ذلك العهد.
 فمارس محمد الأعمال السلطانية في حياة أبيه، ومنذ تلك الفترة وهو يعايش صراع الدولة البيزنطية في الظروف المختلفة، كما كان على اطلاع تام بالمحاولات العثمانية السابقة لفتح القسطنطينية، بل ويعلم بما سبقها من محاولات متكررة في العصور الإسلامية المختلفة. وخلال الفترة التي قضاها حاكماً على أماسيا،
كان السلطان مراد الثاني قد أرسل إليه عددًا من المعلمين لكنه لم يمتثل لأمرهم، ولم يقرأ شيئاً، حتى أنه لم يختم القرآن الكريم، الأمر الذي كان يُعد ذا أهمية كبرى، فطلب السلطان المذكور، رجلاً له مهابةٌ وحدّة، فذكر له المولى "أحمد بن إسماعيل الكوراني"، فجعله معلمًا لولده وأعطاه قضيبًا يضربه به إذا خالف أمره، فذهب إليه، ودخل عليه والقضيب بيده، فقال: "أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري"، فضحك السلطان محمد الثاني من ذلك الكلام، فضربه المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربًا شديدًا، حتى خاف منه السلطان محمد، وختم القرآن في مدة يسيرة.
هذه التربية الإسلامية كان لها الأثر الأكبر في تكوين شخصية محمد الفاتح، فجعلته مسلمًا مؤمنًا ملتزمًا بحدود الشريعة، مقيدًا بالأوامر والنواهي، معظمًا لها ومدافعًا عن إجراءات تطبيقها، فتأثر بالعلماء الربانيين، وبشكل خاص معلمه المولى "الكوراني" وانتهج منهجهم. وبرز دور الشيخ "آق شمس الدين" في تكوين شخصية محمد الفاتح وبث فيه منذ صغره أمرين هما: مضاعفة حركة الجهاد العثمانية، والإيحاء دومًا لمحمد منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوي، لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث نبي الإسلام.
في 13 يوليو سنة 1444 م، الموافق 26 ربيع الأول سنة 848 هـ، أبرم السلطان مراد الثاني معاهدة سلام مع إمارة قرمان بالأناضول، وعقب ذلك توفي أكبر أولاد السلطان واسمه علاء الدين، فحزن عليه والده حزنًا شديدًا وسئم الحياة،
فتنازل عن الملك لابنه محمد البالغ من العمر أربع عشرة سنة، وسافر إلى ولاية أيدين للإقامة بعيدًا عن هموم الدنيا وغمومها. لكنه لم يمكث في خلوته بضعة أشهر حتى أتاه خبر غدر المجر وإغارتهم على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة اعتمادًا على تغرير الكاردينال "سيزاريني"، مندوب البابا، وإفهامه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تُعد حنثًا ولا نقضًا.
وكان السلطان محمد الثاني قد كتب إلى والده يطلب منه العودة ليتربع على عرش السلطنة تحسبًا لوقوع معركة مع المجر، إلا أن مراد رفض هذا الطلب. فرد محمد الثاني الفاتح : "إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة دولتك وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش". وبناءً على هذه الرسالة، عاد السلطان مراد الثاني وقاد الجيش العثماني في معركة فارنا، التي كان فيها النصر الحاسم للمسلمين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1444 م، الموافق في 28 رجب سنة 848 هـ.
يُقال بأن عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم كان سببها أيضًا الضغط الذي مارسه عليه الصدر الأعظم "خليل جندرلي باشا"، الذي لم يكن مولعًا بحكم محمد الثاني، بما أن الأخير كان متأثرًا بمعلمه المولى "الكوراني" ويتخذ منه قدوة، وكان الكوراني على خلاف مع الباشا.

الفترة في مانيسا (1446-1451)
انتقل السلطان محمد الثاني إلى مانيسا الواقعة بغرب الأناضول بعد ثورة الإنكشارية عليه، وبعد أن جمعهم والده وانتقل لخوض حروبه في أوروبا. ليس هناك من معلومات كثيرة تفيد بالذي قام به السلطان محمد في الفترة التي قضاها في مدينة مانيسا.
 ولكن يُعرف أنه خلال هذه الفترة، تزوج السلطان بوالدة ولي العهد، كما كان يُطلق على زوجات السلاطين، "أمينة گلبهار" ذات الجذور اليونانية النبيلة،من قرية "دوفيرا" في طرابزون،[20] والتي توفيت بعد ذلك عام 1492 بعد أن أنجبت السلطان بايزيد الثاني. وكان السلطان مراد الثاني قد عاد إلى عزلته مرة أخرى بعد أن انتصر على المجر واستخلص مدينة فارنا منهم، لكنه لم يلبث فيها هذه المرة أيضا، لأن عساكر الإنكشارية ازدروا ملكهم الفتى محمد الثاني وعصوه ونهبوا مدينة أدرنة عاصمة الدولة، فرجع إليهم السلطان مراد الثاني في أوائل سنة 1445 وأخمد فتنتهم. وخوفًا من رجوعهم إلى إقلاق راحة الدولة، أراد أن يشغلهم بالحرب، فأغار على بلاد اليونان والصرب طيلة سنواته الباقية، وفتح عددًا من المدن والإمارات وضمها إلى الدولة العثمانية. تزوج السلطان محمد في هذه الفترة أيضا بزوجته الثانية "ستّي مكرم خاتون" الأميرة من سلالة ذي القدر التركمانية.
قام محمد الفاتح خلال المدة التي قضاها في مانيسا، بضرب النقود السلجوقية باسمه، وفي أغسطس أو سبتمبر من عام 1449، توفيت والدته، وبعد هذا بسنة، أي في عام 1450، أبرم والده صلحًا مع "اسكندر بك"، أحد أولاد "جورج كستريو" أمير ألبانيا الشمالية الذين كان السلطان مراد الثاني قد أخذهم رهائن وضمّ بلاد أبيهم إليه بعد موته.
 وكان اسكندر المذكور قد أسلم، أو بالأحرى تظاهر بالإسلام لنوال ما يكنه صدره وأظهر الإخلاص للسلطان حتى قرّبه إليه، ثم انقلب عليه أثناء انشغاله بمحاربة الصرب والمجر، وبعد عدد من المعارك لم يستطع الجيش العثماني المنهك استرجاع أكثر من مدينتين ألبانيتين، فرأى السلطان مصالحة البك ريثما يعود ليستجمع جيشه قوته ثم يعود لفتح مدينة "آق حصار".
عاد السلطان مراد الثاني إلى أدرنة، عاصمة ممالكه ليُجهز جيوشًا جديدة كافية لقمع الثائر على الدولة، "اسكندر بك"، لكنه توفي في يوم 7 فبراير سنة 1451، الموافق في 5 محرم سنة 855هـ. وما أن وصلت أنباء وفاة السلطان إلى ابنه محمد الثاني، حتى ركب فوراً وعاد إلى أدرنة حيث توّج سلطانا للمرة الثانية في 19 فبراير من نفس العام، وأقام جنازة لوالده الراحل وأمر بنقل الجثمان إلى مدينة بورصة لدفنه بها، وأمر بإرجاع الأميرة "مارا" الصربية إلى والدها، أمير الصرب المدعو "جورج برنكوفيتش"، الذي زوّجها للسلطان مراد الثاني عندما أبرم معه معاهدة سلام قرابة عام 1428.
عندما تولى محمد الثاني الملك بعد أبيه لم يكن بآسيا الصغرى خارجًا عن سلطانه إلا جزء من بلاد القرمان ومدينة "سينوب" ومملكة طرابزون الروميّة. وصارت مملكة الروم الشرقية قاصرة على مدينة القسطنطينية وضواحيها. وكان إقليم "موره" مجزءاً بين البنادقة وعدّة إمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الروم أو الإفرنج الذين تخلفوا عن إخوانهم بعد انتهاء الحروب الصليبية، وبلاد الأرنؤد وإيبيروس في حمى إسكندر بك سالف الذكر، وبلاد البشناق المستقلة، والصرب التابعة للدولة العثمانية تبعية سيادية، وما بقي من شبه جزيرة البلقان كان داخلاً تحت سلطة الدولة كذلك
الإعداد للفتح
أخذ السلطان محمد الثاني، بعد وفاة والده، يستعد لتتميم فتح ما بقي من بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية حتى تكون جميع أملاكه متصلة لا يتخللها عدو مهاجم أو صديق منافق، فبذل بداية الأمر جهودًا عظيمة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون جندي، وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة .
كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للغزو الكبير المنتظر، كما أعتنى الفاتح بإعدادهم إعدادًا معنويًا قويًا وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء النبي محمدصلى الله عليه وسلم على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وعسى أن يكونوا هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير، كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائمهم.
أراد السلطان، قبل أن يتعرض لفتح القسطنطينية أن يُحصّن مضيق البوسفور حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون، وذلك بأن يُقيم قلعة على شاطئ المضيق في أضيق نقطة من الجانب الأوروبي منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي ولمّا بلغ إمبراطور الروم هذا الخبر أرسل إلى السلطان سفيرًا يعرض عليه دفع الجزية التي يُقررها، فرفض الفاتح طلبه وأصر على البناء لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى 82 مترًا، وأطلق عليها اسم "قلعة روملي حصار"
وأصبحت القلعتان متقابلتين، ولا يفصل بينهما سوى 660 مترًا، تتحكمان في عبور السفن من شرقي البوسفور إلى غربه وتستطيع نيران مدافعهما منع أية سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة كما فرض السلطان رسومًا على كل سفينة تمر في مجال المدافع العثمانية المنصوبة في القلعة، وكان أن رفضت إحدى سفن البندقية أن تتوقف بعد أن أعطى العثمانيون لها عدداً من الإشارات، فتمّ إغراقها بطلقة مدفعية واحدة فقط.
اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع، التي أخذت اهتمامًا خاصًا منه حيث أحضر مهندسًا مجريًا يدعى "أوربان" كان بارعًا في صناعة المدافع، فأحسن استقباله ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية. تمكن هذا المهندس من تصميم وتصنيع العديد من المدافع الضخمة كان على رأسها "المدفع السلطاني" المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها
ويُضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني؛ حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة وقد ذُكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة بينما قال آخرون أن هذا الرقم مبالغ فيه وأن عدد السفن كان أقل من ذلك، حيث بلغت مائة وثمانين سفينة في الواقع
عقد معاهدات
عمل الفاتح قبل هجومه على القسطنطينية على عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة غلطة المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بينهما مضيق القرن الذهبي، كما عقد معاهدات مع جنوة والبندقية وهما من الإمارات الأوروبية المجاورة، ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية، حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن المدينة.
في هذه الأثناء التي كان السلطان يعد العدة فيها للفتح، استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه، بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه، وبمحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره، ولكن السلطان كان عازمًا على تنفيذ مخططه ولم تثنه هذه الأمور عن هدفه.
 ولما رأى الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوروبية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي، في الوقت الذي كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية وعلى رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وكان بينهما عداء شديد، وقد اضطر الإمبراطور لمجاملة البابا بأن يتقرب إليه ويظهر له استعداده للعمل على توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، في الوقت الذي لم يكن الأرثوذكس يرغبون في ذلك. قام البابا بناءً على ذلك بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية، خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة، وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك، حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس: "إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية
الهجوم والغزو
سعى السلطان، بعد كل هذه الاستعدادات، في إيجاد سبب لفتح باب الحرب، ولم يلبث أن وجد هذا السبب بتعدي الجنود العثمانيين على بعض قرى الروم ودفاع هؤلاء عن أنفسهم، حيث قُتل البعض من الفريقين عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين حيث تمت حمايتها بقسم الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 أبريل، 1453 م، الموافق 26 ربيع الأول، 857 هـ
فجمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي أي ربع مليون، فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عز للإسلام والمسلمين، وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء.
وبهذا ضرب السلطان الحصار على المدينة بجنوده من ناحية البر، وباسطوله من ناحية البحر، وأقام حول المدينة أربع عشرة بطارية مدفعية وضع بها المدافع الجسيمة التي صنعها "أوربان" والتي قيل بأنها كانت تقذف كرات من الحجارة زنة كل واحدة منها اثنا عشر قنطارًا إلى مسافة ميل، إلا أن المؤرخين المعاصرين يقولون أن هذا الرقم مبالغ فيه بوضوح، فإنه ولو وُجد في ذلك الزمان آلة تستطيع أن تقذف هذا الوزن الكبير، فإنه لا يوجد أناس قادرين على رفع هذا الوزن ليضعوه في المدفع، فالقنطار يساوي 250 كيلوغراما، فوزن القذيفة على هذا الاعتبار يكون 3000 كيلوغراما، وبالتالي فلعلّ المقصود كان 12 رطلا وليس قنطارا. وفي أثناء الحصار اكتُشف قبر "أبي أيوب الأنصاري" الذي استشهد حين حاصر القسطنطينية في سنة 52 هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان الأموي.[
وفي هذا الوقت كان البيزنطيين قد قاموا بسد مداخل ميناء القسطنطينية بسلاسل حديدية غليظة حالت بين السفن العثمانية والوصول إلى القرن الذهبي، بل دمرت كل سفينة حاولت الدنو والاقتراب إلا أن الأسطول العثماني نجح على الرغم من ذلك في الاستيلاء على جزر الأمراء في بحر مرمرة.  استنجد الإمبراطور قسطنطين، آخر ملوك الروم، بأوروبا
 فلبّى طلبه أهالي جنوة وأرسلوا له إمدادات مكونة من خمس سفن وكان يقودها القائد الجنوي "جوستنياني" يُرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوروبية متعددة، فأتى هذا القائد بمراكبه وأراد الدخول إلى ميناء القسطنطينية، فاعترضته السفن العثمانية ونشبت بينهما معركة هائلة في يوم 21 أبريل، 1453 م، الموافق يوم 11 ربيع الثاني، 857 هـ، انتهت بفوز جوستنياني ودخوله الميناء بعد أن رفع المحاصرون السلاسل الحديدية ثم أعادوها بعد مرور السفن الأوروبية كما كانت.
 حاولت القوات البحرية العثمانية تخطي السلاسل الضخمة التي تتحكم في مدخل القرن الذهبي والوصول بالسفن الإسلامية إليه، وأطلقوا سهامهم على السفن الأوروبية والبيزنطية ولكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم في البداية، فارتفعت بهذا الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة. بعد هذا الأمر، أخذ السلطان يُفكر في طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار برّاً وبحراً، فخطر بباله فكر غريب، وهو أن ينقل المراكب على البر ليجتازوا السلاسل الموضوعة لمنعها، وتمّ هذا الأمر المستغرب بأن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتي بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها، وبهذه الكيفية أمكن نقل نحو سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من البيزنطيين.
استيقظ أهل المدينة صباح يوم 22 أبريل وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين.
 ولقد عبّر أحد المؤرخين البيزنطيين عن عجبهم من هذا العمل فقال: "ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الأسكندر الأكبر أيقن المحاصرون عند هذا أن لا مناص من نصر العثمانيين عليهم، لكن لم تخمد عزائمهم بل ازدادوا إقداماً وصمموا على الدفاع عن مدينتهم حتى الممات. وفي يوم 24 مايو سنة 1453م، الموافق 15 جمادى الأولى سنة 857هـ، أرسل السلطان محمد إلى الإمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة إلى حيث يشاؤون بأمان، وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى وأعطاهم الخيار بالبقاء في المدينة أو الرحيل عنها.
 ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر، فمال بعضهم إلى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور إلى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية
أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه أو يُدفن تحت أسوارها، فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال: "حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر"
عند الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 29 مايو، 1453م، الموافق 20 جمادى الأولى سنة 857 هـ بدأ الهجوم العام على المدينة، فهجم مائة وخمسون ألف جندي وتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة من كل فج وأعملوا السيف فيمن عارضهم واحتلوا المدينة شيئًا فشيئًا إلى أن سقطت بأيديهم، بعد 53 يومًا من الحصار. أما الإمبراطور قسطنطين فقاتل حتى مات في الدفاع عن وطنه كما وعد، ولم يهرب أو يتخاذل.
 ثم دخل السلطان المدينة عند الظهر فوجد الجنود مشتغلة بالسلب والنهب، فأصدر أمره بمنع كل اعتداء، فساد الأمن حالاً. ثم توجه إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، وعندما اقترب من أبوابها خاف المسيحيون داخلها خوفاً عظيماً، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فأطمأن الناس .
وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم، وقد أمر الفاتح بعد ذلك بأن يؤذن في الكنيسة بالصلاة إعلانًا بجعلها مسجدًا. وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينين الذين لهم حق الحكم في النظر بالقضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع. ثم قام بجمع رجال الدين المسيحيين لينتخبوا بطريركًا لهم، فاختاروا "جورجيوس كورتيسيوس سكولاريوس" وأعطاهم نصف الكنائس الموجودة في المدينة، أما النصف الأخر فجعله جوامع للمسلمين. وبتمام فتح المدينة، نقل السلطان محمد مركز العاصمة إليها، وسُميت "إسلامبول"، أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام".
ما بعد الفتح
بعد تمام النصر والفتح، اتخذ السلطان لقب "الفاتح" و"قيصر الروم"على الرغم من أن هذا اللقب الأخير لم تعترف به بطركيّة القسطنطينية ولا أوروبا المسيحية. وكان السبب الذي جعل السلطان يتخذ هذا اللقب هو أن القسطنطينية كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية، بعد أن نُقل مركز الحكم إليها عام 330 بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، وكونه هو سلطان المدينة فكان من حقه أن يحمل هذا اللقب.
 وكان للسلطان رابطة دم بالأسرة الملكية البيزنطية، بما أن كثيرا من أسلافه، كالسلطان أورخان الأول، تزوجوا بأميرات بيزنطيات. ولم يكن السلطان هو الوحيد الذي حمل لقب القيصر في أيامه، إذ أن إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة في أوروبا الغربية، "فريدريش الثالث"، قال آنذاك بأنه يتحدر مباشرة من شارلمان، الذي حصل على لقب "قيصر" عندما توّجه البابا "ليو الثالث" عام 800، على الرغم من عدم اعتراف الإمبراطورية البيزنطية بهذا الأمر عندئذ.
وكان السلطان قد أمر بحبس الصدر الأعظم "خليل جندرلي باشا"، الذي اتهم أثناء حصار القسطنطينية بالتعامل مع العدو أو تلقيه رشوة منهم لفضح تحركات الجيش العثماني، فحُبس لمدة أربعين يومًا وسُملت عيناه، ثم حُكم عليه بالإعدام فأعدم.
 تُفيد بعض المصادر أن السلطان محمد الفاتح قصد الموقع الذي بُنيت فيه مدينة طروادة في قديم الزمان، بعد 10 سنوات من فتح القسطنطينية، حيث قال أنه انتقم للطرواديين أخيراً، بعد أن قضى على الإغريق، أي البيزنطينين، وغزاهم كما غزوا طروادة.
وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية، وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الإيطالية وتشجيعها على قتال المسلمين، وترأس مؤتمرًا عُقد في روما، أعلنت فيه الدول المشاركة عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك. وأوشك هذا الحلف أن يتحقق إلا أن الموت عاجل البابا في 25 مارس سنة 1455، فلم تتم أي من هذه الخطط.
الفتوحات التالية
فتح بلاد موره ومحاربة المجر
بعد إتمامه لترتيباته وبناء ما هُدم من أسوار القسطنطينية وتحصينها، أمر السلطان ببناء مسجد بالقرب من قبر أبي أيوب الأنصاري، جرت العادة فيما بعد أن يتقلد كل سلطان جديد سيف عثمان الغازي الأول في هذا المسجد، ثم سافر بجنوده لفتح بلاد جديدة، فقصد بلاد موره، لكن لم ينتظر أميراها "دمتريوس" و"توماس"، أخوا قسطنطين، قدومه، بل أرسلا إليه يُخبرانه بقبولهما دفع جزية سنوية قدرها إثنا عشر ألف دوكا.
 فقبل السلطان ذلك، وغيّر وجهته قاصدًا بلاد الصرب، فأتى "هونياد" الشجاع المجري، الملقب "بالفارس الأبيض" وردّ عن الصرب مقدمة الجيوش العثمانية، إلا أن الصرب لم يرغبوا في مساعدة المجر لهم لاختلاف مذهبهم، حيث كان المجر كاثوليكيين تابعين لبابا روما، والصرب أرثوذكسيين لا يذعنون لسلطة البابا بل كانوا يفضلون تسلط المسلمين عليهم لما رأوه من عدم تعرضهم للدين مطلقًا. ولذلك أبرم أمير الصرب الصلح مع السلطان محمد الثاني على أن يدفع له سنويًا ثمانين ألف دوكا، وذلك في سنة 1454.
وفي السنة التالية أعاد السلطان الكرّة على الصرب من جديد، بجيش مؤلف من خمسين ألف مقاتل وثلاثمائة مدفع، ومر بجيوشه من جنوب تلك البلاد إلى شمالها بدون أن يلقى أقل معارضة حتى وصل مدينة بلغراد الواقعة على نهر الدانوب وحاصرها من جهة البر والنهر. وكان هونياد المجري دخل المدينة قبل إتمام الحصار عليها ودافع عنها دفاع الأبطال حتى يئس السلطان من فتحها ورفع عنها الحصار سنة 1455.
 لكن وإن لم يتمكن العثمانيون من فتح عاصمة الصرب إلا أنهم أصابوا هونياد بجراح بليغة توفي بسببها بعد رفع الحصار عن المدينة بنحو عشرين يومًا. ولما علم السلطان بموته أرسل الصدر الأعظم "محمود باشا" لإتمام فتح بلاد الصرب فأتمّ فتحها من سنة 1458 إلى سنة 1460.
وفي هذه الأثناء تمّ فتح بلاد موره. ففي سنة 1458 فتح السلطان مدينة "كورنته" وما جاورها من بلاد اليونان حتى جرّد "طوماس باليولوج" أخا قسطنطين من جميع بلاده ولم يترك إقليم موره لأخيه دمتريوس إلا بشرط دفع الجزية.
وبمجرّد ما رجع السلطان بجيوشه ثار طوماس وحارب الأتراك وأخاه معاً، فاستنجد دمتريوس بالسلطان فرجع بجيش عرمرم ولم يعد حتى تمّ فتح إقليم موره سنة 1460 فهرب طوماس إلى إيطاليا، ونُفي دمتريوس في إحدى جزر الأرخبيل. وفي ذلك الوقت فُتحت جزر تاسوس والبروس وغيرها من جزر بحر الروم.
توحيد الأناضول
وبعد عودة السلطان من بلاد اليونان أبرم صلحًا مع إسكندر بك وترك له إقليما ألبانيا وإيبيروس، ثم حوّل أنظاره إلى آسيا الصغرى ليفتح ما بقي منها، فسار بجيشه دون أن يُعلم أحدًا بوجهته في أوائل سنة 1461، فهاجم أولاً ميناء بلدة أماستريس، وكانت مركز تجارة أهالي جنوة النازلين بهذه الأصقاع.
ولكون سكانها تجّارًا يُحافظون على أموالهم ولا يهمهم دين أو جنسية متبوعهم ما دام غير متعرّض لأموالهم ولا أرواحهم، فتحوا أبواب المدينة ودخلها العثمانيون بغير حرب. ثم أرسل إلى "اسفنديار" أمير مدينة سينوب يطلب منه تسليم بلده والخضوع له. ولأجل تعزيز هذا الطلب أرسل أحد قوّاده ومعه عدد عظيم من المراكب لحصار الميناء، فسلمها إليه الأمير وأقطعه السلطان أراض واسعة بأقليم "بيثينيا" مكافأة له على خضوعه. ثم قصد بنفسه مدينة طرابزون ودخلها دون مقاومة شديدة وقبض على الملك وأولاده وزوجته وأرسلهم إلى القسطنطينية.
محاربة أمير الفلاخ
ما إن عاد السلطان إلى القسطنطينية حتى جهز جيشًا لمحاربة أمير الفلاخ المدعو "فلاد دراكول الثالث المخوزق"، لمعاقبته على ما ارتكبه من الفظائع مع أهالي بلاده والتعدّي على التجار العثمانيين النازلين بها. فلمّا قرب منها، أرسل إليه هذا الأمير وفدا يعرض على السلطان دفع جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دوكا بشرط أن يُصادق على جميع الشروط الواردة بالمعاهدة التي أبرمت في سنة 1393 بين أمير الفلاخ آنذاك والسلطان بايزيد الأول، فقبل السلطان محمد الثاني هذا الاقتراح وعاد بجيوشه.
 ولم يقصد أمير الفلاخ بهذه المعاهدة إلا التمكن من الاتحاد مع ملك المجر "متياس كورفينوس" ومحاربة العثمانيين فلمّا علم السلطان باتحادهما أرسل إليه مندوبين يسألانه عن الحقيقة، فقبض عليهما وقتلهما بوضعهما على عمود محدد من الخشب، الذي يُعرف بالخازوق. وأغار بعدها على بلاد بلغاريا التابعة للدولة العثمانية وعاث فيها فسادًا، ورجع بخمسة وعشرين ألف أسير، فأرسل إليه السلطان رسلاً يدعونه إلى الطاعة وإخلاء سبيل الأسرى، فلمّا مثل الرسل أمامه أمرهم برفع عمائمهم لتعظيمه، وعند إبائهم طلبه لمخالفته لعوائدهم، أمر بأن تُسمّر عمائمهم على رؤسهم بمسامير من حديد.
فلمّا وصلت هذه الأخبار إلى السلطان محمد استشاط غضباً وسار على الفور بحوالي 60,000 جندي نظامي و 30,000 غير نظامي، فوصل بسرعة إلى مدينة "بوخارست"، عاصمة الأمير، بعد أن هزمه وفرّق جيوشه، لكنه لم يتمكن من القبض عليه لمجازاته على ما اقترفه بحق العثمانيين والبلغار، لهروبه والتجائه إلى ملك المجر، فنادى السلطان بعزله ونصب مكانه أخاه "راؤول" لثقته به بما أنه تربّى في حضانة السلطان منذ نعومة أظفاره،
وبذا ضُمّت بلاد الفلاخ إلى الدولة العثمانية. ويُقال أنه عند وصول السلطان محمد إلى ضواحي بوخارست، وجد حول المدينة غابة من الخوازيق التي عُلّقت عليها جثث الأسرى الذين أتى بهم أمير الفلاخ من بلاد بلغاريا، وقتلهم عن آخرهم بما فيهم الأطفال والنساء، وكذلك الجنود العثمانيين الذين كان قد قبض عليهم إثر مناوشة ليلية، وكان عددهم جميعا عشرين ألفاً.
فتح البوسنة والعداء مع البندقية
في سنة 1462، حارب السلطان بلاد البوسنة لامتناع أميرها "استيفان توماسفيتش" عن دفع الخراج، وأسره بعد معركة هو وولده وأمر بقتلهما، فدانت له جميع بلاد البشناق. وأرسل فرمانا إلى الفرنسيسكان من سكان تلك البلاد يُطمئنهم بعدم تعرّض أي منهم للاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية، فقال: "أنا السلطان محمد خان الفاتح،أعلن للعالم أجمع أن،أهل البوسنة الفرنسيسكان قد مُنحوا بموجب هذا الفرمان السلطاني حماية جلالتي. ونحن نأمر بأن:
لا يتعرض أحد لهؤلاء الناس ولا لكنائسهم وصلبهم ! وبأنهم سيعيشون بسلام في دولتي. وبأن أولئك الذين هجروا ديارهم منهم، سيحظون بالأمان والحرية. سيُسمح لهم بالعودة إلى أديرتهم الواقعة ضمن حدود دولتنا العليّة.لا أحد من دولتنا سواء كان نبيلاً، وزيرا، رجل دين، أو من خدمنا سيتعرض لهم في شرفهم وفي أنفسهم !
لا أحد سوف يهدد، أو يتعرض لهؤلاء الناس في أنفسهم، ممتلكاتهم، وكنائسهم !
وسيحظى كل ما أحضروه معهم من متاع من بلادهم بنفس الحماية...
وبإعلان هذا الفرمان، أقسم بالله العظيم الذي خلق الأرض في ستة أيام ورفع السماء بلا عمد، وبسيدنا محمد عبده ورسوله، وجميع الأنبياء والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين، بأنه؛ لن نسمح بأن يُخالف أي من أفراد رعيتنا أمر هذا الفرمان !"
وفي سنة 1464، أراد "متياس كورفينوس" ملك المجر استخلاص البوسنة من العثمانيين، فهُزم بعد أن قُتل معظم جيشه، وكانت عاقبة تدخله أن جُعلت البوسنة ولاية كباقي ولايات الدولة، وسُلبت ما كان مُنح لها من الامتيازات ودخل في جيش الإنكشارية ثلاثون ألفاً من شبانها وأسلم أغلب أشراف أهاليها.
هذا وكانت قد ابتدأت حركات العدوان في سنة 1463 بين العثمانيين والبنادقة بسبب هروب أحد الرقيق إلى "كورون" التابعة للبندقية، وامتناعهم عن تسليمه بحجة أنه اعتنق المسيحية دينًا. فاتخذ العثمانيون ذلك سببًا للاستيلاء على مدينة آرغوس وغيرها. فاستنجد البنادقة بحكومتهم، فأرسلت إليهم عدداً من السفن محملة بالجنود، وأنزلتهم إلى بلاد موره، فثار سكانها وقاتلوا الجنود العثمانيين المحافظين على بلادهم وأقاموا ما كان قد تهدم من سور برزخ كورون لمنع وصول المدد من الدولة العثمانية، وحاصروا المدينة نفسها واستخلصوا مدينة آرغوس من الأتراك. لكن لما علموا بقدوم السلطان مع جيش يبلغ عدده ثمانين ألف مقاتل، تركوا البرزخ راجعين على أعقابهم، فدخل العثمانيون بلاد موره بدون معارضة كبيرة واسترجعوا كل ما أخذوه وأرجعوا السكينة إلى البلاد. وفي السنة التالية أعاد البنادقة الكرّة على بلاد موره دون فائدة.
وبعد ذلك حاول البابا "بيوس الثاني" بكل ما أوتي من مهارة وقدرة سياسية تركيز جهوده في ناحيتين اثنتين:
 حاول أولاً أن يقنع الأتراك باعتناق الدين المسيحي، ولم يقم بإرسال بعثات تبشيرية لذلك الغرض وانما اقتصر على إرسال خطاب إلى السلطان محمد الفاتح يطلب منه أن يعتنق المسيحية، كما اعتنقها قبله قسطنطين وكلوفيس ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه إن هو اعتنق المسيحية مخلصًا، ووعده بمنحه بركته واحتضانه ومنحه صكًا بدخول الجنة.
ولما فشل البابا في خطته هذه لجأ إلى الخطة الثانية، خطة التهديد والوعيد واستعمال القوة، فحاول تأجيج الحقد الصليبي في نفوس النصارى شعوبًا وملوكًا، قادة وجنودًا، واستعدت بعض الدول لتحقيق فكرة البابا الهادفة للقضاء على العثمانيين، ولكن لما حان وقت النفير اعتذرت دول أوروبا بسبب متاعبها الداخلية المختلفة وعالج المنون البابا بعد هذا بفترة قصيرة، إلا أن تحريضاته كانت قد أثرت في إسكندر بك الألباني، فحارب الجنود العثمانيين وحصل بينهما عدّة وقائع أريقت فيها كثير من الدماء، وكانت الحرب فيها سجالاً. وفي سنة 1467 توفي إسكندر بك بعد أن حارب الدولة العثمانية 25 سنة دون أن تتمكن من قمعه.
ثمّ بعد هدنة استمرت سنة واحدة، عادت الحروب بين العثمانيين والبنادقة وكانت نتيجتها أن فتح العثمانيون جزيرة "نجر بونت"، وتُسمى في كتب الترك "أغريبوس"، وتُعرف حاليًا باسم "إيبويا"، وهي مركز مستعمرات البنادقة في جزر الروم، وتمّ فتحها في سنة 1470.
فتح إمارة قرمان ومحاربة المغول
بعد أن ساد الأمن في أنحاء أوروبا، حوّل السلطان أنظاره إلى بلاد القرمان بآسيا الصغرى ووجد سبيلا سهلا للتدخل، وهو أن أميرها المدعو "إبراهيم" أوصى بعد موته بالحكم إلى أحد أولاده واسمه الأمير إسحق، ولكونه كان لديه إخوة لأب أكبر منه سنا، يرغب كل منهم بالحكم بطبيعة الأمر، تدخل السلطان محمد الثاني وحارب إسحق وهزمه وولى محله أكبر إخوته، وعاد إلى أوروبا لمحاربة اسكندر بك، الذي كان ما زال على قيد الحياة آنذاك.
 فانتهز الأمير إسحق غياب السلطان وعاود الكرّة على قونية، عاصمة القرمان، لاسترداد ما أوصى به إليه أبوه من البلاد، فرجع إليه السلطان وقهره. وليستريح باله من هذه الجهة أيضا، ضمّ إمارة قرمان إلى بلاده وغضب على وزيره "محمود باشا" الذي عارضه في هذا الأمر.
وبعد ذلك بقليل زحف "أوزون حسن"، سلطان دولة الخروف الأبيض وهو أحد خلفاء تيمورلنك، الذي كان سلطانه ممتدا على كافة البلاد والأقاليم الواقعة بين نهري جيحون والفرات، وفتح مدينة "توقات" عنوة ونهب أهلها. فأخذ السلطان في تجهيز جيش جرّار وأرسل لأولاده "داوود باشا" بكلر بك الأناضول، و"مصطفى باشا" حاكم القرمان، يأمرهما بالمسير لمحاربة العدوّ، فسارا بجيوشهما إليه وقابلا جيش "أوزون حسن" على حدود إقليم الحميد، وهزماه شر هزيمة في معركة بالقرب من مدينة "إرزينجان" سنة 1471.
 وبعدها، في أواخر صيف عام 1473، سار إليه السلطان نفسه ومعه مائة ألف جندي وأجهز على ما بقي معه من الجنود بالقرب من مدينة "گنجه"،ولم يعد "أوزون حسن" لمحاربة الدولة العثمانية بعد ذلك، إذ أن هذه المعركة كانت قد قضت على سلطة دولته، ولم يعد للعثمانيين من عدو لجهة الشرق، حتى بروز الشاه "إسماعيل الصفوي" والدولة الصفوية في وقت لاحق. وفي هذه الأثناء كانت الحرب متقطعة بين العثمانيين والبنادقة الذين استعانوا ببابا روما وأمير نابولي، وكان النصر فيها دائماً للعثمانيين، ولم يتمكن البنادقة من استرجاع شيء مما أخذ منهم.
محاربة البغدان وإنهاء الصراع مع البنادقة
في سنة 1475 أراد السلطان فتح بلاد البغدان، وهي المنطقة الشرقية من رومانيا المتاخمة لحدود روسيا والمعروفة أيضاً باسم "مولدوفا"، فأرسل إليها جيشاً بعد أن عرض دفع الجزية على أميرها المسمى "أسطفان الرابع" ولم يقبل. وقعت معركة عنيفة بين الطرفين بتاريخ 10 يناير من نفس العام عُرفت بمعركة "فاسلوي"، كنية بالمدينة القريبة من الموقع. وصل عدد الجنود العثمانيين إلى 120,000 جندي، بينما بلغ عدد الجنود البغدان 40,000 جندي، بالإضافة إلى بعض القوات المتحالفة الأصغر حجما وبعض المرتزقة.
 وبعد قتال عنيف قُتل فيه جنود كثر من الجيشين المتحاربين، انهزم الجيش العثماني وعاد دون فتح شيء من هذا الإقليم. ويذكر المؤرخون أن "أسطفان الرابع" قال أن هذه الهزيمة التي لحقت بالعثمانيين "هي أعظم هزيمة حققها الصليب على الإسلام" وقالت الأميرة "مارا" التي كانت زوجةً للسلطان مراد الثاني، والد الفاتح، سابقاً، لمبعوث بندقي أن هذه الهزيمة هي أفظع الهزائم التي تعرّض لها العثمانيون في التاريخ. وبذلك اشتهر "أسطفان الرابع" أمير البغدان بمقاومة العثمانيين، فخلع عليه البابا "سيكستوس الرابع" لقب "بطل المسيح" و"الحامي الحقيقي للديانة المسيحية"
ولما بلغ خبر هذه الهزيمة آذان السلطان عزم على فتح بلاد القرم حتى يستعين بفرسانها المشهورين في القتال على محاربة البغدان. وكان لجمهورية جنوة مستعمرة في شبه جزيرة القرم، هي مدينة "كافا"، فأرسل السلطان إليها أسطولا بحريّا، ففتحها بعد حصار ستة أيام، وبعدها سقطت جميع الأماكن التابعة لجمهورية جنوة. وبذلك صارت جميع شواطئ القرم تابعة للدولة العثمانية ولم يُقاومها التتار النازلون بها، ولذلك اكتفى السلطان بفرض الجزية عليها.وبعد ذلك فتح الأسطول العثماني ميناء آق كرمان ‏ومنها أقلعت السفن الحربية إلى مصاب نهر الدانوب لإعادة الكرّة على بلاد البغدان.
بينما كان السلطان يجتاز نهر الدانوب من جهة البر بجيش عظيم، فتقهقر أمامه جيش البغدان، على الرغم من صدّه لعدّة هجمات عثمانية بنيرانه لعدم إمكانية المحاربة في السهول، وتبعه الجيش العثماني حتى إذا أوغل خلفه في غابة كثيفة يجهل مفاوزها، انقض عليه الجيش البغداني، فاشتبك مع قوات الإنكشارية التي هزمته شر هزيمة، في معركة أطلق عليها اسم معركة الوادي الأبيض
 ‏‏ فانسحب "أسطفان الرابع" إلى أقصى شمال غربي بلاده، والبعض يقول أنه لجأ إلى المملكة البولندية، حيث أخذ يجمع جيشا جديدا ولم يستطع السلطان محمد فتح الحصون الرئيسية البغدانية بسبب المناوشات الصغيرة المستمرة التي تعرض لها الجيش العثماني من قبل الجنود البغدان، ولانتشار المجاعة ثم الطاعون بين أفراد الجيش، مما اضطر السلطان لأن يسحب قواته ويعود إلى القسطنطينية دون فتح البلاد.
وفي سنة 1477 أغار السلطان على بلاد البنادقة ووصل إلى إقليم "فريولي" بعد أن مرّ بإقليميّ "كرواتيا" و"دالماسيا"، فخاف البنادقة على مدينتهم الأصلية وأبرموا الصلح معه تاركين له مدينة "كرويا"، التي كانت عاصمة "اسكندر بك" الشهير، فاحتلها السلطان ثم طلب منهم مدينة "إشقودره"، ولمّا رفضوا التنازل عنها إليه حاصرها وأطلق عليها مدافعه ستة أسابيع متوالية بدون أن يُضعف قوّة سكانها وشجاعتهم
 فتركها لفرصة أخرى وفتح ما كان حولها للبنادقة من البلاد والقلاع حتى صارت مدينة "إشقودره" منفصلة كليّا عن باقي بلاد البنادقة، وكان لا بد من فتحها بعد قليل لعدم إمكان وصول المدد إليها، ولذا فضّل البنادقة أن يبرموا صلحاً جديداً مع السلطان ويتنازلوا عن "إشقودره" مقابل بعض الامتيازات التجارية وتمّ الصلح بين الفريقين على ذلك وأمضيت به بينهما معاهدة في يوم 28 يناير سنة 1479م، الموافق 5 ذو القعدة سنة 883هـ، وكانت هذه أول خطوة خطتها الدولة العثمانية للتدخل في شؤون أوروبا، إذ كانت جمهورية البندقية حينذاك أهم دول أوروبا لا سيما في التجارة البحرية، وما كان يُعادلها في ذلك إلا جمهورية جنوة.
فتح جزر اليونان ومدينة أوترانت وحصار رودوس
بعد أن تم الصلح مع البنادقة، وُجهت الجيوش إلى بلاد المجر لفتح إقليم ترانسلفانيا، فقهرها "كينيس" كونت مدينة "تمسوار" بالقرب من مدينة "كرلسبرغ" في 13 أكتوبر سنة 1476، وقُتل في هذه الموقعة كثير من العثمانيين وارتكب المجر فظائع وحشية بعد الانتصار، فقتلوا جميع الأسرى ونصبوا موائدهم على جثثهم. وفي سنة 1480 فُتحت جزر اليونان الواقعة بين بلاد اليونان وإيطاليا، وبعدها سار أمير البحر كدك أحمد باشا بمراكبه لفتح مدينة أوترانت ‏)‏ بجنوب إيطاليا، التي كان عزم السلطان على فتحها جميعها. ويُقال أنه أقسم بأن يربط حصانه في كنيسة القديس بطرس بمدينة روما، مقر البابا، ففُتحت أوترانت عنوة في يوم 11 أغسطس سنة 1480م، الموافق 4 جمادى الثانية سنة 885هـ.
وفي هذا الحين كان قد أرسل أسطولاً بحرياً آخر لفتح جزيرة رودوس، التي كانت مركز رهبنة القديس "يوحنا الأورشليمي"، وكان رئيسها آنذاك "بيير دو بوسون" الفرنسي الأصل، وكانت الحرب قائمة بينه وبين سلطان مصر وباي تونس، فاجتهد في إبرام الصلح معهما ليتفرغ لصدّ هجمات الجيوش العثمانية. وكانت هذه الجزيرة محصنة تحصيناً منيعاً، وابتدأ العثمانيون حصارها في يوم 23 مايو سنة 1480م، الموافق 13 ربيع الأول سنة 885هـ، وظلّت المدافع تقذف عليها القنابل الحجرية تهدّم أسوارها، لكن كان يُصلح سكانها في الليل كل ما تخربه المدافع في النهار، ولذلك استمر حصارها ثلاثة أشهر حاول العثمانيون خلالها الاستيلاء على أهم قلاعها، واسمها قلعة القديس نيقولا، بدون جدوى. وفي يوم 28 يوليو سنة 1480م، الموافق 20 جمادى الأولى سنة 885هـ، أمر القائد العام بالهجوم على القلعة ودخولها من الفتحة التي فتحتها المدافع في أسوارها، فهجمت عليها الجيوش وقاوم المدافعون بكل بسالة وإقدام. وبعد أخد وردّ، تقهقر العثمانيون بعد أن قُتل وجُرح منهم كثيرون، ورفع الباقون عنها الحصار.
ترتيبات السلطان الداخلية
اهتمامه بالمدارس والمعاهد
كان السلطان محباً للعلم والعلماء، لذلك اهتم ببناء المدارس والمعاهد في جميع أرجاء دولته، وفاق أجداده في هذا المضمار، وبذل جهوداً كبيرة في نشر العلم وإنشاء دور التعليم، وأدخل بعض الإصلاحات في نظام التعليم وأشرف على تهذيب المناهج وتطويرها، وحرص على نشر المدارس والمعاهد في كافة المدن والقرى وأوقف عليها الأوقاف العظيمة.
وقام بتنظيم هذه المدارس وترتيبها على درجات ومراحل، ووضع لها المناهج، وحدد العلوم والمواد التي تُدرّس في كل مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات الدقيقة للانتقال للمرحلة التي تليها، وكان ربما يحضر امتحانات الطلبة ويزور المدارس ولا يأنف من سماع الدروس التي يلقيها الأساتذة، ولا يبخل بالعطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة.
وجعل التعليم في كافة مدارس الدولة بالمجان، وكانت المواد التي تدرس في تلك المدارس: التفسير والحديث والفقه والأدب والبلاغة وعلوم اللغة والهندسة، وأنشأ بجانب مسجده الذي بناه بالقسطنطينية ثمان مدارس على كل جانب من جوانب المسجد يتوسطها صحن فسيح، وفيها يقضي الطالب المرحلة الأخيرة من دراسته، وألحقت بهذه المدارس مساكن الطلبة ينامون فيها ويأكلون طعامهم ووضعت لهم منحة مالية شهرية، وأنشأ بجانبها مكتبة خاصة وكان يُشترط في الرجل الذي يتولى أمانة هذه المكتبة أن يكون من أهل العلم والتقوى متبحراً في أسماء الكتب والمؤلفين، وكانت مناهج المدارس تتضمن نظام التخصص، فكان للعلوم النقلية والنظرية قسم خاص وللعلوم التطبيقية قسم خاص أيضاً.
اهتمامه بالعلماء
قرّب العلماء ورفع قدرهم وشجعهم على العمل والإنتاج وبذل لهم الأموال ووسع لهم في العطايا والمنح والهدايا وكرّمهم غاية الإكرام، ولما هزم "أوزون حسن"، أمر السلطان بقتل جميع الأسرى إلا من كان من العلماء وأصحاب المعارف ليستفاد منهم.
كان من مكانة الشيخ "أحمد الكوراني" أنه كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحني له، ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وكان لا يأتي إلى السلطان إلا إذا أرسل إليه، وكان يقول له: "مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط".
 وكذلك بالنسبة للشيخ "آق شمس الدين" الذي درّس السلطان محمد الفاتح العلوم الأساسية في ذلك الزمن وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم الإسلامية واللغات العربية، والفارسية والتركية وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب، وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى إمارة "أماسيا" ليتدرب على إدارة الولاية، وأصول الحكم. واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يقنع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث النبوي: "لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"
وكان الشيخ آق شمس الدين أول من ألقى خطبة الجمعة في مسجد آيا صوفيا. وكان السلطان محمد الفاتح يحب شيخه شمس الدين حباً عظيماً، وكانت له مكانة كبيرة في نفسه وقد بين السلطان لمن حوله -بعد الفتح-: "إنكم ترونني فرحاً، فرحي ليس فقط لفتح هذه القلعة إن فرحي يتمثل في وجود شيخ عزيز الجانب، في عهدي، هو مؤدبي الشيخ آق شمس الدين". وعبّر السلطان عن مهابته لشيخه في حديث له مع وزيره "محمود باشا"، حيث قال: "إن احترامي للشيخ آق شمس الدين، احترام غير اختياري. إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة".
اهتمامه بالشعراء والأدباء
كان شاعراً مجيداً مهتماً بالأدب عامة والشعر خاصة، وكان يصاحب الشعراء ويصطفيهم،[96] واستوزر الكثير منهم، وكان في بلاطه ثلاثون شاعراً يتناول كل منهم راتباً شهرياً قدره ألف درهم، وكان مع هذا ينكر على الشعراء التبذل والمجون والدعارة ويعاقب من يخرج عن الآداب بالسجن أو يطرده من بلاده.
اهتمامه بالترجمة
أتقن اللغة اليونانية وست لغات أخرى عندما كان بلغ من العمر 21 عاماً، أي في السنة التي فتح فيها القسطنطينية، وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية والفارسية إلى اللغة التركية، ونقل إلى التركية كتاب التصريف في الطب للزهراوي، وعندما وجد كتاب بطليموس في الجغرافيا وخريطة له طلب من العالم الرومي "جورج أميروتزوس" وابنه أن يقوما بترجمته إلى العربية وإعادة رسم الخريطة باللغتين العربية واليونانية وكافأهما على هذا العمل بعطايا واسعة، وقام العلامة القوشجي بتأليف كتاب بالفارسية ونقله للعربية وأهداه للفاتح.
كما كان مهتماً باللغة العربية فقد طلب من المدرسين بالمدارس الثماني أن يجمعوا بين الكتب الستة في تدريسهم وبين علم اللغة كالصحاح.. ودعم الفاتح حركة الترجمة والتأليف لنشر المعارف بين رعاياه بالإكثار من نشر المكاتب العامة وأنشأ له في قصره خزانة خاصة احتوت على غرائب الكتب والعلوم، وكان بها اثنا عشر ألف مجلد عندما احترقت.
اهتمامه بالعمران والبناء والمستشفيات
آيا صوفيا، المآذن الأربعة تم بنائها بعد فتح القسطنطينية وتحويل الكنيسة إلى مسجد.
كان السلطان محمد الفاتح مغرماً ببناء المعاهد والقصور والمستشفيات والخانات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة،وأدخل المياه إلى المدينة بواسطة قناطر خاصة. شجع الوزراء وكبار رجال الدولة والأغنياء والأعيان على تشييد المباني وإنشاء الدكاكين والحمامات وغيرها من المباني التي تعطي المدن بهاء ورونقاً، واهتم بالعاصمة "إسلامبول" اهتماماً خاصاً، وكان حريصاً على أن يجعلها "أجمل عواصم العالم" و"حاضرة العلوم والفنون".
كثر العمران في عهد الفاتح وانتشر، واهتم بدور الشفاء، ووضع لها نظاماً مثالياً في غاية الروعة والدقة والجمال، فقد كان يعهد بكل دار من هذه الدور إلى طبيب – ثم زيد إلى اثنين – من حذاق الأطباء من أي جنس كان، يعاونهما كحال وجراح وصيدلي وجماعة من الخدم والبوابين، وكان يُشترط في جميع المشتغلين بالمستشفى أن يكونوا من ذوي القناعة والشفقة والإنسانية، ووجب على الأطباء أن يعودوا المرضى مرتين في اليوم، وأن لاتصرف الأدوية للمرضى إلا بعد التدقيق من إعدادها، وكان يشترط في طباخ المستشفى أن يكون عارفاً بطهي الأطعمة والأصناف التي توافق المرضى منها، وكان العلاج والأدوية في هذه المستشفيات بالمجان ويغشاها جميع الناس بدون تمييز بين أجناسهم وأديانهم.
ولعلّ أبرز أثار السلطان العمرانية هو قصر الباب العالي الذي أمر بالبدء ببنائه قرابة عقد الستينات من القرن الخامس عشر، إضافة إلى مسجده الذي حمل اسمه، وآيا صوفيا بطبيعة الحال التي أمر بتحويلها من كنيسة إلى مسجد.
الاهتمام بالتجارة والصناعة
اهتم السلطان محمد الفاتح بالتجارة الصناعة وعمل على إنعاشهما بجميع الوسائل والعوامل والأسباب. وكان العثمانيون على دراية واسعة بالأسواق العالمية، وبالطرق البحرية والبرية وطوروا الطرق القديمة، وأنشؤوا الجسور الجديدة مما سهل حركة التجارة في جميع أجزاء الدولة.
واضطرت الدول الأجنبية لمسايسة الدولة العثمانية ليمارس رعاياها حرفة التجارة في الموانئ المهمة العديدة في ظل الراية العثمانية. كان من أثر السياسة العامة للدولة في مجال التجارة والصناعة أن عم الرخاء وساد اليسر والرفاهية في جميع أرجاء الدولة، وأصبحت للدولة عملتها الذهبية المتميزة، ولم تهمل الدولة إنشاء دور الصناعة ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقامت القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية في البلاد.
الاهتمام بالتنظيمات الإدارية
عمل السلطان محمد الفاتح على تطوير دولته؛ ولذلك قنن قوانين حتى يستطيع أن ينظم شؤون الإدارة المحلية في دولته، وكانت تلك القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية. شكل السلطان محمد لجنة من خيار العلماء لتشرف على وضع "قانون نامه" المستمد من الشريعة المذكورة وجعله أساساً لحكم دولته، وكان هذا القانون مكوناً من ثلاثة أبواب، يتعلق بمناصب الموظفين وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ من التشريفات والاحتفالات السلطانية وهو يقرر كذلك العقوبات والغرامات، ونص صراحة على جعل الدولة حكومة إسلامية قائمة على تفوق العنصر الإسلامي أياً كان أصله وجنسه.
اهتم محمد الفاتح بوضع القوانين التي تنظم علاقة السكان من غير المسلمين بالدولة ومع جيرانهم من المسلمين، ومع الدولة التي تحكمهم وترعاهم، وأشاع العدل بين رعيته، وجدّ في ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، وأجرى عليهم أحكام الإسلام، فاستتب الأمن وسادت الطمأنينة في ربوع الدولة العثمانية.
وعندما كانت الدولة تعلن الجهاد وتدعوا أمراء الولايات وأمراء الألوية، كان عليهم أن يلبوا الدعوة ويشتركوا في الحرب بفرسان يجهزونهم تجهيزاً تاماً، وذلك حسب نسب مبينة، فكانوا يجهزون فارساً كامل السلاح قادراً على القتال عن كل خمسة آلاف آقجه من إيراد اقطاعه، فإذا كان إيراد إقطاعه خمسمائة ألف آقجة مثلاً كان عليه أن يشترك بمائة فارس، وكان جنود الإيالات مؤلفة من مشاة وفرسان، وكان المشاة تحت قيادة وإدارة باشوات الإيالات وبكوات الألوية. قام محمد الفاتح بحركة تطهير واسعة لكل الموظفين القدماء غير الأكفاء وجعل مكانهم الأكفاء، واتخذ الكفائة وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته.
اهتمامه بالجيش والبحرية
تميز عصر السلطان محمد الفاتح بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي، بإنشاءات عسكرية عديدة متنوعة، فأقام دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية، وكانت هناك تشكيلات متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من وقود وغذاء وعلف للحيوان وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال.
كان هناك صنف من الجنود يسمى، "لغمجية" وظيفته الحفر للألغام وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد الاستيلاء عليها وكذلك السقاؤون كان عليهم تزويد الجنود بالماء. تطورت الجامعة العسكرية في زمن الفاتح وأصبحت تخرج الدفعات المتتالية من المهندسين والأطباء والبيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحات، وكانت تمد الجيش بالفنيين المختصصين. استحق معه أن يعده المؤرخون مؤسس الأسطول البحري العثماني، ولقد استفاد من الدول التي وصلت إلى مستوى رفيع في صناعة الأساطيل مثل الجمهوريات الإيطالية وبخاصة البندقية وجنوة، أقوى الدول البحرية في ذلك الوقت.
اهتمامه بالعدل
إن إقامة العدل بين الناس كان من واجبات السلاطين العثمانيين، وكان السلطان محمد شأنه في ذلك شأن من سلف من آبائه – شديد الحرص على إجراء العدالة في أجزاء دولته، ولكي يتأكد من هذا الأمر كان يرسل بين الحين والحين إلى بعض رجال الدين من النصارى بالتجوال والتطواف في أنحاء الدولة، ويمنحهم مرسوماً مكتوباً يبين مهمتهم وسلطتهم المطلقة في التنقيب والتحري والاستقصاء لكي يطلعوا كيف تساس أمور الدولة وكيف يجري ميزان العدل بين الناس في المحاكم، وقد أعطى هؤلاء المبعوثون الحرية الكاملة في النقد وتسجيل ما يرون ثم يرفعون ذلك كله إلى السلطان.
كانت تقرير هؤلاء المبعوثين المسيحيين تشيد دائماً بحسن سير المحاكم وإجراء العدل بالحق والدقة بين الناس بدون محاباة أو تمييز، وكان السلطان الفاتح عند خروجه إلى الغزوات يتوقف في بعض الأقاليم وينصب خيامه ليجلس بنفسه للمظالم ويرفع إليه من شاء من الناس شكواه ومظلمته. اعتنى الفاتح بوجه خاص برجال القضاء الذين يتولون الحكم والفصل في أمور الناس، فلا يكفي في هؤلاء أن يكونوا من المتضلعين في الفقه والشريعة والاتصاف بالنزاهة والاستقامة وحسب بل لا بد إلى جانب ذلك أن يكونوا موضع محبة وتقدير بين الناس، وأن تتكفل الدولة بحوائجهم المادية حتى تسد طرق الإغراء والرشوة، فوسع لهم الفاتح في عيشهم كل التوسعة، وأحاط منصبهم بحالة مهيبة من الحرمة والوالقداسة والحماية. أما القاضي المرتشي فلم يكن له عند الفاتح من جزاء غير القتل.
كان السلطان الفاتح - برغم اشتغاله بالجهاد والغزوات - إلا أنه كان يتتبع كل ما يجري في أرجاء دولته بيقظة واهتمام، وأعانه على ذلك ما حباه الله من ذكاء قوي وبصيرة نفاذة وذاكرة حافظة وجسم قوي، وكان كثيراً ما ينزل بالليل إلى الطرقات والدروب ليتعرف على أحوال الناس بنفسه ويستمع إلى شكاواتهم بنفسه، كما ساعده على معرفة أحوال الناس جهاز أمن الدولة الذي كان يجمع المعلومات والأخبار التي لها علاقة بالسلطنة وترفع إلى السلطان الذي كان يحرص على دوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها.
زوجاته وأولاده
تزوج السلطان محمد الفاتح بعدد من النساء، كانت أولهن والدة ولي العهد، "أمينة گلبهار" أي "أمينة وردة الربيع"، وهي من الروم الأرثوذكس، نبيلة الجذور من قرية "دوفيرا" في طرابزون، توفيت عام 1492، وهي والدة السلطان بايزيد الثاني.
كذلك اتخذ السلطان زوجة من كل من "السلطانة گيفر"؛ "غولشان خاتون"؛ "ستّي مكرم خاتون"؛ "خاتون شيشك"؛ "هيلينا خاتون"، ابنة أحد الملوك الروم المتوفاة عام 1481، و"آنا خاتون" ابنة إمبراطور طرابزون، التي تزوجها السلطان لفترة قصيرة؛ و"خاتون أليكسياس"، إحدى الأميرات البيزنطيات. وكان للسلطان ابن أخر هو "جم" المعروف بالغرب باسم "زيزيم"، والذي توفي سنة 1495.

وفاته وذكراه
توسّع الدولة العثمانية في أيام السلطان محمد الفاتح، من عام 1451 حتى عام 1481.
قاد السلطان حملة لم يحدد وجهتها، لأنه كان شديد الحرص على عدم كشف مخططاته العسكرية حتى لأقرب وأعز قواده. وقد قال في هذا الصدد عندما سئل مرة: "لو عرفته شعرة من لحيتي لقلعتها"، لكن المؤرخون يخمنون بأنها كانت إلى إيطاليا. عرض أهل البندقية على طبيبه الخاص "يعقوب باشا" أن يقوم هو باغتياله، ولم يكن يعقوب مسلما عند الولادة فقد ولد بإيطاليا، وقد ادعى الهداية، وأسلم. بدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان،
ولكن عندما علم بأمر الحملة زاد جرعة السم. وتوفى السلطان في يوم 3 مايو عام 1481م، الموافق 4 ربيع الأول سنة 886هـ عن ثلاث وخمسين سنة ومدة حكمه 31 عاما، قضاها في حروب متواصلة للفتح وتقوية الدولة وتعميرها، وأتم في خلالها مقاصد أجداده، ففتح القسطنطينية وجميع ممالك وأقاليم آسيا الصغرى والصرب والبشناق وألبانيا، وحقق كثيرا من المنجزات الإدارية الداخلية التي سارت بدولته على درب الازدهار ومهدت الطريق أمام السلاطين اللاحقين ليركزوا على توسيع الدولة وفتح أقاليم جديدة. ومن مآثره أيضا وضعه أول مبادئ القانون المدني وقانون العقوبات، فأبدل العقوبات البدنية، أي العين بالعين والسنّ بالسنّ، وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني لاحقا
وقد انفضح أمر يعقوب فيما بعد، فأعدمه حرس السلطان. وهناك اعتقاد أخر ينص على أن من دفع يعقوب ليدس السم للسلطان كان إبنه بايزيد الثاني رغبة منه بتولي العرش. وصل خبر موت السلطان إلى البندقية بعد 16 يوما، جاء الخبر في رسالة البريد السياسي إلى سفارة البندقية في القسطنطينية، واحتوت الرسالة على هذه الجملة "لقد مات العقاب الكبير". انتشر الخبر في البندقية ثم إلى باقي أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة ثلاثة أيام بأمر من البابا
دُفن السلطان في المدفن المخصوص الذي أنشأه في أحد الجوامع التي أسسها في الأستانة، وترك ورائه سمعة مهيبة في العالمين الإسلامي والمسيحي. وقد أنشأ جسر معلق بين طرفي إسطنبول في القرن العشرين وأطلق عليه اسم "جسر السلطان محمد الفاتح"، كما تمّ تمثيل السلطان في عدد من الكتب وأنشأ مسلسل تلفزيوني يحمل اسمه، وظهرت صورته على خلفية العملة الورقية التركية من فئة الألف ليرة والتي وضعت بالتداول من عام 1986 حتى عام 1992.










الباب العاشر
طارق بن زياد
طارق بن زياد (670 - 720) قائد عسكري أموي فتح الأندلس وقاد أول الجيوش الإسلامية التي دخلت شبه جزيرة أيبيريا، ويحمل اسمه جبل طارق بجنوب إسبانيا، توفي عام 720 م.
نشأته
ولد طارق بن زياد لقبيلة "نفزة" ، وكانت مضارب خيام هذه القبيلة على ضفاف وادي تافنة بولاية تلمسان الجزائرية، وذلك حسب قول المؤرخ ابن خلدون وهو أحد أنهار بلاد المغرب الاوسط (الجزائر حاليا). ولد في القرن الأول الهجري -50هـ-، أسلم على يد موسى بن نُصَير أمير أفريقيا، فكان من أشد رجاله، وكان أول نشأته،أثناء ولاية زهير بن قيس على إفريقيا. فلما قُتل زهير في طبرق، عام 76هـ، عُين طارق أميرًا على برقة غير أنه لم يلبث طويلاً في هذا المنصب، إذ أنه سرعان ما اختير قائدًا لجيش موسى بن نصير، فأبلى بلاء حسنًا في حروبه. وظهرت لموسى قدرته في اقتحام المعارك، ومهارته في قيادة الجيش، فولاه على مقدمة جيوشه بالمغرب.
 وهكذا أتيح لطارق بن زياد أن يتولى قيادة جيوش موسى، ويشترك معه بقية بلاد المغرب، والسيطرة على حصون المغرب الأقصى حتى المحيط الأطلسي، أكمل طارق الفتوحات في أفريقيا وفتح المدائن حتى بلغ مدينة الحسيمة (قصبة بلادهم، وأم مدائنهم) فحاصرها حتى دخلها، وأسلم أهلها.
ولم يمض على ولاية موسى للمغرب عدة أعوام، حتى خضع له المغرب بأسره، ولم تستعص عليه سوى مدينة سبتة، لمناعتها وشدة تحصنها. وكان يتولى إمارتها حاكم من قبل الإمبراطورية البيزنطية، يعرف بالكونت جوليان، ويسميه مؤرخو العرب يليان المسيحي.
و كان يليان هذا ـ برغم تبعيته للدولة البيزنطية ـ يتوجه في طلب المعونة إلى مملكة القوط (Goth) بالأندلس، فتمده الحكومة القوطية بالمؤن والأقوات عن طريق البحر. وقاتله موسى وطارق فألفياه في نجدة وقوة وعدة، فلم يمكنهما التغلب عليه، فرجعا إلى مدينة طنجة، ومن هناك أخذا يغيران على ما حول سبتة، ويضيقان عليها الخناق دون جدوى.
 إذ كانت سفن القوط تختلف إلى سبتة بالميرة والإمداد. فلما يئس موسى من دخول سبتة، أقام قائده طارق بن زياد واليًا على مدينة طنجة حتى تتاح له فرصة مراقبة مدينة سبتة من كثب، وترك تحت تصرف طارق تسعة عشر ألفًا من البربر بأسلحتهم وعددهم الكاملة، مع نفر قليل من العرب ليعلموهم القرآن وفرائض الإسلام. أما موسى، فقد عاد إلى القيروان.
آثر طارق أن يكسب صداقة عدوه يليان مادام قد عجز عن دخول مدينته الحصينة. ويُذكر أن طارقًا كان يراسل يليان ويلاطفه حتى تهادنا. ثم حدث في الجانب الآخر القوطي (الأندلس) أمر لم يكن في الحسبان:
 ذلك أن رودريجو (لذريق) ـ أحد قواد الجيش القوطي ـ وثب على العرش، وخلع الملك غيطشة، وتولى مكانه، ثم إن لذريق اعتدى على ابنة يليان التي كانت في بلاط الملك غيطشة، الأمر الذي أثار غضب يليان، وجعله يأتي بنفسه إلى طارق بن زياد ويعرض عليه مساعدته في الاستيلاء على الأندلس.
 ولم يتردد طارق في الاتصال فورًا بمولاه موسى بن نصير بالقيروان، الذي اتصل بدوره بالخليفة الوليد بن عبد الملك يطلب استشارته وإذنه، ونصحه الخليفة الوليد بألا يعتمد على يليان بل يرسل من المسلمين من يستكشف الأمر، فأرسلت سرية طريف التي عادت بالبشائر والغنائم.
حملة طريف
واستجابة لأمر الخليفة بدأ موسى بن نصير في تجهيز حملة صغيرة لعبور البحر إلى إسبانيا، وكان قوامها خمسمائة جندي يقودهم قائد من البربر يدعى "طريف بن مالك"؛ لاستكشاف الأمر واستجلاء أرض الأسبان، وقدم يوليان لهذه الحملة أربع سفن أقلتهم إلى إسبانيا، فعبرت البحر ونزلت هناك في منطقة سميت بجزيرة طريف، نسبة إلى قائد الحملة، وكان ذلك في (رمضان 91هـ= يوليو 710م) وجاست الحملة خلال الجزيرة الخضراء، وغنمت كثيرًا ودرست أحوال إسبانيا، ثم قفلت راجعة إلى المغرب، وقدم قائدها إلى موسى بن نصير نتائج حملته.
فأنس موسى إلى يليان، وازداد إقدامًا على التوسعات، ثم استدعى مولاه طارقًا، وأمّره على سبعة آلاف من البربر وثلاثمئة من العرب. وأبحرت الحملة من طنجة في 5 من رجب عام 92هـ، إبريل 711م، في أربع سفن، وظلت هذه السفن تنقل جنود طارق إلى جبل كالبي الذي عُرف بعد ذلك بجبل طارق حتى كمل نقلهم وتوافوا جميعهم لديه.
وقع على لذريق خبر اقتحام المسلمين ساحل الأندلس الجنوبي، ودخولهم الجزيرة الخضراء، وقوع الصاعقة، فانزعج وكر راجعًا إلى جنوبي أسبانيا، وزحف إلى قرطبة في جيش جرّار بلغت عدته نحو مئة ألف. فكتب طارق إلى موسى يستمده، ويخبره أنه دخل الجزيرة الخضراء، وملك المجاز إلى الأندلس، وغنم بعض أعمالها حتى البحيرة، وأن لذريق زحف إليه بما لا قبل له به. فأرسل موسى إليه مددًا مؤلفًا من خمسة آلاف من المسلمين، كملت بهم عدة من معه اثني عشر ألفًا.
خطبة طارق بن زياد
وأقبلت في الوقت نفسه جيوش لذريق حتى عسكرت غربي طريف، بالقرب من بحيرة خندة، على طول نهير برباط الذي يصب في البحر الذي سمَّاه المسلمون وادي لكة. وبالمقابل، أخذ طارق في الاستعداد للمعركة الحاسمة. فاختار موقعًا مناسبًا في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية تحميه، ونظم قواته، وقيل أنه اصدر اوامره بإحراق السفن ولكن ذلك محل خلاف لدى المؤرخين  وقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغَّبهم فيه، واستثار حماستهم. كان مما قاله طارق في الخطبة الشهيرة
«(أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (يقصد لذريق) فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت.
وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا حَمَلْتُكُمْ على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشقِّ قليلاً، استمتعتم بالأرفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي".»
ثم قال:
«("وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عُربانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا، وأختانًا، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان؛ ليكون حظُّه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمًا خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم، والله – الله – ولَّى أنجادكم على ما يكون لكم ذِكرًا في الدارين.
واعلموا أنني أول مُجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند مُلتقى الجمعين حامل نفسي على طاغية القوم لذريق، فقاتله - إن شاء الله -، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلب عاقد تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه؛ فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من الاستيلاء على هذه الجزيرة بقتله؛ فإنهم بعده يُخذلون).»
معركه وادي لكة
أقبل لذريق في جموعه وهم نحو مئة ألف ذوي عدة وعدد، وهو على سريره، وعليه مظلّة مكللة بالدّر والياقوت والزبرجد، وحوله غابة من البنود والأعلام. وأقبل طارق وأصحابه، عليهم الزَرَدُ، من فوق رؤوسهم العمائم البيض، وبأيديهم القسي العربية، وقد تقلدوا السيوف، وشرعوا الرماح.
ففي أواخر رمضان من عام 92هـ (19 يوليو/تموز 711 م) وقعت معركة وادي لكة بين قوات الدولة الأموية تحت إمرة طارق بن زياد وجيش الملك القوطي الغربي رودريغو الذي يعرف في التاريخ الإسلامي باسم لذريق. انتصر الأمويون انتصارا ساحقا أدى لسقوط دولة القوط الغربيين وبالتالي سقوط معظم أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية تحت سلطة الخلفاء الأمويين. وقد سميت المعركة باسم النهر التي وقعت بالقرب منه وعلى ضفافه وهو نهر وادي لكة الذي يسمى بالإسبانية جواديليتي. ويطلق بعض المؤرخين على المعركة مسمى معركة سهل البرباط أو معركة شذونة، أو معركة دي لا جونا دي لا خاندا بالإسبانية.
انضم لجيش طارق بن زياد الكونت يوليان وبعض كبار الدولة القوطية من أعداء لذريق وعدد من جنودهم. تلاقى الجمعان قرب نهر وادي لكة. دامت المعركة 8 أيام وقاوم القوط مقاومة عنيفة في بادئ الأمر إلا أن انسحاب لوائين (أحدهم بقيادة أخيه الأرشيدوق أوباس) من أصل 3 ألوية من جيش لذريق أدى لضعضعة الأمور وإرباك الجيش.
يذكر أن لذريق اختفى أثره بعد المعركة، ويجمع أغلب الرواة على أنه مات كما يجمع أغلب المؤرخين على مقتل كل وجهاء البلاد ما عدا الأستورياسي بيلايو الذي هرب دون أن يشارك في القتال واتجه شمالا. ولاذت فلول أعداء المسلمين بالجبال.
لقد كان الموقف خطيرًا، فقد كانت أوامر موسى بن نصير دقيقة وواضحة، وتنص على عدم تجاوز منطقة الساحل، خوفًا على المسلمين من الضياع في هذا المحيط الواسع من شبه الجزيرة الأندلسية.
غير أن بقاء طارق عند حدود الساحل، ومع ما هو عليه موقف قواته من الضعف، أمر بالغ الخطورة، فإتاحة الفرصة أمام فلول القوط، قد تسمح لهم بإعادة تجميع قواتهم. فسارع طارق ودخل إشبيليا، وأستجة، وأرسل من دخل قرطبة ومالقة، ثم طليطلة (عاصمة الأندلس) وتوجه شمالاً فعبر وادي الحجارة وواديًا آخر سمي فج طارق وسقطت عدة مدن في يده، منها مدينة سالم التي يقال إن طارقًا عثر فيها على مائدة سليمان. وعاد إلى طليطلة سنة 93هـ بعد أن أخضع كل ما اعترضه من مُقاومات، ولكن، وإلى الشمال من طليطلة، كانت قوات القوط تتجمع لمعركة جديدة.
وكتب طارق لموسى: ¸لقد زحف إليّ ما لا طاقة لي به•. وأسرع موسى، فقاد جيشه المكون من ثمانية عشر ألفًا من المقاتلين فالتقى طارق بموسى بن نصير في طليطلة، ويقال بأنه وبَّخه على مخالفته أوامره بل الأرجح أنه عاتبه في رفق على تسرعه في اقتحام الأندلس من وسطها دون السيطرة على شرقيها وغربيها.
وذكر ابن حيان أن موسى رضي عن طارق، وأمّره على مقدمة الجيش، وأمره بالتقدم أمامه، ثم تبعه موسى بجيشه، فارتقى طارق إلى الثغر الأعلى، ودخل سرقسطة عام 96هـ، 714م وأوغل في البلاد، وغنم الغنائم الضخمة، ثم اتجه نحو ماردة متبعًا الطريق الروماني الذي يربط سرقسطة ببرشلونة، ثم يتصل بعد ذلك بالطريق المؤدي إلى أربونة على ساحل البحر الأبيض.
وبعد أن استراح القائدان قليلا في طليطلة عاودا التوسعات مرة ثانية، وزحفا نحو الشمال الشرقي، واخترقا ولاية أراجون، ودخلا سرقسطة وطركونة وبرشلونة وحصن لودون على وادي ردونة (نهر الرون) وغيرها من المدن، ثم افترقا، فسار طارق ناحية الغرب، واتجه موسى شمالا، وبينما هما على هذا الحال من التوسع والتوغل، وصلتهما رسالة من الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، يطلب عودتهما إلى دمشق، فتوقفت التسوعات عند النقطة التي انتهيا إليها، وعادا إلى دمشق، تاركين المسلمين في الأندلس تحت قيادة عبد العزيز بن موسى بن نصير، الذي شارك أيضا في الغزو، بضم منطقة الساحل الواقعة بين مالقة وبلنسية، وأخمد الثورة في إشبيلية وباجة.
وبدأت الأندلس منذ غزوها طارق تاريخها الإسلامي، وأخذت في التحول إلى الدين الإسلامي واللغة العربية، وظلت وطنا للمسلمين طيلة ثمانية قرون، حتى سقطت غرناطة آخر معاقلها في يدي الإسبان المسيحيين سنة (897هـ = 1492م) وتم طرد جميع المسلمين واليهود أو قتلهم أو إجبارهم على اعتناق الكاثوليكية التي فرضت ديانة رسمية على الناس.
سليمان بن عبد الملك
توجه طارق بن زياد بصحبة موسى بن نصير إلى دمشق ومعه أربعمائة من أفراد الأسرة المالكة وجموع من الأسرى والعبيد والعديد من النفائس. ولما وصلا طبريا في فلسطين، طلب منهما سليمان ولي العهد التأخّر حتى يموت الخليفة الوليد الذي كان يصارع الموت. لكنهما تابعا تقدّمهما ودخلا مع الغنائم إلى دمشق.
وقد انقطعت أخبار القائد طارق بن زياد إثر وصوله إلى الشام، مع موسى بن نصير واضطربت أقوال المؤرخين في نهاية طارق، غير أن الراجح أنه لم يولَّ عملا بعد ذلك.
يوسف بن تاشفين
هو يوسف بن تاشفين ناصر الدين بن تالاكاكين الصنهاجي ( 1006 - 1106) ثاني ملوك المرابطين بعد عمه ابن عمه أبو بكر بن عمر. واتخذ لقب "أمير المسلمين" وهو اعظم ملك مسلم في وقته.
أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس حتى غانا جنوبا والاندلس شمالا وانقذ الاندلس من ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة وقائدها. وحد وضم كل ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب (1090) بعدما استنجد به أمير أشبيلية.
عرف بالتقشف والزهد والشجاعة. قال "الذهبي" في "سير أعلام النبلاء": كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق.
ووصفه "بدر الشيخ" في "الكامل" بقوله: كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام.
تاريخ المغرب

 

________________________________________
المغرب القديم

    ما قبل التاريخ والأمازيغ            موريطنية الطنجية

العصور الوسطى المبكرة                  الإمبراطورية الرومانية

            كونفدرالية مصمودة                    الخلافة الأموية

          كونفدرالية بورغواطة                       إمارة سجلماسة

           مملكة المغرب الأقصى                  العصور الوسطى المتوسطة

            خلافة قرطبة                             مملكة المرابطون

خلافة الموحدون                   المملكة المغربية (منذ القرن 13

مملكة مراكش، مملكة فاس، إمامة سوس، واحة فكيك، مملكة سجلماسة، بلاد درعة

الإمبراطورية المغربية (منذ القرن 17

منطقة فاس ومراكش، مملكة سوس، كونفدرالية تكنة

الحماية الأوروبية (1912–1956)

معاهدة فاس
حماية فرنسا، حماية إسبانيا

جمهورية الريف

بروتوكول طنجة

المغرب الحديث (منذ 1956

حرب إفني

حرب الرمال

المسيرة الخضراء

اتفاقية مدريد

السلالات المغربيةأظهر
سلالة الأدارسة
سلالة المرابطون
سلالة الموحدون
سلالة المرينيون
سلالة الوطاسيون
سلالة السعديون
سلالة العلويون

يوسف بن تاشفين (وقيام دولة المرابطين في المغرب)
يعتبر يوسف بن تاشفين بحق واحداً من عظماء المسلمين المغاربة الذين جدّدوا للأمة أمر دينها ولم يأخذ حقه من الاهتمام التاريخي إلا قليلاً.
وشخصية يوسف بن تاشفين شخصية إسلامية متميزة استجمعت من خصائل الخير وجوامع الفضيلة ما ندر أن يوجد مثلها في شخص مثله. فيوسف بن تاشفين أبو يعقوب لا يقل عظمة عن يوسف بن أيوب الملقب بصلاح الدين الأيوبي، وإذا كان الأخير قد ذاع صيته في المشرق الإسلامي وهو يقارع الصليبيين ويوحد المسلمين، فإن الأول قد انتشر أمره في المغرب الإسلامي وهو يقارع الإسبان والمارقين من الدين وملوك الطوائف ويوحد المسلمين في زمن كان المسلمون فيه أحوج ما يكونون إلى أمثاله. نشأ يوسف بن تاشفين في موريتانيا نشأة إيمانية جهادية، وأصله من قبائل «صنهاجه اللثام» البربرية.
كانت الظروف السياسية السائدة في زمنه غاية في التعقيد وغلب عليها تعدد الولاءات وانقسام العالم الإسلامي وسيطرة قوى متناقضة على شعوبه. ففي بغداد كانت الخلافة العباسية من الضعف بمكان بحيث لا تسيطر على معظم ولاياتها، وفي مصر ساد الحكم الفاطمي، وفي بلاد الشام بدأت بواكير الحملات الصليبية بالنزول في سواحل الشام .
وفي الأندلس استعرت الخصومة والخيانة وعم الفساد بين ملوك طوائفها، وأما في بلاد المغرب الإسلامي حيث نشأ وترعرع فكانت قبائل مارقة من الدين تسيطر على الشمال المغربي، وتحصن مواقعها في المدن الساحلية كسبتة وطنجة ومليلة، وهي من آثار الدولة العبيدية الفاطمية التي تركت آثاراً عقيدية منحرفة تمثلت في جزء منها بإمارة تسمى الإمارة البرغواطية سيطرت على شمال المغرب وبنت أسطولاً قوياً لها وحصنت قواتها البحرية المطلة على مضيق جبل طارق.
وفي عام 445هـ أسّس عبد الله بن ياسين حركة المرابطية (الرباط في سبيل الله)، وبعد عشر سنوات تسلم قيادة الحركة يوسف بن تاشفين، فبدأ بتعمير البلاد وحكمها بالعدل، وكان يختار رجالاً من أهل الفقه والقضاء لتطبيق الإسلام على الناس، واهتم ببناء المساجد باعتبارها مراكز دعوة وانطلاق وتوحيد للمسلمين تحت إمارته، ثم بدأ يتوسع شرقاً وجنوباً وشمالاً فكانت المواجهة بينه وبين الإمارة البرغواطية الضالة أمراً لا مفر منه.
 استعان ابن تاشفين في البداية بالمعتمد بن عباد - وهو أحد أمراء الأندلس الصالحين - لمحاربة البرغواطيين، فأمدّه المعتمد بقوة بحرية ساعدته في القضاء على الإمارة الضالة، وهكذا استطاع أن يوحد كل المغرب حتى مدينة الجزائر شرقاً، وحتى غانة جنوباً، وكان ذلك عام 476هـ.
الأندلس وطلب النجدة
بعد أن قوي ساعده واستقرت دولته وتوسعت، لجأ إليه مسلمو الأندلس طالبين الغوث والنجدة، حيث كانت أحوال الأندلس تسوء يوماً بعد يوم، فملوك الطوائف لقبوا أنفسهم بالخلفاء، وخطبوا لأنفسهم على المنابر، وضربوا النقود بأسمائهم، وصار كل واحدٍ منهم يسعى للاستيلاء على ممتلكات صاحبه.
 لا يضره الاستعانة بالإسبان النصارى أعداء المسلمين لتحقيق أهدافه، واستنابوا الفساق، واستنجدوا بالنصارى وتنازلوا لهم عن مداخل البلاد ومخارجها. وأدرك النصارى حقيقة ضعفهم فطلبوا منهم المزيد.
ولقد استجاب ابن تاشفين لطلب المسلمين المستضعفين، وفي ذلك يقول الفقيه ابن العربي: «فلبّأهم أمير المسلمين ومنحه اللـه النصر، وألجم الكفار السيف، واستولى على من قدر عليه من الرؤساء من البلاد والمعاقل، وبقيت طائفة من رؤساء الثغر الشرقي للأندلس تحالفوا مع النصارى، فدعاهم أمير المسلمين إلى الجهاد والدخول في بيعة الجمهور، فقالوا: لا جهاد إلا مع إمام من قريش ولستَ به، أو مع نائبه وما أنت ذلك، فقال: أنا خادم الإمام العباسي، فقالوا له: أظهر لنا تقديمه إليك، فقال: أو ليست الخطبة في جميع بلادي له؟ فقالوا: ذلك احتيال، ومردوا على النفاق».
وحتى يكون ابن تاشفين أميراً شرعياً أرسل إلى الخليفة العباسي يطلب منه توليته. ويقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: «وفي سنة تسع وسبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المقتدي يطلب أن يسلطنه وأن يقلده ما بيده من البلاد فبعث إليه الـخُلَعَ والأَعلام والتقليدَ ولقّبه بأمير المسلمين، ففرح بذلك وسُر به فقهاء المغرب».
وبعد أن زاد ضغط النصارى الإسبان القادمين من الشمال استنجد بابن تاشفين المعتمد بن عباد، ونُقِلَ عنه في كتاب دراسات في الدولة العربية في المغرب والأندلس أنه قال: «رعي الـجِمال عندي خير من رعي الخنازير» وذلك كناية عن تفضيله للسيادة الإسلامية.
 ودخل المعتمد مع ابن تاشفين الأندلس شمالاً وقاد ابن تاشفين الجيوش الإسلامية وقاتل النصارى قتالاً شديداً وكانت موقعة الزلاّقة من أكبر المعارك التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً على الإسبان، وهُزم ملكهم الفونسو السادس هزيمة منكرة. وعلى أثر هذه الموقعة خَلَعَ ابنُ تاشفين جميعَ ملوك الطوائف من مناصبهم ووحّد الأندلس مع المغرب في ولاية واحدة لتصبح: أكبر ولاية إسلامية في دولة الخلافة.
أمير المسلمين
يقول صاحب الحُلَل الـمَوْشِيّة: (ولما ضخمت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت عمالته، اجتمعت إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالت له: أنت خليفة الله في أرضه، وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين. فقال لهم: حاشا للـه أن نتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم، فقالوا له: لا بد من اسم تمتاز به، فأجاب إلى «أمير المسلمين وناصر الدين» وخطب لهم بذلك في المنابر وخوطب به من العُدْوَتَيْن - أي المغرب والأندلس -).
يقول السلامي الناصري في الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى: «إنما احتاج أمير المسلمين إلى التقليد من الخليفة العباسي مع أنه كان بعيداً عنه، وأقوى شوكة منه، لتكون ولايته مستندة إلى الشرع وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدباً مع الخليفة حتى لا يشاركه في لقبه، لأن لقب أمير المؤمنين خاص بالخليفة، والخليفة من قريش».
النقد الشرعي
من علامات التقوى والتمسك بأهداب الدين تمسك الأمراء والحكام بالنقد الشرعي، وفي ذلك يقول ابن الخطيب في كتابه الإحاطة: (كان درهمه فضة، وديناره تبراً محضاً، في إحدى صفحتيه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتحت ذلك «أمير المسلمين يوسف بن تاشفين»، وفي الدائر ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[، وفي الصفحة الأخرى «الإمام عبد اللـه أمير المؤمنين» وفي الدائرة «تاريخ ضربه وموضع سكه»). وعبد الله اصطلاحاً هو كنية يصلح لاسم كل خليفة عباسي.
اتخذ يوسف السواد شعاراً للمرابطين، وهو نفس شعار الدولة العباسية، ورفع شعار السواد يدل على التمسك بالسنة والتمسك بالوحدة وعدم شق جماعة المسلمين، إضافة إلى أن راية رسول الله  كانت سوداء. ذاع صيت ابن تاشفين بين العلماء والقضاة بشكل خاص وبين الناس بشكل عام فتناقلوا أخباره وصفاته، وتواتر عنهم نقل صفات الجهاد والعدل والزهد والإخلاص والتمسك بالإسلام وبدولة المسلمين الشرعية، حتى أثنى عليه معظم العلماء والفقهاء.
قالوا فيه
جاء في الخطاب المطول الذي رفعه الفقيه المعروف بابن العربي واسمه عبد الله بن عمر: «… الأمير أبو يعقوب يوسف بن تاشفين المتحرك بالجهاد، المتجهز إلى المسلمين باستئصال فئة العناد، ولمة الفساد، قام بدعوة الإمامة العباسية والناس أشياع، وقد غلب عليهم قوم دعوا إلى أنفسهم ليسوا من الرهط الكريم ولا من شعبه الطاهر الصميم، فنبّه جميع من كان في أفق قيامه بالدعوة الإمامية العباسية، وقاتل من توقف عنها منذ أربعين عاماً إلى أن صار جميع من في جهة المغارب على سعتها وامتدادها له طاعة.
واجتمعت بحمد اللـه على دعوته الموفقة الجماعة، فيخطب الآن للخلافة، بسط الله أنوارها، وأعلى منارها على أكثر من ألفي منبر وخمسمائة منبر، فإن طاعته ضاعفها الله من أول بلاد الله الإفرنج، استأصل اللـه شأفتهم، ودمّر جملتهم إلى آخر بلاد السوس مما يلي غانة، وهي بلاد معادن الذهب، والحافة بين الحدين المذكورين مسيرة خمسة أشهر.
 وله وقائع في جميع أصناف الشرك من الإفرنج وغيرهم، قد فللت غربهم، وقللت حزبهم، وألفت مجموعة حربهم، وهو مستمر على مجاهدتهم ومضايقتهم في كل أفق، وعلى كل الطرق، ولقد وصل إلى ديار المشرق في هذا العام قاضٍ من قضاة المغرب يعرف بابن القاسم، ذكر من حال هذا الأمير ما يؤكد ما ذكرته، ويؤيد ما شرحته، وقد خصّه الله بفضائل، منها الدين المتين، والعدل المستبين، وطاعة الإمام، وابتداء جهاده بالمحاربة على إظهار دعوته، وجمع المسلمين على طاعته، والارتباط بحماية الثغور.
 وهو ممن يقسم بالسوية، ويعدل في الرعية، وواللـه ما في طاعته مع سعتها دانٍ منه، ولا ناءٍ عنه من البلاد ما يجري فيه على أحد من المسلمين رسم مَكْسٍ، وسبل المسلمين آمنة، ونقوده من الذهب والفضة سليمة من الشرب، مطرزة باسم الخلافة ضاعف اللـه تعظيمها وجلالها. هذه حقيقة حاله واللـه يعلم أني ما أسهبت ولا لغوت بل لعلي أغفلت أو قصرت».
وجاء رد الخليفة بخط يده وبمداد ممسك: «… إن ذلك الولي الذي أضحى بحبل الإخلاص معتصماً، ولشرطه ملتزماً، وإلى أداء فروضه مسابقاً، وكل فعله فيما هو بصدده للتوفيق مساوقاً، لا ريبة في اعتقاده، ولا شك في تقلده من الولاء، طويل نجاده، إذا كان من غدا بالدين تمسكه، وفي الزيادة عنه مسلكه، حقيقاً بأن يستتب صلاح النظام على يده، ويستشف من يومه حسن العقبى في غده، وأفضل من نحاه، وعليه من الاجتهاد دار رحاه، جهاد من يليه من الكفار، وإتيان ما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار، اتباعاً لقول القرآن: ﴿قاتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾ فهذا هو الواجب اعتماده، الذي يقوم به الشرع عماده».
وللغزالي قول فيه رد على طلب ابن العربي منه لفتوى بحقه نقتبس منه: «لقد سمعت من لسانه -ابن العربي- وهو الموثوق به، الذي يستغنى مع شهادته عن غيره، وعن طبقة من ثقاة المغرب الفقهاء وغيرهم من سيرة هذا الأمير أكثر الله في الأمراء أمثاله، ما أوجب الدعاء لأمثاله، فلقد أصاب الحق في إظهار الشعار الإمام المستظهري، وإذا نادى الملك المستولي بشعار الخلافة العباسية وجب على كل الرعايا والرؤساء الإذعان والانقياد، ولزمهم السمع والطاعة، وعليهم أن يعتقدوا أن طاعته هي طاعة الإمام، ومخالفته مخالفة الإمام، وكل من تمرد واستعصى وسل يده عن الطاعة فحكمه حكم الباغي،
وقد قال اللـه الله: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾ والفيئة إلى أمر الله الرجوع إلى السلطان العادل المتمسك بولاء الإمام الحق المنتسب إلى الخلافة العباسية، فكل متمرد على الحق فإنه مردود بالسيف إلى الحق، فيجب على الأمير وأشياعه قتال هؤلاء المتمردة عن طاعته لا سيما وقد استنجدوا بالنصارى المشركين أوليائهم،
 وهم أعداء الله في مقابلة المسلمين الذين هم أولياء اللـه، فمن أعظم القربات قتالهم إلى أن يعودوا إلى طاعة الأمير العادل المتمسك بطاعة الخلافة العباسية، ومهما تركوا المخالفة وجب الكف عنهم، وإذا قاتلوا لم يجز أن يتبع مدبرهم، ولا أن (ينزف) على جريحهم….
 وأما من يظفر به من أموالهم فمردود عليهم أو على ورثتهم، وما يؤخذ من نسائهم وذراريهم في القتال مهدرة لا ضمان فيها… ويجب على حضرة الخليفة التقليد فإن الإمام الحق عاقلة أهل الإسلام، ولا يحل له أن يترك في أقطار الأرض فتنة ثائرة إلا ويسعى في إطفائها بكل ممكن.
قال عمر رضي اللـه عنه: «لو تركت جرباء على ضفة الفرات لم تُطل بالهناء -القِطر- فأنا المسؤول عنها يوم القيامة». فقال عمر بن عبد العزيز: «خصماؤك يا أمير المؤمنين»، يعني أنك مسؤول عن كل واحد منهم إن ضيعت حق اللـه فيهم أو أقمته فلا رخصة في التوقف عن إطفاء الفتنة في قرية تحوي عشرة فكيف في أقاليم











الباب الحادي عشر
لماذا كل هذا العداء ؟
وبعدما أكرم الله تعالى أهل مصر بثورة الخامس والعشرين من يناير اجتمع البابا شنودة بابا الأسكندرية برؤساء الطوائف المسيحية الكاثوليكية والإنجيلية في المقر البابوي في العباسية لبحث مساعي الأقباط الرامية لإلغاء أو تعديل المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة من مصادر التشريع..
وحاولوا جهدهم أن  يصدر بيان رسمي يدعو لإلغاء تلك المادة بدعوى الحفاظ على مدنية الدولة.
إلا أن  اللجنة المخولة بتعديل المواد الدستورية الستة قالت إنها لن تدخل تعديلات على المادة الثانية من الدستور أو المادة الخامسة المتعلقة بحظر الاحزاب القائمة على مرجعيات دينية.
 ولقد عارض غالبية الشعب المصري إلغاء المادة الثانية من الدستور. وكان استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب الأمريكية في عدة دول إسلامية أظهر أن الشعوب مؤيدة لتحكيم الشريعة الإسلامية وتقنين أحكامها لتكون أحد مصادر التشريع في البلاد الإسلامية التي شملها الاستطلاع.
 وأتت مصر على رأس قائمة المؤيدين حيث قال أكثر من 90 ٪ من المصريين أنهم يؤيدون تحكيم الشريعة الإسلامية وأن حوالي ثلثي المصريين يطالبون بجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع.
 وكشف الاستطلاع أيضا أن الأغلبية الساحقة من شعوب الدول التي تناولها الاستطلاع، وهي مصر وإيران وتركيا، تؤيد تقنين الشريعة الإسلامية لتكون أحد مصادر التشريع في بلادهم.
 ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع قال 97 ٪ من المصريين إن الشريعة الإسلامية توفر العدالة للمرأة، وقال 85 ٪ أن الشريعة تحمي الأقليات، وقال 96 ٪ أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل. وعبر 97 ٪ من المصريين عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وتعزز العدالة الاقتصادية. واعتبر 94 ٪ منهم أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع.
ومع اعتراض البابا شنودة رأينا  الكنائس المنصفة العاقلة ترفض المساس بـ"المادة الثانية"
فلقد ذكر  عبدالوهاب شعبان قائلا  :أكدت الكنائس المصرية احترامها للمادة الثانية من الدستور المصري والخاصة بــ"الشريعة الإسلامية" ، ودشنت العديد من هذه الكنائس حملات للإبقاء عليها.
وأكدت الكنائس على تأييد الدولة المدنية الديمقراطية ،ذات الدستور الذي يحقق المواطنة الكاملة،والعدالة الاجتماعية ،والوحدة الوطنية وآمال الشعب بكل فئاته..
وقال الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك: إن الطوائف المسيحية اجتمعت على رفض المساس بمادة "الشريعة الإسلامية"حفاظا على مشاعر المسلمين ،ووحدة الوطن،باعتبار أن المناخ غير مناسب .
وناشدت الطوائف كافة الأوساط القبطية بعدم الحديث في هذا الشأن. مشيرة إلي أنه: "ربما في المستقبل تضاف مادة أخرى تحترم كافة الأديان دون تفرقة"..
وأشار النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك الي أن الكنائس المصرية اتفقت خلال لقائها أمس مع البابا شنودة الثالث بالمقر البابوي ،على توصيف أحداث دير الأنبا بيشوي على أنها "فردية" وليست طائفية كما يدعي البعض.
و دعت الطوائف المسيحية في بيان لها كافة الشعب المصري إلى المشاركة الإيجابية في الحياة السياسية، وبناء مصر المستقبل لجميع أبناء هذ الوطن ووجهت الكنائس العزاء لأسر الشهداء، إلى جانب الدعاء للجرحى بالشفاء.
حضر اللقاء الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك،والدكتور القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية، والمطران منير حنا من الكنيسة الإنجليكانية، والأنبا بسطا نائب السريان الأرثوذكس ،والدكتور جرجس صالح أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط                
اليهود والنصارى يصرخون
"أوقفوا أسلمة أمريكا"
نحن نعجب أشد العجب من سير النصارى وراء اليهود سيرا دون تفكير؛ونعجب أكثر حين نرى أن الأوامر التلمودية, والقوانين الأخلاقية, التي فسر بها كهنة اليهود توراتهم, تفسيرًا يتناسب والحقد الذي يأكل قلوبهم, والقسوة الموروثة, والأنانية البشعة, والفوضي العقلية التي لا مثيل لها بين شعوب الأرض, لا تقيم وزنًا للمقدسات المسيحية أو الإسلامية, انطلاقًا من أسطورة «شعب الله المختار» عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ألا تعلم  أن الأب «برانايتس» الذي كشف عن ما في التلمود وأسراره  قد دفع حياته ثمنًا باهظًا , جزاء ما كشف من مكنون هذه التعاليم السرية والإجرامية, حيث اغتاله اليهود في بداية الثورة البلشفية في روسيا سنة1917.
والسؤال الذي نريد أن نطرحه الآن: ما رأي المسيحيين في هذه التعاليم والتي يعرفونها ولماذا يصم الغرب المسيحي أذنيه, ويغمض عينيه عما يحدث من حصار وتدنيس وتخريب لكنيسة المهد? فضلاً عما يحدث للإخوة الفلسطينيين من إبادة جماعية ؟
ولماذا يقف العالم صامتًا, وكذلك المنظمات الدولية - وخاصة منظمة اليونسكو - علي ما يقوم به جيش الاحتلال الصهيوني من هدم للكنائس والمساجد الأثرية , بينما قامت الدنيا ولم تقعد, وانتفضت منظمة اليونسكو وملأت الدنيا صراخًا وعويلاً حينما أقدمت حركة طالبان علي هدم تماثيل بوذا, بحجة أنها تراث إنساني?! أليست الكنائس والمساجد الأثرية أيضًا من التراث الإنساني?? أم أن دولة الكيان الصهيوني فوق القانون تفعل ما تشاء؟
نعم» إنها فوق القانون, لأنها ربيبة وصنيعة الشيطان الأكبر وأم الإرهاب «أمريكا» التي تدافع عنها في المحافل الدولية, وتستخدم حق الفيتو "النقض" حماية لها من الأخطار, وتمدها بالسلاح والمال, بل وتشترك معها في الجريمة النكراء لإبادة شعب أعزل, لا يملك إلا عقيدته وإرادته القوية, وجهاده وصموده الرائع, لتحقيق النصر
صور متكررة للنيل من الإسلام وتشويه صورته تتأرجح بين الظهور والخفوت بين الحين والآخر. ‬شهدت الآونة الأخيرة العديد من المحاولات الغربية لاستفزاز مشاعر المسلمين حول العالم وتنوع الهجوم بين أساليب مبتكرة مثل النائب الهولندي المتطرف جيريت فيلدرز الذي وصف القرآن ب"كتاب الشر" ‬وفي أواخر يوليو دعا إلي سحب الجنسية من المسلمين في هولندا من خلال جبهة داخل البرلمان الهولندي مناوئة للإسلام أسماها "‬التحالف الدولي من أجل الحرية" ‬للحد من انتشار الإسلام.كما أن فيلدرز هو الذي أنتج فيلم "‬فتنة" ‬الشهير عام2008 ‬وتضمن مشاهد تروج لدموية المسلمين وهمجيتهم.‬
ولا يختلف الأمر كثيراً ‬عما حدث في الولايات الأمريكية قبل أسابيع حيث دعت كنيسة في ولاية فلوريدا إلي حرق المصاحف في ذكري11 سبتمبر  في محاولة لتحويل هذه المناسبة إلي "‬يوم عالمي لحرق القرآن".‬
قساوسة أمريكا كان لهم دور في الفترة الأخيرة لمعاداة الإسلام بصورة واضحة حيث أصدر القس تيري جونس كتاباً ‬بعنوان "‬الإسلام هو الشيطان" ‬ودأب علي تقديم هدايا تذكارية لمرتادي كنيسته عبارة عن أكواب وقمصان ومواد أخري كتب عليها نفس العبارة.‬
الغرب والرغبة في التخلص من المسلمين
وشهدت شوارع الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة أيضاً ‬حملة منظمة للنيل من الإسلام واستفزاز مشاعر المسلمين هناك حيث نظمت جماعات يمينية متطرفة حملة إعلانية واسعة ضد الإسلام تحذر الأمريكيين من الإسلام في عدد من المدن الأمريكية، ‬وقامت مجموعة ترفع شعار "‬أوقفوا أسلمة أمريكا" ‬بوضع ملصقات إعلانية علي حافلات النقل في عدد من المدن الأمريكية تطالب الأمريكيين بالابتعاد عن الدين الإسلامي،
 ‬وتأتي هذه الحملة في إطار حملة واسعة ضد الإسلام عقب الجدل الذي أثاره الإعلان عن بناء مسجد قرب موقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر.‬
وكانت حركة "‬تي بارتي" ‬الأمريكية قد دعت ‬– ‬في محاولة فاشلة - ‬ إلي القيام بمظاهرة ضد المسلمين في ولاية كاليفورنيا يصطحبون فيها الكلاب ثم يطلقونها علي المصلين المسلمين أثناء تأديتهم لشعائر صلاة الجمعة، ‬اعتراضاً ‬علي بناء أحد المساجد في أمريكا.‬
الأعداء الجُدد ويبدو أن هذه المساعي الدؤوبة لمحاربة الإسلام والنيل من المسلمين بل والقضاء تماماً ‬عليهم تقف وراءها أفكار ‬غربية متشددة هدفها القضاء التام علي دين محمد
‬ربما لحكمة أو معتقد يؤمن به الملايين من الأمريكيين، ‬وهو ما ذهب إليه د.أحمد ماضي أبو العزايم الرئيس السابق للاتحاد العالمي للصحة النفسية، ‬حيث يقول: ‬في أوائل التسعينيات من القرن الماضي كان هناك اتجاه يسمي "‬new world order" أو ما عرف بالاتجاه العالمي الجديد لحل الصراعات وأنشئ في أمريكا معهد دراسات السلام والذي اعتمد علي بحث الصراعات العالمية في كل مكان وتحليلها،
‬ومن قبله كان المركز الأوروبي لحل الصراعات الذي سمي ب"مركز الأندلس" ‬وهي الحقبة التاريخية لحكم المسلمين في أوروبا التي وجد فيها اليهود حرية اعتناق ديانتهم ولم يكونوا فيها عبيداً. ‬
كل هذه كانت محاولات جيدة لكن مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي بوش اتجه المعهد إلي منحي خطير وهو أن كل الصراعات العالمية في أي دولة تحتاج إلي الولايات المتحدة وإلي دور أمريكي مباشر، ‬ومع تصاعد الهجمة الغربية علي الإسلام ظهرت الموجة المضادة للإسلام وأهانت الإسلام والمسلمين وهذا أتاح فرصة سهلة للغرب للتخلص من الأعداء الجدد وهم المسلمون وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء عدو أمريكا وتحديد العدو الجديد في الإسلام والمسلمين
ومن هنا تعززت الفكرة التي يعتقد فيها الكثير من الأمريكيين وهي "‬عودة المسيح علي يد الدماء اليهودية" ‬والتي تعني قضاء اليهود علي المسلمين،  ‬ورغم ذلك يجب أن نوضح أنه في أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‬2001 ‬كان هناك الكثير من التآمر ضد الإسلام وتواطأت المخابرات الأمريكية حتي تذكي فكرة العداء للإسلام وحتي يعود المسيح علي دماء اليهود وفق هذا المعتقد السائد لديهم.‬
حرب اقتصادية دينية
ويوضح د.أبو العزايم فكرة هذا الاعتقاد بأنه كلما ترتكب إسرائيل جرائم ضد العدو (‬المسلمين) ‬لا يتحرك أحد نظراً ‬للاعتقاد السائد لدي الكثير من الغربيين وبخاصة في أمريكا بأن الانتصار علي عدو اليهود هو مقدمة لظهور المسيح مجدداً، ‬وهذا مفهوم مرضي تغذيه العمليات الإرهابية من ناحية وتدمير كيانات اقتصاد الدول الإسلامية من ناحية أخري للقضاء بكل الوسائل علي الإسلام وتشويه صورة المسلمين أمام العالم أجمع. ‬
وبالتالي هي حرب اقتصادية دينية تحتاج إلي عقول علي درجة عالية من الكفاءة لمواجهة هذه الأفكار لنحقق الانتصار العقلي والفكري عليهم، ‬فمن الناحية النفسية كلما شعرت بالانهزام أمام هذه الحرب الغربية ضد الإسلام كلما كان ذلك بداية لعمل واسع وتشكيل رأي عام واع يتصاعد وصولاً ‬إلي الإحساس بالفشل وهنا تحدث الانطلاقة الثانية للنهوض فإحساسنا بالضعف يحتاج منا إلي انطلاقة فكرية وليس انطلاقة عداء للغرب وهو ما يعرف في علم النفس بمرحلة "‬الهياج الفكري" ‬أو مرحلة التعبئة، ‬ومن هنا علينا أن نتوقف عن الهجوم بالانتقام لذواتنا ولكن علينا أن ننهض لتطوير دولنا وبلادنا الإسلامية.‬




بروتوكولات حكماء صهيون
السؤال الذي يطرح نفسه الأن وفي كل زمان هو : كيف يخفى على النصارى ما يخططه اليهود ؟ والإجابة في رأي إما أن للنصارى مع اليهود مصالح مشتركة فوجه يخطط وأخر ينفذ وتسم الغنائم في النهاية .وإما أن النصارى مغيبون يتصرفون بلا وعي وكما يرسم لهم اليهود يتحركون بدليل أننا نراهم ينشطون فى الوقت الذي ينشط فيه اليهود وتخت راياتهم في الوقت الذي يهدأ فيه اليهود .
ولذا رأيت أن أضع أمام النصارى جانبا من جوانب اليهود فربما لا يعرفونه وإن كانوا على علم به فالجريمة إذن أكبر .لأنهم إن كانوا على علم بالبروتوكولات وما وضعه اليهود فيها من خطط يريدون منها تدمير البشرية ثم يعاونهم النصارى في ذلك فهذا أدهى وأمر .
فأستميحك عزرا عزيزي القارئ أن أذكر بعضا مما قاله العلماء وما قالته الأمم التى اطلعت على البروتوكولات وما فيها من أضرار ثم نعقب برأي اليهود في النصارى وما فعلوه في بعض مبادئهم وما يقولونه لأبناءهم عن مقدسات النصارى لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا .
بروتوكولات حكماء صهيون عبارة عن مجموعة من النصوص تتمحور حول "خطة" لسيطرة اليهود على العالم. تم نشر هذه النصوص لأول مرة في الإمبراطورية الروسية في جريدة زناميا في مدينة سانت بطرسبرغ عام 1903 م. يرى العديد من المؤرخين أن هذه الكتابات هي مجرد خدعة وخاصة بعد إجراء تحقيق صحفي عام 1921 م حول مصداقية هذه الكتابات قامت به صحيفة التايمز اللندنية 
يري البعض أنها كانت عبارة عن  مقالات تم من خلالها تزوير أدبي لكتاب فرنسي  وتم نشر سلسلة من المقالات التي وصفت عملية التزوير.في نفس السنة -أي عام 1921 - تم طبع النص الكامل للبروتوكولات في الولايات المتحدة وفي عام 1934 قام الطبيب السويسري زاندر Dr. A. Zander بنشر سلسلة من المقالات يصف فيه البروتوكولات حقيقة تاريخية ولكنه تعرض للمحاكمة لنشره تلك المقالات.
بينما يرى أخرون أن البروتوكولات  جزء من نظرية المؤامرة ومعاداة السامية ومعاداة الصهيونية وأن البروتوكولات في الأساس تم نشرها والدعاية لها من قبل الشيوعيين المعارضين لحكومة الإمبراطورية الروسية حيث بدأت بعد الثورة البلشفية عام 1917 م وعلى يد البلاشفة نشر أفكار مفادها أن اليهود يحاولون السيطرة على العالم.
حسب المؤرخ الروسي ميخائيل ليبخين Mikhail Lepekhine فإن مؤلف البروتوكولات بشكله الحالي المثير للجدل هو روسي كان يعمل كعميل مزدوج للإمبراطورية الروسية والبلاشفة واسمه ماثيو جولوفنسكي Mathieu Golovinski والذي انتمى فيما بعد إلى منظمة الأخوة المقدسة Holy Brotherhood التي كانت معادية للسامية
حسب التحقيقات الصحفية التي قامت بها صحيفة التايمز اللندنية عام 1921 وهو الاعتقاد الراسخ لدى التيار الذي ينكر حقيقة هذه البروتوكولات فإن هذه البروتوكولات تم اقتباسها وتزويرها وتحريفها من كتيب ذو طبع نقدي لاذع من الطموحات السياسية لإمبراطور فرنسا نابليون الثالث
 حيث قام المحامي الفرنسي موريس جولي (1829 - 1878) بتأليف كتيب بعنوان "حوار في جهنم بين ميكافيلي ومونتيسكيو" وتم طبعه لأول مرة في بروكسل عاصمة بلجيكا عام 1864 ومن الجدير بالذكر أن مونتيسكيو (1689 - 1755) المفكر السياسي الفرنسي كان ينادي بعدم الانفراد في السلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
حاول جولي استعمال الرموز والسخرية بصورة غير مباشرة لانتقاد طريقة حكم نابليون الثالث وقام بطبع الكتاب في بلجيكا لأن نقد العائلة المالكة في فرنسا كانت تعتبر جناية يعاقب عليها القانون ولكن السلطات الفرنسية ألقت القبض على جولي وحكمت عليه بالسجن لمدة 15 شهرا وتم منع الكتيب.
 استنادا إلى نفس التيار الفكري المشكك للبروتوكولات فإنه في عام 1868 أي بعد 4 سنوات من طبع الكتيب المذكور أعلاه قام شخص كان يعتبر ذو أفكار توصف بمعاداة السامية واسمه هيرمان جويدشي (Hermann Goedsche (1815 - باقتباس جزء من الكتيب المذكور في أحد فصول كتاب كتبه بعنوان Biarritz والذي كتبه جويدشي تحت اسم مستعار وهو جون ريتكلف Sir John Retcliffe
وفي هذا الفصل تحدث ريتكلف عن مجموعة من أحبار اليهود الذين -حسب التقاليد القديمة لليهود- يلتقون مرة كل 100 عام ليضعوا مشاريع وخطط لمستقبل اليهود في العالم
هناك 24 بروتوكولا يحاول فيه حكماء اليهود حسب كتاب جون ريتكلف استغلال غير المنتمين للديانة اليهودية لتحقيق مصالح اليهود في العالم وفي مقدمة الوسائل أو البروتوكولات هي نشر أفكار ليبرالية تدعو إلى حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة بالإضافة إلى نشر أفكار تشكك من الديانة المسيحية.
 وحسب البروتوكولات فإن السيطرة على وسائل الإعلام والاقتصاد سوف تؤدي على المدى الطويل إلى ازدياد هيمنة اليهود في العالم وتحاول البروتوكولات إبراز فكرة أن التقاليد المحافظة للكنيسة المسيحية هي ضد التطور والرأسمالية
وتظهر البروتوكولات أيضا أن الماسونية بصورة غير مباشرة هي جزء من خطة حكماء اليهود للهيمنة على العالم وأنها سوف تستبدل في النهاية بحكومة يكون فيها للديانة اليهودية اليد العليا.
 ويتحدث البروتوكولات بصورة مفصلة عن "مملكة" سوف تنشأ في المستقبل وكيفية إدارة هذه المملكة التي يفضل فيها الحكماء ألا يكون الدين فيها مسيطرا بشكل واضح وصريح إنما يلعب دورا رئيسيا من خلف الستار
دور البلاشفة
حسب نظرية المؤامرة تم استخدام البروتوكولات ضد البلاشفة تم استعملها البلاشفة ضد اليهود
المثير في موضوع بروتوكولات حكماء صهيون أن هناك العديد من نظريات المؤامرة المتعلقة بمنشأ البروتوكولات وهناك أيضا نظريات مؤامرة داخل كل نظرية مؤامرة شبيهة بأسلوب بعض الروائيين باستعمال الحلم داخل الحلم في الحبكة الروائية.
 هناك اعتقاد أن الشرطة السرية للإمبراطورية الروسية قامت بصورة متعمدة بنشر كتيب جون ريتكلف عن البروتوكولات لأنها وجدتها مفيدة لتقليل نفوذ الحركات الثورية ضد الأمبراطورية والحيلولة دون اتحاد اليهود مع البلاشفة ضد حكم القيصر نيكولاس الثاني
 وقامت الشرطة السرية القيصرية أيضا وحسب التيار المشكك بالبروتوكولات باستخدام أحد رجال الدين الروس واسمه سيرغي نيلوس (Sergei Nilus) بنشر البروتوكولات بصورة غير مباشرة في كتابه "مجيء الدجال وحكم الشيطان" في عام 1905 وفي هذا الكتاب ذكر نيلوس أن البروتوكولات تم إقرارها في المؤتمر العالمي الأول للصهيونية في بازل
وكجزء من الحلم داخل الحلم أو المؤامرة داخل المؤامرة فإن البلاشفة الذين تم استعمال البروتوكولات لإضعافهم قاموا باستخدامها لنشر الكراهية ضد اليهود لكن الحقائق التاريخية تشير إلى أن الكتاب انتشر بكثرة بعد الترجمة للغة الإنجليزية الذي قام بها الصحفي البريطاني فكتور مارسدين في عام 1921 الذي كان مسجونا في معتقلات البلاشفة أثناء تغطيته الإعلامية للثورة البلشفية
وأضاف إلى الترجمة مقولات لرئيس المنظمة الصهيونية العالمية حايم وايزمان وفي نفس السنة قام هنري فورد في الولايات المتحدة بدعم طبع نصف مليون نسخة من الكتاب وصرح فورد "أن البروتوكولات مطابقة لما يجري في العالم لحد هذا اليوم"
تم إعادة طبع كتاب بروتوكولات حكماء صهيون عدة مرات في الاتحاد السوفيتي وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في روسيا حتى عام 1993 عندما أصدرت محكمة في موسكو قرارا باعتبار البروتوكولات عملا مزورا وسيكون هناك غرامة مالية لأية جهة تحاول نشر أفكار بان البروتوكولات حقيقية ، لكن في عام 2003 وبمناسبة مرور 100 عام على صدور البروتوكولات قامت الصحيفة الأسبوعية الروسية Argumenty i fakty بكتابة مقال ورد فيه مقتطفات من البروتوكولات مع تعليق نصه «لا يهم إن كانت البروتوكولات حقيقة أم تزوير ولكنها مطابقة لما يجري في أوروبا الآن»
البروتوكولات والنازية
هناك اعتقاد سائد من قبل التيار المشكك في بروتوكولات حكماء صهيون إن النازية استعملت البروتوكولات في حملتها الدعائية ضد اليهود وفي عمليات الهولوكوست واستنادا إلى المؤرخة الأمريكية نورا ليفين فان هتلر استخدم البروتوكولات كحجة لإبادة اليهود وتم ذكر البروتوكولات أيضا في كتاب كفاحي حيث كتب هتلر "إن البروتوكولات تظهر بشكل واضح بان تاريخ اليهود مستند إلى حد كبير على الأكاذيب والتزوير وان هناك مخاوف حقيقية من نشاطات اليهود وأهدافهم"
المؤامرة
من وجهة نظر التيار المقتنع بأن البروتوكولات حقيقية فان الجدل الرئيسي ليست عما إذا كانت البروتوكولات مزورة أو مقتبسة أو محرفة من عمل ادبي تم كتابته في القرن الثامن عشر،
النقطة الرئيسية التي يحاول هذا التيار إبرازه هو انه وبغض النظر عن نظريات المؤامرة المتعددة والمتشابكة والتي يصعب في بعض الأحيان على الأنسان البسيط غربلته وفهمه فان هناك باعتقادهم نوع من الهيمنة لشخصيات يهودية على وسائل الإعلام والاقتصاد والسياسة وعما إذا كانت هذه الهيمنة قد تحققت بصورة عشوائية أو عن طريق حملة تدريجية منظمة فهذا لايغير من الواقع الحالي شيئا وهذا الواقع وحسب رأي هذا التيار يشهد نفوذا كبيرا لأشخاص محسوبين على الديانة اليهودية بغض النظر عن مدى تمسك هؤلاء الأشخاص بالتعاليم الدينية اليهودية.
على الصعيد السياسي هناك نوع من القناعة لدى البعض بان اليهود مهيمنون بطريقة أو بأخرى على عملية صنع القرار السياسي في العديد من دول العالم ففي ماليزيا صرح رئيس الوزراء مهاتير محمد "نحن المسلمون اقوياء لايمكن لأكثر من مليار مسلم ان يتم محيهم من الوجود بسهولة
لقد قتل الأوروبيون 6 ملايين من مجموع 12 مليون يهودي ولكن اليوم فان اليهود يحكمون العالم ويجعلون الآخرين يقاتلون ويموتون من اجلهم"  وفي ديسمبر 2003 كتب الصحفي شريف حتاته في جريدة الأهرام "ان الرئيس الأمريكي جورج و. بوش استطاع ان يجمع 200 مليون دولار لحملته الأنتخابية لعام 2004 وان معظم هذه الأموال قد أتت من اللوبي الصهيوني"
البروتوكولات والعالم العربي
في نوفمبر 2003 قامت مكتبة الإسكندرية في مصر بعرض أقدم نسخة مترجمة إلى العربية من البروتوكولات بجانب الكتاب المقدس اليهودي التوراة واثار هذا ردود فعل معارضة من قبل اليهود ولكن مدير قسم المخطوطات بالمكتبة يوسف زيدان قال "بالنسبة لأتباع الفكر الصهيوني فان هذه البروتوكولات تعتبر أكثر اهمية من التوراة الذي يعتبره اليهود كتابهم المقدس ومن الجدير بالذكر ان أول ترجمة عربية للبروتوكولات تمت على يد محمد خليفة التونسي
في السعودية يتضمن بعض المناهج التي تدرس في المدارس أشارات إلى ان البروتوكولات هي "وثائق سرية" ومن المحتمل انه "تم اقرارها في المؤتمر العالمي الأول للصهيونية في بازل" وان اليهود "يحاولون انكارها" وحسب المناهج الدراسية السعودية فان أفضل دليل على كون البروتوكولات حقيقية هي "التأمل في مجريات التاريخ خلال القرن الماضي" حيث تعتبر التغييرات السياسية والجغرافية والاقتصادية والأعلامية التي حدثت لليهود مطابقة لما ورد في البروتوكولات.
في لبنان قام تلفزيون المنار الذي يشرف عليه حزب الله بعرض مسلسلة "الشتات" في أكتوبر ونوفمبر عام 2003 وكان المسلسل متمحورا حول "هيمنة اليهود على العالم" في إشارة صريحة إلى بروتوكولات حكماء صهيون وفي فلسطين يضم الميثاق الرئيسي لحركة حماس إشارة واضحة إلى ماتعتبره الحركة محاولة الحركة الصهيونية تنفيذ بنود بروتوكولات حكماء صهيون.
 وفي مقابلة تلفزيونية لقناة المجد السعودية مع مفتي القدس عكرمة سعيد صبري في 20 فبراير 2005 وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قال المفتي "إن من يقرأ بروتوكولات حكماء صهيون يرى بوضوح ان هدف هذه البروتوكولات هو خلق فوضى لتهديد أمن وأستقرار العالم
-الطبعة: الأولى 2003
-الناشر: دار الشروق, القاهرة
يتناول الفصل الأول من الكتاب أصل البروتوكولات والموضوعات الأساسية فيها، وقد نشرت البروتوكولات عام 1905 ضمن كتاب لمسيحي أرثوذكسي متطرف هو سيرجي نيلوس، وقيل إنها محاضر اجتماعات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال بسويسرا عام 1897 برئاسة تيودور هرتزل. وقد لاقت البروتوكولات رواجا كبيرا في أوروبا، ثم انتشرت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل.

والرأي السائد في الأوساط العلمية أن البروتوكولات وثيقة مزورة استفاد كاتبها من كتاب فرنسي نشر في القرن التاسع عشر بعنوان "حوار في الجحيم بين مكيافيلي ومونتسيكو"، وتبدي مراجعة الكتابين أنه جرت اقتباسات حرفية من الكتاب ووضعت في البروتوكولات. وقد نشرت البروتوكولات على أنها كتبت باللغة الروسية،
 فلماذا لم تكتب بالآرامية أو اليديشية لغة اليهود؟
ويربط كاتب البروتوكولات المدافع عن القيصرية الروسية المتداعية بين كل الأفكار التقدمية والثورية الحديثة التي يكرهها وبين المؤامرة اليهودية، فاليهود بعد سيطرتهم على المال والإعلام اخترعوا قيم الحرية والمساواة ليؤلبوا الشعوب على ملوكهم، وهذا قول بالغ السذاجة فهذه القيم بشرت بها الأديان السماوية منذ عشرات القرون.
انتشار البروتوكولات في الوطن العربي ربما يعود إلى تفسير المد الاستعماري ولتفسير الهزائم التي لحقت بالعرب على يد مجموعات يهودية كانت توصف بأنها من شذاذ الآفاق
وتسوق البروتوكولات على أنها مخطط عام يشرحه رئيس الحكماء، ولكنها في الوقت نفسه عريضة اتهام موجهة للذات، وكيف يصف رئيس حركة نفسه وفريقه وحركته بأنهم يقودون الأمم من فشل إلى فشل
 ويقول عن جماعته وعن نفسه "إننا لنا شره لا يشبع، ونقمة لا ترحم، ومصدر إرهاب". ثم يخبر الرئيس فريقه بأعمالهم الشريرة المعروفة لديهم والتي يطبقونها، فما الهدف من هذا العرض البديهي (كما يفترض) لأناس متمرسين على هذا العمل؟

ولكن إذا كانت البروتوكولات بهذه البلاهة فلماذا لقيت رواجا كبيرا في الغرب ثم في الوطن العربي؟
إن الرؤية المسيحية لليهودي تشجع على قبول هذه الاتهامات لليهود، فهم في الوجدان المسيحي رمز الشر الذين قتلوا المسيح وصلبوه، وربما تعبر البروتوكولات على نحو ما عن أزمة الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر بعد تزايد معدلات العلمنة والتصنيع وتفكك المجتمع التقليدي، وربما دفع ذلك الغرب إلى تبني نموذج تفسيري بسيط اختزالي.
وفي الوطن العربي فإن انتشار البروتوكولات يعود ربما إلى تفسير المد الاستعماري الذي جاء إلى بلاد العرب ويحمل معه اليهود، ولتفسير الهزائم التي لحقت بالعرب على يد مجموعات يهودية كانت توصف بأنها من شذاذ الآفاق، ولتفسير السلوك المتناقض وغير العقلاني للغرب العقلاني الديمقراطي.

البروتوكولات والعنف
من الأدلة الأخرى على أن الوثيقة روسية وأن صاحبها نسبها إلى اليهود أنه لا يعرف شيئا عن العقيدة اليهودية، فلم يشر مرة واحدة إلى أي من الطقوس أو الأعياد اليهودية، ولم يستخدم كلمة عبرية أو آرامية أو يديشية، ولم يشر إلى العهد القديم أو التلمود أو الزوهار والباهير، وهي كتب تحتوي على ما هو أسوأ من البروتوكولات.
فالكتب المقدسة لدى اليهود مليئة بالحض على قتل الغير وكراهيته، وكانت بعض البلاد الغربية تفرض على اليهود أن يحذفوا بعض الفقرات التي تظهر عداء متطرفا للأغيار، وكان أعضاء الجماعات اليهودية يتبادلون فيما بينهم دون علم السلطات مخطوطات خاصة تضم المحذوفات التلمودية.
ولكن مع هذا يجب أن نتذكر أن من كتبوا النصوص التلمودية كانوا زعماء أقلية دينية مضطهدة تعبر عن كرهها وتدخل العزاء على قلوب أعضائها، وكانوا يكتبون بالآرامية التي كانت مجهولة لدى الأغلبية، فيستغرقون في الأحلام اللذيذة المستحيلة، وينسجون من الأوهام عن أنفسهم.
ومن المعروف أن الغالبية من اليهود دخلت في موجة العلمانية، ولم يعد المتدينون يشكلون سوى أقلية بين اليهود، وهؤلاء المتدينون أيضا لا يقرؤون التلمود الذي لا يؤمن به سوى أقلية ضئيلة لا تتجاوز 5% من اليهود.
ويوجد أيضا في النصوص اليهودية ما يعتبر المسلمين من الأخيار غير المشركين، وفي سفر التثنية: لا تمقتوا الأدوميين لأنهم إخوتكم، ولا تكرهوا المصريين لأنكم كنتم ضيوفا في ديارهم.
والسلوك اليهودي في فلسطين ليس مرده إلى التلمود، ولكنه الاستعمار الاستيطاني الذي يشبه الاستعمار الأبيض للقارة الأميركية وجنوب أفريقيا، حيث أبيد السكان الأصليون. فتقديس الصهاينة للعنف هو إفراز طبيعي للحضارة العنصرية الإمبريالية التي كانوا يتحركون في إطارها، والصهيونية لم تتحول إلى حقيقة إلا عبر التشكيل الاستعماري الغربي وهي تدور في إطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية، وليس من خلال التوراة أو التلمود أو البروتوكولات.
ويرى البروفيسور الإسرائيلي المعارض إسرائيل شاحاك أن الصهيونية تعمل وتفكر عكس التيار الرئيسي للديانة اليهودية، ولا بد أن يؤدي ذلك بإسرائيل إلى كارثة. ويرى الحاخام يهودا أجنس أول رئيس للجامعة العبرية أن الصهيونية تحاول أن تقيد الديانة اليهودية والشعب اليهودي بقيود جنون القوة المادية.
البروتوكولات الصهيونية
أدرك هرتزل أن الاستعمار الغربي هو الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستيطاني فقام بتأسيس المنظمة الصهيونية للتفاوض باسم يهود العالم
كان تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية علمانيا، ولم تكن زوجته يهودية، وقد تنصر أولاده من بعده. وكان يحتفل بعيد الميلاد (الكريسماس) ولم يكن يتناول الكوشير (الطعام اليهودي وفق الشريعة اليهودية).
وكان من الناحية الثقافية ابن عصره الغربي، فكان يجيد الألمانية والإنجليزية والفرنسية والمجرية، ولم يكن يعرف العبرية. واضطر إلى أداء الصلاة اليهودية لأول مرة في المؤتمر الصهيوني مجاملة للحاخامات المشاركين. وتعلم بعض الكلمات العبرية،
وقد بذل -حسب قوله- مجهودا كبيرا كي يتعلمها يفوق الجهد الذي بذله في إدارة جلسات المؤتمر. ولا يمكن لشخصية مغرقة في العلمانية وصفها المؤرخون اليهود بالسطحية ووقفت في وجهه المؤسسة الدينية والمالية اليهودية أن يكون هو صاحب البروتوكولات، علاوة على أنه لم يكن يملك موارد مالية.
ولكن يمكن أن يقال: كيف استطاع الوصول إلى رئاسة الحركة الصهيونية؟ الواقع أن هرتزل تعود خبرته ليس إلى معرفته باليهود، وإنما بالشخصيات الاستعمارية وموازين القوى العالمية والتشكيل الاستعماري الغربي.
اكتشف هرتزل أنه يمكن للغرب التخلص من اليهود عبر تحويل هجرة اليهود من العالم الغربي إلى مكان ما خارج حدوده، حيث يمكن توظيفهم لصالح الغرب الذي لفظهم، وهذه هي المفارقة الكبرى في حالة الصهيونية.
وقد أدرك هرتزل أنه لا بد من اللجوء إلى الاستعمار الغربي باعتباره الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، فقام بتأسيس المنظمة الصهيونية ليفاوض القوى الاستعمارية باسم يهود العالم، ولكن منظمته لم تكن تمثل إلا أقلية من اليهود لا يعتد بها، فكان العنصر الحاسم هو الدولة الاستعمارية الراعية وليس المنظمة، فتجاهل منظمته، وبدأ بحثه الدائب عن قوة غربية ترعى المشروع.
المؤتمر الصهيوني
لم يكن المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بال عام 1897 ونسجت حوله الأساطير مؤتمرا سريا خطيرا، ولكنه نشرت وثائقه في الصحف، وحضره حوالي 250 شخصا أسماؤهم جميعا ووظائفهم معروفة، وكان معظمهم من يهود أوروبا الشرقية وينتمون إلى جمعية صهيونية واحدة، وكان معظم الحضور من الطبقة الوسطى وربعهم من رجال الأعمال والباقي من الأدباء والطلبة. وكان بينهم ملحدون واشتراكيون وأحد عشر حاخاما، فقد كانت المرجعية الدينية اليهودية تحرم العودة إلى فلسطين. وقد وصف روتشيلد هذه المجموعة بأنهم مجموعة من الصغار والشحاذين والمغفلين الذين يقودهم هرتزل.
كان هدف المؤتمر المعلن هو إقامة وطن قومي لليهود ترعاه واحدة أو أكثر من الدول الكبرى، وكان المؤتمر وكذلك المؤتمرات التالية علنية حضرها مراقبون غير يهود وممثلون لوسائل الإعلام، وقد عقد المؤتمر الرابع والثلاثون في يونيو/ حزيران 2002.
الإعلام ومراكز النفوذ
أصبح الحديث عن سيطرة اليهود واللوبي الصهيوني على الإعلام ومؤسسات صنع القرار في الغرب من ثوابت الخطاب السياسي والإعلامي العربي، ولكن السيطرة الإعلامية سببها الحقيقي هو أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، ولم تكن هذه السيطرة بسبب الثراء والمخططات اليهودية.
فاللوبي الصهيوني وإمكانياته الإعلامية والاقتصادية هي أداة الغرب الرخيصة: دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام، تشبه العلاقة بين فرنسا والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبين بريطانيا والمستوطنين الإنجليز في روديسيا.
فقوة الحركة الصهيونية تنبع من أنها تخدم المصالح الأميركية، وهكذا يجب أن يفهم سر سطوة الإعلام الصهيوني، وسر نفوذ اللوبي الصهيوني. فالحركة الصهيونية ليست جزءا من التاريخ اليهودي، ولا هي جزء من التوراة والتلمود برغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية. وإنما هي جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، فهي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية.
ولذلك فإنها لم تظهر بين يهود اليمن أو المغرب، وإنما ظهرت بين يهود الغرب. ولم تظهر بينهم في العصور الوسطى على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي آسيا وأفريقيا. وقد ظهرت في بداية الأمر بين مفكرين استعماريين غير يهود، ثم تبناها بعض المثقفين اليهود من شرق أوروبا ووسطها.
لقد كانت فكرة الدولة اليهودية في فلسطين استعمارية أطلقها قادة استعماريون يكرهون اليهود، وقبل وجود تأثير يهودي في الغرب، مثل نابليون وبسمارك وبالمرستون وبلفور.
تمنع الولايات المتحدة أي محاولة إسرائيلية للاستقلال عنها مثل محاولة التصنيع العسكري أو عقد صفقات وعلاقات مع الصين والهند إلا بموافقة أميركية
ويعتبر وعد بلفور أهم حدث في تاريخ الصهيونية، وقد صدر عن بريطانيا التي كانت توجد فيها جماعة يهودية صغيرة. ولم يصدر عن ألمانيا التي كانت مقر الصهيونية وكان اليهود فيها قوة اقتصادية وثقافية وإعلامية، بل إن الألمانية كانت هي لغة المؤتمرات الصهيونية، فلماذا فشل اليهود الأقوياء في ألمانيا ونجحوا في بريطانيا التي كانوا جماعة ضعيفة فيها؟
ويعد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو الأقوى بين المجموعات الصهيونية في العالم، ولكن الولايات المتحدة اتخذت المواقف المؤيدة للصهيونية قبل قوة هذا اللوبي، بل إن القيادة اليهودية في الولايات المتحدة كانت بيد نخب إصلاحية معادية للصهيونية.
وقد أغلقت الولايات المتحدة أبواب الهجرة أمام اليهود بعد وصول النازية للحكم في ألمانيا، وكان 85% من المهاجرين اليهود يهاجرون إلى الولايات المتحدة، فتناقصت النسبة إلى 10%. ورفضت الولايات المتحدة ومعظم بلاد أوروبا فتح أبوابها للمهاجرين اليهود أثناء المرحلة النازية.
ورفضت القيادة الأميركية ضرب خطوط السكك الحديدية الألمانية المؤدية لمعسكرات الاعتقال المعدة لليهود، وفي العدوان الثلاثي عام 1956 وقفت الولايات المتحدة ضد التحالف الإسرائيلي البريطاني الفرنسي لأنها كانت تريد إنهاء نفوذ هاتين الدولتين في الشرق الأوسط.
وقد شهدت العلاقة الأميركية الإسرائيلية تطورا كبيرا بين عامي 1967 و1974 وهي فترة حكم الرئيس نيكسون المعروف عنه عداوته لليهود، وما زالت الولايات المتحدة تمنع بقوة أية محاولة إسرائيلية للاستقلال عنها مثل محاولة التصنيع العسكري أو عقد صفقات وعلاقات مع الصين والهند إلا بموافقة أميركية
النصارى فى كتب اليهود
يعادل عشرين مليار مسلم في العالم يقولون:
بسم الله الرحمن الرحيم { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة. }  صدق الله العظيم. (المائدة
ويقرءون حديث الرسول الأنور:......ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران واسيا زوجة فرعون......... ( صحيح مسلم)
هؤلاء المسلمين يحاربهم المسيحيون الصليبون واليهود بأعدادهم الحالية يسالمهم المسيحيون ويودونهم.
واليهود هم الذين قالوا
أولاً: ما يتعلق بأسماء يسوع المسيح «عليه السلام» :
1- الاسم الأصلي للمسيح في اللغة العبرية هو «جيشوا هانوتسري Jeschua Hanotsri» أي يسوع الناصري, وقد دُعي بالناصري نسبة إلي مدينة الناصرة التي عاش فيها.. وهكذا فإن التلمود يدعو المسيحيين أيضا بالعبرية «نوتسريم Notsrim» أي الناصريون.
2- وبما أن كلمة «جيشوا Jeschua» تعني المنقذ أو المخلص Savior, فإن اسم يسوع الأصلي قلما يظهر في الكتب التلمودية. وهو يختصر دائمًا باسم «جيشو Jeschua» الذي اقتبس - بحقد - في الواقع من تركيب الأحرف للكلمات الثلاث: «إيماش شيمو فيزيكرو Immach Schemo Vezikro » أي ليمح اسمه وذكره.
2-وعلي سبيل التحقير والازدراء يدعى يسوع أيضًا «نجار بار نجار» أي نجار بن نجار.. كذلك يدعى «بن شارش إيتيم Ben Charsch eraim» أي ابن الحطاب.

ثانيًا:قالوا عن المسيح عليه السلام في التلمود :
1 - إن يسوع المسيح كان ابنًا غير شرعي, حملته أمه خلال فترة الحيض من العسكري بانديرا بمباشرة الزنا
2- «إن المسيح كان ساحرًا ووثنيًا».
3- «إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقار».
4 - «لقد ضلل يسوع, وأفسد إسرائيل وهدمها».
ثالثا: وعن تعاليم المسيح عليه السلام في التلمود:
1 - الناصري هو الذي يتبع تعاليم كاذبة, يبتدعها رجل يدعو إلي العبادة في اليوم الأول التالي للسبت
2 - إن تعاليم يسوع كفر, وتلميذه يعقوب كافر, وإن الأناجيل كتب الكافرين
3 - الكتب الإنجيلية تدعى «آآفون غيلانيون Aavon gilaion» أي كتب الخطيئة والشر.
رابعاً: الأسماء التي يطلقها التلمود علي المسيحيين.
 - 1 أبهوداه زاراه Abhodah Zarah أي عبدة الأوثان.
2 - آكوم Akum استخرجت هذه الكلمة من الأحرف الأولي للكلمات التالية: أوبدي كوخابكيم ومازالوث - أي عبدة النجوم والكواكب.
 - 3أوبدي إيليليم Obhde Elilim أي خدام الأوثان.
4 - مينيم Minim أي المهرطقون.
5 - نوخريم Nokhrim أي الأجانب , الأغراب.
خامسًا: ما يقوله التلمود عن الكنائس
1 - جاء في التلمود: «إن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات, وإن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة».
 - 2 «كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام, فيجب علي اليهود تخريبها».
 - 3 يدعي مكان العبادة المسيحية في التلمود :
أ - بث تيفلاه Beth Tiflah أي بيت الباطل والحماقة
ب- بث أبهوداه زاراه Abhodah Zarah أي بيت الوثنية.
ج- بث هاتوراف شيل ليتسيم Beth Hatturaph Letsim أي بيت ضحك الشيطان.
4  - جاء في التلمود: «ليس محرمًا فقط على اليهودي الدخول إلي كنيسة مسيحية, بل حرام عليه الاقتراب منها أيضًا, إلا تحت ظروف معينة
سادسًا: ما يقوله التلمود عن القديسيين المسيحيين :
الكلمة العبرية هي «كيدوشيم Kedoschim» واليهود يدعونهم «كيديدشيم Kidedchim» «سينادوس Cinaedos» أي الرجال المخنثون.
أما القديسات فيدعونهن «كيديشوت Kedeschoth» أي المومسات.
سابعًا: ما يقوله التلمود عن المسيحيين
 - 1 وثنيون وهراطقة وعبدة أصنام.
2  - المسيحيون أسوأ من الأتراك «المسلمين
 - 3القتلة: فقد جاء في التلمود: «على الإسرائيلي ألا يرافق آكوما «مسحيين» لأنهم مدمنو إراقة الدماء
 - 4 الزناة: فقد جاء في التلمود: «غير مسموح اقتراب حيوانات اليهود من الجويم - غير اليهود - لأنه يشك في أن يضاجعوها, وغير مسموح للنساء معايشتها لأنهن شبقات
 - 5 نجسون: يشبهون الروث والغائط.
 - 6 ليسوا كالبشر, بل هم بهائم وحيوانات.
 - 7 أسوأ من الحيوانات - يتناسلون كالبهائم.
8  - أبناء الشيطان - أرواح المسيحيين هي أرواح شريرة.
 - 9 إلي الجحيم يذهبون بعد الممات.
 - 10جاء في التلمود: «إن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها, وإن العهد مع مسيحي لا يكون عهدًا صحيحًا يلتزم اليهودي القيام به, وإنه من الواجب دينًا أن يلعن اليهودي ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني, وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة ضد بني إسرائيل
 - 11 وأخيرًا يأمر التلمود أتباعه بقتل المسيحيين دون رحمة, ففي «أبهوداه زاراه» أي الكتاب الخاص بالوثنية ص 612 نقرأ: «يجب إلقاء المهرطقين والخونة والمرتدين في البئر, والامتناع عن إنقاذهم
أصحاب الأخدود
1.    القصة في سورة البروج الآيات 4-9، وتفصيلها في صحيح الإمام مسلم.
قال الله تعالى(( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ))
القصة:إنها قصة فتاً آمن، فصبر وثبت، فآمنت معه قريته.
لقد كان غلاما نبيها، ولم يكن قد آمن بعد. وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية. وكان للملك ساحر يستعين به. وعندما تقدّم العمر بالساحر، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته. فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر.
فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه، وفي طريقه كان يمرّ على راهب. فجلس معه مرة وأعجبه كلامه. فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر. وكان الساحر يضربه إن لم يحضر. فشكى ذلك للراهب. فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.
وكان في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس. فقال الغلام في نفسه، اليوم أعلم أيهم أفضل، الساحر أم الراهب. ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. ثم رمى الحيوان فقلته، ومضى الناس في طريقهم. فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث. فقال له الراهب: يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.
وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض. فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره. فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني. فأجاب الغلام: أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.
فذهب جليس الملجس، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب الجليس بثقة المؤمن: ربّي. فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك الله. فثار الملك، وأمر بتعذيبه. فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام.
أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال الغلام: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فأمر الملك بتعذيبه. فعذّبوه حتى دلّ على الراهب.
فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الراهب ذلك. وجيئ بمشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ فوقع نصفين. ثم أحضر جليس الملك، وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب. ثم جيئ بالغلام وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الغلام. فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.
فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعى الفتى ربه: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتزّ الجبل وسقط الجنود. ورجع الغلام يمشي إلى الملك. فقال الملك: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم الله تعالى. فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة، والذهاب به لوسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه.
فذهبوا به، فدعى الغلام الله: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام. ثم رجع إلى الملك. فسأله الملك باستغراب: أين من كان معك؟ فأجاب الغلام المتوكل على الله: كفانيهم الله تعالى. ثم قال للملك: إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به. فقال الملك: ما هو؟ فقال الفتى المؤمن: أن تجمع الناس في مكان واحد، وتصلبي على جذع، ثم تأخذ سهما من كنانتي، وتضع السهم في القوس، وتقول "بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني، فإن فعلت ذلك قتلتني.
استبشر الملك بهذا الأمر. فأمر على الفور بجمع الناس، وصلب الفتى أمامهم. ثم أخذ سهما من كنانته، ووضع السهم في القوس، وقال: باسم الله ربّ الغلام، ثم رماه فأصابه فقتله.
فصرخ الناس: آمنا بربّ الغلام. فهرع أصحاب الملك إليه وقالوا: أرأيت ما كنت تخشاه! لقد وقع، لقد آمن الناس.
فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيها. ثم أمر جنوده، بتخيير الناس، فإما الرجوع عن الإيمان، أو إلقائهم في النار. ففعل الجنود ذلك، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها، فخافت أن تُرمى في النار. فألهم الله الصبي أن يقول لها: يا أمّاه اصبري فإنك على الحق








المراجع
1.    القرآن الكريم
2.    الجامع لاحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991
3.    مختصر الطبري للامام محمد بن جرير الطبري
4.    البخاري
5.    الموطأ للامام مالك
6.    المسند للامام أحمد
7.    الترمذي
8.    رياض الصالحين للامام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر
9.    نور القبس المختصر من المقتبس للحافظ اليغموري
10-أسرار اللغة – د - ابراهيم أنيس – القاهرة 1966
11-الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري
12-الجامع لأحداث الراوي وآداب السامع – الخطيب البغدادي
13-السويدي، أبو الفوز محمد أمين البغدادي(1995). سبائك الذهب في معرفه قبائل العرب.بيروت:دار الكتب العلمية،
14-العقاد، عباس محمود(2002). عبقرية خالد.مصر:دار نهضة مصر، ص 29. ISBN 977-14-1873-4.
15-المباركفوري، صفي الرحمن(2009). الرحيق المختوم، ط 20،مصر:دار الوفاء،
16-هيكل، محمد حسين(1990). الصديق أبي بكر، ط 11،مصر:دار المعارف،.
17-البداية والنهاية لابن كثير الجزء السادس،
18-الذهبي، الحافظ شمس الدين(2003). سير أعلام النبلاء (ج 2)، ط 1،مصر:دار البيان الحديثة، 
19-عمر بن عبد العزيز ومعالم التجديد والأصلاح الراشدي على منهاج النبوة - د. علي محمد الصّلابي
20-سيرة عمر بن عبد العزيز - عفت وصال حمزة
20-سيرة عمر بن عبد العزيز- لابن الجوزي
21-عمر بن عبد العزيز - صالح العلي
22-عمر بن عبد العزيز- عبد الستار الشيخ
23-عمر بن عبد العزيز- د. وهبة الزحيلي
24-عمر بن عبد العزيز- للشرقاوي
25-تاريخ الخلفاء للسيوطي.
26-تاريخ الإسلام للذهبي.
27-تاريخ الرسل والملوك
28-الكامل فى التاريخ
 29-المنتظم
 30-فتوح البلدان
 31-محاضرات فى تاريخ الدولة الأموية
32-تاريخ الخلفاء
33-ابن الأثير، الكامل في التاريخ، حوادث عام 564 هجري
34-مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، جمال الدين محمد بن سالم بن واصل المتوفى سنة 697 هـ، ذكر نسب بني أيوب
35-أبو شامة المقدسي. الروضتين في أخبار الدولتين
36-الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، نقلاً عن تاريخ الدولة العثمانية،
37-تاريخ الدولة العثمانية، د.علي حسون،
38-تاريخ سلاطين آل عثمان،
39-فتح القسطنطينية، محمد صفوت،
40-المصوّر في التاريخ، الجزء السادس، تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، بيروت، الحرب بين السلطان والإمبراطور،
41-سلاطين آل عثمان،
42-أطلس التاريخ الحديث..اعداد:د.سيف الدين الكاتب، طبعة 2008
43-تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م
44-العثمانيون والبلقان، د.علي حسون
45-محمد الفاتح، سالم الرشيدي
46-السلطان محمد الفاتح، عبد السلام فهمي
47-تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزنتونا،
48-محمد الفاتح، عبد السلام فهمي
49-الفتوح الإسلامية عبر العصور، د. عبد العزيز العمري
50- الكتاب المقدس  بعهديه القديم والجديد







اشهدوا بأنا مسلمون

تحميل

عن الكتاب

المؤلف :

أحمد إسماعيل زيد

الناشر :

www.islamland.com

التصنيف :

مقارنة الأديان