فأي الفريقين أحق بالأمن

إن من يطالع أحوال البشرية من لدن سيدنا ادم عليه السلام إلى يومنا هذا يعلم علم اليقين صدق الحق جل وعلا حين قال (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران 140.
                                                            ولله در الشاعر القائل:
هي الأمور كما شاهدتها دول                      من سره زمن ساءته أزمان 
فلقد مرت البشرية بفترات متغايرة وأحوال متباينة, فعاشت البشرية قرونا (كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ ) النحل 112.  وقرونا   وكأنها  ( فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)  النور 40.  وما هذا وذاك إلا بصنع أبنائها,  فما سعدت البشرية ولا تعست إلا بما قدمه لها بنوها من خير أو شر ولقد شهدت الأرض أمما عديدة, وانتهى الأمر إلى أمتين من نسل أبى الأنبياء (سيدنا إبراهيم عليه السلام) فكانت الأولى وهم ينو إسرائيل ورغم أن الحق جل وعلا جعل فيهم الأنبياء وفضلهم على عالمي زمانهم إلا أنهم لم يراعوا حق الله جل وعلا وعاثوا في الأرض الفساد. فان من قتل الأنبياء وحرف الكتاب فهو على غيره اقدر . ومن ثم أرسل الحق جل وعلا الأمة الثانية ليصحح بها ما أفسده السابقون فكانت امة محمد صلى الله عليه وسلم .وكان من الطبيعي أن ينشأ صراع بين الأمتين, بين(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران 110. وهى امة محمد صلى الله عليه وسلم وبين شعب (وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) المائدة 60.  فكان النصر  حليفا للمسلمين ما دامو في معية الله متبعين الكتاب والسنه ولكن أبى الزمان إلا أن يدور دورته وصعد ألقمه (المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الفاتحة 7.   فلك أن تتخيل عالم يحيا تحت حكم هؤلاء. فأي أمن ينعم به ؟ ولذا نهيب بالمسلمين الاعتصام بالقرآن والسنة ليمكن الله لهم في الأرض .
ولذا نسجل بإذن الله في سطور هذا الكتاب ما يجعلك عزيزي القارئ تجيب بنفسك على الايه الكريمة( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ) الأنعام81. 


بسم الله الرحمن الرحيم
{فأي الفريقين أحق بالأمن}




أ / أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
لدراسات الأديان والمذاهب
محاضر بقناة الأمة الفضائية



  
إهداء
الى العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وزوداً عن حياض الإسلام ونخص بالذكر:--
* فضيلة الاستاذ الشيخ / ابو إسلام احمد عبد الله ..رئيس قناة  الأمه , فلقد عاوننى كثيراً واخذ بيدى الى الصواب فجزاه الله خيراً
*وفضيلة الاستاذ الشيخ / وحيد عبد السلام بالى ..الداعيه الاسلامى ، فلقد قدم لى العديد من الخدمات والتى ساهمت فى إخراج اعمالى الى النور فأدعوا الله ان يجعلها فى ميزان حسناته وان يوفقه وينفع به العباد ..
* كما اهدى هذا العمل الى زوجتى واولادى الذين سهروا معى فى إعداد هذا العمل الطيب فكثيراً ما كنت اكلفهم بالبحث عن رقم الآيات او تخريج الاحاديث النبويه فجزاهم الله خيراً ..
* ولا ننسى الاخوة الأخيار الذين دعوا الله ان يوفقنى فى هذا العمل الطيب ..فجزى الله الجميع خيراً ....      المؤلف
                                        احمد اسماعيل زيد







                                                       


                                                                           المقدمه   

إن من يطالع أحوال البشرية من لدن سيدنا ادم عليه السلام إلى يومنا هذا يعلم علم اليقين صدق الحق جل وعلا حين قال (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران 140.
                                                            ولله در الشاعر القائل:
هي الأمور كما شاهدتها دول                      من سره زمن ساءته أزمان 
فلقد مرت البشرية بفترات متغايرة وأحوال متباينة, فعاشت البشرية قرونا (كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ ) النحل 112.  وقرونا   وكأنها  ( فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)  النور 40.  وما هذا وذاك إلا بصنع أبنائها,  فما سعدت البشرية ولا تعست إلا بما قدمه لها بنوها من خير أو شر ولقد شهدت الأرض أمما عديدة, وانتهى الأمر إلى أمتين من نسل أبى الأنبياء (سيدنا إبراهيم عليه السلام) فكانت الأولى وهم ينو إسرائيل ورغم أن الحق جل وعلا جعل فيهم الأنبياء وفضلهم على عالمي زمانهم إلا أنهم لم يراعوا حق الله جل وعلا وعاثوا في الأرض الفساد. فان من قتل الأنبياء وحرف الكتاب فهو على غيره اقدر . ومن ثم أرسل الحق جل وعلا الأمة الثانية ليصحح بها ما أفسده السابقون فكانت امة محمد صلى الله عليه وسلم .وكان من الطبيعي أن ينشأ صراع بين الأمتين, بين(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران 110. وهى امة محمد صلى الله عليه وسلم وبين شعب (وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) المائدة 60.  فكان النصر  حليفا للمسلمين ما دامو في معية الله متبعين الكتاب والسنه ولكن أبى الزمان إلا أن يدور دورته وصعد ألقمه (المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الفاتحة 7.   فلك أن تتخيل عالم يحيا تحت حكم هؤلاء. فأي أمن ينعم به ؟ ولذا نهيب بالمسلمين الاعتصام بالقرآن والسنة ليمكن الله لهم في الأرض .
ولذا نسجل بإذن الله في سطور هذا الكتاب ما يجعلك عزيزي القارئ تجيب بنفسك على الايه الكريمة( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ) الأنعام81.         


  
          الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات,  وبكرمة تنال الرغبات, وبمشيئة يرفعالمؤمنون وأولوا العلم درجات، وبعزتة يرفع أقواما وبقدرتة يضع آخرين سبحانه وتعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن29 . سبحانه وتعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو جل شأنه اعلم بحال عبادة(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير )  الملك14. سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السماوات والأرض  والجبال إلا أنهم أعلنوا الخضوع لله وانه لا طاقة لهم بحملها  فيقول جل وعل(  ا إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)   الاحزاب72-.
 ثم بين سبحانة وتعالى أنهم أعلنوا الطاعة فقال سبحانه :
 (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فصلت11.
         وأعطى سبحانة وتعالى الإنس والجن حرية العقيدة فقال جل وعلا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)  الكهف29.  فإذا بهم أكثر من فريق فمنهم من آمن بالله وملائكتة وكتبة ورسله  واليوم الآخر وعمل لذلك ومنهم من ضل عن سواء السبيل(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)(الجاثيه24 . وحين أرسل الحق سبحانه وتعالى رسلا مبشرين ومنذرين وانزل معهم كتبا ليعلم الناس مراد الله جل وعلا منهم ولينظم بهذه الكتب حياتهم فلا يظلم بعضهم بعضا ،فإذا ببعض الأمم تتجرأ على الله جل وعلا وتحرف كلامه سبحانه عن مواضعه وتلبس الحق بالباطل ووصل بهم الأمر إلى كتمان الحق وهم يعلمــــــون.
 ولذا انزل الحق سبحانه وتعالى كتابا كريما ختم به الرسالات وهو القرآن الكريم  وتكفل سبحانه وتعالى بحفظه فقال(  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر9) فعجزت الإنس والجن على أن يأتوا بسوره من مثله ...  
       وبين سبحانه وتعالى في القران الكريم خبر الأمم السابقة وما فعلوه مع    أنبيائهم كما ذكر الحق سبحانه وتعالى الكثير من الأمور التي ستحدث في المستقبل حتى يوم القيامة وما بعدها  فأصبح القران الكريم فوق أنة كتاب كريم فيه تبيان كل شئ وفيه تنظيم الحياة على أعلى مستوياتها وقوانين راقيهً قدر منزلها ومشرعها سبحانه وتعالى نجده خير شاهد على أحداث الأمم السابقة .
            إلا أن هناك آيات تتحدث عن بنى إسرائيل مثل قول الحق جل وعلا مبيناً مكانة التوراة والإنجيل(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُور) المائدة 44.   وقوله تعالى(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائده47 . وقوله سبحانه  (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)المائده43.  وهناك آيات أثنى الحق سبحانه وتعالى فيها على أتباع نبي الله موسى عليه السلام  فقال سبحانة(وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الأعراف 159. واثني سبحانه وتعالى على اتباع نبي الله عيسى عليه السلام فقال جل وعلا (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) الحديد27.
       ولكن نقرا آيات أخرى تظهر فساد أهل الكتاب كقوله تعالى (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) – (البقره75). ومثل قوله تعالى (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ليئس مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) – (المائده63) وقوله  تعالى (ولقد علمنا الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) (البقره65)وقوله سبحانه وتعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ-كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ليئس مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) المائدة 78-79 .
       وقد يخيل إلى قارئ هذة الآيات و أمثالها التي تتناول أهل الكتاب  وما قاموا به يخيل إلية أن بينها تضاد ،إذ كيف يذكر الحق سبحانه وتعالى أن أهل الكتاب أمة يهدون بالحق وأن في قلوب بعضهم رأفة ورحمة ثم في موضع آخر يقول جل وعلا أن قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعة ويستحقوا اللعنة والطرد من رحمة الله
       وحين تطلع على أحوال وتاريخ أهل الكتاب وتقرأ كتبهم وما أضافوه وما غيروه وكتمانهم الحق وإلباسهم الحق بالباطل تجد نفسك دون أدنى تردد تقول صدق الله ولذا رأيت أن استعين بالله جل وعلا أن يوفقني في إتمام الجزء الثاني لنبين فية صدق الحق جل وعلا فيما اخبر به عن بنى إسرائيل .
 وأنا اعلم أنى لست شيئا حتى أبرهن على صدق الله جل وعلا ولكن من باب (بلغو عنى ولو آية)  وبخاصة أن كل ما ذكره القران الكريم عن بنى إسرائيل صدق فالتوراة في زمن سيدنا موسي عليه السلام  كانت على حالتها الصحيحة التي انزلها الله جل وعلا بها  فكانت حقا هدى ونور ، وامن بسيدنا موسي عليه السلام رجال مخلصون من قومه  فكانوا يهدون للحق وبه يعدلون.
          كما أن الإنجيل في زمن سيدنا عيسي عليه السلام كان كما انزله الله جل وعلا فكان أيضا هدى ونور وامن بسيدنا عيسي عليه السلام  رجال مخلصون أوفياء فجعل الحق في قلوبهم رأفة ورحمه وظل الأمر كذلك حتى انتقل موسي عليه السلام إلى جوار ربة ورفع المسيح عليه السلام إلى السماء .
وما إن مرت الأيام  وتعاقبت السنون حتى قست  قلوبهم فبدلوا وغيروا وحادوا عن الطريق المستقيم ، بل عاندوا  وكفروا  وعصوا ربهم  فاستحقوا اللعنه والطرد من رحمة الله ولذلك رأيت أن استعين بالله سبحانه وتعالى وبكتب السابقين من العلماء .وادعوه سبحانه وتعالى أن يعينني بقدرتة وأن يوفقني بعظمته ويستعملني فيما يرضيه وينفع بهذا الكتاب العباد ويفتح  به بصيرة قوم لا يعلمون فهو ولى ذلك والقادر عليه (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) يونس99.
      ولكي اثبت صدق القران الكريم فيما اخبر به  عن بنى إسرائيل رأيت أن أوضح كيف كتب العهد القديم؟  ومتى؟ مقارنا ذلك  بالقران الكريم كيف كتب ومتى دون؟ وسأشير بإذن الله إلى أصحاب سيدنا  موسي عليه السلام وما فعلوه معه مقارنا ذلك بما فعله أصحاب سيدنا  محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ثم أبين أراء ونصائح أصحاب سيدنا موسي عليه السلام وأقارنها بآراء ونصائح أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) وما أردت بهذه المقارنة الا كما يقال  (بضدها تضح الأشياء ) لأنه حين يقف القارئ على أخبار بنى إسرائيل موثقة من كتب السابقين من العلماء مؤكدا ذلك بما حكاه القران الكريم حتى نعلم أن (صدق الله )  فنحمد الله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور،ومن علينا بكرمه وانزل علينا  خير كتبه وتكفل سبحانه وتعالى بحفظه حتى يظل إلى  قيام الساعة مرشدا و نورا للعباد بإذن الله تعالى  ولنعلم انه مادام القران الكريم قد صدق فيما حكاه عن الأمم السابقة إذن فليس هناك شك في صدقه جل وعلا فيما اخبر به عن يوم القيامة وعن البعث والنشور والحساب والجنة والنار ومن ثم فعلينا أن نعمل لذلك اليوم لقوله جل وعلا ( وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)البقرة281.






























   
       

























 أجمعت كل المصادر على نقاء وطهارة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم من لدن ادم عليه السلام حتى شخصه الكريم فهو القائل (مازلت انتقل من الأصلاب النقية إلى الأرحام الطاهرة لم يصبني من سفاح الجاهلية شئ)
 وظل صلى الله عليه وسلم نقيا طاهرا إلى أن لقي ربه جل وعلا فكان صلى الله عليه وسلم صادقا في قوله أميناً حتى لقبه أهل مكة بالصادق الأمين وكان صلى الله عليه وسلم لا يلهو كشباب مكة ولم يشرب الخمر ولم يئد البنات ولم يسجد لصنم  وكان  لو وزن بشباب مكة  بل وبالدنيا لرجح عليهم جميعا نبلا وخلقا وفضلا وعفة وطهارة وهو فوق ذلك الحسيب النسيب. كما انه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا  ولا يدفع السيئة بالسيئة إنما يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصفح وكان  صلى الله عليه وسلم أخا كريما يعين على نوائب الدهر, ويكسب المعدوم ويصل الرحم؛ هادئ الطباع, وصدق فيه صلى الله عليه وسلم قول الحق سبحانه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم -4.
  وقال الشاعر:-                 
                   صلوات عظمى من ربى 
                                          وسلام عليك محمد
                   العبد الموعود الكامل
                                      أوصافا هو ذات محمد
                  علمه  في أدب عـــال   
                                        أكمله هو خلق محمد
                  قرآنا يمشى في الأرض
                                         وأنواراً في ذات محمد    
  *إلا أن أحوال قريش وما وصلت إليه من عبادة الأصنام وذبح للأوثان والاعتماد على الآلهة الصماء والدعاء لها وقطع الأرحام وإيذاء الجوار واسترقاق البشر ووئد البنات خشية الفقر والعار ومن بقيت منهن تعيش كالرقيق وتورث كالمتاع وكثير من هذه الصفات الذميمة التي تأباها النفس الذكية الطاهرة ولم تكن هذه النفس الطاهرة لتوجد بينهم إلا في نفس المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ولذا اتسعت الشقة بينه صلى الله عليه وسلم وبين قومه فأين الثرى الذي يعيشون فيه من الثريا التي يحيا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 فحين قارب الأربعين  حبب إليه الخلاء  فكان يذهب إلى غار حراء ويقضى فيه وقته في العبادة والتفكير فيما يحدث حوله وفى الكون والقدرة ألمذهله التي أبدعت كل هذا الإعجاز فشمس تشرق وقمر يسطع وجبال وصحراء وآبار, ارض وسماء هواء وماء فكل هذه المخلوقات العجيبة لا يمكن أن تكون من صنع أصنام يعبدها أصحابها نهارا وإذا جاعوا أكلوها .
وظل المعصوم صلى الله عليه وسلم على ذلك من تفحص لأسرار الكون راجيا من الله العظيم أن يهديه سواء الصراط لأنه من المستحيل أن يكون الطريق  الذي يسلكه أهل قريش هو الطريق المستقيم فأكرمه الحق جل وعلا وبدأت ملامح ألنبوه تظهر له وكان من ذلك.. انه إذا رأى الرؤيا فيصح فيراها مثل فلق الصبح وكان هناك  حجرا بمكة يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم حين يمر عليه. 
بوادر الرسالة
فلما أتم صلى الله عليه وسلم الأربعين وهو في غار حراء في ليله مباركه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام . وضم جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله قائلا يا محمد ( اقرأ) فقال المعصوم عليه الصلاة و السلام( ما أنا  بقارىء) اى أنا امى لا اعرف القراءة .كأن نقول لإنسان عادى طبب المريض فيقول ما أنا بطبيب فأعاد عليه جبريل عليه السلام والمعصوم يرد بنفس الرد ( ما أنا بقارئ)  ومع هذا يقرا ماذا ؟ هنا قال له جبريل عليه السلام عن رب العزة جل وعلا( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق ٍاقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم ُالَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ )  العلق1-4 .  واخبر جبريل عليه السلام سيدنا محمد بأنه رسول الله للعالمين
تأمـــل


وهنا سؤل : لماذا بدأت الرسالة بكلمه اقرأ مع أن الرسول عليه الصلاة و السلام الذي نزلت عليه الرسالة امى لا يعرف القراءة ولا الكتابة ؟
بينما نلاحظ أن الرسالات السابقة بدأت  بتوجيهات مثل قوله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) القصص-30, وقوله تعالى لسيدنا يحي (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) مريم-12 , فكان الحق جل وعلا أراد أن يلفت أمه محمد صلى الله عليه وسلم خاصة والعالم اجمع بان قوام الحياة الروحية والمادية والعلمية يعتمد على القراءة في المقام الأول لان بالقراءة يستطيع الإنسان الوصول إلى ما وصل إليه السابقون واستنادا إلى القران الكريم وأقوال المعصوم صلى الله عليه وسلم وبهذا أصبحت القراءة تكليف من الله جل وعلا للناس
لان عدم القراءة في الأمم السابقة وبخاصة في الرسالات وتوكلهم على العلماء ظانين أن العلماء لا يخطئون مما تسبب في ضياع أكثر الأحكام والأوامر والنواهي بما أدى بهم  في النهاية للابتعاد عن دين الله المستقيم لان الكهنة والأحبار استأثروا بالعلم وليتهم أعطوا لهذه الأمانة حقها ولكنهم حرموا ما أحله الله واحلوا ما حرمه الله إشباعاً لرغباتهم وارضاءا لأهوائهم وصدق فيهم قول الله( إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) التوبه34.
ولذا أمر الحق جل وعلا الجميع بالقراءة والمعرفة حتى لا يكون لأحد من الناس على الله حجه ونصحهم الحق أن خفي عليهم شيء أو صعب عليهم فهمه
( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) النحل 43 . ولكن أن يتركوا الأمر كله للأحبار والرهبان والعلماء فهذا هو الخطأ بعينه ومع هذا لا يعفيهم هذا الجهل من الحساب والعقاب لان القاعدة القانونية تقول( لا يعتد بالعذر  بالجهل بالقانون)
نزول القرآن


نزل القران الكريم إلى سماء الدنيا وفى هذا قال سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) الدخان.2 , ثم نزل مفرقا على النبي صلى الله عليه وسلم على مدى ثلاث وعشرون سنه,  فكانت السورة تنزل في أمر يحدث مثل سورة الكافرون فقد ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن عباس قوله ان الوليد ابن المغيرة والعاص بن وائل وألا سود ابن عبد المطلب وأميه ابن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت في الأمر كله فان كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شاركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وان كان الذي بأيدينا  خير مما بيدك كنت قد شاركتنا  في امرنا وأخذت حظك منه  فانزل الله تعالى.   
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ )  الكافرون3,2,1  . لهذا قام القران الكريم بالرد على هؤلاء المعاندين بل وسبق عليهم القول لعنادهم بأنهم سيموتون على الكفر فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم ثم عادت قريش الكره فجاءت مره  أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالو: نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة ونزوجك ما شئت ونمشى خلفك وتكف عن شتم ألهتنا فان لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحده هي  لك ولنا صلاح تعبد ألهتنا سنه ونعبد إلهك سنه ولذا كرر الحق سبحانه وتعالى الآيات مره أخرى فقال (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) الكافرون5,4.  وهنا أراد الحق أن يحسم الأمر فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل لهم أنى لا اعبد أصنامكم التي تعبدونها الآن ولا التي تصنعونها في المستقبل كما أنى لم اعبد أصنامكم التي عبدتموها في الماضي ثم ختم الله سبحانه وتعالى السورة بقوله جل وعلا  (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون6.  اى لكم دينكم الذي رضيتم ولى دينى الذي رضاه ربى لي أو أن لكم جزاء عملكم ولى جزاء عملي .
* وبعض الآيات  نزلت جوابا لمستخير يسأل ومن ذلك أن زعماء اليهود كانوا يحرضون أهل مكة فيلقنوهم  اسئله ليسألوها لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  ظانين أنهم بذلك قد يعجزوه ولكن هيهات فان الحق سبحانه وتعالى يسانده يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )  المائده67. 
وحين سالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح نزلت الآية الكريمة
 (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الاسراء85.  وعن ذو القرنين (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا) الكهف 83.
* وآيات انزلها الحق سبحانه وتعالى لإنقاذ الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من خطر يحدق بهم مثل ما حدث يوم الحديبية ( حين جاءت صلاه الظهر صلى  النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه دون أن يبقى أحدا للحراسة ورأى خالد بن الوليد وهو كان لا يزال كافرا ومن معه هذا المنظر ولكن شاء الله أن لا ينتهز الفرصه وينقض على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ولكن قالو ننتظر حتى صلاه العصر وننقض عليهم فنزلت صلاه الخوف التي وضحها القران الكريم بقوله جل وعلا (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) النساء 102.
- وهنا بين الحق جل وعلا كيفية هذه الصلاة وهى أن يصلى الرسول صلى الله عليه وسلم إماما بنصف الجيش الركعة الأولى في حين يقف النصف الأخر حارسا لهم وفى الركعة الثانية يتبدل الأمر يقوم للحراسة النصف الذي صلى ويتقدم للصلاة خلف رسول الله صلى  الله عليه وسلم النصف الباقي  وهذا لان الحق سبحانه وتعالى يعلم (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) النساء 102
* وكان رسول الله صل الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين يواجهون عتاة ظالمين لابد أن تكون هناك آيات رادعه لهم مرهبة إياهم كقوله تعالى (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) الزمر16.
* وهناك أشخاص افتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه بالقول واللسان فدافع الحق جل وعلا عن نبيه وليرى هؤلاء جزاء إساءتهم ومن هذا رد الحق سبحانه وتعالى عن ما صدر من الوليد بن ألمغيره  فقال تعالى ( سأرهقه صعودا ) المدثر 17.
 لماذا ؟(  إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر فقال إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرإِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) المدثر17-25, فماذا يستحق هذا جزاء قول الإثم  (سَأُصْلِيهِ سَقَرَوَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُلَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ. لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ) المدثر 29.
* وآيات أراد الحق جل وعلا أن يطمئن النبي وصحبه الكرام بها لأنهم يعانون ألأمرين في سبيل الدعوة ونشر دين الله ولذا حثهم القرآن الكريم بقوله تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران  133وقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجده17.
* وآيات جعلها الله جل وعلا موعظة للناس فاخبرنا في قرانه الكريم عن الأمم السابقة وعن كيفية استقبالهم لنعم الله فمن شكره زاده الحق سبحانه وتعالى ومن كفر حرم الثواب الجزيل وحرم النعم التي كانوا فيه ومن هؤلاء : قوم سبأ فأخبر القرآن الكريم أن الله جل وعلا وهب سبأ أرضا خصبه وماءا نقيا وجوا رائعا فزرعوا الأرض حتى أصبحت جنه على الأرض وفى هذا يقول الحق سبحانه (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) سبأ 15. فأمرهم الحق  سبحانه أن يأكلوا من هذا النعيم وان يستمتعوا بهذا المناخ الرائع على أن يشكروا ربهم الذي انعم عليهم (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ )سبأ 15.  إلا إنهم للأسف الشديد أبوا وغرهم بالله الغرور فقال عنهم القرآن ( فاعرضوا ) إذا فما يكون الجزاء وهناك شرط معلوم وهو (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم 7 . وهم كفروا بنعم الله جل وعلا ولذا عاقبهم الله بما يستحقونه (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) سبا 16 . وهنا يعقب الحق جل وعلا سبحانه انه جل وعلا ما ظلمهم بما عاقبهم إلا جزاء بغيهم وظلمهم ( ذلك جزيناهم بما كفروا) ثم جعلها الله جل وعلا قاعدة عامه فقال سبحانه وتعالى (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور)َسبا 17.
. وكان عدد المؤمنين قليل إذا ما قورن بأعداد المشركين من حولهم إلا أن الحق سبحانه وتعالى انزل آيات بين فيها للمؤمنين  أن النصر من عنده هو سبحانه وانه جل وعلا وعد إن بنصر رسله وعباده المؤمنين ولا يجب على المؤمنين أن يخشوا أحدا إلا الله مهما كانت إعداد وقوة عدوهم فقد كانت هناك أمم بلغوا من القوه ما لم يبلغه احد ومن هؤلاء قوم عاد فقال عنهم القرآن الكريم ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا) فصلت15.
*ويبدوا انه لم يكن وقتها من هم اشد منهم قوه وان نبي الله هود عليه السلام ومن معه لا طاقة لهم بهؤلاء الجبارين إلا أن الحق سبحانه وتعالى طمئن نبيه  هود عليه السلام وعلم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته فقال جل وعلا( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فصلت 15.  وأكد الحق جل وعلا سبحانه بقوله (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة 6-7-8 .
 واخبر القران الكريم أيضا عن أشخاص وصلوا  من القوة و السيطرة على شعوبهم إلى حد الاستعباد مثل فرعون الذي حكى عنه القران الكريم فقال جل وعلا (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) سوره القصص4. ولم يكتف فرعون بذلك بل قال كما حكى عنه القرآن الكريم(أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) النازعات 24.
 لست أدرى كيف قالها وهو واقف بينهم وكيف صدقوه ؟ حقا صدق الله حين قال (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الزخرف54. بل غره شيطانه وغرته نفسه الأمارة بالسوء فقال كما حكى عنه القران بقوله جل وعلا (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) القصص 38 . وتطاول على نبي الله موسى عليه السلام فقال كما حكى عنه القران الكريم( إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر 26 . وغره إملاء الحق له حتى قال
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ  أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) سوره غافر 36/37 . ولا حول ولاقوه إلا بالله. وأراد الحق سبحانه وتعالى أن  يبتلى فرعون وقومه لعله يفيق فقال سبحانه وتعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ لأعراف 133.  ورغم أنهم في كل مره يصابون فيها لا يلجئون إلى فرعون بل وفرعون نفسه كان ينادى نبي الله موسى عليه السلام فيقول(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولترسلن مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الأعراف 134.
 إذن فهم بما فيهم  فرعون يعلمون أن الرب الأعلى هو رب موسى عليه السلام ومع هذا عاندوا واستكبروا فقالو عن موسى عليه السلام ومن معه (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ) الشعراء  54/55.
 فهؤلاء لم يتركوا شيئا يغفر لهم من اجله ولم يرجعوا  إلى ربهم فيرحمهم ولم يفيقوا  من غيهم ولذلك أخذهم الله اخذ عزيز مقتدر فقال جل شأنه (َأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ  وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ)سوره الشعراء 57/58. وليس هذا فحسب بل أن الحق جل وعلا أمات فرعون ميتة تظل شاهده إلى يوم ألقيامه على عظمه الحق سبحانه وتعالى وقدرته وانه جل وعلا لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء ودليلا على أن  البشر مهما وصلو من حضارة ورقى وتقدم لا يمنعهم هذا من عقاب الله إذا عصوا وعاندوا كما فعل فرعون ومن معه. فاستدرج فرعون إلى البحر مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى
 (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ  وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)سوره القلم 44. لا فيعد ما أنقذ الحق سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام ومن معه بقوله(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) سوره الشعراء63  .
ثم أمر الحق سبحانه وتعالى (واترك البحر رهوا ) الدخان 24- وقال جل وعلا (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ) سوره الشعراء 64 والعجيب أن فرعون وهو في وسط البحر حيث أطبق عليه الماء لم يستطيع احد من جنوده أن ينقذ إلههم المزعوم فأدرك فرعون انه كان في غرور وان الحق هو الله العلى  القدير فقال (أمنت انه لا اله إلا الذي أمت به بنو إسرائيل ) يونس90-. وهنا قال الحق سبحانه وتعالى(الئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) يونس91.
ثم اخرج الحق جثه فرعون هامدة بل وعلم أهل مصر وقتها فن  التحنيط لتظل جثه فرعون شاهده على قدره الحق جل وعلا وليعلم الرسول  محمد( صلى الله عليه وسلام) وأصحابه والدنيا  بأسرها   بأن الله إذا أراد فلا راد لقضائه ويعلم المشركون  آنذاك ومن بعدهم من العصور أنهم إذا  طغوا ا وتجبروا فمصيرهم بإذن الله مثل مصير  فرعون وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى بعد آيات العــــــذاب للأقوام المعاندين (وما هي من الظالمين ببعيد) هود 83.
 *وآيات تكمل بعضها مثل آيات تحريم الخمر فكان من الممكن أن يأمر الحق سبحانه وتعالى المؤمنين بالابتعاد عن الخمر مره واحده ولكن الحق جل وعلا راعى بلطفه أحوال هذه ألامه التي تخطوا أولى خطواتها نحو التمكين فلم يشأ سبحانه وتعالى أن يرغم أنوفهم على طاعته بل يريدهم طائعين مختارين بإرادتهم لان هذا الجيل الأول  سيتحمل  ألأمانه لا لزمانهم فحسب بل سيكونون قدوة على مر العصور إلى قيام الساعة ومن ثم انتظر القرآن الكريم حتى سئل عن الخمر فقال تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر ) البقره219.
وهنا أيضا لم يحرمها الحق جل وعلا بمجرد سؤالهم بل قال جل وعلا(قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس) البقرة  219.  هل في الخمر منافع ؟ إن الحق سبحانه وتعالى بعظمته ولطفه يخاطب العقول بما تفهمه فهو جل وعلا يعلم ان قريش كان يصنعون الخمور ويلعبون الميسر ويجمعون الأموال التي ربحوها من الخمر والميسر وتقوم بها على خدمه الحجاج في مواسم الحج وهذا يعد في نظر قريش منفعة فهم يرون أن سقاية  الحجاج وإطعامهم  واعمار المسجد الحرام والقيام على خدمته  بشكل يجذب إليه أنظار العباد أيضا منفعة فلم يجيبهم  الحق سبحانه وتعالى في البداية ولكنه جل وعلا بين أن مع هذه المنافع (إثم كبير )
 لان في الخمر ذهاب للعقل ومن ثم مجال لارتكاب الجرائم والخطايا كما أن الميسر يبدد الأموال ويضيعها من ايدى أصحابها  وبالتالي يكون ذالك سببا في زرع الضغينة وقطع الروابط بل ويجعل الخاسر  دائما يفكر كيف يستولى على مال آلا خر بأي وسيله ولذا بين الحق سبحانه وتعالى بقوله(واثمهما اكبر من نفعهما ) البقره219.
 والحق سبحانه وتعالى يعلم أن هناك عقول ذكيه طاهرة تطمع في رضا الله ورضا رسوله (صلى الله عليه وسلم ) وترغب  في الثواب وبالتالي استطاع القران أن  يبعد فئة عن الخمر والميسر.
 وبعد فتره أمر الحق جل وعلا المؤمنين بقوله (  لا تقربوا  الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) النساء43- والله سبحانه وتعالى يعلم أن الصلاة هي قرة عين المؤمنين فأمرهم باجتناب الخمر قبل الصلوات وبم أن الصلوات  تقريبا تشغل اكبر جزء من النهار  فاللمره الثانية ينجح  القران الكريم في إبعاد  طائفة أخرى عن الخمر .ثم أصبحت النفوس مهيئه  تماما لأي أمر أو نهى يصدر  بهذا الخصوص  حينئذ قال الحق سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة 90 .فبين الحق جل وعلا في هذه الأيه الكريمة إن الفلاح في اجتناب هذه الآثام  والبعد عنها إلا أن كلمه ( فاجتنبوه) قد يفهم منها أن تظل الخمر موجودة ولكن يجب أن يبتعدوا عنها  فانزل الحق الآية الحاسمه في هذا الأمر فقال جل شانه(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة 91 .  فاستجاب المؤمنون على الفور قائلين انتهينا يارب .
وآيات تبين قدرة الله جل وعلا في هذه الكون مثل قوله تعالى ( وهو الذىخلق لكم ما في الأرض جميعا ) البقرة 29-كقوله تعالى ( وترى الجبال تحسبها جامده وهى تمر مر السحاب  ) النمل 88-  وقوله تعالى( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار)  الرعد  8.  وقوله تعالى (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ  ) سوره الحديد 25.  وقوله تعالى
 (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) يس 38- وقوله تعالى (والنخل باسقان لها طلع نضيد)ق. 10
وفى القران الكريم العديد من الآيات التي تبين قدرة الحق في خلقه لهذا الكون وما فيه  من معجزات وكيف يمسك السماء سبحانه أن تقع على الأرض بل وكيف يمسك السماء والأرض أن تزولا فقال جل شانه  (وهو الذي يمسك السماء ان تقع على الأرض)  (وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن امسكهما من احد من بعده)  فاطر 41-   وبين سبحانه وتعالى أن الأرض والسماوات سيتبدل يهم الحال يوم القيامة فقال جل شانه ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) إبراهيم 48- وبين سبحانه وتعالى
 ( يوم نطوى  السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا  أول خلق نعيده)  الأنبياء 104 -  وبين سبحانه وتعالى أن هناك يوما أعده  الله جل وعلا  للحساب والفصل  بين الخلائق  ( إن يوم الفصل  كان ميقاتا يوم ينفخ  في الصور فتأتون أفواجا ) النبأ 17-18 
وآيات ينظم بها الحق سبحانه وتعالى حركة  المجمع فشرع سبحانه وتعالى القصاص فقال ( ولكم في القصاص حيوه يا أولى الاباب ) البقرة 179- وبين سبحانه وتعالى حكم من خرج على المجتمع ويروع الآمنين فقال(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)  المائدة 33 .
 وبين سبحانه  وتعالى حكم السارق والسارقة  فقال جل شانه(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا تكالا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة 38 وبين سبحانه وتعالى جزاء الزاني والزانية فقال جل شانه (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ متهما مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم يهما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عذابها طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور2.
وبين سبحانه وتعالى حد سب المؤمن أو المؤمنة بغير حق (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون))  َالنور 4. ثم أكد الحق سبحانه وتعالى على الترابط الأسرى والإخاء  فقال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )  سوره آل عمران 103.
 ثم أوصى الآباء بالأبناء فقال جل شانه (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ )النساء 11-  وأوصى سبحانه الأبناء بالآباء فقال جلا وعز ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )سوره الإسراء 23-ثم بين جل وعلا كيف تقسم المواريث وكيف يتم الزواج وان حدث خلاف بين الزوجين وضح الحق جل وعلا كيف يتعامل معه (أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) النساء 128- وقال جل شانه ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) النساء35-
وآيات أمر الحق فيها المؤمنين أن يعاملوا ويجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ العنكبوت 46 .وبين لنا أن ندعوهم إلى عباده الله الواحد الأحد (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا  ) آل عمران 64 -ثم امرنا سبحانه إن أبو وعاندوا بقوله (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ال عمران 64 .
وبين لنا انه حينئذ لا ينبغي علينا مجاراتهم لقوله تعالى(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ  ) المائدة 51. لأن الحق جل وعلا قال (لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) المائدة 51. أما المسلمون فــــ ( وليهم الله ورسوله ) أما اليهود والنصارى ( لا مولى لهم )
ومع هذا بين الحق جل وعلا أن نعامل المشرك الذي لا يعلم بالحسنى فقال (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) التوبة 6.
ولم يطالبنا الحق بالجهاد إلا إذا انتهكت المحارم وكان الأعداء على وشك الانقضاض علينا حينئذ قال سبحانه ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير ) الحج39- وبم أن الأعداء (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) التوبة 10-
كما أنهم أن ظفروا بنا أهانونا ( إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ألسنتهم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) الممتحنة 2.ولذا نبه الحق سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله
 ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال 60.
إذا فقوة المسلمين مطلوبة للأمن , فكما أن القصاص يحمى المجتمع من ارتكاب الآثام والخطايا فكذلك القوة رادعه للعدو ومن يفكر في احتلال الآخر . وآيات أثني فيها الحق جل وعلا على المؤمنين الأولين فقال سبحانه وتعالى (   وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ    )* التوبة 100 .
 وقال عنهم سبحانه وتعالى ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  ـ ))*الفتح 18 *
 وقال جل شأنه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) البينة 8 * وبين الحق جل وعلا أنهم ما وصلوا إلى تلك المرحلة من فراغ ولكنهم (  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) السجده/ 16.
وكانوا ( لا يخافون في الله لومة لائم ) وأنهم أطاعوا أوامر الرسول   حتى قال عنهم ( أصحابي كالنجوم يأبهم إاقتديتم إاهتديتم )  وقال عنهم سبحانه وتعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا )الفتح 29 *كما أنفقوا مما رزقهم الله وأترو إخوانهم على أنفسهم(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )(( الحشر 9 فحقا صدق فيهم قول الحق سبحانه ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))*أل عمران 110 *
.وآيات بين فيها الحق سبحانه وتعالى مكانة المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم
أ- فقال جل شأنه ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )) *الحشر 7 * بين الحق سبحانه وتعالى أن للرسول العظيم حق التشريع وعلى المؤمنين أن ياخذو ما أمرهم به الرسول وأن ينتهوا عما نهاهم الرسول عنه وبين سبحانه وتعالى أنه لا ينبغي على المؤمنين مخالفة تلك الأوامر فقال سبحانه وتعالى ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب 36
ب- يقول سبحانه و تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء80-
 في هذه الايه الكريمة بين الحق جل و علا أن طاعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من طاعته سبحانه ومن هنا وجب على ألامة طاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الإقتداء به في سلوكه وحله وترحاله وكلامه وصمته 
ويؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوه حسنه لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ) الأحزاب 21.
ج : - يقول الحق سبحانه وتعالى ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ))*أل عمران 31 * فى هذه الايه الكريمة يبين الحق سبحانه وتعالى أن المدخل الوحيد  الذي يوجب حب الله للعباد هو أتباع المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم فأي كرامه هذه وأي شرف
د:- يقول جل وعلا مزكيا حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ( ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ) النجم2-3.
 يبين سبحانه و تعالى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا ينطق من تلقاء نفسه بل بما يوحى إليه في هذا القران الكريم (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)
الكهف110 -ثم يبين الحق جل وعلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سليم   العقل و الفؤاد فقال جل شأنه ( ما كذب الفؤاد ما رأى) النجم11.
وقال سبحانه وتعالى (ما زاغ البصر وما طغى  ) النجم 17- وحقا صدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم  (أدبني ربى فأحسن تأدبي ) 
وعلم الحق جل وعلا الصحابة كيف يتعاملون مع رسول الله فقد يغرهم تواضعه صلى الله عليه وسلم و يرفعوا  أصواتهم فوق صوته أو ينادوه باسمه, نعم هو بشرا مثلهم ولكنه خير خلق الله جميعا صنعه الله على عينه وبما أن الحق سبحانه وتعالى لم يناده في القران باسمه مجردا مثل سائر الأنبياء فقد قال جل وعلا لأدم عليه السلام
 (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ  ) البقرة 35 وقال سبحانه وتعالى لنوح عليه السلام (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ  ) هود 48 وقال سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) هود76 وقال جل وعلا  لموسى عليه السلام (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ برسالتي وَبِكَلاَمِي )  الأعراف 144 وقال جل وعلا لنبي الله لوط ( يا لوط إنا رسل ربك ) هود 81 .
وقال سبحانه وتعالى (  يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ) المائدة 110 وقال جل وعلا لسيدنا يحي (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ  )مريم 12 أما المعصوم صلى الله عليه وسلم  قال له ربه سبحانه وتعالى ( يا أيها النبي حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين ) الأنفال 64- وقال جل وعلا ( يا  أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ) المائدة 67 - والأعظم من ذلك إنه البشر الوحيد الذي اقسم الحق بحياته فقال ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم  يعمهون ) الحجر 72 –
ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى للصحابة (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )) الحجرات 2
وعلم الحق سبحانه وتعالى ألامة أن تتقتدي برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله وكيف تصرف الرسول مع الآخرين في السلم والحرب والمعاهدات حتى يستطيعوا أن يبلغو اهذه ألامانه التي لم يشهد العالم لها مثيلا  إلى الدنيا  بأسرها  ويرى العالم الفارق بين الأخلاق الحميدة التي     أرساها محمد صلى الله عليه وسلم وبين الأخلاق الذميمه التي وضعها اليهود وأتباعهم , ومن هذه الأخلاق الحميدة  قول الحق سبحانه  (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ  ) أل عمران 159 وقوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى 38 وقوله سبحانه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم4.
وكذلك  أنزل الحق سبحانه وتعالى سورا كاملة تحمل قصه واحده ومنها: (سوره يوسف ) فهذه السورة أتت :
1- زعم المشركون أن رب محمد لا يستطيع أن ينزل سوره دفعه كاملة في سرد واحد فنزلت هذه السورة ونزلت بنظم بديع رائع                               
2 - مع أن القصة لشخص واحد وهو سيدنا يوسف علية السلام إلا أن السوره تناولت معه العديد من الجوانب السياسية كما رأينا في قصر العزيز وتناولت الجوانب الاقتصادية و رأينا  أخوه يوسف وما حدث منهم , وما حدث لهم  من قحط مما ألجئهم إلى المجئ إلى مصر . ورأينا الجوانب النفسية في سيدنا يعقوب وحنانه إلى ابنه وحزنه  لفقده ورأينا النفس الاماره بالسوء وما حدث من امرأة العزيز وتجرؤها على سيدنا يوسف الا أن الله حماه منها .
ورأينا النفوس المريضة في أخوة سيدنا يوسف ومكرهم به وإلقائهم إياه في بئر عميق ورأينا شفقة النبؤة وسعة الصدر والرحمة من سيدنا يوسف عليه السلام حين عفا عن إخوته ورأينا كيف كافأ الحق سبحانه  نبيه يوسف عليه السلام إن جعله على خزائن الأرض وعلمه من تاؤيل الأحاديث وحقق له رؤيته ورأينا السورة رغم تناولها للعديد من الموضوعات المختلفة شكلا ومضمونا إلا أنها لم تضطرب أو تشعرك بملل أو نشعر بألفاظ جارحه ولكن نشعر بأسلوب راق وأدب جميل وتذوق حلاوة منقطعه  النظير وأنت تتنقل من موقف لأخر .
ولذلك من سمع من الأعداء والمشركين   القران قالو ( أن له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وانه يعلو ولا يعلي عليه ) قالوا ذلك وهم أهل الكلمة وأرباب الفصاحة فقد كان حقا ( تنزيل من حكيم حميد ) فصلت42 ,  أرأيت  كيف تناول القران الكريم كل هذه الأمور بشكل منطفى وبترتيب لا يستطيعه إلا العزيز الحكيم سبحانه وتعالى لذا قال احد الصحابة :( لقد أحسن الله إلينا كل ألاحسان ـ كنا مشركين فلو جاءنا رسول الله بهذا الدين جمله وبالقران دفعه لثقلت هذه التكاليف علينا فما كنا ندخل في الإسلام ـ ولكن دعانا إلى كلمه واحده فلم قبلناها وذقنا حلاوة الإيمان قبلنا ما ورائها كلمه بعد كلمه إلي أن تم الدين وكملت الشريعة )
مما سبق يتضح لنا :-
 1 :- نزل القران الكريم منجما متابعا للأحداث ومجيبا لأسئلة وجهت لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)وتثبيتا للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولصحابته رضوان الله عليهم (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) الفرقان 32
 2 :- كان نزول القرآن بهذه الطريقة ليعالج الأمور أولا بأول لقوله تعالى (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )سوره الفرقان 33
 3 :-بهذه الطريقة استطاع المؤمنون فهم القرآن إيه تلو الأخرى والعمل بها والإيمان بها أيمانا كاملا وعن أقتناع كامل حتى قال تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)البقرة 285 , حتى أصبحت صدور المؤمنين أوعيه للقران الكريم.
4:-اراد الحق جلا وعلا إن يزداد المؤمنون إيمانا حين يرو صدق الحق جل وعلا  فيما اخبرهم به ومن ذلك يوم الخندق حيث أيد الله رسوله والمؤمنين بجند من عنده وهزم الأحزاب وحده بقدرته حتى قال فى القران الكريم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)سوره الأحزاب 22
* اى حين كشف الله عن المؤمنين الكرب بقدرته وأرسل جنودا وريحا وجنودا لم يروها  حينئذ امن الصحابة بصدق الحق جل وعلا حين قال ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون ) الصفات 171,172,173 .
5:- أراد الحق سبحانه وتعالى بقدرته أن يحي من حي عن بينه وإن يهلك من هلك عن بينه  ولو أن الله جل وعلا أرغم المؤمنين وأنزل العبادات  والأحكام والأوامر والنواهي وأمروا بالجهاد والهجرة والحج وكل أمور الدين دفعه واحده ما استطاع الكثير ين  القيام بكل هذه المهام كما انه حينئذ لم يترك  الدين مساحه داخل كل مؤمن تسمح باستقرار العقيدة أولا ثم الدفاع عنها فيما  بعد ،ولذلك حرص الشرع الحكيم أن يربى الرجال أولا حتى إذا أصبحوا مؤمنين بحق على استعداد  أن يفدوا هذا الدين بأرواحهم وأموالهم شرع لهم الشرائع وسن لهم الأحكام .
 6:- لقد راعى الحق سبحانه وتعالى حال هذه ألأمه الوليدة التي تتغير من النقيض إلى النقيض ـ أمة تتحول من العصبية القبلية إلى أمه تدعوا إلى السلام والأمان وحسن الجوار . ألأمه التي كانت تئد البنات وتعبد الأصنام تتحول بفضل الله إلى أمة تكرم المرأه وتضعها  في مكانها اللائق حتى قالوا ( النساء شقائق الرجال ) إلى امة أمنت بالله الواحد الأحد لا شريك له                                                              
    7:- أعطى القران الكريم للأعداء من الوقت ما يشاءون ليطعنوا في القران الكريم أو أن يأتوا بسوره من مثله فلو نزل القران جمله واحده في أخر عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لقال المشركون والأعداء لم نأخذ فرصه لقرأته ومناقشته كما أن نزول القرآن بهذه الطريقة كان سببا في إيمان الكثيرين به والدخول في دين الله أفواجا                                                                                            8:- بهذا أصبح القران الكريم في صدر كل مؤمن قولا وعملا .ولم يكن القران الكريم مجرد ألفاظ كأشعار العرب السابقين ولكنه أصبح دستورا للحياة حتى حين سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت كان خلقه القرآن .كان قرانا يمشى في الأرض 
           قرآنا يمشى في الأرض                                    وأنوارا هي ذات محمد
        هو قران هو إسلام هو                                      إيمـــــــــان فيــــــه محمد
     رب نور لســــــــت تراه                                        وضرب المثل بنور محمد
       ما في الكون سوىالرحمن                              ونور الله بقلـــــب محمد
وهكذا كان  كل الصحابة رضي الله عنهم لان لهم في رسول الله آسوه حسنه حتى أثنى عليهم الحق سبحانه وتعالى فيقول( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضي عنه ) سوره التوبة 100 . وفى ذلك يقول ابو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان , وعبد الله بن مسعود , وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل فقالوا : فتعلمننا القران والعلم والعمل .
  جمع القران

رأينا كيف نزل القران الكريم مفرقا وعرفنا سبب ذلك و السؤال الآن كيف جمع القران بهذا الترتيب الذي نقراه ؟
إجابة على هذا السؤال بقول ابن الانبارى في كتابه الرد :-
1:- كان جبريل عليه  السلام يوقف رسول الله ( ص ) على وضع السورة والايه فإتساق السور كإتساق الآيات والحروف وكله عن خاتم النبيين محمد ( ص ) عن رب العالمين . فمن أخر سوره مقدمه أو قدم سوره مؤخره فهذا كمن أفسد نظم ألآيات وغير الحروف والكلمات .
ولاججه على أهل الحق في تقديم سوره البقرة على سوره الأنعام . وسوره  الأنعام نزلت قبل سورة البقرة لان الرسول ( صلى الله علية وسلم) أخذ هذا الترتيب وهو  يقول ضعوا هذه السورة موضع  كذا أو كذا من القرآن بأمر من جبريل عليه السلام من رب العزة  جل وعلا  .
2:-   وكان إذا نزل على رسول الله ايه دعا كتبه الوحي فيملى عليهم ما  نزل عليه فكانوا يحفظونه في الصدر ويكتبونه على الجلود وسعف النخيل والأحجار.
3:- وكان جبريل عليه السلام يطالع الرسول صلى الله عليه وسلم القران الكريم في كل عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو كتبه الوحي ويتلو عليهم القران مرتبا كما يتلوه عليه جبريل عليه السلام حتى العام الذي قبض فيه المعصوم طالعة جبريل عليه السلام القرآن الكريم مرتين إلى أن تم الله الدين فقال جل وعلا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) المائدة 3.
 4:-ولان هذا القرآن هو دستور ألامه الاسلاميه إلى قيام الساعة وفيه صلاحها وصلاح العالم اجمع اذا فما كان لله جل وعلا أن يكل أمر حفظ القرآن الكريم لبشر مهما كانوا ولذلك أعلنها الحق جل وعلا صريحه يقول سبحانه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر9 .  فاطمأن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن حين نزل جبريل عليه السلام بالقران كان النبي صلى الله عليه وسلم يسارع بالقران خشيه النسيان فطمأنه الحق جل وعلا بقوله(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِان عإِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُفاذا فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قرأنه) ألقيامه 16, 17 ,18
وبعد هذا الوعد الجميل من رب العزة جل وعلا بأنه سيتولى بقدرته جمع هذا القرآن وحفظه بل وبيانه للناس ؛ فما كان لأحد أن يسال كيف جمع القرآن وكيف حفظ .
5:- لم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه الا بعد ان اقر الله جل وعلا عينه بهذه الوعود بل واثني جل وعلا على اصحابه واخبر جل وعلا بأنهم  ( خير امه أخرجت للناس ) ال عمران110,  وقال جل وعلا ايضا عنه (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب 23 وان الله جل وعلا معينهم  ومساندهم حتى يبلغوا هذا الدين للدنيا بأسرها وليصبحوا من جنود الله( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) المدثر 31 .
6:- وبعد انتقال المعصوم الى جوار ربه سار المؤمنون على المنهج الذي وصفه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذى قال لهم ( تركتكم على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )  فلم يحيدوا عن سنه نبيهم قيد انمله لانهم تعلموا أن الابتعاد أو عدم تنفيذ أوامر المعصوم صلى الله عليه وسلم يؤدى بهم الى الهاويه ولقد راوا رأى العين ما حدث لهم يوم احد حين خالف الرماة امر الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلوا ليجمعوا الغنائم فاستغل المشركون هذه الفرصه وانقضوا على المسلمين وكادوا ان يبيدوهم لولا رحمة الله ومن ثم فعليهم ألا يعاودوا الكره مره ثانيه والا فقد أنقذوا يوم احد ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جوار ربه أما الآن وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم لن يحميهم الا اتباع المنهج اتباعا سليما والا ستكون العاقبة أدهى وأمر .
7- ولكن ماذا كان سيحدث لو انتقل كل الصحابه وحفظة القران الكريم وكتبة الوحى جميعا الى جوار ربهم دون ان يدونوا المصحف الشريف ؟
حينئذ سيجد المتشككون مغمزا وبابا يدخلون منه للتشكيك فى امر المصحف ولكن شاءت إرادة الله جل وعلا ان يدون القرآن الكريم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم فى اقل من شهور .وهنا سؤال لماذا لم يدونه رسول الله كما فعل أبو بكر الصديق رضى الله عنه نقول ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان على قيد الحياه فقد ينزل تشريع أو تنزل آيات إذا فمن التأكيد أن يظل الأمر كما هو حتى لحظة وفاة النبى صلى الله عليه وسلم لنتاكد انه لا مجال لنزول ايات جديده بعد انتقال الرسول الى جوار ربه كما ان جمع القران الكريم على يد الصحابه اكبر دليل على صدق الحق جل وعلا في قوله ( ان نحن نزلنا الذكر وان له لحافظون ) الحجر 9...
وأيضا اثبت ألصحابه أنهم على قدر المسئوليه فماداموا قد وفق الجميع لجمع القران وهو الدستور الاول فهم على جمع السنه والحفاظ على غيرها اقدر، وقد كانوا. الحمد لله رب العلمين
8- وعن جمع القرآن يقول الإمام البخاري رضي الله عنه ؛ ارسل ابو بكر الصديق الى زيد بن ثابت مقتل اهل اليمامه اى عقب معركة اليمامه وكانت فى زمن ابى بكر الصديق  وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال ابو بكر الصديق لزيد بن ثابت ان عمر اتانى فقال إن القتل استحر بالناس يوم اليمامه وانى اخشى ان يستحر القتل بالقراء فى المواطن فيذهب كثير من القران الا ان تجمعوه وانى ارى ان تجمع القران .
فقال ابو بكر ؛ فقلت لعمر كيف افعل شى لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال عمر  هو والله خير
وقال ابو بكر فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله لذلك صدرى ورايت الذى راى عمر ثم قال ابو بكر لزيد وعمر عنده جالس لا يتكلم ؛ يا زيد انت شاب عاقل وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القران فاجمعه .
فقال زيد بن ثابت كيف تفعلان شئ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أبو بكر :- هو والله خير فقال زيد:- فلم يزل أبو بكر يراجعني حتي شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من صدور الرجال ومن سعف النخيل ومن الجلود فلو كلفوني نقل حبل لكان أهون على ثم يقول:- فتتبعت القرآن إلا آية افتقدها كنت أسمعها من رسول الله صلي الله عليه وسلم ووجدتها مع (ابوخذيمة الأنصاري) الذي جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين فتذكرتها وهي (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب/23 . وأكد عليها الصحابة وشهدوا عليها كما كانوا يشهدون على كل آية اكتبها.
9- الحفظ والثقة كان مما يشتهر به الصحابة  (فعن انس بن مالك رضى الله عنه قال كنا نكون عند النبى صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث فاذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه)  بل إن العرب كانوا يحفظون القصائد والمعلقات ولم يجرؤ أحد أن يغير أو يبدل هذه الأشعار أو يدعي لنفسه أبياتاً قالها غيره، فهذا للأقوال العادية من قول البشر فما بالكم بالقرآن الكريم فمن باب أولي أن يهتم الصحابة بالقرآن ولكن لماذا كلف أبو بكر الصديق زيد بن ثابت دون الصحابة؟
أولاً:- لم يتفرد سيدنا زيد بن ثابت بالجمع والتدوين بل كان يراجعه كل الصحابة في ما يجمع وما يكتب لأنهم جميعاً سمعوا رسول الله صلي الله عليه وسلم ومنهم من كان يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب فما كانت تكتب آية إلا بعد أن يقر بها جمع من الصحابة الأجلاء.
ثانيا:-كما إن الصحابة وقتها وبعد وفاة المعصوم صلي الله عليه وسلم كل لديه مهمة يجب عليه إتمامها فمنهم من كلف بقيادة الجيوش ومنهم الجنود ومنهم من يساعد سيدنا زيد في جمع القرآن الكريم ومنهم من يساعد الصديق رضي الله عنه في أمور المسلمين لأن الرسول صلي الله عليه وسلم قال"كل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام فليحذر أن يؤتي الإسلام من ثغرة"  ولقد رأي الصديق رضي الله عنه أن الرجل المناسب في المكان المناسب فسيدنا زيد بن ثابت كان يكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
10-بعد ما وفق الحق جل وعلا أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم في جمع القرآن في مصحف واحد وضع عند أبي بكر الصديق الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالي ( وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجهه ربه الأعلى ولسوف يرضي) الليل17-21
وقال عنه الحق جل وعلا:-( والذي جاء بالصدق وصدق وأولئك هم المتقون) الزمر 33. هذا بالإضافة إلي قوله جل وعلا:- (ثاني اثنين إذ هما في الغار)التوبة 40 ، ويكفيه أنه أول من آمن برسول الله صلي الله عليه وسلم والوحيد الذي سمح له الرسول صلي الله عليه وسلم أن يصلي بالمسلمين وهو على قيد الحياة بل وصلي خلفه المعصوم صلي الله عليه وسلم فأي شرف ومكانة لهذا الرجل العظيم فلابد أن يوفقه الله جل وعلا ولذلك حين ولي أمر الخلافة قال له الإمام على بن أبي طالب "رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا"
وظلت الصحف عند أبي بكر الصديق حتي توفاه الله ثم عند عمر رضي الله عنه إلي أن توفاه الله ثم عند حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها .
11- وظل الأمر كذلك حتي عهد سيدنا عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين .وفي عهده كثرت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الدولة الإسلامية ودخلت أمماً كثيرة في دين الله وكانت لهذه الأمم لغات و السنة مختلفة كما أن الصحابة الذين استقروا في البلاد الجديدة كانوا يقرأون القرآن الكريم بأكثر من قراءة لأن رحمة الله اقتضت أن ينزل القرآن بأكثر من حرف حتي يستطيع الجميع أن يقراه بسهولة ويسر"(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)"القمر 17.
وكان الصحابة يقرأون هذه القراآت كما علمهم إياها رسول الله صلي الله عليه وسلم فالصحابة يعلمون ذلك ولكن ماذا عن الأمم الجديدة التي دخلت في الإسلام فإذا كتب بكل حرف مصحف هنا تكون الكارثة ولكن شاءت إرادة الله الذي وفق صحابة رسول الله على جمع القرآن وتدوينه ، وفقهم في الإتفاق على قرأة واحدة تكتب في مصحف واحد يوزع على البلاد الإسلامية ثم يكون تعليم باقي القراءات من خلال العلماء والقراء.
وفي هذا يقول الأمام البخاري رضي الله عنه "أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو صاحب سر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في عزوة أرمينية حدث خلاف بين القراء وبعد انتهاء الغزوة دخل سيدنا حذيفة على سيدنا عثمان،فيقول "في غزوة أرمينية جلس أهل الشام وأهل العراق وأهل الحجاز يقرأون القرآن فاختلفوا في القراءات وتنازعوا وأظهر بعضهم كفر بعض والبراء منه وتلاعنوا فأشفق حذيفة مما راي منهم فلما قدم المدينة دخل على عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال أدرك هذه الأمة؟ فقال عثمان بن عفان :فبماذا ؟ قال :في كتاب الله قائلاً :- إني حضرت غزوة أرمينية وجمعت ناساً من الشام والعراق والحجاز وعرض له ما تقدم وقال إني أخشي عليهم أن يختلفوا في القرآن كما اختلف اليهود والنصارى.
هنا جمع عثمان بن عفان صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخبرهم الخبر فيروي سويد بن غفلة عن على بن أبي طالب رضي الله عنه "أن عثمان بن عفان قال ما ترون في المصاحف؟فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتي أن الرجل ليقول قرأتي خير من قراتك وقراتي أفضل من قراتك وهذا شبيه بالكفر.فقلنا فما الرأي عندك يا أمير المؤمنين ؟قال الرأي عندي :- أن نجمع الناس على القراءة،فإنكم إن اختلفتم اليوم في القراءة كان من بعدكم أشد اختلافاً فقلنا:- الرأي رأيك يا أمير المؤمنين.
12- فأرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلي أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها قائلاً أرسلي إلينا بالصحف التي عندك ننسخها ونعيدها إليك.فأرسلت بها إليه حينئذ أمر سيدنا عثمان بن عفان أربعة من الصحابة وهم:- زيد بن ثابت ،وعبد الله بن مسعود،وسعيد بن العاص،وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكان زيد من المدينة والثلاثة من قريش فقال لهم عثمان بن عفان :إذا اختلفتم أنتم وزيد أي في القراءة (لا في القرآن .لأن القرآن كان قد جمع وانتهي الأمر) فاكتبوه بلسان قريش إنما نزل بلسانهم"
كما سنوضح مما بعد حتي إذا نسخوا المصاحف رد عثمان بن عفان الصحف إلي حفصة وأرسل إلي كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بسوي ذلك من القراءات في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق لئلا يبقي إلا المصحف الوحيد الذي قام بجمعه أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وهم أكثر الناس دراية وعلماً بالقرآن الكريم وكان هذا من عثمان رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجملة أهل الإسلام وشاورهم في الأمر فأتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهودة عن النبي صلي الله عليه وسلم وإطراح ما سواها.
13- وفي هذا يقول على بن أبي طالب رضي الله عنه : لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل ثم قال :- يا معشر الناس اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف،فو الله ما حرقها إلا عن ملإمناً أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
14- أرأيت عزيزي القارئ كيف صدق الحق جل وعلا حين قال :" إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ"القيامة 18,  وحين قال سبحانه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر 9
وفوق ذلك وبحمد الله أصبح القرآن الكريم كما قال عنه سبحانه (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )فإنك إذا دخلت أي بلد إسلامي وجدت المئات من كل الأعمار وكل المستويات من أبناء هذا البلد يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب بل لو جلست أمامهم وأردت أن تكتب ما يتلون لوجدت في النهاية نفس المصحف الشريف بحروفه وآياته والعجيب أن الله جل وعلا سهل أمر حفظ القرآن الكريم حتي إنك لنري أناسا أميين وعمال وحرفين فضلاً عن العلماء والمتعلمون يحفظونه عن ظهر قلب حقاً"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" القمر17 بخلاف التوراة والإنجيل فهناك العديد من هذه الكتب كما إنك تري اختلافاً واضحاً بين كتبهم كما سنوضح أن شاء الله فيما بعد
 *أما القرآن الكريم نجده هو هو،  فالمصحف الموجود في أمريكا هو نفس المصحف في أوروبا وفي العالم الإسلامي على امتداده وهذا من فضل الله علينا حقا ( ًإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" )الحجر 9
15- لقد بذل الأعداء من اليهود والمتشككين في كل زمان ومكان  لينالوا من القرآن أو يجدوا فيه مغمزا ولكن هيهات فأني لهم ذلك والقرآن "نزيل من حكيم حميد" فصلت 42 . ولقد حاولت قريش قبلهم وهم أعلم الناس بالبلاغة وفنون الكلام كما إنهم أرباب الشعر والفصاحة ففي البداية تحداهم القرآن الكريم بقوله جل وعلا
(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) الطور 24 ,  فعجزوا عن الإتيان بمثله فكان يكفي ذلك إلا إنهم قالوا إن النبي صلي الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه فأخبرهم الحق جل وعلا أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ " الطور24.
* ثم ذكرهم الحق سبحانه وتعالي بأن محمداً صلي الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وهم يعلمون ذلك فقال جل وعلا ( ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تحطه بيمينك إذاً لأرتاب المبطلون) العنكبوت 48 .  وقال سبحانه وتعالي أيضاً  ("وقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون" ) يونس 16 .
ومع هذا قالوا عن الشاب النصراني الذي ما جلس معه الرسول صلي الله عليه وسلم إنه هو الذي يعلم الرسول صلي الله عليه وسلم فقال الحق سبحانه وتعالي:- ( ويقولون إنما يعلمه بشر.فلسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) النحل 103,
 فلقد روى ابن هشام في سيرته عن هذا الموقف : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهب إلى الطائف ولم يحسنوا استقباله فلجأ الى حائط بستان لأبنى ربيعه فلما رآه تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس , وقالا له خذ قطفا من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلا باسم الله ثم أكل فقال عداس إن هذا الكلام ما يقوله اهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من اى البلاد انت وما دينك ؟ قال أنا نصراني من أهل نينوى فقال صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس ابن متى , قال له وما يدريك ما يونس بن متى  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك اخى كان نبياً وأنا نبي , فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلها .
 ولم يكتفوا بذلك بل قالوا أن محمداً صلي الله عليه وسلم افتراه من عنده فقال سبحانه وتعالي مدافعاً عن نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ( ام يقولون افتراه فاتو بعشر سور مثله مقتريات ) هود 13 .
  سبحانه وتعالي ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسور مثله)  يونس 38 ,  فقالوا عنه أنه شاعر فقال الحق سبحانه وتعالي (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ )يس69.  فقالوا عنه كاهن فقال الحق جل علا:-" وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " الحاقة 42.
 حتى عجزت جميع حيلهم فطلب منهم الحق جل وعلا قائلاً:-"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله" وهنا أقحموا في الجواب وبدت البغضاء من أفواه بعضهم ( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ " وقال( إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) المدثر 24/25 , 
وتوعدهم سبحانه وتعالي بقوله جل وعلا :-( وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ) الحاقة 49-50وقال سبحانه وتعالي :-" يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ "يس.30حينئذ تقطعت بهم الأسباب وعدلوا إلي الحروب والعناد فلو قدروا على المعارضة لكان أهون كثيراً وأبلغ حجة وأشد تأثيراً.



لو ظل العرب والمسلمون الى اليوم والى قيام الساعه على فصاحتهم وبلاغتهم التى كانوا عليها وقت نزول القران الكريم لما احتجنا الى تنقيط الحروف لاننا لن نكون بحاجه الى توضيح هذا الحرف من ذاك
فالعرب فى قريش ومن حولها من القبائل بلغوا من الفصاحه درجه مكنتهم من استقبال القران الكريم  دون استنكار لالفاظه , فلو انهم وجدوا فى القران الفاظا لم يسمعوها او يعلمون بها لطعنوا فيه لان الحق جل وعلا قال انه انزل القران ( بلسان عربى مبين ) الشعراء 195 .
فلو ان هناك الفاظا غريبه لكان الطعن  فيها اهون من الاقتتال والحروب فاصبحوا وهم ارباب اللغه والفصاحه عاجزين ومبهورين بالقران .
وكانت لهم ذاكره حافظه فمنهم من كان يحفظ المعلقات والتى تصل الى 1000 بيت من الشعر ومنهم من يحفظ انساب العرب ولا يختلط عليه شئ منها . ومن ثم استقبل اهل مكه ومن حولها القران الكريم دون تلعثم او استفسار وهذا لان قريش ومن جاورها من القبائل كانت لهم لغة مشتركه تميزت بالفصاحه ووصلت الى اوج عظمتها قبل مجئ الاسلام
وهذا يعنى ان قد حدثت عوامل مختلفه جعلت حملة اهل هذه اللهجات على التقارب والاختلاط فادى ذلك الى نشاة اللغه المشتركه التى تفهم بها الناس جميعا وان انتموا الى قبائل مختلفه)   والسؤال لماذا اختص القران الكريم قريشا ونزل بلسانها ؟ نقول ان لقريش من المقومات الدينيه والتجاريه ما جعلها بحق ام القرى فوجود البيت الحرام بها وما يحظى به من تعظيم على طول الزمان فكان العرب يعظمونه ويقدمون له القرابين ويحرمون عنده القتال وكانوا يفدون الى مكه من كل انحاء الجزيره للطواف بالبيت ونشأ عن وجود كل قبائل الجزيره تقريبا فى مكه مدة الاشهر الحرم ان اقيمت الاسواق لعرض المنتجات ومن الاسواق التى اقيمت ايضا اسواق للشعر والكلمه فكانوا يجلسون يستمعون الى افضل ما جادت به قريحة الشعراء ويعلقون اجودها عند الكعبه فيدل ذلك على ان مكه كانت حاضنه المهرجانات الثقافيه والناقده لها لان اهلها اكثر الناس اختلاطا بالقبائل الاخرى  ثم يرجع التحكيم اليهم فلا تكاد لهجه شمالا او جنوبا الا ويعلمونها
 ( وقد ادادت هذه اللغه نموا وازدهارا بنزول القرآن الكريم بها ولسنا نوافق القائلين بان نزول القران هو الذى وحد العربيه واوجد اللغه المشتركه لان هذه اللغه نمت وازدهرت قبل نزول القران ولذا تخيرها القران الكريم ونزل بها ليفهمه جميع الناس فى شتى القبائل العربيه ) 
وقد بلغ بالعرب الفصاحه درجه جعلتهم لا يخطئون فى استخدامها فان ( صاحب اللغه الذى يتكلمها بالسليقه يستحيل عليه الخطا فى ظواهر تلك اللغه دون ان يدرك انه اخطا ولا يتصور وقوع الخطا من صاحب السليقه اللغويه فى اى ظاهره من ظواهر لغته فى تركيب اصواتها او فى ترتيب الكلمات فى جملها )
والمسلمون الاوائل من هؤلاء العرب الذين يتميزون بالفصاحه وكانوا يعاقبون من يلحن فى الفاظ القرآن الكريم او فى الحديث العادى ( مر عمر بن الخطاب على قوم يسيئون الرمى  فقرعهم فقالوا ان قوم متعلمين فاعرض مغضبا وقال : والله لخطئوكم فى لسانكم اشد عليا من خطئكم فى رميكم )  ولأن الكتابه كانت فيهم عزيزه او نادره فكان التركيز فى اللغه من السماع والنطق بها اعتمادا على الفطره السليمه
 ( لأن السليقه كان لها دورا بارزا بين العرب فلا يخطئون وهم يتحدثون ومن ذلك : انه دخل رجل على عبد العزيز بن مروان يشكوا صهرا له فقال ان ختنى فعل كذا وكذا فقال له عبد العزيز ومن ختنك بالفتح فقال الرجل الختان الذى يختن الناس , قال عبد العزيز لكاتبه ويحك , بم اجابنى قال ايها الامير انك لحنت وهو لا يعرف اللحن كان ينبغى ان تقول من ختنك بالضم )  وظل الامر كذلك مع الجيل الاول من المسلمين اهل البلاغه والفصاحه فكان منهم من طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم ان يسمع منه القرآن مثل ابى بن كعب رضى الله عنه
( قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما : ياابى بن كعب انى امرت ان اعرض عليك القران هنالك سال الرسول صلى الله عليه وسلم فى نشوه غامره : يا رسول الله بابى انت وامى وهل ذكرت لك باسمى فاجاب الرسول نعم باسمك ونسبك فى الملا الاعلى .اذن فى عصر النبوه والخلفاء الراشدين لم يكن المسلمون فى حاجه الى تشكيل ايات القران ولكن, سبحان الله الذى كتب التغير على كل شئ فما ان مرت الايام حتى دخلت امما اعجميه فى الاسلام ولهم لغتهم ولهجاتهم الخاصه وبما ان القرآن لابد ان يظل ( بلسان عربى مبين ) فيجب ان يطوعوا السنتهم على النطق به ولان هذا بالغ الصعوبه فاختلطت بعض الحروف  عند نطقها فظهر جيل لا يعرف العربيه الفصحى فبدا اللحن فى اللغه ومن ذلك
( ان ابنة ابى الاسود الدوؤلى قالت لابيها يوما :يا ابتى ما احسن السماء , بالرفع على احسن : فقال اى بنيه : نجومها قالت انى لم ارد اى شئ فيها احسن وانما اتعجب من حسنها قال اذن فقولى ما احسن السماء (بالنصب على احسن) .
كما دار بينهما موقفا شبيها بما سبق فقالت يا ابتى ما اشد الحر فى يوم شديد الحراره فقال لها اذا كانت الشمس من فوقك  والرمضاء من تحتك قالت انما اردت ان الحر شديد قال فقولى ما اشد الحر (بالنصب)
 فلما راى ابى الاسود الدوؤلى هذا اشفق على  اللغه فذهب الى والى البصره فقال ( انى ارى العرب قد خالطت الاعاجم وتغيرت الالسنه افتاذن لى ان اضع للعرب كل ما يعرفون ويفهمون به كلامهم فقال لا فجاء رجل الى الوالى قائلا اصلح الله الامير توفى ابانا  وترك بنونا فقال الامير توفى ابانا وترك بنونا ادعوا لى ابا الاسود فقال ضع للناس الذى نهيتك ان تضع لهما .
يروى عن المبرد انه قال لما وضع ابو الاسود الدوؤلى النحو قال ابغوا لى رجلا وليكن لقنا فطلب الرجل فلم يوجد الا فى عبد القيس فقال ابو الاسود له اذا رايتنى لفظت الحرف فضممت شفتى فاجعل امام الحرف نقطه , فاذا ضممت شفتى بغنه فاجعل نقطتين , فاذا رايتنى قد كسرت شفتى فاجعل اسفل الحرف نقطه فاذا كسرت شفتى بغنه فاجعل نقطتين . ولان طريقة النقط شاقه على الكاتب فهى تحتاج الى قلمين مختلفين , فجاء الخليل ابن احمد فكتب بالشكل الذى نراه الان فالضمه واو صغيره فى اعلى الحرف والكسره ياء تحت الحرف والفتحه الف مبطوحه فوق الحرف .
وكذلك قام ابى الاسود الدوؤلى والخليل بن احمد بتنقيط الحروف  وهذا عمل وجهد محمود الا انهم لم يضيفوا للقران شئ فهو من باب توضيح من يعلم لمن لا يعلم والا كيف كان الصحابه يقراون القران قبلهم وبهذا سدت ثغره كان من الممكن الدخول منها بفضل هذين العالمين وصدق الحق حين قال( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) الحجر 9.








الفصل الثاني























لحافظون"الحجر 9 مقتصراً على القرآن الكريم ولكن هذا فهم قاصر لأسباب كثيرة منها:-
1-أن الحق سبحانه وتعالي أعطي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم حق التشريع والأمر والنهي فقال جل وعلا:-" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا "الحشر 7.
2-حذر الحق جل وعلا المؤمنين من مخالفة أوامره سبحانه وأوامر نبيه محمد صلي الله عليه وسلم فقال جل وعلا:-" مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ "الأحزاب 36.3-يبين الحق جل وعلا أن طاعة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم من طاعة الله جل وعلا فقال سبحانه وتعالي:-"( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (أل عمران 132 . وقوله تعالي"من يطع الرسول فقد أطاع الله"النساء 80.
4-ثم حذر الحق سبحانه وتعالي المؤمنين بقوله جل وعلا"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالد فيها وله عذاب مهين"النساء 14.5-بين الحق سبحانه وتعالي بأن طاعة نبيه محمد صلي الله عليه هي المدخل الوحيد لمحبته جل وعلا فقال سبحانه وتعالي"قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ "أل عمران31.6-يذكر الحق سبحانه وتعالي أن هذه الإمتيازات التي منحها لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم سببها انه صلي الله عليه وسلم"ما ينطق عن الهوى .إن هو إلا وحي يوحي "النجم4-5
وأكد الحق سبحانه وتعالي أن نبيه محمد صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يفتري على الله جل وعلا أو أن يتقول على الله ما لم يقل جل وعلا فقال سبحانه وتعالي"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين"الحاقة 44-45.7
-طلب الحق سبحانه وتعالي من نبيه محمد صلي الله عليه وسلم أن يبين للناس مراد الحق جل وعلا من القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالي "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"8-فما كان الحق سبحانه وتعالي أن يعطي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم كل هذه الحقوق ثم يترك سبحانه وتعالي منهج رسوله محمد صلي الله عليه وسلم يذهب سدي إذاً لضاع الكثير من التوضيح والتفسير لأن السنة "هي بمثابة الشرح والتوضيح والتفسير للقرآن الكريم فما في السنة شيء إلا ودل عليه القرآن دلالة إجمالية". فقد روى ابو داود عن المقداد بن معد يكرب عنرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا انى أوتيت الكتاب ومثله معه).
9- والسنة وضحت ما قد يصعب علينا فهمه فعلي سبيل المثال يقول الحق جل وعلا "وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"هود114 وقال سبحانه وتعالي "أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"الإسراء78 من هاتين الآيتين نفهم أن المطلوب منها صلاة في أول النهار وأخري في آخره إلا أن النبي صلي الله عليه وسلم وضح الأمر بعد معجزة الإسراء والمعراج وبين لنا أنهن خمس صلوات فقال صلي الله عليه وسلم"صلوا كما رأيتموني أصلي" . فعلم النبي صلي الله عليه وسلم الأمة كيفية الوضوء والاستعداد للصلاة وبين أوقاتها وشروط صحتها فقال صلي الله عليه وسلم"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا احدث حتي يتوضأ".
وقال صلي الله عليه وسلم في حديثه لأبي نجيح عمرو بن عبسه السلمي"يروي الامام مسلم فيقول عن أبي نجيح عمرو بن عبسه السلمي رضي الله عته قال:كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلاله وإنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبار فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله مستخفياً جراء عليه قومه فانطلقت حتي دخلت عليه مكة فقلت له:ما أنت" قال :- أنا نبي،قلت - وما نبي؟ قال :- أرسلني الله،قلت وبأي شيء أرسلك؟قال:- أرسلني لصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء فقلت من معك على هذا؟ قال:- حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما.
قلت:- إني متبعك .قال :- إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا .أولا تري حالي وحال الناس ولكن ارجع إلي أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني قال :- فذهبت إلي أهلي .وقدم رسول الله المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتحر الأخبار وأسال الناس حين قدم المدينة .فقالوا الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت:يا رسول الله أتعرفني؟قال:نعم أنت الذي لقيتني بمكة قال:- فقلت يا رسول الله أخبرني مما علمك الله ووجدته أخبرني عن الصلاة.قال:- صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتي ترتفع الشمس قيد رمح فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صلي فإن الصلاة مشهودة محضورة حتي يستظل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقيل الفئ فصلي فإن الصلاة مشهودة محضورة حتي تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتي تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.
10-نلحظ من الحديث السابق أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر مواعيد الصلاة وهذا من رحمة الله بنا أن جعل نبيه محمد صلي الله عليه وسلم نوراً مبيناً أرشدنا به إلي الصواب وإلا تخبط المسلمون وإلا ماذا يفهم المسلمون من قول الحق سبحانه "أقيموا الصلاة" وقوله سبحانه(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) البقرة338. هنا لا يمكن أن يكون عدد الصلوات اثنين واحدة في أول النهار وأخرى في أخره وإلا لقال الحق جل وعلا .حافظوا على الصلاتين ولكن قوله سبحانه "حافظوا على الصلوات". وضحه لنا النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه وعن معاذ رضي الله عنه قال:"بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي اليمن فقال:- (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب،فأدعهم إلي شهادة أن لا اله إلا الله .وإني رسول الله،فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالي افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة،فإن هم أطاعوك لذلك ،فأعلمهم أن الله تعالي افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ،فإن هم أطاعوك لذلك،فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم ،فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"  وفي حديث أخر بين لنا فيه صلي الله عليه وسلم الصلوات:- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة كفارة لما بينهن ،ما لم تغشي الكبائر "رواه مسلم
.11- ولم يكن هذا التوضيح  خاص بالصلاة فحسب بل في كل الأحكام والعبادات كالزكاة والحج والجهاد والصوم والنوافل وكل حركات الحياة في جميع النواحي من قيام.ونوم  وأكل وشرب وزيارة وأخذ وعطاء ومعاهدات وحروب. فعن خالد بن اسيد انه قال لعبد الله بن عمر : اننا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف ولا نجد صلاة السفر فى القرآن, فقال له بن عمر يا بن اخى ان الله بعث الينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فانما نفعل كما راينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وقصر الصلاة فى السفر سنه سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.  
باختصار أصبح رسول الله صلي الله عليه وسلم هو الترجمة العملية للقرآن الكريم إذاً فلا نستطيع الاستغناء عن سنته أو منهجه ولو قيد أنملة ولذلك قال الحق سبحانه وتعالي"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"الأحزاب 21.ولذلك حين سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت :-"كان خلقه القرآن كان قرآناً يمشي على الأرض"
ولما لا وقد أدبه ربه فأحسن تأديبه ومن ثم أصبحت حياة النبي صلي الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وما وافق عليه وما أمر به وما نهي عنه سنة واجبة ومادام الرسول على قيد الحياة فإن التشريع لم يكتمل بعد ولذا نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن تكتب أقواله وأفعاله لأسباب منها:-
1- حرص النبي صلي الله عليه وسلم أن يعي الصحابة القرآن فهو الدستور الأول كما أنه هو المصدر الأول للتشريع بالإضافة إلي أن القرآن يتعبد المؤمنون بآياته فهي واجبه أن تتلي آناء الليل وأثناء النهار كما أنه لا تصح بدونه وبه يتقرب المؤمن من ربه. وجعل الله قراءة كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها ومن ثم لم يرد النبي صلي الله عليه وسلم أن يثقل كاهل الصحابة بكثير من الأحكام والتشريعات فجعلهم يركزون أولاً في القرآن الكريم حتي إذا حفظوا آياته وتشربتها دماءهم وعملوا بها وليصبحوا كرسول الله صلي الله عليه وسلم قرآناً يمشي في الأرض.
2-قلنا إنه مادام رسول الله علي قيد الحياة فالتشريع لم يكتمل بعد فالسنة إذاً في نمو وتذايد طبقاً لما يواكب الصحابة والرسول صلي الله عليه وسلم من أحداث.
3-حرص الرسول صلي الله عليه وسلم أن تصبح السنة عملية قبل أن تكون لفظية بمعني جعل النبي صلي الله عليه وسلم الصحابة يقتدون به في كل شيء"صلوا كما رأيتموني أصلي"خذوا عني مناسككم","ذروني ما تركتكم"وبمثل هذه التوجيهات استطاع النبي صلي الله عليه وسلم أن يجعل منهم نماذج تشبهه إلي حد بعيد حتي قال عنهم صلي الله عليه وسلم"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"
.4-لو شغل الصحابة رضي الله عنهم بكتابة السنة في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم لزادهم رهقاً ،لأن كتابة السنة تختلف عن القرآن الكريم فكما أوضحنا أن القرآن الكريم نزلت آياته مفرقة فكانت هناك فرصة لكتابتها والإيمان بها والعمل بها أما السنة وكما أوضحنا أنها كل ما يصدر عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم وهذا يقتضي أن يلازم المسلمون النبي طوال اليوم وطوال الليل حتي يقفوا على كل كبيرة وصغيرة وهذا لا يتحمله المسلمون لأن لهم حياتهم الخاصة فعن البراء بن عازب قال ( ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , كانت لنا ضيعه واشغال , ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب )  .
كما ان للنبي متطلبات خاصة لأهل بيته ومطلوب منهم الجهاد والعمل ولذلك اكتفي النبي صلي الله عليه وسلم بأن يقتدي به أصحابه أما ما يصدر عنه في بيته فمن السهل معرفته من زوجاته رضوان الله عليهن ولا حرج في ذلك فهن أمهات المؤمنين وهذا ما حدث فقال الحق جل وعلا (أزواجه أمهاتهم) الاحزاب 6.
وقال صلي الله عليه وسلم عن السيدة عائشة "خذوا نصف دينكم من عائشة" وهذا على أساسين أنها تخبر العلماء والصحابة عن كل ما صدر من النبي في بيته كيف يدخل وماذا يقول عند الدخول وعند الخروج وعند القدوم..
.وهذا لأن الحق سبحانه وتعالي بعلم أن أمة محمد صلي الله عليه وسلم لن تنتهي بمجرد انتقال نبيه محمد صلي الله عليه وسلم إلي جوار ربه بل هي بإذن الله باقية إلي قيام الساعة ولذلك حرص أن يقتدي به الصحابة أتم اقتداء لأنهم سيقتدي بهم إلي آخر الزمان لقوله صلي الله عليه وسلم :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،عضوا عليها بالنواجذ.
5- إن الحق سبحانه وتعالي لا يعجل بعجلة العباد حتي تصل الأمور إلي ما أراد جل وعلا .لأن الحق سبحانه وتعالي لو أراد للمسلمين أن يكتبوا القرآن والسنة لأنزل القرآن جملة واحدة ولجعل نبيه صلي الله عليه وسلم بين ما يراد توضيحه ثم فرضه على المسلمين فرضاً ولكن شاءت إرادة الله أن يشترك المسلمون في الأمر لأنه لو كان الأمر مجرد تسجيل قرآن وكتابة سنة لنزل القرآن في الألواح ثم يؤمر المسلمون بحملها كما هي.ولكن تري هل يستطيع هؤلاء أن يربوا أجيالاً يقتدي بهم بالطبع لا :لأن فاقد الشيء لا يعطيه لأنهم في هذه الحالة لم يربوا بل كلفوا وإذا نلتمس للأجيال من بعدهم العذر إذا أخطأوا. ولكن الطريقة التي نزل بها القرآن ووجود الرسول صلي الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يأخذ بأيديهم ويرفق بهم ويعلمهم ويسمح لهم بالحوار والجدل ويؤيد آرائهم حتي أصبحوا"خير أمة أخرجت للناس"ال عمران 110.
6-بهذا أصبح الصحابي بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم قدوة في ذاته لأنه تعلم وتربي على يد المعصوم صلي الله عليه وسلم وبعناية الحق جل وعلا ولذلك كان زوال الدنيا أهون من أن يحيد أحدهم عن منهج الله أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم قيد أنملة وأكبر دليل على ذلك موقف الصديق الذي جمع الله سبحانه بعزيمته وإيمانه شمل الأمة بعد ما ارتد المرتدون ومنعوا الزكاة وأدعي النبوة أشخاص ماكرون .  والفرس والروم تحدق بالأمة فكانوا وقتها كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:-"أصبح المسلمون بفقد نبيهم كالغنم في الليلة المطيرة إلي أن جمع الله شملهم بأبي بكر الصديق"
والصديق رضي الله عنه كغيره من الصحابة لم يخشي في الله لومة لائم بفضل توجيهات الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وظهر هذا جلياً حين جاءت إليه الزهراء فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم تطلب ميراثها في أبيها صلي الله عليه وسلم قال لها "إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:- نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة".
7-وحين كمل الدين ورضيه الحق سبحانه وتعالي لنبيه وعباده الصالحين قال جل وعلا"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "المائده 3
وبالتالي أوشكت السنة على التمام والكمال ومن يومها استعد المعصوم صلي الله عليه وسلم للقاء ربه بعد أن أقر الله جل وعلا عينيه بالفتح ودخول الناس في دين الله ورأي النبي صلي الله عليه وسلم أن أصحابه رضوان الله عليهم أصبحوا على قدر المسئولية وأثني عليهم الحق جل وعلا بقوله"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"الأحزاب 23.
8-علم النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه بأن الصدق هو النجاة وأن الكذب ليس من شيم الأبرار المؤمنين فقال صلي الله عليه وسلم"عليكم بالصدق فأن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلي الجنة ولا يزال الرجل يصدق حتي يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلي الفجور وإن الفجور يهدي إلي النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذاباً"
ومع أن النبي صلي الله عليه وسلم يعلم أن النفس العربية الحرة تأبي الكذب ولكنه شدد على ذلك ليحذر الصحابة وليعلموا الأمة ونحن نعلم أن النفوس الحرة تعف عن الكذب فإن الكذب من شيم الخونة والضعفاء والمرضي ولقد رأينا أبي سفيان بن حرب رغم عداوته الشديدة لرسول الله صلي الله عليه وسلم قبل أن يسلم إلا أنه حين دعاه هرقل ليعرف منه حقيقة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأوقف أصحابه خلفه ليبينوا  لهرقل إن كذب في شيء ومع هذا قال أبو سفيان قولته الشهيرة" والله لو كذبت ما أخبروا عني ولكني امرؤ أخشي أن يؤثر عني الكذب  فما بالك بصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم".
9- ومع هذا شدد النبي صلي الله عليه وسلم على الحديث عنه أيما تشديد فقال عليه الصلاة والسلام (من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"  فهل بعد سماع هذا الحديث من المعصوم صلي الله عليه وسلم يجرؤ صحابي أن يتقول على رسول الله ما لم يقله بالطبع لا. وهذا التحذير ليس المقصود به صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم فحسب بقدر ما هو موجهة للأمة إلي يوم القيامة لأن الجميع مأمورون بتبليغ الرسالة لقوله صلي الله عليه وسلم"بلغوا عني ولو آية"  وقوله صلي الله عليه وسلم " نضر الله وجهه امرء سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعي من سامع  وقول الحق سبحانه وتعالي:-"وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب لتبينه للناس ولا تكتمونه"ال عمران 187. والحمد لله الذي أقر عين نبيه صلي الله عليه وسلم برضاه جل وعلا عن صحابته الكرام فقال جل وعلا عنهم"لقد رضي الله عن المؤمنين"الفتح8.
وأيضاً "رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه" البينه 8. فهل يرضي الحق عن قوم كذابين أو منافقين أو مخادعين أو كسالي حاشا لله وهم حقاً كانوا على درجة عالية من التدين والإتقان في العمل وحب الجهاد والتمسك بمبادئ هذا الدين القويم فقال عنهم الشاعر:-
شباب ذللوا سبل المعالي                             وما عرفوا سوي الإسلام ديناً
                      تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً                           طاب في الدنيـــــــــــــــا غصوناً
                      إذا شهدوا الوغى كانـــــوا                           كماة يدكون المعاقل والحصونا
                         وإن جن المساء فلا تراهم                         من الإشفـــــــــاق إلا ساجدينا
                       هكذا اخرج الإسلام قومي                         شباباً مخلصاً حراً أمينــــــــــــــاً          
                      وعلمه الكرامة كيف تبنيي                            فيأبى أن يقيد أو أن يهونـــــــا     
10-بعد أن وفق الحق جل وعلا صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في جمع القرآن وجمع شمل الأمة بدأ الصحابة يخطون أولي خطواتهم بعد انتقال نبيهم صلي الله عليه وسلم إلي جوار ربه تحوطهم عناية الله العلي القدير وهو سبحانه وتعالي"فنعم المولي ونعم النصير" الحج 78 وبدأ يعلمون أولادهم مما علمهم إياه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وبالتالي سيتطلب الأمر الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الصحابة سيقولون رأينا رسول الله صلي عليه وسلم يفعل كذا أو يتصرف هكذا أو يصلي هكذا إلي أخر هذه الإرشادات النبيلة ولذا كان الصحابة أشد الناس حرصاً وهم يتحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ونعرض إليك عزيزي القارئ بعضاً من النماذج الطيبة كالآتي:-
1-أبو بكر الصديق :- أول من آمن برسول الله صلي الله عليه وسلم من الرجال و"ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ "التوبة 40 من إذا وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمان أبي بكر الصديق وهو الصاحب في الهجرة والخليفة الأول للمعصوم صلي الله عليه وسلم الوحيد الذي أذن له الرسول صلي الله عليه وسلم في الصلاة إماماً للمسلمين والرسول على قيد الحياة بل وصلي خلفه المعصوم صلي الله عليه وسلم كما المح النبى صلى الله عليه وسلم له بالخلافه ويؤكد ذلك ما رواه جبير بن مطعم رضى الله عنه : ان امرأه اتت النبى صلى الله عليه وسلم فكلمته فى شئ فأمرها ان ترجع اليه  فقالت : يا رسول الله أرأيت إن جئت ولم اجدك وكأنها تعنى الموت . فقال صلى الله عليه وسلم ان لم تجدينى فأتى ابا بكر 
هذا الرجل العظيم رغم مكانته وصحبته للرسول محمد صلي الله عليه وسلم لم يرو إلي أحاديث قليلة وكان لا يقبل حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من أحد إلا بشهادة من غيره على أنه سمع نفس الحديث من المعصوم صلي الله عليه وسلم وبهذا وضع الصديق أول شروط علم الرواية وهو شرط الإسناد الصحيح فيروي ابن شهاب بن قبيصة:أن جدة مات حفيدها فجاءت أبا بكر تلتمس أن تورث فقال لها :ما أجد لك في كتاب الله شيئاً،وما سمعت أن رسول الله ذكر لكى شيئاً ثم سأل الناس: فقام المغيرة فقال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعطيها السدس فقال هل معك أحد؟فقام محمد بن مسلمة فشهد على ذلك – فانفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.
 2-عمر بن الخطاب :- الفاروق الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم( لو أن نبياً بعدي لكنت أنت يا عمر)  – فلا يخفي على أحد إنه القوي في دين الله الذي لم تأخذه في الله لومة لائم .فحين اسند الأمر إليه وأصبح خليفة المسلمين كان يخشى أن يتقول الناس عن رسول الله ما لم يقل لأن عمر رضي الله عنه يعلم إنه لم يتمكن جميع الصحابة من متابعة الرسول طوال الليل والنهار ولذا حين انتشر صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في البلاد مع الفتح الإسلامي شرعوا يعلمون الناس أمور دينهم وهذا دفع بهم إلي أن يخبروا الناس ما قاله وما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الأمر يستلزم أن يقول الصحابي قد رأيت رسول الله يفعل كذا أو سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول كذا"
إلا أن عمر رضي الله عنه سمع بهم وبما يقولون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فجمعهم من الأفاق وكان منهم عبد الله بن  حذيفة ،أبا الدرداء،أبا ذر،عقبة بن عامر فقال لهم :- ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في الأفاق؟ قالوا:- أتنهانا؟قال :لا ولكن أقيموا عندي فوالله لا تفارقوني ما عشت .فنحن أعلم نأخذ منكم ونرد عليكم،فما فارقوه حتي مات رضي الله عنه وكان عمر رضي الله عنه يطلب من روي له حديثاً أن يقيم البينة وكان يتواعده في ذلك.
3-عثمان بن عفان:- رضي الله عنه،ذو النورين،ثالث الخلفاء الراشدين،وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأنفق ماله في سبيل الله اشتري بئر رومه من اليهودي ووهبه للمسلمين كما أنه جهز ثلث جيش العسرة في غزوة تبوك حتي قال عنه وقتها المعصوم صلي الله عليه وسلم"ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" ورغم هذه المكانة فقد كان حريصاً كسابقيه الراشدين الصديق، والفاروق أشد الحرص على أقوال وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم حتي إنه كان إذا فعل شيئاً كان يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يشهد عليه صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم مخافة الإفراط أو التفريط. عن جبير بن سعيد قل :أتي عثمان المقاعد فدعا بوضوء فغسل يديه إلي الرسغين وتمضمض،واستنشق واستنسر ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلي المرفقين ثم مسح برأسه ورجليه إلي الكعبين ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم هكذا يتوضأ.يا هؤلاء أكذلك؟ وكانوا نفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم.فقالوا نعم 
4-على بن أبي طالب :- رضي الله عنه :ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم أول من آمن من الصبيان .كرم الله وجهه ولم يسجد لصنم قط .تربي في حجر المعصوم صلي الله عليه وسلم حتي امتزج الدين بدمه قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم خيبر"سأعطي الرأية غداً رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه"  فكان على بن ابي طالب.كما انه زوج الزهراء فاطمة بنت المعصوم صلي الله عليه وسلم وهو أبو الحسن والحسين سيداً شباب أهل الجنة ومع هذا فكان لا يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يستحلف عليه أي يجعل من يقل حديث يقسم أنه سمع أو رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم بفعل كذا.
5-عبد الله بن مسعود       رضي الله عنه:- أول من أسمع قريش القرآن من الصحابة وأوذي في سبيل الله وصبر قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم "ابن مسعود كنيف مملوء علماً"   (وقال عنه ابو موسى الاشعرى لا تسألونا عن شئ ما دام هذا الحبر فيكم)  وتذكر كتب السيرة أن عبد الله بن مسعود وهو في طريقه إلي المسجد وقبل المسجد بخطوات سمع عبد الله بن مسعود رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول للصحابة في المسجد أجلسوا احدثكم في التو واللحظه جلس بن مسعود في مكانه الذي هو فيه خارج المسجد واستمع الحديث كله وهو في الخارج وبعد المجلس قال له المعصوم أين كنت يا بن مسعود؟قال يا رسول الله حين قلت اجلسوا أحدثكم كنت خارج المسجد فجلست حيث أنا أرايت كيف يتصرف الصحابة مع نداءات رسول الله صلي الله عليه وسلم .هذا الصحابي الجليل كان إذا طلب منه ان يتحدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انتفخت اوداجه ويسيل منه العرق ويتغير لونه ويقول أو قريب من هذا أو نحو ذلك. خشية التفريط وحسماً لطمع طامع وهكذا كان كل الصحابة رضوان الله عليهم يتخوفون ويهابون الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
لقد ايقن الصحابة بعظم المسئولية الملقاة عليهم وهم يحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم،فكانوا يقتصرون في الرواية على ما يتأكدون من حفظه خشية الوقوع في مغبة التقول على صاحب الشريعة صلي الله عليه وسلم .هذا من ناحية ومن ناحية أخري كثر منهم من يكتب حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ويدونه توثيقاً له ومحافظة عليه ومن هؤلاء عبد الله بن مسعود،والحسن بن على،وعروة بن الزبير،وعائشة،وأبو هريرة،ومعاوية،والمغيرة بن شعبة،وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص،والبراء بن عازب،وأنس بن مالك،وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
والكتابة اصبحت ضرورة ليطلع عليها ابناء المهاجرين والأنصار الذين لم يظفروا برؤية المعصوم صلي الله عليه وسلم ليقتدوا برسولهم محمد صلي الله عليه وسلم وليكونوا مثل آباهم رضوان الله عليهم ولم لا : والمثل  يقول:- هذا الشبل من ذاك الأسد، وربى الصحابة أبناءهم على ما رباهم عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم لينشأوا نشأة دينية سليمة:
          وينشأ ناشئ الفتيان منا             على ما كان عوده أبوه
ويا لحسن الحظ إذا كان هذا الأب المعلم صحابي جليل عاش وشاهد الأنوار المحمدية وحين شب أبناء المهاجرين والأنصار أصبحوا شغوفين في معرفة كل شاردة ووارده عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي لا يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا ويقتدوا به صلي الله عليه وسلم فيها وليفوزوا برضا الله سبحانه وتعالي لأنهم رأوا بأعينهم أن النجاة والفوز لن يتحقق إلا بإتباع المعصوم صلي الله عليه وسلم الذي قال:-"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"
ومن ثم شرع الصحب الكرام وأبناءهم في كتابة الحديث وفى البداية كانوا يكتبون لأنفسهم وجلس لهم طلاب يسمعون لهم فكتبوا الحديث أيضا ليتعلموا من مصادره الأولى وأصبحوا يتواصلون بكتابة الحديث وحفظه وهذا من فضل الله ورحمته وتوفيقه إذا أن هؤلاء الصحب الكرام هم أكمل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وعلما ودينا وهم الذين شاهدوا رسول الله وبايعوه وجاهدوا معه وفدوه صلى الله عليه وسلم بأرواحهم فمن سيكون اصدق منهم في نقل الحديث من الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم إلى الجيل الثاني فلو انتقل هؤلاء الصحب الكرام إلى جوار ربهم دون أن يعلموا أبناءهم كتابة الحديث والسنة لأصبح هناك خلل لان الحديث سيكون بين راوية وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطاع إنما بهذه الطريقة أصبح هناك توافق لان الصحابي الذي يعلم سيقول مثلا :-.بينما نحن جلوس عند رسول الله.......أو يقول:كنت رديف الرسول صلى الله عليه وسلم فقال......, أو مثل ذلك من شاهد ورأى العين وبالتالي حين يتحدث الابن سيقول قال عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال......أو يقول أن أبى هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.....والاهم من ذلك أن هذا تم والصحابة على قيد الحياة ليراجع بعضهم بعضا وليتأكدوا تماما من الحديث الذي يتبين كما أوضحنا من قبل.
6-عمر بن عبد العزيز    رضى الله عنه وحفظ هؤلاء الكرام أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت مفرقة إلى إن جاء عهد خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه- وصدق القائل سبحانه حين قال :(.ذرية بعضها من بعض)لان من المعروف أن عمر بن عبد العزيز إبن ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،( ما أشبه الليلة بالبارحة) فكما أشار الفاروق عمر بن الخطاب على الصديق أبي بكر فجمع القران الكريم ووفقهم الحق جل وعلا في ذلك
فاليوم ينادى عمر بن عبد العزيز بجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى هذا يقول الإمام البخاري رضي الله عنه.... إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى واليه على المدينة وهو ابو بكر بن حزم قائلا: انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا يقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم, ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فان العلم لا يهلك حتى يكون سرا , ولم يكتف عمر بن عبد العزيز بل أرسل إلي الأفاق قائلاً:- انظر وحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فأجمعوه 
هكذا رأينا انه لم يمض العام الأول لإنتقال المعصوم صلي الله عليه وسلم إلي جوار ربه حتي وفق الحق جل وعلا الصحابة في جمع القرآن الكريم في مصحف واحد ولم يمضي عصر الخلفاء الراشدين حتي كتب الحديث ودونت السنة وتوجت في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بجمع الحديث ودون في صحف وصدق الحق حين قال:"السابقون الأولون من المهجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه".التوبة 10.
(لم يقف الأمر عند ذلك الحد بل قام التابعون ومن بعدهم علماء المسلمين بجمع سنة نبيهم وحفظها وتدوينها  حتى ما تركوا شاردة ولا واردة تنسب إلى نبيهم إلا وقاموا بكتابتها وتدوينها ونقلها وتبلغيها ثم توالت جهود علماء الأمة  فوضعوا منهجًا علمياً دقيقاً فريداً يقوم على الحيطة والتثبت في قبول الروايات  وتمحيصها وتميز صحيحها  من ضعيفها ومقبولها من مردودها ذلك المنهج الذي يقوم على نقد رجال سند الحديث وهم مجموعة الرواة الذين نقلوا نص الحديث كما يقوم النقد على متن الحديث وبيان ما فيه من شذوذ وعلة وهذا المنهج يعرف بعلم مصطلح الحديث ذلك العلم الذي يعد من إنجازات هذه الأمة المسلمة ومن مبتكرات علمائها الأفذاذ) 
لان أهل الديانات السابقة اخفقوا في الحفاظ على كتب انبيائهم نقية كما انزلها الحق جل وعلا ، انزل الحق جل وعلا القران الكريم فصحح به ما أفسده السابقون وجعله مهيمنا على الكتب السابقة وتكفل سبحانه وتعالى بحفظه وهيأ للمسلمين سبل الحفاظ عليه ومنها: 
مكن الحق سبحانه وتعالي المسلمين الأوائل من نشر الإسلام بطريقة يسيرة لم يسبق أن انتشر بها دين من قبل حتي وصلوا إلي مشارف الصين شرقاً والي حدود الأطلنطي والأندلس غرباً في اقل من قرن من الزمان علي عكس أصحاب موسي وأصحاب عيسي عليهما السلام الذين عجزوا عن الانتقال بدينهم فأصحاب موسي عليه السلام قضوا معظم حياتهم في الإستعباد لفرعون وبقية حياتهم قضوها في التيه في البرية فمات أصحاب موسي عليه السلام في التحرك وبالطبع مات معهم الكثير من تعاليم سيدنا موسى عليه السلام  وكذلك أصحاب عيسى عليه السلام عانوا الأمرين في القرن الأول ما بين اضطهاد اليهود لهم وبين قتل الرومان مما أدي إلي نسيان الكثير والعديد من تعاليم المسيح عليه السلام. أما أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم استطاعوا هم وتابعيهم أن ينشروا هذا الدين مع الفتوحات الجديدة مما أحيا سنة المعصوم محمد صلي الله عليه وسلم . ورزق الحق جل وعلا أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم أدباً وخلقاً وعلماً وفهماً حتي أصبحوا مثلاً عليا تجذب الانتباه فأحس أصحاب البلاد التي فتحها المسلمون الأوائل بالفارق بين بنى إسرائيل يهودا كانوا أو مسيحيين وبين أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم مما جعل الناس يسارعون في الدخول في الإسلام راضين مختارين .
لم يكد ينتهي عصر الصحابة حتي علم الصحابة أبناءهم والتابعين سنة نبيهم محمد صلي الله عليه وسلم كاملة فقاموا بتدوينها وكتابتها فأصبحت السنة فوق أنها واضحة في تصرفاتهم وكل حركاتهم إقتداءاً بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم موجودة في صحف تستطيع الأجيال الرجوع إليها والعمل بها وصدق ربنا جل وعلا حين قال(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".) الحجر 9.
وبعد أن أصبحت السنة في صحف هيأ الحق جل وعلا علماء عظماء ووهبهم أذناً واعية وذاكرة حافظة وقلوبا نورانية تفهم مراد الله جل وعلا ومراد نبيه صلي الله عليه وسلم مصداقاً لقوله جل وعلا(وما يعقلها إلا العالمون.) العنكبوت 43.
فقام هؤلاء العلماء على اختلاف بلدانهم وأزمانهم في تدوين السنة بشكل ميسر واضح فمنهم من تناولها من ناحية الرواية أي بدأ بتدوين  ما قاله الخلفاء الراشدون ثم كبار الصحابة ثم من بعدهم ...ومنهم من صنف الأحاديث بدأ فجمع أحاديث الصلاة في باب الصلاة وأحاديث الصلاة في باب وأطلق عليه باب الصلاة. وكذلك جميع العبادات.
ومن هؤلاء الأئمة العظماء:
1
   

   -الإمام مالك بن انس بن مالك    رضي الله عنه:-المعروف بإمام دار الهجرة ومن التوافق العجيب انه ولد في عام 93هـ  . نفس العام الذي مات فيه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه وهذا أحد أسباب بقاء هذا الدين غضاً طرياً فما أن ينتقل عالم إلي رحمة الله حتي يأذن الله جل وعلا بميلاد عالم يحمل الأمانة مصدقاً لكلام المعصوم صلي الله عليه وسلم( أن الله ليبعث على رأس كل مائة عام من يجدد شباب الإسلام) وبهذا تناول كل جيل مسلم القرآن والسنة من فم العلماء وكأنه يسمعه من الصحابة رضوان الله عليهم أو من فم المعصوم صلي الله عليه وسلم.   ولقد نشأ الإمام مالك كغيره من أبناء الصحابة في عفاف وطهر وعلم وحب لطلب العلم إلا أن الله من عليه وحفظ الأحاديث وفهمها في سن مبكرة بل وتأهل للفتيا وله احدي وعشرون سنة وقصده طلبة العلم من الأفاق وكان الإمام ثقة عالماً ورعاً وفوق كل ذلك شجاعاً يعلم للعلم والدين مكانته فيذكر الحافظ بن عساكر  قال هارون الرشيد لمالك :يا ابا عبد الله ،أريد اسمع منك الموطأ،فقال مالك:نعم يا أمير المؤمنين فقال لمالك:متي؟قال مالك:- غداً ،فجلس هارون الرشيد ينتظره ،وجلس مالك في بيته ينتظره،فلما أبطأ عليه أرسل إليه هارون فدعاه،فقال له :- يا أبا عبد الله مازلت انتظرك منذ اليوم فقال مالك:وأنا أيضاً يا أمير المؤمنين لم أزل انتظرك منذ اليوم أن العلم يؤتي ولا يأتي وإن ابن عمك صلي الله عليه وسلم هو الذي جاء بالعلم فإن رفعتموه  ارتفع وان وضعتموه إتضع.
ثم قام الإمام مالك بتدوين أول كتاب في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم وآثار الصحابة وفتاوى الصحابة والتابعين ولقد كان الإمام مالك حريص أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً فاهماً لما يروي وكان يشدد في فحص الكلام .وتوفي الإمام مالك في عام 179هـ.
2-الإمام البخاري :-
شاءت إرادة الله أن يولد بعد وفاة الإمام مالك بفترة وجيزة في عام 194هـ وقد ألهمه الله جل وعلا حفظ الحديث وهو أقل من عشر سنين وجعل يتردد على العلماء يتعلم منهم ويكتب عنهم وحتى بلغ ثماني عشر سنة صنف كتاباً فيه قضايا الصحابة والتابعين ثم صنف كتاب التاريخ في المدينة عند قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وقل أن يوجد اسم في التاريخ إلا وله عند الإمام البخاري قصة 
ويذكر الإمام حافظ بن كثير إن كتاب الإمام البخاري (الجامع الصحيح المختصر المسند من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنته وأيامه بمنهجه المنفرد المدهش في إتقانه حتي جاء الكتاب من أصح كتب السنة فلم يؤلف مثله لا قبله ولا بعده وقد ضم بين دفتية واحدا وتسعين كتابا على نسق فريد وترتيب حكيم.
وبعد هذين العالمين في تدوين السنة الفعلية والقوليه والتقريرية  لرسول الله صلي الله عليه وسلم وأثار الصحابة والتابعين وأصبح لدي المسلمين بجانب القرآن الكريم السنة مدونة أراد الحق جل وعلا للأمة كلها أن تتعلم القرآن والسنة لتصبح الأمة كلها على دراية بالقرآن وآياته والسنة وأحكامها فشاءت إرادة الله أن يولد في أعوام متقاربه أربعة أئمة أجلاء من كبار كتاب الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهم:- (أصحاب السنن):-
3-الإمام مسلم بن حجاج بن مسلم النيسابورى       ولد في سنة 204هـ جلس يسمع الحديث وهو ابن ثماني عشر سنة وحج إلي البيت الحرام وهو ابن عشرين سنة وتتلمذ على يد البخاري وكتب كتابه الصحيح وكان مكملاً لكتاب الإمام البخاري وتوفي عام 261هـ وهو دون العشرين... 
4- الأمام أبو داود السجستاني     ولد عام 202هـ رحل في طلب العلم إلي العراق ومكة والشام ومصر وخراسان وتلقي العلم على يد الإمام احمد ابن  حنبل ويحيي بن معين وعثمان ابن ابي شيبه.
وكتب أبو داود كتابه المشهور في الحديث المدون (سنن أبي داود) وهو أحد كتب السنة المشهورة وتوفي عام 275هـ .
3- الإمام النسائي     رحل في طلب العلم في صغره إلي علماء الشام والحجاز والعراق ومصر التي استقر بها في نهاية المطاف وتميز بالتقي والورع وقال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام الحديث لم يكن احد في رأس الثلاثمأئه هـ . أحفظ من النسائي.وكان تلميذاً لأبي داود وصنف كتاباً سماه أيضاً(السنن)وتوفي عام 3030هـ.. 
4- الإمام الترمذي    ولد عام 209هـ أيضاً تلقي العلم وهو صغير وكان يتصف بالورع والتقوى والاحتياط في الدين والزهد وصنف كتاب السنن وقام بمنهج فريد في كتابه الأحاديث ورواتها فقام بتأصيل الرواة وميز بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف من خلال رجاله وظهر عنده (اصطلاح الحسن) وتوفي عام 279هـ
5- الإمام ابن ماجة     ولد عام 209هـ تلقي التعليم على أيد اصحاب مالك والليث بن سعد وكان إماماً حافظاً ناقداً واسع العلم وصنف كتاب(السنن)واحتوي على سبعة وثلاثين كتاباً جمعت بين الأحكام والأداب والفتن والزهد إلي جانب المقدمة  التي استوفي فيها قضايا العلم ونظم سننه على الكتب والأبواب وكان ترتيبه موفقاً بارعاً على درجة بالغه من الشمول والدقة والاستيعاب. وتوفي عام 273هـ ...


















الفصل الثالث

















 



 


اولأ بنوإسرائيل ولجوئهم الى مصر :-         

اسرائيل :- هو سيدنا يعقوب بن سيدنا إسحاق بن سيدنا إبراهيم عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه ويذكر العهد القديم أن يعقوب كان يصارع الرب طوال الليل حتي قدر عليه ومن ثم غير الرب اسمه من يعقوب إلي إسرائيل فيقول العهد القديم في ذلك تحت عنوان يعقوب يصارع مع الله ( فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتي طلوع الفجر ولما رأي إنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعتة معه وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال لا أطلقك إن لم تباركنى فقال له ما اسمك؟فقال يعقوب فقال لا يدعي اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت وسأل يعقوب وقال أخبرني بإسمك فقال لماذا تسأل عن اسمي ؟وباركه هناك)
أما تعريف إسرائيل في الإسلام فيذكر الامام القرطبي في المجلد الأول في سورة البقرة ص311....أن ابن عباس قال :-ان إسرائيل ينقسم إلي (إسرا) وهي تعني بالعبرانية عبد,صغوة والي, (إيل)وتعني الله .وعليه فإن إسرائيل تعني عبد الله أو صفوة الله . والقرآن الكريم ذكر الأسمين يعقوب وإسرائيل فقال جل وعلا(أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله إباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ألهاً واحداً ونحن له مسلمون) البقرة 133. وقوله تعالي"ولقد اخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعنا منهم اثني عشر نقياً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة" المائدة 12.
 ثانياً: أبناء يعقوب      هم بنو إسرائيل وهم اثني عشر وهم:-
1-ر أوبين         2- شمعون            3-لاوي             4- يهوذا        5- زيولون
6- يساكر          7- دان                    8- جاد           9- أشير          10- نفتالي
11- يوسف         12- بنيامين.
ويسمون الأسباط والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب ويقول القرآن الكريم "وقطعناهم في الأرض اثني عشر أسباط أمماً".
وكان يوسف عليه السلام أحب إلي أبيهم لصغر سنه ولعلمه من الله تعالي بأن ليوسف عليه السلام  مستقبلاً عظيماً وبأنه ستحدث في حياته أمورلا يتحملها إلا نبي ومن هنا كان يعقوب عليه السلام ينظر إلي سيدنا يوسف بإشفاق إلا أن الأخوة الكبار لم يدركوا هذه المعاني السامية التي يشعر بها  سيدنا يعقوب عليه السلام ولذا دبروا لأخيهم مكيدة كادت أن تودي بحياته لولا عناية الله جل وعلا ونجاه الحق سبحانه وتعالي كما نجا  أبيه إبراهيم عليه السلام من قبل وصدق الحق حين قال ( وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين) الصافات98. وسرعان ما عقد أخوه يوسف اجتماعاً خطيراً يدبرون فيه النهاية التي يرغبون بها التخلص من أخيهم يوسف عليه السلام وكان الرأي الأول قاتلا فقالوا "كما حكي عنهم القرآن الكريم( اقْتُلُواْ يُوسُفَ)يوسف9.  إلا إنهم شعروا أن مسألة القتل مسألة عنيفة وقد تكون عاقبتها وخيمة فرأوا رأيا أخر فقالوا كما حكي عنهم القرآن الكريم: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا)يوسف9 .  والعجيب انهم ظنوا ذلك يرضي أباهم أو  أن يشعر بهم ثم يتوبوا بعد ذلك ويكونوا قوماً صالحين ( يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ) يوسف 9. وهم بذلك مخطئون لأن سيدنا يعقوب لم يكن يفرق بين أبناءه. فإن الأنبياء هم أعلم الناس بالأمور الأسرية ولكنهم عميت عيونهم وبصائرهم عن رضي أبيهم.ولذلك رحم الله الجميع بأن جعل أخوة يوسف يفكرون في حل آخر وهو كما حكي القرآن الكريم:-( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) يوسف 10 .
وشاءت إرادة الله أن تمر قافلة وأخذت يوسف عليه السلام وذهبت به إلي مصر( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا )يوسف 19-20.  والحمد لله الذي نجا يوسف عليه السلام بقدرته وحكمته وبدلاً من العيش في البداوة والجفاف شاءت إرادة الله أن يربي في قصر العزيز, ليضيف إلي عظمة النبوة مكانته من الملك ومرت الأيام والسنون سريعاً إلي أن أصبح يوسف عليه السلام بعد مرور الصعوبات والعقبات والتي تحتاج إلي مجلدات لتوضيحها ولكننا نريد هنا أن نركز على سبب مجئ بني إسرائيل إلي مصر واستقرارهم فيها فترة من الزمن.
  ثالثاً : رحلات أبناء يعقوب إلى مصر
 وحين أكرم الله جل وعلا سيدنا يوسف وأصبح على الخزانة وشاءت حكمة الله جل وعلا أن ينقذ مصر ويجعلها مقصداُ للجميع آنذاك لأنه وبفضل الله الذي علم سيدنا يوسف تأويل الأحاديث والرؤى حافظ على المزروعات وأنقذ مصر من مجاعة محققه. ولان البلاد المجاورة ليس بها سيدنا يوسف عليه السلام فقد عانت الكثير من الجوع فكانوا يأتون إلي مصر ليأخذوا منها ما يسد به رمقهم ومن صفوف الذين كانوا يأتون إلي مصر أخوة يوسف ( وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون)  يوسف58.  فأراد يوسف عليه السلام أن يعرفهم بنفسه ولكن رأي أن الوقت لم يحن بعد ولكن طلب منهم طلباً ربما يكون المطلوب منه أن يحضر أخيه الشقيق ليكون بجانبه في هذا القصر أو بهذا الطلب يعرف أبوه بفضل الله وبالنبوة ويطمئن على وجوده وحين جاءوا المرة الثانية ومعهم أخوهم
( آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) يوسف 69.  ولذلك فكر يوسف عليه السلام في حيلة يبقي بها على أخيه  معه في القصر( فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ )  يوسف 70 . وحتي لا تكتشف الحيلة بدأ بتفتيشهم أولاً قبل أخيه (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ)
 يوسف 76.  وكان حكم السرقه آنذاك أن يؤخذ السارق فيخدم من سرقه  مقابل سرقته ( مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) يوسف 75.
 وقال الحق جل وعلافي ذلك( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ )يوسف 76.
إلا أن الأخوة كانوا قد قطعوا ميثاقاً مع أبيهم على أن يعودوا بأخيهم ولكن لم يكن في حسبانهم ما حدث ومن ثم قال أخوهم الأكبر( قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )يوسف 80.
وحين عادوا إلي أبيهم نصحهم أن يعودوا إلي مصر مرة ثالثة قائلاً:-
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ ) يوسف 87 .
وفي المرة الثالثة دخلوا على يوسف عليه السلام :-( قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) "يوسف88.
 وهنا ادرك يوسف عليه السلام أنه قدحان الوقت أن يعرفهم بنفسه ولكن بطريقة مهذبة فقال( قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) يوسف 89 .
ويبدو أن الوقوف والحديث المتكرر بينهم وبين سيدنا يوسف قد قرب المسافة بينهم وجعل دماء الإخوة تتحرك لأنه حين وجه يوسف عليه السلام هذا النداء في الحال قالوا ( أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) يوسف 90.ويدل ذلك على أنهم كانوا قد اقتربوا من معرفته ولكن كانت مكانة يوسف وهيبته تمنعهم من التجرؤ  وتوجيهه السؤال إليه ولكن حين كلمهم سيدنا يوسف عليه السلام ( قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا)  يوسف 90 .ثم بين لهم حقيقة إيمانية قائلاً:-( نَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف 90. وهنا أدرك أخوة يوسف ما فعلوه قديماً ولكنهم توسموا في أخيهم الصلاح والتقوى والعفو وأدركوا أن أخيهم يوسف عليه السلام عرفهم من أول مرة ولو أراد أن ينتقم منهم لأنتقم ولذلك قالوا  (تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ )يوسف 91.  ثم ظهرت عظمة النبوة فقال يوسف عليه السلام
( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) يوسف 92.ثم  قال (إ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) " يوسف 93 . وحين وضعوا القميص على وجه أبيهم ورد الله عليه بصره , انطلقوا جميعاً إلي مصر وهذه هي المرة الرابعة لدخول الأخوة مصر ولكن هذه المرة معهم والديهم  وبنيهم  للإستقرار في خير مصر وبجوار أخيهم الذي أصبح في مكانة راقية وأصبح عزيز مصر وجمع الله له بعد العبودية الملك والنبوة فقال لأهله( ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللّهُ آمِنِين)  يوسف 99.
 (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) يوسف 100.  حينئذ قال يوسف عليه السلام معلناً فضل الله عليه وعلى أهله ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ "يوسف 100/101.
رابعاً : استقرار أبناء يعقوب في مصر
           واستقر أخوة يوسف عليه السلام وهم جميعاً بنوا إسرائيل:-
* ودخل إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام مصر في ستة وسبعين نفساً من ولده وولد ولده فأنمي الله عددهم وبارك في ذريته حتي خرجوا إلي البحر يوم فرعون وهم ستمائة ألف من المقاتلة سوي الشيوخ والذرية والنساء"
وكان هذا الدخول في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتذكر كتب التاريخ:- أن الملك لم يسمح لأل يعقوب بدخول وادي النيل للإقامة وذلك لأن المصريين حين كانوا في تلك الفترة خلال حكم الأسرة الثامنة في القرن السادس عشر قبل الميلاد يضعون قيوداً على هجرة الكنعانين إلي بلادهم لأنه حدث قبل ذلك بثلاثة قرون أن نزح عدد كبير من الأقوام الآسيوية ليقيموا في الأرض الخصبة في الدلتا الشرقية وكانت قليلة السكان في تلك الفترة ومع مرور الزمن أتي هؤلاء الأقوام بجماعاتهم وعائلاتهم للإقامة معهم وصاروا يشكلون أغلبية السكان في المنطقة الواقعة بين فرع النيل وسيناء وتحين هؤلاء فرصة وجود ملوك ضعفاء على عرش مصر وفرضوا إرادتهم على كل الدلتا ثم بعد ذلك على مصر كلها وهم الهكسوس الذين استمرت سيطرتهم على مصر ما يزيد على مائة عام إلي أن تمكن أحمس من طردهم وتأسيس الأسرة الثامنة عشر ومن يومها والمصريون يتخوفون من السماح لجماعات كبيرة من الرعاة بالهجرة إلي بلادهم " .

خامساً : ميلاد سيدنا موسي عليه السلام
رأينا كيف جاء بنوا إسرائيل إلي مصر  وأين استقروا بها .
فيذكر العهد القديم  انه بعد رحيل سيدنا يوسف عليه السلام حكم مصر ملك جديد لم يكن يعرف يوسف عليه السلام وبالتالي لم يحسن لأخوته لأنه كان يخشي أن يحدث في عهده ما حدث لأجداده من قبل ويترك المجال لهم ليزيدوا حتي يسيطروا على البلاد "ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف فقال لشعبه هو ذا بنوا إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلي أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي بذلوهم بأثقالهم "   وازداد بطش الحاكم والذى كان يلقب آنذاك فرعون حتي أصدر امراً. بقتل الأبناء الذكور من أبناء بنى إسرائيل واستحياء البنات "وكلم ملك مصر قابلني العبرانيات...وقال حينما تولدان العبرانيات وتنتظرانهن على الكراسي إن كان أبنا فاقتلاه وإن كان بنتاً فتحيا ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا كما كلمهما ملك مصر... " وحين اكتشف ملك مصر ذلك الأمر أصدر أوامره"ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلاً:- كل أين يولد يطرحونه في النهر لكن كل بنت تستحيونها".
والقرآن الكريم يؤكد ذلك بقول الحق جل وعلا :-" نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ "القصص3،2.
ولكن يضيف القرآن الكريم ان الحق جل وعلا أراد أن يفرج هم هؤلاء المكروبين وأن يأخذ بأيديهم وأن يلقن فرعون درساً غالياً ومن ثم قال جل وعلا ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون)َ القصص.5-6
في هذه الأثناء تزوج عمران بن فاهت بن لاوى من يوكايد بنت لاوى ومن المعلوم أن لاوى من أبناء يعقوب عليه السلام فأنجبا سيدنا موسي إلا أن العهد القديم يذكر أموراً كثيرة في شأن موسي عليه السلام ,أن التي تلقته ابنة فرعون وهي تغتسل في النهر فوجدته بين الحلفا على جانب النهر فأمرت الجواري أن يأتين به فلما رأته رقت له فقالت أخت سيدنا موسي عليه السلام سآتيكم بمرضعة من العبرانيات فجاءت بأمة وأرضعته وأطلقت عليه اسم موسي اى إني انتشلته من الماء .
والقرآن الكريم يصحح هذه المفاهيم فيقول جل وعلا:-( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)  القصص 9،8،7.
واوفى الحق سبحانه وتعالي بوعده لأم موسي عليه السلام فحرم عليه المراضع مما جعلهم في حاجة إلي مرضعة ,حينئذ تدخلت أخته كناصحة قائلة :-
(هل أدلكم على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)  القصص12. وفي الحال وافقوا فجئ بأم موسي عليه السلام وصدق الحق حين قال( إ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )القصص7 . فقال سبحانه ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ)ٌ القصص13. وبفضل الله نشأ موسي عليه السلام في قصر فرعون ليعلم الجميع أن الله جل وعلا قادر على أن"أن يحول بين المرء وقلبه"وبلغ موسي عليه السلام مبلغ الشباب وأتاه الله جل وعلا الحكمة والقوة والعلم فيقول سبحانه" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ "القصص14.



سادساً : خروج سيدنا موسى من مصر
إلأ أن حنين سيدنا موسي لقومه وتعاطفه معهم وإشفاقه لما يحدث لهم من فرعون وجنوده جعله يسارع لنجدة أحدهم وهو يتشاجر مع أحد المصرين وفي هذا يقول القرآن الكريم:( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ - القصص 15. إلا أن القدر كان أسرع واسبق فشاءت إرادة الله أن تنتهي حياة المصري في اللحظة التي وكزه فيها موسي عليه السلام وهذا من ترتيب الله جل وعلا فكأن الحق جل وعلا : يريد لموسي أن يتعلم ويتربى  في صحبة نبي فيصبح مهيأً للرسالة كما أن الحق جل وعلا أراد لموسي عليه السلام أن يبتعد فترة عن فرعون وجنوده حتي إذا عاد أليهم استطاع أن يواجههم ويخاطبهم .
 والله سبحانه وتعالي أراد لموسي عليه السلام وهو في عودته إلي مصر يمر في طريقه بجبل الطور في سيناء ليتلقى الرسالة . و إلا كيف كان يعيش موسي الأربعون عاماً في قصر فرعون ثم يخرج عليهم قائلاً:- إنه نبي ورسول رب العالمين.فعلى الرغم من أن موسي عليه السلام كان بعيداً لفتره, وتلقي الرسالة بعيداً عن فرعون إلا أن فرعون لم ينس إنه رباه صغيراً قائلاًكما حكي القرآن الكريم" (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ )  الشعراء 18.
ولذلك حين مات المصري ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ) القصص18.
 إلي أن جاء ناصح أمين قائلاً:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ  فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  . وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ )   القصص20/21.
وشاءت إرادة الله أن يتجه إلي مدين حيث نبي الله شعيب عليه السلام وليس هذا فحسب بل دخل المدينة بشكل عزيز مشرف فيحكي القرآن الكريم
(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) القصص23-24. وسرعان ما اخبرتا الفتاتان ابيهما عن شهامة وشجاعة وعفة موسي عليه السلام فأمر بأن تعود أحدهما إليه وتدعوه إليه في الحال , إن دل ذلك فإنما يدل على مدي ثقة النبي شعيب بنبي الله موسي عليه السلام وهذا دليل على أن الأنبياء كلهم يرون بنور الله جل وعلا ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )القصص25. 
وبمجرد أن دخل موسي عليه السلام المنزل ودار الحوار بينه وبين نبي الله شعيب( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) "القصص25 .
حينئذ قالت أحدي الفتاتين (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص 26.  والحمد لله الذي قال( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)  النمل59.  ومن ثم أراد نبي الله شعيب عليه السلام أن يكون وجود  نبي الله موسي عليه السلام وجودأ سليماً شرعياً حتي لا يكون هناك مدخل لمنافق أو متصيد ولذا قال نبي الله شعيب 
( إإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) القصص27. بهذا اصبح البيت وكأنه بيت موسي عليه السلام فسيدنا شعيب وزوجته حمواه وإحدى البنات زوجته والأخرى محرمة عليه ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)  القصص28.
مما سبق رأينا كيف تناول القرآن الكريم حياة سيدنا موسي عليه السلام قبل البعثة بشكل منطقي وبطريقة سهلة يسيرة وصدق الحق حين قال:-( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 17 .
إلا أن العهد القديم ذكر أموراً غريبة لا تليق بنبي الله موسي عليه السلام منها,
أولاً:- يقول العهد القديم عن الرجل المصري الذي وكزه موسي عليه السلام "ولما كبر موسي انه خرج إلي إخوانه لينظر في أثقالهم فرأي رجلاً مصرياً يعذب رجل عبرانياً من إخوته فالتفت إلي هنا وهناك ورأي أن ليس أحداً فقتل المصري وضمره في الرمل"
هنا أخطاء واضحة وهي :-
1-العهد القديم يركز على أن المصري هو الذي يضرب الإسرائيلي وكأنهم يريدون أن يظهروا المصرين معتدين على الدوام بسبب وبدون سبب في حين حكي القرآن الكريم كما ذكرنا "رجلين يقتتلان"إذا فهما أي المصري والعبراني يقتتلان .
2-يذكر العهد القديم أن موسي عليه السلام حين شاهد المنظر التفت إلي هنا وهناك مثل اللص او المجرم(حاشاه) الذي يخطط لإرتكاب جريمة ونبي الله موسي عليه السلام برئ من هذه التهمة ولكنها طبيعة اليهود الدنيئة فأرادوا أن يجعلوها سنة متبعة ولم لا وقد أكدوها في التلمود بقولهم"إذا وجدت إنسان في بئر فانظر حولك فإذا وجدت أحداً فكن أول من ينقذه وإذا لم تجد أحداً فاردم البئر عليه".
3-يذكر العهد القديم أن موسي عليه السلام أراد أن يخفي الجريمة فدفن المصري في الرمل وهذه عادة اليهود  وحاشا لنبي الله موسي أن يفعل ذلك لأن اليهود يحاولون إخفاء معالم أي جريمة يرتكبوها ظانين أنهم بذلك يستطيعونن التنصل منها , ولكن نبي الله موسي اعترف أكثر من مرة كما ذكر القرآن الكريم(قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) القصص15 ثم طلب المغفرة من ربه لأنه قتل خطأ ولم يكن يقصده فقال( َقالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)  القصص 16.  وحين واجهه فرعون بعد ذلك قائلاً له كما حكي القرآن الكريم(ووَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) الشعراء 19 .فرد موسي عليه السلام قائلاً( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ . فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء 20/21.
ثانياً:- و عن بنات نبى الله  شعيب يذكر العهد القديم "وكان لكاهن مديان سبع بنات فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن فأتى الرعاه وضربوهن فنهض موسي ونجدهن وسقي غنمهن"
وهذا لا يليق ببنات نبي الله شعيب والذي يسمونه في العهد القديم "يثرون "لأن القرآن الكريم ذكر أن لدى البنات من الحياء والأدب ما منعهن من الإختلاط بالرجال فقال جل وعلا( وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) القصص23 .
سابعاً:- موسي عليه السلام والرسالة

 يذكر العهد القديم أن موسى عليه السلام أثناء رعيه للغنم وصل إلي البرية وجاء إلي جبل الله حوريب حينئذ "وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة (شجرة)فنظر إذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق فقال موسي:- أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم .لماذا لا تحترق العليقة ؟ فلما رأي الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسي ،موسي فقال هأنذا فقال لا تقترب إلي هنا أخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه ارض مقدسة" ثم قال له الرب:-"أنا إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب"
والقرآن الكريم يحكي عن ذلك فيقول جل وعلا:-( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ - فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) القصص29-30.
وفي سورة طه يكمل الحق سبحانه وتعالي ما حدث فيقول جل وعلا :-
( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى - إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى - فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى - إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي".طه 9-14
من الآيات الكريمة يتضح لنا أن الله سبحانه وتعالي أوحي إلي سيدنا موسي عليه السلام واعلمه أنه سبحانه وتعالي الإله الأعظم رب العالمين كما يتضح لنا أن في بعض نصوص العهد القديم صدق توافقها آيات القرآن الكريم وهذا له فائدة :  بما أن هناك نصوص من العهد القديم  تتوافق مع الآيات من القرآن الكريم إذاً النصوص التي  تختلف مع القرآن الكريم نجزم بأنها باطلة لأنها لو بقيت التوراة على حالتها لكانت كل آياتها متوافقة مع القرآن الكريم .
وحتي يطمئن سيدنا موسي عليه السلام أن النور الذي رآه هو نور الله جل وعلا وإنه حقاً رسول رب العالمين فأراه الله آيات ومعجزات لا يمكن أن يأت بها إلا الله رب العالمين:-
1-سأل الحق جل وعلا موسي عليه السلام ما يمسك بيده فأخبره موسي عليه السلام إنها (عصا) فأمره جل وعلا أن يلقها فألقاها فإذا هي حية تسعي ولكون موسي عليه السلام بشر فخاف من المنظر ولكن الحق علمه أن الرسل لا تخاف وامره أن يمسك بها فعادت كما كانت وفي هذا يقول الحق سبحانه ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى -قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى -  قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى - فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى -قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى"طه17-21.
وفي آية أخري(  فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)  النمل 10.  وفي آية ثالثة (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ) الشعراء32.
فلعل سائل يسأل هل العصا تحولت إلي حية أم إلي ثعبان أم إلي جان والحق أن الثلاثة صفات لشيء واحد فالعصا تحولت إلي ثعبان في ضخامة الحية وسرعة الجان وهو صغار الثعابين وهذه لحكمة يريدها الحق سبحانه وتعالي فالناس اعتادوا أن يروا كل نوع من الثلاثة على حدة فالثعبان له حركة معينة تختلف عن حركة الحية وتختلف عن حركة الجان ولكن بما أنها معجزة فلابد أن تكون خارقة للعادة ومما لا يخطر لأحد على بال وهذا الذي بهر السحرة فحين رأوا ثعبان بضخامة الحية وسرعة الجان ويلقف ما صنعوا خروا لله ساجدين معترفين بقدرته جل وعلا وصدق الله حين قال :-(وما يؤمن بآياتنا إلا العالمون)
2-كان سيدنا موسي عليه السلام أسمر اللون فأمره ربه أن يضع يده في جيبه والجيب هو فتحة في الثياب فوق  الصدر فلما وضعها وأخرجها فإذا هي بيضاء من غير برص أو مرض وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالي:-( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ )النمل12.
ولكن لماذا؟ أي لماذا أظهر الحق جل وعلا هذه الآيات لموسي عليه السلام الآن؟
أولاً:- ليتدرب عليها موسي وتذهب عنه الرهبة لأنه لو ظل الأمر مخبوء إلي وقت الحاجة وجمع السحرة ثم صنعوا ما صنعوا وحينها يؤمر موسي عليه السلام بإلقاء العصا فلا ندري كيف كان سيتصرف موسي عليه السلام.
ثانياً:- لأن الله جل وعلا سيرسل موسي عليه السلام إلي طاغية من طواغيت الأرض ولابد أنه سيطلب من موسي عليه السلام برهان على نبوته وأنه رسول رب العالمين كما ان الحق يعلم أن قوم فرعون بارعون فى السحر فقد يقومون بأعمال لا تخطر لسيدنا موسي على بال فإذا كان هناك موقف بين فرعون وموسي عليه السلام فسيكون الموقف عصيباً لأنه ليس من المعقول أن يحضر فرعون السحرة وما معهم ثم يأتي موسي عليه السلام بلا شيء يتفوق به على هؤلاء .تماماً مثل ما حدث مع نبي الله عيسي عليه السلام فكان قومه قد برعوا في الطب لا على درجة إلا أن الله جل وعلا أيد عيسي عليه السلام بمعجزات يعجز الطب عن القيام بها فأنى للطبيب أن يداوي الأكمة الذي ولد أعمي فيعيد إليه بصره بل والأعظم من ذلك من يستطيع أن يحيي الموتى فكانت معجزة عيسي عليه السلام من جنس ما برع فيه قومه وتفوق عليهم بفضل الله وقدرته. وكذلك نبيناً محمد صلي الله عليه وسلم أرسله ربه إلي قوم بلغوا القمة في اللغة والبلاغة والفصاحة فجاءهم بكتاب كريم بهر عقولهم وعجزوا عن الإتيان ولا بسورة من مثله. وهكذا حين أصبح موسي عليه السلام مستعداً لحمل الرسالة جاءت الأوامر:- أولاً:- كان الغرض من إرسال موسي عليه السلام هو أن يسمح فرعون لبني إسرائيل بالخروج من مصر لأن موسي عليه السلام أرسل لبني إسرائيل وأراد الحق جل وعلا أن يمن عليهم وينجيهم من بطش فرعون وجبروته.
ثانياً:-لن يستطيع موسي عليه السلام أن يأخذ بني إسرائيل دون الرجوع إلي فرعون وبالتالي لابد أن يزود موسي عليه السلام بما يجعله يستطيع به مواجهة هذا الجبار فكانت المعجزات ولم يكتف موسي عليه السلام بذلك فحين اخبره ربه جل وعلا بقوله(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) النازعات17 على الفور  قال موسي عليه السلام(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي - وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي - يَفْقَهُوا قَوْلِي - وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي - كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا - وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا - إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا)طه25/37. واستجاب الحق جل وعلا فقال(قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) طه36 ومن ثم أصبح سيدنا هارون مكلف بالنبوة مع سيدنا موسي عليهما السلام ومع هذا قال الحق لهما(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه43/44.ويبدو أن سيدنا موسي وأخيه سيدنا هارون عليهما السلام يعرفان جيداً قوة فرعون ولذلك قالا :-(رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى)طه45 .
إلا أن الحق جل وعلا طمأنهما بقوله سبحانه قال( لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) طه46.  وأخبرهما الحق جل وعلا أن ما عليهما إلا تبليغ الرسالة(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)طه 47.
**يذكر العهد القديم انه بعد ما اخبر الحق جل وعلا موسي عليه السلام بقوله"إن إله أبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب"  أمره الرب أن يذهب إلي فرعون فقال الرب "فالآن هلم فأرسلك إلي فرعون وتخرج شعبى بني إسرائيل من مصر"  .ثم أخبره الرب أن يخبر بنى إسرائيل أيضاً أنه رسول من رب العالمين"هكذا تقول لبني إسرائيل "يهوه إله أباءكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم " .ولما اخبر موسي عليه السلام أن القوم قد لا يصد قوة " ولكن هاهم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون:لم يظهر لك الرب"  ”حينئذ قال له الرب ما هذه التى فى  يدك ؟ فقال موسي :- عصا فقال الله:أطرحها إلي الأرض فكانت حية فهرب موسي منها ثم قال الرب لموسي مد يدك وامسك بذنبها فمد يده وأمسك بها فصارت عصا في يده 
 ثم قال له الرب أيضاً:-"ادخل يدك في عبك فادخل يده في عبه ثم أخرجها وإذ يده بيضاء مثل الثلج"
إلا أن العهد القديم يذكر امور اخرى غريبه منها:-
1-بخصوص عدم مقدرة سيدنا موسي عليه السلام على إيضاح الكلام ولذا طلب من ربه جل وعلا أن(َاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي)ولو طلب موسي عليه السلام أن يطلق الله لسانه لطلب (قدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)طه 26. لأن هذه طبيعة الأنبياء فهم لا يطلبون لأنفسهم إلا بقدر الحاجة وما دام موسي عليه السلام بعد استجابة ربه استطاع الكلام فلا بأس ولكن ذكر العهد القديم قول موسى لربه
"ها أنا أغلف الشفتين كيف يسمع لي فرعون؟"
2- كما يذكر ان الرب جل وعلا قال عن هارون ( وهو يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً )  هنا يزعمون ان الرب جل وعلا جعل موسى عليه السلام الهً لأخيه هارون والحق ما قاله القرآن الكريم ( واذكر فى الكتاب موسى انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا )
 مريم51-52.

ومع هذا يزعمون ان موسى عليه السلام اعترض على ربه قائلاً ( استمع ايها السيد ارسل بيد من ترسل فحمى غضب الرب على موسى وقال : اليس هارون اللاوى اخاك؟ )  ولم يهدأ موسى الا بعد هذا التصريح ( فقال الرب لموسى أنظر أنا جعلتك الهً لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك)  . 
  3 -    يزعمون ان الرب اخبر موسى عليه السلام بانه جل وعلا هو الذى سيشدد قلب فرعون فلا يجعله يؤمن وقال الرب لموسى (وعندما تذهب لترجع الى مصر ,انظر جميع العجائب التى جعلتها في يدك واضعها قدام فرعون ولكنى اشدد قلبه )  وهذا غير ممكن لانه لو كان تشدد قلب فرعون من عند الله فلماذا اذا يعذبه الحق جل وعلا ولكن الحق ما ذكره القران الكريم ويبين ان فرعون كان طاغية من تلقاء نفسه وانه استخف قومه فاطاعوه فهل الحق جل وعلا هو الذى امر فرعون ان يخبر الناس انه اله؟  فيقول سبحانه وتعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) القصص .38
4- يزعمون أن بنى إسرائيل بمجرد ما جاءهم موسى عليه السلام واخبرهم بما أمر به الرب جل وعلا خروا سجدا فيقولون ( ثم مضى موسى وهارون وجمعا جميع شيوخ بنى اسرائيل فتكلم هارون بجميع الكلام الذى كلم الرب موسى به وصنع الايات امام عيون الشعب , فامن الشعب ولما سمعوا ان الرب افتقد بنى اسرائيل وانه نظر مذلتهم خرجوا وسجدا) 
وهذا لم يحدث لأن الرب اخبرنا بقوله سبحانه (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ) يونس 83 وفى العهد القديم نصوصاً تظهر عدم إيمان بنى إسرائيل جميعا بما جاء به موسى عليه السلام فيقولون ( فتكلم موسى امام الرب قائلا هو ذا بنى اسرائيل لم يسمعوا لى فكيف يسمعنى فرعون ) , وفى موضع آخر يذكرون تزمر بنى إسرائيل على سيدنا موسى عليه السلام ( فرأى مدبرو بنى إسرائيل أنفسهم في بليه إذا قيل لهم لا تنقصوا من لبنكم امر كل يوم بيومه وصادفوا موسى وهارون واقفين للقائهم حين خرجوا من لدن فرعون فقالوا لهما لينظر الرب اليكما ويقضى لأنكما انتنتما رائحتنا فى عين فرعون  وفى عيون عبيده حتى تعطيا سيفا فى ايديهم ليقتلونا ) 
وصدق الحق حين قال عنهم قولهم ( أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) الأعراف 139.
5- يزعمون ان موسى عليه السلام ضاق صدراً وهو فى بداية الدعوة واظهر غضبه فقالوا ( فرجع موسى الى الرب وقال يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب , لماذا ارسلتنى ؟ فانه منذ دخلت الى فرعون لأتكلم بإسمك أساء إلى هذا الشعب واتت لم تخلص شعبك ) 
6 - يزعمون أن الرب خطط لقتل موسى عليه السلام فيقولون ( وقال الرب لموسى : عندما تذهب لترجع إلى مصر انظر جميع العجائب التى جعلتها فى يدك  )( وحدث فى الطريق فى المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله ) 
7 - يزعمون ان الرب جل وعلا وضع لبنى اسرائيل خطة ليسلبوا المصريين فيقولون ( وأعطى نعمة لهذا الشعب فى عيون المصريين فيكون حينما تمضون انكم لاتمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا وتضعونها على بنينكم وبناتكم فتسلبون المصريين )  ..
8 - يزعمون أن الرب جل وعلا طلب من بنى إسرائيل أن يعلموا بيوتهم بالدم حتى لا يهلكهم مع بيوت المصريين ولا حول ولا قوة إلا بالله فيقولون ( وخذوا باقة زوفاء واغمسوها في الدم الذي في الطشت ومسوا العتبه العليا والقائمتين بالدم الذي في الطشت وأنتم لايخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح فإن الرب يجتاز  ليضرب المصريين فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يبعد الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب فتحفظون هذا الأمر فريضة لك ولأولادك إلى الأبد ) 
ثامناً  : موسى عليه السلام وبداية الدعوة

الصعوبات التي واجهت سيدنا موسى عليه السلام:-
لقد رأينا كيف تعرض محمد صلى الله عليه وسلم لشقاق قومه له ومعاندتهم إياه ورأينا فى النهاية كيف دخل جميع القبائل فى دين الله أفواجا وفتح الله له مكة أم القرى وأقر الله عينه بهذا الفتح المبين
والآن نستعرض بعض ما واجهه سيدنا موسى عليه السلام ولكن الغريب هنا أمران :-
1-   أن القوم الذين عاندوا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك والكفر ولذلك كانوا يطلبون أدلة جديدة وبراهين تثبت نبوته صلى الله عليه وسلم بينما كان ينبغي على  قوم موسى عليه السلام يحمدوا الله الذي أرسل اليهم سيدنا موسى عليه السلام الذى جاء لينفذهم من بطش فرعون وجبروته إلا أنهم عاندوه وناصبوه العداء وأرهقوه أكثر من فرعون وعانى منهم عليه السلام أكثر من معاناته من فرعون لأن فرعون كان واضح العداوة مما جعل نبى الله موسى عليه السلام يدعو ربه أن يخلص قومه من فرعون وقد كان ولكن ماذا يفعل موسى عليه السلام مع قومه وبنى جنسه أيدعو عليهم بالابادة وهو مرسل اليهم لهدايتهم.
2- رأينا بفضل الله كيف هدى الله جل وعلا قريش والطائف والجزيرة كلها حتى جاءت الوفود فى العام التاسع الهجرى معلنةً ولائها  لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانها بالله الواحد الأحد وبالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال سبحانه ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) سورة النصر .
أما قوم موسى عليه السلام لم يراعوا حق الله ولاحق رسوله موسى عليه السلام وعاندوه وآذوه عليه السلام وعبدوا العجل وتمردوا عليه وطلبوا منه عليه السلام مالاطاقة له به حتى كاد أن يهلك عليه السلام (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ )
الأعراف 155.  يكفيهم أن يطلق عليهم نبي الله موسى عليه السلام ( السفهاء ) والعجيب أنهم هم الصفوة فما بالك بضعاف الايمان والآخرين . ولذلك نشعر أن نبى الله موسى  عليه السلام عانى الأمرين من قومه طيلة حياته وعانى العالم منهم بعده عليه السلام .
1-إن أول الصعوبات التى واجهت سيدنا موسى عليه السلام هي مقابلة فرعون لأن سيدنا موسى عليه السلام يعلم أنه قتل منهم نفسا ثم هو يعود اليهم الآن رسولاً ويعلم أن فرعون جبارا فقد يفاجئهم بالعذاب أو يتجاوز الحد فى العصيان على قومه وهذا ما حدث , فقد ذكره فرعون بما سبق وزاد فى تعذيب قومه وفى هذا يقول القرآن وهو يحكى عن فرعون قوله لموسى عليه السلام قال فرعون ( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) الشعراء 23... لأن فرعون كان يزعم أنه إله فعرض السؤال على سيدنا موسى عليه السلام لعله يؤكد هذا الزعم فإذا به عليه السلام يقول (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ) الشعراء24 .
وفرعون ومن حوله يعلمون ان فرعون احط من ان يكون رب السموات والارض جميعا ومن ثم حاول فرعون الهجوم بالقول على موسى عليه السلام قائلا ( الم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وانت من الكافرين) فرد سيدنا موسى عليه السلام مبينا ان ما حدث كان عن غير عمد كما ان ذالك كان فى فتره صبا موسى عليه السلام ولم يكن وقتها نبيا ولا رسولا اما الآن فقد غفر له رب العالمين ومنَ عليه بالرسالة ثم قال موسى عليه السلام هل تربيتك ورعايتك لى تعادل استعباد بنى إسرائيل فقال( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء 20/21/22
حينئذ خرج فرعون بالحوار الى مجال آخر وأراد أن يستفز موسى عليه السلام او ان يؤلب عليه ملائه فقال( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) الشعراء  27.
 فشعر موسى عليه السلام بالخطر ومن ثم لا مجال ولا نجاة من هذا الموقف الا ان يظهر الايات الياهرات التى تثبت لفرعون ومن معه انه رسول رب العالمين فقال (  قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ )الشعراء 30.  ( قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ) الشعراء31/32/33.
وسرعان ما رماه فرعون بالسحر فقال( قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) الشعراء 34/35. فأشار الملأ على فرعون باحضار السحره وتحدى موسى فقال سبحانه وتعالى عنهم (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ) الشعراء 37/38.
واجتمع الناس ليشاهدوا هذا الحدث ووعد فرعون السحره بمكافئه عظيمه حين( وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) الأعراف 113/114. وهنا سأل السحرة  موسى ان يلقى هو  او يدعهم يبدأون فقالوا (قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) الأعراف 115.
(قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)  الاعراف 116.
ولأن موسى عليه السلام بشر فأوجس فى نفسه خيفة موسى إلا أن الحق سبحانه وتعالى ذكر موسى عليه السلام بأنه من المرسلين وأنهم لا ينبغى لهم أن يخافوا ولا يخشون أحدا إلا الله (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) طه 68/69 . ولكن فوجئ فرعون وملائه بل وموسى عليه السلام وقومه بما لم يخطر لهم على بال (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) طه70. وحتى لايظن فرعون أنه المقصود فبين السحرة أن رب العالمين ( رب موسى وهارون ) وهنا استشاط فرعون غيظا وشرع يتوعد ويهدد الجميع فقال للسحرة (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ) طه 71 . إلا أن السحرة تصرفوا بشكل إيمانى منقطع النظير بعكس بنى اسرائيل الذين كانوا أحق بهذا الايمان ليشدوا من اذر نبيهم، ففوجئ فرعون بقول السحرة (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) طه 72/73 ثم توجهه فرعون لبنى اسرائيل مضاعفا لهم العذاب فقال لجنوده ( سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ )الاعراف.127
 وهنا بدأت الآيات التى ابتلى الله بها فرعون ولكن العهد القديم يذكر كما بينا أن فرعون تشدد قلبه ولم يطلق يطلق بنى اسرائيل والقرآن الكريم بين أن الآيات إنما كانت تتتابع على فرعون لعله يفيق ويرجع عن غيه ويعلم أن الله هو الحق المبين ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ  ) الاعراف 133 والعجب أن مع كل ابتلاء يلجأ فرعون إلى نبى الله موسى عليه السلام قائلا:
 (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الاعراف 134 . يا سبحان الله ،فرعون يعلم أن رب موسى عليه السلام هو القوى والفعال لما يريد قادر على أن يرسل عليهم عذابا وقادر أن يخفف عنهم العذاب والغريب أن فرعون الذى يدعى الألوهيه والربوبيه يقول لموسى ( ادع لنا ربك ) فأين ربوبيته هو إذا؟
*  وحين كشف الحق عنه العذاب (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) الاعراف  135.  وتتابعت الآيات وظل فرعون فى عناده لانه فى كل مره يصر على ان يثبت ربوبيته والوهيته ورغم لجؤئه الى موسى عليه السلام وربه جل وعلا الى انها (لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج 46 الى ان قال الحق جل وعلا (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) طه56 فلم يبقى اذن الا الخلاص من فرعون وملأه  ولو اراد الحق سبحانه وتعالى لأهلكهم في اى ايه من الايات والابتلاءات السابقة .
ولكن اراد الحق ان ياخذ فرعون وجنوده وان ينجى بنى اسرائيل فى ان واحد فارادها الحق معجزه لا تنسى فاستدرجهم الحق من حيث لا يعلمون فجعل فرعون ينادى (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) الشعراء54-59 وهرع فرعون وجنوده بعدما علم ان موسى عليه السلام أسرى بقومه ليلاً (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) الشعراء52.
 ولما انتهى بهم الامر الى البحر فكعادة بنى إسرائيل دائما يجزعون لاقل الأشياء ولم يبلغوا من الإيمان ما يجعلهم يثقون فى نبى الله موسى ولا فى قدرة الله على ان ينجهم من هذا الموقف العصيب (فقالوا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) الشعراء 62.  الا ان سيدنا موسى عليه السلام قال لهم (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء 63.
 وهنا أمر الحق جل وعلا موسى عليه السلام ان يضرب بعصاه البحر (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)  الشعراء 63.  ثم امر الرب جل وعلا موسى عليه السلام (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) الدخان 24.  حتى ينخدع فرعون ومن معه وينزلوا جميعا  فى قاع البحر . أرايت كيف وصل الطغيان بفرعون درجةً جعلته لا يرى هذه المعجزة الباهرة فدفعه غروره الى متابعة موسى عليه السلام وهنا حدثت المفاجاه (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ) الشعراء64.  واغرقناه ومن معه اجمعين ) والعجب ان فرعون افاق فى هذه الحظه قائلا (اآمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)يونس 90.  الا ان الحق سبحانه وتعالى قال ( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يونس91.  ثم اراد الحق سبحانه وتعالى ان يخرج فرعون ثم يعلم اهل مصر القدره على التحنيط ليحنطوا بها جثة فرعون وامثاله ليظل عبرة ودلاله على قدرة الحق جل وعلا الذى لا يعجزه شئ لا فى الارض ولا فى السماء وليعلم اى طاغيه انه مهما وصل من العلم والحضاره والقوة والجبروت فلن يصل الى ما وصل اليه فرعون ومع هذا فما نهايته (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) يونس 92.   واظهر الله جل وعلا جثة فرعون هامدة ليره الجميع حتى لا يظنوا انهم مختفى فى مكان ما وانه لم يغرق وانه سيعود يوم ما،  وأراد الحق جل وعلا ان يعلم كل من يعاون طاغيه ان مصيره كمصير الظالم سواء بسواء فلم ينل الا سؤ الخاتمه مع ذل الحياة سابقا لمن كان يعاونه. وقبل أن نتكلم عن الصعوبات التي واجهها سيدنا موسى عليه السلام مع قومه نذكر بعض النصوص من العهد القديم بخصوص ما سبق.
- ثم كلم الرب موسى قائلا " أنت تتكلم بكل ما آمرك وهارون أخوك يكلم فرعون ليطلق بنى اسرائيل من ارضه  ولكنى اقسى قلب فرعون واكثر آياتى وعجابتى فى ارض مصر ”
-  ثم يذكر العهد القديم انه بعد معجزة العصا التى ابتلعت ثعابين السحره إذداد طغيان فرعون ( فطرح هارون عصاه امام فرعون وامام عبيده فصارت ثعباناً فدعا فرعون أيضا الحكماء والسحرة. إطرحوا كل واحد عصاه فصارت العصى ثعابين ولكن عصا هارون ابتلعت عصيهم . وقسى الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما ) 
هذا النص يصور لنا ان موسى عليه السلام تحول الى مرشد وموجه لهارون عليه السلام فى حين ان النبى موسى عليه السلام هو صاحب معجزة العصا وكان هارون عليه السلام بمثابة المعين حيث قال جل وعلا ( واخى هارون هو افصح منى لسانا فارسله معى ردا يصدقنى انى خائف ان يكذبون ) القصص34 
ولم يطلب موسى ان يتحمل هارون المشقة وحده، ثم يذكر النص أن هارون هو الذى القى العصا اولا ثم القى الآخرون والحكمة تقتضى أن يلقى الآخرون أولاً ليكون للتحدي معنى وقوة وليشعر فرعون ومن معه ولو للحظه  بنشوة العزة  والغلبة حتى إذا قهرهم الحق بعزته وهزمهم بعظمته وأمر موسى أن يلق عصاه فتلقف ما صنعوا فتكون الحسرة مضاعفه وهذا ما حكاه القرآن الكريم كما بيننا من قبل .
-  ثم يذكر النص أن فرعون ظل قاسيا ولم يسمع لما أراده موسى وهارون عليهما السلام ومن ثم بدأت الضربات تنزل عليه وعلى قومه فيذكر العهد القديم أن ما ء النهر تحول دماً ( ورفع هارون العصا وضرب الماء الذى فى النهر امام عين فرعون وامام عيون عبيده فتحول كل الماء الذي في النهر إلى دما) وعن ضربة الضفادع (فمد هارون يده على مياه مصر فصعدت الضفادع وغطت ارض مصر ) 
( فدعا فرعون موسى وهارون وقال صليا إلى الرب ليرفع الضفادع عنى وعن شعبى فاطلق الشعب ليمجدوا الرب )  ويذكر العهد القديم أن موسى عليه السلام وهارون آخيه صليا للرب فخافت الضفادع.
( ثم خرج موسى وهارون من لدن فرعون وصرخ موسى إلى الرب من اجل الضفادع التى جعلها على فرعون ففعل الرب كقول موسى فماتت الضفادع من البيوت والدور )   وهكذا مع كل ضربه ولقد ذكر العهد القديم أن مع كل ضربه يرفع هارون يده على شعب مصر فيصاب الشعب بما اراد الرب جل وعلا ثم يلجا فرعون الى موسى واخيه هارون عليهما السلام ليصليا الى الرب فيرفع عنهم ما ابتلاه وشعبه به ولكن كما ذكر القران الكريم ان فرعون لم يؤمن رغم هذه الايات ولم يطلق بنى اسرائيل كذلك ذكر العهد القديم فيقول( ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بنى اسرائيل من ارضه)  
تاسعاً : خروج بني إسرائيل من مصر

- وكما ذكر القران الكريم ان الله أمرموسى عليه السلام ان يسرى ببني إسرائيل ليلاً ليخرجوا من مصر ولينجيهم من فرعون وبطشه فكذلك يقول العهد القديم فدعا موسى وهارون ليلا وقال : ( قوموا واخرجوا من بين شعبى أنتما  وينو إسرائيل جميعاً)  ثم ذكر العهد القديم أن مدة إقامة بنى إسرائيل منذ دخول يعقوب عليه السلام وأبناءه الى مصر  إلي خروج موسى عليه السلام وبنو اسرائيل ( واما اقامة بنى اسرائيل التى اقاموها فى مصر فكانت اربعمائه وثلاثين سنه وكان عند نهاية اربعمائه وثلاثين سنه فى ذلك اليوم عينه ان جميع أجناد الرب خرجت من ارض مصر)
 كما ذكر العهد القديم عددهم ( فارتحل بنو اسرائيل من رعمسيس الى سكوت نحو ست مئه الف ماش من الرجال عدا الاولاد )  وهنا أمر عجب ألا وهو : يذكرون أن يعقوب عليه السلام دخل مصر فى سبعين نفسا وخرجوا ستمائه الف عدا الاولاد  .
(فلما أخبر ملك مصر ان الشعب قد هرب تغير قلب فرعون وعبيده على الشعب)   (فشد مركبته واخذ قوسه معه واخذ ست مئه مركب منتخبه وسائر مركبات مصر)
( فلما اقترب فرعون رفع بنو اسرائيل عيونهم واذا المصريون راحلون وراهم ففزعوا وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب )  وهذا لم يحدث فلم يلجأ بنو إسرائيل إلى الرب ولكنهم قالوا كما حكى
عنهم القران الكريم( فلم تراى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون ) الشعراء 61.  فهذا ما حدث فهم لم ينظروا الى الرب بل سيدنا موسى عليه السلام هو الذى ذكرهم بأنه نبي الله رب العالمين وان الله لن يتركه لفرعون فقال موسى عليه السلام كما حكى القران الكريم ( فقال موسى إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء62.
وما يؤكد أنهم لم يصرخوا الى الرب ما ذكر فى العهد القديم عند هذا الموقف ان بنى اسرائيل تزمرو على موسى عليه السلام قائلين ( وقالو لموسى : هل لانه ليست قبور فى مصر أخذتنا  لنموت في البرية ؟وماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ؟ هذا هو الكلام الذى كلمناك به فى مصر قائلين كُف عنا فنخدم المصريون ؟ لانه خير لنا أن نخدم المصريين من ان نموت في البرية)  إلا ان موسى عليه السلام (قال لهم لا تخافوا قفوا وانظروا إلى خلاص الرب الذى يصنعه لكم اليوم ) 
ويذكر العهد القديم أن الرب أمر موسى عليه السلام ان يضرب البحر بالعصا فقال الرب لموسى ( ما لك تصرخ الى ؟ قل لبنى إسرائيل أن يرحلوا وارفع انت عصاك ومد يدك على البحر وشقه فيدخل بنى إسرائيل فى وسط البحر على اليابسة)  ثم يعقب قائلاً ( وتبعهم المصريون ودخلوا ورائهم جميع رجال فرعون ومركباته وفرسانه الى وسط البحر)  (فرجع الماء وغطى جميع مركبات وجيش فرعون الذى دخل ورائهم فى البحر لم يعدى منهم ولا واحد) 
ولم يذكر العهد القديم شئ عن فرعون وما حدث له بعد ذلك كما ذكر القران الكريم.
الفصل الرابع

 













   
    أولاً : بنو إسرائيل والتوراة
تمنيت لو أن التوراة التي انزلها الحق جل وعلا على نبيه موسى عليه السلام بحالتها لقمت بتدوينها ومتابعة تنزيلها وسجلتها في كتابي هذا إلا انه حال بينى وبين ذلك عدة أمور منها :-
1- استبدل بنو إسرائيل التوراة بكتاب سموه العهد القديم .
2- لم يبقوا على التوراة الاصليه أو يذكروا نصوصها كما هي ولكنهم أصروا أن يذكروا النصوص على ألسنتهم مما جعل العهد القديم يحتوى على كثير من التناقضات والغموض .
3- لم يستقر بنو إسرائيل على توراة واحده فبعضهم يؤمن بالتوراة السامريه وآخرون بالتوراة العبرية وغيرهم يفضل التلمود على التوراة .
إلا أن الحكمة تقتضى كما تتبعنا وتحدثنا عن القرآن الكريم والسنة النبوية أن نتناول ما ذكره القرآن الكريم بخصوص التوراة ثم نعقب ما ذكره بنو إسرائيل عن التوراة وكيفية الحفاظ عليها إلى إن تحولت إلى العهد القديم .
و يذكر الزمخشرى في الكشاف أن سيدنا موسى عليه السلام كان قد وعد قومه ان اهلك الله عدوهم ومكنهم في الأرض أن يسأل الله أن ينزل عليهم كتاب ينظم فيه حياتهم وهذا ما كان يتمناه سيدنا موسى عليه السلام واكده الحق جل وعلا فى القران الكريم اذ يقول (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ ) الاعراف 129.
 وما أن صدق الله وعده ومكن نبيه موسى عليه السلام واهلك عدوه الا واسرع موسى عليه السلام أن يدعو ربه لينزل عليهم الكتاب الذى وعد قومه به ليكون لهم شريعة ومنهجاً فأمره ربه أن يصوم ثلاثين يوما  واتمها الله بعشرة ايام وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الاعراف 142 . ثم أمر سيدنا موسى عليه السلام اخاه ان يراعى بنى إسرائيل ويشد من اذرهم  ويذكرهم بفضل الله عليهم الذي أخرجهم من مصر ونجاهم من فرعون وجنوده ووهبهم حياة جديده مع انبياء عظماء (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف 142.  ولا بأس أن ينبه سيدنا موسى سيدنا هارون فهو يعلم ان بنى إسرائيل قساة القلوب وانهم قد يقدموا على أفعال فاسدة فان لم يستطع تقويمهم فعليه أن يتحمل ولا يركن إليهم، وان قال قائل أليس هارون عليه السلام نبياً فكيف يخشى عليه نبى الله موسى عليه السلام وكيف يحذره وينبهه ؟  نقول ان هذا يدل على تنبؤ سيدنا موسى بما سيحدث من قومه من فساد .
ثانياً : سيدنا موسى والألواح

وحين أتم موسى عليه السلام الميقات وذهب للقاء ربه جل وعلا انزل الله عليه الالواح وكانت بمثابة التوراة الاجماليه وكان هذا فى عام 1445ق.م وكان فى الألواح بيان الحلال والحرام وتوضيح المحاسن والقبائح ليكون ذلك موعظة لهم من شانها تؤثر فى قلوبهم ترغباً وترهباً إن تمسكوا بها وفى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم ( وكتبنا له فى الالواح كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ وخذها بقوه وامر قومك يأخذوا باأحسنها ) الاعراف 145 . ثم حذرهم سبحانه بأنهم إن ضلوا  فان لهم عاقبة السوء  وفى هذا يقول سبحانه وتعالى (سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الاعراف 145.  وهذا يدل على ان هؤلاء القوم لن يأخذوا بأحسنها بل سيكونوا من الفاسقين وقد كان، فقال الحق سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام
ثالثاً : بنو إسرائيل وعبادتهم العجل

(وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) طه 83-88.
- فحدث ما كان يخشاه موسى عليه السلام وما نبه الحق سبحانه وتعالى عليه ولقد قام هارون عليه السلام بدوره كنبى الا انهم بنو اسرائيل الذين قال عنهم نبيهم موسى عليه السلام فى القران الكريم ( السفهاء) في قوله تعالى ( اتركنا بما قبل لسفهاء منا ) الأعراف 155.  وعن دور هارون قال القران الكريم (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) طه 90. إلا أن بنى إسرائيل رفضوا أمره فقال (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى )  طه 91 .
فلما عاد إليهم سيدنا موسى عليه السلام كاد الحزن أن يفلق كبده لأنهم قوم معاندون حمقى سفهاء فإذا به ( قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) طه 94 . ثم اتجه موسى عليه السلام الى السامرى فقال ما خطبك يا سامرى ) فاذا به يقول :  (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) طه 96 .
فان السامرى يذكر انه رأى جبريل عليه السلام يسير أمام بنى إسرائيل في البحر والقوم لم  يروه، وجبريل عليه السلام روح فسولت له نفسه إن التقط شيئاً من أثره ان يدب فيها الحياة،  فالتقط قبضة من أثره ليستعملها  في الوقت المناسب وان دل ذلك فانما يدل على نيته المبيته للشرك ولا حول ولا قوه الا بالله بدليل انه بمجرد ان ذهب موسى عليه السلام الى لقاء ربه ألقى السامرى في روع القوم ان موسى عليه السلام تأخر عنهم وبما ان القوم حديثي عهد بالمصريين الذين كانوا يعبدون الأصنام فجمع السامرى ذهب القوم وخلطه بالقبضة التى قبضها من أثر جبريل عليه السلام وصنع منه عجلا له خوار وهو صوت البقر مما أدهش القوم والعجيب انهم سرعان ما عبدوه عازفين عن نبي الله هارون عليه السلام ولا حول ولا قوة الا بالله ولذا امر موسى عليه السلام بالعجل فاحرق وبما انه ذهب فقد يزداد نقاءً فينخدع القوم،  ولذلك أرسل الله عليه ريحا فألقت به رمادا فى البحر، وتوعد موسى عليه السلام السامرى بانه لن يحيا فى امان ما عاش وفى الآخره فله عذاب عظيم (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) طه97.  واكد موسى عليه السلام الحقيقة الواضحة ( انما إلهكم الله الذى لا اله الا هو وسع كل شئ علما  ) ولكن ما جزاء من عبد العجل فهل يتركون ؟ بالطبع لا . فقد عوقبوا عقابا اليما يستحقونه،  ولولا أن القران اخبرنا بان المفسدين من قوم نوح عليه السلام هلكوا فى الطوفان لقلنا ان بنى اسرائيل هم احفاد اولئك الفاسقين فقد قال عنهم سبحانه وتعالى ( انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا ) نوح17. ومن ثم كتب الله جل وعلا على من عبد العجل من بنى إسرائيل الإباده لأنهم إن فعلوا ذلك الإثم العظيم لأن ( ان الشرك لظلم عظيم ) لقمان13 . ثم ظلوا بعدها على قيد الحياه هنالك سيطمع الآخرون ويزدادوا بغيا وظلما ولذلك الحكمه تقتضى ان نخلص من هؤلاء حتى يعتبر بهم غيرهم ولذلك ( واذا قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم ) البقره 54.  ثم بدأت الأحكام والعبادات والمعاملات المدنية والحربية والعقوبات ينزلها الحق جل وعلا على نبيه موسى عليه السلام فى وقت الحاجة شانها فى ذلك شان كل الرسالات وقبل ان نواصل مع باقى الرساله نستعرض ما قاله العهد القديم في ما سبق لنرى كيف تناول هذه القضية وهل انصف الأنبياء كما نزههم القرآن الكريم عن الوقوع فى الخطيئة .
فيذكر العهد القديم ان بعد نجاة موسى عليه السلام من فرعون وجنوده واستقر بهم الأمر في سيناء فيقول  ( فى الشهر الثالث بعد خروج بنى اسرائيل من أرض مصر في ذلك اليوم جاءوا الى برية سيناء )   . ثم يذكر العهد القديم ان موسى عليه السلام ترك بنى اسرائيل وصعد الى الجبل وعن الاستعداد للميقات قالوا ( وأما موسى فصعد الى الله وكان هناك عند الرب اربعين نهارا واربعين ليله لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءا فكتب على اللوحين كلمات العهد)  .
رابعاً : بنو إسرائيل والشريعة
- ثم انزل الله عليه الوصايا العشر نشرحها فى وقتها ان شاء الله وأهم ما فيهـــــا
 ( لا يكن لك الهه اخرى امامى لا تصنع لك تمثالاً  منحوتا ولا صوره ما مما فى السماء من فوقك وما في الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الارض لا تسجد لهن ولا تعبدهن أنا الرب إلهك إله غيور) 
- هذا مما أوحى به الله جل وعلا نبيه موسى عليه السلام والعجيب انهم أعادوا تلك الوصية مره أخرى ( فقال الرب لموسى : هكذا نقول لبنى اسرائيل :أنتم رأيتم اننى من السماء تكلمت معكم .لا تصنعوا معى الهه فضه ولا تصنعوا لكم الهه ذهب )  ومع هذا فوجئنا بشر البلية فإذا بهم يقولون
 ( ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من  الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا الهه تسير امامنا لان هذا موسى الرجل الذى اصعدنا من ارض مصر لا تعلم ماذا اصابه . فقال لهم هارون انزعوا اقرض الذهب التي في أذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واتونى بها فنزع الشعب اقراط الذهب التى فى آذانهم وأتوا  بها إلى هارون فاخذ ذلك من ايديهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من ارض مصر فلما نظر هارون بنى مذبحاً أمامه ونادى هارون وقال غداً عيد للرب ) 
&يذكر هذا النص امور عجيبه منها :-
1- أن الشعب جاء الى هارون عليه السلام لا ليبكون على غياب نبي الله موسى عليه السلام ولا ليسالوا عن سبب استيطانه عليهم بل ليطلبوا منه ان يصنع لهم الهه تسير امامهم ، يا لهم من سفهاء أغبياء بدلوا الثمين بالغث فبعدما كانوا يقولون ان الرب كان يسير أمامهم في عمود سحاب وبالليل فى عمود نار يهديهم الطريق فاذا بهم يطلبون من هارون ان يصنع لهم الهه ولا حول ولا قوة الا بالله .
2- يزعم بنوا إسرائيل انهم ذهبوا الى هارون عليه السلام فأمرهم ان ينزعوا  أقراط الذهب التي في آذان النساء والبنين والبنات ثم صنع منها عجلا مسبوكا والعجيب انهم يذكرون ان هارون عليه السلام بنى لهم مذبحا واعلن ان غدا عيدا للرب ولا حول ولا قوة الا بالله،  ونحن المسلمين نتبرأ الى الله مما ذكر فى حق نبى الله هارون لانه من المستحيل ان يقدم نبى الله هارون عليه السلام على هذا الامر لان الحق جل وعلا قال عن هارون ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ) القصص 35 . وقال سبحانه ( ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا ) مريم 53.  وقال جل وعلا عنه وعن موسى عليه السلام ( واتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم ) الصافات 116 ( ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ) الصافات 147. 
وحين امن السحرة قالوا كما قال القران الكريم ( امنا برب العالمين رب موسى وهارون ) كما ان نبى الله هارون من النبيين الذين قال عنهم الحق سبحانه وتعالى ( انهم عندنا لمن المصطفين الاخيار ) فهل بعد ذلك يريدون منا ان  نصدق ما قالوه فى حق نبى الله هارون عليه السلام ولذلك نحن لا نأمن كثيرا مما قالوه عن الانبياء ونحمد الله جل وعلا انه حفظ القران الكريم بقدرته لنعلم ان صدق الله حين قال( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) النمل 59.  وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن الانبياء جميعا ومنهم هارون بالطبع
( اولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ) الانعام 90.  ثم يذكر العهد القديم ان الرب جل وعلا اخبر موسى عليه السلام بما حدث وبما قام به موسى عليه السلام معهم وما أمرهم الله به
1- فقال الرب لموسى ( إذهب فأنزل لأنه قد فسد شعبك الذى اصعدته من ارض مصر   زاغوا سريعا عن الطريق الذى أوصيتهم  به صنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوه له )   وصدق الحق جل وعلا حين قال عنهم ( فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ) ثم يذكر العهد القديم :
 ( رأيت الشعب واذ هو شعب صلب الرقبة ، فالان اتركني ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم)  فهذا الجزاء الذي يستحقونه،  إلا أننا نفاجأ بهم يذكرون ان موسى عليه السلام خاطب ربه بطريقة غريبة من أجل هذا الشعب ( تضرع موسى أمام الرب الهه وقال لماذا يارب يحمى غضبك على شعبك الذى اخرجته من ارض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة ؟)  
2- ويزعمون ان موسى عليه السلام  قال لربه جل وعلا ( ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك)    هل يجوز ذلك فى حق الأنبياء أن يخاطبوا الرب جل وعلا بهذه الطريقة : يحث موسى عليه السلام الرب جل وعلا ان يهدأ بل ويندم على ما فكر فيه بخصوص بنى اسرائيل ولا حول ولا قوة الا بالله والعجيب انهم يذكرون ان الرب حاشاه أفاق وأنب نفسه وندم على ما كان سيقدم عليه فيقولون(فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه )  من هذا النص نفهم ان الأمر انتهى،  أي نصح موسى الرب ان يرجع عن غضبه ويندم فرجع الرب عن غضبه وندم،  ولكن نرى فى نص آخر أن موسى عليه السلام  قال لهم ( هكذا قال الرب اله اسرائيل ضعوا  كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا  من باب إلى  باب في المحلة واقتلوا كل واحد آخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه ففعل بنو لاوى بحسب قول موسى ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل )  ويزعمون أن موسى عليه السلام قال  لهارون ( ماذا اصنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطيئة عظيمة فقال هارون لايحمى غضب سيدى انت تعرف الشعب انه فى شر فقالوا اصنع لنا الهه تسير امامنا )  ثم شرح هارون لموسى عليه السلام كيف قام بصناعة العجل،
3- يزعمون ما هو اغرب مما سبق فيقولون ان موسى عليه السلام قال للرب (والان إن غفرت خطيئتهم والا فامحنى من كتابك الذى كتبت )  هل نصدق ذلك عزيزى القارئ ؟ وهل نصدق  ان الرسالة عقد عمل مما جعل موسى عليه السلام يضغط على الرب ويهدده بان ينسحب من هذه المهمه ومن اجل من؟عبدة العجل ؟؟؟؟
4- واكبر دليل على افترائهم على نبي الله هارون عليه السلام وصناعته العجل بانه لم يحدث له شئ ولم يقتل نفسه او يقتله أحد رغم انه حسب زعمهم كان اولى بالقتل ( حاشاه) لانه هو من صنع لهم العجل .
 أرأيت عزيزي القارئ أن حقا قد صدق الله فيما حاكاه في القرآن الكريم لانه فى العهد القديم ذكروا ان هارون عليه السلام كان موجود بعد ما قتل ثلاثة ألاف رجل بعضهم قالوا ان هارون وجمع من بنى إسرائيل استقبلوا  موسى عليه السلام ومعه  الألواح ( فنظر هارون وجميع بنى اسرائيل موسى واذا جلد وجهه يلمع  فخافوا ان يقتربوا منه ) 
ويذكر العهد القديم ان موسى عليه السلام غضب وتغير وجهه حين علم بفساد قومه وعبادتهم العجل ،
وعن الألواح يقول العهد القديم  ( وقال الرب لموسى احضر إلي الجبل وكن هناك فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم)   ( ثم أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه فى جبل سيناء لوحى الشهادة ..لوحي حجر مكتوبين بإصبع الله وهذه هى الشريعة التى وضعها موسى امام بنى اسرائيل . هذه هى الشهادات والفرائض والاحكام التى كلم بها موسى بنى اسرائيل عند خروجهم من مصر)   ( فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحي الشهادة في يده .لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن هنا كانا مكتوبين واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين )  ألا انه عليه السلام ألقى الالواح فكسرت حين علم بفساد قومه ( فحمى غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهم في أسفل الجبل )   ثم قال الرب لموسى ( انحت لك لوحين من حجر مثل الأوليين فاكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأوليين الذين كسرتهما ) 
هكذا  يتبين لنا  صدق الحق جل وعلا فيما اخبر به عن الألواح وان دل ذلك فإنما يدل على انه كانت هناك توراة حقيقية وبها الآيات الحقيقية كما انزلها الحق سبحانه وتعالى إلا انه بمرور الوقت عجز ينو إسرائيل في الحفاظ عليها فضاع منها الكثير، ثم بدأت الأحكام والشرائع تتنزل منها : وكلم الرب موسى قائلا ( كلم بنى إسرائيل قائلا : كل شحم ثور أو كبش أو ماعز لا تأكلوه وأما شحم الميتة وشحم المفترسة  فيستعمل لكل عمل لكن أكلا لا تأكلوه )  رأينا كيف صدق الحق جل وعلا حين قال :
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ  الانعام .146
2- ويقول العهد القديم أيضا عن الشرائع ، ( وإن حصلت أذية تعطى نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل وكيا بكى وجرحا بجرح )  وهنا أيضاً نرى صدق القرآن الكريم حين قال جل وعلا : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) المائدة 45.
3- ( لايقتل الأباء عن الأولاد ولا ولايقتل الأولاد عن الآباء كل انسان بخطيئتة يقتل )  والقرآن الكريم يؤكد ذلك المعنى بمعنى أكثر وضوحا فى قوله جل وعلا ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
4- ( لايقوم شاهد واحد على إنسان فى ذنب ما أو خطيئه ما من جميع الخطايا التى يخطئ بها على فم شاهدين أو على فم ثلاثة شهود يقوم الأمر )   وفى هذا المعنى يقول القرآن الكريم (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة 282 .
5- ( اسمع يا إسرائيل : الرب الهنا رب واحد . فتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك )   وهذا النص من التوراة يؤكد عليه القرآن الكريم فى قوله جل وعلا
( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) بل هذه الآية هي أصل العقيدة والإيمان بها يصبح الإنسان مؤمنا ويدونها يصبح الإنسان كافراً .
6- ( أكرم أباك وأمك كما أوصاك الرب الهك لكى تطول أيامك ولكى يكون لك خير على الأرض التى يعطيك الرب الهك  )...... وهذا النص أيضا من الأسس الأولى التى نادى بها الإسلام فقال تعالى فى القرآن الكريم وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) الإسراء 23-24...وقوله حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ الأحقاف 15-16 .... وكثير من هذه النصوص والشرائع التى يوافقها العقل والمنطق ويوافق عليها القرآن الكريم إلا أن العهد القديم  يذكر الكثير من النصوص والشرائع التى ربما كانت صالحة لزمانهم ولكن حين جاء القرآن مسح هذه الشرائع ومنها:
1-وكلم الرب موسى قائلا ( كلم بنى اسرائيل قائلا . إذا حبلت إمرأة وولدت ذكرا تكون نجسه سبعة أيام كما فى أيام طمث علتها تكون نجسه وفى اليوم الثامن يختن لحم غرلته ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما فى دم تطهر كل شئ مقدس لا تمس و إلى المقدس لا تجى حتى تكتمل أيام تطهيرها وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما فى طمثها ثم يقيم ستة وستين يوما فى دم تطهيرها )  أرأيت كيف ينظرون إلى المرأة ففى أيام طمثها عدوها نجسة لاتمس شيئا والعجيب أنهم احتقروا المرأة حتى وهى طفلة فيقولون إذا ولدت أنثى تزيد فترة نجاستها من ثلاثة وثلاثين يوما إلى ستة  وستين يوما بسبب الأنثى التى ولدتها ثم هم الآن يزعمون أن الإسلام هو الذى أهان المرأة ولاحول ولاقوة إلا بالله .
2- والأعجب من ذلك فيذكرون نصا غريبا كشريعة لهم حتى تطهر من طمثها ( ومتى كملت أيام تطهرها لآجل ابن أو ابنة تأتى بخروف حولي محرقة .فرخ حمامة أو يمامة ذبيحة إلى باب خيمة الإجتماع إلى الكاهن .فيقدمها أمام الرب ويكفر عنها فتطهر من ينبوع دمها هذه شريعة التى تلد  ذكر أو أنثى  ) .... كأنهم يعتبرون المرأة بلغت من النجاسة قدرا يحتاج إلى تكفير ثم لماذا فتذهب إلى الكاهن فما علاقة الكاهن بالطهارة ...؟!
3- يذكر العهد القديم  نصا في منتهى الغرابة والعجيب أنهم يعتبرونه نصا مقدسا لأنهم يزعمون أن هذا النص ذكر فى الوصايا العشر وهو ( وجمع موسى كل جماعة بنى اسرائيل وقال لهم هذه الكلمات التى أمر الرب أن تصنع : ستة أيام يعمل عمل وأما اليوم السابع ففيه يكون لكم سبت عطلة مقدس للرب كل من يعمل فيه عملا يقتل لاتشعلوا نارا فى جميع مساكنكم يوم السبت  ) في هذا النص يزعمون أن الرب جل وعلا أنما أمرهم بتقديس يوم السبت لأنه اليوم الذى استراح فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله فيقولون فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرع الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمله الله خالقا . ..... ويوضحون ذلك فى أكثر من موضوع فيقولون ( لأنه فى ستة أيام صنع الله السماء والأرض والبحر وكل مافيها واستراح فى اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه )  لا حول ولا قوة إلا بالله وهل الله جل وعلا فى حاجة للراحة بعد العناء والخلق سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولكنها عقول ونفوس بنى إسرائيل المريضة  والحمد لله الذي حفظ القرآن الكريم وقال فيه جل وعلا  (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بينتهما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)ق 38. فإن ما يقولونه فى العهد القديم  عن يوم السبت لايقبله عقل ولامنطق والعجيب أنهم لو أرادوا الراحة وجعلوه من عند أنفسهم لالتمسنا لهم العذر ولكن أن يجعلوه نصا وشريعة هذا لا يجوز بأى حال من الأحوال وعلى سبيل المثال عندنا يوم  الجمعة يوم مبارك كريم قال عنه الحق سبحانه وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) إذن المسلمون في عمل وبيع وشراء الى وقت الصلاة ولما ينه الحق جل وعلا عن العمل فى هذا اليوم ولكن أمرهم بالسعى الى ذكر الله واقامة الصلاه فى المساجد ثم  أمرهم بعد الصلاة أن ينتشروا في الأرض ويعملو فيها فيقول (جل وعلا (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالجمعه 10
4- يذكر بنى إسرائيل شيئاُ عجيبا آخر فيقولون ( هذه هى الشريعة إذا مات إنسان فى خيمة فكل من دخل الخيمة و كل من في الخيمة   يكون نجسا سبعة أيام وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد يغطي به فإنه نجس .) ......... أرأيت أنهم لم يحتقرون المرأة فحسب بل إن الإنسان إذا مات أصبح مهانا ونجسا وكل من مسه أو دخل المكان الذي مات فيه ينجس سبعة أيام ولا حول ولا قوة إلا بالله أين هذا الكلام الغريب الغث من قول الحق جل وعلا في القرآن الكريم " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " فلله الحمد الذي من علينا بكرمه وأنزل علينا خير رسله ونحمده أن حفظ القرآن الكريم بعظمته ليصحح فيه ما أفسده السابقون. وكثير  من هذه الشرائع الباطلة الفاسدة التي لا يتسع المجال لذكرها الآن ولكن سنذكرها في حينها إن شاء الله ..  ولكن نؤمن بأن الشرائع حين نزلت على سيدنا موسى كانت شرائع سليمة يقبلها العقل والمنطق لأنها من عند الله العزيز الحميد ولكن يبدو أن ما ذكر في العهد القديم  من شرائع باطلة هو من عند أبناء القردة والخنازير بدليل أننا رأينا نصوصا وشرائع لا يقبلها العقل والمنطق .
خامساً  :- اكتمال شريعة موسى عليه السلام
المهم أن الشريعة اكتملت على سيدنا موسى عليه السلام وقال عنها القرآن الكريم إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ " وأمرهم الحق جل وعلا أن يحافظوا عليها وأن يحكموا بها (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) المائدة 44 .
 والعهد القديم  يذكر أنه حين اكتملت الشريعة قرآها موسى عليه السلام على جميع بنى إسرائيل وأمرهم بأشياء وحذرهم من أمور قد يقعوا فيها * ( وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوى حاملي تابوت عهد الرب  قائلا : خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه في تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهداً عليكم  "
 ويذكر العهد القديم  ( وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوى حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل وأمرهم موسى قائلاً : " في نهاية السبع السنين في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال . حينما يجئ جميع إسرائيل لكي يظهروا  أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره . تقرأ هذه التوراة أمام كل إسرائيل في مسامعهم " 
من هذا النص يبين لنا أن التوراة قد اكتملت وقد كتبها موسى عليه السلام بنفسه إلا أننا نأخذ عليهم عدة أشياء :-
1- يذكر هذا النص أن موسى عليه السلام آثر بنى لاوى بحمل الأمانة والتوراة والسؤال ..لماذا اختار موسى عليه السلام بنى لاوى من الأسباط الأثنى عشر ؟ . أليس فيه إجحاف  للآخرين . أليست هذه رسالة للجميع فينبغي أن يتحمل الجميع أمر الرسالة وأداء الأمانة فلو أننا نحن المسلمين أخبرنا العالم بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثر أحد الصحابة دون غيره أو أنه صلى الله عليه وسلم نادى لسيدنا على بن أبى طالب وأمره بحمل القرآن الكريم وأن يقرأه كل فترة من الزمن على مسامع المسلمين . فكيف يردون علينا ؟ بالطبع سيقولون ومن يضمن لنا أن يحافظ عليها على وأولاده من بعده وماذا يحدث لو ضعفت ذرية الإمام علي وضاعت الرسالة   ثم ماذا لو أخبرناهم بأننا حصلنا علي الرسالة بعد موت صاحبها بفترة طويلة؟     
  2-يزعمون أن التوراة  التي كتبها موسي عليه السلام وسلمها لبني لاوي هي الأسفار الخمسة الأولي في العهد القديم  وهذا غير صحيح لان بهن من التجاوزات والتناقضات ما يخرجهن من القدسية  كما أنهم يذكرون أكثر من مرة  بان العهد القديم  لم يقم موسي عليه السلام بتسجيله :
1- إذ كيف يذكر سيدنا موسى علية السلام أن الرب جل وعلا أوصاه بقوله ( لا تسرق ) وفى موضع آخر ( لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا تغدروا ولا تحلفوا بإسمى بالكذب )  ثم يذكرون أن سيدنا موسى أوصاهم بسرقة المصريين فيقولون ( وأعطى نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبوا المصريين ) .
2- وكيف يذكرون ان موسى عليه السلام قال له الرب ( لا تزن ) و (لاتشته إمرأه قريبك ) و ( لا يقترب انسان غلى قريب جسده ليكشف العورة أنا الرب ، عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف )
هذا كلام طيب ..ولكن ماذا يقولون فى هذا النص : عن سيدنا لوط وابنتاه
 ( فسقتا اباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع ابيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة انى قد اضطجعت البارحة مع آبى ، هلم نسقيه خمراً الليلة ايضا فإدخلى اضطجعي معه فنحى من ابينا نسلاً فسقتا اباهما خمراً في تلك الليلة ايضاً وقامت الصغيره واضطجعت مع ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها فحبلت ابنتا لوط من ابيهما )  
- عموماً نعود إلى ما يقولون بان موسى عليه السلام أوصى بنى لاوى بتحمل الامانه والتوراة وان يقرأ وها على الشعب فى نهاية السبع سنيين لنرى ما حدث للتوراة بعد ذلك وهل وجدوها وهل العهد القديم هو التوراة وكثير من هذه الاسئله نستعرض إجابتها في غضون الصفحات التالية : فقالوا "وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوى حامل تابوت عهد الرب وأمرهم موسى قائلاً فى نهاية السبع سنييين تقرأ هذه التوراة امام كل إسرائيل في مسامعهم"   إلا أن الرب جل وعلا اخبر موسى عليه السلام بما سيحدث من بنى إسرائيل من تمرد يجلب عليهم غضب الرب وانتقامه ( ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها فى ما بينهم ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه فيشتعل غضبى عليه في ذلك اليوم واتركه واحجب وجهي عنه فيكون مأكله وتصيبه شرور كثيرة وشدائد حتى يقول في ذلك اليوم إما لأن الهي ليس في وسطي اصابتنى هذه الشرور )   ولذا حذر موسى علية السلام قومه قائلاً ( لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبه هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرى بعد موتى )   وجمع شيوخ الأسباط من بنى إسرائيل لكي يشهدهم على ما قد يحدث منهم فقال
 ( لأني عارف أنكم بعد موتى تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر فى آخر الأيام لأنكم تعملون الشر إمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم )   وأوصاهم سيدنا موسى ان يعملوا بالتوراة فقال ( وجهوا قلوبكم الى جميع الكلمات التي إنا اشهد عليكم بها اليوم لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة لأنها ليست أمرا باطلا عليكم بل هي حياتكم) 
ثم تذكر التوراة بعد ذلك آن موسى عليه السلام صعد غالى الجبل ومات هناك ودفن وأكد بنى إسرائيل انه لم يقم فيهم نبي مثله ( وصعد موسى من عربات مؤاب إلى الجبل الذي قبالة اريحا .... فمات هناك موسى عبد الرب في ارض مؤاب حسب قول الرب ودفن في الجواء في ارض مؤاب.... ولم يقم بعد في بنى إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه )   وكان عمر سيدنا موسى حينئذ مائه وعشرون عاماً وكان هذا في عام 1406ق.م .
وبعد موسى عليه السلام يذكرون ان يشوع بن نون تمكن من دخول الأرض المقدسة( وبنى مذبحاً لله رب إسرائيل في جبل عبال )   ثم قالوا ( وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى التي كتبها أمام بني إسرائيل )   وأضافوا ( وجمع إسرائيل وشيوخهم والعرفاء وفتحوا جانب التابوت من هنا وهناك مقابل الكهنة حاملي تابوت عهد الرب )   ثم ( وبعد ذلك قرأ جميع كلام التوراة البركة واللعنه حسب كل ما كتب في سفر التوراة)   .
-    نفهم من ذلك أن التوراة كان بالإمكان قراءتها في وقت يسير لا يتعدى ساعات بدليل أنها كتبت على حجارة وقرئت على مسامع إسرائيل فيا ترى ماذا حدث لسفر التوراة الذي وضعه يشوع بعد قراءته مره أخرى في التابوت.








الفصل الخامس
 











لقد تبدل الحال ببني إسرائيل بعد رحيل موسى عليه السلام ، فبعدما كانوا أعزة بنبيهم موسى علية السلام وأفضل عالمي زمانهم وكان وجود نبي الله موسى عليه السلام بين ظهرانيهم رحمةً ووقاية لهم من الدمار رغم ما فعلوه وما قاموا به من عصيان وتمرد . فمن ينقذهم من بأس الله أن ضلوا عن سواء السبيل فلم يتمسكوا بالتوراة بل وارتكب الكهنة من الموبقات ما لم يخطر لأحد على بال مما تسبب في ضياع التوراة أكثر من مره فقالوا ( وفعل ينو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم وتركوا الرب اله آبائهم الذي أخرجهم من ارض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب فحمى غضب الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بأيدي عدوهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف إمام أعدائهم )   ومن ثم ضاعت التوراة التي في التابوت مع ضياعهم وهزيمتهم فقالوا ( فحارب الفلسطينيون وانكسر إسرائيل وكانت الضربة عظيمة جداً وسقط من إسرائيل ثلاثون ألف رجل واخذ تابوت الله )   فيا ترى ماذا فعل الأعداء بالتابوت فهل ابقوا عليه بما فيه أم ماذا ؟
وأراد الحق جل وعلا  أن  يأخذ بيد بنى إسرائيل فأرسل إليهم نبيه داوود عليه السلام ( وجاء جميع أسباط بنى إسرائيل إلى داوود وتكلموا قائلين هو ذا عظمك ولحمك نحن ومنذ أمس وما قبله حين كان شاؤل ملكاً عليه قد كنت تخرج وتدخل إسرائيل وقد قال لك الرب أنت ترعى شعب إسرائيل وأنت تكون رئيساً على إسرائيل)  ومن ثم أصبح داوود عليه السلام ملكاً على إسرائيل وعاشت إسرائيل في عهده أزهى عصورها فأسس مملكته عام 1095ق.م  وأول ما قام به هو فتح أورشليم ( وعلم داوود أن الرب قد أثبته ملكاً على إسرائيل وانه قد رفع ملكه من اجل شعبه إسرائيل )   ثم قالوا ( فقال الرب لداود اصعد لأني دفعاً ادفع الفلسطينيين ليدك )   .
ثانياً : داود عليه السلام والتابوت

وعن التابوت قالوا ان داوود عليه السلام بعد ما فتح أورشليم ( وقام داوود وذهب هو وجميع الشعب الذين معه ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالاسم اسم رب الجنود الجالس على الكرويم فاركب تابوت الله على عجلة جديدة )   إلا أنهم يذكرون شيئاً عجيباً إلا وهو ان الرب غضب على احد بنى إسرائيل حين مد يده ليلمس التابوت فمات فيقولون ( مد عزة يدة إلى تابوت الله وامسكه لأن الثيران انشمطت فحمى غضب الرب على عزة وضربه الله هناك فمات هناك لدى تابوت الله )   فإن كان الأمر كذلك فلما لم يقتل الرب الفلسطينيون حين اخذوا التابوت ؟
والأعجب من ذلك أنهم يذكرون أن داوود عليه السلام رفض ان يدخل التابوت مدينته فجربه في احد البيوت أولا  ( فإغتاظ داوود لأن الرب أقحم عزة إقحاماً.......وخاف داوود من الرب في ذلك اليوم وقال كيف يأتي إلى تابوت الرب ولم يشأ داوود أن ينقل تابوت الرب إليه إلى مدينة داوود فأمر به داوود إلى بيت عوبيد أدوم الحثى )   ثم يقولون حين علم داوود بأن عبيد لم يصبه شيئاً اخرج التابوت ليدخله المدينة ومن شدة فرحة رقص إمامه مما جعل إحدى النساء هاجمته ( فأخبر الملك داوود وقيل له قد بارك الرب بيت عوبيد أدوم وكل ما له بسبب تابوت الله فذهب داوود واصعد تابوت الله من بيت عوبيد أدوم إلى مدينة داوود بفرح ...وكان داوود يرقص بكل قوته إمام الرب ...أشرفت ميكال بنت شاؤل من الكوة ورأت الملك داوود يرقص إمام الرب فاحتقرته في قلبها )   .
- فيزعمون  ( فخرجت ميكال  لاستقبال داوود وقالت ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم حيث تكشف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشف احد السفهاء )    ويزعم ينو إسرائيل أن الرب جل وعلا طلب مطلباً غريباً وهو حاشاه لم يسترح منذ اصعد بنى إسرائيل من مصر فكان يسير إمامهم إما في سحاب وإما في عمود نار وأخيرا في خيمة فطلب أن يبنى له بيت ليستقر فيه .... فقالوا ( وفى تلك الليلة كان كلام الرب إلى ناثان قائلاً اذهب وقل لعبدي داوود "أأنت تبنى لي بيتاً لسكناي لأني لم اسكن في بيت منذ يوم أصعدت بنى إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم بل كنت اسبر في خيمة وفى مسكن ....ولكن رحمتي لا تنذع منه كما نزعتها من شاؤل الذي أنزلته من إمامك وبأمن بيتك ومملكتك الى الأبد أمامك)   إلا أن كتبة الإسفار زعموا أن داوود علية السلام اشترط على الرب أولا ( والآن أيها الرب الإله أقم إلى الأبد الكلام الذي تكلمت به عن عبدك وعن بيته وأفعل كما نطقت وليعظم اسمك إلى الأبد )    ولم يكتفوا بذلك بل ذكروا أن داوود عليه السلام ( كان في وقت المساء قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح إمرأه تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً فأرسل إليها فأخبروه أنها بثشبع بنت اليعام امرأة اوريا الحثى)    ثم جئ بها إليه فذكروا انه ضاجعها ( فأرسلت وأخبرت داوود وقالت انى حبلى ) فأصبح داوود في ورطة مما جعله يستدعى زوجها ( وقال داوود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك فاخبر داوود قائلا انه لم ينذل إلى بيته فقال له داوود أما جئت من السفر فلما لم تنزل الى بيتك فقال اوريا لداوود ان التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون فى الخيام  وسيدي بوأب وعبيد سيدى نازلون على وجة الصحراء وانا اتى الى بيتى لأكل واشرب واضطجع مع مراتى وحياتك وحياة نفسك لأفعل هذا الأمر وفى الصباح كتب داوود مكتوباً الى بؤاب وار سلة إلى بيد اوريا وكتب فى المكتوب يقول اجعلوا اوريا في وجة الحرب الشديدة وارجعوا من ورائة فيضرب ويموت ......فسقط بعض الشعب من عبيد داوود ومات اوريا الحثى أيضا ) 
نحن برأ الى الله مما ذكره بنو إسرائيل في حق الأنبياء ولكن نذكر ما ذكروه في كتبهم لنعلم ( فأي الفريقين أحق بالأمن )
 ونعود إلى التابوت فذكروا أن ابشالوم قام بمؤامرة على داوود عليه السلام مما دفعة للهروب ( فقال داوود لجميع عبيدة الذين معه فى أورشليم قوموا بنا نهرب لأنه ليس لنا نجاة من وجة ابشالوم ) فهربوا جميعاً ومعهم الكهنة المكلفون بحماية التابوت . ( وإذ بصادوق أيضاً وجميع اللاوين معه يحملون تابوت عهد الله فوضعوا تابوت عهد الله .... فقال الملك ارجعوا تابوت الله الى المدينة .. فأرجع صادوق وايماثار  تابوت الله الى اورشليم )  فلما لم يضعوا التابوت فى وجه العدو ليموت كما ذكروا من قبل أم أنهم لم يتمسكوا بما فيه من توراة أو أن التوراة ليست فية فضاعت بركتة ؟؟
ثم يذكر العهد القديم أن داوود علية السلام لحظة إنتقاله إلى جوار ربة نادى ابنه سليمان قائلا له ( أنا ذاهب في طريق الأرض كلها فتشدد وكن رجلا احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طريقة وتحفظ فرائضة ووصاياة واحكامة وشهاداتة كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت)   .
ثالثاً :  التابوت ونبي الله سليمان علية السلام
يذكر العهد القديم أن نبي الله سليمان أصبح ملكاً بعد أبيه في عام 1055ق.م وبعد الوصية السابقة كان ينبغي أن يذكروا أن نبي الله سليمان سار على نهج أبيه وهذا ما ذكره القرآن الكريم حين قال جل وعلا (  وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) النمل15 .  ولقد كان نبى الله سليمان علية السلام من الأنبياء العظماء حتى قال عنة الحق سبحانة ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص30  .   إلا أن بنى إسرائيل صوروا سيدنا سليمان بصور لا يقبلها عقل ولا منطق فقسموا حياته جزأين في بدايتها ذكروا تمسكة بالعهد والشريعة وفى أخرها ضل عن سواء السبيل حاشاة –
 قالوا ( وأحب سليمان الرب سائراً في فرائد داوود أبيه ) ثم يذكرون ان سليمان عليه السلام طلب من ربه جل وعلا ان يعطيه الحكمة قائلاً ( فأعطى عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأميز بين الخير والشر لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا )   وذكروا أن الرب جل وعلا استجاب لطلبه فقالوا ( فحسن الكلام في عيني الرب لأن سليمان سأل هذا الأمر .... هو ذا قد فعلت حسب كلامك هو ذا قد أعطيتك قلبا حكيما مميزا حتى انه لم يكن مثلك قبلك ولا يقم بعدك نظيرك وقد أعطيتك أيضاً ما لم تسأله غنا وكرامه حتى انه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك ) 
إلا أن القرآن الكريم في هذا الخصوص بين ان سليمان علية السلام هو الذي قال (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ص 35.  وقد كان،فأعطاه الله ملكاً لن يملكه احد من العالمين إلى يوم القيامة لا في زمانه فحسب كما يزعمون .
أما عن التابوت فذكروا ان سليمان علية السلام أراد أن يبنى بيتاً للرب لان أباه لم ينفذ وصية الرب  فقال ( أنت تعلم داوود أبى انه لم يستطع أن يبنى بيتا بإسم الرب الهه بسبب الحروب التى احاطت به .....وها انا ذا قابل على بناء بيت لاسم الرب الهى ....فبنى سليمان البيت واكمله وهيا محراب فى وسط البيت من الداخل ليضع هناك تابوت عهد الرب )   ويذكرون ان سليمان علية السلام ( جمع شيوخ اسرائيل وكل رؤوس الاسباط رؤساء الاباء من بنى اسرائيل فى اورشليم لإصعاد تابوت عهد الرب من مدينة داوود ....وحمل الكهنة التابوت واصعدوا تابوت الرب وخيمة الاجتماع ...وادخل الكهنة تابوت عهد الرب الى مكانة فى محراب البيت فى قدس الاقداس ) 
*ولكن ياترى ماذا بداخل التابوت الذى انتقل عشرات المرات من الفلسطينيين الى داوود عليه السلام ثم من اورشليم الى سليمان الى قدس الاقداس ؟؟؟
اذكرك عزيزى القارئ بانهم قالوا ( وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لاوى حاملى تابوت عهد الرب )   اما الآن ومع سليمان فاصر الكهنة والحاضرون على فتح التابوت لمعرفة ما بداخلة فقالوا ( لم يكن فى التابوت الا لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك )                                     فأين التوراة إذاً ؟؟
يذكرون ان الرب جل وعلا تجلى لسليمان علية السلام واوصاه بوصايا حكيمه إلا أنهم بعد هذه التجليات خاضوا فى عرض سليمان وذكروا انه لم يلتزم بما اوصاه به الرب ( ان الرب ترأى لسليمان ثانية كما ترأى له ....وقال له الرب وانت ان سلكت امامى كما سلك داوود ابوك بسلامة قلب واستقامة وعملت حسب كل ما اوصيتك وحفظت فرائضى واحكامى اقيم كرسى ملكك على اسرائيل الى الابد ....ان كنتم تقلبون انتم وابنائكم من ورائى ولا تحفظون وصاياي وفرائضى التى جعلتها امامكم بل تسجدون وتعبدون الهة اخرى وتسجدون لها فإنى اقطع اسرائيل عن وجه الارض )   ألا ينبغى بعد هذا التحزير الشديد ان يتمسك سليمان عليه السلام وشعبه بأوامر الرب جل وعلا ؟؟
نحن المسلمين نؤمن بأن نبى الله سليمان عليه السلام تمسك بكل ما أمره به الله عز وجل الا انهم قالوا ( واحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موأبيات وعمونيات وصيدونيات وادوميات وحيثيات من الامم الذين قال عنهم الرب لبنى اسرائيل لا تدخلون اليهم وهم لا يدخلون اليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم ...فأمالت نساؤه قلبة وكان فى زمان شيخوخة سليمان ان نساؤه أملن قلبة وراء آلهة اخرى ولم يكن قلبة كاملاً مع الرب الهه كقلب داوود ابيه ...وعمل سليمان الشر فى عينى الرب ولم يتبع الرب تماماً كداوود ابيه )   فذعموا قاتلهم الله ان الله سبحانه وتعالى غضب على سليمان (فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب اله اسرائيل الذى ترأى له مرتين )   ثم زعموا أن هذا الغضب جلب على سليمان أن مزقت مملكته بعده ولم يكن لها بقاء.
 ( فقال الرب لسليمان من اجل ان ذلك عندك ولم تحفظ عهدى وفرائضى التى اوصيتك بها فإنى امزق المملكة عنك تمزيقاً )   فهولاء هم بنو اسرائيل كالجار السوء ان وجد حسنة اخفاها وان وجد سيئة افشاها وهم كما يقول القائل ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى فهل يعقل ان نبى الله سليمان هو الذى جلب عليهم الشر والهلاك ؟؟ ام انهم هم المفسدون وجلبوا على انفسهم ما يستحقون ..فهم يذكرونى بقول القائل : ( جنت على نفسها براقش ) فهم بهذا اسائوا لأنبيائهم ولم يحفظوا عهد الله جل وعلا وبائوا بخسران مبين اما الانبياء فقد انزل الحق جل وعلا القرآن الكريم وصحح فية ما افسده بنى اسرائيل وطهر الانبياء مما يقوله ابناء القردة والخنازير وصدق الحق حين قال ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) النمل 59.
رابعاً : بنو اسرائيل بعد سليمان عليه السلام
  وبعد سليمان عليه السلام  تولى ابنه رحبعام وانقسمت المملكة فى عهده إلى قسمين :-
1-    مملكة اسرائيل فى الشمال وعاصمتها السامرة
2-    مملكة يهوذا فى الجنوب وعاصمتها اورشليم
وبم ان بنى اسرائيل لم يحفظوا عهد الرب ولا وصاياه فنحاهم الرب عن وجه الأرض ( وكان أن بنى إسرائيل اخطاوا الى الرب الههم ....وعمل بنو اسرائيل سراً ضد الرب الههم امور ليست بمستقيمة .....وعملوا اموراً قبيحة لإغاظة الرب وعبدوا الاصنام التى قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الامر ...واشهد الرب على اسرائيل وعلى يهوذا عن يدى جميع الانبياء وكل راء قائلا ارجعوا عن طرقكم الرزيلة واحفظوا وصاياي وفرائضى حسب كل الشريعة التى اوصيت بها ابائكم والتى ارسلتها اليكم عن يدى عبيدى الانبياء فلم يسمعوا بل صلبوا اقفيتهم كأقفية ابائهم الذين لم يؤمنوا بالرب الههم ورفضوا فرائضه وعهدة الذى قطعة مع ابائهم )   وهذا العناد والطغيان له ما بعدة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) فقالوا ( حتى نحى الرب إسرائيل من أمامهم ، فسبى إسرائيل من أرضه إلى آشور ... واتى ملك آشور بقوه من بابل فامتلكوا السامرة وسكنوا فى مدنها)   فأين الأحبار والكهنة بل وأين التوراة التى اخذ الحق جل وعلا وموسى عليه السلام العهد عليهم ان يعملوا بها ؟؟
وصدق الحق حين قال(لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ           )  المائدة 63.
ومن الأنبياء الذين ظهروا في هذه الفترة وبذلوا جهودا للأخذ بأيدي بني إسرائيل من مستنقع الرذيلة والمعصية هو نبي الله اشعياء الذي حاول أن يخرج قومه من الظلمات إلي النور ولكن بني إسرائيل فضلوا الظلمات على النور حتي وصفهم بأنهم أجهل من الدواب فقال "الثور يعرف قانية والحمار معلف صاحبه إما إسرائيل فلا يعرف شعبي لا يفهم ويل للامه الخاطئه الشعب الثقيل الآثم نسل  فاعلي الشر أولاد مفسدين تركوا الرب.)
وفي هذا يقول صاحب قصة الحضارة :-
(أصبح اليهود كغيرهم من الشعوب فقد كانوا يخافون شياطين الهواء ويعبدون الصخور والماشية والضان ولم يتخلوا قط عن عبادة العجل وكان اليهود يعبدون الأفعى النحاسية إلي أيام حزقيا ) وفي هذا يذكر العهد القديم
 (عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود أبوه هو أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حية النحاس التي عملها موسي لأن بني إسرائيل كانوا إلي تلك الأيام يوقدون لها وكانوا يعظمون بعل الذي يرمز إليه حجارة مخروطية لأنه كان كثير الشبه بالنجا إله الهندوس).
مما استوجب عليهم الضياع إلي الأبد (  وصعد سلمنا سر ملك أشور على السامرة وحاصرها وأخذوها في نهاية ثلاث سنين...أخذت السامرة وسبي ملك أشور إسرائيل إلي أشور..لأنهم لم يسمعوا لصوت الرب إلههم بل تجاوزوا عهده وكل ما أمر به موسي عبد الرب فلم يسمعوا ولم يعملوا )   فأين كانت التوراة ؟ وبعد ما ضيعوا الأمانة ولم يحفظوا فرائض الرب جل وعلا . سلط الحق سبحانه وتعالي عليهم أعداءهم.
أما مملكة يهوذا فتعرضت إلي غزوات عديدة :- 1- تحداها الأشوريون عام 677ق.م وتغلبوا عليها وأسروا ملكها منسي  فقالوا  ( أضلهم منسي ليعملوا ما هو أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل )   وتكلم الرب عن يد عبيده الاتبياء آته من اجل منسي  ملك اليهود قد عمل هذه الارجاس  .... قال الرب اله إسرائيل هاأنذا جالب شرا علي أورشليم  ويهوذا  حتى أته كل من يسمع به أذناه     فقتل منسي و خلقه ابنه ولم يكن أحسن حظا من والده فقد فعل ماهو أقبح منه  حني قتل  وتولي ابنه يوشيا .     
خامساً : يوشيا والتابوت
 وظل الأمر كذلك من تخلف بنى إسرائيل وعبادتهم للأصنام حتى ملكهم يوشيا وفى بداية عهده لاحظ الكهنة انه إذا ظل بنى إسرائيل في هذا الضلال وكل على شاكلته يعبد ما يراه فقد يذهب هذا الشعب في اختلاطه الشعوب الأخرى في المأكل والمشرب والزواج وهذا الاندماج قد يؤدى بهم إلى النهاية ومن ثم رأوا انه لا مخرج من هذا إلا تجميع بنى إسرائيل والتجديد عليهم فلم يروا إلا الدين ليدخلوا من خلاله ( فلقد كان الدين عند اليهود مصدر شريعتهم ودولتهم وآمالهم وكانوا يظنون أنهم إذا رضو أن يذوب هذا الدين في غيرهم من الشعوب كان هذا بمثابة انتحار لقوميتهم ومن ثم نشأت تلك البغضاء بين اليهود وغير اليهود التي جعلت تلك الأمة الصغيرة تقضي حياتها كلها في نزاع عنصري واضطراب سياسي وحروب متصلة)
( وكان الدين قائماً من خلال الكهنة وما قاموا به من شرح وتفسير مختلف القوانين اليهودية المنقولة بطريق السماع ويضيفون إليها قصصاً وعظات من عند أنفسهم وبقيت هذه التفاسير يتناقلها العلماء الحفاظ المحترفون جيلاً بعد جيل فكانوا  هم النصوص الحية لشريعة موسي عليه السلام) 
فبعد الشرور التي حلت ببني إسرائيل وضياع السامرة ثم الشرور التي حلت بأورشليم شعر الكهنة أن الشريعة أصبحت هي الرابطة القوية التي لا غني عنها لتؤلف بين اليهود المشتتين الذين لا تؤلف بهم دولة حينئذ . واخذ الكهنة يتساءلون إلم بأن لهم أن يقفوا وقفة واحدة قوية يمنعون بها تدهور العقيدة القومية . ثم رأي الكهنة أن الأنبياء يعزون إلي يهوه ما يدور في صدورهم من عواطف يؤمنون بها ويعتقدونها فاعتزموا أن يبلغوا الناس رسالة من الله نفسه في صورة سنن إلهية تبعث على النشاط والقوة في حياة الأمة الخلقية ويضمنون بها معونة الأنبياء وذلك بما تضمنه من أراهم القليلة التطرف.
وسرعان ما ضموا إلي جانبهم الملك يوشيا فلما كانت السنة الثامنة عشر من حكمه أبلغ الكاهن حلقيا الملك أنه وجد في سجلات الهيكل ملفاً عجيباً قضي فيه موسي بنفسه جميع المشكلات التاريخية والخلقية التي كانت مثار الجدل العنيف بين الأنبياء والكهنة ( فقال حلقيا الكاهن العظيم لشافان الكاتب :- قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب وسلم حلقيا السفر لشافان فقرأه) .... فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه ......وأمرهم أن يذهبوا إلي (خلدة النبيه) ليسألوها عن مدي صحة هذه الشريعة فذهب حلقيا الكاهن واصفان وعكور وشافان وعسابا إلي خلدة النبيه)   فطمأنت الرسل والملك بأن هذا السفر حقيقي ومن ثم ( صعد الملك إلي بيت الرب وجميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم معه والكهنة والأنبياء وكل الشعب من الصغير إلي الكبير وقرأ في آذانهم كل كلام سفر الشريعة الذي وجد في بيت الرب وقطع عهداً أمام الرب للذهاب وراء الرب ويحفظ وصاباه وشهاداته وفرائضة بكل القلب وكل النفس لإقامة كلام هذا العهد المكتوب في هذا السفر )   ولذلك اثنوا على يوشيا فقالوا"ولم يكن قبله ملك مثله قد رجع إلي الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل شيء بعد موسي وبعده لم يقم مثله"   فهذا الثناء على يوشيا يجعلنا نشعر بريبه فهل يوشيا أفضل من سليمان عليه السلام وأبية داوود .
أما لأنه نفذ ما خططه الكهنة وما أرادوه ومن ثم اثنوا عليه كل هذا الثناء ودليل ذلك أن بنى إسرائيل ومعهم يوشيا لم يلتزموا بسفر الشريعة الذي زعموا أنهم عثروا علية لأنهم اعلم الناس بحقيقية لأن العهد القديم ذكر بعد ذلك ( أن الرب لم يرجع عن حمو غضبه ودمر أورشليم واحتلت وقتل يوشيا "ولكن الرب لم يرجع عن حمو غضبه فقال الرب إنه نزع يهوذا أيضاً من أمامي كما نزعت إسرائيل )   فسلط الرب عليها (نخاو) فرعون مصر وغلب جيش يهوذا وقتل الملك يوشيا عام 610ق.م
أتدري عزيزي القاري المدة التي بين موسي عليه السلام وشريعته التي عهد بها إلي بني لاوي وبين الشريعة التي عُثر عليها في عهد يوشيا هي من 1406ق.م إلي 610 ق.م اى ما يقرب من ثمانمائة عام وقد رأيت عزيزي القاري ما حدث لبني إسرائيل طوال هذه الفترة من اضطراب وتشريد وقتل واحتلال ..الخ ثم يزعمون إنها هي نفس شريعة موسي عليه السلام .
وكانت الأسفار التي تليت على الشعب بأمر يوشيا هي التي صيغت منها القوانين الموسوية التي قامت عليها الحياة اليهودية كلها فيما بعد وعنها يقول رينان "قد صارت تلك الشريعة أحسن رداء شد على جسم الحياة الإنسانية فقد جعلت الطعام والشراب والدواء والشئون الصحية الفردية والشئون الصحية العامة وشئون الحيض والولادة والانحراف الجنسي كل هذه جعلها من الفروض والهداية ألإلهيه"
سادساً:- عزرا الكاهن وسفر الشريعة
بعد ما سبق من معاناة وتشريد لبنى إسرائيل  أراد الحق جل وعلا أن يمنحهم فرصة جديدة لعلهم يفيقون من غيهم تذكرنا بقول الحق جل وعلا على لسان نبيه موسي عليه السلام لبني إسرائيل (عسي ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفنكم في الأرض فينظر كيف تعملون)الأعراف 129 ومن هنا فتح الله جل وعلا لهم باباً جديداُ لعلهم يرجعون إلي الصواب ومن باب(عفا الله عما سلف) ومع أن الله جل وعلا حذرهم قائلاً (ومن عاد فينتقم الله منه)إلا إنهم أبوا إلا أن يعملوا الشر والفساد فماذا حدث؟
في عام 536 ق.م منَ الحق جل وعلا على بني إسرائيل فأعادهم إلي أورشليم على يد كورش الفارسي وفي هذا يقول العهد القديم  ( وهكذا قال كورش ملك فارس جميع ممالك الأرض دفعها إلي الرب إله السماء وهو  أوصاني أن ابني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلي أورشليم التي في يهوذا )   ثم يذكر ون  إنه "اجتمع الشعب كرجل واحد إلي أورشليم " ومن هؤلاء الكاهن عزرا الذي ذكر العهد القديم إن نسبه يرجع إلي سيدنا هارون عليه السلام ( عزرا بن سرايا بن عزرا بن حلقيا....بن فنحاص  بن اليعازرا بن هارون الكاهن الرأس )   ويذكر العهد القديم  أن عزرا كان ماهراً في كتابة الشريعة أيام السبي في بابل ونفهم من هذا انه لم يحافظ على سفر الشريعة التي تركها موسي عليه السلام فقالوا (عزرا هذا صعد من بابل وهو كاتب ماهر في شريعة موسي التي أعطاها الرب إله إسرائيل .... وفي أول الشهر الخامس جاء إلي أورشليم حسب يد الله الصالحة عليه لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها )   إذن هو كتب وأضاف للشريعة ولم يبقى عليها كما هي. المهم أصدر الملك مرسوماً إلي عزرا الكاهن وأكد فيه أن عزرا كاتب للشريعة ولم يقل المحافظ على الشريعة كما هي (من ارنخشثننا ملك الملوك إلي عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء الكامل إلي آخرة أما أنت يا عزرا فحسب حكمه إلهك التي بيدك ضع حكاماً وقضاة  يقضون لجميع الشعب الذي في عبر النهر من جميع من يعرف شرائع إلهك والذين لا يعرفون فعلموهم وكل من لا يعمل شريعة إلهك وشريع الملك فليقضي علية عاجلاً أما بالموت أو بالنفي أو بغرامة المال أو بالحبس ) 
أما عن الشريعة فيذكرون أن عزرا أتي بسفر الشريعة وما أشبه الليلة بالبارحة فبالأمس البعيد قام يوشيا عندما زعم الكاهن حلقيا أنه عثر على سفر الشريعة في الهيكل واليوم يزعم عزرا أن معه سفر الشريعة؟؟ كيف أتى بها ولم يذكر العهد القديم  نبأ عن هذا السفر من أيام يوشيا من عام 622ق.م  وحتى444 ق.م وهذه المدة تعرضوا فيها للدمار فمع من كان هذا السفر وقد حدث هذا   بعد موسي عليه السلام بحوالي تسعمائة وستون عاماً تقريباً فقد قام نبوخذ نصر باحتلالها في عام 606 ق.م  ( وفي ذلك الزمان صعد عبيد نبوخذ نصر  ملك بابل إلي أورشليم فدخلت المدينة تحت الحصار فقاومت المدينة فتغلب عليها حتى دفعت له الجزية  )
 فأعاد الكرة عليها عام 599 ق.م.فسبى من شعبها  عشرة آلاف أسير من اشهر أغنيائها وإشرافها وكنوز الهيكل ( وسبى كل أورشليم وكل الرؤسا وجميع جبابرة البأس 10 آلاف مسبى وجميع الصناع والأعيان لم يبقى أحدا إلا مساكين الأرض . وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت الكهنة ولم ينجي أحد من النار وجميع أسوار أورشليم قد تم تدميرها )   في عام 588ق.م إذن فأين التوراة وأين سفر الشريعة في ظل هذا التدمير الذي لم يبقى شيئاً ؟  أم أن عزرا كتبه وزعم  أنه سفر الشريعة والعجيب أنهم يذكرون (  اجتمع كل الشعب كرجل واحد إلي الساحة التي أمام باب الماء وقالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسي التي أمر بها الرب إسرائيل فأتى عزرا الكاهن بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء وكل فاهم ما سمع  وقرأ فيها أمام الساحة التي أمام باب الماء من الصباح إلي نصف النهار   وظننا  أن الأمر إلي هذا الحد أي إنها قرأت في نصف يوم فكان هذا طبيعي لأن السفر في ايام يوشيا قرئ مرتين كاملتين في يوم واحد ولكن سفر الشريعة  الذي أتي به عزرا قالوا إنه قرأ فيها من الصباح إلي نصف النهار ولم يقولوا قرأها من الصباح إلي نصف النهار وإذا بها أكبر من ذلك بكثير بدليل إنهم أكدوا على ذلك فيما بعد فيقول العهد القديم "وكان يقرأ في سفر شريعة الله يوماً بيوم فيقرأ من اليوم الأول إلي اليوم الآخر وعملوا عيداًً سبعة أيام"   
أذكرك عزيزي القاري أنهم قالو من قبل  أن يشوع بن نون كتب التوراة علي حجاره0(وكتب هناك علي الحجارة نسخة توراة موسي التي كتبها إمام إسرائيل )    فهل ما كتب علي حجارة  يقرا فسبعة أيام ؟
وحين فرغوا من قرأة سفر الشريعة بعد هذه الأيام المتوالية أقسم الكهنة والزعماء والشعب على أن يضعوا هذه الشرائع موضع الجد ويتخذونها دستوراً لهم إلي ابد الأبديين وعلى ما سبق يعلق صاحب قصة الحضارة قائلاً: بالطبع لم يكن كتاب الكاهن عزرا هو بعينه كتاب العهد الذي قراه الملك يوشيا من قبل على الشعب مرتين كاملتين في يوم واحد على حين أن قرأة كتاب عزرا استغرق سبعة أيام متوالية لينتهو منه ولذا تري ماذا كان كتاب شريعة موسي الذي قراه عزرا يقولون أن الكتاب كان من ضمن ما يحتوي الإسفار الخمسة التي يسميها اليهود(تورة) والتي تعني الهدي والإرشاد ويقول كيف كتبت هذه الإسفار ومتي كتبت؟وأين كتبت ثم يعلق صاحب قصة الحضارة على هذه الأسئلة قائلاً :- هذا السؤال لا ضير منه إلا أنه سؤال كتب فيه خمسون الف مجلد  .
مما سبق يتضح لنا أن الكهنة بذلوا جهداً خارقاً للحفاظ على الشعب وعلى الدين ولكنهم أضافوا إليها كثيرا والمشكلة أنهم نسبوا هذا السفر والدين لسيدنا موسي عليه السلام وإن كانت هناك بعض النصوص في الإسفار  الخمسة الأولي بها شي من الحقيقة وهي بقايا توراة أصيلة إلا أن هناك العديد من النصوص الواضحة للعيان لا تخص سيدنا موسي عليه السلام بصلة  ويؤكد ذلك أن العهد القديم  الذي استغرقت كتابته ألف عام لا يمكن أن يكون جمعيه من عند الله ولا من عند موسي عليه السلام وحتي نوضح ذلك نلقي نظرة سريعة على بعض الأسفار في العهد القديم لتري هل هي من عند الله أ م من عند الكهنة ؟
سابعاً  : الأسفار الخمسة الأولي
بدا العهد القديم بخمسة أسفار هي سفر التكوين والخروج واللاوين والعدد التثنية.  ويعتقد اليهود أن هذه الأسفار هي التوراة التي أنزلت على سيدنا موسي عليه السلام وإنها هي التي كتبها بيده وسلمها لبني لاوي حاملي تابوت عهد الرب إلا أن هناك بعض المآخذ التي تجعلنا لا نثق بأنها هي التوراة التي انزلها الحق جل وعلا علي سيدنا موسي عليه السلام وهي :-
1-    يقول صاحب كتاب الحضارة:-
إن العلماء مجمعون على أن أقدم ما كتب من أسفار التوراة هو سفر التكوين بما يحتويه من قصص منذ بدء الخلق ثم الغواية والطوفان إلي إبراهيم عليه السلام ثم يعقوب وبنيه ودخولهم مصر ثم سفر الخروج الذي تناول وجود بني إسرائيل في مصر حتي خروجهم منها.وفي هذه الشرائع عنصر ثالث يعرف بالثنية اكبر الظن أن كاتبه غير كاتب الأسفار السابقة وثمة عنصر رابع يتألف من فصول أضافها الكهنة فيما بعد والرأي الغالب أن هذه الفصول تكون الجزء الأكبر من سفر الشريعة الذي أذاعه عزرا ويبدو أن هذه الأجزاء الأربعة قد اتخذت صورتها الحاضرة عام 300 ق.م وكانت أساطير الجزيرة هي المعين الغزير الذي أخذت منه قصص الخلق والغوا يه والطوفان ولعل اليهود قد اخذوا بعضها من الأدب البابلي أثناء آسرهم.
2- حين تطالع النصوص في العهد القديم نجدها أخذت شكل القصة بمعني أن راويها لا يمكن أن يكون سيدنا موسي عليه السلام بل شخص آخر روي عنه وهناك العشرات  من النصوص التي تبدأ"وكلم الرب موسي قائلاً.... فلو كان موسي عليه السلام هو كاتب هذه الأسفار لقال"كلمني الرب قائلاً...."ولكنها لم ترد في الأسفار كلها ولا مرة واحدة.
- ثم لو كان موسي عليه السلام هو كاتب الأسفار لما قالوا "وكتب موسي التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي  تابوت عهد الرب فكان ينبغي أن يقول: وكتبت التوراة وسلمتها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب"ولكن لم يقل العهد القديم ذلك إذن فكاتبها شخص آخر غير سيدنا موسي عليه السلام.
- ولو أن موسي عليه السلام هو كاتب الأسفار كيف نتجت عن دعوته بهذه الطريقة التي خالفها في العهد القديم وهي :- "وصعد موسي من عربات مؤاب  حسب قول الرب ...فمات هناك موسي عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض مؤأب  فكان الأولي أن يقال"سأصعد من عربات مؤاب .........وسأموت هناك وسأدفن في الجواء...."
أو يقال"وصعدت من عربات مؤاب........ومت في أرض مؤأب ودفنت في أرض الجواء ..." ولكن هذا لم يكتب مما يدل على أن الكاتب آخر غير موسي عليه السلام.
     يقولون في العهد القديم "ولم يقم بعد في بني إسرائيل مثل موسي الذي عرفه الرب وجهاً لوجه"  فإن كان موسي هو القائل لهذه العبارة لقال"ولن يقم بعد في إسرائيل مثلي لأني عرفت الرب وجهاً لوجهه"ولكن العبارة المذكورة تدل على أن كاتبها قرأ عن موسي عليه السلام وعن الأنبياء الذين جاءوا من بعد ورأي الفارق مما جعله يجزم إنه لم يقم بعد في إسرائيل نبي مثل موسي عليه السلام.
     ثم لو ان موسي عليه السلام هو كاتب هذه الأسفار لماذا تجاهل ذكر الجنة والنار الذين أعدهما الحق جل وعلا للحساب في اليوم الآخر ليجازي المحسن بإحسانه ويعاقب المسئ فهل ينسي نبي الله موسي أمراً هاماً كهذا ؟ أما كيف ينسى بنوا إسرائيل الحساب ؟ فإنما يدل ذلك  على أن كاتبوا هذه الأسفار أناس لم يذكروا الحساب واليوم الآخر والنار التي أعدها الله جل وعلا لمن خالفه وعصاه لان اغلب الظن  أنهم من أهلها لأنهم كثيراً ما عبدوا إلهة صماء وحرقوا ودمروا كما أن كاتبوا هذه الأسفار تجاهلوا ذكر الجنة التي أعدها الله جل وعلا يوم القيامة لعباده الصالحين لإيمانهم بأنهم لم يعملوا لها  وانهم ليسوا من أهلها ولذلك لم يذكروا شيئاً عن يوم القيامة والحساب والجنة والنار . فلو كان موسي عليه السلام هو كاتب هذه الأسفار لكتب في أكثر من موضع أن هناك جنة أعدها الله جل وعلا لمن صبر وغفر وأن هناك ناراً أعدها الله لمن أبي واستكبر والعجب أن العهد القديم ذكر أن النبي دانيال وهو الذي جاء بعد موسي عليه السلام بمئات السنين بين ان هناك حياة أبدية بعد هذه الحياة الدنيا ويجازي فيها الحق المحسن ويعاقب فيها المسيء فيقول"وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون. هؤلاء إلي الحياة الأبدية  وهؤلاء إلي النار للازدراء الأبدي والفاهمون يضيئون كضياء الجلد   فهل  نبي الله دانيال أكثر معرفة من نبي الله موسي عليه السلام الذي لم يقم نبي مثله في بنى إسرائيل ؟ أم أن كتاب الأسفار الأولي تجاهلوا ذكر الجنة والنار بينما ذكرها كاتبوا سفر دانيال؟
     ثم لو أن نبي الله موسي عليه السلام هو كاتب الأسفار لما تخاطب مع الحق جل وعلا بالطريقة المكتوبة في العهد القديم  فهل يعقل أن يقول موسي للرب جل وعلا "ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك   أو أن يقول موسي عليه السلام لله جل وعلا"ولأن إن غفرت خطيئتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت"   فهل يجوز ذلك في حق الأنبياء الذين صنعهم الله جل وعلا على عينه وجعلهم خلفاءه في الأرض وأمناء على رسالاته جل وعلا وهم يعرفون قدر الحق جل وعلا فمن يجرؤ  على مخاطبة الحق جل وعلا بهذه الطريقة العجيبة المذكورة في العهد القديم . وإنما تدل هذه العبارات أنها ذكرت من قوم يعانون ذل الاستعباد فأرادوا أن يكتبوا عبارات لأبنائهم تشعرهم بأن أجدادهم كانوا على درجه عالية من الكرامة(المزعومة) حتي أن أنبيائهم كان يجابهون الرب ويخاطبونه بكل قوة وشدة والدليل على ذلك أنهم بين الحين والآخر يذكرون إنهم شعب له مواقف صلبة وليس من السهل ترويضه والسيطرة عليه فيقولون"وقال الرب لموسي :- رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة" 
     ولو أن موسي عليه السلام هو كاتب الأسفار لما ذكر موسي عليه السلام أوصافا لله جل وعلا لا تليق بجلاله سبحانه فإنه لا يعقل أن يصف موسي عليه السلام ربه جل وعلا " وفرح الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل"   و موسي عليه السلام يعلم تمام العلم بأن الله جل وعلا" لا تأخذه سنة ولا نوم"البقرة 255 ويعلم بان الرب جل وعلا "ولقد خلقنا السموات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب"ق/38
     ويذكر العهد القديم  أن إبراهيم عليه السلام استطاع أن يقنع الرب بالحيلة  حني لا يهلك أهل سدوم فقالوا"فتقدم إبراهيم وقال أتهلك البار مع الأثيم عسي أن يكون خمسون باراً في المدينه....."   فقال الرب إن وجدت  في سدوم خمسون باراً في المدينة فإني أصفح عن المكان كله من اجلهم"   وهنا يؤكد العهد القديم  أن إبراهيم  عليه السلام  استطاع أن يعرف كيف يقنع ربه جل وعلا  فقال لو كانوا خمسة وأربعون ثم خمسة وثلاثون وهكذا حتي وصل إلي عشرة"فقال لا يسخط المولي فأكلم هذه المرة فقط .عسي أن يوجد هناك عشرة فقال لا أهلك من أجل العشرة وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم"   فإنما يدل على ذلك على أن كاتب هذه الأسفار شخص آخر غير موسي عليه السلام وإنما كتبها قوم أرادوا أن يزرعوا في نفوس أبناءهم كيف يتحايلون حتي يصلوا إلي ما يريدون وهذا ما يقوم به ينو ا إسرائيل في كل زمان ومكان فهم لا يملون من الحوار و بخاصة إذا كانوا في حالة ضعف المهم أن يصلوا إلي مرادهم بأي وسيلة.
     وثمة دليل آخر على أن موسي عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار هو ما ذكره العهد القديم  عن الحرب مع أهل مدين تحت عنوان "الانتقام من المديانيين"من المعروف أن أهل مدين هم الذين أؤو سيدنا موسي عليه السلام بعد هروبه من مصر بل وتزوج من ابنة النبي شعيب عليه السلام وأنجب هناك أبناءه وعاش مع أهلها مدة طويلة إلي أن كرمه الله جل وعلا بالرسالة فما واجب موسي عليه السلام نحوهم.كنا نتصور أنه على الأقل أن يعاملهم بالتي هي أحسن مقابل عطفهم عليه وإكرامهم له عليه السلام إلا أننا فوجئنا بما لا يخطر لأحد على بال فقالوا في العهد القديم  أن نبي الله موسي عليه السلام أرسل اثنا عشر ألف مع فينحاص بن اليعازر الكاهن لإبادة المديانيين والعجيب أنهم يقولون أن ذلك بناءاً على أمر الرب جل وعلا فيقولون وكلم الرب موسي قائلاً انتقم نقمة بني إسرائيل من المديانيين ثم انضم إلي قومك فكلم موسي الشعب قائلاً جردوا منكم رجالاً للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان ألف واحد من كل سبط /   ثم أمرهم موسي عليه السلام" فتجندوا على مديان كما أمر الرب واقتلوا كل ذكر  وملوك مديان اقتلوهم فوق قتلاهم...    وسبي بنوا إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار   رغم كل ذلك يذكر العهد القديم  ما هو أعجب وأغرب فيذكر أن سيدنا موسي غضب وسخط على قادة الجيش تدري لماذا؟لعلك مثلي عزيزي القارئ تقول أن موسي غضب لما حدث لأصهاره من حرق وسبى .كنت أظن ذلك  إلا اننى فوجئت بما ياتى فسخط موسي على وكلاء الجيش..فقال لهم موسي هل أبقيتم أبقيتم كل أنثى حيه ..   فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل إمراة عرفت رجلاً بمضاجعه ذكر اقتلوها "   من المستحيل أن تصدر هذه الأقوال من نبي الله موسي عليه السلام لأن أهل الفضل هم أولي الناس بالعقل والعفو والصفح وإنما يدل هذا النص على أن كاتبوا هذه الأسفار إنما أرادوا أن يبثوا القوة والغلظة في قلوب أبناءهم المستعبدين لأهل بابل حني إذا تحرروا يوماً ما  لا يرقبون في  أي شخص عهدا ولا قرابة وحتي يجعلوا هذه مبادى لها قدسيتها ذكروها في العهد القديم  ونسبوها إلي نبي الله موسي عليه السلام.
      وهناك العديد من النصوص في الأسفار الخمسة  الأولى  في العهد القديم  والتي تؤكد على أن كاتبها شخص أخر غير موسي عليه السلام وكل ما حدث هو أن الكهنة بمساعدة الأنبياء استطاعوا ذكر بعض النصوص الصريحة من التوراة وسجلوها ثم أضافوا إليها ما يوافق عصورهم وأزمانهم وطبائعهم والدليل على ذلك هو عدم اتفاق كل بنى إسرائيل على العهد القديم  فبعضهم يؤمن بالأسفار الخمسة فقط  وبعضهم يؤمن بالأسفار الخمسة وما يليها من أسفار  وبعضهم يؤمن ببعض الأسفار  ويرفض البعض الآخر . فإذا كان موسي عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار بيده وان الأسفار التي كتبها موسي عليه السلام يبدو إنها حرفت او ضاعت مع السبي والتشتت والدمار الذي حل بهم أكثر من مرة فمن باب أولي أن موسي عليه السلام لم يكتب  الأسفار التالية للأسفار الخمسة إذن فماذا كان سفر الشريعة موسي عليه السلام الذي أذاعه عزرا على الشعب ؟
ثامناً : ما بعد ا لأسفار الخمسة الأولى
     أصبح من الواضح أن الكهنة هم الذين كتبوا هذه الأسفار  إثناء السبي وبعده  لأنهم رأوا أن أبنائهم شرعوا في عبادة الهة البابلين وتأليف الأساليب الشهوانية  الشائعة في العاصمة القديمة والأسوأ من ذلك رأي الكهنة أن الجيل الثاني من أبناء المنفيين إلي بابل كانت ذكر أورشليم فقد محيت أو كادت تمحي من أذهانهم فشرعوا في كتابة هذه الأسفار متأثرين بالقصص الفارسية والبابلية ويؤكد ذلك صاحب قصة الحضارة فيقول:-
     ربما كانت أسفار القضاة وصموئيل الثاني والملوك الأول والملوك الثاني قد وضعت على عجل كما يعتقد بعض العلماء أثناء السي أو بعده بقليل ليجمع فيها واضعوها التقاليد لشعب مشتت كسير ويحتفظ بها على مدي القرون. 
     والدليل على ذلك أن بهذه الأسفار مبادي عجيبة لا تنم إلا عن شعب ذو طبيعة سيئة فقد ذكروا في هذه الأسفار أوصافاً  غريبة للأنبياء الأولين الذين جاءوا بعد موسي عليه السلام بأن منهم المزواج مثل سليمان عليه السلام فيقولون"وأحب سليمان نساء كثيرات مع بنت فرعون مؤابيات و عمو نيات و صيدونيات وحيثيات 
     وعن المزامير يقول صاحب قصة الحضارة:-
وبدأ الأدب الشعري بنشيد موسي في سفر الخروج ويبلغ ذروته في المزامير واكبر الظن ان المزامير ليست كلها من وضع داود وحده بل من وضع طائفة من الشعراء  كتبوها بعد الأسر بزمن طويل.
وهذا صحيح لأنك لو اطلعت على المزامير الموجودة في العهد القديم  نجد بها نصوص راقية نشعر  أنها من أقوال النبي داود عليه السلام مثل:-" باركي يا نفس الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس باركي يا نفس الرب ولا تنسي كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك  الذي يكلك بالرحمة والرأفة ...." 
ومثل قوله عليه السلام"بك يارب احتميت فلا أخزي إلي الدهر . بعدلك نجني وأنقذني...."   ويقول أيضاً"اهتفي بالله يا كل الأرض رنموا بمجد اسمه اجعلوا تسبيحه ممجداً قولوا لله ما أهيب أعمالك.."
أنقذنىمن أعدائي يا إلهي من م،1قاومي احمني نجني من فاعلي الإثم ومن رجال الدمار خلصني.
وكثيرا من هذه المزامير الرقيقة التي تشعر إنها تفيض رحمة ورأفة وتضرع إلي الله ولكن تقرا بعض المزامير لا تشعر فيها بهذا التضرع ولا هذه الخشية مما يشعرنا بأنها حقاً ليست من وضع  نبي الله داود عليه السلام مثل:-
"الله قائم في مجمع الله في وسط الألهة يقضي"ولقولهم "فاستيقظ الرب كنائم كجبار  من الحشر فضرب أعداءه إلي الوراء .
ويقولون ايضاً "وأنا بليد ولا أعرف صرت كبهيم  عندك  .
ولقولهم "قال الرب لي اجلس عن يميني حني أضع أعداءك موطئاً لقدميك
وعن سفر نشيد الإنشاد يقول صاحب قصة  الحضارة:-
     وإذا ما وضعنا إلي جانب هذه المزامير نشيد سليمان لاح لنا ما في الحياة اليهودية من عنصر شهواني دنيوي لعل كتاب العهد القديم وهم الذين يكادون كلهم أن يكونوا من الأنبياء والكهنة قد أخفوه عنا.
وهذه حقيقة لأنك حين تقرأ سفر نشيد الإنشاد تري عجباً لا يليق بشاب عاقل فما بالك وهم ينسبون هذا السفر لسليمان عليه السلام الذي أعطاه الله الحكمة واليك بعض النصوص لتري عزيزي القارئ ما يفعله بنوا إسرائيل تجاه أنبياءهم وما ينسبون إليهم وليصدق فيهم قول الحق جل وعلا"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله".البقرة /70.
ونحمد الله الذي حفظ القرآن الكريم الذي شرف الأنبياء وأعاد لهم عزهم وكرامتهم فيقولون في بداية هذا السفر نشيد الإنشاد الذي لسليمان:-
وفيه"ليقبلنى بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر/1...فهانت جميلة يا حبيبتي هانت جميلة عيناك حمامتان  ويكرر ذلك ثانية فيقول:-" هأنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت تقابك شعرك كقطيع معز رابض علي جيل جلفاد أسنانك كقطيع الجزائر الصادره من الفل ....شفتاك كسلكة من القرمز وفمك حلو خدك كفلقة رمانة تحت تقابك عنقك كبرج داود....ثدياك كحشفى ظبيه
وعن العشيق يقولون:- "حبيبي أبيض وأحمر معلم بين ربوة راسه من ذهب إبريز قصصه مسترسلة حالكة كالغراب عيناه كالحمام على مجاري المياه...خداه كخميلة الطيب...شفتاه سوسن يقطر مراً مانعا 
أرأيت عزيز ي القارئ ما نسبوه إلي النبي سليمان الحكيم الذي قال عنه القرآن الكريم سبحانه وتعالي في القرآن الكريم "ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب" ص/30. فهل يؤتمن مثل هؤلاء الشراذم على دين او قيادة مجتمع فهؤلاء لا يصلحون إلا لقيادة خمارة أو صالات للقمار  والفجور.ولا ندري أين كان الأنبياء والكهنة وهذه العبارات البذيئة تدون في( الكتاب المقدس) مما يدل على ان هذه العبارات وبعض هذه الاسفار دونت في فترة ليس فيها أنبياء .


تاسعاً :  سفر الجامعة
رغم الأعاجيب التي قرأناها عن السفر السابق نشيد الإنشاد إلا أن سفر الجامعة اشد عجباً وأكثر غرابة لأنهم لم يكتفوا بأن نسبوه إلي سيدنا سليمان عليه السلام بل أدخلوا فيه عبارات من المستحيل أن تكون من عند الله ولا من عند نبي الله سليمان عليه السلام فمثلاً يقولون "باطل الأباطيل والكل باطل ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس   ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة لمعرفة الحماقة والجهل فعرفت أن هذا أيضاً قبض الريح   ليس هذا فحسب بل يقولون ان الإنسان والحيوان سواء بسواء لأن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم موت هذا كموت ذلك ونسمة واحدة للكل فليس للإنسان مزية على البهيمه لأن كليهما باطل مثل هذه العبارات لا يمكن أن تكون ملهمة من الله لأن الحق جل وعلا هو القائل في القرآن الكريم"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً"الإسراء 69 .
أرأيت عزيزي القارئ الفارق الشاسع بين الغث والثمين وبين الثرى الذي يلعقونه وبين الثريا  التي نحياها والحمد لله.
 ولذا يعلق صاحب قصة الحضارة عن سفر الجامعة فيقول:- يكشف سفر الجامعة عن شك لا نتبينه لأن سفر الجامعة يري أن الحياة بوجهه عام عمل محزن لا ضير من التخلص منها في حركة دائمة لا هدف منها لأنها تنتهي حيث تبدأ وهى صراع عقيم باطل ليس فيه شيء محقق إلا الهزيمة ويري أن الحكمة نفسها مسألة شكوك فيها فهو يكيل لها المدح جزافاً ولكنه يظن أن العلم إن لم يكن بالقدر القليل كان بالغ الخطورة وهو يري أن الحكيم يموت آخر المر كما يموت الأبله"لأنه ليس ذكر للحكيم ولا للجاهل إلي الأبد كما منذ زمان كذا الأيام الآتية الكل ينسي".
عاشراً  : سفر أيوب
يري صاحب قصة الحضارة أن هذا السفر قد كتب أيام السبي وهو أول وأقدم شرح لمشكلة مصير الإنسان وتصرف الله معه على ظهر هذه الأرض وقد قامت هذه المشكلة بسبب اهتمام العبرانيين بأمور الدنيا لأنه لما كانت الجنة لا وجود لها في الديانة اليهودية فقد كان من الواجب أن ينال الفضيلة ثوابها في هذا العالم.
والدليل على ذلك أن أكثر ما في هذا السفر هو من تأليف الكهنة  و أن به نصوص وعبارات لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون من عند الله ولا من عند نبيه أيوب عليه السلام فمثلاً يقولون بعد ما ذكروا محاسن أيوب ان الشيطان بدأ يتحاور مع الله بشأن اختبار أيوب وسمح الرب للشيطان أن يفسد على أيوب حياته شيئاً فشيئاً أن يضيع أمواله ثم مواشيه ثم أمواله ثم صحته وهكذا....ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وكان  رجل فى أرض عوص اسمه أيوب وكان هذا الرجل كاملاً ومستقيما يتقي الله ويحيد عن الشر   وهذا ما نعتقده في سيدنا أيوب عليه السلام لأنه من أنبياء الله فينبغي ان يكون كذلك.ولكن انظر إلي العجب فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟لأنه ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويبعد عن الشر فأجاب الشيطان الرب وقال هل مجاناً يتقي أيوب الله ؟  ثم طلب الشيطان من الرب أن يفني أموال أيوب وليرى هل يستمر أيوب في طاعته لربه أم لا"ولكن أبسط يدك  الأن وخذكل ماله فإنه في وجهك يجدف عليك فقال الرب للشيطان هو ذا كل ماله في يدك – أيوب  وبعد ما استطاع الشيطان أن يفسد على أيوب أمواله أمرهالرب .
أن ينصرف في أولاده فجاءت ريح شديدة هدمت عليهم المنزل إلا أن أيوب لم يقنط "وخر على الأرض وسجد وقال عريانا خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلي هناك الرب أعطي والرب اخذ"  ظل السفر يحكي كيف يتواجد الشيطان في كل مره أمام الرب ثم يفتخر الرب بعبده أيوب إلا أن الشيطان بمكره ودهاءه يحاول أن يوقع الشر بأيوب مما يجعل الرب يترك الشيطان  ليفعل  با أيوب ما يشاء وفي  كل مرة ينتصر أيوب ولكن ذات يوم كان في حيرة وهذا ما كان يريده الشيطان فقال بعد هذا فتح أيوب فاه وسب يومه واخذ أيوب يتكلم فقال:- ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه والليل الذي قال:- قد حبل برجل ليكن ذلك اليوم ظلاماً ..  وشرع هذا السفر يذكر الويلات التي أخذ يسبها أيوب للقدر ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا أن القرآن الكريم براء ه من ذلك حيث قال جل وعلا "إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أؤاب"ص/44.
وحقا لقد تعرض أيوب عليه السلام لابتلاءات ولكن لم تكن من الشيطان ولا بسببه إنما هي ابتلاءات من عند الله القدير ليكون لنا في الانبياءالقدوة الحسنة فمع أنهم مقربون إلي الله إلا أن هذا لم يمنعهم من الإبتلاء ومن ثم يصبر الرجل العادي إن اصابه ضر . والرسول صلي الله عليه وسلم طمأن الجميع بقوله في هذا الصدد:-"أشد الناس إبتلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم المثل فالأمثل يبتلي المرء على قدر دينه فإنه كان في دينه صلابة زيد في بلائه". ولكنهم بنوا إسرائيل الذين شوهوا كل المعالم وأذوا الأنبياء بما أضافوه من كلام غث لا يسمن ولا يغنى من جوع .  ولذلك فهم يخفون هذه الكتب عن أعين القراء لأنهم يدركون أن هذه الكتب لا يقلبها عقل ولا منطق ولا يصدق  عاقل  أن نبي الله أيوب يقول في العهد القديم  "وأما لأن فقد ضحك على أصاغري أياماً  الذين كنت استنكف من أن اجعل آباءهم مع كلاب غنمي" .
بل ويظل الجدل قائماً بين أيوب وريه ويزداد شك أيوب في ربه حتي يدعو خصماً وأجاب الرب أيوب فقال"هل يخاصم ا لقدير موبخة أم المحاج الله يجاوبه"
ويذكر السفر في النهاية أن أيوب رضخ إلي أمر الرب وان الرب أخيرا اكتشف الأعيب أصحاب أيوب وكيف كانوا يشهدون عليه زوراً أمام الرب حتي قال لهم الرب"أن الرب قال لاليعازر التينماني قد احتمي غضبى عليك وعلى كلاً  صاحبيك لأنكم لم تقولوا الصواب"
أرايت كيف عاث بنوا إسرائيل في الأسفار الفساد وكيف افسدوا ما فيها من عبارات وقراءات كان ينبغي أن تكون موجود والعجيب أنهم يريدون أن يقنعوا البشر بكل ما أتوا من حيل ودهاء أن هذا الكتاب المقدس هو من عند الله  .كيف وقد قرأنا ما سبق؟
حادي عشر : سفر إشعياء
يقول صاحب قصة الحضارة:- أن النبي اشعياء من أعظم شخصيات التاريخ العبري أثناء حصار أورشليم وكان أوسع أفقا من عاموس ولذلك كانت أراءه ابقي أثراً في السياسة فكان ينصح أن يعامل الناس بالعدل   الا  ان سفر  اشعياء الموجود في الكتاب المقدس قام بكتابته مؤلفين أو أكثر فيما بين سنة 710ق.م إلي سنة 300 ق.م.
يؤكد صاحب قصة الحضارة ذلك فيقول:"قام مؤلف مجهول أخذ على عاتقه أن يكمل سفر اشعياء ورأي أن يعيد ذلك الجيل المرتد إلي دين إسرائيل واستطاع أن يرقي بهذا السفر إلي مستوي لم يرتقي إليه دين أنذاك فبينما كان بوذا ينادى بقمع الشهوات وكنفشيوس يصوغ الحكمة كان أشعيا الثاني يعلن لليهود المنفييين نثر مشرق بمادي التوحيد ويعرض عليهم إلها جد يدا شفيقا عليهم.رحيماً بهم يفوق في رحمته يهوه القضوب.
وحين تقرأ سفر اشعياء وسفر دانيال نجدهما يحتويان على شيء لم يوجد في الاسفار الأخري ألا وهو:- التنبؤ بنبي آخر الزمان ففي سفر اشعياء نبوءات لا عد لها ولا حصر عن المستقبل وما سيحدث فيه وكثير منها يشير إلي الإسلام ونبي الإسلام  محمد صلي الله عليه وسلم وفي سفر دانيال نجد أحلاماً  وتفسيرات لها  لا تدل الا على نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم ورأينا أن نأخذ من كل سفر نبوءة ونوضحها ونترك الأخريات لوقتها إن شاء الله.
هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته قصبه مرضوضه لا يقصف و فتيله  مدخنه  لا تطفىإلي الأمان ليخرج الحق لا بكل ولا ينكسرحتي يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته"
"أنت أيها الملك كنت تنظر وإذ بتمثال عظيم هذا التمثال العظيم البهي جدا وقف قبالتك ومنظره هائل رأس هذا التمثال من ذهب جيد صدره وذراعاه من فضة بطنه وفخذاه من نحاس ساقاه من حديد قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف كنت تنظر إلي أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقها فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعاصفة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان أم الحجر الذي ضرب التمثال فصار.فيلا كبيراً وملأ الأرض كلها".
"أنت أيها الملك ملك الملوك لأن اله السموات أعطاك مملكة واقتدار وسلطاناً وفخر وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعاً فأنت هذا الرأس من ذهب".
وبعدك تقوم مملكة أخري أصغر منك ومملكة ثالثة أخري من نحاس فتسلط على كل الأرض وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد.لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء و كالحديد الذي يكسر ويسحق تكسر كل هؤلاء وما رأيت  القدمين وألاصابع  بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رايت الحديد مختلطاً بخزف الطين وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض الآخر من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصما وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يخلطون بنسل الناس ولكن الاختلاط هذا يزال كما أن الحديد لا يختلط بالخزف .في أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تبقى إلي  الأبد لأنك رأيت إنه قد قطع حجر بلا يدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة  والذهب"
ولولا أن اليهود أعمي الله أعينهم وبصيرتهم ففهموا أن هذه البشارات إنما هي لهم تبشرهم بالمسيح الذي ينتظرونه ليحكموا به العالم لما حافظوا عليها ولما أبقوها إلي يومنا هذا ولأنها إرادة الله العلي القدير الذي يحول بين المرء وقلبه بقدرته أبقى عليها لنعلم أن صدق الله فما اخبرنا به عن الأمم السابقة.

ثاني عشر  : بنو اسرائيل والتلمود
ولأنني هنا أتحدث عن تدوين العهد القديم فأكتفي بما علقنا به على بعض الأسفار لنرى كيف واصل اليهود أعمالهم وكتاباتهم . فنجدهم لم يكتفوا بما سبق  بل أرادوا توضيح الأسفار وشرح ما فيها من غموض فلما رأوا أن العهد القديم لا يحتمل ما يضيفون إليه . أي إنه سيصبح ثقيلاً لا يتحمل فرد أو اثنين حمله اكتفوا بهذا الحجم وشرعوا في كتاب آخر أطلقوا عليه اسم المشنا قسموه إلي ستة فصول:-
1-    البذور:- وذكروا فيه المزروعات وأوقاتها محددين ذلك بالشهور وتحدثوا في بداية هذا الفصل عن بعض القوانين في عبادة الله ولكن على طريقتهم.
2-    الفصول:- وبينوا في هذا الفصل الأعياد وأوقاتها وأسبابها مؤكدين ذلك ببعض النصوص من العهد القديم  كأعياد الفصح .وعيد الفطير...... وشددوا أكثر على يوم السبت فهو المقدس لديهم أيما تقديس فهم يزعمون أن الرب استراح فيه ونهاهم عن العمل في هذا اليوم.
3-    النساء:- وفي هذا الفصل قاموا بشرح العلاقات بين الأفراد في الأسرة والزواج وماذا يحدث للمرآة إذا مات زوجها فمن يجب أن تتزوج ولمن ينسب الولد.وتحدثوا عن قوانين  الطلاق وعن النذور وكيفية الوفاء بها ثم عن الوصية وكيفية إتمامها ولا تنسي أن كل هذا على الطريقة اليهودية والتي لا تصلح لأي شعب من الشعوب.
4-    العقوبات:- وفيه شرحوا أنواع الجرائم المدنية والعسكرية وحدودها وأركان الجريمة والعقوبات الرادعة لها مع العلم أن لهذه الجرائم أكثر من معني لديهم فإذا حرموا السرقة والزني والربا أي على اليهودي فقط ويعاقب اليهودي إذا قام بشيء من ذلك مع أخيه اليهودي أما مع الشعوب الأخرى فلا يعدوها جريمة وبالتالي لا عقاب .
5-    الأمور المقدسة :- ويتناول هذا الفصل القرابين وأنواعها وكيفية تقديمها ومن يجب عليه تقديمها ومن المستفيد الأول والغرض منها وتحدث عن الأضحية ثم تحدثوا عن خدمة الهيكل ومن له حق الخدمة وما هي حقوقه وما عليه من واجبات.......
6-    الطهارة والنجاسة:- وتحدثوا عن أنواع الطهارات موضحين إياها ثم تحدثوا عن النجاسات والفرق بينهما مؤكدين ذلك بنصوص من العهد القديم  ونصوص اختلقوها من عند أنفسهم لا وجود لها في العهد القديم  زاعمين أنهم ما أرادوا بذلك إلا توضيح الغموض الموجود في الكتاب المقدس مما ابعد الشقة بين الأصل والنقل.
- ولما رأي من بعدهم أن هذه الألفاظ بها من الغرابة ما نجعلهم لا يفهمون المراد،قاموا بشرح الكتاب السابق (المشنا) في كتاب آخر لطلقوا عليه (الجمارا) لتوضيح ما خفي عليهم أو صعب عليهم فهمه وأضا فوا إلي ذلك المناظرات والتعاليم والتفاسير محاولين استنباط أحكاماً جديدة بما توافق كل عصر يعيشون فيه وجمعوا ما سبق في كتاب واحد أطلقوا عليه اسم التلمود.
وهناك تلمودان:- الأول  التلمود الأورشليمي وكانوا قد شرعوا في كتابته في أورشليم قبل السبي والاحتلال الذي تعرضوا له ولكنه لم يكتمل بسبب الخراب الذي تعرضوا له وقد كتب ما بين القرنين الثالث والخامس الميلادي.
التلمود البابلي:- وهو أكبر وأشمل من التلمود الأورشليمي ويمتاز باشتماله على النص الكامل للمثنا وقد فرغوا من تدوينه عام 500 م أي من أيام السبي من عام 538ق.م إلي عام 500م.أي ما يقرب من ألف عام وهو يضم نظريات متعددة في الفلك والطبيعة ويذكر كثيراً من الآراء في الشريعة والروايات والقصص التي وصلت إلي الأحبار من البابلين والفرس.
 ولا يزال التلمود البابلي موضع عناية من جانب العلماء ولا يصرف الذهن إلا إليه وبخاصة للمبادئ التي وضعوها فيه والتي تحث الأجيال اليهودية على التدمير والتخريب بما زرعه فيهم الأحبار من أنهم شعب الله المختار وأنهم ينبغي أن يكونوا أسياد الدنيا والعجيب أنهم كتبوا هذه المبادئ وهم تحت الأسر والذل مما يدل على أنهم كانوا يسامون سوء العذاب وأرادوا بهذه الكتابات أن ينفثوا عما  بداخلهم ولكن توارثها الأجيال على انها مقدسة حتي أنهم تركوا الكتاب المقدس وأصبحوا يعملون بما في التلمود مما أثار الرعب فى العالم بما يقومون به من تهديد وتدمير  واغتيالات إلي آخر هذه الجرائم.
تخيل عزيزي القاري لقد استغرق الكتاب المقدس ألف عام من وفاة موسي عليه السلام عام 1406ق.م إلي عزرا الكاهن عام 444ق.م واستغرق التلمود ألف عام من عام 538ق.م إلي عام 500 ق.م ثم يريدون  أن يقنعوا العالم أن هذه إلهامات من عند الله.
ثالث عشر :
بنو اسرائيل وبداية التشتيت
والعجيب أنهم بعد عزرا أصبح اليهود تابعين للفرس إلي أن جاء الإسكندر الأكبر عام 332ق.م فكانوا تحت سيطرته إلي أن مات عام 323ق.م ثم أصبحوا تحت حكم البطالسة وحين حاول اليهود مقاومتهم دكوا أسوار القدس وأرسلوا مائة ألف أسير من اليهود إلي مصر عام 320ق.م
إلي أن تمكن السلوقيون من السيطرة على القدس فنهب أنطونيوس القدس والهيكل وهدم أسوار القدس وقتل من اليهود ثمانون ألف في ثلاثة أيام ثم ظهرت طائفة من اليهود تسمي (المكايون) وتمكنوا من الاستقلال بالقدس إلا أن هذه المدة لم تدم طويلاً بسبب الخلافات فيما بينهم مما جعل روما تدخل واحتلت القدس عام 63ق.م وأرسلت روما يوليوس قيصر عام 49ق.م وعامل اليهود بالحسنى إلي عام 37ق.م حيث تولي أمرهم هيرودس وكان من أصل أدومي فأعتنق اليهودية وكان حاقداً على المكايين الذين قتلوا أباه فحاربهم وقضي عليهم وحكم القدس مباشرة لحساب روما وفي زمنه ولد المسيح عليه السلام في بيت لحم وتوفي هيرودس عام 4م.
رابع  عشر : المسيح عليه السلام واليهود
ثم تعاقب على القدس ولاة رومانيون حتي جاء بيلاطس النبطي ما بين عامي 26-36م وفي عام 33م أعلن المسيح عليه السلام انه رسول الله إليهم"وإذا قال عيسي بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة "الصف /6.ووضح ذلك في الإنجيل قائلاً"لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لا نقض بل لأكمل.  ومن لحظتها و اليهود ناصبوه العداء ولأسباب في أنفسهم ومنها :-
1-    المحبة:- فقد ناداهم المسيح عليه السلام بالمحبة ليس فيما بينهم فحسب بل نصحهم أن يحبوا أعداءهم قائلاً"أحبوا اعدائكم أحسنوا إلي مبغضيكم صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم"  ولكن لم يقبل اليهود هذا النداء الجميل بالطبع فهم الذين امتلأت صدورهم غلاً وحسداً على البشرية.
2-    المساواة :- بين لهم المسيح عيسي عليه السلام أن البشر متساوون وانهم ينبغي على كل فرد أن يعمل لإرضاء ربه ولكنهم أبوا إلا أن يكونوا شعب الله المختار . وما أدري ما هي علامة اختيارهم فلو كانوا أبناء الله وأحباءه كما زعموا فلما أوقعهم الله جل وعلا في الأسر أكثر من مرة وأذاقهم العذاب الأليم ولكنهم اليهود وكفي.
3-    السلام والأمان:-  ودعاهم المسيح عليه السلام إلي نشر الأمان وكذلك  الاستقرار مع أنفسهم و مع جيرانهم أيضاً ولكنهم أبوا إلا القتال والدمار الذي ما جر عليهم إلا الوبال والتشتت وهذا ما يستحقون.
4-    البشارة بالمعصوم محمد صلي الله عليه وسلم:- وأخبرهم المسيح عليه السلام كما حكي القرآن الكريم "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"الصف/6 وفي الأنجيل :-"وأما المعزي الروح القدس الذي برسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم 
وهنا جن جنونهم لأنهم كانوا يعيشون على أمل أن يأتيهم نبي غير عيسي عليه السلام نبي  ليس بهذه  الرحمة وإنما كانوا يريدونه جباراً سفاحاً سفاكاً للدماء ومن ثم رفضوا دعوته زاعمين انه ليس هو الذي بشرت به كتبهم وزاد الأمر حرجا حين أخبرهم بأن النبي الخاتم ليس من بني إسرائيل ولكنه من بني إسماعيل ومن ثم سقط في أيديهم ورأو ا إنهم قد ضلوا عن سواء السبيل فبدلاً من الإذعان للأمر والإيمان  بعيسى عليه السلام  والاستعداد للإيمان بمحمد صلي الله عليه وسلم ناصبوا عيسي عليه السلام العداء وأضمروا العداء مسبقا لمحمد صلي الله عليه وسلم قبل مجيئه فاخذوا يدبرون و يكيدون . فضلهم أخوهم إبليس حين سول لهم قتل المسيح عليه السلام رغبة منهم أن يسكتوه ولكن الله حال بينهم وبين ما يشتهون بأن رفع المسيح عيسي بن مريم إليه معززاً مكرماً ونالوا هم الخزي في الدنيا والعذاب في الدنيا والأخرة  فماذا يفعلون إذن وقد أخبر المسيح الدنيا بالرسول الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم فظنوا أن الحل في العهد القديم فأعادوا النظر فيه بعد ما انتهوا منه في عصر عزرا الكاهن ليضيفوا إليه أو يحذفوا منه ما يشاءون مما جعل طائفة منهم وهم السامريون لا يسلمون ولا يعتقدون إلا ببعض من الكتاب المقدس وهي الأسفار الخمسة الولي – التكوين ويسمي سفر الخليقة – سفر الخروج – سفر اللاوين ويسمي الأحبار – سفر العدد – سفر التثنية  ويسمي سفر الاستثناء هي المعروفة باسم التوراة ثم سفر يشوع وسفر القضاة ومن ثم تخالف التوراة السامرية نسخة التوراة الموجودة مع باقي اليهود. وهناك العديد من الأسفار التي لم يعترف بها ولا ندري لماذا استبعدوها من العهد القديم فمن يدري أكانت صالحة أم هي من عند أنفسهم؟
والأسفار المحذوفة هي:- سفر باروخ – سفر طوبيا – سفر يهوديت – سفر وزدم – سفر إيكليزيا  ستكس- سفر المقابين الأول – سفر المقابين الثاني.
ولقد ذكر رحمت الله الهندي أن المسيحيين شكوا في صحة أسفار العهدين القديم والجديد ثم اعترفت مجالسهم بها إلا أن بعض الفرق نقضت هذا الاعتراف ومن ذلك:- عام 325م انعقد مجلس علماء المسيحية في عهد قسطنطنين في بلده(ناتس) لبحث الكتب المشكوك فيها فقرروا بعد المشاورة أن سفر يهوديت واجب التسليم وابقوا سائر الأسفار المشكوك فيها كما كانت.
وفي عام 364م انعقد مجلس آخر يسمي مجلس ( لوديسيا ) فأبقي حكم المجلس الأول كتاب يهوديت على حالة وزاد عليه سبعة أسفار أخري وجعلها واجبة هي :- سفر استير – رسالة يعقوب – الرسالة الثانية لبطرس – الرسالة الثانية ليوحنا – الرسالة الثالثة ليوحنا – رسالة يهوذا – رسالة بولس إلي العبرانين ولم يدخلوا سفر مشاهدات يوحنا في هذين المجلسين.
وفي عام 397م:- انعقد مجلس آخر وحضره 127 من العلماء المشهورين فابقوا حكم المجلسين الأولين وزادوا على حكمهما هذه الأسفار:-
سفر وزدم – سفر طوبيا – سفر باروخ – سفر إنكليزيا سبنكس – سفر المقايين الأول – سفر المقايين الثاني – رؤيا يوحنا.
لكن أعتبر أهل المجلس سفر باروخ بمنزلة جزء من كتاب آرميا لأن باروخ كان بمنزلة النائب والخليفة لأرميا.
ثم انعقدت ثلاث مجالس :- 1- ترلو       2- فلورانس         3- ترست
وفيه أبقي العلماء حكم المجلس المنعقد في عام 397م على حاله .
وأما المجلسين الأخرين كتبوا سفر باروخ في فهرست أسماء الكتب على حده فبعد انعقاد هذه المجالس صارت هذه الأسفار المشكوك فيها مسلمة بين جمهور المسيحين وبقيت هكذا حتي ظهرت فرقة البروتستانت في القرن السادس عشر الميلادي فرد علماؤها حكم هؤلاء الأسلاف في:- سفر باروخ – سفر طوبيا – سفر يهوديت – سفر وزدم – سفر ايكليزيا ستكس وسفري المقايين وقالوا أن هذه الأسفار واجبة الرد وغير مسلمةص51-55رحمت الله الهندي إظهار الحق.
نعود إلي عهد ببلاطس الذي عاصر السيد المسيح عليه السلام والذي يزعم العهد الجديد أن المسيح عليه السلام صلب في عهده وظل الأمر باليهود تحت حكم الرومان إلي أن جاء تيطس عام 70م وفي عهده تم تدمير أورشليم وقتل اليهود واسر من أسر من شعبها وذاق اليهود على يد تيطس العذاب والهوان.
في عام 106م عاد بعض اليهود في عهد الامبراطور تراجان إلا أنهم أخذوا في أعمال الشغب والتوراة إلي أن جاء أوريانوس ما بين عامي 117-138م فحول القدس إلي مستعمرة رومانية وحظر على اليهود الاختتان وقرا التوراة واحترام السبت ولم يتحمل اليهود ذلك فثاروا بقيادة باركوخيا عام 135م فأرسلت روما والياً حازماً هو يوليوس سيفروس فاحتل المدينة وقهر اليهود وقنل باركوخيا وذبح من اليهود في تلك الموقعة 580 ألف نسمة وتشتت الأحياء من اليهود تحت كل كوكب ولكي ينسي اليهود أورشليم دمرها أوريانوس وأنشأ مكانها مدينة جديدة أسماها إبليا ومن يومها واليهود مشتتون في كل بقاع الأرض وصدق فيهم قول الحق جل وعلا"ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"الأعراف 167 وقوله سبحانه"فقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض"
 ثم تفرقوا  وأصبح كل حزب منهم يحمل بعض من الكتاب المقدس ظناً إنه الحق"كل حزب بما لديهم فرحون" ومنهم من سكن في أطراف الجزيرة العربية(في المدينة المنورة وكانوا يبشرون الناس بالنبي الخاتم وان بمجيئه سيقاتلون به العرب"وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا"البقرة 89 فكانوا إذا حاربوا أحداُ من القبائل المجاورة فكانوا يدعون الله ويتوسلون إليه بمحمد صلي الله عليه وسلم فينصرون وكان من أهم الأسباب التي جعلت أهل المدينة يؤمنون برسول الله صلي الله عليه وسلم لكثرة حديثهم عنه صلي الله عليه وسلم ويا سبحان الله "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"البقرة 89
 وليس هذا بجديد عليهم فقد رأيناهم وهم يكفرون بالأنبياء بل ويقتلونهم فناصبوا المعصوم العداء وحاولوا أن يدمروا الإسلام "وبآبي الله إلا ان  يتم نوره ولوكره الكافرون"التوبة /32 فطردهم الرسول من المدينة فعادوا إلي أطراف الدولة الرومانية على أطراف الجزيرة وما هي إلا فترة وجيزة وجاءت جيوش المسلمين وطهرت الشام من رجسهم ورجس الروم الذين أثقلوا كاهل الناس بالضرائب وأذلوهم واستعبدوهم وأخرجهم عمر بن الخطاب من الشام تماماً مع انه لم يكن في الشام منهم كثير بدليل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عقد صلحاً مع أهل ايلياء أوصي بأن تبقي كنائسهم وبيعهم وصلواتهم وألا يرغم احد على الدخول في الإسلام ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين إن أعطوا الجزية والتزموا بالعهد ولم يذكر رضى الله عنه لليهود شيئاً فإن دل ذلك فإنما يدل على أن اليهود لم يكن لهم وجود سياسي أو ديني آنذاك يفرض على الواقع احترامه أو إبرام معاهدات معه كما حدث في المدينة المنورة وعقد الرسول صلي الله عليه وسلم مع يهود المدينة صلحاً وعهداً إلا أنهم خالفوه عليه الصلاة والسلام مما كان سبباً في هلاكهم وإمعاناً في تشتيتهم في البلاد.
ومن ثم عمدوا إلي أسفار العهد القديم فغيروا في نسب المسيح وطعنوا في نسبه فاتهموا سيدنا داود في شرفه ونسبوا إلي سيدنا سليمان أعمالاً لا تليق به عليه السلام إلا إنهم بفضل الله ابقوا على النبؤات التي تبشر بالنبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم ظانين إنها لهم وظلوا يحلمون بالمسيح المنتظر الذي يحكمون به العالم أما الأناجيل فلم تسلم من أيدي اليهود فعمدوا إلي ما نادي به المسيح عليه السلام وكتبوا ضده تماماً فمثلاً:-
حين نادي المسيح بالمحبة والسلام نادوا هم بالعداوة فقالوا "أتظنون أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ما جئت لألقي سلاماً  بل جئت لألقى نارا ماذا أريد لو اضطرمت "
وحين نادي المسيح عليه السلام بالوئام والتوافق نادوا هم بالتفرقة العنصرية فقالوا "أذن أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة  
وحين نادي المسيح عليه السلام بان هناك أمة أخرى ستحمل الرسالة حين قال"أن ملكوت الله ينزغ منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره"  وأخبرهم بأن هذه الأمة هي من نسل إبراهيم فردوا إلي سفر التكوين وغيروا  وزعموا أن  إسحاق هو الابن الذبيح وليس إسماعيل عليه السلام وصدق الحق حين قال"يا بني إسرائيل لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون"وقوله تعالي" وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون"البقرة /75 كما أن المسيح عليه السلام وأمه الصديقة مريم العذراء عليهما السلام لم يسلما من طعن اليهود وأتهامهم لمريم بالبهتان فحين أخبرهم المسيح عليه السلام أن يعملوا عمل أبيهم إبراهيم قائلاً:-"قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم"  إلا إنهم قالوا له "إنا لم نولد من زنا"والعجيب أن النصارى يذكرون ذلك في كتبهم دون حرج أو استحياء ولكن إن دل هذا فإنما يدل على صدق القرآن الكريم حين قال جل وعلا"وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً"والله الذي لا اله إلا هو  لولا القرآن الكريم لظل اليهود والنصارى يصدقون فيما يسبونه من بهتان للعذراء عليها السلام ولكن الحمد لله  الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"





الفصل السادس

















لقد رأينا كيف تصرف اليهود مع الكتاب المقدس وكيف عصوا ربهم أكثر من مرة مما جر عليهم الوبال والسبي والدمار فيا تري كيف كان أجدادهم مع نبي الله موسي عليه السلام هل كانوا صالحين مطيعين كما نعهد في أصحاب وأتباع الأنبياء أم إنه ينطبق على الأسلاف والأحفاد قول القائل"من شابه أباه فما ظلم"وحتى لا نصدر أحكاماً دون حقائق واضحة رأيت عزيزي القارئ أن أعرض بعضاً من مواقف أصحاب موسي عليه السلام مقارناً إياها ببعض المواقف مع أصحاب المعصوم محمد صلي الله عليه السلام لنري الأصول  من هنا وهناك ولنرى (فأي الفريقين أحق بالأمن)الأنعام /81 وبمعونة الله جل وعلا وتأييده ونصره .
ولنري الأسس التي بني عليها أجيال الأمتين حياتها فمن المعلوم أن تراث السابقين هو المنار وسبيل الرشاد للاحقين حتي أن الحق سبحانه وتعالي حين تحدث عن الأنباء السابقين للمعصوم محمد صلي الله عليه وسلم أمره جل وعلا بقوله"أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"الأنعام/90ومن ثم على الأحفاد أن يتبعوا سبيل الأجداد ليقتبسوا منه ما ينير حياتهم وبحثهم على المثابرة ومواصلة الكفاح وهذا ما نراه في الأبواب القادمة كيف تأثر أبناء اليهود بأجدادهم  في الفكر وكيف تأثر أبناء المسيحيين بأجدادهم في الرأي والعقيدة ورأيت أن أبدأ أولاً بمواقف أصحاب موسي عليه السلام حتي نستطيع توضيح ما فيها  ثم  بمواقف أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم فبضدها تتضح الأشياء:-
لقد حكي العهد القديم كثيراً من المواقف العجيبة لبني إسرائيل وكيف عملوا الشر في عيني الرب مرات ومرات وعاندوا الأنبياء أشد العناد بل وكان يصل الأمر إلي قتالهم "افكلما جاءهم رسول بما لا تهوي أنفسكم فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون"البقرة 87 والعجيب إنهم كانوا دائماً يفتخرون بأنهم"شعب صلب الرقبة" ولكنهم كانوا اجبن من ذلك كما سنري تخاذلهم وقت الشدة إنما كانوا أشداء على أنبياءهم فكانوا كما يقول القائل"أسد على وفي الحرب نعامة  "  فمع الأنبياء نجدهم أشداء ومع الأعداء كالنعاج تغمض عيونها إذا رأت الذئاب مما يسهل على الذئاب التهامها وهذا ما حدث لهم مع ملك أشور ومع ملك بابل ومع الاسكندر وغيرهم ممن ذكرنا من قبل ومن ثم"ختم الله على قلوبهم" البقرة 7 فأصبحوا لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر بل وازداد بهم الأمر سواً حتي أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن أشد المواقف التي تعرض لها سيدنا موسي عليه السلام منهم:-
أولاً:-أصحاب سيدنا موسى عليه السلام
 أن الحق سبحانه وتعالي خلق البشر على الخير والحق والعدل فطرة الله التي فطر الناس عليها ولو ظل البشر كذلك لما كانوا في حاجة إلي أنبياء ولما تعرضوا لعذاب الله وعقابه لأنه جل وعلا القائل:-"ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم"الا  أن هناك شرذمة من بني البشر"يبغونها عوجاً"الأعراف86 فهم يظنون أنه لا غني لهم إلا إذا تعاملوا بالربا وجمعوا الأموال من عرق الضعفاء والكادحين فيزداد الطامعين ثراء بينما يرضخ الكادحين تحت نير العذاب والعمل المتواصل "كما يري هؤلاء الشراذم إنه لا سلطان لهم إلا فوق جثث وأشلاء الآخرين والعجيب إنهم (إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما مصلحون"البقرة 11 والحقيقة"إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" البقرة 12 ولكن سرعان ما يصدم هؤلاء مع أول نداء للأنبياء لهم بقوله سبحانه"فأعلم أنه لا اله إلا الله" حينئذ يقفون للأنبياء بالمرصاد لأنهم يرون في مجيئهم ذهاب لسطوتهم وأموالهم ومكانتهم في حين أن الأنبياء ما جاءوا إلا لينقذوا  هؤلاء وغيرهم من مخلب الشيطان ورجسه لأن الشيطان(إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)
 ومن هؤلاء من يفيق ويرجع عن غييه ويحمد الله الذي هداه  إلى سواء السبيل ومنهم من يناوئ الأنبياء ويناصبهم العداء وكثيراً ما قرأنا عن عناد الأقوام للأنبياء ولكن العجيب أن نري العناد في بني إسرائيل من أتباع الانبياء وهذا ما آثار دهشتناً لأننا نعلم أن أتباع الأنبياء يختارهم الحق سبحانه وتعالي ليكونوا عوناً لنبيه على أداء الرسالة وحمل الأمانة .
 أما أتباع سيدنا موسي عليه السلام لم يكونوا نعم العون بل كانوا حملاً ثقيلاً وكثيراً ما عرضوه لقلاقل واضطرا بات كادت أن تؤدي بحياته ولم يذكر الكتاب المقدس موقفاً لأتباع موسي عليه السلام يحمدون عليه فلا ندري أكانوا جميعاً كذلك أم لماذا تجاهل الكتاب المقدس ذكر الصالحين منهم ونحمد الله الذي أنزل القرآن الكريم فيه عرفنا أن قوم موسي عليه السلام كان منهم الصالحون ومنهم الفاسقون فقال جل وعلا: ومن قوم موسي امة يهدون بالحق وبه يعدلون" الاعراف159 وقال سبحانه وتعالي عنهم "قل يا أهل الكتاب هل تنتقمون منا إلا أن آمنا بالله وما انزل إلينا ومن أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" المائدة /59 ولقد أطلق عليهم نبي الله موسي عليه السلام ـ(الفاسقين) حين قال القرآن الكريم" قال رب إني لا املك إلا نفسي وآخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين" المائدة/25
 ولكن كانت مساؤي بني إسرائيل أكثر من أن تعد أو تحصي مما جعل حسناتهم تتلاشي إذا ما قورنت بما فعلوه مع الأنبياء وبخاصة نبي الله موسي عليه السلام لأن به أكرمهم الحق جل وعلا وأخرجهم من ذل العبودية ونجاهم من فرعون ومن بطشه وجبروته فكان ينبغي أن يحسن هؤلاء صحبة نبي الله موسي عليه السلام إلا إنهم عرضوه عليه السلام لما لا يطاق لولا إنه نبي ومكلف برسالة لضاق بهم ذرعاً ولدعى عليهم كما دعا على فرعون وجنوده حين قال"ربنا إنك أتيت فرعون وملائه زينة وأموالاً في الحيوة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتي يروا العذاب الأليم" يونس 88
وقد استجاب الحق جل وعلا له"قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون"يونس89 ورأينا أن فرعون استدرج هو وجنوده حتي نزلوا اليم وغرقوا أجمعين وحينها نادي موسي" إنه لا اله إلا الذي أمنت به بنوا إسرائيل وإنا من المسلمين"يونس90 فحقاً صدق الله فلم يؤمن فرعون إلا بعد ان رأي من العذاب الأليم ما لم يتوقع ولم يخطر له على بال إلا أن فسقه وجبروته منعاه من أن تقبل توبته قال سبحانه"الآن وقد عصبت قبل وكنت من المفسدين" يونس91.
فبرغم المعاناة التي عايشها نبي الله موسي عليه السلام مع قومه "إلا إنه عليه السلام لم يدعوا عليهم دعوة إبادة مع أنهم كانوا يستحقون ذلك لأسباب منها:-
ثانياً : هم الذين آذوا موسي عليه السلام
يذكر القرآن الكريم أن فرعون علا في الأرض وشرع بقتل أبناء بني إسرائيل لظنه أن منهم ولداً سيبلغ من القوة درجة تجعله يهلك فرعون ومن معه وما يملكون فقال:-" " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ القصص 4 وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَه
وأراد الحق جل وعلا أن يمن على بني إسرائيل   فأرسل إليهم نبياً منهم وهو موسي عليه السلام وأيده بالمعجزات" ولما ذهب موسي وأخاه هارون علي السلام إلي فرعون ليخبراه أنهما رسولاً رب العالمين وحين آمنت طائفة من بني إسرائيل فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ " يونس 83 فأراد فرعون تشديد العذاب على بني إسرائيل فأمرهم أن اقتلوا أبناء الذين امنوا معه واستحبوا نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"حقاً هذه كانت محنة ولكنها آلام كآلام المخاض الذي تشعر بعده آلام بالسعادة بالمولود الجديد فرحاً لمولودها بنسبها ما عانت من آلام  الذي تشعر بعده ألام بالسعادة بالمولود الجديد فرؤيتها لمولود ها ينسيها ما عانت من ألام  فسرعان  ما ترغب في مولود آخر فكنا نظن أن بني إسرائيل سيتحملون هذه الأعباء فهم يعذبون في كل الأحوال سواء بسبب دعوة موسي عليه السلام أو بغيرها فإذا كان العذاب لأجل الدعوة والإيمان بالله فينبغي أن يتحملوه لأن بعده النصر والتمكين في الأرض والاستقرار
 و سيصبحون أسيادا بعد أن كانوا عبيداً فما هي إلا صعوبات في طريق النجاة ولكن أصابتنا الصاعقة حين ذهبوا إلي نبي الله موسي عليه السلام فبدلاً من أن يشدوا من أزره معلنين ولاءهم وإيمانهم به وبما جاء به نجدهم يوجهون إتهاماً غريباً مدعين انه عليه السلام سبب شقائهم ومعاناتهم صغيراً كان أو كبيراً فقالوا" قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا "الأعراف 129 أي إنهم تعرضوا لعذاب فرعون وقتله لأبنائهم حين ولد موسي عليه السلام وتعرضوا للقتل بسبب دعوته عليه السلام إلا أن نبي الله موسي عليه السلام قرأ في عيونهم الضعف والاستمالة إلي العبودية رغم إنه سيشرق لهم مستقبلاً جميلاً يصبحون فيه أعزة أن تمسكوا بما جاءهم به ولكنه عليه السلام لم يثق بهم قَالَ( عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ "ا الأعراف 129.
فلو قارنا ما حدث من بني إسرائيل وهم المستعبدون بموقف السحرة وهم المنعمون الذين قالوا لفرعون كما حكي القرآن الكريم"وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ : قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ لأعراف 113-114 شتان بين قوم يتوعدهم فرعون وبين قوم يعدهم ويمنيهم وما هي إلا لحظات وفؤجي فرعون"فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسي وهارون" الأعراف 120/121/122 فانقلب الحال وشرع فرعون يهدد ويتوعد قائلاً:- "لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا اشد عذاباً وابقي"طه 71 فهل سخط هؤلاء على موسي عليه السلام ؟هل قالوا كما قال له أهله وقومه؟لا والله بل واجهوا فرعون بكل حزم وقوة وامنوا  برسالة موسي عليه السلام  فقالوا "لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا   فاقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا إنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه  من السحر والله خير وابقي"طه /72/73.
 لم يكتف بنوا إسرائيل بمعاندة نبي الله موسي عليه السلام بل تطاولوا على شخصه الكريم عليه السلام وتدخلوا فيما لا يعنيهم مما يدل على سفاهتهم وعدم تعقلهم لأنهم لما رأوا أن موسي عليه السلام ستيراً وشديد الحياء حتي انه لم يكشف شيئاً من جسده أمامهم لأدبه وحياءه اتهموه بأنه أورم أي منتفخ الخصية أو بها عيباً يجعله يخشي أن يراه أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله أرأيت قوماً يفكرون بهذه الطريقة فهل يرجي من ورائهم خيراً.ويبدوا أن الأمر اخذ مآخذه معهم حتي أن الحق جل وعلا دافع عن نبيه موسي عليه السلام فكان موسي عليه السلام يغتسل واضعاً ثيابه على حجر فإذا بالحجر يعدو بثوبه إلي مجالس بني إسرائيل وموسي عليه السلام عرياناً يقول يا حجر ثوبي حتي شاهدوه بأعينهم.
أرأيت أخلاق هؤلاء والنبي موسي عليه السلام بين ظهرانهم فما بالك إن تركهم فهل يؤتمنون على شيء وهذا سبب ما نجده من غراميات وحديث عن الجنس في العهد القديم  حتى قال صاحب قصة الحضارة:- بهذا قد لاح لنا ما في الحضارة اليهودية من عنصر شهواني دنيوي لعل كتاب العهد القديم وهم الذين يكادون أن يكونوا كلهم أنبياء قد أخفوه عنا".
ومما زاد الأمر حرجاً وسوءاً هو زعمهم بأن موسي عليه السلام قتل أخيه هارون عليه السلام فهل يليق بنبي معصوم أن يفعل ذلك(حاشاه) و القصة انه ذات يوم انطلق موسي عليه السلام وهارون عليه السلام وأبناه اليعازر  وإيثامار فانتهوا إلي الجبل فيه سرير فقام عليه هارون عليه السلام فقبضت روحه وحين رجع موسي عليه السلام إلي قومه قالوا أنت قتلته لأنك حسدتنا على لينه وعلى خلقه فقال عليه السلام كيف اقتله ومعي أبناه؟ ومع هذا قال لهم موسي عليه السلام اختاروا رجالاً منكم فنذهب إلي قبره ونسأله:- فاختاروا من كل سبط عشرة انتهوا إليه فقالوا من قتلك يا هارون؟قال ما قتلني احد ولكن الله توفاني فقالوا يا موسي لا تعص وصدق الحق حين قال"يا أيها الذين امنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسي فبراه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً"الأحزاب69.
ثالثاً : هم الذين نسوا الله جل جلاله فنسيهم
لقد مر بنوا إسرائيل بظروف قاسية فقد كان فرعون يسومهم سوء العذاب وكانوا يحلمون باليوم الذي يصبحون فيه أحراراً يملكون زمام أمرهم ولا يسخرون لحد وأراد الحق سبحانه وتعالي أن يمن عليهم وينقذهم من خزي الدنيا فأرسل إليهم رسولاً منهم يعرفونه وهو موسي عليه السلام وقد رأوا بأعينهم المعاناة التي واجهها سيدنا موسي عليه السلام من فرعون ملائه ومن اجل خلاصهم وحريتهم فقد أمره الحق جل وعلا أن يجد فرعون "أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم"طه47 فلما آبي فرعون رغم الآيات والتوسلات أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ونجا الله جل و علا موسي عليه السلام ومن معه آجمعين "وأغرقنا أل فرعون وأنتم تنظرون"
فكان ينبغي أن يسجدوا لله رب العالمين الذي نجاهم من فرعون ومن الغرق إلا إنهم قوم منكرون "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون"فلقد بدرت منهم مواقف لا تنم إلا عن إما عن غباء أو خوف شديد جعلهم لا يذكرون الله سبحانه وتعالي وإما هذه طبيعتهم التي جبلوا عليها لا ينسبون الفضل لأهله أو عقولهم وقلوبهم لم تؤمن الإيمان الحق الذي يجعلهم على يقين بوجود الله وبقدرته وإطلاعه جل وعلا على خبايا أنفسهم فهو سبحانه "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ولذا رأيت أن اذكر بعض المواقف التي نسوا الله فيها وهي:-
 لما أبتلي  فرعون بكل الايات وظل على تكذيبه وعناده"ولقد ارينه آياتنا كلها فكذب وآبي"طه56 أمر الحق سبحانه وتعالي موسي عليه السلام "ولقد اوحينا الى  موسي أن آسر بعبادي"طه77  الا   ان فرعون كان قد نادي في قومه قائلاً"أن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون" الشعراء 54/55 فاستنفر فرعون قومه وجنوده وليهلك بني إسرائيل حين علم بسيرهم ليلاً فقال الحق جل وعلا لموسي حينئذ"إنكم متبعون" الشعراء /52 ووصل موسي عليه السلام ومن معه إلي البحر ثم نظر وراءهم فاذا فرعون وجنوده فالمنطق يقتضى أن يلجئوا إلي الله بالدعاء" لولا  اذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أو أن يتوسلوا إلي الله جل وعلا بنبيه موسي عليه السلام داعين إياه جل وعلا أن ينقذهم ولأن الإيمان لم يملا قلوبهم  بعد فلم يدركوا استثناء إلا الهلاك المحقق فقالوا"إنا لمدركون" الشعراء 61 فلولا وجود نبي الله موسي عليه السلام بين ظهرانيهم فهو دائماً على اتصال وذكر لربه سبحانه وتعالي لنسيهم كما نسوه جل وعلا ولكن تلطف الحق بهم إذ جعل نبيه يذكرهم بالله جل وعلا قائلاً:-"قال موسي كلا اني معي ربي سيهدين"البقرة62 وحقاً هداه ربه جل وعلا فقال له فاضرب بعصاك البحر  فكان كل فرق كالطود العظيم" فعبروا البحر في آمان الله.
لو لم يمن الله جل وعلا على إسرائيل إلا بهذه المعجزة لكانت كافية أن يظلوا خاضعين لله ولكن يبدو إنهم حقاً قساة القلوب (لأنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور"الحج46 لأن الحق جل وعلا أنقذهم من دمار محقق إما على يد فرعون أو الغرق وقد نجاهم الله إلا أننا فوجئنا بهم يطلبون شيئاً عجيباً أصاب سيدنا موسي بالدهشة حتي إنه سماهم (الجاهلون)وهم في طريقهم إلي سيناء مروا على قوم يعبدون الأصنام فبدلاً من أن يدعوهم للإيمان بالله رب العالمين موضحين لهم قدرته وعظمته جل وعلا فإذا بهم نسوا ما حدث وسألوا موسي أن يجعل لهم إلهاً يرونه بأعينهم ويصنعونه بأيديهم ولقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف فقال جل وعلا:-"فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسي اجعل لنا إلهاً كما لهم إلهة قال إني أراكم قوماً تجهلون"الأعراف 138
حين استقر بهم المقام في ارض سيناء أراد نبي الله موسي عليه السلام أن يفي بوعده لبني إسرائيل أن يسأله ربه جل وعلا أن ينزل عليهم كتاباً ينظم به حياتهم ويظل للأجيال من بعدهم منهاجاً ونوراً مبيناً فأوصي بهم هارون عليه السلام قائلاً:-"وقال موسي لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"الأعراف 142 ثم أسرع موسي عليه السلام لميقات ربه جل وعلا فسأله الحق جل وعلا"وما أعجلك عن قومك يا موسي"طه83 فأجاب موسي عليه السلام قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربي لترضي" طه84 وهنا رغم علم نبي الله موسي عليه السلام بجهل قومه وعنادهم إلا إنه يأمل أن يكونوا على الدرب وألا يخذلوه وبخاصة انه أخبرهم بذهابه لميقات ربه وسيأتيهم بكتاب مبين ولكن فوجي بما لم يخطر له على بال "قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري"طه85 لا حول ولا قوة إلا بالله فقد غلب الطبع التطبع يبدو أن بني إسرائيل لم يعرفوا الله جل وعلا حق المعرفة لأنه بمجرد أن ذهب نبي الله موسي عليه السلام للقاء ربه جل وعلا فإذا بهم يطلبون الهاً فاستغل احد شياطينهم وهو السامري هذه الفرصة وطلب منهم حلي نساءهم وأبنائهم وجمعها وخلطها بقبضة كان قد أخذها من أثر جبريل عليه السلام وهو يعدو أمامهم في البحر إدخرها لحاجة في نفسه فإذا  به يصنع عجلاً من ذهب يطلق أصواتاً كصوت البقر والعجيب أنه أخبر القوم بأن هذا العجل هو إلههم الذي ذهب موسي عليه السلام للقائه والمذهل أن استجاب له عدد كبير من بني إسرائيل وحتي حين حذرهم نبي الله هارون لم ينتبهوا له وأصروا على ماهم فيه  حتى جاءهم موسى عليه السلام  فقال"ما خطبك يا سامري قال قبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي"طه 95/96 –"فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم واله موسي فنسي"طه/88 . ومن بقي منهم دون عبادة العجل عدد قليل ولم ينكروا عليهم ولم يفارقوهم وهذا دينياً لا يجوز لأن المجتمع لو ظل يتعامل ويأكل ويشرب مع المجرم لجعل المجرم يتمادي في غييه ولكن إذا أخذوا على يديه على الأقل نجوا هم "ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيى عن بينة"فلم يقف في وجوههم إلا نبي الله هارون بمفرده فقال لهم"إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري" قالوا "لن نبرح عليه عاكفين حتي يرجع إلينا موسي"طه90/91
 أرأيت ماذا فعل بني إسرائيل بمجرد ان غاب عنهم سيدنا موسي فترة وجيزة ولذا صدق فيهم ما ذكروه في الكتاب المقدس"اسمعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الأرض لأن الرب يتكلم ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على  الثور يعرف قانية والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف  شعبي لا يفهم ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الأثم"   ولذا حذر الحق سبحانه وتعالي أمة محمد صلي الله عليه وسلم أن يتشبهوا بهذه الامة المغضوب عليها الأمة الجاهلة فقال جل وعلا"ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون"الحشر 19.
والخطير بالنسبة لهذا الموضوع هو ما حكاه العهد القديم  عن هذه الواقعة فنسبوا صناعة العجل لنبي الله هارون عليه السلام ونحن نؤمن انه برئ من هذا الاتهام إلا أنهم قالوا"اجتمع الشعب على هارون وقالوا له "قم اصنع لنا ألهة تسير أمامنا لأن هذا موسي الرجل الذي ا صعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه فقال لهم هارون:انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنينكم وبناتكم وأئتوني بها فنزع الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلي هارون فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالازميل وصنعه عجلاً مسبوكاً فقالوا هذه إلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر فلما نظر هارون بنى مذبحاً أمامه ونادي هارون وقال غدا عيد للرب" 
وبما انه ليس بعد الشرك ذنب فقال سبحانه وتعالي "لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"لقمان 13 وقال جل وعلا"إن الله لا يغفر ان يشرك به " وبناء على ذلك أمر الحق جل وعلا نبيه موسي عليه السلام أن يخبر قومه بأن الجزاء الوحيد الذي يستحقونه هو الإبادة ولذا قال سبحانه وتعالي:-" وإذ قال موسي لقومه إنكم ظلمتم أنفسكم بإتخاذكم العجل فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"البقرة 53.
رابعاً : هم الذين قست قلوبهم
يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم في معناه"ان العبد إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء وهكذا مع كل ذنب حتي يصيح قلبه أو يكسى القلب بالران كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" ويكسبون هنا تعني ما كسبوه من الإثم وبنوا إسرائيل اكتسبوا من الاثام ما جعل قلوبهم قاسية فأصبحوا لا يفعلون أمراً من الله ورسوله وإن وجهه إليهم أمر قابلوه بالاستهزاء تارة وبالجمود تارة أخري مما تسبب في تشديد الأوامر وهذا جزاء عادل لأن الجزاء من جنس العمل لأنه لا يستوي من ينفذ الأمر من أول وهلة ومن يتلكأ و يتباطأ حتي لا يكاد ينفذ الأمر إذن فتصرفات بني إسرائيل هي التي تسببت في تشديد الأوامر وليتهم التزموا ومن هنا يتضح تباطؤ بني إسرائيل في تنفيذ الأمر في قصة البقرة التي حكاها لنا القرآن الكريم.
القصة:- أن بني إسرائيل وجدوا رجلاً قتيلاً ذات يوم اسمه (عاميل)وفي سبب قتله قولان:- 1- يقال إنه كانت له ابنة جميلة فرفض أن يزوجها لابن أخيه فقتله ابن أخيه انتقاماً منه.
2- كان عاميل رجلاً غنياً له ابن أخ فقير فحسد عمه وعمد إليه فقتله ليأخذ أمواله وألقي به في مكان بعيد حتى لا يتهم فيه فأصبح الناس مختلفين فقالوا نقتل ورسول الله موسي عليه السلام بين أظهرنا فأتوه وسألوه البيان فسأل موسي ربه أن يبين جل وعلا القاتل.
فإذا بالحق جل وعلا يأمرهم أن يذبحوا بقرة.لماذا؟
1-    لأن الله جل وعلا يعلم إنه إذا اخبرهم بالشخص القاتل سيطلبوا بينة توضح لهم إنه القاتل لأن بني إسرائيل لا يؤمنوا بسهولة ويسر فلا يصدقون ما جاء به الرسول من عند ربه.
2-    أراد الحق جل وعلا أن يختبر مدي استجابتهم لأمر الله وإن كان في ظاهرة تخالف هواهم لأن ذلك هو عين الإيمان أن تؤمن وتنفذ ما أمر الله به لقول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتي يكون هواه تبعاً لما جئت به".
3-    الحق سبحانه وتعالي يعلم ان بني إسرائيل قوم معاندون ومجادلون وليتهم يجادلون بحجة مقنعة ولكنهم يجادلون بالباطل ويؤيدونه.
4-    تبين هذه القصة أن إنسان ينال الجزاء المناسب من أحسن فله الحسني ومن أساء فله السوء وهذا ما حدث في نهاية هذه القصة فلقد كوفي صاحب البقرة بمالم يخطر له على بال مقابل بره بأمه كما أرهقت نفوس بني إسرائيل فكلفوا بما لا يطيقوا جزاء تعنتهم.


أو القصة كما حكاها القرآن الكريم:-
أخبر موسي عليه السلام قومه بقول الحق جل وعلا"إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"البقرة 67 فإذا بهم يردون على نبي الله موسي بشكل عجيب قائلين"أتتخذنا هزواً" البقرة 67 ولكن نبي الله موسي عليه السلام قال لهم"أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين"البقرة 67 فلما أيقنوا أن الأمر واجب "قالوا ادع لنا ربك أن يبين لنا ما هي" البقرة 68 وهنا وقع بنوا إسرائيل في خطأين:-
1-    قولهم لموسي عليه السلام"ادع لنا ربك" ولم يقولوا "ربنا" وهذا إن دل فإنما يدل على أن الإيمان لم يتمكن من قلوبهم حق التمكن كما يدل على تشبههم بفرعون الذي كان يتصرف بنفس الطريقة إذا نزل به بلاء فكان يقول"ادع لنا ربك بما عهد عندك  لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك" الأعراف 134.
2-    قولهم لموسي عليه السلام"أن يبين لنا ما هي" البقرة 68 ألم يسمعوا ما امرهم به في البداية ألم يقل لهم "أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" أم أنهم لم يعرفوا البقر الذي عبدوه يوماً ما.ومع هذا خاطبهم الحق جل وعلا على قدر عقولهم فبين لهم ما هي فقال جل وعلا "قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون"إذا أصبحت الأمور واضحة فأكدا الحق لهم إنها بقرة كما بين لهم أن أي بقرة ستقض بها المهمة ولذلك شدد الحق جل وعلا عليهم بقوله" فافعلوا ما تؤمرون" وهذا ثاني امر في القصة ولم ينفذ فماذا نقول في هؤلاء؟ حقاً إنهم قوم منكرون"
فتعللوا بحجة أخري غريبة قائلين"قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها"البقرة 69 وللمرة الثانية يكررون"ادع لنا ربك" كما أن الطلب الذي يطلبون طلب عجيب فيريدون معرفة لون البقرة التي يراد ذبحها وهنا شدد الحق جل وعلا عليهم فذكر لهم أوصاف بقرة  لا يستطيعون الحصول عليها بسهولة"قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" البقرة 69 وهنا عميت أبصارهم بعد ما عميت بصائرهم من قبل فاشتبه الأمر عليهم وكأنهم لا يعلمون أن البقر يتشابه وحين أدركوا الشرك الذي وقعوا فيه لم يجدوا ملجئا إلا الله فلوي الله أعناقهم وقلوبهم وجعلهم يعترفون بالحيرة التي وقعوا فيها كما إنهم أدركوا إنه من غالب الله غلبه فكانوا يتخيلون أنهم الذين سيعجزوا نبي الله موسي عليه السلام بأسئلتهم فلن يستطيع مجاراتهم ولكن حين أسقط في أيديهم ادركوا انه لا ينقذهم من هذا الموقف الحرج إلي هداية الله جل وعلا لهم فقالوا" ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون"البقرة 80 ومع هذا لم ينقذهم هذا الطلب بعد هذا العناد الغير مبرر فذكر الحق جل وعلا لهم اوصافاً ليست إلا لبقرة واحدة وحكاية هذه البقرة:- "إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها"البقرة 81 أن رجلاً من بني إسرائيل كانت له عجلة في غيطة فلما كبر سنة وكان له غلام صغير لا يقوي على العمل دعا الرجل ربه وقال إني أودعك هذه العجلة وإنا دل ذلك فإنما يدل على أن الرجل لم يأتمن أحداً من قومه عليها كما يدل على مدي ثقة هذا الرجل المؤمن بربه.
وتبين القصة أن الله جل وعلا لا يضيع اهله فكبر الغلام أصبح أبر الناس بأمه وكان إذا عمل عملاً وتقاضي أجراً قسم هذا الأجر لثلاثة أجزاء جزء لأمه وجزء يستعين به على عمله وجزء يدخره وذات يوم أخبرته أمه بأن أباه قد ترك له عجلة في غبطة فقالت له اذهب فابحث عنها فقال لها وكنت يا أمي قالت أن أباك توكل على الله واستودعها فتوكل على الله أنت واطلبها.
ومكافأة لهذا الابن البار جعل الله العجلة التي أصبحت بقرة جعلها متوحشة فلم يستطيع احد الإمساك بها ولكن حين أضرب إليها هذا الابن جاءت غليه طائعة فامسك بها وكانت ذات لون أصفر فاقع جميل يخطف الأبصار كما إنها لا تستخدم في حرث ارض ولا سقي زرع لأنها كما قلنا متوحشة فلم يكن من السهل ترويضها كما إنها سليمة من المعايب فحين وقعت أبصارهم عليها قالوا :- هي ما نريد فذهب إلي نبي الله موسي عليه السلام فقال اشتروها منه إلا ان الابن قالوا لهم لا ابيعها فعرضوا عليه مبلغاً كبيراً فإني إلا ان استشير أمى فأخذوا يزيدون في ثمنها حتي اتفقوا أن يملو جلدها بعد ذبحها ذهبا حقاّ"وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان" الرحمن /60 وحقاً"وجزاء سيئة سيئة مثلها".
فقالوا :-"الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون"البقرة 81 يا سبحان الله"أو ما أخبروا به من قبل لم يكن حقاً واضحاً أم أنهم أرادوا أن يبينوا لموسي عليه السلام إنها هي هذه البقرة التي كانوا يرغبون ذبحها؟بالطبع لا ولكن هذه طبيعة المعاندين على باطل نجدهم دائماً يجادلون ويحاورون حتي يخرج الأمر من أيديهم ويقولون حينئذ نعم هذا ما كنا نريد فحقاً"إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور"الحج 46 وقوله تعالي"وما كادوا يفعلون" بينت أنهم كانوا يتباطئون في تنفيذ الأمر لأن هذه طبيعتهم فهم لا ينفذون الأوامر بسهولة ويسر ولم يقولون أبداًُ ولو مرة واحدة"سمعنا واطعنا" ولكن كان قولهم"سمعنا وعصينا"
ولأنهم كانوا مفسدين فكان كل منهم يخشي أن يكون هو القاتل وإن دل هذا إنما يدل على أنهم كانوا غير صالحين.
وفي نهاية القصة يبين الحق جل وعلا الغرض من ذبح البقرة بالإضافة إلي ما رأيناه ونكشف لنا من طباع بني إسرائيل فقال جل وعلا"فقلنا اضربوا ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون"البقرة 82 ، فضرب سيدنا موسي عليه السلام الرجل المقتول ببعض من البقرة فأحياه الله جل وعلا بقدرته وأخبر عن قاتله.
ورغم هذه التجربة التي رأوها رأي العين وبعد الخسارة الفادحة التي تعرضوا لها فلقد انفقوا نصف ما يملكون من ذهب في صناعة العجل ثم قتلوا بسببه وحرق والقى في البحر وانفقوا النصف الأخر في دفع ثمن البقرة وكل هذا بسبب تعنتهم وطغيانهم وعدم إيمانهم بدليل أنهم بعد هذه القصة عادوا إلي سابق عهدهم حتي قال عنهم الحق سبحانه وتعالي "ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة"البقرة /83 ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خامساً - هم الذين عصوا الله ورسوله
إن ما سبق من عناد وعصيان من بني إسرائيل قد لا يعد شيئاً إذا ما قورن بعصيانهم أمر الله جل وعلا في دخول الأرض المقدسة.لأن الأرض المقدسة هي التي كانت معدة لهم للإقامة فيها عند خروجهم من مصر ويزعمون إنها أرض الميعاد فيقولون في العهد القديم :-"أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من تحت أثقال المصرين وادخلكم إلي الأرض التي أقسمت أن أعطيها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وأعطيتكم إياها ميراثاً،وأصعدهم من تلك الأرض الى أرض جيدة وواسعة تفيض لبناً وعسلاً"ومع هذا حين جاءت لهم الفرصة وأمروا بالدخول فإذا بهم ينقلبون  ويكشفون عن جبن وضعف لم يسبق له مثيل بل وبدت من أفواههم عبارات ما كان ينبغي أن تقال لنبي الله موسي عليه السلام ولا يجب أن تصدر من قوم أراد الله جل وعلا أن يفضلهم على عالمي زمانهم ونبدأ القصة:-
يذكر العهد القديم  أن موسي عليه السلام أرسل من كل سبط رجلاً يتكشفوا أحوال المدينة ليتعرفوا على ما بها وعلى أسوارها وعلى الأشخاص القاتنين بها ليعودوا إلي نبيهم موسي فيضعوا الخطة التي تناسبهم والتي يستطيعوا بها دخول المدينة ولتنفيذ أمر الله جل وعلا"ادخلوا وتملكوا الأرض التي اقسم الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم"
ولكن الصاعقة ان هؤلاء حين رأوا قوة وشجاعة الآخرين فعادوا مذعورين فقالوا لموسي عليه السلام"دعنا نرسل رجالاً قدامنا ليتجسسوا لنا الأرض ويروا لنا خبراً عن الطريق التي نصعد فيها والمدن التي نأتي إليها"فرد عليهم قائلاً:-" فأخذت منكم اثني عشر رجلاً رجلاً واحداً من كل سبط"إلا ان موسي عليه السلام طلب منهم أن يكتموا الأمر حتي لا يدخل الخوف قلوب بني إسرائيل وكان ينبغي أن يكونوا أمناء  الا انهم قالوا فذهبنا إلي الأرض التي أرسلنا إليها وحقا أنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها غير أن الشعب الساكن في الأرض متين وقوي  والمدن  حصينة عظيمة جداً وأيضاً رأينا بني عناق هناك العمالقة ساكنون في أرض الجنوب"إلا إنهم لم يحفظوا الأمانة ولا العهد فسرعان ما أنتشر الخبر في القوم ودب فيهم الخوف والجبن حتي قالوا:-"واما الرجال الذين صعدوا معه فقالوا لا نقدر أن نصعد إلي الشعب لأنهم أشد منا فأشاعوا مذمة الأرض التي تجسسوها في بني إسرائيل قائلين الأرض التي مررنا فيها لتجسسها هي أرض تأكل سكانها وجميع الشعب الذي رأينا فيها أناس طوال القامة وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة فكنا في أعينهم كالجراد وهكذا كنا في أعينهم.
ويحكي القرآن الكريم قول الحق جل وعلا:-"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم"المائدة /21ولأن سيدنا موسي عاين قومه أكثر من مرة وجرب تباطئهم وخذلانهم وعصيانهم حذرهم أشد التحذير لأن الأمر هنا يختلف فلو أنهم رفضوا دخول الأرض المقدسة وعصوا أمر ربهم فأين سيقيمون وهم مطرودون من مصر فأي أرض تأويهم إذن ؟ فلم يبقي لهم الا العراء والإقامة في الصحراء يعانون الأمرين بالإضافة إلي غضب الله جل وعلا وسخطه عليهم ولذا قال موسي عليه السلام"ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"المائدة /21.
فبدلاً من الإذعان للأمر والخوف من العصيان والتعرض لغضب الله جل وعلا نجدهم يقولون "قالوا يا موسي إن فيها قوماً جبارين"المائدة 22 ولو قالوا ذلك وحسب لأعانهم الله ولساندهم سيدنا موسي عليه السلام وقال لهم وماذا فيها؟وألم يقفوا موقفاً أصعب من ذلك فقد كانوا بين فرعون وجنوده والبحر وأمواجه ثم قالوا وقتها"إنا لمدركون"الشعراء لأن نبي الله موسي عليه السلام استعان بالله جل وعلا فقال"كلا إني معي ربي سيهدين" الشعراء وهداه الله جل وعلا وأخذ بيده ونجاه من فرعون وجنوده.
ما المانع الآن من دخول الأرض المقدسة فإذا كان أهلها أقوياء ولا يستطيعون مواجهتهم يلجئون إلي نبي الله موسي عليه السلام فيدعوا الله جل وعلا أن يعينهم ولكن يبدو أن بني إسرائيل كانوا من الضعف لدرجة اختلاط الخوف والجبن بدمائهم مما جعلهم يقولون دون تردد "وإنا لن ندخلهاابدا مادامو فيها  " المائدة 22،
أرأيت عزيزي القارئ قوة بني إسرائيل المزعومة وتخيل أن هؤلاء هم الآباء وأصحاب نبي الله موسي عليه السلام فما بالك بالأحفاد فهم أكثر خواراً وجبناً لأننا نحن من قدم  لهم الفرصةفى  احتلال أراضينا ونهب ثرواتنا وأموالنا والعجيب انهم لا يريدون مواجهة لانهم يعلمون انه ليس باستطاعتهم ذلك وصدق الحق حين قال"لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قري محصنة أو من وراء جدر" الحشر 14ولذا طلبوا من سيدنا موسي أن يخرج أهل المدينة أو لا حتي تصبح خالية حينئذ يدخلون إذا ما الدور الذي قام به بنوا إسرائيل من أجل رسالة سيدنا موسي عليه السلام زاعمين أنه سبب إيذائهم وبلائهم وعند البحر وقفوا مكتوفي الأيدي وبعد البحر طلبوا إلهاً آخر يعبدوه وعند غياب سيدنا موسي عليه السلام لميقات ربه صنعوا عجلاً وعبدوه والآن يرفضون دخول الأرض المقدسة إذ  فما الحسنات التي فعلوها والخير الذي قدموه رحم الله نبيه موسي عليه السلام الذي تحمل الكثير من المعاناة مع هؤلاء .
وليس هذا فحسب بل حين أراد اثنان من الصالحين أن يذكروا أهلهم بفضل الله وبقدرته وأن بيده ملكوت كل شيء وأن النصر من عنده سبحانه قائلين كما جاء في القرآن الكريم:-"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"المائدة 23.
وهذان الرجلان هما يوشع بن نون  بن افرايم بن يوسف عليه السلام وهو المعروف عندنا في القرآن الكريم بفتي موسي" وإذا قال موسي لفتاه"الكهف والآخر وهو كالب بن يفتة فههما القوم بأنه لم يطلب منهم إلا دخول باب المدينة فأرادوا أن ييسر الأمر ولم يذكرا قتالاً ولا مواجهة . فإن فعلوا ذلك غلبوهم بإذن الله ثم نصحوهم بأن يتوكلوا على الله حق توكله تاركين الأمر له وحده جل وعلا.
وعن هذا يقول الكتاب المقدس:-"لكن كالب أنصت الشعب إلي موسي وقال أتنا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها".
ومع كل هذا أسفروا عن وجههم القبيح ونفوسهم المريضة قائلين "قالوا يا موسي أن لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك"المائدة 24.
وليتهم إلي هنا وسكتوا لقلنا إنهم مصرون على خروج الآخرين أولا قبل الدخول إلا أنهم  من سفاهتهم وجهلهم قالوا"فاذهب أنت وربك فقاتلا  إنا ها هنا قاعدون"المائدة 24 ولا حول ولا قوة إلا بالله إلي هذا الحد وصل بهم الضعف وللمرة الثانية يقولون لموسي"وربك"وكأنهم لم يؤمنوا به بعد كل العون والنصر والتأييد والتسامح ولذا يؤكد العهد القديم  تمردهم ونكوصهم على أعقابهم فيقولون:-" فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت وبكي الشعب تلك الليلة وتذمر على موسى وعلى هارون جميع بني إسرائيل قال لهما كل جماعة ليتنا متنا في أرض مصر أو ليا متنا في هذا القفر ولماذا اتى  بنا الرب إلي هذه الأرض لنسقط بالسيف وتصبح نسانا   وأطفالنا غنيمة أليس خير لنا أن نرجع إلي مصر حتي قال بعضهم لبعض  نقيم رئيسا  ونرجع إلي مصر"
ولذا لم يطق سيدنا موسي عليه السلام هذا الهراء وهذا الجبن لأنهم في تمردهم على سيدنا موسي عليه السلام أولاً كانوا يتمردون بقسوة وشدة لولا ثبات سيدنا موسي عليه السلام لحدث ما لم يحمد عقباه ولذلك توجهه موسي عليه السلام لربه هذه المرة لا ليدخلهم المدينة دون جهاد فهم لا يستحقون ذلك بل قال:-" قال رب إنى لا لأملك إلا نفسي وأخي فأفرق بيننا وبين القوم الفاسقين" ويذكر العهد القديم :-" فسقط موسي وهارون على وجهيمها أمام معشر جماعة بني إسرائيل ويشوع من نون وكالب بن يفته...إن سر بنا الرب  يدخلنا إلي هذه الأرض ويعطينا إياها".
فكان الجزاء من جنس العمل لم يريدوا هم الدخول إلي الأرض المقدسة فحرموا منها إلي الأبد ولكن لم يحرموا وحدهم بل حرم أيضاً سيدنا موسي عليه السلام من دخولها فلم يشقوا وحدهم بل شقي معهم من دافع عنهم كثيراً فقال الحق جل وعلا"فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأسى على القوم الفاسقين"المائدة 26.
وأكد العهد القديم  على هذا فقال:- إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر وفي البرية وجربوني الآن عشر مرات ولم يسمعوا لقولي لم يروا الأرض التي حلفت لآبائهم وجميع الذين أهانوني لا يرونها".
وكلم الرب موسي وهارون قائلاً حتي متى  اغفر لهذه الجماعة الشريرة المتزمره على قد سمعت تذمر بني إسرائيل الذي يتذمرونه على فقل لهم:- لن تدخلوا الأرض التي رفعت بيدي لتسكنوا فيها ما عدا كالب بن يفتة ويشوع بن نون .
كعدد الأيام التي تجسستم  فيها الأرض أربعين يوماً للسنة يوم تحملون ذنوبكم أربعين سنة   وعن حرمان موسي عليه السلام من دخول الأرض المقدسة يقول الكتاب المقدس:-" وتضرعت إلي الرب في ذلك..لكن الرب غضب على ولم يسمع لي بل قال لي الرب كفاك لا تعد تكلمني أيضاً في هذا الأمر.  هذا بعض ما حدث من أصحاب موسي عليه السلام وهم الذين عايشوه وشاهدو النور الذي أنزل معه ورأوا المعجزات رأي العين فكان ينبغي أن يكونوا أفضل أهل زمانهم كما أنهم من المفروض أن يكونوا قدوة للأجيال اللاحقة.

أصحاب المعصوم محمد صلي الله عليه وسلم
سأتحدث في هذا الفصل إن شاء الله عن قبس من أنوار المعصوم محمد صلي الله عليه وسلم سطع على كوكبه من البشر فجعلهم "خير امة أخرجت للناس"أل عمران 110
أخرجهم بأنواره من الظلمات إلي النور،وكانوا على موعد مع القدر فأظهرهم الحق جل وعلا مع أفضل خلقه وأكرم رسله ليتمم بهم الأخلاق وليشهدوا الدنيا الأخلاق الحميدة في أعلى مراتبها وأوج عظمتها.
فلم تشهد الدنيا تواضعاً في غير مذلة كتواضع أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تسمع الدنيا عن قوة في غير عنف إلا مع أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تري الدنيا غني في غير بذخ ولا إسراف إلا في أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تعهد الدنيا إمارة في غير جور إلا تحت إمرة أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تعرف الدنيا قضاء فيه إنصاف للعدو قبل الصديق إلا قضاء أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تشهد ميادين الحروب شجاعة وبسالة في غير تهور إلا مع أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ولم تري الدنيا رحمة بالبشر والحيوان والبيئة إلا في صحبة أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم فاستحقوا رضي الحق جل وعلا فقال عنهم:-"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصاروالذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك هم المفلحون"التوبة100.
وهذه الأخلاق الحميدة التي تحلي بها أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ما هي إلا قطرة من فيض المعصوم محمد صلي الله عليه وسلم لأن الحق جل وعلا جمع فيه الصفات العلي التي توفرت في البشرية من لدن آدم عليه السلام إلي شخصه الكريم صلي الله عليه وسلم فقد كان للأنبياء مع إتصافهم بالكمال صفة يذكرون بها إذا ذكروا.
فعيل سبيل المثال إذا ذكر نبي الله إبراهيم عليه السلام نذكر معه قول الحق جل وعلا:-"إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلي صراط مستقيم".
وإذا ذكر نبي الله داود وابنه نبي الله سليمان عليهما السلام نذكر معهما قول الحق سبحانه وتعالي"ولقد أتينا داود وسليمان علماً وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل العظيم"النمل 25.
وإذا ذكر نبي الله أيوب معه قول الحق جل وعلا"إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أؤاب"ص44.
وإذا ذكر نبي الله موسي عليه السلام تذكر معه قول الحق جل وعلا "القوي الأمين" القصص /26 وإذا ذكر نبي الله إسماعيل عليه السلام نذكر معه قول الحق سبحانه وتعالي "إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" مريم /54 فجمع الحق جل وعلا هذه الصفات العلي في نبيه العظيم محمد صلي الله عليه وسلم وليكون رمزاً على مرأي ومسمع من الزمان فإذا وصف بعض الأنبياء بالصبر نجده صلي الله عليه صبر صبراً جميلاً على أذي قومه كما صبر على فقد الولد حتي تعرض لإهانة بعض سفهاء قومه حين قالوا عنه إنه"أبتر"كما صبر على المنافقين الذين أذوه في شرفه وهو راس ماله كنبي حتي برأ القرآن الكريم زوجته الطاهرة عائشة رضي الله عنها
 وإذا وصف بعض الأنبياء بالحكمة فإذا به صلي الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم فينطق بالكلمة تحتاج إلي  مجلدات لتوضيحها وليس هناك أبلغ من أحاديثه التي قد لا تتجاوز الكلمتين مثل قوله صلي الله عليه وسلم"لا ضرر ولا ضرار"بل وهناك أحاديث من كلمة مثل "لا تغضب" فأكتب ما شئت في هذين الحديثين الشريفين وإذا وصف بعض الأنبياء بالحلم فمن أكثر حلماً وعفواً وصفحاً من المعصوم الذي عفا عن قومه جميعاً يوم فتح مكة قائلاً لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وإذا وصف بعض الأنبياء بالقوة فمن أقوي من المعصوم وأكثر منه مهابة حتي لم يستطيع أحد أن يديم النظر إليه إجلالاً له صلي الله عليه وسلم.
ولقد شاءت إرادة الله جل وعلا أن يخلق محمداً صلي الله عليه وسلم لا ليكون أمة واحدة بل يوازي العالم اجمع فلقد جاء المعصوم صلي الله عليه وسلم إلي الدنيا بحسب ونسب لم يشاركه فيه أحد وقد مات أبوه وهو في بطن أمه حتي يكون فريداً في هذا النسب العظيم
 فيه توجت الأخلاق النبيلة والكرم والوفاء والشجاعة التي تحلي بها السابقين من أجداده بداية من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام إلي جده عبد المطلب الذي نحر المائتى ناقة التي كان إبرهة قد استلبها ووزعها كلها في سبيل الله وأعلنها صريحة أن للبيت رب يحميه فتصرف عبد المطلب عن عزة وكرامة وإباء لم يسبق له مثيل فرأي أن شأن البيت اعظم من أن يحدث فيه إبرهة فوكل أمر البيت الحرام لله رب العالمين ولقد صدق الله جل وعلا ظنه فحمى  بيتة وأعلى ذكره ودمر إبرهة وجيشه بطريقة نكراء
 وشاءت إرادة الله جل وعلا أن يولد المعصوم صلي الله عليه وسلم في هذا العام الذي أصبح علماً في كل الجزيرة بل وعلى مر التاريخ فكان تقدمه رائعة لميلاد حبيبه محمد صلي الله عليه وسلم ولقد نشأ محمد صلي الله عليه وسلم موضع اهتمام قريش فتسمي باسم لم يسبق أن سمي به احد من العرب قبله
وسرعان ما عادت السيدة حليمة السعيدية تحكي قصصاً كالأساطير بما رأته من البركة والخير والنماء حين نزل هذا المولود المبارك صلي الله عليه وسلم أرضهم وفي شبابه صلي الله عليه وسلم إمتاز بخلق نبيل ومرءوة وحكمة وعفة وطهور لم تعهد مكة له مثيل حتى قال أبو طالب حين خطب له السيدة خديجة رضي الله عنها"ثم أن هذا محمد ابن أخي لا يوزن به فتي في قريش إلا رجح عليه محمد نبلاً وخلقاً وحسباً ونسباً"
ولم ينكر أحد من الحضور وكانوا من أشراف مكة على أبو طالب ما قال بل والله الذي لا اله إلا هو لو قال أبو طالب لو وزن محمد صلي الله عليه وسلم بالعالم لفاق العالم كله نبلاً وخلقاً ولم لا وقد قال عنه ربه" فإنك بأعيننا"الطور 48 فلم تشهد مكة شاباً حسيباً ونسيباً ثم يمتاز بالطهر والعفة مثله فلم يشارك شبابهم اللهو والمجون ولم ينكروا عليه صلي الله عليه وسلم هجرانهم ولم ينهوه بل زادت ثقتهم به فلا خمر تذهب عقله ولا هوي يغير رأيه ولا زلام تحجر على فكره و عهدو ه وفيا ً أميناً فأتمنوه على ودائعهم وأماناتهم.
ويكفي أن أنقذهم الله جل وعلا حين نجاهم من حرب طاحنة يوم اختلفوا في وضع الحجر الأسود فقالوا رضينا بالصادق الأمين حكماً فأصبح ذكر محمد صلي الله عليه وسلم ملْ الأسماع في مكة ومجالسها وفي بيوتها بل وربما ذاع صيته صلي الله عليه وسلم في الجزيرة معلنين اسم الرجل الشاب الحكيم الذي استطاع أن يحقن دماء القريش القبيلة العظمى أنذاك محط أنظار الجزيرة كلها.
وتوج الحق جل وعلا هذه الأخلاق الحميدة وهذا النسب الفريد بالنبوة فأصبح محمد صلي الله عليه وسلم فريداً حقاً في كل الزمان لأن نبؤته صلي الله عليه وسلم جاءت مهيمنة على الرسالات السابقة ومصدقة لها بل فرض الحق جل وعلا على الأنبياء الإيمان بمحمد صلي الله عليه وسلم" وإذا اخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدقاً لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم أصري قالوا أقررنا قال فأشهدوا أنا معكم من الشاهدين"أل عمران 81.
فاق المعصوم صلي الله عليه وسلم السابقين وختم الله به الرسالات فلن يأتي بعده نبي وبهذا فاق اللاحقين فصدق فيه قول الإمام البوصيري:-
فاق النبيين في خلق وفي خلق      ولم يدانوه في علم ولا كرم.
وبين سيدنا حسان بن ثابت أن المعصوم صلي الله عليه وسلم لم يُخلق مثله في نبوة ولا في خلق فقال رضي الله عنه يوم انتقال المعصوم إلي جوار ربه:-
وما فقد الماضون مثل محمد        وما مثله حتي القيامة يفقد
ولبى النبي صلي الله عليه وسلم أمر ربه جل وعلا حين قال "وأنذر عشيرتك الأقربين"واخبره الحق جل وعلا بأنه صلي الله عليه وسلم سيلقي عناداً من قومه فقال له "ولربك فاصبر"
فأعلمه أن هذه الغاية الجليلة تستحق الصبر الجميل ثم طمأن الحق جل وعلا نبيه بأن عنادهم ليس طعناً في شخصه ولا شكاً  فيه او  فى  صدقه وإنما هو الحسد والحق قال "إنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وليس هذا فحسب بل إنهم من فرط حسدهم أخبره الحق جل وعلا بقوله"وإن يكاد الذين كفروا ليذلفونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر"القلم 51.
وسط هذه الزحامات من العناد والجدال والأقاويل التي نسبوها إلي شخصه الكريم صلي الله عليه وسلم طمأن الحق جل وعلا نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم فأرسل إليه إشارات لا يفهمها إلا هو صلي الله عليه وسلم بأن دينه سيصل إلي الأفاق وستسمع الدنيا كلها دعوته فأتي القدر برجال عظماء من كل فئات قريش فأتي الصديق رضي الله عنه وكأنه ينوب عنه فئة الأثرياء والتجار واتي حمزة بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب من فئة الأشراف وهاتان هما الفئتان اللتان تعيشان في مكة فكان إيذاناً بدخول مكة يوماً ما في دين  الله مما جعل النبي محمد صلي الله عليه وسلم يقول لجبريل عليه السلام يوم جاءه بملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين فقال"دعهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول  "لا اله إلا الله"
ثم أكرم الحق جل وعلا نبيه صلي الله عليه وسلم فألقي الإيمان في قلوب أبناء البلاد المجاورة فكان بلال رضي الله عنه ينوب عن الحبشة بل وأفريقيا كلها ثم صهيب الرومي نيابة عن سقوط الدولة الرومانية ودخولها في حوزة الإسلام وسلمان الفارسي  دلالة على دخول فارس وما بعدها في الإسلام ولذا أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه يوماً رغم الضعف الذي كانوا فيه فقال"لقد زوي الله لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ديني سيبلغ ما زوي لي منها"
ثم يتابع الناس الدخول في دين الله راضين مختارين حتي وقف مع الرسول صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع على عرفات ما يزيد على مائة وأربعة عشرة ألف رجل يقولون"لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك" فعلمهم أمور الدين واخذوا عنه صلي الله عليه وسلم مناسكهم حتي قال" تركتم على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"
وهؤلاء الصحب الكرام لهم مواقف تفوق الوصف لا يجد الفرد أمامها من فرط  عظمتها إلا أن ينحني إجلالاً وإكباراً لهؤلاء الذين عايشوا الرسول صلي الله عليه وسلم وكيف اقتبسوا من نوره حتي ذابوا فيه صلي الله عليهم وسلم وأصبحوا جميعاً كجسد واحد .
وصدق فيهم وفيه صلي الله عليه وسلم قوله"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضواً تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي"
فكانوا مثلاً رائعاً في تطبيق هذا الحديث الشريف فلو قرأت سيرتهم العطرة ورأيت كيف كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحنو عليهم ويشفق بهم ويستغفر لهم حتي قال عنه ربه جل وعلا "النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم" الأحزاب 6 وقال جل وعلا "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم"التوبة 128.
ورأيت كيف ساندوا الرسول صلي الله عليه وسلم وردوا عنه وضحوا بأرواحهم من اجله صلي الله عليه وسلم ولم يتوانوا لحظة في الدفاع عنه صلي الله عليه وسلم وعن الإسلام ولم يتخلفوا عنه في سرية أو في غزوة أو في تنفيذ أمر بل كانوا مثلاً عالية في طاعة الأمر حتي قال عنهم الحق سبحانه
 "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"البقرة 285.
ولم يصبروا على فراقه ولو للحظة ولما رأوا وهو صلي الله عليه وسلم كما قال عنه ربه جل وعلا "قد جاءكم من الله نور"فسطع عليهم من نوره فامتزجوا بأنواره حتي أصبحوا شموساً وأقماراً تنير الزمان والمكان بإيمانهم وصدقهم ونياتهم وعزيمتهم مما أذهل العالم وكما كانوا رجالاً ورسول الله بين  أطهرهم كانوا أيضاً رجالاً حين اسند  الأمر إليهم وحملوا أمانة الدعوة حتي قال عنهم صلي الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"وليس هذا فحسب أشار إلي أن قدرهم لا يدانيه قدر فقال"الله الله في أصحابى فلو أنفق أحدكم مثل احد ذهباً لا يقابل مد أحدهم ولا نصيفه"
وأثني عليهم الحق جل وعلا فقال"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم  ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا "الفتح/29.
وقال جل وعلا عنهم "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"الأحزاب /23.
وكما تناولت بعض المواقف لأصحاب سيدنا موسي عليه السلام رأبت أن اسرد بعض المواقف لأصحاب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لنرى هل سيقول أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم له"أوذينا" كما قال أصحاب سيدنا موسي عليه السلام وهل سيرجعون إلي عبادة الأصنام كما صنع بعض قوم موسي عليه السلام  وعبدوا العجل وهل سيخشون مقابلة الأعداء ويقولون" فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون"المائدة 24 
ولنري كيف تصرف أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم الذين كانوا في منعة وعزة وثمار ونعيم بعكس بني إسرائيل الذين كانوا في مذلة وشقاء واستعباد ومع هذا حين دخل الأنصار في حروب طاحنة ورمتهم العرب بقوس واحدة لم ينقضوا عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يتخلفوا ولم ينكصوا على أعقابهم ولم يتركوه وحده صلي الله عليه وسلم يواجهه الصعاب بل كانوا طوق نجاه له وكانوا يقولون نحورنا دون نحرك يا رسول الله صدورنا دون صدرك يا رسول الله فأصبحوا ولا غاية لهم إلا رضاء الله وحب  الله وحب رسوله صلي الله عليه وسلم فهيا نقترب من الصحب الكرام لنقتطف زهرات يانعة التي كانت وستظل يشار  إليها  بالبنان وسيظل عبيرها وشذاها على مر التاريخ لينهل منها كل جيل القوة والرحمة والعظمة في أبهي صورها :-
بعض مواقف أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم:-
أولاً : هم الذين أحبوا الله ورسوله
لقد أحب أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم نبيهم محمداً صلي الله عليه وسلم حباً ملك عليهم كل جوارحهم فأحبوه أكثر من أنفسهم وأولادهم ولما لا وقد جعل الحق جل وعلا حب نبيه صلي الله عليه وسلم فريضة بل جعله باباً لرضاه جل وعلا إذ يقول سبحانه وتعالي"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم"أل عمران 31ولا نستطيع أن نفرق بين أصحاب محمد صلي عليه وسلم فهم جميعاً يحبونه حباً جماً وما نذكره  فهو على سبيل المثال لا الحصر:-

أ- زيد بن الدثنة رضي الله عنه:-
أرسله رسول الله صلي الله عليه وسلم ضمن سبعة إلى قبيلة عضل والقارة ليعلموهم أمور الدين إلا أنهم غدروا بهم في الطريق فقتلوهم وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وباعوهم لأناس في قريش ليقتلوهم بقتلاهم يوم بدر ولقد ساوموا خبيباً وزيد عند طلبهما فقال أبو سفيان لزيد بن الدثنة يا زيد:أسالك بالله .ألا تحب أن تكون أنت الآن معافى في أهلك ومالك ومحمد صلي الله عليه وسلم هنا عوضاً عنك ؟فغضب زيد أشد الغضب ثم قال والله يا أبا سفيان:- ما أود أني في أهلي ومالي وأن محمداً صلي الله عليه وسلم يصاب بشوكة في مكانه الذي هو  .فيه فقال أبو سفيان والله ما رأيت أحداً يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمد صلي الله عليه وسلم وشاءت إرادة الله جل وعلا أن يشهد هذا اللقاء شاعر عربي فتأثر بالموقف فانشد يقول:-
أسرت قريش مسلماً في غزوة         فمضي بلا وجل إلي السياف
سألوه هل يرضيك أنك سالم       ولك النبي فدي من الإتلاف
فأجاب كلا, لا نجوت من الردي      ويصاب أنف محمد برعاف
ب- سواد بن غزية رضي الله عنه:-
كان أحد الجنود الأوفياء يوم بدر  وواحد من المخلصين الذين أحبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم فلما أحس بقرب أجله وأنه قد ينال الشهادة وقد لا يلقي بعدها المعصوم صلي الله عليه وسلم فأراد أن يكون آخر عهده بالدنيا أن يمس جسده صدر رسول الله ولقد كان صادقاً في نيته وحتي نعلم أن الصحابة ذابوا حباً في رسول الله حتي إنه صلي الله عليه وسلم كان يقرا ما يدور  بخاطره فيبادر بتحقيقه له ومن هذا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قام  بتعديل الصفوف يوم بدر وكان سواد بن غزية متقدماً من الصف فضربه الرسول  بعود صغير كان في يده قائلاً  استو   يا سواد فقال سواد:- يا رسول الله أوجعتني فأقدني أي إنه يريد  القصاص من رسول الله صلي الله عليه وسلم فكشف النبي عن بطنه وقال استقد فأعتنقه سواد وقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد .قال يا رسول الله قد حضر ما تري :أي من القتال والجهاد ،فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله بخير.
ج- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي الله عنهما:-
إن هذين الرجلين العظيمين لهما من المناقب لا تعد ولا تحصي ولهما سابقة في الإسلام وفي الأنصار ليست لأحد وأحبا رسول الله صلي الله عليه وسلم حباً جماً ولهما من المواقف الكريمة التي نصر الله بها الإسلام وأعز بها هذا الدين العظيم ما لا يعد ومن هذه المواقف الجليلة موقفهم يوم الأحزاب فلقد بدر منهم موقفاً عجيباً إن دل فإنما يدل على شجاعة وعزة منقطعة النظير وأجمل من ذلك إيمانهم المطلق بالله جل وعلا وبالرسول العظيم محمد صلي الله عليه وسلم  الذي أنساهم أي خطورة وأنساهم هموم الحرب والحصار.
فلقد جاءت قريش والقبائل المجاورة بإيعاذ من زعيم  اليهود حي بن أخطب الذي ظل يؤلب قريش والجزيرة حتي حاصروا المدينة بجيش جرار لم تشهد المدينة له مثيل من قبل وطال الحصار قرابة شهر والرسول وأصحابه مرابطون ليل نهار وراء الخندق فلم يستطيعوا أن يتركوا الموقع خشية أن ينقض الأعداء في لحظة سهو وزاد الأمر سوءاً أن علم الرسول صلي الله عليه وسلم أن يهود بني قريظة نقضوا العهد فأصبح الرسول صلي الله عليه وسلم عند الخندق والأولاد والنساء في المدينة .
 فأصبحوا بين شقي الرحى فكانوا في لحظات عصيبة قال عنها الحق جل وعلا :-" وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزلاً شديداً "الأحزاب 13.
أرأيت عزيزي القاري مدي المعاناة التي يعيش فيها الرسول ومن معه حينئذ رأي الرسول صلي الله عليه وسلم أن يقوم بعمل يحاول به أن يفك وحدة الجيوش المعادية وبخاصة أنها كانت من قبائل متفرقة وكان أغلبها تحت قيادة غطفان وتحت إمرة رئيسيها عيينه بن حصن والحارث بن عوف .
 فرأي صلى الله عليه وسلم   إن أعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بالجيش فإن حدث ذلك سيدب الخلاف والتخاذل بين الأعداء فيفكون هذا الحصار المرير . ولأن المدينة لها أهلها وهم الذين أؤوا ونصروا الرسول صلي الله عليه وسلم والمسلمين  فدعا النبي رؤساء الأنصار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وعرض عليهما ما سبق فقالا له:-"أهو أمر من الله ليس لنا أن نتخلف عنه أم رأي تراه لنا فقال صلي الله عليه وسلم بل هو أمر أراه لكم بعد أن رمتكم العرب عن قوس واحدة::فقالوا يا رسول الله لا حاجة لنا فيه فقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعباده الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قري أي ضيافة أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا الله بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف.
 وصوب النبي صلي الله عليه وسلم رأيهما بعد ما رأي فيهم هذا الموقف النبيل ولابد أن هذا  هو رأى   كل الأصحاب المرابطين عند الخندق رضي الله عنهم. أرأيت الفارق بين هؤلاء وبين بني إسرائيل الذين  كانوا مستعبدين لفرعون أذلاء فحين أكرمهم الله جل وعلا بموسي عليه السلام وتعرضوا لبعض المعاناة قالوا لموسي عليه السلام:-"أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا"المائدة أما أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم كانوا في بساتين ونعيم وظلال دائم ولكن حين رمتهم العرب عن قوس واحدة وقارنوا ذلك برسول الله والجنة فروا أن الرسول صلي الله عليه وسلم أغلى من ألف حياة يعيشونها وأغلى من أي دنيا فقالوا "فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف"فأي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً".
ثانياً - "هم الذين قالوا سمعنا وأطعنا
لم تشهد الدنيا رجالاً سمعوا وأطاعوا لنبيهم كأصحاب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فلم يترددوا أبداً في أمر أصدر إليهم ولقد رأينا في العهد القديم كيف عاند بنوا إسرائيل أنبياءهم ولم ينفذوا أوامرهم بسهولة أما أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم أمرهم الرسول صلي الله عليه وسلم بحفر الخندق فحفروا وأمرهم بالجهاد فجاهدوا أمرهم بالهجرة فهاجروا ولم يبدر منهم إلا قولهم"سمعنا وأطعنا"وسأذكر هنا الثلاث هجرات  لنرى كيف استجاب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لتوجيهات نبيهم محمد صلي الله عليه وسلم:-
أ- الهجرة الأولي للحبشة:-
حين أمر الحق جل وعلا نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم بقوله سبحانه "يا أيها المدثر قم فأنذر ..وربك فكبر"المدثر3،2،1.قام النبي بدعوة أهل مكة معلناً إياهم انه رسول رب العالمين وانه بشير ونذير لهم ودعاهم إلي عبادة الله الواحد الأحد ونبذ عبادة الأصنام إلا أن هناك فئة من قريش أعماها الحقد وأغواها الشيطان فناصبت الرسول صلي الله عليه وسلم العداء وغرهم صبر محمد صلي الله عليه وسلم وهدوءه.
 فأنزلوا العذاب بكثير ممن آمن به صلي الله عليه وسلم وزاد من غيظهم وحنقهم أن استعذب أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم العذاب وازدادوا تمسكاً بنبيهم بل ويزداد عددهم يوماً بعد يوم فأشفق النبي صلي الله عليه وسلم على أصحابه فنظر حوله فرأي أن القبائل المجاورة كلها أو أغلبها يدين بالولاء لقريش فإن أرسل أصحابه إلي هناك فمن السهل أن ينزلوا بهم العذاب حتي يرضوا قريش لأنها في نظر الجزيرة حاضنة البيت الحرام وإن أبقي أصحابه في قريش مع كل هذا العذاب فقد يفتنوا في دينهم.
 فاخبر الحق جل وعلا نبيه عن ملك عادل في ارض الحبشة إن أرسل إليه أصحابه فلن يضرهم أحد ما داموا في جوار هذا الملك فأمر النبي أصحابه بالهجرة إلي الحبشة فخرجوا على الفور  تاركين الوطن الذي قضوا فيه طفولتهم وشهد شبابهم إلي عالم مجهول لا يدرون مالله قاض عليهم فيه ولكنهم أصحاب محمد تربوا على " ماكان لمؤمن ومؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"الأحزاب 36 وكانوا اثني عشر رجلاً وأربع نسوة وأمر النبي صلي الله عليه وسلم عليهم عثمان بن عفان وكانت معه زوجته رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي قال عنهم رسول الله "إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام" وشاءت إرادة الله أن يجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا إلي الحبشة وكان رحيلهم في ظلمة الليل حتي إذا كان النهار وعلمت قريش كانوا قد وصلوا إلي الحبشة وأقاموا في أحسن جوار وكان هذا في شهر رجب من السنة الخامسة للنبوة أي عام 616م أي العام السادس قبل الهجرة إلي المدينة.
ب- الهجرة الثانية للحبشة:-
لقد صدق الحق جل وعلا حين قال"أرض الله واسعة"الزمر10وحين قال سبحانه"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده"وقوله تعالي "قل سيروا في الأرض"لآن هذه الآيات الكريمة كانت إشارة للنبي صلي الله عليه وسلم بألا يرغم أصحابه على البقاء في مكة يعذبون ويهانون ويفتنون في دينهم في حين أن أرض الله واسعة فلما لم يهاجروا إليها وبخاصة أنهم حملة الدين الخاتم الذي سينشر في كل أنحاء العالم فربما يصبح أهل البلاد التي يهاجرون إليها اليوم كلهم مؤمنون بالله ورسوله يوماً ما ومن ثم حين استقر المسلمون الأوائل الذين هاجروا إلي الحبشة وشعروا بالأمان هناك بينما  يعذب إخوانهم أشد العذاب ولذا لم ير الرسول صلي الله عليه وسلم بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلي الحبشة مرة أخري.
لأن بعد الهجرة الأولى بشهرين أي في شهر رمضان من نفس السنة بلغ المسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد اسلموا والذي حدث هو أن الرسول صلي الله عليه وسلم فأجا قريش يوماً في شهر رمضان فقرأ عليهم سورة النجم وكانت أول مرة تسمع قريش كلها القرآن فأنصتت لهذا القرآن الإلهي العظيم وفي آخر السورة وحين قرأ الرسول قول ربه سبحانه وتعالي" وأن إلي ربك المنتهي وانه هو أضحك وأبكي وأنه هو أمات وأحي وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمني وان عليه النشأة الأخرى وانه هو أغني واقني وأنه هو رب الشعري وأنه أهلك عادا الأولي وثمود فما أبقي وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغي والمؤتفكة أهوي فغشها ما غشي فبأي الاء ربك تتماري هذا نذير من النذر الأولى أزفت الأزفة ليس لها من دون الله كاشفة أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولاتبكون وأنتم سمدون فاسجدوا لله واعبدوه"النجم 42/62 فإذا بهم وقد طارت قلوبهم بعدما قرعت هذه الآيات أسماعهم فحين سجد النبي بعد تلاوتها لم يتمالك أحد منهم نفسه إلا وخر ساجدا من روعة الحق .
 وصدق الحق حين قال "ولو نشاء لنزلنا عليهم من السماء أية فظلت أعناقهم لها خاضعين  " ولكنها رحمة الله الذي لا يريد قوالب تعبده بل يريد قلوباً توحده وتشكره وتؤمن به حق الإيمان ولكن عادت قريش إلي ما كانت عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله حينئذ عاد من كان بالحبشة إلي مكة وقبل دخول مكة بلحظات أدركوا الحقيقة فمن تمكن منهم بالرجوع إلى الحبشة عاد على فوره ومن لم يستطيع دخل مكة في جوار رجال من قريش.
إلا ان قريش فتحت عيونها هذه المرة حتي إذا خرج أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم مرة أخري أطبقوا عليهم ولكن أين هم من قدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء الذي إذا  أراد الله أمراً أصابه فخرج هذه المرة ثلاثة وثمانون رجلاً وثماني عشر إمراة وسبحان الله الذي يحول بين المرء وقلبه فرغم يقظة قريش إلا أن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم تمكنوا من الوصول إلي الحبشة وحاولت قريش أن ترسل في أثرهم من يأتي بهم ولكن شاءت إرادة الله ان يحول بين قريش وبينهم لنعلم أن صدق الله .
ج- الهجرة إلي المدينة
لقد استقر المسلمون المهاجرون في الحبشة في الوقت الذي ضاعفت فيه قريش العذاب على أهل مكة من المسلمين وخاصة حين فشل رسلها في إعادة المهاجرين إليها.
فلماذا لم يأمر الرسول صلي الله عليه وسلم كل المسلمين بالهجرة إلي الحبشة ولما لم يهاجر هو صلي الله عليه وسلم إليها ليريح أتباعه من العذاب؟الإجابة واضحة وهي :- إن الحبشة وإن كانت أمنة يومئذ فهي لا تصلح أن تكون مقراً للدين الإسلامي لأسباب.
 أولاً:- فإن الملك الذي ذهبوا عنده هو النجاشي اصحمة بن الأبحر حقاً كان ملكاً عادلاً وأعطاهم الأمان ولكن ماذا لو جاء بعده ملكاً ظالماً واستطاعت قريش الوصول إليه والمسلمون كلهم لديه بما فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم حينئذ لا تؤمن العواقب فقد يخد لهم الأخاديد ويضرم لهم النيران ويعاني المسلمون الأمريين .
ثانياً:- الحبشة كانت تابعة أنذاك للدولة الرومانية والتي كانت تدين حينئذ بالنصرانية فإذا ذهب المسلمون جميعاً واتخذها الرسول صلي الله عليه وسلم مقراً فيتصادم المسلمون مع النصارى وسيقال :- إما أن الإسلام هو نتاج النصرانية ومولودها الجديد .
وإما أن يتفاتل المسلمون مع النصارى فيكونون يئس المثال استضافوهم فقاتلوهم و الأهم من ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم هل ستكون الحبشة تحت إشرافه أم تحت إشراف ملكها وإذن لتحول الأمر إلي شيء أخر  وأصبح الرسول تابعاً لإرشادات ملك الحبشة وهذا لا يصح بحال من الأحوال.
والسؤال الثاني مادامت الحبشة لا تصلح أن تكون مقراً للدين الإسلامي لتنطلق منها إلي العالمية فلماذا لم يدعو الرسول صلي الله عليه وسلم على مشركي قومه كما فعل سيدنا نوح عليه السلام فأهلكهم الله وسينصر المؤمنين واتخذوا مكة مقراً لهم فينطلقوا  منها وهذا أيضاً لا يجوز .
 أولاً لأن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يبعث لعاناً ولا فحاشاً إنما هو رحمة مهداة فقال عنه ربه جل وعلا "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" كما أنه صلي الله عليه وسلم قال"إن الله أعطي لكل نبي دعوة مستجابة فعجل كل نبي دعوته إلا أنا فاختبات دعوتي شفاعة لأمتي"فأيهما أولي  بدعاءالرسول صلي الله عليه وسلم  ايرجو ربه جل وعلا في هلاك فئة قد تموت وحدها أو يفنيها القدر يوماً ما أم يصبر ويدخرها ليوم تشخص فيه الأبصار إبراهيم 42ويوم يفر المرء من أخيه) عبس /34.
كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم يعلم أن دعوته ستصل إلي الأفاق فلا يريد رجالاً أرغموا على الإيمان بل يريد رجالاً أشربوا الإيمان وحب الله وحب رسوله لأنهم سيواجهون عقبات لا يعلم خطرها إلا الله بالإضافة إلي ذلك فإن قريش كانت لا تزال في نظر الجزيرة حاضنة البيت الحرام والوريث الشرعي لدين إبراهيم ولا تري الجزيرة محمداً صلي الله عليه وسلم وأصحابه إلا فئة يريدون أن ينزعوا من قريش زعامتها ومكانتها فيقال بأن الدين الإسلامي قام على أنقاض قريش وزعامتها واستمد قوته وزعامته واحترامه من تقدير العرب لقريش إذن الرسول صلي الله عليه وسلم يريدها لا شرقية ولا غربية بل يريد مدينة بكراً ذات أوصاف خاصة أعدها الله منذ الأزل أن تكون مهجر نبيه وصحبه وان تكون مستقراً لدعوته ويكون الرسول صلي الله عليه وسلم بها هو الأمر الناهي صاحب الكلمة العليا وهذا حقه لأنه اشرف الخلق والمبلغ عن الخالق فلا ينبغي أن يكون تحت ضغط أو قيادة أخرى ولذا أمر الحق جل وعلا رسوله وصحبه الكرام بقوله"فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم"لماذا؟
أولاً:- لأن الإسلام في بدايته يحتاج إلي رجال أشداء أقوياء عقلاء يؤمنون بالله حق الإيمان لا يشوب إيمانهم شائبة لأنهم سيكونوا مرآة هذا الدين فإذا لاحظ عليهم من يخالطهم فيما بعد أي خلل في سلوك لن يثقوا إذن لابهم ولا بهذا الدين وينتهي الدين في مهده . فالحكمة تقتضي أن الرعيل الأول يجب أن يصل في التربية والإيمان المطلق لدرجة الكمال لأنهم لن يكونوا قدوة فحسب بل سيواجهون صعاب شاقة فهم عما قليل سيؤمرون بالهجرة والهجرة ليست رحلة سياحية فالسائح يعلم انه في رحلة يستكشف فيها عالماً جديداً يستمتع به يقيم في أغلى الفنادق ويأكل في أفضل المطاعم واشهر المأكولات وفوق هذا معه أمواله التي تكفيه وبعد هذا الاستمتاع يعود إلي وطنه فيجد منزله كما تركه وأهله كما هم بل في اشتياق إليه.
أما المهاجر سيهاجر سراً متخفياً تاركاً أهله ووطنه وأمواله ولك أن تتخيل لوعة الفراق ثم هو سيسير في صحراء شديدة البرودة ليلاً شديدة الحرارة نهاراًُ وليس معه غذاء ولا ماء ناهيك عن مصاعب الصحراء من ذئاب وسباع ولصوص وإن قدرت له السلامة فكيف يستقبله أهل المكان الجديد وكيف سيعيش بينهم وهو ينوي الاستقرار والنهوض بأمر هذا الدين.
إذا فكان إعداد المهاجرين نفسياً ودينياً وخلقياً أمراً واجباً ولذلك عرضهم الحق جل وعلا لإختبارات عديدة"لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"البقرة 143فشاء قدر الله أن تضاعف قريش العذاب ووسط هذا الصراع يري المسلمون الرسول صلي الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف ويدخل مكة في جوار رجل مشرك وهو المطعم بني عدى لنرى كيف يتصرف المسلمون وفيما يفكرون .
هل ينقص ذلك قدر رسول الله عندهم أم يزداد يقينهم بأن ما هذه إلا صعوبات في طريق النجاة ثم يكافي الحق نبيه محمد صلي الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج وتعلم قريش وليس الغرض قريش بقدر ما هو مراد من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم فيا تري هل سيصدقون دون نقاش كما فعل الصديق رضي الله عنه أم أن إيمانهم مازالت تشوبه شائبة.
فحين استقر الإيمان في قلوبهم هيأ الحق سبحانه وتعالي المكان الذي سيهاجرون إليه لنه لابد أن يكون له أوصاف تناسب هؤلاء السابقون الأولون وبخاصة أنهم في صحبة خير خلق الله ولذا:-
شاء القدر أن تكون المدينة هي مهجر النبي صلي الله عليه وسلم وحقاً كان نعم الاختبار أولاً:- لأن موقعها الجغرافي يجعل من الصعب دخول الأعداء إليها فهي بين جبلين والبيوت في الأعالي فليس لها إلا مدخل واحد للجيوش من  بين الجبلين فمن السهل التصدي للعدو مثلما حدث يوم الخندق.
ثانياً:- كان أهل المدينة مع كثرة عددهم يرجع أمرهم إلي رجلين عظيمين هما  سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي الله عنهما  حتي انه بإيمانها آمنت المدينة كلها وإن دل ذلك فإنما يدل على مدي الترابط والصلة والتراحم والتعاطف بين هؤلاء الأخوة.
ثالثاً:- وجود هؤلاء بجوار اليهود كان له فائدتين
 الأولي :  أنهم سمعوا من اليهود عن النبي الخاتم الذي ظهر أوانه وكان اليهود دائماً يستفتحون به في الحروب فينتصروا فعزم أهل المدينة حين علموا بالرسول محمد إلا تسبقهم اليهود إليه.
الثانية:- وإن كانت سيئة أنذاك إلا أنها أفادتهم فيما بعد وهي ان جيرتهم لليهود تسببت في نشوب الحروب بين الأوس والخزرج لأن اليهود كانوا دائماً يوقعون العداوة والبغضاء بينهم ليبيعوا لهم السلاح ويضمنون العيش في أمان مادام جيرانهم في اختلاف فالحرب الطويلة جعلت من أهل المدينة فرساناً أقوياء لا يهابون الموت ومدربين  على كل فنون القتال.
رابعاً:- أن الحروب الطويلة أنهكت أهل المدينة فحين جاءهم من يخبرهم بالدين الجديد الذي بحث على الروابط والأخلاق الكريمة ويأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي فاستجابوا لله وللرسول رغبة منهم في أن يحيوا حياة طيبة.
خامساً:- لابد من إعداد أهل المدينة دينياً وخلقياً كما أعد المهاجرون لأن أهل المدينة باستضافتهم للمهاجرين سيواجهون أعباء كثيرة منها :- أن العرب واليهود سيقاتلونهم  على قلب رجل واحد كما أن عليهم أن يكرموا المهاجرين الذين جاءوا دون مال ولا أي شيء تحقيقاً لمبدأ الأخوة"إنما المؤمنون أخوة" وتحقيقاً لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
وبهذا أصبح الجميع على استعداد لتنفيذ أمر الله فحين أمر الرسول أصحابه رضوان الله عليهم بالهجرة قالوا سمعنا واطعنا رغم إقبالهم على مستقبل مجهول لا يدرون عواقبه إلا أنهم تعلموا وامنوا بقوله تعالي"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".
وأهل المدينة  أكرمهم الله بالإسلام على يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير حتى لم يبق تقريباً بيت في المدينة إلا وآمن بالله جل وعلا ونبيه محمد صلي الله عليه وسلم أرسلوا وفوداً إلي النبي صلي الله عليه وسلم في مكة فبايعوه بما يعرف باسم"العقبة الأولي" والثانية فرغم الشروط التي وضعها النبي صلي الله عليه وسلم وهي كما روي الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال:-
قلنا يا رسول الله علام نبايعك" قال صلي الله عليه وسلم :- 1- على السمع والطاعة في النشاط والكسل   2- النفقة في العسر واليسر  3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  4- أن تقوموا في الله .لا تأخذكم في الله لومة لائم  5- أن تنصروني إذا قدمت إليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم .ولكم الجنة
ويؤكد ابن اسحاق فيما راوه ابن كعب ان البراء بن معرور أخذ بيد  الرسول صلي الله عليه وسلم فقال:- نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنك مما نمنع أزرنا منه فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحرب وأصل الحلقة ورثناها كابر عن كابر"وحتى تعلم عزيزي القارئ مدي الخطورة التي سيقدم عليها هؤلاء يذكر ابن اسحاق أن أبو الهيثم بن التيهان اعترض القول فقال :- يا رسول الله إن بيننا ويين الرجال(أي اليهود)حبالاً وإنا قاطعوها فهل عسيت أن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلي قومك وتدعنا.قال :- فتبسم رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال:- بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" كما أخذ الرسول عليهم العهد وقالوا سمعنا وأطعنا أخذو ا هم أيضاً العهد على رسول الله صلي الله عليه وسلم الا يتركهم إذا أعز الله دينه فقال صلي الله عليه وسلم  سمعاً وطاعة أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم نعم هؤلاء الصحب الكرام وكأنهم حقاًَ فرد واحد "إذا اشتكي عنه عضواً تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي".
ثالثاً : - هم الذين رضي الله عنهم.
من يتابع أصحاب الأنبياء السابقين يري بحق أن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم استحقوا رضوان الله جل وعلا لأنهم كانوا نعم العون لنبي الله محمد صلي الله عليه وسلم ولم يجادلوه ولم يسلموه بل كانت نحورهم دون نحره صلي الله عليه وسلم فلم يفعلوا مثل ما فعل أصحاب موسي عليه السلام أكثر من مرة ومنها حين أمروا بالخروج من مصر وساروا ليلا مع نبي الله موسي ووصلوا إلي البحر ورأوا فرعون خلفهم في القرآن قالوا"إنا لمدركون"الشعراء 61وفي العهد القديم  قالوا "فلما اقترب فرعون رفع بنوا إسرائيل عيونهم وإذ المصريون راحلون ورآهم ففزعوا جداً وصرخ بنوا إسرائيل إلي الرب وقالوا لموسي:هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية؟ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر" 
وحينئذ فضلوا خدمة فرعون والاستبعاد عن الإيمان بالله جل وعلا وسيدنا موسي عليه السلام رغبة في أي حياة وصدق فيهم قول الحق جل وعلا في القرآن"يود أحدهم لو يعمر ألف سنة "فقالوا لسيدنا موسي عليه السلام"أليس هذا هو الكلام الذي  كلمناك به في مصر قائلين كف عنا نخدم المصرين؟لأنه خير لنا أن نخدم المصرين من أن نموت في البرية"و  الله الذي لا اله إلا هو لولا تداركهم الله برحمته ودعا موسي عليه السلام ربه وطمأنهم بقوله"قال كلا إني معي ربي سيهدين"الشعراء 62. لجمد الدم في عروقهم ولماتوا خوفاً وفزعاً من هول المفاجأة  .قالوا ذلك وهم أكثر من ستمائة ألف مقاتل بل والأعجب من ذلك أنهم حين استقر بهم المقام وطلب منهم دخول الأرض المقدسة نكصوا  على أعقابهم وقالوا فى  العهد القديم  في ذلك"فرفعت الجماعة صوتها وصرخت وبكي الشعب تلك الليلة وتذمر على موسي وعلى هارون جميع بني إسرائيل وقال لهم كل الجماعة لبتنا متنا في أرض مصر أو لبتنا متنا في هذا القفر"
 وعن أصحاب عيسي عليه السلام قالوا في العهد الجديد في ذلك" حينئذ ذهب واحد من ألاثني عشر الذي يدعي يهوذا الأسخريوطي إلي رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟فجعلوا له ثلاثين من الفضة وفي ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمة"
ومنهم من تركه وقت الشدة فيقول العهد الجديد  أن بطرس وهو أحد الحواريين تنكر للمسيح وقت القبض عليه كما يزعمون  فقالوا:- أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار فجاءت إليه جارية قائلة :-أنت كنت مع يسوع الجليلى فأنكر قدام الجميع قائلاً:- لست أدري ما تقولين" 
أما أصحاب سيدنا محمد فتعرضوا لمواقف حرجة أكثر مما تعرض لها بنوا إسرائيل ومع هذا اثبتوا بحق أنهم "خير أمة أخرجت للناس" أل عمران 110 ووقفوا بجانب نبيهم محمد صلي الله عليه وسلم واقر الله جل وعلا نبيه بهؤلاء الصحب الكرام واليك عزيزي القارئ ثلاثة مواقف من الآف المواقف المشرفة لأصحاب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
أ- يوم بدر:-
لقد ذكرنا من قبل أن الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه هاجروا إلي المدينة واستقروا بها إلا أن أموالهم وبيوتهم تركوها في مكة رغم أنوفهم فسلبها أهل مكة وأتخذوها غنيمة في حين ابقي النبي صلي الله عليه وسلم ابن عمه على بن أبي طالب ليرد الأمانات إلي كانت عنده إلي أهلها.
فكانت المروءة تقضي أن يرد أهل مكة على المهاجرين أموالهم مثلما فعل رسول الله ولكنهم استحلوها لأنفسهم ولم يكتفوا بذلك بل تعقبوا المهاجرين في ديارهم الجديدة  ليفسدوا عليهم حياتهم فمن يرضي بذلك فلقد استطاعوا أن يصلوا إلي عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين محرضين إياه على رسول الله وعلى المهاجرين إلا أن شجاعة الرسول وإيمان أصحابه به صلي الله عليه وسلم . حال بين  ابن ابى و بين المشركين من قريش وحاولت قريش الإتصال باليهود وبكعب بن الأشرف لينقضوا العهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم. إذن رغم أن الرسول صلي اله عليه وسلم وأصحابه تركوا لقريش أرضهم إلا أن قريش لازالت في غيها تريد متابعتهم واستئصالهم والي هنا لا يجوز الخنوع والاستسلام فأمر الحق جل وعلا  النبي صلي الله عليه وسلم بالقتال"إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله"الحج 39/40.
فأصبحت هناك مناوشات مرتبة من  سرايا  بين المسلمين وبين من يمر من قريش بالمدينة لتامين حدود المدينة ليعلم من يجاور المسلمين في المدينة أنهم ذو بأس وعلى يقظة تامة وعلى استعداد للقتال والتضحية من أجل دينهم فمن سالمهم فله السلام ومن ناءوهم فالميدان يحكم بينهم  ولتعلم قريش أن المسلمين في المدينة أصبحوا أصحاب دين وأصحاب وطن فإن كان ينظر إلي بعضهم في قريش على أنهم عبيد فاليوم أصبحوا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم سادة وان أصرت قريش على جهلها فسيحكم الله بينها وبينهم يوماً ما و حينها"سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"
وأصبح الأمر في حاجة إلي إحقاق الحق وإبطال الباطل فقريش تحركها الغطرسة والكبرياء والمسلمون يحركهم الدفاع عن الدين وعن الوطن الجديد فشاء القدر أن يلتقي المشركون والمسلمون في معركة فاصلة قتل فيها أئمة الكفر وأكثرهم عناداً وأظهر فيها المسلمون آيات التفاني والإعجاز كما اظهر الحق سبحانه وتعالي دينه وأعلى كلمته وأعز رسوله واعلم الدنيا بأن"وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم"الأنفال /10وسمي الله هذا اليوم "يوم الفرقان يوم التقي الجمعان"
فسبب هذا اليوم:-
أعدت قريش تجارة بكل ما تملك وفيها أموال من هاجروا إلي المدينة فعلم رسول الله صلي الله عليه وسلم بأمر هذه القافلة فانتدب أصحابه للخروج فخرج معه ما يقارب من ثلاثمائة وبضع عشر رجلاً وشاءت إرادة الله أن يشعر أبو سفيان بالخطر فيأخذ طريقاً آخر ولكن بعد ان بلغ قريش بالخطب العظيم فأخذ الغرور من قريش مآخذ ه وذهب صوت العقل والمنطق ليحل محله الصلف والكبرياء فخرجت عن بكرة أبيها وحتي بعد ما اخبرهم أبو سفيان بان القافلة قد نجت فلم يسمعوا له وأرادوا أن يخرجوا لمحمد ومن معه ليستأصلو شافتهم في لمح البصر ويعودوا  حتى قال أبو جهل:- لا نرجع حتى نرد بدراً ونقيم بها ثلاث وننحر الجذور وتعزف القيان ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر"
أرأيت ما أخرجهم إلا الكبر والغرور أما الرسول صلي الله عليه وسلم حين علم بنجاة أبو سفيان ومجئ قريش عن بكرة أبيها وكانوا قد قطعوا مسافة لا يمكن معها الرجوع فأدرك بأنها حرب لا محالة وهكذا أرادها الله جل وعلا لكي يعز ويشرف نبيه ورسالته فلو مكن الحق نبيه من القافلة وما أيسرها وإن كانت حقهم إلا  أن المغرضين في كل زمان سيقولون بأن المسلمين سطوا على القافلة وأغتصبوا أموالها ولكن أرادها الحق حرباً مع عدم التكافؤ وعدم الاستعداد حتي يقال حقاً بأن الله مع المؤمنين"ويحق الحق ويبطل الباطل"و"ليحي من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة" ولذا وقف النبي صلي الله عليه وسلم وبين لأصحابه بأن الأمور قد تغيرت وإنهم سيقدمون على حرب .
 فقال صلي الله عليه وسلم :- أشيروا على أيها الناس.فقام أبو بكر فتكلم فأحسن فدعا له الرسول بخير  ثم قال صلي الله عليه وسلم أشيروا على أيها الناس فقام المقداد بن الأسود وقال يا رسول الله أمضي لما أمرك الله والله لو سرت بنا إلي برك الغماد  لجالدنا معك دونه ولن نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسي اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون" فسر النبي صلي الله عليه وسلم ودعا له بخير ثم قال أشيروا على أيها الناس هنا أدرك سيدنا سعد بن معاذ كبير الأوس أن الأنصار هم الذين يقصدهم رسول الله لأن بيعة العقبة لم يكن من شروطها الحرب مع الرسول خارج المدينة فيا تري سيقولون"إنا لمدركون"الشعراء 61 ا
و يقولون "ليتنا متنا قبل هذا اللقاء" او يقولون  لم نتعاهد على ذلك ولذا وقف  سيدنا سعد موقفا يفوق الوصف فقال : لكانك تريدنا يا رسول الله قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:- نعم  قال سعد بن معاذ:- يا رسول الله:لقد آمنا بك وصدقناك وأتيناك على هذا عهودنا على السمع والطاعة فوالله يا رسول لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وإنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقربه عينك.الله اكبر.
أنعم بها من شجاعة وأنعم به من إيمان ولذا سر النبي صلي الله عليه وسلم وقال:- ابشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ومادامت القافلة قد ذهبت فلم يبقي إلا النصر وقد كان والحمد لله "ولقد نصركم الله ببدر" أل عمران 123.
أرأيت عزيز القارئ رغم قلة العدد وعدم الاستعداد وقلة العتاد فلم يجبنوا ولم يتخاذلوا  ولم يخافوا الموت  ولذلك كافاهم الحق جل وعلا على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم حين  قال
"لعل الله أطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لهم" حقاً صدق الله حين قال :-"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"الرحمن 60 وحين قال :-"ومن أوفي بعهده من الله" التوبة 111.

ب- غزوة أحد:-
بعد انكسار شوكة قريش في بدر وقتل كبرائها وغطرستها وبدأت الجزيرة تتحدث عن الفئة القليلة التي غلبت فئة كثيرة  .فقررت قريش أن تثأر ليوم بدر فأوقفت أموال القافلة كلها لهذا اليوم وأعدت جيشاً جراراً أكثر من ثلاثة الآلف مزودين بكل أنواع العدة والعتاد وأخرجوا معهم النساء تحفيزاً لهم فعلم النبي صلي الله عليه وسلم فأشار على أصحابه فمنهم من رأي البقاء في المدينة ومنهم من رأي الخروج لهم خارج المدينة واستقر الرأي على الخروج لهم ومقابلتهم.
واستقر الرسول صلي الله عليه وسلم ومن معه عند جبل احد رغم عودة ثلث الجيش مع ابن سلول المنافق فأصبح عدد المسلمين  لا يتجاوز ربع عدد المشركين ولكن النبي صلي الله عليه وسلم استطاع بما أوتي من حكمة ونبوة أن يضع خطة أولاً تحمي جيشه من بطش قريش وتجعل النصر حليفه بإذن الله ولو قدر للخطة أن تسير لنهايتها لتعرضت قريش لما يعرف بالإبادة
ولكن لحكمة أرادها الله وللدروس التي تستفيد منها الأمة عبر تاريخها خالف الرماة أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بمجرد أن بدت بوادر النصر وشرعوا يجمعون الغنائم تاركين ظهر الجيش رغم تحذير النبي صلي الله عليه وسلم لهم فانتهز خالد بن الوليد وكان لا يزال مشركا  الفرصة وهم يفرون فعاد وكانت الصدمة.
اختل المسلمون وقتل منهم الكثير وأصبح رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو المراد في وجه المعركة وهنا ظهرت آيات التفاني فرغم الإنقلاب الذي حدث في سير المعركة وقتل العديد من المسلمين وقلة عددهم واندفاع المشركين عليهم راغبين في الانتقام بوحشية منقطعة النظير ورغم وجود الرسول في فئة قليلة لا تعد على إصبع الأيدي الواحدة إلا أن المشركين لم يستطيعوا الوصول إليه صلي الله عليه وسلم لأن أصحابه جعلوا من أنفسهم درعاً لرسول الله صلي الله عليه وسلم وتلقوا هم الضربات والطعنات وليس الرجال وحدهم بل أن السيدة نسيبة بنت كعب الأنصارية شاهدت أحد المشركين ينزل من على جبل أحد قاصداً ظهر المعصوم محمد صلي الله عليه وسلم وكانت تضمد جراح ابنها فما إن شاهدت المنظر فلم تتمالك نفسها فألقت بولدها وسارعت لتقي رسول الله بنفسها وقد كان فتلقت هي الضربة التي كادت أن تفصل كتفها رضي الله عنها وعن كل من فدي رسول الله صلي الله عليه وسلم بحياته وروحه.
 وبكفيك أن تعلم أن المشركين وهم الآلاف لم يستطيعوا أن يظفروا برسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا كان أقل ما يحدث في أي معركة وهو أسر قائدها وسبي نساءها ولكن لصدق من بقي بجوار المعصوم صلي الله عليه وسلم والنبوة فقد"حيل بينهم وبين ما يشتهون"
 ورغم وقوف أبو سفيان ومخاطبته لعمر بن الخطاب  ومواعدته اللقاء في العام المقبل إلا إنه انسحب من أرض المعركة وكأنهم لم يكونوا في حرب .يا سبحان الله وصدق الله إذ يقول"إن الله يحول بين المرء وقلبه"
 بدليل لما وصل أبو سفيان ومن معه إلي مكة قالوا فلا محمد أسرتم ولا الكواعب أردفتم . فهموا بالرجوع ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم أدرك بفطنته حدوث هذا الموقف فخرج لهم ثاني يوم أحد في غزوة تعرف باسم حمراء الأسد فعلم أبو سفيان فخاف من مواجهة المسلمين وقد رأي بأسهم كيف لم يظفروا بهم وهم أفراد معدودة فما بالك لو أصبحوا جيش منظم ويريد الانتقام.
والذي لفت انتباهنا في هذه الغزوة أمور كثيرة منها:-
1-    رأي المسلمون رأي العين جزاء مخالفة أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد انكشفوا وكادوا أن يهلكوا لولا وجود المعصوم بينهم فعلموا أن أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم واجب التنفيذ ليس لهم أن يفكروا فيه أو أن يتخلفوا عنه وهذا ما قصده القرآن الكريم "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر7 وقوله تعالي "ماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "الأحزاب 36.
2-    حماية الله جل وعلا لنبيه وللمؤمنين فرغم اختلال الصفوف ونقص العدة والعتاد وعدم النظام والاضطراب لا أن الله حال بين قريش وبين أن تنال من الرسول صلي الله عليه وسلم أو تقترب من النساء وصدق الله حين قال
3-    "فإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالأخرة حجاباً مستوراً" الإسراء 45فحجب الله  عيونهم وأفكارهم حتي تركوا الميدان وحدهم وهمو بالرجوع ولم يدركوا ما فاتهم إلا بعد فوات الأوان.
4-    التضحية في أعلى صورها وهذا ما يقصده هذا الحديث عن هذه الغزوة فرغم الشدة والفزع والاضطراب إلا انه لم يتخل أحد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصبح هو محور اهتمامهم وفدوه بكل ما استطاعوا من قوة وقالوا نحورنا دون نحرك يا رسول الله ولم يسلموه إلي العدو ولم يتنكروا له مثل ما حدث من أصحاب عيسي عليه السلام كما حكي العهد الجديد بأن يهوذا خان السيد المسيح واتفق مع رؤساء الكهنة على ثلاثين قطعة فضة مقابل أن يسلم لهم المسيح
5-    " ذهب واحد من الأثني عشر ويدعي يهوذا الأسخريوطي إلي رؤساء الكهنة وقال لهم ماذا تعطوني وأنا أسلمه إليكم" أو يحكي العهد الجديد أن بطرس تنكر وهو احد الحواريين تنكر للسيد المسيح وقت القبض عليه وفي ذلك يقولون "فانكر قدام الجميع قائلاً لست أدري ما تقولين"

ج – صلح الحديبية:-
لقد اثبت المؤمنون يوم صلح الحديبية أنهم هم المؤمنون حقاً باستجابتهم للرسول صلي الله عليه وسلم حين أمرهم بنحر الهدى والحلق والتقصير رغم اشتياقهم للبيت الحرام ورغبتهم في القضاء على غطرسة قريش وسنحت لهم الفرصة ولكنهم جربوا معصية الرسول وليس ما حدث لهم في أحد ببعيد  فلقد رأى الرسول صلي الله عليه وسلم رؤيا انه يدخل المسجد الحرام فانتدب بعضاً من أصحابه فكانوا ألف وخمسمائة أخذوا معهم الهدي والسيوف في أغمادها ولم يتسلحوا بالدروع ولا الحراب ولا النبال
 مما يؤكد صدق نيتهم في زيارة البيت الحرام.إلا أنهم فوجئوا بناقة رسول الله تبرك عند ثنية الحديبية فقال الصحابة حرنت القصواء فقال رسول الله ما حرنت القصواء وليس لها بخلق  حبسها حابس الفيل . فوالله لو جاءت قريش بخطة يعظمون فيها حرمات الله إلا وافقتهم عليها وأرسل رسول الله صلي الله عليه وسلم سيدنا عثمان بن عفان إلي قريش ليخبرهم بأن الرسول وأصحابه ما جاءوا إلا لأداء العمرة وزيارة البيت الحرام.
إلا أن قريش حبست سيدنا عثمان بن عفان وزعمت انه قتل ليخبروا قوة المسلمين فإن ضعفوا وجبنوا انقضوا عليهم وأبادوهم ولكن أن ظهر قوتهم وشجاعتهم كعادتهم عدلوا عن الحرب والهجوم إلي خطة أخري يحفظون بها ماء وجوههم.
وفوجئ أهل مكة بما لم يكن في الحسبان وهو رغم أن المسلمين لا عتاد لهم ولا أسلحة تعينهم على مواجهة أهل مكة في عقر دارهم إلا أنهم قالوا امدد يدك يا رسول الله نبايعك على القتال فجلس النبي صلي الله عليه وسلم تحت الشجرة ومر الصحابة عليه واحداً واحداً يبايعونه على القتال وقتها أسقط في يد قريش وعلمت أن هؤلاء إن قرروا لا يحول بينهم وبين ما يريدون شيء
لأنهم بفضل الله إن عزموا نقل جبال نقلوها ولقد جربت قريش بأسهم وصلابتهم وصمودهم في يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب ولذا بدأ ت ترسل الرسل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم  فربما أحدهم يستطيع أن يقنع المسلمين بالعودة  او أن يرى هؤلاء قوة واستعداد المسلمين عن قرب وإذا لم يستطع الرسل  هذا ولا ذاك فإنها تكون قد اكتسبت وقتاً حتي تقوم بوضع خطة .
 إلي أن أرسلت قريش سهيل بن عمرو بخطة أعدتها في أيام وليال وكانت كل الذي ترجوه هو أن تحول بين المسلمين وبين  دخول الأرض المقدسة ومن أهم هذه الشروط:-
1- أن يعود المسلمون في عامهم هذا وأن يأتوا للعمرة في العام المقبل .
1-    أن تضع  الحرب أو زارها عشر سنوات بين قريش وبين المسلمين.
2-    من أراد أن يدخل في حزب محمد فليدخل  ومن اراد ان يدخل مع قريش فليدخل .
ولحكمة أرادها الحق جل وعلا "والنبي صلي الله عليه وسلم رأي بنور  النبوة الفوائد التي تعود على المسلمين من هذه المعاهدة ومنها:-
-لم يعد المسلمون مجرد فئة متمردة في نظر قريش بل أصبحت جماعة لها وزنها وقدرها,  فتحت هذه المعاهدة المجال لمن أراد أن يدخل في الإسلام من القبائل الأخرى دون اعتراض من قريش. اخذ المسلمون العهد على دخول البيت الحرام أمنين العام المقبل دون قتال ولا اعتراض.
عاهدت قريش رسول الله على وضع الحرب عشر سنين  وهذا من أهم بنود هذه المعاهدة لأن قريش هي العدو الأول اللدود فالهدنة معها تعطي المسلمين فرصة انتشار دينهم بين القبائل الأخرى كما أن المسلمين بهذا يضمنون عدم تدخل قريش بينهم وبين من يريد الدخول في الإسلام مما يدل على ان قريش بدأت تتنازل عن زعامتها وهذا إيذانا  بأفوال نجمها ودخولها في حوزة الإسلام عن قريب إن شاء الله.
بالإضافة إلي ما سبق فإن هناك مسلمون ومسلمات بين أهل مكة لا يعرفهم أهل مكة ولا يعلم بهم المسلمون فإذا دخل المسلمون مكة عنوة  داراً بينهما قتال فيقتل المسلمون إخوانهم بغير علم .
لكل ما سبق وأكثر وافق النبي صلي الله عليه وسلم على شروط الصلح وبينما وقف المسلمون مشدوهين أمام هذه الموافقة ولم يروا ما رآه الرسول بل رأوا أن قريش انتصرت عليهم بحيلتها ومنعتهم من دخول الأرض المقدسة وزيارة البيت الحرام فحين  أمرهم النبي بنحر الهدي والحلق والتقصير أحجموا عن التنفيذ وهذا الإحجام يذكرنا بإحجام أصحاب موسي عليه السلام دخول الأرض المقدسة ولكن شتان بين أحجام وأحجام فأصحاب موسي
 قالوا :- اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون وقالوا  اتجعلنا طعمه للجبارين
.أما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأحجموا لأن الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي رأي الآن لا يدخلوا الأرض المقدسة فإحجامهم  عن نحر الهدي دليل على رغبتهم الملحة في دخول الأرض المقدسة ولكنهم المسلمون تربية محمد صلي الله عليه وسلم فما إن جلس النبي بينهم ونحر بيده الشريفة ما معه من هدي ونادي للحلاق فقص له شعره إلا وسارع المسلمون في تنفيذ رغبة النبي صلي الله عليه وسلم حتي كاد يجرح بعضهم بعضا. أنعم بها من صحبة .
 وأثنى  الحق جل وعلا على هؤلاء الأطهار الأخيار فقال جل وعلا"لقد رضي الله عن المؤمنين إذا سيبايعونك تحت الشجرة "الفتح 18فكان الجزاء من جنس العمل فحين علم الحق رغبة بني إسرائيل الملحة في عدم دخول الأرض المقدسة حقق لهم هذه الرغبة فحرمهم من دخولها فقال جل وعلا لهم (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض"المائدة 26. ولكن حين صدق أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم الرغبة في دخول الأرض المقدسة مكة المكرمة وشعروا بأسى وحزن شديدين لعدم الدخول وما وافقوا على الرجوع إلي المدينة إلا سمعاً وطاعة لله ولرسوله وحتي  لا يحزنوا نبيهم  أو يخالفوا أمره  هنالك هنأهم الحق وبشرهم بالفتح الأعظم بأنها ستفتح لهم مكة دون قتال وستدخل الجزيرة كلها عما قريب  في دين الله طائعين مختارين بل سيصبحون جنداً من جنود الله فقال سبحانه "فعلم ما في قلوبهم فا انزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها"الفتح 18.
نتائج وتوصيات
     بعد هذه المقارنة بين الأمتين الإسلامية  وبنى إسرائيل من حيث الكتاب ومواقف أبناء كل أمة تجاه الكتاب والنبي الذي أرسل إليهم وآراءهم ونصائحهم وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات.رأيت أن أعرض الأمتين على السؤال الذي أورده الحق جل وعلا في القرآن الكريم وهو ( فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) ولأن الأمم تختلف في تعريف الأمن فاليهود مثلاً يرون أن الأمن لن يتوافر لهم إلا إذا أبادوا الشعوب المجاورة لهم ويحيوا بمفردهم في هذا العالم بينما يري المسلمون أن الأمن هو التعايش في سلام ووئام مع أنفسهم والآخرين أيا كانت عقيدتهم وأجناسهم ما دام الجميع يطبق القاعدة التي أرساها المعصوم محمد صلي الله عليه وسم"لا ضرر ولا ضرار".
ومن ثم بين الحق جل وعلا أن للأمن باب واحد وهو (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)فالأمة التي تبحث عن الأمن عليها أن تؤمن بالله جل وعلا إيماناً لا تشوبه شائبة ولا يخالطه ظلم. وللظلم درجات تختلف باختلاف القضية التي يتجاوز الإنسان فيها الحدود،فهناك قضايا لا تغتفر إلا بالتوبة والإنابة والندم على ما مضي و إلا فالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ولذا سنعرض الأمتين على القضايا التي إن ارتكبت عُد صاحبها ظالماً لنرى أي الأمتين اتخذت الظلم مذهباً ومنهجاً وأي الأمتين تستحق الأمن في الدنيا والآخرة. ولأن المؤمن الحق لا يعد مؤمناً حقاً إلا إذا أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وأجتنب ما نهي الله عنه مما يضر به وبمجتمعه وبمن يتعايش بجواره من البشر وأن يصلح في الأرض قدر المستطاع وإذا لم يستطيع فلا يفسد في الأرض .وبناء على هذه القاعدة العريضة من الاتجاهات الإيمانية نعرض أركان الإيمان على الأمتين.
الركن الأول
إن الإيمان بالله الواحد الأحد هو أسا س العقيدة فبدونه لا يصلح للإنسان إيمان ولا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً ولذا ما من نبي أرسله الله جل وعلا إلا وأوحي إليه ربه أن  لا يعبدوا إلا الله: وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه إنه لا إله إلا أنا فأعبدون. ومن ثم أصبح الشرك بالله أعظم ذنب يرتكبه الإنسان في حق نفسه ولذا اخبر الحق جل وعلا  على لسان لقمان وهو يوصي ابنه (يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) لأن المشرك الذي أنكر وجود ربه جل وعلا الذي خلقه في (أحسن تقويم) ولم يأتمر بأمره ولم ينته عن نواهيه سبحانه وتعالي وجعل الحق جل وعلا(حاشاه )أهون الناظرين إليه.
فقد خسر خسران مبيناً لأن إتباع منهج الله جل وعلا هو الحياة  وان ما دونها هو الباطل لقوله جل وعلا "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"ثم بين جل وعلا أن الظالمين بدلوا الثمين بالغث وصمو ا وعمو ا كثيرا  وضلوا عن سواء السبيل ويكفهم قول الحق جل وعلا عنهم في الأخرة (وقد خاب من حمل ظلماً) وقوله تعالي (وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس )بل وجعل أهل الأعراف من ينظرون إلي النار يقولون
(وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
ولهذا رأينا المسلمين وإن كان من بعضهم تردد قبل دخوله في الإسلام إلا إنه حين خالط الإيمان قلوبهم وامتزجت العقيدة بدمائهم وعبدوا الله(مخلصين له الدين حنفاء)وضحوا بأرواحهم وبكل غالي ونفيس لتكون كلمة الله هي العليا وثبت الإيمان بالله وبالرسول في قلبهم حتى قال لهم المعصوم صلي الله عليه وسلم"إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم بعد اليوم)
ومن عصر صدر الإسلام والي قيام الساعة والمسلمون بإذن الله (خير أمة أخرجت للناس)وهذه الخيرية ليست من فراغ ولكنهم كما أخبر عنهم الحق جل وعلا (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وأعلن الحق جل وعلا بعد هذه الآية أن هذا هو الفارق بين المسلمين وبين أهل الكتاب فقال سبحانه وتعالي (ولو آمن أهل الكتاب لكان خير لهم).
وصدق الحق في ذلك لأننا رأينا بني إسرائيل على طول تاريخهم وهم مذبذبون بين الإيمان والشرك فقال جل وعلا (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) وظهر ذلك جلياً في كتبهم فقد عبدت طائفة منهم العجل ونبي الله موسي عليه السلام لا زال على قيد الحياة بل ونبي الله هارون بين ظهرانيهم فيقولون "إذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر .زاغو سريعاً عن الطريق الذي أوصيتهم به.صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه الهتك يا إسرائيل"
وفي القرآن الكريم "فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم واله موسي"طه.
وصدق الله حين قال ألا لعنة الله على الظالمين"ومن ثم كتب الحق عليهم أن تقتل هذه  الفئه  الباغية بعضها بعضا .(اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند ربكم)البقرة. وفي العهد القديم (هكذا قال الرب إله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب إلي باب في المحلة واقتلوا كل واحد أخاه "كل واحد صاحبه وكل واحد قريبه"
وبعد موسي عليه السلام فسد بنوا إسرائيل أكثر وأكثر حتى قال العهد القديم "وفعل بنوا إسرائيل الشر في عين بالرب وعبدوا البعليم وتركوا الرب إله آبائهم الذي  أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب.تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاورت فحمي غضب الرب على إسرائيل   وفي القرآن الكريم (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا هواء قوم قد ضلوا من قبل  وأضلوا عن سواء السبيل.لأنهم أصروا واستكبروا وصموا آذانهم حتى قال عنهم الحق جل وعلا (تري كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب  هم خالدون) المائدة 79.
إذن من النصوص والآيات  فى القرآن الكريم يتضح لنا عدم وفاء بني إسرائيل بعهد الله ومن ثم فلا عهد لهم عند الله بل وباءوا بغضب على غضب وإذا كان بنوا إسرائيل اخفقوا في إقامة أهم أركان الدين فهم في غيره من الأركان اخفق  فماذا يرجي منهم بعد ذلك أي ماذا يكسب المرء أن خسر ربه جل وعلا ؟
الركن الثاني
أخبرنا الحق جل وعلا أن الأيمان بالغيب من صفات المؤمنين المتقين فقال سبحانه(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يومنون بالغيب  ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومما رزقناهم ينفقون)البقرة 1 .2 .3
ومن الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به الملائكة فأخبرنا الرب أنهم (عباد مكرمون) وأنهم (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)وأنهم (عليكم لحافظين كراماً كاتبين) فوق ذلك تراهم يرجون رحمة الله لعباده المؤمنين فمن خشيتهم لله عز وجل يدعونه سبحانه أن يرحم المؤمنين وأن يبعدهم عن النار التي (وقودها الناس والحجارة) فأخبرنا القرآن الكريم (والذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم وقهم السيئات ومن تق السيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم".
ونحن المسلمين نومن بالله وملائكته جل وعلا حق الإيمان ونؤمن بأنه جل وعلا خلق الملائكة من نور وأنهم عباد مكرمون ونحن لا نعبدهم وإنما نقدرهم حق قدرهم تنفيذاً لأمر الله جل وعلا الله جل وعلا (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذا أنتم مسلمون)الأعراف وإنما نقدرهم إيماناً بهم .ونحن المسلمين إذا نؤمن بالملائكة فلا نؤمن بهم إيمان عبادة لأن الحق جل وعلا شانه عن ذلك فقال سبحانه (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذا أنتم مسلمون). ولا نؤمن بأنهم بنات الله (حاشاه) كما قال المشركون (ويجعلون له البنات سبحانه)
.ولكن نؤمن بهم كما أراد الله لنا أن نؤمن ونصدق بأن الله خلقهم وأنهم ينفذون أوامره وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم لأنهم مثلنا (عباد مكرمون)كما أنهم يخشون الله حق خشيته (ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)ولذا نحمد الله الذي هدانا لفهم ما يريد دون شطط أو تغيير.
بخلاف بني إسرائيل الذين عميت بصائرهم فلم يكتفوا بالشرك بالله بل عاندوا ورفضوا من يأتيهم من الله برسالة نبياً كان أو ملاكاً ومن افترائهم وجهلهم بقدر الملائكة و بخاصة   سيدنا جبريل الذي  قال عنه الحق سبحانه (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) فزعموا أن بغضهم لجبريل عليه السلام إنما يرجع لسبب فسره لنا الإمام الطبري فقال عن ابن عباس انه قال قابل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا :- يا أبا القاسم،نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها أتبعناك أخيرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي  إلا ياتية ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة والوحي فمن صاحبك؟قال:-"جبريل" قالوا ذاك الذي ينذر بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبنعناك فانزل الله تعالي (قل من كان  عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدي وبشري للمؤمنين )البقرة 97.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنت أتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن للتوراة وموافقة التوراة للقرآن فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك قلت ولم؟قالوا :لأنك تأتينا وتغشانا.قلت أني أتى لأعجب من توفيق كتاب الله بعضه بعضاً وموافقة التوراة للقرآن وموافقة القرآن للتوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلي الله عليه وسلم خلف ظهري فقالوا أن هذا صاحبك فقم إليه فالتفت إليه إذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم قد دخل خوخه من المدينة فأقبلت عليهم فقلت "أنشدكم الله وما انزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله؟فقال سيدهم قد  أنشدكم  الله فأخبروه .فقالوا أنت سيدنا فأخبره فقال سيدهم إنا نعلم انه رسول الله قال قلت :- فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون انه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه قالوا أن لنا عدواً من الملائكة و سلما من الملائكة فقلت من عدوكم ومن سلمكم قالوا عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة والشدة قلت ومن سلكم ؟قالوا ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين . قلت فإني أشهدكم انه لا يحل لسلم جبريل أن يعادي سلم ميكائيل  ولا يحل لسلم ميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنها جميعا أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا  .ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخل فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فسائلني فقال:- يا بن الخطاب لا أقرئك آيات نزلت على قبل قلت بلى يا رسول الله  "قل من كان عدو لجبريل فإنه نزله على قلبك باذن الله    قل من كان عدوا لله ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو البقرة 98
قلت  والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر قال عمر فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر  .
وقال ابن عباس ان حبراً من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلي الله عليه وسلم فسألة عن أشياء فاتجهت الحجة عليه فقال اى ملك يأتيك من السماء قال جبريل ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه قال ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لامنا بك إن جبريل نزل بالعذاب والقتال ولذا فإنه عدونا وكان أشد ذلك عليناً أن الله أنزل على نبي من أنبياء بنى إسرائيل  أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر  وبين لنا الحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثناً رجل من اليهود ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلا ما مسكينا ليس له قوة فأخبره صاحبنا ليقتله فدافع عنه جبريل قال لصاحبنا إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلاتمنعه  وإن كان غير ذلك فعلام تقتله فانصرف  ورجع إلينا فكبر وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً.

الركن الثالث
1-    الكتاب
لقد استقبل المسلمون القرآن الكريم بإعزاز وتقدير لم يسبق أن استقبلت أمة كتابها بهذا المثيل فحين قيل لهم ()اسمعوا وأطيعوا قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير وحين قيل لهم امنوا بما أنزل الله"قالوا ربنا أمنا بما أنزلت"وحين قيل لهم فهل أنتم منتهون "قالوا انتهينا يارب "وعلى هذا النهج الطيب سار المسلمون طوال حياتهم فعرفوا الله حق قدره فأعلى الله قدرهم وعرفوا لرسول الله قدره فأعز الله قدرهم وعرفوا للقرآن قدره فرفع الله ذكرهم فقال"محمد رسول الله والذين معه".
ولم تمتد أيديهم إلي القرآن الكريم إلا في حدود ما أمروه به فلم يبدلوا ولم يغيروا لأنهم يعلمون أن الله جل وعلا نبههم بأن من يجرؤ على الدخول في كتاب الله من تلقاء نفسه سينتقم الله جل وعلا  منه وإن كان المعصوم نفسه صلي الله عليه وسلم فقال سبحانه (ولو تقول علينا  بعضنا لبعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين  فما منكم من أحد عنه عاجزين".
ولذا ظل القرآن الكريم وسيظل إلي يوم القيامة وما بعدها غضاً طرياً ليكون شاهد صدق على عظمة الحق سبحانه وتعالي حين قال" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"وشاهد صدق على أمانة المعصوم محمد حين قال عنه ربه "ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن أتبع إلا ما يوحي إلي أن أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم"وشاهد صدق على المسلمين الذين حملوا الأمانة بحق فقال سبحانه "ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا" فالحمد لله رب العالمين.
بخلاف بني إسرائيل الذين قست قلوبهم وظنوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ومن حقهم أن يضيفوا إلى  الكتاب ما يصلح لزمانهم ومكانهم شيئاً فشيئاً حتى  نسوا معالم دينهم وافترؤ على الله كذباً وقالوا هو من عند الله ونسوا أن الله كشف سترهم وبين ما أخفوه عن أنبيائهم فقال
(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير"إلا أنهم صموا أذانهم واستكبروا استكباراً ولم يثوبوا إلي رشدهم ويتوبوا عما أقدموا عليه بل ساروا مستكبرين "فأصمهم الله وأعمي أبصارهم واقسم جل وعلا  ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب
وصدق الحق حين قال عنهم "وتري كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان)حقاً لقد ضلوا  أنفسهم وضلوا عن سوء السبيل "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين"لأنهم اخلفوا الله ما وعدوه فلو أنهم أقاموا التوراة  وعملوا بها لعلموا أن الله هو الحق المبين ولأنهم نقضوا الميثاق "فبما  نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه"فأي إيمان يحكمون به فقد هدموا السبيل بأيديهم وإطفاء الأنوار بأفواههم  فهم فى ظلماتهم يترددون وفي غييهم يعمهون .
2-    الأنبياء
يبين لنا القرآن الكريم أن الأنبياء هم (المصطفون الأخيار) صنعهم الله جل وعلا على عينه وأرسلهم إلي الناس ليرشدوهم إلي الصواب وأمر الجميع بإتباعهم فقال سبحانه(بابني آدم إما ياتينكم رسل منكم يتلون عليكم اياتى فمن اتقي واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )الأعراف
فأمنت طائفة من البشر (فانقبلوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)وكفرت طائفة (فأصبحوا خاسرين)وبهذا أصبح البشر ( فريق في الجنة وفريق في السعير)فأصحاب الجنة سمعوا وأطاعوا الحق فصدق فيهم قول الحق سبحانه (فمن اتبع هدائ فلا يضل ولا يشقي)وأصحاب السعير طغوا وعصوا أمر رسله سبحانه فحق عليهم قول ربنا (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً).
ومن ثم(ضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الارض بما رحبت) بل بظلمهم لأنفسهم والأنبياء الله أصبحت الدنيا في قلوبهم فلم يروا شيئاً فظلوا يترددون في الظلمات وعاثوا فى الأرض الفساد ومن جزاء شقائهم وحتى تكمل لهم المذلة في الدنيا والأجرة ويخلدون في الجحيم (وفي النار هم خالدون) امتدت أيديهم إلي أنبياء الله فقتلوهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا كان الحق جل وعلا تكفل بالرد لمن يقتل مظلوماً فقال (ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا  )  رغم انه بشر قد يخطى وقد يصيب وقد يكون مرتكباً الآثام إلا أن قتله دون حق يعتبر مظلوماً وحسابه على الله فما بالك بالأنبياء وهم المعصومون المأمورون بتبليغ الرسالة فأي ذنب ارتكبوه وهم (يبلغون رسالات ربهم)ويبذلون فيها الغالي وبنفس راضية قائلين لربهم "إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي"
ولقد عاني الأنبياء كلهم من أممهم ولكن لم تجرؤ أمة أن  تقدم على قتل احد من الأنبياء  إلا بنوا إسرائيل حتى قال عنهم الحق سبحانه "افكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون وحالوا تبرير موقفهم قائلين"قلوبنا غلف" بل "طبع الله عليها"
فقد  رأينا قوم نوح عليه السلام رغم بقاء سيدنا نوح بينهم دهراً طويلاً (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً" ومع عنادهم الذي ورثوه لأبنائهم حتى قال عنهم "إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ورغم إنهم تعالوا على نبي الله نوح عليه السلام قائلين "ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نري لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين" فأقصي ما وصلوا إليه قالوا "يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" فكان من أمرهم ما كان فنجاه الله سبحانه وتعالي في الفلك وأغرقهم أجمعين.
وليس هذا فحسب بل أخبرنا القرآن عن من هم أشد قوة من بني إسرائيل وهم قوم عاد وبلغوا من القوة درجة عظمي حتى قالوا "من أشد منا قوة" ولم تكن هناك فالارض قوة  تماثلهم  بدليل أن الحق جل وعلا هو الذي تكفل سبحانه بالرد عليهم فقال"أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة" ومع هذه القوة لم يجرؤ على قتل نبي الله هود عليه السلام  فكل ما قالوا  ( يا هود ما جئتنا بينة وما نحن بتاركي ألهتنا عن قولك)  فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر "فأرسلنا عليهم ربحا صرصرا في أيام نحسات" فجعلهم " أعجاز نخل خاوية فهل تري لهم من باقية".
وكذلك كل الأمم عاندت وعصى كثير من أبناءها أوامر الرسل ولم يصلوا إلي حد  قتل الأنبياء إلا بني إسرائيل الذين امتدت أيديهم الآثمة فقتلوا الأنبياء وإذا كان الحق جل وعلا دمر قوم ثمود حين قتلوا الناقة وهي آية من آيات الله حتى قال سبحانه وتعالي "فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها"فيا تري كيف يعاقب من قتل الأنبياء ؟
يكفهم قول الحق سبحانه"ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله وليس هذا فحسب بل توعدهم سبحانه بقوله" ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب".أما أمة محمد صلي الله عليه وسلم فقدروا الأنبياء حق قدرهم وأمنت بأن الله جل وعلا أرسلهم إلي خلقه واقتدوا بهم فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وامنوا بالله حق الإيمان فقال عنهم الحق سبحانه"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله"
ولان الحق جل وعلا علم صدق أمة محمد صلى الله عليه وسلم  في إيمانها وحملها للأمانة وإعزازها لنبيها محمد صلي الله عليه وسلم فأرسل إليهم نبيا واحدا بل وجعله خاتم الأنبياء(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين )ثم حملهم (أمة محمد)الأمانة فقال سبحانه  ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وصدق فيهم قول المعصوم "العلماء ورثة الأنبياء" وقاموا بالمهمة على أكمل وجه وحملوا الأمانة على خير ما يكون "وقال عنهم الحق سبحانه "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه  ... وقال جل وعلا  (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة واتوا الزكاة "
 لقد تعرض محمد صلى الله عليه وسلم  لما تعرض له سيدنا موسى عليه السلام
نعم ولكن شتان يبين هذا و ذاك أي ما تعرض له نبيناً محمد صلي الله عليه وسلم وبين ما تعرض له  أنبياء بني إسرائيل لأن ما تعرض له نبي الله محمد صلي الله عليه وسلم كان من الفئة التي لم تسلم بعد فى قريش ولم تؤمن بمجيء الأنبياء كبني إسرائيل ولم تعرف قريش معني النبوة وبل كانوا يظنون أنهم أعلى أهل الأرض بالبيت الحرام الذي يحج إليه الجميع وظنوا ان رسول الله في بداية الأمر ما جاء إلا لينزع منهم التقدير والمكانة بدليل قولهم( يا محمد إن كنت نريد ما جئت به المال جمعنا لك الأموال حتى تصبح أكثرنا مالا  وان كنت تريد سيادة لا نقطع أمرا دونك  وان كان ما ياتيك رئيا من الجن جمعنا لك الأطباء  )
فلما اخبرهم انه رسول رب العالمين حاربوه ولم يعلموا انه معصوم و مؤيد من رب السماء وأن القرآن من عند الله سبحانه وتعالى  لا من عنده هو صلى الله عليه وسلم   وحين تبين لهم انه الحق سارعوا للإيمان به  والدفاع عنه  حتى قال اشد الناس له عداوة قبل إسلامه  حين اسلم  (والله يا رسول الله لن اترك موقفاً حاربت فيه  الإسلام  إلا وفعلت مثله لأخدم به الإسلام) وظهرت هذه الشهامة  حين ارتد بعض المسلمين  بعد انتقال المعصوم إلى جوار ربه جل وعلا فوقف أهل قريش موقفا مشرفا   حتى قال قائل منهم لا تكونوا أخر  الناس إسلاماً وأولهم خروجاً وساندوا الصديق في حروب الردة والفتوحات وكانوا  خير جند الله وحملوا الأمانة على مر التاريخ فكان منهم الولاة والخلفاء والقادة للجيوش وأصحاب الفتوحات والعلماء........0
أما بنوا إسرائيل فقد كانوا  جميعا يعرفون الأنبياء حق المعرفة حتى جاءهم موسي عليه السلام   (يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء  وجعلكم ملوكا  واتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين ) فلا عذر لهولاء  ولقد ذكرنا فيما سبق ما فعلوه بالكتاب وبالأنبياء  وكيف ظلموا أنفسهم كما رأينا أمة الإسلام وهم يومنون بالله حق الإيمان ويقدرون الملائكة حق قدرهم وامنوا بالغيب كله وعرفوا للأنبياء مكانتهم وأمنوا بالله جل وعلا و محمد  رسول الله رب العالمين. ذن
" فأي الفريقين أحق بالأمن".

   المراجع
1-    القرآن الكريم
2-    الجامع لاحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991
3-    مختصر الطبري للامام محمد بن جرير الطبري
4-    البخاري
5-    الموطأ للامام مالك
6-    المسند للامام أحمد
7-    الترمذي
8-    أبو داود
9-    ابن ماجة
10-    البداية والنهاية لابن كثير
11-    تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي – دار احياء التراث العربي
12-    السنة قبل التدوين- د-  حجاج محمد الخطيب – مكتبة وهبة القاهرة
13-    الباعث الحثيث لشرح اختصار علوم الحديث أ– أحمد محمد شاكر
14-    جهود الامة في الحفاظ على السنة – د - حسن احمد ابراهيم– الطبعة الاولى 1999
15-    سير أعلام الحديث
16-    كتاب السنن
17-    شذرات الذهب
18-    علوم الحديث للامام ابن كثير
19-    سير أعلام النبلاء
20-    فتح الباري للبخاري
21-    تهذيب التهذيب  للحافظ ابن حجر العسقلاني
22-    رياض الصالحين للامام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر
23-    نور القبس المختصر من المقتبس للحافظ اليغموري
24-    أسرار اللغة – د - ابراهيم أنيس – القاهرة 1966
25-    فقه العربية – د- رمضان عبدالتواب
26-    مستقبل اللغة العربية المشتركة – د-  ابرهيم أنيس
27-    رجال حول الرسول – خالد محمد خالد
28-    معجم الادباء – ياقوت الحموي
29-    أخبار النحويين البصريين -  للسيرافي
30-    طبقات فحول الشعراء - محمد بن سلام الجمحي
31-    المحكم في نقط المصاحف – أبي عمرو الداني
32-    الكشاف – للزمخشري
33-    دلائل النبوة – البيهقي
34-    مالك – حياته وعصره – الامام محمد أبو زهرة
35-    كتاب الرد – أبو بكر الأنباري
36-    الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري
37-    الجامع لأحداث الراوي وآداب السامع – الخطيب البغدادي
38-    ديوان ألفية محمد – د. -  صلاح القوسي
39-    ديوان هاشم الرفاعي
40-    اظهار الحق – رحمت الله الهندي
41-    هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية
42-    قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران
43-    سفر  التكوين
44-    سفر الخروج
45-    سفر التثنية
46-    سفر اللاوين
47-    سفر العدد
48-    سفر يشوع
49-    سفر القضاة
50-    سفر صموئيل
51-    سفر الملوك
52-    سفر أشعياء
53-    سفر عزرا
54-    سفر دانيال
55-    سفر عاموس
56-    سفر نشيد الانشاد
57-    سفر الجامعة
58-    سفر ايوب
59-    المزامير
60-    انجيل متي
61-    انجيل يوحنا
62-    انجيل لوقا
63-    رسائل بولس الى أهل غلاطيا
64-    رسائل بولس الى أهل رومية








الفهرس
مسلسل    الموضوع    رقم الصفحة
1    الاهداء    1
2    المقدمة    2
4    بين يدى الكتاب    3
5    الفصل الاول . كيف نزل القرآن ومتى دون    7
6    المعصوم صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة    8
7    بوادر الرسالة    9
8    نزول القرآن     11

9    جمع القرآن    27
10    اعراب القرآن    36
11    الفصل الثاني – السنة      40
12    ابو بكر الصديق    50
13    عمر بن الخطاب         51
14    عثمان بن عفان           51
15    علي بن أبي طالب    52
16    عبد الله بن مسعود    52
17    عمر بن عبد العزيز    55
18    الامام مالك    58
19    الامام البخاري     59
20    الامام مسلم    60
21    الامام أبي داود    60
22    الامام النسائي    60
23    الامام الترمذي    60
24    الامام بن ماجة    61
25    الفصل الثالث – بنو اسرائيل     62
26    أولاً بنو اسرائيل ولجوئهم الى مصر     63
27    ثانياً : أبناء يعقوب عليه السلام    63
28    ثالثاً : رحلات أبناء يعقوب عليه السلام الى مصر    65
29    رابعاً : استقرار أبناء يعقوب في مصر    68
30    خامساً : ميلاد سيدنا موسى عليه السلام    69
31    سادساً : خروج سيدنا موسى عليه السلام من مصر الى مدين    71
32    سابعاً : موسى عليه السلام والرسالة     74
33    ثامناً : موسى عليه السلام والدعوة    81
34    تاسعاً : خروج بنى اسرائيل من مصر    88
35    الفصل الرابع : العهد القديم    90
36    أولأ : بنو اسرائيل والتوراة     91
37    ثانياً : سيدنا موسى عليه السلام والألواح    92
38    ثالثاً : بنو اسرائيل وعبادتهم العجل    93
39    رابعاً : بنو اسرائيل والشريعة    95
40    خامساً : اكتمال شريعة موسى عليه السلام    104
41    الفصل الخامس : استبدال التوراة بالعهد القديم    108
42    أولاً : بنو اسرائيل بعد موسى عليه السلام    109
43    ثانياً : داود عليه السلام والتابوت    110
45    ثالثاً : التابوت وسليمان عليه السلام    112
46    رابعاً : بنو اسرائيل بعد سليمان عليه السلام     115
47    خامساً : يوشيا والتابوت    117
48    سادساً : عزرا الكاهن وسفر الشريعة    119
49    سابعاً : الأسفار الخمسة الاولى    122
50    ثامناً : ما بعد الاسفار الاولى    128
51    تاسعاً : سفر الجامعة    131
52    عاشراً : سفر أيوب    132
53    حادي عشر : سفر أشعياء    134
54    ثاني عشر : بنو اسرائيل والتلمود    136
55    ثالث عشر : بنو اسرائيل وبداية التشتيت    138
56    رابع عشر : المسيح عليه السلام وبني اسرائيل    139
57    الفصل السادس : الصحابة رضوان الله عليهم     146
58    أولاً : أصحاب سيدنا موسى عليه السلام    148
59    ثانياً : هم الذين آذوا موسى    150
60    ثالثاً : هم الذين نسوا الله جل جلاله فنسيهم     153
61    رابعاً : هم الذين قست قلوبهم    157
62    خامساً : هم الذين عصوا الله ورسوله    162
63    أصحاب المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم    167
64    أولاً : هم الذين أحبوا الله ورسوله    175
65    ثانياً : هم الذين قالوا سمعنا و أطعنا    179
66    ثالثاً : هم الذين رضي الله عنهم    188
67    نتائج وتوصيات     199
68    الركن الأول     200
69    الركن الثاني    203
70    الركن الثالث    206
71    الأنبياء    207
72    المراجع    212





فأي الفريقين أحق بالأمن

تحميل

عن الكتاب

المؤلف :

أحمد إسماعيل زيد

الناشر :

www.islamland.com

التصنيف :

مقارنة الأديان