لو آمن أهل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم54

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }غافر67
من الآيات السابقة يتبين لنا العديد من الأمور التى قضاها الحق سبحانه وتعالى على البشر ونرى   أن الله سبحانه وتعالى أراد أن تمر الأمم والحضارات بخطوات وحياة تشبه حياة الإنسان إلى حد كبير فكما أن لكل إنسان لحظة ميلاد ؛ فكذلك الأمم لها لحظة تولد فيها وتخرج إلى  النور ؛ وكما أن الإنسان يمر بفترة إعداد وتربية فكذلك الأمم تمر بهذه الفترة  ؛ فالأمم لا تستطيع أن تمارس عملها أو تجارى مثيلاتها إلا بعد إعداد وصقل لقدرات رجالها على تحمل الصعاب .
  وكما يمر الإنسان بفترة شباب وعطاء فكذلك الأمم تمر بفترة عطاء وحضارة  يكون لها في هذه الفترة كيانها وعظمتها التي تحفظ لها حدودها ؛ وعلى قدر القوة والحضارة يكون البقاء ؛ وكما يمر الإنسان بفترة ضعف وشيخوخة فكذلك الأمم  تتعرض في نهاية المطاف إلى فترات تراخى وانحلال مما يودى بها إلى الهزال وينذر بزوالها ؛ وكما كتب الحق سبحانه وتعالى على كل إنسان الفناء فكذلك كتب على كل الأمم الفناء إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم .

                        


 لو آمن أهل الكتاب

إعداد
أ / أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
لدراسات الأديان والمذاهب
محاضر بقناة الأمة الفضائية

 

                                               الإهداء

إلى العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وزوداً عن حياض الإسلام ونخص بالذكر:-
* فضيلة الأستاذ الشيخ / أبو إسلام أحمد عبد الله ..رئيس قناة  الأمة , فلقد عاوننى كثيراً وأخذ بيدى إلى الصواب فجزاه الله خيراً .
*وفضيلة الأستاذ الشيخ / وحيد عبد السلام بالى ..الداعية الإسلامى ، فلقد قدم لى العديد من الخدمات والتى أسهمت فى إخراج أعمالى إلى النور فأدعوا الله أن يجعلها فى ميزان حسناته وأن يوفقه وينفع به البلاد و العباد .
* كما أهدى هذا العمل إلى زوجتى وأولادى الذين سهروا معى فى إعداد هذا العمل الطيب فكثيراً ما كنت أكلفهم بالبحث عن أرقام الآيات أو تخريج الأحاديث النبوية فجزاهم الله خيراً ..
* ولا ننسى الأخوة الأخيار الذين دعوا الله أن يوفقنى فى هذا العمل الطيب فجزى الله الجميع خيراً
    المؤلف :
                                      أحمد إسماعيل زيد














                                            المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم54

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }غافر67
من الآيات السابقة يتبين لنا العديد من الأمور التى قضاها الحق سبحانه وتعالى على البشر ونرى   أن الله سبحانه وتعالى أراد أن تمر الأمم والحضارات بخطوات وحياة تشبه حياة الإنسان إلى حد كبير فكما أن لكل إنسان لحظة ميلاد ؛ فكذلك الأمم لها لحظة تولد فيها وتخرج إلى  النور ؛ وكما أن الإنسان يمر بفترة إعداد وتربية فكذلك الأمم تمر بهذه الفترة  ؛ فالأمم لا تستطيع أن تمارس عملها أو تجارى مثيلاتها إلا بعد إعداد وصقل لقدرات رجالها على تحمل الصعاب .
  وكما يمر الإنسان بفترة شباب وعطاء فكذلك الأمم تمر بفترة عطاء وحضارة  يكون لها في هذه الفترة كيانها وعظمتها التي تحفظ لها حدودها ؛ وعلى قدر القوة والحضارة يكون البقاء ؛ وكما يمر الإنسان بفترة ضعف وشيخوخة فكذلك الأمم  تتعرض في نهاية المطاف إلى فترات تراخى وانحلال مما يودى بها إلى الهزال وينذر بزوالها ؛ وكما كتب الحق سبحانه وتعالى على كل إنسان الفناء فكذلك كتب على كل الأمم الفناء إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم .






                        " بين يدي الكتاب "
وبناء على ما وضحناه فى المقدمة رأينا أن هناك  أسئلة تطرح نفسها نستعرضها ثم نجيب عليها فى ثنايا الكتاب بإذن الله تعالى  : -
--  ألم يكن للأمم السابقة أنبياء هم إخوة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهم أيضا مرسلون من الله جل وعلا لهداية العباد ؟
-- ألم تكن التوراة وكذلك الإنجيل من عند الله جل وعلا تماما مثل القرآن الكريم ؟
-- فلماذا إذن حفظ الحق سبحانه وتعالى كتابنا القرآن الكريم وترك غيره ولماذا كتب البقاء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم والفناء لغيرها ؟
وإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من هذا القبيل ستكون بإذن الله تعالى هي موضوع  هذا الكتاب والذي يعد التاسع في السلسلة المباركة " قل صدق الله " وسأبين فيه بإذن الله تعالى ما هي المميزات التي تميزت بها امة محمد صلى الله عليه وسلم  حتى حظيت برضا الله جل وعلا ؟
وهل الأمر يتوقف لمجرد نزول الكتاب وإرسال الرسل أم يبقى لأتباع الأنبياء دور في حمل الرسالة ؟ وإن قيل ألم يحمل أتباع موسى وعيسى عليهما السلام الرسالة من بعدهما ؟ نقول: نعم ؛ ولكن بعدما غيروا وبدلوا فلم يك ينفعهم حملهم لها ولا عملهم بها ولا دعوى الناس للإيمان بها ؛ لأنهم بهذا يكونوا قد ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
لأن الحق سبحانه وتعالى اشترط على الأمم السابقة بقوله جل وعلا {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة 12 
فماذا حدث منهم وبالتالى ماذا حدث لهم  ؟ لقد خالفوا الشرط فقال تعالى عنهم {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187 ومن ثم فليس لهم عند الله عهد فقال تعالى  {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155
ونضرب لهذا مثالا : لو أرسل قائد جنديا برسالة إلى فرقة ما من فرق الجيش أن تنضم إلى بقية الفرق ؛ فإذا بالجندى  يفتح الرسالة ويغير فى مضمونها وفى المسار الذى ينبغى أن تسير فيه الفرقة رغبة منه أن يكون هو القائد أو ظنا منه أنه أكثر دراية وعلما ممن أرسلها حينئذ يكون قد ارتكب هذا الجندى العديد من الأخطاء  منها : -
- خيانة الأمانة  - مخالفة أوامر قادته  - التعالى على الأخرين  - الكذب – التضليل – وأهم من هذا هو أن الرسالى أصبحت لا قيمة لها لانه ما يدرينا ماذا أبقى وماذا بدل وماذا حذف منها اذن فمن الأولى هو ترك الرسالة برمتها ونرجو القائد أن يرسل رسولا أخر برسالة أخرى ويتولى هو تأمينها حتى تصل إلى من ينفذون ما بها من تعاليم .
فهذا ما حدث من بني إسرائيل حين غيروا وبدلوا وكتموا ما أنزل الله جل وعلا على أنبياءهم لعنهم الله سبحانه وتعالى وأرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القران الكريم {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33 فيى تبيان كل شئ .
 فقال تعالى  {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89 وتصحيح لما افسده السابقون فقال تعالى   {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15  وتكفل جل وعلا بحفظها حتى يوم القيامة فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9
ولذا فلقد منّ الله جل وعلا على الأمة الإسلامية بفضائل لم تحظ بها أمة من قبل فقد حباها الله جل وعلا نبيا هو خير خلق الله وسيد ولد آدم ؛ وكثيرا ما جاءته  العديد من الفرص ليتخلص من المعاندين من قومه كما حدث مع نبى الله نوح عليه السلام إلا أنه صلى الله عليه وسلم أبى وجعلها لله .
فلقد رأيناه صلى الله حين عاد من الطائف وقد أصابه ما أصابه فإذا بسيدنا جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال فقال جبريل عليه السلام " يا محمد هذا ملك الجبال أرسله الحق جل وعلا فمره بما شئت ؛ فقال ملك الجبال : يامحمد لو أمرتنى أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت ؛ فقال صلى الله عليه وسلم :  لا ؛  دعهم ,  لعل الله جل وعلا يخرج من أصلابهم من يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله . وهنا قال جبريل عليه السلام :  صدق من سماك الرؤءف الرحيم .
 وقد كان  فما هى إلا سنوات وفتح الله جل وعلا لنبيه  صلى الله عليه وسلم مكة ؛ وآمن أهل مكة ودخلوا جميعا فى دين الله ؛ بل وكانوا نعم العون لدين الله وأصبحوا هم ولاة أمر المسلمين وفاتحى البلاد فمنهم الأمويون ومنهم العباسيون  وغيرهم من الخلفاء ؛ وحماة الدين ؛  وحملة العلم ونور الإسلام إلى الدنيا ببركة دعوة النبى صلى الله عليه وسلم ورحمته بهم .
كما حباها الحق سبحانه وتعالى كتابا هو خير الكتب التى نزلت على أنبياءه وجعله سبحانه وتعالى مهيمنا على الكتب {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة 48 
 صحح فيه جل وعلا ما أفسده السابقون ووضع المنهج ليوم الدين كما أنه{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42 قال عنه الأعداء : والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أدناه لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه . وفوق ماسبق تكفل جل وعلا بحفظة  فقال " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر9
كما حبى الحق سبحانه وتعالى امتنا بأصحاب لنبيه هم خير الخلق بعد نبيه محمد صى الله عليه  وسلم : " إن الله اطلع على قلوب عباده فوجد قلب محمد خير القلوب قاطبة فاختاره جل و علا  نبيا ؛  ثم اطلع على قلوب اصحابه فوجدهم أطهر القلوب وأنقاها بعد نبيه صلى الله عليه     وسلم فاختارهم له اصحاب " وكانوا على قدر عال واثنى عليهم الحق سبحانه وتعالى فقال " كنتم خير أمة أخرجت للناس "
وقال تعالى عنهم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29
 وكان منهم الخلفاء  فكانوا نعم القادة للأمة فأخذوا بأيديها إلى بر الأمان ورفعوا قدرها كما رفع الله قدرهم وامتد خيرهم إلى ابناءهم وأبناء ابناءهم حتى قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم " خير القرون قرنى  ثم الذى يليه ثم الذى يليه " والحق أننا لم نجد صحابة لنبى كانوا نعم العون لنبيهم كأصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  فنصروه وايدوه حتى قال عنهم الحق سبحانه {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }الأنفال62
 وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يرفق بهم فقال تعالى وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } الحجر88
كما أكرمنا سبحانه وتعالى بائمة أجلاء حفظوا الدين وأخذوا العلم من منابعة الأولى من المعصوم صلى الله عليه وسلم ومن  الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين فكانوا نعم العون للدين وتصديقا لقول الله سبحانه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "  فقاموا ليل نهار  ولم يدخروا وسعا فى خدمة دينهم  ولم يشغلوا بالهم بأصحاب الديانات الأخرى ولم يسبوهم  أو يقللوا من شأنهم كما فعل علماء اليهود والنصارى وكما سنبين فيما بعد ان شاء الله تعالى.
 بل شغلوا كل حياتهم فى خدمة الدين ورفعة أهله وكان من نتائج المنهج الذى وضعه هؤلاء العظماء الأوائل بداية من المعصوم صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء فالأئمة رضوان الله عليهم  ثم التابعين . وسبحان الله كانوا جميعا على الدرب فلم يختلف الأوائل عن من جاء من بعدهم  وهذا ما سنراه  ان شاء الله ونحن نستعرض تاريخ علمائنا الأجلاء عبر تاريخنا الإسلامى المجيد ولأن هذا أمر يحتاج إلى مجلدات فرأينا أن نأخذ الائمة العدول الأوائل أولا ثم من تبعهم بإحسان  ثم ننتقى من العصور أكثر الأئمة شهرة وسمعة وصولا إلى عصرنا هذا .
  رغبة منا أن نثبت لأصحاب الديانات الأخرى أن ائمتنا هم الرجال فلم يبثوا روح العداء والكراهية فى نفوس ابنائهم بل آمنوا بالله وبالرسل جميعا كما امرهم الحق سبحانه وتعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285
ولذا ننادى أهل الكتاب ونقول لهم ما قاله القرآن الكريم إشفاقا عليهم  لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110 لأن هناك فارقا كبيرا بين خلفاء وعلماء امتنا وبين علماء الديانات الأخرى .
فكثير من علماء الأمم السابقة  لم يؤمنوا بالله حق الإيمان ولم يؤمنوا بالرسل جميعا ولم يؤمنوا بالكتب التى انزلها الحق سبحانه وتعالى ولكنهم تسببوا فى اشعال الحروب كما فعل الباباوات والحاخامات عبر العصور والتاريخ  والذين تسببوا فى اشعال ازمات نيران لم تنطفى جذوتها إلى الآن بل والى يوم الدين  .
وليس هذا فحسب بل إن علماءهم زرعوا الضغينة فى نفوس ابناءهم تجاهنا ولما ؟ لا ندرى .فى الوقت الذى نادى فيه علماء المسلمين وأئمتهم  بالرحمة وحسن التعامل مع الأخر ؛ وإن شجعوا ابنائهم يوما ما لمواجهة الأخر فإنما كان دفاعا عن الدين والوطن كما كان ابان الحروب الصليبية أو غزوا التتار ؛ ولو أن بيننا الآن أئمة من أمثال الإمام أحمد بن حنبل  أو العز بن عبد السلام ما بقى عدوا فى أرضنا يوما بليلة . ولذ ندعوا الله جل وعلا أن يقيض لنا من مثلهم رجالا  يأخذوا   بأيدينا إلى بر الأمان .
ولذا سنبدأ هذا الكتاب بنبذة مختصرة عن الأعمدة والأركان الرئيسية التى حافظت على كيان  الإسلام ثم نعقبه بذكر حياة العظماء بداية من المعصوم صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين ؛ فالائمة العظماء ؛ ونعقب ذلك بحياة عدد من العلماء الأجلاء عبر التاريخ إلى يومنا هذا.
لنبين أن  قادة المسلمين وعلماءه  إنما شغلوا أنفسهم بالله وبالرسول وبالكتب وبتربية ابناء المسلمين التربية الحسنة بخلاف علماء أهل الكتاب الذين لم يكتفوا بمخالفة أوامر الحق سبحانه وتعالى وأنبياءه وكتبه بل زرعوا فى نفوس ابناءهم كيف يكرهوننا ويصبون علينا جام غضبهم مما جعلنا نعانى الأمرين بسبب أوامرهم وبروتكولاتهم  ولذا ننادي أهل الكتاب بالإيمان بالله جل وعلا وبانبياءه وبكتبه حينها سيكونوا فى خير وعلى خير لأن الحق سبحانه وتعالى يقول " لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم "
ولذا آثرت أن أقوم بسرد حياة عظمائنا كما وصلت إلينا ليرى الجميع تاريخ عظمائنا دون تغير أو تبديل وليروا حياتهم قبل الإسلام لمن أدرك منهم الإسلام  ؛ وحياة من نشأ بين أحضان الإسلام وليروا النور الذى يشع من بين أيديهم ومن أفكارهم  ؛ وكيف ربوا ابناءهم فلم نرى من أحدهم أى وازع لشر أو نقمة على أحد بل إن أراءهم وأفكارهم إنما هى رحمة لنا ولغيرنا من الأمم بخلاف ما سنرى من أفكار وأراء حاخامات اليهود وباباوات النصارى .

















                                 الباب الأول
                   الإسلام
   الإسلام هو إظهار الخضوع و الإلتزام بما أتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحين نقول أن فلاناً مسلماً فيه قولان :- أحدهما أنه المستسلم لأمر الله , وثانيهما هو المخلص لله العبادة ( )         وفى الحديث الشريف , ما من آدمى إلا و معه شيطان , قيل ومعك ؟ قال : نعم , ولكن الله أعاننى عليه فأسلم ( ) وأسلم هنا بمعنى إنقاد وكف عن وسوسته .
إذن فالإسلام هو إظهار الخضوع والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن  كان مع ذلك الإظهار إعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان لأن المؤمن يبطن من التصديق       مثل ما يظهر . والمسلم التام الإسلام  هو مظهر للطاعة مؤمن بها .
بهذا المعنى يتضح لنا أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء لأن جميع الأنبياء خاضعون وملتزمون        بما أمرهم به الحق جل وعلا ونرى ذلك فى كثير من آيات القرآن الكريم فلقد قال الحق      سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } البقرة131ولم يكتف سيدنا إبراهيم عليه السلام بذلك بل أراد لأبنائه أن يحظوا بهذا  الكرم الإلهى وهو الإسلام والاستسلام لله رب العالمين فأوصى أبناءه بالإسلام فقال تعالى  :-
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم    مُّسْلِمُونَ } البقرة132ولأن ذرية الأنبياء بعضها من بعض فلقد أكد نبى الله يعقوب عليه     السلام على هذه الحقيقة قبل موته لأبنائه كما رأينا من الآية السابقة .
وحين شعر سيدنا إبراهيم عليه السلام بحلاوة الخضوع لله رب العالمين تمنى أن تكون ذريته    مسلمة لله الى يوم القيامة فقال {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة128وتمنى أنبياء الله بأن يكونوا مسلمين فلقد قال يوسف عليه السلام  {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }يوسف101
وأوصى موسى عليه السلام قومه بأن يمتثلوا الأمر الله وأن يكونوا مسلمين فقال تعالى فى ذلك
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }يونس84
 كما أن نبى الله نوحاً حين عائده قومه أخبرهم بأنه لا يريد أجراً على دعوته لهم بل أوضح لهم    أن الله أرسله لهم لهدايتهم وأمره أن يكون من المسلمين فقال تعالى عن ذلك {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ   َ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ } يونس71       {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس72
وحين أسلمت ملكة سبأ ( بلقيس) قالت كما حكى القرآن الكريم : {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ   فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }النمل44
إذن جميع الأنبياء ومن تبعهم مسلمون ولكن تختلف الشرائع باختلاف الأزمنة ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى الجميع بأن يكونوا مسلمين لله منفذين أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ         مُّبِينٌ } البقرة208  والسلم هنا تعنى الإسلام ويؤكد ذلك أبو عمرو مستشهداً بقول أمرى   القيس :     
                        فلست مبدلاً بالله رباً   ولا مستبدلاً بالسلم دينا ( )

                   ( الإسلام بين القرآن والكتب السابقة )
لقد شغل الإسلام بال الكثيرين شرقاٌ وغرباً وبشكل خاص رجال الدين والفكر من غير     المسلمين فمنهم من نظر إلى الإسلام بروح طيبه وبصيرة عاقله وعقل راجح وقلب مستنير      فرأوا الإسلام على الحقيقة "  نُّورٌ عَلَى نُورٍ" نور يخرج الناس من الظلمات إلى النور , نور     يهدى إلى صراط مستقيم.
 فتكلموا بلسان الحقيقة وأثنوا على الإسلام ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم,  فلقد  قال أحد علماء الغرب وهو برنارد شو ( كنت دائماً أنزل ديانة محمد منزله كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التى لا تنكر , وإننى أعتقد أن دين محمد هو الدين الوحيد الذى يناسب كل إنسان ويصلح لكل زمان ويتمشى مع كل بيئة فى هذا العالم فى كل مرحله من الحياة , وإنى      أتنبأ بأن دين محمد سيلقى القبول فى أوربا غداً كما يلقاه فيها الآن )
ولكن كانت نظرة بعض المتعصبين والمفترين على الإسلام ضيقه مما أدى بهم إلى تصور مظلم      قاتم حول الإسلام فقال عنهم برنارد شو ( إن الكهنة فى العصور الوسطى قد صوروا الإسلام بصور قاتمة وألوان مظلمة لجهلهم حيناً ولتعصبهم أحياناً فلقد نشأوا ودربوا عملياً على كراهية محمد الإنسان وعلى كراهية الإسلام فقد كانوا يعتقدون أن محمداً ضد عيسى )
وكان من جراء هذا التعصب أن يخرج علينا بين الحين والأخر من يوجه إلى الإسلام ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم اتهامات محاولاً النيل منهما ولكن هيهات لأن الله جل       وعلا "  يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا " فما بالكم برسوله صلى الله عليه وسلم ؟إذ يكفيه قول الحق سبحانه  " وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" فلم نجد ولم نسمع على مر التاريخ أن رجلاً دافعت  عنه الدنيا أجيالاً متعاقبة كمحمد صلى الله عليه وسلم .


             نشــــــأة الإســــلام
   إن أمة الإسلام لم تظهر فجأة ولم تأت إلى الوجود فى غفلة ولكن ترجع بداية هذه الأمة منذ    بدء الخليقة لقول المعصوم ( صلى الله عليه وسلم ) " إنى عبد الله وخاتم النبيين وآدم لمجندل        فى طينته ( ) ثم ما من بنى من لدن آدم الى عيسى عليهما السلام إلا وأخذ الله سبحانه وتعالى عليه العهد أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينصره وأن يحث قومه على الإيمان به وتصديق      رسالته التى تهيمن وتصدق الكتب السابقة لقول الله عز وجل  {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ       لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ           قَالَ  أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ           الشَّاهِدِينَ }آل عمران 81
ولقد نظم الشيخ صلاح القوصى معنى هذه الآية فى أبيات شعرية رائعة فقال :
               اّمن آدم عند الخلق              وإبراهيم اتبع محمــد
              أما يعقوب الأسباط              وكل بنيه رجال محمـد
              واذكر إدريس المحبوب          وموسى بشر باسم محمـد
              حتى عيسى  قبلا جاء            وقال :أنا من حزب محمد
              كل الرسل جميعا اخذوا           إصر الله لنصر محمــد
             والرحمن تعالى قــال            إمام جميع الرسل محمــد
             سبقوا بعثا والأنــوار           إليهم يرسل قلب محمـد
             محراب الأرواح جميعا               وشفيع الأكوان محمــد
ديوان ألفية محمد صلى الله عليه وسلم الجزء الحادي عشر ص 34 , 35
ولأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء فالشريعة الإسلامية أرست في العديد من أجزائها مبدأ حرية العقيدة توضع كدستورا للمسلمين أثناء بناء الدولة الإسلامية في مراحلها الأولي التي شهدت أزهي عصورها في تطبيقه فكان سلاما وأمان علي كل صاحب شرعة أخري غير الإسلام .
وبين الحق سبحانه وتعالى فى العديد من آيات القرآن الكريم أنه جل وعلا إنما يدعو للرحمة والمحبة والتراحم والمودة ولم تكن هذه المودة إلا لأنه جل وعلا (لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)  فقال تعالي مبينا أنه من آمن فلنفسه ومن كفر فلا يضر الله جل وعلا كفره .
"قل يا أهل الكتاب"
كما أنه جل وعلا لم يرغم أحدا أن يؤمن به سبحانه وتعالى وهو رب العالمين ولذلك ندعوا أهل الكتاب الذين ملأوا الدنيا صياحا وعويلا زاعمين أن الإسلام انتشر بحد السيف ندعوهم لقراءة هذه الآيات الكريمة : فقال تعالى
-  لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة : 256
 - وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..." (الكهف: 29
 - إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا" (الانسان : 29
-  قل الله اعبد مخلصاً له ديني. فاعبدوا ما شئتم من دونه..." (الزمر : 14، 15
- قل يا أيها الكافرون. لا اعبد ما تعبدون. ولا انتم عابدون ما اعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا انتم عابدون ما اعبد. لكم دينكم ولي دين" (الكافرون : 1-6
-  ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"      (يونس : 99
-  فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل" (يونس: 108
-  وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل" (الأنعام : 66
-  فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر" (الغاشية : 21، 22
-  ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" (الأنعام : 107
-  قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ"     (الأنعام : 104
-  ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا"          (الإسراء : 54 .
-  أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا" (الفرقان: 43.
والحقيقة أن أمان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  لكل صاحب شرعة ما كان ليختلف عما جاء به قبله من الأنبياء والمرسلين وهذا دليل أنهم جميعا صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثهم الله سبحانه وتعالى ليرحم بهم العالمين . وإن ما يقولونه فى كتبهم من حروب وعداء للأخر هو من زعمهم و ليس من عند الله ؛ ولولا القرآن الكريم ما علمنا كيف تعامل الأنبياء مع من لم يؤمن  بالله . لأن الكتب التى بين يدى أهل الكتاب اليوم بها من التجاوزات ما لا يصدقه عقل .
فهذا القرآن الكريم يخبرنا بما فعله وقاله الأنبياء لأممهم :
 -1فهذا نبى الله نوح (عليه السلام) يقول لقومه: " يا قوم أريتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" (هود : 28).
 -2 وهؤلاء عاد قوم نبى الله هود (عليه السلام) يرفضون مختارين دعوته إلى الله ويقولون له       " يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين" (هود: 53
3  - وهؤلاء ثمود قوم نبى الله صالح (عليه السلام) رفضوا دعوته قائلين له " يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب (هود : 62.
 - 4 وهؤلاء مدين قوم نبى الله شعيب (عليه السلام) قالوا له في نهاية الأمر " يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" (هود : 91
ولكن إن اطلعت على العهد القديم وما به من أوامر بالقتل والسلب والنهب للشعوب الأخرى والأمم الأخرى لعلمت انها من قسوة بنى إسرائيل وليست من عند الله العزيز الحكيم وليس هذا فحسب .
 بل إن  الشريعة الإسلامية أمرت بحماية حرية العقيدة  ودليل ذلك أنه لما توسعت رقعة الدولة الإسلامية فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان هناك مجموعة كبيرة من القبائل المسيحية العربية، وبخاصة في نجران، فما كان منه صلى الله عليه وسلم، إلا أن أقام معهم المعاهدات التي تؤمن لهم حرية المعتقد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، إضافة إلى ضمان حرية الفكر والتعلم .
 فلقد جاء في معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران :-
 " ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملّتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وَبِيَعهم، وصلواتهم، لا يغيروا أسقفا عن أسقفيته ولا راهبا عن رهبانيته، ولا واقفا عن وقفانيته. إلى أن قال : " وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي أبدا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا "
العهدة العمرية:-
والحمد لله فلقد سار صحابة المعصوم صلى الله عليه وسلم على هذا النهج الطيب فها هو  عمر بن الخطاب حين طلب أهل بيت المقدس من أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه أن يأتى أمير المؤمنين بتفسه ليتسلم مفاتيح المدينة وحين وصل اليهم الفاروق عمر رضى الله عنه وتسلم المفاتيح كتب إلى أهل إيلياء (القدس) عهدا  نص على حُريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم فقال :
 "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان : أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتهم، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم. ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .
والاكثر من ذلك أن من فقهاء المسلمين مَن أجاز لغير المسلمين إنشاء الكنائس وغيرها من المعابد في البلاد الإسلامية، وفي البلاد التي فتحها المسلمون فى الغزوات، أي أن أهلها حاربوا المسلمين ، وقد ذهب إلى ذلك الزيدية والإمام ابن القاسم من أصحاب مالك .
وجرى العمل على هذا في تاريخ المسلمين، وذلك منذ عهد مبكر، فقد بُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة "مار مرقص" بالإسكندرية ما بين عامي (39 – 56 / هـ) .كما بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم، في ولاية مَسْلمة بن مَخْلَد على مصر بين عامي (47 - 68 هـ ) كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة حلوان  ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين .
وليس هذا فحسب بل ينهى القرآن  الكريم عن الجدال مع ذلك الذى انقلبت أمام عينه المفاهيم فأصبح يرى الحق باطلاً والباطل حقاً، يقول تعالى للنبى (صلى الله عليه وسلم) ﴿أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (فاطر 8
وإجراء الحوار يكون بالحكمة والأسلوب العقلى وقد مرت بنا أمثلة فى القرآن الكريم لها فى أسلوب الحوار الذى يجريه رب العزة مع خلقه، وإذا رفض الحجج العقلية، والأدلة المنطقية فهو يمارس حقاً أصيلاً كفله له رب العزة وسيكون مسئولاً عن ذلك أمام الله تعالى يوم القيامة، ومن هنا تكون وظيفة الداعية للحق أن يعرض عنه ويهجره هجراً جميلاً حتى لو آذوه، فذلك كان أسلوب النبى فى الدعوة ﴿وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزمل 10).
 ونزل ذلك دستوراً للنبى وكل داعية ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ الأعراف 199 والإعراض عن الخصم يعنى تركه لما اختاره من طريق ارتضاه لنفسه ويعنى انتظار الحكم فى ذلك الاختلاف إلى يوم القيامة. والله تعالى قال للنبى ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنّهُمْ مّنتَظِرُونَ﴾ (السجدة 30) ويقول له ربه ﴿فَأَعْرِضْ عَن مّن تَوَلّىَ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ الْعِلْمِ﴾ (النجم 29: 30
وقد يأتى الأمر بالإعراض عنهم بما يؤكد على تقرير حريتهم الدينية ومسئوليتهم عليها أمام الله يوم القيامة ويقول تعالى ﴿وَقُل لّلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ  وَانْتَظِرُوَاْ إِنّا مُنتَظِرُونَ﴾ (هود 12 122 )
وفال جل وعلا للأمم على لسان أنبياءه منبها إياهم ﴿قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾ الأنعام 135)
وقال تعالى أيضا ﴿قُلْ يَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُـمْ إِنّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مّقِيمٌ﴾ (الزمر 39: 40).
 وذلك لأن الإعراض الذى يؤكد حريتهم فى الاختيار ومسئوليتهم عليه يحمل فى طياته تخويفاً لهم، ويعكس هذا التخويف أملاً لدى الداعية فى هداية بعض الخصوم. وذلك دون أن يقع الداعية فى تكفير الخصوم الرافضين للقرآن .
فإذا لم يكن فيهم أمل أصبح التركيز على الإعراض بأرقى أسلوب فى التعامل وجاء ذلك فى قوله تعالى ﴿وَإِنّآ أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلَىَ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ. قُل لاّ تُسْأَلُونَ عَمّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ﴾ (سبأ 24: 26)
 أنظر إلى عظمة القرآن الكريم الذى ربى ابناءه على التواضع حتى مع الخصوم فحين اليأس من الهداية وحين يتمسك الخصم بموقفه يقال له : أحدنا على هدى والآخر على ضلال، (ولا يقال له أنت كافر واذهب إلى الجحيم)
) ويقال له: لست مسئولاً عن إجرامنا ولسنا مسئولين عن أعمالك، وكان القياس يقتضى المساواة كأن يقال لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تجرمون، ولكن آداب الحوار فى القرآن يأبى ذلك، ويقال أن الله تعالى سيجمع بيننا ثم يقضى بيننا بالحق، ولا يقال نحن أصحاب الجنة وأنتم أصحاب النار.
وهذا الأدب القولى والسلوكى فى الإعراض عن الخصوم فى الرأى والعقيدة ليس نفاقاً أو أسلوباً شكلياً، وإنما أمر القرآن بأن يكون عاطفة تنبع من القلب تحمل معها العفو عن الخصم والغفران له والصفح عنه الصفح الجميل. ومنبع هذه العاطفة هو الإيمان بأن الخصم قد أخطأ فى حق نفسه وأنه سيلقى عذاباً شديداً يوم القيامة، لأنه فشل فى الاختبار وأساء استخدام الحرية التى كفلها له ربه، وحين يتصور المؤمن فظاعة العذاب يوم القيامة لا يملك إلا أن يصفح عن ذلك الخصم ويغفر له.
وليس ذلك استنتاجاً عقلياً أو اجتهاداً شخصياً وإنما هو تدبر لمعانى الآيات القرآنية الواضحة الصريحة .
 يقول تعالى عن قيام الساعة ﴿وَإِنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر 85). أى ليس مجرد الصفح ولكن الصفح الجميل.ويقول تعالى ﴿وَقِيلِهِ يَرَبّ إِنّ هَـَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاّ يُؤْمِنُونَ. فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزخرف 88/89
فإذا يأسنا من إقناعهم فعلينا أن نصفح عنهم ونقول لهم سلام فسوف يعلمون. ويقول تعالى يأمر المؤمنين ﴿قُل لّلّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (الجاثية 14: 15
والعجيب رغم كل ما سبق من آيات وتوضيحات ويعلمها الغرب والشرق علم اليقين إلا أنهم يصرون على إتهام الإسلام والمسلمين بما هو عندهم ليجدوا لما يفعلون مخرجا وحجة ؛ ولذا فهم يرموننا بالتعصب وإنكار الآخر، بل وتكفير الآخرين والدعوة الي قتلهم والتحريض علي قتل كل ما هو غير مسلم واضطهاده لذلك رأينا أن تحديد المصطلحات هو الطريق الآمن لأي حوار حقيقي، يسمح لنا باكتشاف مساحات الاتفاق والاختلاف بين الفرقاء.ومن أهم هذه المفاهيم المغلوطة مصطلح "الكفر"...
فماالكفر؟
الكفر في أبسط وأدق معانيه هو نقيض الإيمان، فإيمانك بالشيء دليل على كفرك بعكس ونقيض هذا الشيء.ولتبسيط معنى الكفر والإيمان فإننا نعطي مثالا آخر، فالمؤمن بالصدق كافر ومنكر للكذب، والمؤمن بالحقيقة كافر ومنكر بالزيف والبهتان .
ونحن نرى أن المعنى اللغوي للكفر يوضح هذا الأمر أكثر، فالكفر هو الستر والغطاء، ولهذا يقولون إن الليل كافر بمعنى أنه يغطي السماء بظلمته، والذي يكفر بالله..
 أي أنه منكر له بعد أن ستر معنى وجود الله عن عين عقله وقلبه، ولهذا استخدم القرآن لفظ الغشاوة –وهي الستر والغطاء- في التعبير عن الكفر. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة6{خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } البقرة7
من هنا فالكافر بشيء أي -بمعنى مبسط- لا يراه ومن ثم فهو منكر له.. ومؤمن بما يراه عقلا أو قلبا أو حسا أو عقيدة. إذا فالعبرة ليست بكلمة الكفر والإيمان ولكن كَفر بماذا وآمن بماذا؟
وعليه فإن الإسلام لا ينكر أنبياءهم وإنما ينكر بعضا مما اعتنقوه ولم يأتِ به الأنبياء العظماء .
والإسلام حذر من الحكم على الناس بما في ضمائرهم ، بل بما ينطق به اللسان والعمل ، ولنا في موقف الرسول مع الصحابي الجليل أسامة بن زيد القدوة عندما طارد أحد الأعداء ولما تمكن منه قام الرجل بنطق الشهادة فما كان من الصحابي إلا أن قتله تحت اعتقاد من أنه ما نطق بها إلا   خوفا ومن باب النفاق، حينها غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال قولته الخالدة ( هل شققت عن قلبه)
ونخلص من هذا بأمر غاية في الأهمية أمام اتهام الغرب للمسلمين بأنهم تكفيريين، بأنهم في حاجة لمراجعة لمعنى الكفر ومدلوله حتى يتبين لهم أنها ليست تهمة وإلا للصقت بنا جميعا، فالله لم ينكر على المسلمين أن يكفروا!!
ولكن بماذا؟ وهنا ينبغي أن نعود لقوله تعالى في سورة البقرة 256: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها    والله سميع عليم"..
هذا حول العقيدة، أما ما يرتبط بالمعاملة وهو لب بحثنا فلا إنكار للآخر من حيث هو آخر، بل معاملة إنسانية بعيدة عن التعصب، بعيدة عن الانحراف، فــ الله جل وعلا قد حسم أمر الإيمان والكفر بقوله: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، فما علينا من حسابهم من شيء في هذا الأمر.. هكذا علمنا ديننا وهكذا يجب أن نكون علينا  نحن المسلمين سائرين عليه ومن يسير عكس ذلك يكون قد اخل بمبدأ من مبادئ الاسلام ..
                   الحوار وقبول الاختلاف مع الآخر
-- ولذا فإن الحوار والاختلاف مع الآخر، أمر حتمي، تفرضه طبيعة الحياة. وبما أن الحوار عبارة عن علاقة مباشرة بين طرفين أو أكثر، تقوم على التعبير وتبادل الأفكار والحجج والبراهين بهدف التواصل والإقناع أو التأثير، فمن الضروري أن يؤدي هذا الحوار إلى شيء من الاختلاف حول بعض الأمور وطرق تناولها.
 -- علاوة على أن هذا الآخر ربما اختلفت بيئته عن بيئتك، وثقافته الاجتماعية عن ثفافتك، مما يستوجب نوعا من التعايش وقبول الآخر، وقبول الحوار والتعايش معه، طالما أن هذا التعايش لا يمس شؤون العقيدة أو الثوابت الدينية.
والنبي صلى الله عليه وسلم بمنهجه الواضح في هذا الشأن، وضع لنا قواعد الحوار ومنهجية الاختلاف مع الآخر، وضرب لنا أروع الأمثلة على التعايش مع الآخر، حتى ولو كان على غير دينه، وحتى لو اختلفت عادته وتقاليده عن ما نشأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم  من عادات وتقاليد وأعراف.
-- واختلاف الرأي حدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فتعامل معه النبي صلى الله عليه وسلم  بأفق متسع، وذلك حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة." ( رواه البخاري). فخرجوا رضوان الله عليهم من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت صلاة العصر، فاختلف الصحابة؛ فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة." فنقول سمعنا وأطعنا.
-- ومنهم من قال إن النبي، عليه الصلاة والسلام، أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج، وإذا حان الوقت، صلينا الصلاة لوقتها. فبلغ ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحداً منهم، ولم يوبخه على ما فهم. هذه الحادثة من شأنها أن تترك في نفوس ذوي الألباب أثرا عميقا نحو قضية قبول الاختلاف مع الآخر عند النبي، وأن الحوار لا بد وأن يكون مفتوحا، وأن يتعامل معه الناس بعقل متقبل لأطر هذا الاختلاف.
-- فها هو النبي لمّا علم بما حدث، أقر الفريقين على فعله، ولم يعاتب أحدا منهما. والرسول يعلمنا بذلك التعامل مع الهدف بحكمة، وباستقلالية في الوسيلة طالما أنها لا تتعارض مع أحكام الشريعة.
-- والرسول ينهانا عن التمسك بنوعية الحوار المبني على الرأي مسبقا، لأنه سيكون حوارا عقيما، لا جدوى منه، وذلك في قوله: "إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك." (رواه أبو داود
 وهذا الحديث، رغم أنه توجيه لنا بعدم الحوار مع من يعجبون بآرائهم ويرفضون التحاور مع الآخر، إلا أنه في الوقت ذاته، توجيه لنا بعدم التشبث بآرائنا، ما دام هناك مساحة للتفاوض مع الآخر والحوار والنقاش معه.
-- وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا قبول الاختلاف مع الآخر والحوار معه وعدم الخضوع لأي نوع من التعصب لأفكارنا، فإنه يعلمنا كذلك ما هو أعمق وأشمل. فالأمر لا يقف عند حدود الاختلاف، فالحياة أرحب من ذلك، بل هناك التعايش مع الآخر وقبول أعرافه ما دامت لا تتعارض مع ما يفرضه عليك دينك. ونحن من خلال حديث الأحباش، يمكننا أن نلمس هذا الجانب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو يعلمنا احترام تقاليد وأعراف البيئات الأخري المحيطة بنا، وعدم الوقوف أمامها ورفضها رفضا تاما، حتى ولو كانت حلالا، لا شيء فيها.
-- جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها - رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر رضي الله عنه،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهم، أمناً بني أرفدة." يعني من الأمن. هذه الطريقة في اللعب، والتي كان يلعب بها الأحباش تخالف طرق العرب،
إلا أن النبي لم ينههم أو يزجرهم، بل تعايش معهم، وتقبل هذا العرف منهم، وتركهم يمارسون ما اعتادوا عليه بمنتهى الحرية، بصدر رحب، وبقبول لهذا الأمر .
ولقد كان من طبيعة النبي صلى الله عليه وسلم ، الانفتاح على الأمم الأخرى، والأخذ منها بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة. فلقد وافق على رأي سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الخندق، رغم أنها خطة فارسية، لم يعتدها العرب من قبل، ولم يسمعوا عنها. وربما تعاف نفسك بعض الأمور التي اعتادتها ثقافة معينة، فيرفضها عقلك تماما، وتتعامل معها بنفور، وربما امتد تأثير هذا الأمر عليك، فيجعلك تفرض رأيك على من حولك وترفض الحوار في هذه النقطة تحديدا.
 ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفض هذا الأسلوب في التعامل مع مجريات الأحداث من حولك، ويرفض أن تتعامل مع البشر من حولك بفرض ما تقبله نفسك على الآخرين.
-- لقد كان خالد بن الوليد من محبي أكل الضب، وقدمه ذات يوم للنبي، فلم يأكل النبي، ولم يمنع خالدا من أكله، بل ترك له حرية فعل ما يحلو له في ذلك الأمر، كما أنه تعامل بذوق في هذا الاختلاف حيث بيّن لخالد أسباب عدم أكله له، حتى لا تأخذ الأفكار بخالد نحو طريق من شأنه أن يجعله يترك ما اعتاد عليه وأحبه. ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن أكل الضب، فقيل له أحرام هو؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه.
-- بذلك، نجد أن النبي لم يحرم ثقافة الأفراد والبيئات، وإن كان هو رافضا لها من الناحية النفسية، طالما أنها لا تخالف الدين. والنبي تعايش مع ثقافات مختلفة ومع نوعيات وعقائد مختلفة بصدر رحب ودون أي محاولة منه للمسّ بهذه الثقافات. ومن أمثلة ذلك، تعايش النبي مع اليهود، حيث عاش النبي معهم منذ قدومه إلى المدينة المنورة بكل سلام، وكان يعاملهم بأخلاقيات الإسلام، فيزور المريض منهم، ويتحمل إساءة الجار اليهودي، ويقوم لجنازة رجل يهودي.
روى الإمام البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة يهودي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: "أليست نفساً؟"
-- ومنذ بداية وجود النبي في المدينة، ظهر حرصه على عدم عداوة اليهود، بل وقع معهم عهدا جميلا يدل على رغبة في العيش بسلام مع الطرف الآخر.

     تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين:
-- قلنا من قبل أنه لما توسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان هناك مجموعة كبيرة من القبائل المسيحية العربية، وبخاصة في نجران، فتعامل معهم النبي بقبول لوجودهم في ظلال الدولة الإسلامية، وعقد معهم معاهدت من شأنها أن تؤمن لهم حرية ممارسة شعائرهم،
-- فلقد جاء في معاهدة النبي لأهل نجران: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله، على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم... وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته. ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا، فبينهم النصف، غير ظالمين ولا مظلومين."
-- وكان أول لقاء بين الإسلام - الدولة - وبين غير المسلمين المواطنين في دولة إسلامية هو الذي حدث في المدينة المنورة غداة الهجرة النبوية إليها. وكان لا بد للدولة من نظام يرجع أهلها إليه، وتتقيد سلطاتها به (دستور). عندئذكتبت بأمر الرسول صلى الله عليه وسلَّم - وبإملائه شخصيا
وثيقة المدينة
-- و الوثيقة السياسية الإسلامية الأولى المعروفة تاريخيا باسم: وثيقة المدينة، أو صحيفة المدينة، أو كتاب النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى أهل المدينة، أو كما يسميها المعاصرون: دستور المدينة.وفي هذه الوثيقة نقرأ أنها:
-كتاب من محمد النبي رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب،ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم :-
-أنهم أمة من دون الناس؛
-وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
-وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن.
-وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
-وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم
وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم.
-وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
-وأن لبني الشُطَيْبة مثل ما ليهود بني عوف. وأن البر دون الإثم.
-وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.
فهذه تسع قبائل، أو تجمعات يهودية، تنص الوثيقة عليها، وتقرر لهم مثل ما ليهود بني عوف، وتضيف إلى ذلك أن مواليهم وبطانتهم كأنفسهم.
-وتقرر الوثيقة النبوية أن بينهم النصح - هم والمسلمون - على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصر والنصيحة، والبر دون الإثم، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره (أي الله شاهد ووكيل على ما تم الاتفاق عليه.
فهذه الوثيقة تجعل غير المسلمين المقيمين في دولة المدينة مواطنين فيها، لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، وعليهم من الواجبات مثل ما على المسلمين .
-- وليس هذا فحسب بل تعايش النبي مع المنافقين: رغم علم النبي صلى الله عليه وسلم بالمنافقين وأسمائهم، ورغم علمه بخطورة المنافقين الذين يحاولون بث روح الهزيمة في صفوف المسلمين، والعمل على انقسام المسلمين، إلا أننا لم نر النبي يتعامل معهم بانغلاق أو يرفض التعامل معهم، بل كان صلى الله عليه وسلم يخالطهم ويتعامل معهم ويسمع منهم. ولم يلجأ النبي رغم قدرته على ذلك إلى استخدام القوة ضد هذا التيار. كما لم يحرمهم النبي من أي من حقوقهم المدنية، فكانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة مثل المسلمين، وكان النبي يسمح لهم بأن يدلوا بآرائهم في قضايا المجتمع، وأخذ نصيبهم من عطاء بيت المال.
-- هكذا، من خلال تلك الومضات السريعة، يمكننا أن نعلم كيف كان محمد صلى الله عليه وسلم يتعايش مع من حوله بكل حب وسلامة صدر، ودون حمل ضغائن أو كراهية، وكيف كان يحث أتباعه من خلال سلوكه العملي وسنته الواقعية على التعايش والعيش بمنهجية الحوار الإيجابي     البناء  .
بخلاف ما راينا من أهل الكتاب ومعاملتهم لنا وبخاصة من ينبغى ان يكونوا اكثر الناس رحمة وهم النصارى فوجدناهم إما محاربين لنا أو محرضين علينا وسنذكر بعضا مما سجلته كتب التاريخ عما فعله بنا النصارى وما أرادوه لنا من إبادة رغم محافظتنا عليهم طوال عهودهم وأيام ضعفهم وما إن رأوا الضعف تسرب الينا إلا وانقضوا علينا وصدق الحق جل وعلا حين قال  {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }الممتحنة2ولقد قرأت بحثا على شبكة الإنترنت بهذا الخصوص   نذكره بتصريف يسير  
تحالف النصارى مع الشيعة و المغول .. الحقيقة الغائبة
-- فتقول الباحثه : إن البعض يلصق جريمة اجتياح بغداد فى نهاية الخلافة العباسية  بالشيعة ويعتبرونهم المسؤولون وحدهم عن ما جرى للعالم الإسلامى على يد المغول والحقيقة ليست هكذا بل النصارى هم المجرمون الحقيقيون وهم أيضا من عاونوا الشيعة ويعاونوهم فى كل زمان ومكان للتأثير على السنة من المسلمين   .
ودليل ذلك  أن  الأميرة ( دوقس خاتون) زوجة هولاكو نصرانية ، وقد أدى نفوذ الأميرة على زوجها دوراً خطيراً تفخر به الكنيسة في تجنب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري ، وتوجيه غزوهم إلى العرب والمسلمين في الشرق العربي ، حيث ذبحت قوات التتار العرب والمسلمين في بغداد .
 في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة ، فلم تمسهم في أرواحهم وأموالهم بأذى ، كما لعبت الأميرة دوراً في إقناع زوجها باحتلال سورية الإسلامية)
-- وقال أيضاً: ( لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها. وقد فرح لها الغرب وارتقب الخلاص على يدي هولاكو، وقائده النصراني ( كتبغا ) الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما ليحقق له القضاء على المسلمين ، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية ، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم المسلمين).
-- هذا وقد بلغ من منزلة النصارى عند هولاكو أن أسكن زعماء النصارى بغداد في قصور العباسيين  فحولوا بعضها إلى كنائس ، واتخذوا ساحات بعضها الآخر مقابر لموتاهم ، وهو ما صرح به المؤرخ النصراني ابن متى. في سنة ( سبع وخمسين وستمائة) توجهت الجيوش المغولية إلى الشام ، بفعل الضغوط التي مارستها الحاشية النصرانية المحيطة بهولاكو ، وفي مقدمتهم زوجته النصرانية (دوقس خاتون) التي كانت في الأصل زوجة لأبيه ، فتزوجها بعد وفاة والده – نسأل الله السلامة والعافية.
-- وعن دور هذا الزواج في تسلط النصارى والمغول على بلاد المسلمين ، يقول المؤرخ النصراني ابن العبري الذي كان معاصراً لتلك الأحداث : (أما دوقس خاتون ، الملكة المؤمنة ، المسيحية الحقيقية  فقد زفت إليه كعادة الملوك ، وسافرت معه ، وارتفع بها شأن المسيحيين في كل الأرض).وقال  أيضاً : ( وعبرت العساكر بأسرها إلى سورية ، وعبر كذلك هولاكو مع دوقس خاتون ، الملكة المؤمنة المحبة للمسيح).
-- وفي الشام فعل المغول والصليبيون في مدينة حلب ما فعلوه في بغداد ، وقد نتج عن ذلك استسلام دمشق في سنة ( ثمان وخمسين وستمائة) فدخلها المغول ومعهم قوات التحالف الصليبية ، وفي ذلك يقول المؤرخ الألماني هانس ماير : ( وهكذا ارتبطت أنطاكية في الحلف الأرمني المغولي ، وفي البداية استفاد الجانبان من هذا التحالف ، فقد ساعد الأرمن المغول خلال حصارهم حلب ،
 -- وتقدم صليبيو أنطاكية ، نحو دمشق لهذا الغرض ، وحول الجامع الكبير الشهير [ الجامع الأموي ] بعد احتلال المدينة إلى كنيسة مسيحية).
-- وقال عن هولاكو وزوجته : ( إن مؤرخاً أرمنياً من أواخر القرن الثالث عشر يحتفي بهولاكو وزوجته بالحفاوة التي تمنح للإمبراطور ، ويدعوهما قسطنطين الجديد ، وهيلانة الجديدة. ويعتبره أداة إلهية للانتقام من أعداء المسيح).
-- وفي دمشق تطاول النصارى على المسلمين وأهانوهم ، وفي ذلك يقول المؤرخ الشيخ قطب الدين اليونيني : ( وكان النصارى بدمشق قد شمخوا ، وتجرأوا على المسلمين ، واستطالوا بتردد كبار التتار إلى كنائسهم ، وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤوا من عنده ، بفرمان ، يتضمن الوصية بهم ، والاعتناء بأمرهم ، ودخلوا به البلد من باب توما ، وصلبانهم مرتفعة ، وهم ينادون حولها بارتفاع دينهم ، واتضاع دين الإسلام ، ويرشون الخمر على الناس ، وفي أبواب المساجد ، فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم).
-- وبعد معركة عين جالوت وانتصار المسلمين بقيادة الأمير المظفر قطز حاول هولاكو أن يثأر لهزيمة جيشه في عين جالوت، ويعيد للمغول هيبتهم في النفوس؛ فأرسل جيشا إلى حلب فأغار عليها ونهبها، ولكنه تعرّض للهزيمة بالقرب من حمص في المحرم (659هـ = ديسمبر 1260م) فارتد إلى ما وراء نهر الفرات.
-- ولم تساعد الأحوال السياسية المغولية في أن يعيد هولاكو غزواته على الشام ويستكمل ما بدأه، فبعد موت "منكو خان" تنازع أمراء البيت الحاكم السلطة وانقسمت الإمبراطورية المغولية إلى ثلاث خانات مستقلة، استقل هولاكو بواحدة منها هي خانية فارس، ثم دخل هولاكو في صراع مع "بركة خان" القبيلة الذهبية، مغول القبجاق (جنوب روسيا) واشتعلت الحرب بينهما.
-- وفي (19 من ربيع الأول 663هـ 9 من يناير 1265م) توفي هولاكو بالقرب من مراغة وهو في الثامنة والأربعين من عمره، تاركا لأبنائه وأحفاده مملكة فسيحة عرفت بإيلخانية فارس، ولم تلبث زوجته "دوقس خاتون" أن لحقت به، وحزن لوفاتهما المسيحيون بالشرق، وعدّوهما من القديسين.
-- وهكذا فإن هذه المرأة والتي كانت تعتبر أميرة الدنيا كما يطلق الناس عليها في تلك الفترة أو خاتون الدنيا كان لها الأثر الكبير في توجيه هولاكو للقضاء على الاسلام والمسلمين. والويل لأمة تحكمها النساء أو تسير شؤون الحكم فيها .
-- ويؤكد ما سبق  مقال للدكتور علي محمد محمد الصلابي ينقل عن (ألعريني) في كتابه (المغول) ص (248) يقول: لقد مال المغول منذ اللحظة الأولى لغزوهم للشرق الأدنى إلى العنصر المسيحي النسطوري،ولعل وصية منكوخان لأخيه هولاكو التي نصت على استشارة هولاكو لزوجته دوقس خاتون التي كانت مسيحية نسطورية خير دليل على ذلك، وقد أدى وجودها في ركاب زوجها هولاكو إلى التفاف المسيحيين الشرقيين حول المغول، إذ المعروف أن النساطرة ازداد عددهم في الجيش المغولي و وصلوا إلى حد قيادة الجيوش المغولية، فكيتوبوقا كان من عنصر النايمان النساطرة. ويضيف الدكتور في كتابه آنف الذكر.
-- و كان من الطبيعي أن يآخى هؤلاء النساطرة مع الجماعات الأرمنية و اليعاقبة (السريان) و غيرهم التي تكاثر عددها في كبرى مدن الشام، وقد أدى هذا التلاحم إلى مشاركة العنصر المسيحي على مستوى قيادة الجيوش في اقتحام مدن الشام.
-- و يصح أن نؤكد أن غزو المغول لبلاد المسلمين في الشام اتخذ طابعا صليبياً. الواقع أن سقوط المدن الثلاث الكبرى، بغداد وحلب ودمشق في أيدي المغول يعتبر من الكوارث الفاجعة التي هزت العالم الإسلامي في ذلك الوقت. وترتب على سقوط دمشق في أيدي المغول أن أعلن المسيحيون بها التمرد و الشموخ ولم يخفوا فرحتهم بما حل بالمسلمين من نكبة، فحصل النساطرة من هولاكو على فرمان ينص على الاعتناء بأمرهم وبعدها دخلوا البلد و صلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بارتفاع دينهم و اتضاع دين الإسلام، ورشوا الخمر على ثياب المسلمين و أبواب المساجد وألزموا المسلمين في حوانيتهم بالقيام للصليب، و من لم يفعل ذلك أهانوه وأقاموه غصباً، وحدثت إهانات كثيرة بحق المسلمين لذا اشتدت ثائرتهم للانتقام لمقدساتهم.
 -- يقول ابن الأثير في كتابه البداية والنهاية ص (17-398). لقد ذكر أحمد بن علي المقريزي (1364- 1442) ميلادية في كتابه(السلوك لمعرفة دول الملوك) و غيره من المؤرخين أن المغول عند غزوهم للشام والعراق أظهروا اهتماماً خاصاً بالنصرانية، وعطفاً شديداً على النصارى.
-- في الوقت الذي قتل المغول الخليفة العباسي، وأحرقوا مسجد الجامع أنعم هولاكو على البطريق النسطوري في بغداد بالهدايا الثمينة، وخصص أحد قصورها مقراً له. لذلك لا عجب إذا هلل النصارى الشرقيون بوجه خاص لما قام به المغول من أعمال في العراق والشام، واعتبروهم حماة النصرانية الذائدين عنها، الآخذين بثأرها فحرص بعض بطارقتهم وأمرائهم على ملازمة المغول في زحفهم و مشاركتهم في احتلالهم، بل على تحريضهم ضد المسلمين للتشفي فيهم و القضاء عليهم.
-- وبعبارة أخرى:إن المعاصرين من النصارى وجدوا في غزو المغول لبلاد الشام والعراق فرصة طيبة للثأر من الإسلام والنيل من المسلمين، واعتبروا تلك الغزوة بمثابة حملة صليبية جديدة أتت لنصرة النصارى. إن زوجة هولاكو كما أشرنا سابقاً كانت نسطورية نصرانية، كما أن بطانته و مستشاريه و مؤيديه كانوا من النساطرة. و يذكر المقريزي  في كتابه الأعمال الاستفزازية الكثيرة التي قام بها النصارى ضد المسلمين . ومن الجدير بالذكر أنهم فى إيطاليا فى القرن الثالث عشر واحتفاء بالمغول كانوا يسمون أولادهم حديثى الولادة باسم هولاكو وغيرها من أسماء المغول.



القرآن الكريم :-
فضله، مكانته، وكونه المصدر الأول للتشريع الإسلامي :
-- القرآن الكريم كلام الله منه بدا، بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدَّقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله -تعالى- بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر.
-- وصفه منزله بقوله -سبحانه-: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت 41 - 42]. كما وصفه -جلت قدرته- بقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود :1].
-- حقا، إن آيات القرآن الكريم في غاية الدقة والإحكام، والوضوح والبيان، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا الكتاب معجزًا من الناحية البلاغية والتشريعية والعلمية والتاريخية وغيرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف؛ تحقيقا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر :9].
-- فالدنيا كلها لم تظفر بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد، الذي قال الله جل وعلا فيه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء:9].
-- هذا القرآن الكريم أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [إبراهيم :1].
-- فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وضمن للمسلمين الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم، إذا هم تَلَوْه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره وآياته، وتفقهوا جمله وكلماته، ووقفوا عند حدوده وَأْتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه، وتخلقوا بما شرع، وطبقوا مبادئه ومُثُله وقيمه على أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم. قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [البقرة : 121].
--  قال ابن عباس: "يتَّبعونه حق اتباعه، يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه". وقال قتادة: "هؤلاء أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- آمنوا بكتاب الله فصدَّقوا به، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، وعملوا بما فيه".
-- نعم لقد تأثر به الجن ساعة سمعوه، وامتلأت قلوبهم بمحبته وتقديره، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } [الجن 1 - 3].
-- وقد حكى الله في القرآن الكريم عنهم أنهم {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأحقاف 30 - 31]
-- من أجل ذلك كله فاق هذا الكتاب المبارك كل ما تقدمه من الكتب السماوية، وكانت منزلته فوق منزلتها، قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4]. وقال -سبحانه-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48].
-- قال علماء التفسير: "وعلُوُّ القرآن على سائر كتب الله -وإن كان الكل من عنده- بأمور، منها: أنه زاد عليها بسور كثيرة؛ فقد جاء في الحديث أن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خُصَّ بسورة الحمد، وخواتيم سورة البقرة .
--  وفي مسند الدارمي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إن السبع الطوال مثل التوراة ، والمئين مثل الإنجيل، والمثاني مثل الزبور، وسائر القرآن بعد هذا فضل" وأخرج الإمام  أحمد والطبراني، عن واثلة بن الأسقع، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أُعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأُعطيت مكان الزبور المئين، وأُعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل"
-- والسبع الطوال: من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الأعراف، فهذه ست سور، واختلفوا   في السابعة أهي الأنفال وبراءة معا؛ لعدم الفصل بينهما بالبسملة، بجعل الأنفال وبراءة بمنزلة سورة واحدة أم هي سورة يونس؟
-- والمئون: هي السور التي تزيد على مائة آية، أو تقاربها، والمثاني هي السور التي تلي المئين في عدد الآيات، أو هي السور التي يكون عدد آياتها أقل من مائة آية؛ لأنها تُثَنَّى أي تكرر أكثر مما تُثَنَّى الطوال والمئون.
-- وأما المفصل: فهو ما يلي المثاني من قصار السور. وقد اختلف في أوله فقيل: من أول سورة الصافات، وقيل: من أول سورة الفتح، وقيل: من أول سورة الحجرات، وقيل:
 -- من أول سورة " ق " -وهو الذي رجحه الحافظان: ابن كثير، وابن حجر- وقيل غير ذلك، واتفقوا على أن منتهى المفصل آخر القرآن الكريم.
-- ومنها: أن الله جعل أسلوبه معجزا، وإن كان الإعجاز في سائر كتب الله -تعالى- من حيث الإخبار عن المغيبات، والإعلام بالأحكام، ولكن ليس فيها الأسلوب الخارج عن المعهود، فكان القرآن أعلى منها بهذه المعاني وأمثالها وإلى هذا الإشارةُ بقوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف :4].
-- ومما يدل على هذا أيضا قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] قال الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن ص 102، 103: "وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم -القرآن- الذي شرفه الله -تعالى- على كل كتاب أنزله، وجعله مهيمنا عليه، وناسخا له وخاتما له لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به، وبمن أنزل عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة.
-- وهذا الكتاب المبارك قرر كثيرا من الحقائق العلمية الكونية في معرض الاستدلال على وجود الله وقدرته ووحدانيته، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: 30] وحث على الانتفاع بكل ما يقع تحت أبصارنا في الحياة مما خلقه الله قال -سبحانه-: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [يونس: 101] وقال -جلت قدرته-: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الجاثية: 13]
-- فعلى المسلمين أن يُعملِوا أفكارهم في علوم الكون، ولا يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سماواته وأرضه. نعم إن الحديث عن القرآن الكريم لا يَنْضَب معينه، فهو الذي حَبَّب إلى المسلمين العدل والشورى، وكره إليهم الظلم والاستبداد، شعار متبعيه: قوة الإيمان، وإنكار الذات، والإيثار، والرحمة فيما بينهم.
-- فلنعش مع القرآن الكريم: تلاوة وفهما، وعملا وحفظا، فمعايشة القرآن من أجلِّ الأعمال التي يتصف بها المؤمنون، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29 - 30].
-- فالله -تبارك وتعالى- يشيد في هاتين الآيتين بالتالِينَ لكتابه، تلاوة مصحوبة بالتدبر الذي ينشأ عنه الإدراك والتأثر، ومما لا شك فيه أن التأثر يفضي بالقارئ -لا محالة- إلى العمل بمقتضى قراءته. لذا أتبع الحق -تبارك وتعالى- القراءة بإقامة الصلاة، وبالإنفاق سرا وعلانية من فضل الله، ثم برجاء القارئينَ بسبب ذلك تجارة لن تبور، فهم يعرفون أن ما عند الله خير مما ينفقون، ويتاجرون تجارة تؤدي إلى توفيتهم أجورهم، وزيادتهم من فضل الله، إنه -سبحانه- غفور شكور، يغفر التقصير، ويشكر الأداء.
-- إذن فلا بد من قراءة القرآن، قراءة متدبرة واعية، تكون سببا في فهم الجمل القرآنية، فهما دقيقا، فإن عز على القارئ شيء في فهم المعنى سأل أهل الذكر، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]
-- والمُدارسة القرآنية مطلوبة دائما، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بَطَّأَ به عمله لم يسرع به نسبه "
-- وقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الشريف "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله " ليس البيت قيدا؛ بدلالة رواية مسلم الأخرى: "لا يقعد قوم يذكرون الله -عز وجل- إلا حفَّتهم الملائكة…" فإذا اجتمعوا في مكان آخر غير المسجد كان لهم هذا الفضل أيضا، فالتقييد ببيت الله خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، فالاجتماع للتلاوة، والمدارسة للتفقه في آيات الله، وما دلت عليه من أحكام وعبر في أي مكان يترتب عليه هذا الفضل، وإن كان الاجتماع للتلاوة والمدارسة في المسجد أفضل من الاجتماع في أي مكان آخر؛ لِما في المسجد من مزايا وخصائص ليست في غيره.
-- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف "
-- وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وهذا يدل على بيان فضل تعليم القرآن والترغيب فيه، وقد سئل سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك، أو يقرأ القرآن؟ فقال: يقرأ القرآن؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه"
-- ومكث الإمام أبو عبد الرحمن السلمي يعلِّم القرآن في مسجد الكوفة أربعين سنة بسبب سماعه لهذا الحديث، وكان إذا روى هذا الحديث يقول: ذلك الذي أقعدني مقعدي هذا.
-- قال الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن: "والغرض أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمَّلُ في أنفسهم المُكَمِّلون لغيرهم، وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدي،
 -- وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال الله في حقهم: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ } [النحل :88].
-- وكما قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } [الأنعام : 26]. في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } [الأنعام: 157]. فهذا شأن شرار الكفار كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكملوا في أنفسهم، وأن يسعوا في تكميل غيرهم، كما في هذا الحديث، وكما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33].
-- فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله -تعالى- من تعليم القرآن والحديث والفقه، وغير ذلك مما يُبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا -أيضا- فلا أحد أحسن حالا من هذا.
-- وكما شملت رحمة الله -تعالى- التالِينَ لكتابه، المقيمين لحدوده شملت أيضا المستمعين له،     قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 2 - 4].
-- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقرأ عليَّ. قلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا }قال: حسبك. فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان
-- قال الإمام النووي "وفي هذا الحديث فوائد، منها: استحباب استماع القراءة، والإصغاء إليها والبكاء عندها، وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه".
-- فيجب على كل مسلم أن يعرف للقرآن الكريم حقه، وأن يراعي حرمته، وأن يلتزم حدود الدِّين عند الاستماع لآيِ القرآن الكريم، وأن يقتفي آثار السلف الصالح في تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه، فقد كانوا شموسا مضيئة، يُحتذَى بهم في كمال الخشوع والتأثر، مؤمنين بقول الله -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [الشعراء: 192 - 195].
-- حقا، إن القرآن الكريم بألفاظه ومعانيه كلام الله، وهو المنهج السماوي للبشر كافة، وللخلق عامة، وهو المرجع الأول في أمور دِين المسلمين، وهو الحكم الذي إليه يحتكمون، وفصل قضائه الذي إليه ينتهون، والأحكام التي وردت في القرآن الكريم لم تصدر دفعة واحدة، بل نزلت تدريجيا طوال مدة الرسالة.
--  فبعضها لتثبيت فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقوية قلبه، وبعضها لتربية هذه الأمة الناشئة، علما وعملا، والبعض الآخر نزل بمناسبة حالات وقعت فعلا للمسلمين في حياتهم اليومية، في أوقات مختلفة، وأزمنة متفرقة، فكلما وقع منها حادث نزل من القرآن الكريم ما يناسبه ويوضح حكم الله فيه، من ذلك الأقضية والوقائع التي كانت تحدث في المجتمع الإسلامي في عهد التشريع، فيحتاج المسلمون إلى معرفة حكمها، فتنزل الآيات مبينة حكم الله فيها، كتحريم الخمر.
-- فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهما فأنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة: 219].
 -- فقال الناس: ما حرَّمَ علينا إنما قال: ( فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين، أَمَّ أصحابه في صلاة المغرب، خلط في قراءته، فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43]. وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مُفِيق، ثم أُنزلت آية أغلظ من ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90].
-- قالوا: انتهينا ربنا .فقال الناس: يا رسول الله: ناس قتلوا في سبيل الله، أو ماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة : 93]. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو حُرِّمت عليهم لتركوها كما تركتم"
-- وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا ينادي، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. فقال لي: اذهب فأهرقها. قال: فجرَت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال بعض القوم: قُتلَ قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا }
-- مما تقدم نعلم أن: النهي عن الخمر وقع مدرجا ثلاث مرات: حين نزلت آية سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }
-- وقد تضمن ذلك نهيا غير جازم، فترك شرب الخمر ناس كانوا أشد تقوى، فقال عمر رضي الله عنه: "اللهم بَيِّنْ لنا في الخمر بيانا شافيًا"، ثم نزلت آية سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }فتجنب المسلمون شربها في الأوقات التي يظن بقاء السكر فيها إلى وقت الصلاة، فقال عمر رضي الله عنه: "اللهم بَيِّنْ لنا في الخمر بيانا شافيا".
--  ثم نزلت آية سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } عند ذلك قال عمر -رضي الله عنه- عندما دُعِيَ وقُرِئَت عليه: "انتهينا".
-- وهكذا كان التدرج في التشريع؛ ليطهر الله -سبحانه وتعالى- الأمة الإسلامية من العادات المخالفة لمنهج الله، ويكملهم بالفضائل من الصفح والحلم، والإيثار والمحبة والأمانة، ورعاية الجوار والعدل، وغير ذلك من كريم الخصال.
-- فالله -تعالى- وحده هو المشرع لعباده، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } [الأنعام:57]. ولا يشرع للناس إلا ما فيه خيرهم وسعادتهم، سواء أظهرت الحكمة من ذلك أم لم تظهر.
السنة النبوية :-
-- وأما السنة النبوية فهي المصدر الثاني للتشريع، ولا خلاف بين الفقهاء على أنها حجة في التشريع بجانب القرآن الكريم، قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 59]. وقال -سبحانه-:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44]. وقال تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7].
-- وها هو الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله يحدد في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) دور السنة بالنسبة للقرآن الكريم فيقول: "السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.
والثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن، وتفسيرا له.
والثالث: أن تكون موجبة لحكمٍ سكتَ القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه، ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما".
-- لذا فالسنة قد تؤكد ما ورد في القرآن الكريم من أحكام، وقد تفسر نصوصه، أو تفصل ما أجمل من أحكامه، وقد تُنشئ حكما لحالات لم يرد بشأنها نص في الكتاب، ومع ذلك لا يلجأ إلى السنة دليلا للأحكام إلا عند خلو القرآن من نص يفي بالمطلوب، فالسنة هي التي وضحت لنا -نحن المسلمين- أن الصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، وهي التي بينت لنا عدد ركعاتها وأركانها، وهي التي بينت لنا حقيقة الزكاة، وعلى من تجب وأنصبتها، وكيفية الحج والعمرة، وأن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر، وبينت مواقيته، وعدد الطواف.
-- فعلى كل من يدعي أنه متمسك بالقرآن، ويهجر السنة أن يبادر إلى تجديد إيمانه، وبالرجوع إلى الله -تعالى- قال -سبحانه-: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}  [طه : 82].
-- فالقرآن الكريم، والسنة المطهرة هما وحي الله إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهما مصدرا التشريع الإسلامي الذي رد الإنسان إلى فطرته، وجعل منه بشرا يعرف طريقه إلى الحياة، مرددا قول الله -تعالى-:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } [الأعراف: 43].
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم
-- فكلنا يحب الحديث عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو أعظم رجل، وأعظم رسول عند الله وعند الملائكة وعند الرسل وفي التاريخ الإسلامي وفي الكتب السماوية وفي القرآن والسنَّة -صلى الله عليه وسلم-. فهو أعظم رجل وأعظم رسول وتظهر مكانته في الآخرة إذ هو سيد ولد آدم يوم القيامة وصاحب الشفاعة العظمى وصاحب المقام المحمود صلوات الله وسلامه عليه.
-- ولا أستطيع أن أُوَفِّيَه حقَّه -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام، وقد كتبتُ ليستفيد السامعون لأنَّ الإرتجال قد يكون فيه خلل، ولتتم الفائدة كتبتُ هذا الموضوع وأطلت فيه قليلاً فأرجو الصبر وطول النَّفَس لنحصل جميعاً على الفائدة من هذا الموضوع الشيِّق العظيم. أسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم مَحَبة  الرسول  العظيم -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص في كل ما نقول ونفعل.
-- وأبدأُ الآن فأقول: فهذه كلمة في بيان مكانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيان حقوقه على هذه الأمة أي أمة الإجابة وأمة الدعوة من الجن والإنس.
- إنَّ لرسول الله الكريم  محمد -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لم يبلغها أحد من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة، آدم ومن دونه تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد أُوتِيَ الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها أُولوا العَزْمِ من الرسل والتي اختصه الله بها وآثره بها على العالمين.
- ولقد كَرَّمَهُ ربُّه عزّ وجلّ واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحد من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكلُّهم لهم منزلة رفيعة عند الله.  فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بِسِت: أُعْطِيتُ جوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا وأُرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون) [صحيح مسلم (523)] .
-- وروى البخاري قريبٌ من هذا. وفي حديث جابر: (وأُعطيت الشفاعة) [البخاري (328) ومسلم ( 521)] .
- وقال تعالى في بيان منـزلته -صلى الله عليه وسلم- وبيان صفاته الكريمة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164]
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2]
-- وقال تعالى في بيان مَنـزِلَته العظيمة وصفاته الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيل﴾ [الأحزاب45-48]
-- وقال تعالى مُنَوِّهاً بِذِكره ومكانته عنده ونعمته عليه:﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح:1-4]
- قال ابن عباس: شرحه بنور الإسلام. وقال سهل: بنور الرسالة. وقال الحسن: ملأه حكمةً وعلماً.
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: قال الإمام السعدي-رحمه الله-: «أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله والإتصاف بمكارم الأخلاق والإقبال على الآخرة وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقاً حرجاً ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ ووضعنا عنك وِزرك الذي أثقل ظهرك، كقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيم﴾، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
-- أي: أعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في الدخول في الإسلام وفي الأذان والإقامة والخُطَب وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها الله ذِكر رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيرِه بعد الله تعالى فجزاه عن أمَّته أفضل ما جزى نبياً عن أمته» [اهـ انظر تفسير السعدي لهذه السورة,] .  وأقسم الله بعظيم قَدره فقال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72]
-- قال ابن كثير رحمه الله: «أقسم تعالى بحياة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. قال عمر بن مالك النُّكْرِي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وما سمعت اللهَ أقسم بحياة أحد غيره. قال الله { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون أي يلعبون. وفي رواية عن ابن عباس يترددون»
أقول: لله سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته كما أقسم بالضحى والليل والشمس وضحاها والسماء. .. إلخ.  وأما العِبَاد فليس لهم أن يحلفوا إلا بالله و (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
-- وقال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى]
-- قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جُندباً يقول: اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾. صدق الله العظيم,,
-- إن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحتاج إلى بيان ولا إلى شهادة من أحد، بعد أن شهد له الواحد الأحد سبحانه وتعالى حين قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4).
وامْتَنّ الله على المؤمنين ببعثته التي فاقت سائر النعم حيث قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (آل عمران: 164).

-- وأمر الله تعالى أن يأخذ الناسُ ما آتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ينتهوا عما  نهاهم عنه حيث قال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾  (الحشر: 7)، وتكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)
-- وتكفَّل سبحانه بحفظ كل صحيح من السنة النبوية المطهرة ليكون بياناً للقرآن الكريم     فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: 17-19). وأعلن رب العزة سبحانه أنه تكفل بحفظ هذا الدين وإتمامه وإظهاره على الديـن كله مهما حاربـه أعداؤه، ومهما حاولوا إطفاء نوره، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).
شهادة هرقل عظيم الروم
-- ولقد شهد بعظمة أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم ؛  هرقل عظيم الروم، بعد أن كوّن المعلومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه ودينه، واستنتج من خلال الأسئلة والأجوبة التي أجراها مع أبي سفيان ومن معه عن طريق الترجمان، وتيَقّن هرقل بأنه رسول حقا، قال: «فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضعَ قدميّ هاتين،
--  وقد كنتُ أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلُص إليه [ صلى الله عليه وسلم " لتجشّمتُ لقاءه ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدميه» (رواه البخاري). ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث به دحية رضي الله عنه إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه:
-- «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم... سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيّين و ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 64).
-- وهكذا نرى شهادة هرقل وكيف وصل إلى الحق وإلى هذه النتيجة وإلى الحقيقة        من أقرب الطرق، وهي طريق يمكن أن يسلكها كل باحث عن الحق. وها هو أبو عبيد أخرج في كتابه «الأموال» من مرسل عمير بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزّقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه   ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما هؤلاء فممزّقون وأما هؤلاء فستكون   لهم بقية». وتلك نهاية كل من يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
شهادات عظماء أوربا
-- وكم في التاريخ القديم والمعاصر من نماذج عديدة لشخصيات كبرى لهم قدرهم الفكري والاجتماعي، اعتنقوا الإسلام وعرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق ودينه هو الحق، فلم يسيئوا إليه بل إنهم شهدوا له واعترفوا بفضله وعظمته. وإليك أيها القارئ العزيز بعض نماذج من غير المسلمين ومن المستشرقين المنصفين:
-- ها هو ذا «ليونارد» قال: «إن محمداً [ صلى الله عليه وسلم " أعظم البشرية قاطبة، وأصدق إنسان وجد على وجه الأرض منذ بدء الخليقة». نعم إنه أعظم البشرية، في رسالته العالمية التي حملت الرحمة للعالمين، وفيما جاء به من تعاليم أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، ومن العسف والظلم إلى نور العدالة والحق.
-- وها هو ذا «جورج برنار دشو» يقول: «كنتُ على الدوام أنزل ديانة محمد [ صلى الله عليه وسلم  منـزلة كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التي لا تُنكر، إنني أعتقد أن دين محمد [ صلى الله عليه وسلم " هو الدين الوحيد الذي يناسب كل إنسان ويصلح لكل زمان، ويتمشى مع كل بيئة في هذا العالم، في كل مرحلة من الحياة. وإني أتنبأ بأن دين محمد سيلقى القبول في أوربا غدا، كما يلقاه فيها الآن».
-- وها هو «لامارتين» الكاتب الفرنسي والمؤرخ المنصف قال: «وإذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية، فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل». وفي هذا القول ما يوضح وصول هذا الكاتب إلى الحق والإنصاف بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع كل صفات العظمة الإنسانية.
-- وها هو «ألفرد مارتين» في كتابه «أكبر زعماء الديـن في الشرق» يقول: «والحقّ أنّ محمداً بما قام به من الإصلاحات والتشريعات، وما نشَره من المدنية الإسلامية والحضارة الرائعة والنظم الاجتماعية، قد أدّى أكبر خدمة إنسانية للعالم كله لا لجزيرة العرب وحدها».
حاجة العالَم إلى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
-- والناظر إلى هذه الشهادات وإلى آراء المستشرقين المنصفين يرى أن العالم كان في حاجة إلى هذا النبي العظيم الذي نشر النور والهدى، وأسس أعظم حضارة بنّاءة نفعت الإنسانية وقامت على العدل والإنصاف وعلى الحق، وحماية حقوق الإنسان وصيانتها. أيَليقُ بأحد مـمَّن جهِل قدر هذا النبي العظيم أن يتطاول عليه أو أن يسيء إلى مقامه العظيم الذي رفعه الله سبحانه وتعالى إليه؟!
-- إن الذين أساءوا بالرسوم الآثمة ارتكبوا أكبر خطيئة في حق الأديان والشرائع والثوابت والرسل أجمعين. وأصبح من الضروري على النظام العالمي أن يُنـزل أقسى عقوبة عاجلة وسريعة بالمعتدين حتى لا تتكرر إساءتهم بعد ذلك. وإنّ استصدار قانون دولي يُنـزل عليهم وعلى كل من يعتدي على أي رسول من رسل الله العقوبة من الأمور الواجبة التي يجب على النظام العالمي أن يبادر بها إحقاقاً للحق وصيانة لحقوق الرسل والشرائع، واتقاءً لِفتنٍ طائفية نحن في حل منها.
-- وعلى أمتنا الإسلامية في كل مكان أن تكون على مستوى المسئولية، فتطبق تعاليم هذا الرسول العظيم وتقتدي به وتتأسى بسلوكه، وأنْ توحّد صفوفها وتجمع كلمتها، وتصون عقيدتها وهويتها، وألا ترد على عبث الآثمين بأساليب كأساليبهم فلا تحرق ولا تهدم ولا تعتدي، لأن من تعاليم نبي الرحمة حتى في الجهاد ألا يُحرق الزرع وألا يُهدم البناء وألا يُقتل الطفل أو المرأة أو الشيخ الكبير... لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين.













                                       الباب الثاني
الخلفاء الراشدون :-
 الخلفاء الراشدون هم حكام (خلفاء) المسلمين الأوائل الذين حكموا بعد وفاة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام. لم يرث أي منهم مقام الخلافة عمّن سبقه وراثة أو يغتصبه بالسيف عنوة. في عهد الخلافة الراشدة توسعت الدولة المسلمة من جزيرة العرب إلى بلاد الشام وفارس ومصر وانتصرت على أعظم قوتين في ذلك العصر رغم قلة المسلمين في العدد وتواضع عدتهم مقارنة مع جيوش الروم والفرس.نذكرهم بالترتيب وبإختصار ثم نذكرهم بالتفصيل إن شاء الله تعالى :
-- أبو بكر الصديق رضى الله عنه :
هو الصحابي الجليل رافق النبي منذ بدء الإسلام، ويعتبر الصديق المقرب له. أول الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة يعرف بأبي بكر الصديق لأنه صدق النبى محمداً صلى الله عليه وسلم  في قصة الإسراء والمعراج، وقيل لأنه كان يصدق النبي صلى الله عليه وسلم  في كل خبر يأتيه. وفي أثناء مرض الرسول صلى الله عليه وسلم  أمره أن يصلي بالمسلمين.
 وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، وكان زاهدا فيها ولم يسع إليها. بويع بالخلافة يوم الثلاثاء 2 ربيع الأول سنة 11هـ، واستمرت خلافته قرابة سنتين وأربعة أشهر.
وجهز في فترة حكمه حروب الردة وأرسل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد كان قد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم  قبل وفاته ليغزو الروم, وأمر بجمع القرآن الكريم خوفا عليه من الضياع حيث كثيرا من حفظة القران استشهدوا أثناء حروب الردة. توفي في يوم الاثنين في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
-- عمر بن الخطاب رضى الله عنه :
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وثاني الخلفاء الراشدين تولي الخلافة بعهد من أبي بكر وبمبايعة الصحابة. أتسم عهد عمر بإتساع رقعة الدولة الإسلامية، ففتحت مصر والشام وفارس وأرمينية. يتميز عهده بعصر الفتوحات واحد العصور الذهبية للدولة الإسلامية وقد قتل عمر رضى الله عنه غيلة أثناء تأديته صلاة الصبح بالمسجد النبوي سنة 644 م.
-- عثمان بن عفان رضى الله عنه :
ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة, ولي عثمان الخلافة وعمره 68 عامًا ،وقد تولى الخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب، وفي اختياره للخلافة قصة تعرف بقصة الشورى وهي أنه لما طعن عمر بن الخطاب دعا ستة أشخاص من الصحابة وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ليختاروا من بينهم خليفة.
 وذهب المدعوون إلى لقاء عمر إلا طلحة بن عبيد الله فقد كان في سفر وأوصاهم بأختيار خليفة من بينهم في مدة أقصاها ثلاثة أيام من وفاته حرصا على وحدة المسلمين، فتشاور الصحابـة فيما بينهم ثم أجمعوا على أختيار عثمان وبايعـه المسلمون في المسجد بيعة عامة سنة 23 هـ فأصبح ثالث الخلفاء الراشدين. في عهده سقطت الدولة الساسانية وغزا المسلمون قبرص, وأمر بإنشاء أول اسطول إسلامي للحد من سيطرة البيزنطيين لمياه البحر المتوسط.
-- على بن ابى طالب رضى الله عنه :
ابن عم النبي محمد صلي الله عليه وسلم ورابع الخلفاء الراشدين، بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان بن عفان, فور توليه الخلافة  أمر بعزل ولاة الدولة السابقين وتعيين ولاة آخرين يثق بهم. وتخللت فترة حكمه الفتن والمعارك التي أثرت كثيرا في مستقبل تاريخ العالم الإسلامي كمعركة الجمل ضد طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنها  الذين طالبوا بالقصاص من قتلة عثمان وانتهت بمقتل طلحة والزبير وانتصار علي. ومعركة صفين ضد معاوية بن أبي سفيان الذي طالب كذلك بدم عثمان، وإن كان بعض المؤرخين يرجعون ذلك لأغراض سياسية ولتعارض المصالح وقتل على رضى الله عنه من قبل الخوارج وانتهت فترة الخلفاء الراشدين .
أولا : ابو بكر الصديق رضى الله عنه :
-- هو :عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي .كنيته :  أبو بكر لقبه :  عتيق ، والصدِّيق . مولده : ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر. قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه : = كان جميلاً -= لعتاقة وجهه -= قديم في الخير - = وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي .
-- ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق ! وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه :  وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون ) جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه .
-- ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال وسماه النبي صلى الله عليه وسلم " الصدّيق "
-- روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .
وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته
صفته : كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم . وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .
فضائله :  ما حاز الفضائل رجل بعد النبى صلى الله عليه وسلم كما حازها أبو بكر رضي الله عنه
 --- فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم :-
-- قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .
-- وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر .
-- وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
-- إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها . فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة .

  -- وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم :-
-- قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }
قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
-- وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
-- ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء .ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال :
--  والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟
-- فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، ثم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة .
-- وهو أول الخلفاء الراشدين :-
وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه . واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "


-- وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها:
-- فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس ؛ في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى .ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ؟!
-- وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
-- وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .
--  وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه  قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .
-- وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع ؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك .
-- وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي .
--  ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم .
-- ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه أخـاً له .
-- روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر .
-- ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه
-- قال سبحانه وبحمده : ( ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى )
وهذه الآيات نزلت في أبي بكر رضي الله عنه . وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (
-- وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وسلم
-- فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه .
-- ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها
قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .
-- ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .
-- ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .-
-- لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟
--  فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم  .
--  فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان .
 قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .
-- وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله
-- قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .
-- وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود .
-- ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه
قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر . فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟
-- قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم  أتولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين .
-- قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين  فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي .
-- ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم . وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار .
-- ولذا حين جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة .
-- قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه .
-- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
     يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي  *  رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ
     اسمَعْ كَـلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولِه  *  لا يَنْثَني عَـنهُ ولا يَتَــبَدَّل
    حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ  *  وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
    وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ وَفَضْلٌ سـاطِعٌ  * لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
-- وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام : فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ؛ وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها
-- قال ابن الجوزي رحمه الله :
أربعة من آل أبى بكر تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- أبو قحافة
- وابنه أبو بكر
- وابنه عبد الرحمن
- وابنه محمد
-- أعماله :
من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم .
-- ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
-- ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين ؛ فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله .
-- روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة . فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه .ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام .
-- وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق
-- وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن
-- وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره .
-- وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش .
-- كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب .
-- زهـده :
-- مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا  عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك .
-- ورعـه :
-- كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة
قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري
-- وفاته :
--توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .
فرضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في دار كرامته .
-- عمر بن الخطاب رضى الله عنه :-
-- هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن كعب بن لوئ بن فهر . فهو يلتقى مع النبي صلى الله عليه و سلم في الجد الرابع فيلتقي مع النبي في كعب بن لؤى فهو قريب النبى صلى الله عليه و سلم. فهو قرشى من بنى قريش من بنى عدى قبيلته كانت من القبائل المسئولة عن السفارة في الجاهلية و كان هو المسؤل عن السفارة في قبيلته .
-- و رغم شرفه و نسبه لكنه كان مثل باقى قريش يعبد الأوثان و يكثر من شرب الخمر و يأد البنات و له قصه شهيره فى هذا ففى احد الليالى أراد أن يتعبد فصنع إله من العجوه ( التمر) و تعبد له و بعد قليل قيل انه شعر بالجوع فأكل الإله .و بعد إسلامه سأله النبى صلى الله عليه وسلم قائلا ( ألم تكن لكم عقول يابن الخطاب ؟  قال يارسول الله : كانت لنا عقول ولكن لم تكن هداية )
-- مولده و نسبه :
-- ولد رضى الله عنه   بعد عام الفيل ب 13 سنه و بُعث النبى و عمر بن الخطاب فى السابعه و العشرين من عمره و أسلم سنه 6 من البعثه و تولى خلافه المسلمين و عمره 52 سنه و صار أمير للمؤمنين عشر سنين و 6 أشهر و 4 أيام و مات عمره 62 سنه قريبا من عمر النبى صلى الله عليه و سلم عند موته. فأسلم و عمره 32 سنه أى أن مده أسلامه كانت 30 سنه .
-- أبوه هو الخطاب و لم يكن ذو شهره ولا من أصًحاب الرياسه فى قريش بل كان فظ و غليظ وأمه هى حمتنه بنت هاشم و أبن أخوها عمرو أبن هشام ؛ أى أن أبا جهل فى منزله خاله و أبن عمتها الوليد أبن المغيره والد خالد بن الوليد أى أنه ابن عمة خالد بن الوليد .
أولاده  :
عبد الله أبن عمر وهو من أكثر الصحابه تمثلا بأفعال النبى ؛  ومن أولاده حفصه زوجة النبى صلى الله عليه و سلم  ؛  فاطمة ؛ عاصم و كان له ثلاثه من الولد سماهم بنفس الأسم هما عبد الرحمن الأكبر و عبد الرحمن الأوسط و عبد الرحمن الأصغر و ذلك بعد أن سمع حديث النبى صلى الله عليه وسلم "أحب الأسماء الى الله عبد الله و عبد الرحمن " .

زوجاته : كانت له 3 زوجات فى الجاهليه و عندما نزل قول الله عز و جل " ولا تمسكوا بعصم الكوافر" عرض على زوجاته الإسلام فرفضوا فطلق الثلاثه فى حينها و ذلك لحرصه على تنفيذ أوامر الله و تزوج بعد الإسلام عدة زوجات .
--  و من أشهر زوجاته بعدما صار أمير للمؤمنين هو أم كلثوم بنت على أبن أبى طالب حفيدة الرسول الكريم و بنت فاطمه الزهراء و أخت الحسن و الحسين . أرسل عمر لعلى رضى الله عنهما و قال له زوجنى أم كلثوم فقال على أنها صغيره فقال له بالله عليك زوجنى أياها فلا أحد من المسلمين لا يعرف كرامتها إلا أنا  ؛ و لن يكرمها أحد كما سأكرمها فقال على ارسلها إليك تنظر إليها فإن اعجبتك فتزوجها .. فنظر إليها و تزوجها و خرج على الناس فى المسجد و قال تقولوا تزوج صغيره أليس كذلك .. والله ما تزوجتها إلا لحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " كل سبب و كل نسب و صهر يوضع يوم القيامه إلا سببى و نسبى و صهرى " و أنا لى مع رسول الله أثنين من هما لى معه السبب انى صاحبه و لى معه النسب أن ابنتى حفصه زوجته فأردت أن أجمع لهما الصهر ليرفع يوم القيامه سبب و نسبى و صهرى .
ألقـــــــابه :
-- له ثلاثه ألقاب : سماه النبى صلى الله عليه و سلم بأتنين منهما :
 الأول: أبا حفص وحفص هو شبل الأسد  ؛ و قيل أن النبى صلى الله عليه و سلم قال يوم غزوة بدر من لقى منكم العباس فلا يقتله فقام أحد الصحابة و قال أنقتل أبائنا و أبناءنا والله لو لقيت العباس عم النبى لقتلته فنظر إليه الرسول صلى الله عليه و سلم و قال يا أبا حفص أترضى أن تضرب عنق عم رسول الله و هو خرج مكرها .... و قيل أنه سمى أبا حفص نسبة إلى ابنته حفصه رضى الله عنها .
اللقب الثانى هو ) الفــــــــاروق ) و سُمى به أول يوم إسلامه و قد أطلقه عليه النبى صلى الله عليه و سلم أى أنه الفاروق الذى يفرق الله به بين الحق و الباطل .
أما اللقب الثالث الذى سمى به هو أمير المؤمين : لما مات النبى صلى الله عليه و سلم سُمى أبو بكر رضى الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجد المسلمين أن نداء عمر بخليفه خليفه رسول الله اسم طويل ؛  فإذا مات عمر رضى الله عنه  يكون من بعده خليفة خليفة خليفة رسول الله ؟؟
-- وفى بداية حكمه رضي الله عنه وصل وفد من العراق و كان يضم عدى بن حاتم الطائى و قابل عمرو بن العاص و قال يا عمرو استاذن لوفد العراق من أمير المؤمنين فقال عمرو بن العاص : ومن أمير المؤمنين ؟ فقال له عدى :  أليس هو أميرنا و نحن المؤمنين ؛  قال عمرو بن العاص : بلى ؛ فقال أذا هو أمير المؤمنين و من حينها وصار أميرا للمؤمنين .
وصف عمر بن الخطاب :
كان بأن الطول ( طويل جدا ) أذا رأيته يمشى كأنه راكب... مفتول العضل.. ضخم الشارب . أبيض مشرب بحمره ؛ و حسن الوجه ؛ أصلع ؛ أذا مشى أسرع كأنما يدب الأرض ؛ أذا تكلم أسمع ( جهورى الصوت ) فإذا تكلم بجوار فرد فى غفله من الممكن أن يغشى عليه من الخوف وذلك نظرا لهيبته بين الناس .
قصه أسلامه :
-- دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الله جل وعلا فقال " اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام"
-- كان عمر غليظ القلب ومن شده قسوته جند نفسه يتبع النبى صلى الله عليه و سلم فكلما دعى أحد للإسلام يخيفه عمر يهرب و فى ليلة كان يمشى النبى إلى الكعبه للصلاه فنظر فوجد عمر خلفه ؛ فقال له : أما تتركنى يا عمر ليلا أو نهار ؟  فقد كان يخافه المسلمون كثيرا .
-- يومها بدأ النبى صلى الله عليه وسلم صلاته عند الكعبه و بدأ يقرأ القرآن و عمر يرقبه و لم يره النبى و يسمع عمر وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الحاقه و يقول عمر :والله إنه لشاعر كما قالت قريش  فإذا بقول الله جل وعلا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ }الحاقة41 فقال فى نفسه :  لعله قول كاهن  ؛ فإذا بقول الله تعالى  {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ }الحاقة42 " فوقع فى قلبه الإسلام من حينها ولكن صراعه النفسى داخله لم يكن محسوما بعد .
-- وحين أمر النبى صلى الله عليه وسلم  أتباعه بالهجره إلى الحبشه فقابل عمر رضى الله عنه امراة مسلمة خارجة للهجرة فخافت أن يؤذيها فقال إلى أين يا أمة الله ؟ فقالت  : أفر بدينى ؛ فقال :  إذا هو الإنطلاق يا أمة الله ؛ صحبكم الله ... فعجبت المرأة من رقة عمر فرجعت إلى زوجها وأخبرته قائلة : قد رأيت من عمر اليوم عجبا وجدت منه رقة ولم أعهده هكذا .. فقال زوجها : أتطمعين أن يسلم عمر والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمارالخطاب.!! فقالت لا والله أرى فيه خيرا .
-- ظل الصراع الداخلى لعمر رضى الله عنه و رأى أن المسلمين فى إزدياد فقرر أن يقتل النبى صلى الله عليه و سلم فأخذ سيفه و مشى فى طرقات مكه متجها إلى مكان النبى صلى الله عليه وسلم  شاهرا سيفه فقابله أحد الصحابة فقال إلى أين يا عمر ؟ فقال إلى محمد أقتله و أريح قريش منه .فخاف الصحابى على النبى صلى الله عليه وسلم و خاف على نفسه من عمر فحاول إرجاع عمر ؛  فقال :  أيتركك بنو عبد المطلب ؟
-- فقال عمر :  أراك اتبعت محمد أراك صبئت . فخاف الصحابى فقال :  أبدا , ولكن أعلم يا عمر أن اختك و زوجها قد اتبعا محمدا فغضب عمر غضبا شديدا و قال  : أقد فعلت ؟  فرد الصحابى : نعم ..فأنطلق وهو فى قمة غضبه و ذهب الصحابى مسرعا للرسول لينذره بــ عمر بن الخطاب أى أنه فضل أن يضحى بفاطمة أخت عمر و زوجها سعيد بن زيد على أن يُقتل رسول الله .
-- وصل عمر لبيت أخته و دخل و أمسك سعيد وقال :  بلغنى أنك قد صبئت و اتبعت محمد فقال يا عمر أرأيت إن كان الحق فى غير دينه فدعه و سقط فوقه و ظل يضربه فى وجهه فجاءت فاطمه بنت الخطاب تدفعه عن زوجها فلطمها لطمة فسال الدم من وجهها فقالت أرأيت إن كان الحق فى غير دينك و عندما لطمها سقطت من يدها صحيفه فقال ناولينى إياها  .
-- فقالت أنت نجس وهذا كلام الله  {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79 اذهب واغتسل حتى تقرأها فقال نعم و دخل واغتسل و رجع فقال ناولينى الصحيفه فبدأ يقرأ فكانت سوره طه " طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى{3} تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى{4} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى{6} وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {7} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى{8}......" فقال عمر لا يقول هذا الكلام بشر وقال :  أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله  .
-- وقال  دلونى على محمد فخرج له الخباب ابن الارت و قال له هو موجود فى دار الارقم ابن أبى الأرقم ولا أراك إلا نتاج دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال "  اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين  " فذهب مسرعا و طرق الباب فقال بلال :  من ؟  فقال : عمر ؛ فأهتزوا خوفا فقال حمزه ) أسد الله ):  لا عليكم إن جاء لخير فأهلا به و إن كان غير ذلك أنا له .
-- فلما فتحوا له أخذه حمزه من ظهره فقال النبى صلى الله عليه وسلم  : دعه يا حمزه  ؛ تعال يا عمر  فاقترب عمر ولم يكن يعرف أحد منهم ماذا يريد فأخذه النبى حتى سقط عمر على ركبته فقال له أما آن لك أن تسلم يا ابن الخطاب فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله فكبر من فى البيت جميعا وفرحوا بإسلامه فرحا عظيما وبكل أعماله فيما بعد حتى كانت للصحابة مقالة شهيرة عن عمر رضى الله عنه  قكانوا يقولون :  فقد كان إسلام عمر نصرا و هجرته فتحا و خلافته عزا .
 -- فقال عمر :  يا رسول الله ألسنا على الحق و هم على الباطل .  فقال : نعم  قال ففيما الاختفاء فقال :  وما ترى يا عمر ؟ قال نخرج يا رسول الله فنعلن الإسلام فى طرقات مكه فخرج المسلمين صفين واحد على رأسه عمر بن الخطاب و الصف الأخر على رأسه حمزه بن عبد المطلب وهم يومئذ  39 موحد بالله جل وعلا  بينهم رسول الله فى المنتصف يرددون الله أكبر ولله الحمد حتى دخلوا الكعبة و طافوا بالبيت فما استطاعت قريش أن تتعرض لواحد منهم فى وجود عمر رضى الله عنه و كان نصرا للمسلمين فأعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب رضى الله عنه .

-- و لما أراد عمر أن يُشهر إسلامه بحث عن أكثر الناس نشرا للأخبار فوجده و اسمه الجميل بن معمر و ذهب إليه و هو رجل لا يكتم سرا فقال له يا جميل أأكتمك خبرا ولا تحدث به أحد قال  : نعم ...فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله فانطلق يجرى و يردد صبأ عمر صبأ عمر وأنا خلفه أقول : كذب ؛  بل أسلم عمر لا صبأ عمر .
-- رجع بيته و جمع أولاده و قال اعلموا : أنى أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله وإنى أمركم أن تؤمنوا بالله وحده و هو هكذا قام له ابنه الأكبر عبد الله بن عمر وقال له يا أبتى أنا مسلم منذ فترة فأحمر وجهه غضبا و قال و تترك أباك يدخل جهنم و الله لاوجعنك ضربا و هكذا عاش عمر و عاش مع ابنه و كلما تذكرها نغزه عمر عليها .
--و كان المسلمون  لا يستطيعون الصلاة فى الكعبة حتى أسلم عمر رضى الله عنه و يقول عبد الله بن مسعود مازلنا أذلة حتى أسلم عمر وما كنا نستطيع أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم نزل قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الأنفال64
هجرتـــــه :
-- ذهب عمر ممسكا سيفا و معه عصاه و ذهب فى أكثر وقت تتجمع فيه قريش حول الكعبه و بدأ يطوف حول الكعبة سبعه أشواط متمكنا و صلى خلف مقام إبراهيم ركعتين وبدأ يذهب لحلقات قريش متجمعين و يقول لهم شاهت الوجوه أرغم الله هذه المعاطس و نظر لهم قائلا : من أراد أن ييتم ولده و تثكله امه و ترمل زوجته فليلقانى خلف هذا الوادى فإنى مهاجرا غدا فما تكلم أحد فهاجر و هاجر معه مجموعه من ضعفاء المسلمين يتحامون بوجوده معهم .
من مواقفـــه:
-- فى غزوة بدر طلع مع جيش المسلمين و كان عمر رضى الله عنه  لا يحارب أى شخص بل كان يتصيد و يتحين الفرسان و خاصة من أقاربه فقط لآجل إرضاء الله حتى يصدق الله و يعلمه أنه لا ولاء فى قلبه إلا للإسلام و رسول الله صلى الله عليه وسلم  فكان ينظر أقاربه فيقاتلهم فى سبيل الله.  فوجد خاله فى جيش الكفار العاصى بن هشام فقتله .
-- و فى غزوة بدر كان سهيل ابن عمرو لا يزال على كفره ووقع فى الأسر فوقف عمر بن الخطاب و قال يا رسول الله دعنى أنزع ثنيتى سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم ..فقال النبى صلى الله عليه وسلم :  لا يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بى ولو كنت نبيا و من يدريك يا عمر لعل سهيل يقف فى يوم من الأيام موقفا تفرح به .
و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم  فبعد موت النبى صلى الله عليه وسلم  وقف سهيل خطيبا و قال يا معشر قريش كنتم أخر من أسلم فلا تكونوا أول من ارتد و ثبت أهل قريش كلهم فبكى عمر و قال صدقت يا رسول الله .
-- وفى غزوة أحد و بعد تفرق الجيشين وقف أبو سفيان على فرسه و كلم المسلمين على الجبل فقال أفيكم محمد ؟ فقال النبى : لا تجيبوه ؛ فقال أبو سفيان : أفيكم أبو بكر ؟ قال النبى : لا تجيبوه  ؛ فقال : أفيكم عمر ؟ قال النبى : لا تجيبوه  ؛ فقال ابو سفيان  : أعل هبل ؛ فقال النبى : أفلا  تجيبوه  ؛ فقالوا  : و بما يا رسول الله ؟ قال : قولوا : الله أعلى و أجل  ؛ فوجد أبو سفيان الجبل يردد :  الله أعلى و أجل ؛ فقال : لنا العزى ولا عزى لكم ؛ فأجابوا : الله مولانا ولا مولى لكم ؛  فقال أبو سفيان  : يوم بيوم بدر فقال النبى : أفلا تجيبوا ؟ فقالوا :  بما ؟ قال :  قتلانا فى الجنه و قتلاكم فى النار .
--  فأيقن أبو سفيان أن الثلاثه أحياء فلا يخرج هذا الكلام إلا من محمد و أصحابه . و هنا لم يتمالك عمر نفسه بما عرف عنه من ايجابيته و قوته و سرعه غضبه فقال بصوت عال : أخزاك الله يا عدو الله  ؛ و الله جل جلاله إن  الثلاثه أحياء فقال له أبو سفيان :  والله يا عمر انت أصدق عندى من ابن قمئه ( لأنه هو من أخبره بموت النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد ) هكذا كان أصحاب رسول الله فى صدقهم و أخلاقهم  تهز كلماتهم الأرض فى قوتها بالحق و تصدق حتى عند أعدائهم .
-- ولما كان صلح الحديبيه ووافق النبى على كل مطالب قريش مقابل عشر سنين هدنه و يستمع عمر رضى الله عنه  فقد كانت شروطهم قاسية على نفسه كثيرا . فكان كما لو كان يغلى من الغيظ فذهب للنبى صلى الله عليه وسلم و قال يا رسول الله ألست رسول الله حقا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : بلى ؛ فقال عمر رضى الله عنه  السنا على الحق ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : بلى ؛ فقال عمر رضى الله عنه اليسوا على الباطل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بلى
فقال عمر رضى الله عنه  فلما نعطى الدنية فى ديننا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : يا عمر إنى رسول الله  وإنى متبع اوامره وإن الله لن يضيعنى . فقال عمر رضى الله عنه : ألم تخبرنا بأنا سنأتى البيت ونطوف به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم أو أخبرتك أنه هذا العام ؟ فقال عمر رضى الله عنه : لا  يا رسول الله  .
 -- ومن فرط غضبه رضى الله عنه  ذهب إلى سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه و قال : يا أبا بكر أليس رسول الله حقا ؟ قال : بلى فال ألسنا على الحق ؟ فال : بلى ,  قال أليسوا على الباطل ؟ قال :  بلى ,  قال عمر رضى الله عنه فلما نعطى الدنية فى ديننا ؟ فقال أبو بكر : ياعمر إنه رسول الله وإنه متبع أوامره وإن الله لن يضيعه . فقال عمر:  ألم يخبرنا بأنا سنأتى البيت ونطوف به ؟ قال أبو بكر: أو أخبرك أنه هذا العام ؟ فقال عمر : لا  , فقال أبو بكر ياعمر ستأتيه وتطوف به إن شاء الله . وزاد أبو بكر قائلا : يا عمر إنه رسول الله فالزم غرزه  .
-- و هكذا رضى بالهدنه مغصوبا و مرت سنواتها عليه طويله و فى مدة صلح الحديبيه تضاعفت أعداد المسلمين أضعافا كثيره و يقول عمر فعرفت أنه الفتح فو الله انى لاكثر من الصلاة و الصيام و الذكر و الدعاء و الصدقة حتى يكفر الله عنى ما حدث منى فى صلح الحديبيه .
 -- و جاء يوم فتح مكه و ذهب أبو سفيان للمدينه و أراد أن يذهب إلى رسول لله ليطيل الهدنه فذهب إلى أبو بكر بعد أن نقضوا صلح الحديبيه فيجيب أبو بكر جوارى فى جوار رسول الله و عثمان كذلك فذهب إلى  عمر بن الخطاب حتى يشفع له عند رسول الله فأستشاط عمر غضبا و قال أما وجدت غيرى أتترك الناس و تأتينى أنا ؛ والله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم به و الله إنى ادعو الله ليل نهار حتى تنقضوا العهد فأتى و أقاتلكم .. هكذا كانت غيرته على الإسلام ...
بشرى النبى صلى الله عليه وسلم له بالجنه :
-- يقول أبو موسى الأشعري رضى الله عنه بحثت عن النبى فى المسجد فلم أجده فذهب إلى بيوت زوجاته فلم أجده فسألت أين النبى ؟ فقيل لى تحرك فى هذا الإتجاه حتى وصلت إلى بئر أريس يجلس النبى صلى الله عليه وسلم  على البئر و يدلى قدميه فيه فقال : لاجعلن نفسى بواب النبى صلى الله عليه وسلم  اليوم فلا يدخل عليه أحد يزعجه فوقفت على بابه .
-- و أتى أبو بكر رضى الله عنه . فقال له :  على رسلك يا أبا بكر حتى أستأذن لك رسول الله . فعجب أبو بكر و لكنه انتظر و ذهب أبو موسى إلى رسول الله قائلا : يا رسول الله ,  أبو بكر يستأذن عليك فتبسم النبى صلى الله عليه وسلم  لموقفه و قال له :  أئذن له و بشره بالجنه ... فذهب إليه و قال : رسول الله يأذن لك و يبشرك بالجنه ؛ فذهب أبو بكر و جلس بجوار النبى صلى الله عليه وسلم و كشف عن ثوبه و دلى قدميه فى البئر كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم .
 -- فجاء عمر رضى الله عنه  و أراد أن يدخل , فقال له أبو موسى الأشعرى  :على رسلك حتى أستأذن لك رسول الله فقال له الرسول :  أئذن له و بشره بالجنه ...فجاء عثمان بن عفان فأراد أن يدخل فقال له أبو موسى الأشعرى : على رسلك حتى أستأذن لك رسول الله فقال له الرسول أئذن له و بشره بالجنه على بلوى تصيبه فقال الله المستعان و دخل .... فتمنى أبو موسى رضى الله عنه  أن يأتى أخوه على أن يبشره الرسول بالجنه و لكن أبى الله إلا على رضى الله عنه  فجاء  ليدخل فقال له أبو موسى الأشعرى : على رسلك حتى أستأذن لك رسول الله فقال له الرسول : أئذن له و بشره بالجنه.. و هكذا اجتمع الخلفاء الأربعه إلى جوار رسول الله صلى الله عليه و سلم و بشر الأربعه بالجنه ...!!
من فضله :
-- كان النبى صلى الله عليه وسلم  يجلس ذات مره بين أصحابه فقال : نعم الرجل أبو بكر , نعم الرجل عمر .و ذات مره دخل النبى صلى الله عليه وسلم  المسجد و نادى اين أبو بكر ؟ تعالى بجوارى .. أين عمر تعالى بجوارى  فمسك الرسول يديهما و قال هكذا نُبعث يوم القيامه ...
-- وجاء عمرو بن العاص ( داهية العرب ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا من معركه ذات السلاسل و النبى فرح به فأراد أن يسمع من رسول الله كلمه شكر فيه فقال يا رسول الله: من أحب الناس إليك ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم  : عائشه ... فقال : لا ؛ ليس عن النساء أسألك  ؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم  : أذا أبوها ؛ قلت :  ثم من ؟ قال :  عمر ؛ قال :  ثم من ؟  قال :  عثمان قال : ثم من  ؟ قال :  على ... و هكذا حتى عدد له عشرون اسما فسكت عمرو بن العاص و قال فى نفسه :  أذا أنا الواحد و العشرون ..
-- يحكى الحسن البصرى يقول : كأنما يأتى الإسلام يوم القيامه مجسدا يتصفح وجوه الناس يقول يارب هذا نصرنى يارب هذا خذلنى و يأتى إلى عمر بن الخطاب فيأخذ بيده و يقول : يا ربى كنت غريبا حتى أسلم هذا الرجل ..
-- يقول النبى صلى الله عليه و سلم : رأيتنى فى المنام كأننى فى الجنه فرأيت قصرا عظيم ؛ فقال :  قلت لمن هذا القصر العظيم ؟ فقيل لى هذا لرجل من قريش ؛  قال : إلى هذا القصر ؟  فقيل له : لا وإنما لعمر بن الخطاب ...
--و فى حديث أخر يقول النبى صلى الله عليه و سلم : رأيتنى فى المنام كأننى فى الجنه فرأيت قصرا عظيم ورأيت امراه تتوضأ أمام القصر فسألت لمن هذا القصر؟ فقيل لى لعمر بن الخطاب يقول : فتذكرت غيرة عمر على النساء فوليت " فبكى عمر و قال أو مثلى يغار على مثلك يا رسول الله .
-يحكى النبى صلى الله عليه و سلم عن رؤيه فى المنام فيقول رأيتى يوم القيامه و الناس تعرض على يوم القيامه و عليهم قمص فمنهم من يبلغ القميص ثدييه و منهم ما دون ذلك و رأيت عمر يأتى و يجر قميصه .. و القميص هو الدين!
منزلته :
--يقول النبى صلى الله عليه و سلم : إن الله يجرى الحق على لسان عمر و قلبه و هو الفاروق يفرق الله بيه بين الحق و الباطل .
-- و ذات مره كان سيدنا عمر بن الخطاب يجلس مع الصحابة و هو أمير المؤمنين و كان من بينهم حذيفة أبن اليمان ( كاتم سر رسول الله ) و كان قد أئتمنه الرسول على فتن الأرض حتى يوم القيامه فى وقت حياته .. فقال له عمر : يا حذيفة حدثنا عن الفتن .. فقال حذيفة :  الفتن هى فتنة الرجل فى بيته و أهله و ماله يكفرها الصدقة و العمرة و الدعاء ؛ فأوقفه عمر و قال : ليس عن هذه الفتن أسألك و إنما أسألك عن فتن تموج كقطع الليل فتن تشمل الأمة.
 -- فقال حذيفة ومالك أنت و هذه الفتن يا أمير المؤمنين إن بينك و بينها بابا مسدودا .. فقال عمر : يا حذيفه أيفتح الباب أم يكسر .. فقال بل يكسر .. فقال عمر :  إذا لا يعود إلى مكانه بعد ذلك أبدا ثم قام عمر يبكى .. ولم يفهم أحد ما الباب ؟ وما يكسر ؟
-- ما هذا يا حذيفه ؟.. فقال : الباب هو عمر فإذا مات عمر فتح باب للفتنه لا يغلق إلى يوم القيامه . عمر كان يحمى أمة كاملة من الفتن حتى مات فانتشر بين الصحابة و المسلمين أن عمر هو المانع للفتن عن المسلمين حتى أنه يوم موته صاحت امرأه قالت واااا عمراه فتح باب للفتن لن يغلق إلى يوم القيامه ...
--و ذات مرة كان عند النبى صلى الله عليه و سلم نساء من قريش يعلمهن الدين و أثناء تجاذب الحديث ارتفع أصواتهن على صوت النبى صلى الله عليه و سلم فاستأذن عمر بالباب وما إن سمعوا صوته حتى أسرعن يغطين أنفسهن و يختبئن  ؛ فضحك النبى صلى الله عليه و سلم و دخل عمر فقال له : يا عمر هولاء النساء كن عندى يتحدثن و يرفعن أصواتهن و ما إن أتيت أنت حتى هبنك و ذهبن يخبئن أنفسهن فقال عمر : والله أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم وجه كلامه للنساء و قال يا عدوات أنفسهن أتهبننى ولا تهبن رسول الله فردت النساء أنت أغلظ و أفظ من رسول الله ... فضحك النبى صلى الله عليه و سلم و قال يا عمر والله لو رأك الشيطان فى فج لخاف منك و سلك طريقا أخر .
-- يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : رأيتنى فى المنام وضعت فى كفه ووضعت الأمه فى كفه فرجحت بالأمة ثم وضع أبو بكر فى كفه و الأمة فى كفه فرجح أبو بكر بالأمه ثم وضع عمر فى كفه ووضعت الأمه فى كفه فرجح عمر بالكفه .هكذا كان عمر رجل يزن إيمانه إيمان أمة كاملة و ليست أى أمة إنها أمة حبيب الله و رسوله محمد صلى الله عليه و سلم .

ولايته و أنجازاته :
-- كانت الناس تخشى عمر بن الخطاب رضى الله عنه  وما إن صار خليفة حتى كان الرجال تتجنبه فى الطرقات خوفا منه و تهرب الأطفال من أمامه لما عرفوا عنه فى فترة خلافة أبى بكر رضى الله عنه  و فى وجود الرسول صلى الله عليه و سلم من غلطة و قوة فحزن عمر رضى الله عنه  لذلك حزنا كثيرا فجمع عمر الناس للصلاة قائلا :  الصلاة جامعة و بدأ فيهم خطيبا .
 -- فقال : أيها الناس بلغنى أنكم تخافوننى فاسمعوا مقالتى: أيها الناس كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنت عبده و خادمه و كان رسول الله ألين الناس وأرق الناس فقلت أضع شدتى إلى لينه فأكون سيفا مسلولا بين يديه فإن شاء أغمدنى وإن شاء تركنى فأمضى الى ما يريد .  فلم أزل معه و نيتى كذلك حتى توفاه الله وهو عنى راضى .
--  ثم ولى أبو بكر فكنت خادمه و عونه وكان أبو بكر لين كرسول الله فقلت أمزج شدتى بلينه و قد تعمدت ذلك فأكون سيفا مسلولا بين يديه فإن شاء أغمدنى وإن شاء تركنى فأمضى الى ما يريد فلم أزل معه و نيتى كذلك حتى توفاه الله وهو عنى راضى .
-- أما الآن وقد وليت أمركم فاعلموا أن هذه الشدة قد أضعفت على أهل التعدى و الظلم ؛ ولن  أجعل لأهل الظلم على أهل الضعف سبيلا . ووالله لو أعتدى واحد من أهل الظلم على أهل العدل و أهل الدين لاضعن خده على التراب ثم اضع قدمى على خده حتى أخذ الحق منه .
-- ثم بعد ذلك أضع خدى على التراب لآهل العفاف و الدين حتى يضعوا اقدامهم على خدى رحمة بهم و رأفة بهم  فبكى كل الحاضرين فى المسجد فما عهدوه هكذا و ما كانوا يظنوا انه يفكر هكذا .
 -- وقال أيضا ان لكم على أمر أشطرتها عليكم ..أولها الآ اخذ منكم أموالا أبدا .وأن أنمى لكم أموالكم..و ألا أبالغ فى ارسالكم فى البعوث وإذا أرسلتكم فأنا أبو العيال ... ولكم على أمر رابع إن لم تأمرونى بالمعروف و تنهونى عن المنكر و تنصحونى لآشكونكم يوم القيامه لله عز و جل ... فكبر كل من فى المسجد شاكرين الله تعالى .
من أولياته :
- 1 أول من سمى بأمير المؤمنين من الخلفاء .
 - 2 أول من وضع تأريخا للمسلمين و أتخذ التاريخ من هجره رسول الله صلى الله عليه و سلم.
 - 3 هو أول من عسعس فى الليل بنفسه ولم يفعلها حاكم قبل عمر ولا تعلم أحد عملها بإنتظام بعد عمر .
 - 4 أول من عقد مؤتمرات سنوية للقادة و الولاة و محاسبتهم و ذلك فى موسم الحج حتى يكونوا فى أعلى حالتهم الإيمانيه فيطمئن على عبادته وأخبارهم.
- 5أول من أتخذ الدره ( عصا صغيره ) و أدب بها .حتى  قال الصحابة و الله لدرة عمر أعظم من أسيافكم و أشد هيبه فى قلوب الناس .
 -6 أول من مصر الأمصار .
 -7أول من مهد الطرق و منها كلمته الشهيرة ( لو عثرت بغله بالعراق لسألنى الله تعالى عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر )
من أولياته فى العباده:
1  - أول من جمع الناس على صلاه التراويح .
2  - هو أول من جعل الخلافه شورى بين عدد محدد .
3  - أول من وسع المسجد النبوى .
 - 4 أول من اعطى جوائر لحفظة القرآن الكريم .
5  - أول من أخر مقام إبراهيم .
6.- جمع الناس على أربعه تكبيرات فى صلاه الجنازة .
فى العلاقات العامه :
 -1 أجلى اليهود عن الجزيرة العربية
2  - أسقط الجزية عن الفقراء والعجزة من أهل الكتاب
 - 3 أعطى فقراء أهل الكتاب من بيت مال المسلمين
 - 4منع هدم كنائس النصارى
 - 5تؤخذ الجزيه من أهل الكتاب على حسب المستوى المعيشى
فى مجال الحرب :
 - 1  أقام المعسكرات الحربية الدائمة فى دمشق و فلسطين والأردن
 - 2  أول من أمر بالتجنيد الإجبارى للشباب و القادرين
 - 3 أول من حرس الحدود بالجند
 - 4 أول من حدد مدة غياب الجنود عن زوجاتهم وجعلها لاتزيد على أربعة أشهر
 5  - أول من أقام قوات أحتياطيه نظاميه جمع لها ثلاثون ألف فارس
6  - أول من أمر قواده بموافاته بتقارير مفصلة مكتوبة بأحوال الرعية من الجيش
 - 7 أول من دون ديوان للجند لتسجيل أسمائهم و رواتبهم
 - 8 أول من خصص الأطباء و المترجمين و القضاة و المرشدين لمرافقة الجيش
9  - أول من أنشأ مخازن للأغذيه للجيش .
فى مجال السياسه:
 -1 أول من دون الدواوين
 -2 أول من أتخذ دار الدقيق ( التموين  
 -3 أول من أوقف فى الأسلام ( الأوقاف  
 -4أول من أحصى أموال عماله و قواده وولاته وطالبهم بكشف حساب أموالهم ( من أين لك هذا 
 -5 أول من أتخذ بيتا لأموال المسلمين
 -6 أول من ضرب الدراهم و قدر وزنها
 -7 أول من أخذ زكاه الخيل
 -8 أول من جعل نفقة اللقيط من بيت المال
 -9 أول من مسح الأراضى وحدد مساحاتها
 -10 أول من أتخذ دار للضيافه
 - 11أول من أقرض الفائض من بيت المال للتجارة
 -12 أول من حمى الحمى
فتوحاتــــــــه :
 -1 فتح العراق
 -2 فتح الشام
 -3فتح القدس وأستلم المسجد الأقصى
 -4 فتح مصر
 - 5فتح أذربيجان
صفات القوه فى عمر بن الخطاب :
-- من دلائل قوته أنه كان يحكم العالم فقد كان مسيطرا على أغلب الأرض ؛  فالشام بالكامل تخضع للمسلمين و الرومان طردوا منها ؛ و العراق طرد منها الفرس ؛  و مصر و فلسطين فتحت مسيرا على المنطقة كاملة ثم إلى أسيا حتى فتح أذربيجان .
-- من مواقف قوته أيضا : كان سائرا فى طرقات المدينه و تبعه مجموعة من المسلمين فالتفت إليهم فجأة فصقت ركبهم ( أهتزت ركبهم خوفا ) فقال مالكم ؟؟ قالوا هبناك ...فقال أظلمتكم فى شئ قالوا لا والله ...فقال اللهم زدنى هيبة .
و من مواقفه أيضا كان عند الحجام فتنحنح فسقط ادوات الحلاق من يده خوفا وفى روايه أخرى كان يغمى عليه
-- كان الشيطان أذا قابل عمر يسلك طريقا تركه و سلك غيره .. ليس خوفا منه ولكن حتى لا يوسوس له لانه طالما وسوس لعمر عانده عمر و زاد فى صالحاته فتزداد حساناته فكانت أقصى أماني إبليس لعنه الله مع عمر أن يظل عمر كما هو على قدره بلا زياده .
صفات الرحمه :
--  لما تتسول يا رجل : هكذا قالها عمر رضى الله عنه فى طريقه عندما وجد رجلا مسنا يتسول ..فقال الرجل.. يهودي أبحث عن مال لأدفع الجزية ؛ فقال عمر:أخذناها منك و أنت شاب و نرغمك على التسول و أنت شيخ لا والله ..والله لنعطينك من بيت مال المسلمين و قال ردوا عليه ما دفع من قبل . و يأمر عمر بن الخطاب من حينها فى كل الولايات الإسلامية من كان هناك فقير أو ضعيف أو طفل أو امراة من يهود او نصارى يصرف له من بيت مال المسلمين لإعانته على العيش
-- كان سائرا فى طرقات المدينه كعادته ليلا ليسمع صوت طفل صغير يبكى فيقترب .. و يسأل ما بال الصغير بالله عليكى نومى الصبى ( قالها لامه ) فذهب يكمل جولته الليله و مر عليهم مرة أخرى فقال بالله عليكى نومى الصبى فقالت المرأة نعم و هكذا مرة أخرى فبات بجوار البيت.... ما لكى أم سوء أنتى  ما باله ؟ فقالت دعنى فإن عمر بن الخطاب لا يصرف إلا لمن فطم فأنا اعلل الصبى وأريد أن أفطمه لأن عمر لا يصرف الا لمن فطم من أبناء المسلمين ..
-- فبكى عمر و كان وقت صلاه الصبح فلم يفهم المسلمين بماذا يصلى من كثره بكائه .. وبعد صلاته وقف و قال يا ويلك يا عمر يوم القيامه ..كم يا عمر قتلت من أبناء المسلمين ..وقال أيها الناس بالله عليكم من اليوم لا تتعجلوا على أولادكم فى الفطام فإنى أصرف لهم لكل مولود يولد فى الإسلام حتى لا أسأل عنهم يوم القيامه .
-- رأى نار فى الصحراء بعيدا فإذا أمرأة و اطفال يبكون و قدر يغلى به ماء فقرب و قال يا أصحاب الضوء أأقترب ؟ ...فقالت المرأة نعم ..فقال لما يبكى أطفالك ..فقالت والله ما عندنا طعام و إننا على سفر ؛ فقال وما بال القدر فقالت ما به إلا ماء أعللهم به ليسكتوا فقال ولما ..قالت لو كان أمير المؤمنين يعلم بنا ما كان هذا حالنا .
-- فقال أنتظرينى هنا يا امراة فقال لتابعه يرفأ أتبعنى لبيت مال المسلمين و صار يجرى و يرفأ يحاول متابعته و أخذ القمح و الشعير ووضعه على كتفه فقال له يرفأ عنك يا أمير المؤمنين ..فقال ومن يحمله عنى يوم القيامه تنحى عنى يا يرفأ أنا أخدمهم بنفسى فصار ينضج لهم الطعام و يطعمهم بنفسه و عندما انتهى قال للمرأه إذا أتى الصباح أأتينى إلى بيت أمير المؤمنين لعلكى تجدينى هناك فقالت المرأة والله أنت أخير من عمر والله لو كان لى الأمر لوليتك على المسلمين .
صفات العدل :
-- بعد الهزائم المتتاليه التى مٌنى بها هرقل من عمر بن الخطاب أرسل رسول لعمر بن الخطاب لمقابلة خليفة المسلمين ... فذهب الرسول يمشى فى طرقات المدينه يبحث عن قصر أمير المؤمنين و كلما سأل أحدهم قال له أذهب فى هذا الطريق و ستجده فى طريقك و ظل هكذا حتى أشار له أحدهم...أترى هذا الرجل تحت الشجره هناك هذا هو أمير المؤمنين.....أى رجل هذا النائم يتصبب عرقا ..من يضع نعليه تحت رأسه ....فقال رسول هرقل القوله الشهيره "
حكـمـت فعـدلت فأمنــت فنمـت يا عمر
وملكنـا فظلمنـا فسهـرنـا فخفنـا فأنتصرتم علينا يا مسلمين "
-- عثمان بن عفان رضي الله عنه
 - نسبه : هو عثمان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب‏.‏ يجتمع نسبه مع الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في الجد الخامس من جهة أبيه‏‏‏ عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
 -- فهو قرشي أموي يجتمع هو والنبي صلى اللَّه عليه وسلم في عبد مناف، وهو ثالث الخلفاء الراشدين‏.‏ وأمه أروى بنت كريز وأم أروى البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ويقال لعثمان رضي اللَّه عنه ‏(‏ذو النورين‏) لأنه تزوج رقية، وأم كلثوم، ابنتيَّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم , ولا يعرف أحد تزوج بنتيَّ نبي غيره .
 - إسلامه
-- أسلم عثمان رضي اللَّه عنه في أول الإسلام قبل دخول رسول اللَّه دار الأرقم، وكانت سنِّه قد تجاوزت الثلاثين ، دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم ، ولما عرض أبو بكر عليه الإسلام قال له‏ :‏ ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك ، أليست حجارة صماء لا تسمع، ولا تبصر، ولا تضر، ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، واللَّه إنها كذلك، قال أبو بكر‏:‏ هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏ ؟‏
 -- فقال‏:‏ نعم‏.‏وفي الحال مرَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه ‏)‏‏.‏ قال ‏:‏ فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله ، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية‏.‏ وكان يقال‏:‏ أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وعثمان‏.‏ كان زواج عثمان لرقية بعد النبوة لا قبلها،
-- زواجه من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
-- رقية بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، وأمها خديجة، وكان رسول اللَّه قد زوَّجها من عتبة بن أبي لهب، وزوَّج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت‏:‏ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)‏.‏ قال لهما أبو لهب وأمهما , أم جميل بنت حرب(حمالة الحطب) فارقا ابنتَي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من اللَّه تعالى لهما، وهوانًا لابني أبي لهب.
-- فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولدًا فسماه ‏:‏ عبد اللَّه‏"‏، وكان عثمان يُكنى به ولما سار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم , إلى بدر كانت ابنته رقية مريضة، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، فتوفيت يوم وصول زيد بن حارثة
-- زوجته أم كلثوم
-بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، وأمها خديجة ، وهي أصغر من أختها رقية، زوَّجها النبي صلى اللَّه عليه وسلم من عثمان بعد وفاة رقية، وكان نكاحه إياها في ربيع الأول من سنة ثلاث، وبنى بها في جمادى الآخرة من السنة، ولم تلد منه ولدًا، وتوفيت سنة تسع وصلى عليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم .
-- وروى سعيد بن المسيب أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم , رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفان‏.‏ فقال له‏:‏ ‏ما لي أراك مهمومًا‏‏ ‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول اللَّه وهل دخل على أحد ما دخل عليَّ ماتت ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك‏.‏ فبينما هو يحاوره إذ قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن اللَّه عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها، وعلى مثل عشرتها‏

-- صفاته:
-- وكان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار‏.‏
-- أخبر سعيد بن العاص أن عائشة رضي اللَّه عنها وعثمان حدثاه ‏:‏ أن أبا بكر استأذن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن له وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ، ثم انصرف‏.‏ ثم استأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته .
 ثم انصرف‏.ثم استأذن عليه عثمان فجلس وقال لعائشة‏:‏ ‏(‏اجمعي عليك ثيابك‏)‏ فقضى إليه حاجته، ثم انصرف‏. قالت عائشة‏:‏ يا رسول اللَّه لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان ‏!‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ‏:‏ ‏‏إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال لا يُبلغ إليّ حاجته‏‏ .
-- وقال الليث‏:‏ قال جماعة من الناس‏:‏ ‏‏ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة‏‏ و كان لا يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم ‏، ويلي وضوء الليل بنفسه‏.‏ فقيل له‏:‏ لو أمرت بعض الخدم فكفوك، فقال‏:‏ لا، الليل لهم يستريحون فيه‏.‏ وكان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم‏.‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ‏: أصدق أمتي حياءً عثمان‏ وهو أحد الستة الذين توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم , وهو عنهم راضٍ، وقال عن نفسه قبل قتله‏:‏ ‏"‏واللَّه ما زنيت في جاهلية وإسلام قط‏"‏‏.
-- تبشيره بالجنة :
-- قال‏:‏ كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حديقة بني فلان والباب علينا مغلق إذ استفتح رجل فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم ‏:‏ ‏يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة‏ فقمت، ففتحت الباب فإذا أنا بأبي بكر الصدِّيق فأخبرته بما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، فحمد اللَّه ودخل وقعد، ثم أغلقت الباب فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم , ينكت بعود في الأرض فاستفتح آخر .
-- فقال‏:‏ يا عبد اللَّه بن قيس قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة، فقمت، ففتحت، فإذا أنا بعمر بن الخطاب فأخبرته بما قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم ، فحمد اللَّه ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب فجعل النبي , صلى اللَّه عليه وسلم , ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الثالث الباب فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم : يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح الباب له وبشره بالجنة على بلوى تكون فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: الله المستعان‏
-- بيعة الرضوان
-- في الحديبية دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان.
-- فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرًا لهذا البيت ومعظَّمًا لحرمته‏.‏
-- فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلَّغ رسالة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم‏:‏ إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل.
-- ولما لم يكن قتل عثمان رضي اللَّه عنه محققًا، بل كان بالإشاعة بايع النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه على تقدير حياته‏.‏ وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وإنما بايع القوم أخذًا بثأر عثمان جريًا على ظاهر الإشاعة تثبيتًا وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال‏:‏ ‏اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك‏.
-- اختصاصه بكتابة الوحي
-- عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال‏:‏ إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فإن الناس قد شتموه فقالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمسند ظهره إليَّ، وأن جبريل ليوحي إليه القرآن، وأنه ليقول له‏:‏ اكتب يا عثيم فما كان اللَّه لينزل تلك المنزلة إلا كريمًا على اللَّه ورسوله‏.‏ أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم
-- وقال‏:‏ ‏‏قالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، لا أحسبها قالت‏:‏ إلا ثلاث مرات، لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، وأن الوحي لينزل عليه وأنه ليقول‏:‏ اكتب يا عثيم.
 فواللَّه ما كان اللَّه لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا‏ وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم .
-- جيش العسرة :
 -- يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قوله تعالى‏:‏ِ ( لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة  )
-- ندب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه ، فجاء بماله كله 40‏.‏4000 درهم فقال له صلى اللَّه عليه وسلم ‏:‏ ‏‏هل أبقيت لأهلك شيئًا‏؟‏‏‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللَّه ورسوله‏.‏ وجاء عمر , رضي اللَّه عنه , بنصف ماله فسأله‏:‏ ‏‏هل أبقيت لهم شيئًا‏؟‏‏ ‏قال‏:‏ نعم، نصف مالي وجهَّز عثمان رضي اللَّه عنه ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا‏.‏
-- قال ابن إسحاق‏:‏ أنفق عثمان رضي اللَّه عنه في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‏.‏ وقيل‏:‏ جاء عثمان رضي اللَّه عنه بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول اللَّه فقبلها في حجر وهو يقول‏:‏ ‏‏ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم‏‏‏.‏ وقال رسول اللَّه‏:‏ ‏‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة‏‏
-- بئر رومه
-- واشترى بئر رومه من اليهود بعشرين ألف درهم، وسبلها للمسلمين‏.‏ كان رسول اللَّه قد قال‏:‏ ‏‏من حفر بئر رومه فله الجنة
-- توسعة المسجد النبوي
كان المسجد النبوي على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم , مبنيًَّا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمرًا وبناه على بنائه في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب‏.‏
-- الخلافة
لقد كان عثمان بن عفان أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لخلافته فقد أوصى بأن يتم اختيار أحد ستة  " علي بن أبي طالب ، عثمان بن عفان ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوام ، سعد بن أبي وقاص ، عبد الرحمن بن عوف ) في مدة أقصاها ثلاثة أيام من وفاته حرصا على وحدة المسلمين ، فتشاور الصحابـة فيما بينهم ثم أجمعوا على اختيار عثمان -رضي الله عنه- وبايعـه المسلمون في المسجد بيعة عامة سنة ( 23 هـ ) ، فأصبح ثالث الخلفاء الراشدين .
-- استمرت خلافته نحو اثني عشر عاما تم خلالها الكثير من الأعمال: نَسْخ القرآن الكريم وتوزيعه على الأمصار, توسيع المسجد الحرام, وقد انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف درهم ، وحجّ بالناس عشر حجج متوالية .
-- الفتوحات :
فتح الله في أيام خلافة عثمان رضي الله عنه , الإسكندرية ثم سأبور ثم إفريقية ثم قبرص ، ثم إصطخر الآخرة وفارس الأولى ، ثم خو وفارس الآخرة ثم طبرستان ودرُبُجرْد وكرمان وسجستان ثم الأساورة في البحر ثم ساحل الأردن وقد أنشأ أول أسطول إسلامي لحماية الشواطيء الإسلامية من هجمات البيزنطيين
-- الفتنة
-- في أواخر عهده ومع اتساع الفتوحات الإسلامية ووجود عناصر حديثة العهد بالإسلام لم تتشرب روح النظام والطاعة ، أراد بعض الحاقدين على الإسلام وفي مقدمتهم اليهود إثارة الفتنة للنيل من وحدة المسلمين ودولتهم  فأخذوا يثيرون الشبهات حول سياسة عثمان -رضي الله عنه- وحرضوا الناس في مصر والكوفة والبصرة على الثورة .
 -- فانخدع بقولهم بعض من غرر به ، وساروا معهم نحو المدينة لتنفيذ مخططهم ، وقابلوا الخليفة وطالبوه بالتنازل ، فدعاهم إلى الاجتماع بالمسجد مع كبار الصحابة وغيرهم من أهل المدينة ، وفند مفترياتهم وأجاب على أسئلتهم وعفى عنهم ، فرجعوا إلى بلادهم لكنهم أضمروا شرا وتواعدوا على الحضور ثانية إلى المدينة لتنفيذ مؤامراتهم التي زينها لهم عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل والذي تظاهر بالإسلام .
-- استشهاده
وفي شـوال سنة ( 35 ) من الهجرة النبوية ، رجعت الفرقة التي أتت من مصر وادعوا أن كتابا بقتل زعماء أهل مصر وجدوه مع البريد ، وأنكر عثمان -رضي الله عنه- الكتاب لكنهم حاصروه في داره ( عشرين أو أربعين يوماً ) ومنعوه من الصلاة بالمسجد بل ومن الماء ، ولما رأى بعض الصحابة ذلك استعـدوا لقتالهم وردهم لكن الخليفة منعهم اذ لم يرد أن تسيل من أجله قطرة دم لمسلم ، ولكن المتآمريـن اقتحموا داره من الخلف ( من دار أبي حَزْم الأنصاري )
--  وهجموا عليه وهو يقـرأ القـرآن وأكبت عليه زوجـه نائلـة لتحميه بنفسها لكنهم ضربوها بالسيف فقطعت أصابعها ، وتمكنوا منه -رضي الله عنه- فسال دمه على المصحف ومات شهيدا في صبيحة عيد الأضحى سنة ( 35 هـ ) ، ودفن بالبقيع وكان مقتله بداية الفتنة بين المسلمين إلى يومنا هذا , هذا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
-- على بن ابى طالب رضى الله عنه
  - اسلامه :-
--  سبب إسلامه أنه دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه خديجة رضي اللّه عنها       وهما يصليان سواء، فقال: ما هذا ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله، فأدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته والكفر    باللات والعزى" ..
-- فقال له عليٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلستُ بقاضٍ أمراً حتى أحدث أبا طالب.  وكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: "يا عليّ! إن لم تُسلم فاكتم هذا".
-- فمكث عليٌّ ليلته، ثم إن اللّه تعالى هداه إلى الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلم على يديه، وكان عليٌّ رضي اللّه عنه يخفي إسلامه خوفاً من أبيه، إلى أن اطلع عليه وأمره بالثبات عليه فأظهره حينئذٍ. أما أبو طالب فلم يرض أن يفارق دين آبائه، وتقول الشيعة: إنه أسلم في آخر حياته.
-- عن أنس بن مالك قال: بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء، وهو ابن عشر سنين، وقيل: تسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره

-- ليلة الهجرة
-- قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة، ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمْرَه له يخرج من مكة بإذن اللّه له في الهجرة إلى المدينة، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي وأرادوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجَّى بِبُرد له أخضر ففعل، ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القوم وهم على بابه. وتتابع الناس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يُفتن  في دينه
-- ولما أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يضطجع على فراشه قال له: إن قريشاً لم يفقدوني ما رأوك، فاضطجع على فراشه .
-- وكانت قريش تنظر إلى فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيرون عليه عليّاً فيظنونه النبي صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً. فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعليٍّ معه، فحبسهم اللّه بذلك عن طلب النبي حين رأوا عليّاً.
  -- هجرته الى المدينة
-- قال عليٌّ رضي اللّه عنه: "لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، ولذا كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهر ما تغيبت يوماً واحداً.
-- ثم خرجت فجعلت أتبع طريق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهِدم، وهنالك منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم".
-- خرج عليّ رضي اللّه عنه قاصداً المدينة، فكان يمشي الليل ويُكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قدومُه قال: "ادعوا لي عليّاً".
-- قيل: يا رسول اللّه لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتَفَل النبي صلى اللّه عليه وسلم في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما حتى استشهد رضي اللّه تعالى عنه.
 -- أبو تراب
-- دخل عليٌّ على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في المسجد، ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على فاطمة، فقال لها: "أين ابنُ عمك؟"
-- فقالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، فجاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: "اجلس أبا تراب"، فواللّه ما سمَّاه به إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وواللّه ما كان له اسم أحبَّ إليه منه.
 -- غزواته فى سبيل الله
-- شهد عليٌّ رضي اللّه عنه الغزوات مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان له شأن عظيم، وأظهر شجاعة عجيبة، وأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة.
-- في غزوة بدر الكبرى، كان أمام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع عليٍّ يقال لها (العقاب) والأخرى مع الأَنصار. وأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبارز في هذه الغزوة الوليدَ بن عتبة، فبارزه وقتله وكان من أشد أعداء رسول اللّه.
-- وفي غزوة أحد قام طلحة بن عثمان فقال: يا معشر أصحاب محمد! إنكم تزعمون أن اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفي إلى الجنة، أو يعجلني بسيفه إلى النار؟؟
-- فقام إليه عليٌّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار، أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه عليٌّ فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته.
-- فقال: أنشدك اللّه والرحم يا ابن عم، فتركه، فكبَّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييتُ منه.
-- وفي غزوة خيبر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله" فلما كان من الغد تطاول لها  عمر رضى الله عنه  فدعا عليّاً، وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء .
-- وأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليّاً والزبير بن العوام في أثر المرأة التي أعطاها حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش وذلك لمَّا أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسير إلى مكة. فخرجا وأدركاها بالحليفة فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً. فقال لها عليُّ بن أبي طالب: إني أحلف ما كذب رسول اللّه، ولا كذبنا، ولتُخْرِجِنَّ إليَّ هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجدَّ منه، قالت: أعرض عني، فأعرض عنها. فحلَّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه. فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
-- وكان عليٌّ رضي اللّه عنه ممن ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة حنين حين انهزم المسلمون كما ثبت في غزوة أحد .
-- وفي غزوة تبوك خلَّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. فأرجف المنافقون بعليٍّ وقالوا: ما خلَّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون أخذ عليٌّ سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بالجُرْف - موضع على ثلاثة أميال من المدينة –
-- فقال: يا نبيَّ اللّه زعم المنافقون أنك لمَّا خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني. فقال: "كذبوا ولكني إنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك. أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي"فرجع عليٌّ إلى المدينة ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على سفره.


  -- منزلته عند رسول الله
-- من الاحاديث التى وردت فى فضل على بن أبى طالب كرم الله وجهه
"اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".‏
" عليٌّ مني وأنا من عليٍّ"
"أنت أخي في الدنيا والآخرة"
"من آذى عليّاً فقد آذاني".
"من أحب عليّاً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب اللّه، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه"‏
"عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ، لا يفترقان حتى يردا الحوض"‏
 -- قضاؤه
-- عن أنس رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أقْضَى أمَّتي عليٌّ". وعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: أقضانا عليُّ بن أبي طالب.
-- وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "تختصم الناسَ بسبع، لا يحاجك أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً باللّه، وأوفاهم بعهد اللّه، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند اللّه مزية".
-- عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن قاضياً وأنا حديث السنِّ. فقلت: يا رسول اللّه تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء. قال: "إن اللّه سيَهدي لسانك، ويثبت قلبك".  قال: فما شككت في قضاء بين اثنين. وفي رواية: "إن اللّه يثبت لسانك، ويَهدي قلبك" ثم وضع يده على فمه.
--  وبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن، فوجد أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطاد فيها الأسد، سقط أولاً رجل فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته، فتنازع أولياؤهم حتى كادوا يقتتلون. فقال عليٌّ: أنا أقضي بينكم فإن رضيتم فهو القضاء، وإلاَّ حجزت بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليقضي بينكم..
--  اجمعوا من القبائل التي حفروا البئر ربع الدية وثلثها ونصفها ودية كاملة، فللأول ربع الدية لأنه أهلك من فوقه، وللذي يليه ثلثها لأنه أهلك من فوقه، وللثالث النصف لأنه أهلك من فوقه، وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم فقصُّوا عليه القصة. فقال: "أنا أقضي بينكم" - واحتبى ببردة - فقال رجل من القوم: إن عليّاً قضى بيننا، فلما قصوا عليه القصة أجازه.
  -- صدقه و زهده و تواضعه
  -- عن عمَّار بن ياسر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "إن اللّه قد زيَّنك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هي زينة الأبرار عند اللّه، الزهد في الدنيا. فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووصب لك المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً"
  -- وعن عليٍّ رضى الله عنه  قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "يا عليّ، كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا، وأكلوا التراث أكلاً لَمّاً، وأحبوا المال حبّاً جمّاً، واتخذوا دين اللّه دَغَلاً، ومال اللّه دُوَلاً؟" قلت: أتركهم حتى ألحق بك إن شاء اللّه تعالى. قال: "صدقت، اللّهم افعل ذلك به"
--  أذن بلال بصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن بين راكع وساجد وسائل يسأل. فأعطاه عليٌّ خاتمه وهو راكع فأخبر السائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُوْنَ}
-- اشترى عليٌّ رضي اللّه عنه تمراً بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟ قال: أبو العيال أحق بحمله. وعوتب في لباسه، فقال: ما لكم وللباسي! هذا هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم
  -- خلافته
-- لما استشهد عثمان -رضي الله عنه- سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة والمهاجرين و الأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ، يعمل جاهدا على توحيد كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى
-- ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مكة المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ، وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ، وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ، والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين ، وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم .
-- معركة الجمل
-- خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك السيدة عائشة -رضي الله عنها ،  ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ، ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة الجمل في شهر جمادي الآخرة عام 36 هجري .
-- وسميت بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة -رضي الله عنها- خلال الموقعة ، التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ، وقد أحسن علي -رضي الله عنه- استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة ، بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ، ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة في العراق ، واستقر بها ، وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الإسلامية .
  -- مواجهة معاوية
-- قرر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان -رضي الله عنه- ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ، وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا , فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة المسلمين ، والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري )
-- وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه فرفعوا المصاحف على أسنة الرماح ، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها وأمرهم بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر  وفي رمضان عام 37 هجري اجتمع عمر بن العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ، وأبو موسى الأشعري عن علي وأهل العراق ، واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام ، وعادت قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية ، وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية
  -- الخوارج
-- أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا -رضي الله عنه- على قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة النهروان عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب  وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية
  -- استشهاده
-- اجتمع ثلاثة رجال: عبد الرحمن بن مُلجم، والبُرك بن عبد اللّه، وعمرو بن بكر التميمي فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم. ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً. فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا. 
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليُّ بن أبي طالب وكان من أهل مصر.
وقال البُرك بن عبد اللّه: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان.
وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
-- فتعاقدوا وتواثقوا باللّه لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجَّه إليه حتى يقتله أو يموت دونه.  فأخذوا أسيافهم فسمُّوها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجَّه إليه. وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب.
-- فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة. فخرج فلقي أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئاً من أمره. فإنه رأى ذات يوم أصحاباً من تيم الرباب، وكان عليٌّ قتل منهم يوم النهر عشرة، فذكروا قتلاهم ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قَطام ابنة الشجنة وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها. ثم خطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تشفي لي. قال: وما يشفيك؟
 قال: ثلاثة آلاف درهم وعبد وقينة وقتل عليٍّ بن أبي طالب
قال: هو مهر لك، فأما قتل عليٍّ فلا أراك ذكرته لي وأنت تريدينني.
قالت: بلى، التمس غرته؛ فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ويهنأك العيش معي، وإن قُتلتَ فما عند اللّه خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها.
قال: فواللّه ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل عليٍّ. فلك ما سألت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك.
-- فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وَرْدان فكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له: شبيب بن بَجَرة، فقال: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل عليِّ بن أبي طالب. قال: ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إدّاً كيف تقدر على عليٍّ؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة. شددنا عليه فقتلناه. فإن نجونا شفينا أنفساً وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها (فقد كان ابن ملجم يحسب أنه بقتل عليٍّ يتقرَّب إلى اللّه تعالى!!). ولا حول ولا قوة إلا بالله
-- قال: ويحك!! لو كان غير عليٍّ لكان أهون عليَّ. قد عرفت بلاءَه في الإسلام وسابقته مع النبي صلى اللّه عليه وسلم. وما أجدني أنشرح لقتله.
-- قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه، فجاءوا قَطام، وهي في المسجد الأعظم معتكفة فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل عليٍّ. قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني.
-- ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها عليٌّ سنة 40. فقال: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيَّ أن يقتل كل واحد منا صاحبه. فدعت لهم بالحرير فعصبتم به وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السُّدة التي يخرج منها عليٌّ (الباب) فلما خرج ضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه ، وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه، وهو ينزع الحرير عن صدره. فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان، وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله
  -- وصيته عند وفاته
-- قد نهى رضى الله عنه عن قتل قاتله أو التمثيل به فقال : "يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قُتل أمير المؤمنين. قُتل أمير المؤمنين. ألا لا يُقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور".
-- وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا :( ان أعش فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين ، ولا تقتلوا بي سواه ، ان الله لا يحب المعتدين ) وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو في لحظاته الأخيرة قال لهم :( لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم بأموركم أبصر ) واختلف في مكان قبره, وباستشهاده -رضي الله عنه- انتهى عهد الخلفاء الراشدين
                                           الباب الثالث
                                        أعلام الأمة :
- الإمام أبو حنيفة :-
-- أبو حنيفة النعمان أو النعمان بن ثابت بن النعمان المولود سنة (80 هـ/699م) بالكوفة. والتي كانت آنذاك حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات الفقه والحديث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشيوخ العلم وأئمته، وفي هذه المدينة قضى النعمان معظم حياته متعلماً وعالماً، وتردد في صباه الباكر بعد أن حفظ القرآن  الكريم على هذه الحلقات، لكنه كان منصرفاً إلى مهنة التجارة مع أبيه.
--  فلما رآه عامر الشعبي الفقيه الكبير ولمح ما فيه من مخايل الذكاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر في العلم، فاستجاب لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس، فروى الحديث ودرس اللغة والأدب، وكان من كثرة اهتمامهِ بأن لا يضيع عنه ما يتلقاه من العلم يقضي الوقت في الطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه، واتجه إلى دراسة علم الكلام حتى برع فيه براعة عظيمة مكّنته من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم في بعض مسائل العقيدة، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبي سليمان. اشتهر بورعه، وكان تاجراً مشهوراً بالصدقِ والأمانة والوفاء.
- شيوخه :-
-- بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم وأبرزهم : حماد بن أبي سليمان ؛ جاء في "المغني": هو أبو إسماعيل، كوفي يُعدّ تابعيًا سمع أنسًا والنخعي وكان أعلمهم برأي النخعي، روى عنه أبو حنيفة ألفي حديث من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه الحَصْكَفي، هي برواية الإمام عنه عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن الأسود عن عائشة رضي الله عنهم.
-- من شيوخه أيضًا: إبراهيم بن محمد المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري، والحارث بن عبد الرحمن الهمذاني الكوفي وربيعة بن عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار الهلالي المدني وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي... وغيرهم الكثير.
 - رياسته لحلقة العلم :-
-- وبعد موت شيخه حماد بن أبي سليمان آلت رياسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة، وهو في الأربعين من عمره، والتفّ حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه، وكانت له طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تُطرح في حلقته؛ فلم يكن يعمد هو إلى حلها مباشرة، وإنما كان يطرحها على تلاميذه، ليدلي كل منهم برأيه، ويعضّد ما يقول بدليل، ثم يعقّب هو على رأيهم، ويصوّب ما يراه صائبا، حتى تُقتل القضية بحثاً، ويجتمع أبو حنيفة وتلاميذه على رأي واحد يقررونه جميعا.
-- وكان أبو حنيفة يتعهد تلاميذه بالرعاية، وينفق على بعضهم من مالهِ، مثلما فعل مع تلميذه أبي يوسف حين تكفّله بالعيش لما رأى ضرورات الحياة تصرفه عن طلب العلم، وأمده بماله حتى يفرغ تماما للدراسة، يقول أبو يوسف المتوفى سنة (182هـ = 797م): "وكان يعولني وعيالي عشرين سنة، وإذا قلت له: ما رأيت أجود منك، يقول: كيف لو رأيت حماداً –يقصد شيخه- ما رأيت أجمع للخصال المحمودة منه".
-- وكان مع اشتغاله يعمل بالتجارة، حيث كان له محل في الكوفة لبيع الخزّ (الحرير)، يقوم عليه شريك له، فأعانه ذلك على الاستمرار في خدمة العلم، والتفرغ للفقه.
- أصول مذهبه:-
-- نشأ مذهب أبي حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي، وتكونت أصول المذهب على يديه، وأجملها هو في قوله: "إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا".
-- وهذا القدر من أصول التشريع لا يختلف فيه أبو حنيفة عن غيره من الأئمة، فهم يتفقون جميعا على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام منهما، غير أن أبا حنيفة تميّز بمنهج مستقل في الاجتهاد، وطريقة خاصة في استنباط الأحكام التي لا تقف عند ظاهر النصوص، بل تغوص إلى المعاني التي تشير إليها، وتتعمق في مقاصدها وغاياتها.
-- ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والإكثار من القياس أنه يهمل الأخذ بالأحاديث والآثار، أو أنه قليل البضاعة فيها، بل كان يشترط في قبول الحديث شروطاً متشددة؛ مبالغة في التحري والضبط، والتأكد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التشدد في قبول الحديث هو ما حملهُ على التوسع في تفسير ما صح عنده منها، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه النوازل والمشكلات المتجددة.
-- ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع.
- تلاميذ أبي حنيفة :-
-- لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما أندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء:
- أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفي عام(183هـ/799م)
-  ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفي في عام(189هـ/805م)
- وزفر بن الهذيل، وهم الذين قعدوا القواعد وأصلوا الأصول في المذهب الحنفي.
ولقد قضى الإمام أبو حنيفة عمرهُ في التعليم والتدريس ولقد تخرج عليه الكثير من الفقهاء والعلماء
-- ومنهم ولدهُ حماد ابن ابي حنيفة، وإبراهيم بن طهمان، وحمزة بن حبيب الزيات، وأبو يحيى الحماني، وعيسى بن يونس، ووكيع، ويزيد بن زريع، وأسد بن عمرو البجلي، وحكام بن يعلى بن سلم الرازي، وخارجة بن مصعب، وعبد الحميد ابن أبي داود، وعلي بن مسهر، ومحمد بن بشر العبدي، ومصعب بن مقدام، ويحيى بن يمان، وابو عصمة نوح بن أبي مريم، وأبو عبد الرحمن المقريء، وأبو نعيم وأبو عاصم، وغيرهم كثير.
- تدوين المذهب :-
-- وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية، وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجامع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.
-- وقد جمع أبو الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة (344هـ/955م) كتب ظاهر الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه "الكافي"، ثم قام بشرحه شمس الأئمة السرخسي المتوفى سنة (483هـ/1090م) في كتابه "المبسوط"، وهو مطبوع في ثلاثين جزءاً، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها.
- انتشار المذهب :-
-- انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، كما كان مذهب السلاجقة والدولة الغزنوية ثم الدولة العثمانية، وهو الآن شائع في أكثر البقاع الإسلامية، ويتركز وجوده في مصر والشام والعراق وأفغانستان وباكستان والهند والصين وتركيا والسعودية.
- الامام أبوحنيفه وكيفيه حواره مع الملحدين :-
-- قال الملحدون لأبى حنيفة: في أى سنة وجد ربك؟
قال: الله موجود قبل التاريخ والأزمنة لا أول لوجوده ثم قال لهم: ماذا قبل الأربعة؟ قالوا: ثلاثة
قال لهم: ماذا قبل الثلاثة؟ قالوا: إثنان
قال لهم: ماذا قبل الإثنين؟ قالوا: واحد
قال لهم : وما قبل الواحد ؟ قالوا : لا شيء قبله..
قال لهم: إذا كان الواحد الحسابى لا شيء قبله فكيف بالواحد الحقيقى وهو الله إنه قديم لا أول لوجوده
قالوا: في أى جهة يتجه ربك؟
قال: لو أحضرتم مصباحا في مكان مظلم إلى أى جهة يتجه النور قالوا: في كل مكان
قال: إذا كان هذا النور الصناعي (أي الذي يعمل بالزيت) فكيف بنور السماوات والأرض
قالوا: عرّفنا شيئا عن ذات ربك؟
فقال: هل جلستم بجوار مريض مشرف على النزع الأخير؟ قالوا: جلسنا
قال: هل كلمكم بعدما أسكته الموت؟ قالوا: لا
قال: هل كان قبل الموت يتكلم ويتحرك؟ قالوا: نعم
قال: ما الذي غيره؟ قالوا: خروج روحه
قال: أخرجت روحه؟ قالوا: نعم
قال: صفوا لى هذه الروح هل هي صلبة كالحديد أم سائلة كالماء أم غازية كالدخان والبخار؟ قالوا: لا نعرف شيئا عنها.
قال:إذا كانت الروح المخلوقة لا يمكنكم الوصول إلى كنهها فكيف تريدون منى أن اصف لكم الذات الإلهية ؟
-- ذهب الإمام أبو حنيفة لتأدية مناسك الحج وقابل هناك جعفر بن محمد (الامام الصادق) فرآه هناك ووجه له كلاما في منتهى الشدة فقال له: "أنت الذي غَيَّرت دين جدي ؟- و"قَدَّمت القياس" أي تقيس بالرأى-. فقال أبو حنيفة: "ما فعلتُ". قال: "يا إمام، هلا جلست حيث تحب حتى أجلس حيث أحب؟" فجلس على ما يشبه الكرسى أو الأريكة، فجاء أبو حنيفة وقال له: "أنت جلست حيث تحب وأنا أجلس على الأرض حيث أحب أن أكون بين يديك".
-- وقال له أبو حنيفة: "إنما فعلت ذلك لأن مقامك عندى كمقام جدك عند أصحابه صلى الله عليه وسلم. فقد بدأ معه أبو حنيفة هكذا حتى قبل أن يشرح له ". فقال: "يا إمام، أسألك ثلاثة أسئلة.
--" السؤال الأول: "أيهما أضعف، الرجل أم المرأة؟" فقال: "المرأة أضعف" قال: "في دين جدك صلى الله عليه وسلم  ما هو ميراث المرأة؟ " قال له: "المرأة نصف الرجل". فقال : "فلو كنت أعمل بالرأى وأترك حديث جدك ودينه أقل ذلك لأن حديث النبى مُقَدَّم عندى على رأيى".
-- السؤال الثاني: "أيهما أعظم الصلاة أم الصيام؟ المرأة بعد رمضان يفوتها صلاة وصيام. بما أمرها جدك صلى الله عليه وسلم أن تقضى الصلاة أم الصيام ؟ لو كنت أقول برأي لقلت الصلاة أفضل، فتقضي الصلاة ولا تقضي الصيام. لكنى لم أفعل ذلك. وقلت كما قال جدك، تعيد الصيام ولا تعيد الصلاة .
-- ومن مظاهر القدوة في شخصية أبي حنيفة احترامه وتقديره لمن علمه الفقه: فقد ورد عن ابن سماعة ، أنه قال : سمعت أبا حنيفة يقول : ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما.
-- سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم، وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، ولك أن تتخيل ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض.
-- ومن عجائب ما ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد، يشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله ؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره.
-- سؤاله عن أحوال أصحابه وغيرهم من الناس، وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
-- حرصه على هيبة العلم في مجالسه؛ فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت كثير العقل.
-- الاهتمام بالمظهر والهيئة؛  بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه قال: كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لا يتكلم إلا جواباً ولا يخوض فيما لا يعنيه. وعن عبد الله ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة.
- عبادته :-
-- قد قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وذكروا أن أبا حنيفة صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة. وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء، ومثل هذه الروايات عن الأئمة موجودة بكثرة، والتشكيك في ثبوتها له وجه، لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله. ولكن عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه، فقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كلهُ في ركعة.
- شدة خوفه من الله : -
فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قول الله تعالى  في القرآن: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) سورة القمر، آية 46، ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
- شدة ورعه :-
-- وخصوصا في الأمور المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
-- تربيته لنفسه على الفضائل كالصدق ، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
--وكان حليما صبورا، وله حلم عجيب مع العوام؛
-- لأن من تصدى للناس لا بد وأن يأتيه بعض الأذى من جاهل أو مغرر به، ومن عجيب قصصه ما حكاه الخريبي قال:  كنا عند أبي حنيفة فقال رجل: إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان فوهب لي أربعة آلاف درهم، فقال أبو حنيفة إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه. وقد شهد بحلمه من رآه، قال يزيد بن هارون ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة، وكان ينظر بإيجابية إلى المواقف التي ظاهرها السوء، فقد قال رجل لأبي حنيفة (أتق الله)، فأنتفض وأصفر وأطرق وقال: (جزاك الله خيرا ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا)
 -- وجاء إليه رجل، فقال: (يا أبا حنيفة، قد أحتجت إلى ثوب خز)، فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا، فقال له: أصبر حتى يقع، وآخذه لك، _إن شاء الله_، فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهماً، فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ، قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
- الجدية والاستمرار وتحديد الهدف: -
-- فقد وضع نصب عينيه أن ينفع الأمة في الفقه والاستنباط، وأن يصنع رجالا قادرين على حمل تلك الملكة.
-- ترك الغيبة والخوض في الناس. فعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمين شيئا عجيبا، ففي تأريخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنيفة يقول: "فبشر عباد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " قال: كان أبو حنيفة يكثر من قول: (اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له).
-حرصه على بناء شخصيات فقهية تحمل عنه علمه :
-- وقد نجح أيما نجاح. ومن طريف قصصه مع تلاميذه التي تبين لنا حرصه على تربيتهم على التواضع في التعلم وعدم العجلة ، كما في (شذرات الذهب): لما جلس أبو يوسف للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل وقال له: إن أجابك بكذا فقل له: أخطأت، وإن أجابك بضده فقل له: أخطأت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال: "تزبيت قبل أن تحصرم". أي بمعنىتصدرت للفتيا قبل أن تستعد لها فجعلت نفسك زبيبا وأنت لازلت حصرما).
- تصحيحه لمفاهيم مخالفيه بالحوار الهادئ:
-- قد كان التعليم بالحوار سمة بارزة لأبي حنيفة، وبه يقنع الخصوم والمخالفين، وروى أيضا عن عبد الرزاق قال: شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف فسأله رجل عن شيء فأجابه فقال رجل: إن الحسن يقول كذا وكذا قال أبو حنيفة أخطأ الحسن قال: فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال: أنت تقول أخطأ الحسن ثم سبه بأمه ثم مضى فما تغير وجهه ولا تلون ثم قال: إي والله أخطأ الحسن وأصاب بن مسعود.
-- ومن مظاهر القدوة عدم اعتقاده أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن غيره من العلماء على خطأ؛
-- فقد جاء في ترجمته في تأريخ بغداد عن الحسن بن زياد اللؤلؤي يقول: سمعت أبا حنيفة يقول قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا. ولقد بعث الإمام زيد الفضلَ بن الزبير وأبا الجارود إلى الامام أبي حنيفة النعمان، فوصلا إليه وهو مريض، فدعياه إلى نصرتهِ، فقال: « هو والله صاحب حق، وهو أعلم مَنْ نعرف في هذا الزمان، فاقرئاه مني السلام وأخبراه أن مرضاً يمنعني من الخروج معه ».
- مؤلفاته..
-- لم يعرف وقت الامام بكثرة التدوين واكثر علمه نقل من طلابه، وعرف للإمام بعض المؤلفات في الفقه الإسلامي منها :
1- الفقه الأكبر، برواية حماد بن أبي حنيفة
2- الفقه الأكبر، برواية أبي مطيع البلخي
3- العالم والمتعلم، برواية أبي مقاتل السمرقندي
4- رسالة الإمام أبي حنيفة إلى عثمان البتي 
5- الوصية، برواية أبي يوسف 
وهناك مؤلفات نسبت إليه مثل:
 (المقصود في الصرف)، نسب إلى أبي حنيفة في زمن متأخر كما ذكر فؤاد سزكين 
(6 ) وكتاب (الحيل) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد 
(7)، وهناك مؤلفات كثيرة أوردها سزكين إلا أنها لم تشتهر كما اشتهرت الكتب الخمسة السابقة، وقد قام الدكتور محمد الخميِّس بدراستها من خلال رجال إسنادها، وخلص إلى ما يلي: "أن هذه الكتب من ناحية الرواية ووفق منهج المحدثين في النقد لا تثبت للإمام أبي حنيفة"، ومما قال: "ولم أقف على رواية صحيحة أو نسخ معتمدة حتى نقطع أنها للإمام أبي حنيفة، ولاسيما وقد صرح بعض الحنفية كالزَّبِيدي، وأبي الخير الحنفي، بأن هذه الكتب ليست من تأليف الإمام مباشرة بل هي أماليه وأقواله التي قام تلاميذه بجمعها وتأليفها
(8). ولعل من أهم ما يذكر للإمام أبي حنيفة من تأليف كتاب (الآثار) والذي يرويه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو مطبوع بالروايتين، وهو أوثق كتاب في روايات أبي حنيفة.

-وفاة أبي حنيفة :-
-- مد الله في عمر أبي حنيفة، وهيأ له من التلاميذ النابهين من حملوا مذهبه ومكنوا له، وحسبه أن يكون من بين تلاميذه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، وأقر له معاصروه بالسبق والتقدم، قال عنه النضر بن شميل: "كان الناس نياماً عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه"، وبلغ من سمو منزلته في الفقه ان قال فيهِ الإمام الشافعي : "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة".
-- كما كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما يشهد له بذلك، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن عياض بقوله: "كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالأفضال على كل من يطيف به، صبورا عل تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان".
-- وتوفي أبو حنيفة في بغداد بعد أن ملأ الدنيا علماً وشغل الناس في (11 من جمادى الأولى 150هـ/14 من يونيو 767م) ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية في مقبرة الخيزران على الجانب الشرقي من نهر دجلة.
                 - الإمام مالك
- نسبه : فهو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك ابن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني حليف بني تيم من قريش فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.
-- وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية وأعمامه هم أبو سهل نافع وأويس والربيع والنضر أولاد أبي عامر.
-- ولد مالك على الأصح في سنة 93هـ عام موت أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونشأ في صون ورفاهية وتجمل
-- يروى في فضله ومناقبه الكثير ولكن أهمها ما روي [عن أبي هريرة يبلغ به النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة]
-- إنه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وصاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام وهو المذهب المالكي، وصاحب كتب الصحاح في السنة النبوية وهو كتاب الموطأ. يقول الإمام الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم .  
- طلبه للعلم :-
-- طلب الإمام مالك العلم وهو حدث لم يتجاوز بضع عشرة سنة من عمره وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة وقصده طلبة العلم وحدث عنه جماعة وهو بعد شاب طري.
- ثناء العلماء عليه :-
-- عن ابن عيينة قال مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه.
وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وعن ابن عيينة أيضا قال كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدث إلا عن ثقة ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم.
ـ روي عن وهيب وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال أنه قدم المدينة قال فلم أرى أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا ويحيى بن سعيد الأنصاري.
- امام دار الهجرة :-
-- روى عن أبي موسى الأشعري قال [قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة] ويروى عن ابن عيينة قال كنت أقول هو سعيد بن المسيب حتى قلت كان في زمانه سليمان بن يسار وسالم بن عبد الله وغيرهما ثم أصبحت اليوم أقول إنه مالك لم يبق له نظير بالمدينة.
-- قال القاضي عياض هذا هو الصحيح عن سفيان رواه عنه ابن مهدي وابن معين وذؤيب بن عمامه وابن المديني والزبير بن بكار وإسحاق بن أبي إسرائيل كلهم سمع سفيان يفسره بمالك أو يقول وأظنه أو أحسبه أو أراه أو كانوا يرونه.
-- وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة فيكون على هذا سعيد بن المسيب ثم بعده من هو من شيوخ مالك ثم مالك ثم من قام بعده بعلمه وكان أعلم أصحابه.
-- ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم والفقه والجلالة والحفظ فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة والقاسم وسالم وعكرمة ونافع وطبقتهم ثم زيد بن أسلم وابن شهاب وأبي الزناد ويحيى بن سعيد وصفوان بن سليم وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطبقتهم فلما تفانوا اشتهر ذكر مالك بها وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن الماجشون وسليمان بن بلال وفليح بن سليمان وأقرانهم فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق رحمه الله تعالى.
-- قال أبو عبد الله الحاكم ما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد من علماء المدينة دون مالك واعترفوا له وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنا كالليث عالم أهل مصر والمغرب والأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم والثوري وهو المقدم بالكوفة وشعبة عالم أهل البصرة إلى أن قال وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة فسأل مالكا أن يكتب له مائة حديث حين خرج إلى العراق ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه.
- قصة الموطأ :-
-- يروى أبو مصعب فيقول: سمعت مالكا يقول دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وقد نزل على فرش له وإذا على بساطه دابتان ما تروثان ولا تبولان وجاء صبي يخرج ثم يرجع فقال لي أتدري من هذا قلت لا قال هذا ابني وإنما يفزع من هيبتك ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ومنها حرام ثم قال لي أنت والله أعقل الناس وأعلم الناس قلت لا والله يا أمير المؤمنين قال بلى ولكنك تكتم ثم قال والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ولأبعثن به إلى الآفاق فلأحملهنم عليه.فقال مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول تفرقوا في الأمصار وإن تفعل تكن فتنة!!
مواقف من حياته :-
-- يروى أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت فلو نهوك قال كنت أنتهي لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه
-- وقال خلف: دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام في مسجد قد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
-- وروي أن المهدي قدم المدينة فبعث إلى مالك بألفي دينار أو قال بثلاثة آلاف دينار ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام فقال قال النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة خير لهم ولو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله.
-- وقدم المهدي المدينة مرة أخرى فبعث إلى مالك فأتاه فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث إليه فلم يجبهما فأعلما المهدي فكلمة فقال يا أمير المؤمنين العلم يؤتى أهله فقال صدق مالك صيرا إليه فلما صارا إليه قال له مؤدبهما اقرأ علينا فقال إن أهل المدينة يقرؤون على العالم كما يقرأ الصبيان على المعلم فإذا أخطئوا أفتاهم فرجعوا إلى المهدي فبعث إلى مالك فكلمه .
فقال سمعت ابن شهاب يقول جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال وهم يا أمير المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم وسالم وخارجه بن زيد وسليمان بن يسار ونافع وعبد الرحمن بن هرمز ومن بعدهم أبو الزناد وربيعه ويحيى بن سعيد وابن شهاب كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرؤون فقال في هؤلاء قدوة صيروا إليه فاقرؤوا عليه ففعلوا.
-- يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
-- وعن قتيبه قال كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا قد لبس من أحسن ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
-- وعن محمد بن عمر قال كان مالك يأتي المسجد فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس فكان يصلي وينصرف وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
-- وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليلا قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما أكثر أحد قط فأفلح.
-- وقيل لمالك لم لا تأخذ عن عمرو بن دينار قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما فأجللت حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن آخذه قائما.
-- ويروى عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر نعم قال الله تعالى {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}(السجدة:12)
-- وقال جعفر بن عبد الله قال كنا عند مالك فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الله [الرحمن على العرش استوى " كيف استوى فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرضاء ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج] وفي رواية أخرى قال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
- من كلماته :-
- العلم ينقص ولا يزيد ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.
- والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري.
- أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.
- ما تعلمت العلم إلا لنفسي وما تعلمت ليحتاج الناس إلي وكذلك كان الناس.
- ليس هذا الجدل من الدين بشيء.
- لا يؤخذ العلم عن أربعة سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس وصاحب بدعة يدعو إلى هواه ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
- صفة الامام مالك :-
-- عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك، ونقل غير واحد أنه كان طوالا جسيما عظيم الهامة أشقر أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية أصلع وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله.
وقيل كان أزرق العين، كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلاف اللبوس، و قال أشهب كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه
- إمام فى الحديث:-
-- كان الإمام مالك من أئمة الحديث في المدينة، يقول يحيى القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك كان إماما في الحديث، قال الشافعي قال محمد بن الحسن أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير. قال ابن مهدي أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد وقال ما رأيت أحدا أعقل من مالك.
- محنة الإمام مالك :-
-- تعرض الإمام مالك لمحنة وبلاء بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان ويروى أنه ضرب بالسياط حتى أثر ذلك على يده فيقول إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده بالأخرى، ويقول الواقدي لما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا بمالك إليه وكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء .
--  وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز عنده قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه وارتكب منه أمر عظيم فواالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو، وهذه ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير ومن يرد الله به خيرا يصيب منه وقال النبي (صلى الله عليه وسلم)
 كل قضاء المؤمن خير له وقال الله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (محمد:31) وأنزل الله تعالى في وقعه أحد قوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم}(آل عمران:165) وقال {وما أصابكم من مصيبة فبما كسب أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)
 فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فالله حكم مقسط ثم يحمد الله على سلامة دينه ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
- تراث الامام مالك :-
-- عنى العلماء بتحقيق وتأليف الكتب حول تراث الإمام مالك، وما زال العلماء قديما وحديثا لهم أتم اعتناء برواية الموطأ ومعرفته وتحصيله
- وفاة الامام مالك :-
-- قال القعنبي سمعتهم يقولون عمر مالك تسعا وثمانين سنة مات سنة تسع وسبعين ومئة وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4)، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.

                  - الإمام الشافعى
-- هو أبو عبدالله محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب .
-- ولد بغزة في فلسطين على الأصح وفي رواية بعسقلان ، وفي أخرى باليمن عام 150 هـ لذلك فهو مولود في بلد غريب بعيد عن موطن قومه بمكة والحجاز ، توفي أبوه قبل أن يعرفه محمد ، وتركه لأمه ، وكانت إمرأة من الأزد ، فبدأ الإمام رضي الله عنه حياته وحليفاه اليتم والفقر ، ورأت الأم أن تنتقل بولدها إلى مكة ، فانتقلت به وهو صغير لايجاوز السنتين . قال الشافعي رضي الله عنه : ولدت بغزة سنة خمسين ومائة -يوم وفاة أبي حنيفة- فقال الناس : مات إمام وولد إمام ، وحملت إلى مكة وأنا إبن سنتين.
- دراسته وعلمه :-
-- فى مكة المكرمة حفظ القرآن وهو حدث ، ثم أخذ يطلب اللغة والأدب والشعر حتى برع في ذلك كله . قال إسماعيل بن يحيى : سمعت الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا إبن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا إبن عشر سنين .
-- ثم رحل من مكة إلى بني هذيل وبقى فيهم سبعة عشر سنة، وكانوا أفصح العرب ، فأخذ عنهم فصاحة اللغة وقوتها ، ثم إنصرفت همته لطلب الحديث والفقه من شيوخهما ، فحفظ الموطأ وقابل الإمام مالك فأعجب به وبقراءته وقال له: يابن أخي تفقه تعلُ.وقال له أيضا: يا محمد إتق الله فسيكون لك شأن.
- عن رحلاته :-
-- رحل الإمام الشافعي رحلات كثيرة كان لها أكبر الأثر في علمه ومعرفته ،فقد رحل من مكة إلى بني هذيل ، ثم عاد إلى مكة ، ومنها رحل للمدينة ، ليلقى فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه ، وبعد وفاة الإمام مالك رضي الله عنه، رحل إلى بغداد ، ثم عاد إلى مكة ، ثم رجع إلى بغداد ، ومنها خرج إلى مصر.
-- يقول إبن خلكان: " وحديث رحلته إلى الإمام مالك مشهور ، فلاحاجة إلى التطويل فيه ، وقدم بغداد سنة 195هـ ، فأقام فيها سنتين، ثم خرج إلى مكة ، ثم عاد إلى بغداد سنة 198هـ فأقام شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة 199هـ وقيل سنة 201هـ ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة204هـ".
- جمعه لشتى العلوم :-
-- عن الربيع بن سليمان قال:كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح ، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا ؛ وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ، فإذا إرتفعت الشمس قاموا ؛ فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا ، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف ، رضي الله عنه.
وحدث محمد بن عبدالحكم قال:
-- ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث ، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه. وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.
-- قال مصعب بن عبدالله الزبيري: "ما رايت أعلم بأيام الناس من الشافعي".
-- وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو إبن ثمان عشرة سنة:
"أفت أبا عبدالله فقد آن لك أن تفتي".
-- وقال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
- تواضعه وورعه:-
--كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق ، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس .
-- قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ ، وما في قلبي من علم ، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي.
-- قال حرملة بن يحيى:قال الشافعي: كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق.
قال الشافعي رضي الله عنه:والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.
وقال أيضا: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و إعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني.
وقال:أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا ، أو جار ،أو صديقا.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة.
وقال أيضا:قال الشافعي : والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب ، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.
شهادة العلماء:-
-- لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو.
قال أبو عبيد: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة .
-- وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافعى اللغة.
--قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن أدريس.
-- قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا.
-- وقال أحمد بن حنبل: ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.
-- حدث أبو نعيم الاستراباذي، سمعت الربيع يقول : لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته -التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة- لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.
- سخأؤه:-
-- اما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره ، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه.
-- وحدث محمد بن عبدالله المصري، قال :كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.
-- قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي :أنا أفلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.
-- قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
-- ومن أروع ما قرأت عن الشافعى رحمه الله تعالى هذا الحوار البديع الذى دار بينه وبين العلماء فى حضرة الخليفة هارون الرشيد وكان على النحو التالى :
-- يحكى أن بعض فطاحل العلماء فى العراق كانوا يحقدون على الإمام الشافعى (رضى الله عنه
ويكيدون له .. وقد كان متفوقا عليهم فى العلم والحكمة ، وكان متربعا على قلوب أكثر طلاب
العلم الذين يحرصون على مجلسه ويقتنعون برأيه وعلمه ..
-- ولهذا إتفق هؤلاء العلماء الحاقدون على الإمام الشافعى فيما بينهم على تحضير بعض الأسئلة
المعقدة وفى أسلوب الألغاز حتى يختبروا بها ذكاء الشافعى ومقدار حكمته وإدراكه أمام الخليفة
هارون الرشيد الذى كان يحب الشافعى ويثنى عليه كثيرا.ً.
-- وبعد ان وضعوا الأسئلة أخبروا الخليفة الذى حضر المناظرة واستمع إلى الأسئلة التى أجاب
عليها الإمام الشافعى (رضى الله عنه) بكل فطنة وفصاحة ..
والتى كانت على النحو التالى:
س1 :ما قولك فى رجل ذبح شاة فى منزله ثم خرج لحاجة وعاد فقال لأهله: كلوا أنتم الشاة
فقد حرمت علىٌ .. فقال أهله: ونحن حرمت علينا كذلك؟
ج1 إن هذا الرجل كان مشركا ًفذبح الشاة على أسم الأنصاب وخرج من منزله لبعض المهمات ، فهداه الله تعالى إلى الإسلام وأسلم فحرمت عليه الشاة ،وعندما علم أهله بإسلامه أسلموا
هم أيضا فحرمت عليهم الشاة كذلك..
س2 ما قولك فى رجل هرب له غلام فقال: هو حر ان أكلت طعاما حتى أجده .. فكيف المخرج له عما قال؟
ج2 يهب الغلام لبعض أولاده ثم يأكل ، ثم بعد ذلك يسترد ما وهب..

س3 شرب مسلمان عاقلان حران الخمر .. يحد لأحدهما ولا يحد للآخر؟
ج3 إن أحدهما كان بالغا ًوالآخر كان صبيا.ً.
س4 لقيت إمرأتان رجلان .. فقالتا: مرحبا بإبنينا وزوجينا وإبني زوجينا؟
ج4 إن الغلامين كانا إبنى المرأتين فتزوجت كل واحدة منهما بإبن صاحبتها ..
فكان الغلامان إبنيهما وزوجيهما وإبني زوجيهما..
س5 أخذ رجل قدح ماء ليشرب فشرب نصفه حلالاً ، وحرم عليه بقية ما فى القدح؟
ج5 إن الرجل شرب نصف القدح ورعف (تساقط الدم الفاسد من انفه) فى الماء الباقى من
القدح فاختلط الدم بالماء فصار محرما ًعليه..
س6 رجل صلٌى ولما سلم عن يمينه طلقت زوجته ، ولما سلم عن يساره بطلت صلاته ، ولما
نظر إلى السماء وجب عليه دفع الف درهم؟
ج6 لما سلم الرجل عن يمينه رأى شخصا تزوج هو ( إى المُصلى) إمرأته فى غيبته فلما رآه
حضر طـُلقت زوجته منه..ولما نظر عن شماله رأى نجاسة فى ثوبه فبطلت صلاته.. ولما نظر الى
السماء رأى الهلال وقد ظهر فى السماء وكان عليه دين ألف درهم يستحق سداده فى أول
الشهر من ظهورالهلال..
س7 كان إمام يصلى مع أربعة نفر فى مسجد ، فدخل عليهم رجل وصلى عن يمين الإمام ،
فلما سلم الإمام عن يمينه ورأى ذلك الرجل وجب على الإمام القتل وعلى الأربعة المصلين
الجلد ووجب هدم المسجد إلى أساسه؟
ج7 إن الرجل القادم كانت له زوجة وسافر وتركها فى بيت أخيه ، فقتل ذلك الامام هذا الأخ
وإدعى أن المرأة كانت زوجة المقتول فتزوج منها وشهد على ذلك الأربعة المصلون زورا ً ، وأن
المسجد كان بيتا ًللمقتول فجعله الإمام مسجدا.ً.
س8 أعطى رجل لأمرأته كيسا ًمملوءا ًمختوما ًوطلب إليها أن تفرغ ما فيه بشرط ألا تفتحه أو
تكسر ختمه أو تحرقه .. وهى إن فعلت شىء من ذلك فهى طالق؟
ج8 إن الكيس كان مملوءاً بالسكر أو الملح وما على المرأة إلا أن تضعه فى الماء فيذوب ما فيه..
س9 رأى رجل وإمرأة غلامين فى الطريق فقبلاهما ولما سُئلا فى ذلك قال الرجل: أبى جدهما
وأخى عمهما وزوجتى إمرأة إبيهما..وقالت المرأة: أمى جدتهما وأختى خالتهما؟
ج9 إن الرجل كان أباً للغلامين والمرأة أمهما..
س10 كان رجلان فوق سطح منزل فسقط أحدهما فمات فحرمت على الآخر امرأته؟
ج10 إن الرجل الذى سقط فمات كان مزوجا ًابنته من عبده الذى كان معه فوق السطح ..
فلما مات الرجل أصبحت البنت تملك ذلك العبد الذى هو زوجها فحرمت عليه..
-- إلى هنا لم يستطيع الرشيد الذى كان حاضرا ًتلك المساجلة إخفاء إعجابه من ذكاء الشافعى
وسرعة خاطره وجودة فهمه وحُسن إدراكه ،
-- وقال: لله در بنى عبد مناف .. فقد بينت فأحسنت وفسرت فأبلغت وعبرت فأفصحت ..
فقال الشافعى: أطال الله عمر أمير المؤمنين إنى سائل هؤلاء العلماء فى مسألة ؛ فإن أجابوا فالحمد لله .. وإلا فأرجوا أمير المؤمنين أن يكف عنى شرهم
-- فقال الرشيد: لك ذلك وسلهم ما تريد يا شافعى ..
-- فقال الشافعى:مات رجل عن 600 درهم فلم تنل أخته من هذه التركة إلا درهماً واحداً ، فكيف النظر فى توزيع التركة؟
-- فنظر العلماء بعضهم إلى بعض طويلاً ولم يستطع أحدهم الاجابة على السؤال وأخذ العرق
يتصبب من جباههم ، ولما طال بهم السكوت قال الخليفة: قل لهم الجواب يا شافعى ..
-- فقال الشافعى : بعد أن تورط هؤلاء العلماء حين أرادوا أن يفقدوه مكانته عند الخليفة لعلمه وتقواه:
مات هذا الرجل عن ابنتين وأم وزوجة واثنى عشر أخاً وأخت واحدة ..
فأخذت البنتان الثلثين وهو: 400 درهم..
وأخذت الأم السدس وهو: 100 درهم..
وأخذت الزوجة الثمن وهو: 75 درهم..
وأخذ الاثنا عشر أخا 24 درهم..
فبقى درهم واحد أخذته الأخت...
-- فتبسم الرشيد وقال: أكثر الله فى أهلى منك وأمر له بألفى دينار فتسلمها الشافعى ووزعها على خدم القصر وحاشيته
- وفاته رحمه الله :-
-- قال الربيع بن سليمان: -- توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة- بعد ما حل المغرب آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
-- قال إبن خلكان صاحب وفيات الأعيان:وقد أجمع العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة و النحو وغير ذلك على ثقته وأمانته وعدله وزهده وورعه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه.
ومن أروع مارثي به من الشعر قصيدة طويلة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها:
                   ألم تر آثار ابن إدريس بعده       دلائلها في المشكلات لوامع .

                  الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
-- سبع و سبعون عاماً هجرياً هي حياة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- عاشها في عصر من أزهى عصور الإسلام سلطاناً، وحضارة وثقافة، عاصر فيها ثمانية من الخلفاء العباسيين:
"المهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل " وشاهد الإمامُ عظمة الخلافة العباسية، فقد ثبّتت قواعدها، وامتد سلطانها في أيام المهدي، وتألقت حضارتها، وعظمت هيبتها في زمن الرشيد والمأمون، وتوالت انتصاراتها في خلافة المعتصم، وظلت في قوة وازدهار في عصري الواثق والمتوكل.
--وكان النفوذ السياسي في هذا العهد للعنصر الفارسي في الغالب لأنه الذي ساعد على قيام الدولة العباسية، ونشر دعوتها، وثلّ عرش الأمويين. وإنْ كان للخليفة العباسي الرأي الأخير والكلمة النافذة. وربما أوجس في نفسه خيفة من معاونيه الفرس، فبطش بهم، كما فعل المنصور بأبي مسلم الخراساني، وكما فعل الرشيد بالبرامكة، والمأمون بالفضل بن سهل.
-- وإذا كانت الدولة الأموية لم يتمكن فيها الأعاجمُ، فإن دولة بني العباس أصبحت أعجمية خراسانية كما يقول الجاحظ، فالفرس أكثرُ من تولى الأعمال للمنصور، واتخذ الخلفاء ذلك سنة. وفي عصر الرشيد زاد نفوذ الفرس في الدولة لمكانة البرامكة، وأصبح منصب الوزارة فيهم، وظل نفوذهم في ازدياد بتوالي السنين.
-- واتخذ الفضلُ بن يحيى البرمكي الوزير جنداً من العجم سماهم: العباسية، بلغ عددهم نحو خمس مئة ألف رجل، وجعل ولائهم للعباسيين.
-- وأقام الرشيد وغيره من الخلفاء علاقات بينه وبين ملوك غربي أوروبا، ومن بينهم شارلمان، ودفع ملوك الدولة الرومانية الشرقية الضرائب للخلفاء.
-- وفي عهد المعتصم كوّن الخليفة فرقة عسكرية كبيرة في جيش الخلافة من الأتراك بلغ عددها نحو سبعين ألفاً. ولما ضاقت بهم بغداد، وكثرت الخصومات بينهم وبين الفرس، وبينهم وبين العامة، أتى المعتصم (سامراء فاتخذها معسكراً لجيشه وحاضرة ملكه منذ عام 221 هـ، وأصبحت مدينة عظيمة في مدة قليلة، وظلت عاصمة الخلافة حتى عام 289 هـ.
-- وكانت أم المعتصم (ماردة) تركية من السغد، ولاطمئنانه إلى الأتراك صاروا موضع ثقته وإيثاره،  وقد أثر ذلك على العناصر الأخرى، وأخذ النفوذ في الخلافة ينتقل منذ عهد المعتصم رويداً رويداً إلى الأتراك، وقد أساء بعضُهم التصرف، وأضر بالناس، وانتهك هيبة الخلافة، فكرههم الناسُ.
-- وكان الفتح بن خاقان –المقتول عام 247 هـ- وزير المتوكل تركياً، وقد عهد إلى الجاحظ أن يكتب رسالة عن مناقب الأتراك وعامة جند الخلافة ليخفف بها من كراهية الناس لهم، ولكن ذلك لم يُجْدِ.
-- وقد حفل عصرُ الإمام أحمد بكثرة ثورات العلويين، وخروجهم على الخلافة لاضطهاد العباسيين لهم، وبخاصة في عهدي الرشيد والمتوكل.
-- ولم تخلُ البلادُ في عصر الإمام من الفتن والحروب والثورات، كثورة الراوندية –أتباع ابن الراوندي الرافضي- والزنادقة في فارس والعراق، والخرّمية أتباع بابك الخرمي الذي ملك الجبل أكثر من عشرين عاماً (201-223 هـ) حتى قضى المعتصم على ثورته.
-- وكانت غزوات الصيف والشتاء مستمرة، وأكثر ما كانت موجهة إلى الإمبرطورية الرومانية الشرقية في سهول آسيا الصغرى –وخاصة في زمن الرشيد والمعتصم-.
-- وقامت إمارات مستقلة في نواحي دولة الخلافة، كالدولة الطاهرية في خراسان –وهي فارسية- والدولة الدلفية بكردستان –وهي عربية- وسواهما.
-- وقد كان للفقهاء والمجتهدين سلطانهم في الخلافة، ومكانتهم في الدولة، وكان الإمام أحمد –الذي كان جده من المجاهدين في سبيل قيام الدولة، وكان أبوه قائداً صغيراً من قوادها – يدعو للدولة بالاستقامة ، وللناس بالرشد، ومع غضبه من أمور الخلافة فلم يحرض الناس على الخلفاء، والخروج عليهم، لمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، وما ينتج عنه من المفاسد العظيمة.
-- وقد نأى عن الخلافة واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات، وابتعد عن السياسة إلى العلم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة ولم يحرض عليهم. وعاش راغباً عن العطاء، منصرفاً للعلم انصرافاً تاماً. ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة من مثل القول بخلق القرآن، ووقف كالطود الشامخ في تلك المحنة التي ابتلي فيها المسلمون، ولم يثبت فيها إلا القلة. فرحمه الله وجميع الصابرين.
-- وتميزت الحياة الاجتماعية في هذا العصر بتعدد العناصر التي يتألف منها المجتمع: من عرب وفرس وترك وروم وهنود وزنوج.. وغير ذلك من الأجناس التي يربط بينها رابط الإسلام وتجتمع تحت كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
-- وكان النفوذ في الخلافة ينتقل بين أيدي القواد والوزراء من الفرس والترك، وكان الثراء والترف يشمل طبقة كبيرة من المجتمع –كبار رجال الدولة، وبعض رجال التجارة والصناعة- وقد بدت مظاهر ذلك الثراء والترف في عمران المدن وبناء القصور وما أنفق فيها.
--  فروايات التاريخ وإن كانت فيها مبالغة تروي أن المعتصم أنفق على بناء (سامراء) أموالاً طائلة، وكذلك فعل المتوكل في بناء قصره الجعفري، وتنقل أيضاً: أن محمد بن سليمان الهاشمي أهدى إلى الخيزران –زوجة المهدي- مئة وصيفة، في يد كل واحدة جام من ذهب، وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً.
-- وكان في المجتمع كثير من الفقراء ومتوسطي الحال من عامة الناس، وقد صوّر أبو العتاهية حياة هؤلاء في قصيدة تحدث فيها عن الغلاء، فقال للرشيد:  
        مَن  مبلغ  عني الإمـا مَ  نصائحاً  متواليَه   *  إني أرى الأسعارَ أسـعارَ الرعية عاليَه
                         مَن   للبطونِ   الجائعــا تِ وللجسومِ العاريه
  -- ولتعدد عناصر المجتمع، وتنوع الحياة الاجتماعية واختلاف الوجهات والآراء كانت البلاد معرضة للنِّحَل، ومجالاً للمذاهب السرية، وأصحاب الدعوات المختلفة. فكان فيها أهل السنة والحديث، وكان فيها التشيع برجالاته، والاعتزال بطوائفه، وكانت فيها الفلسفة بمختلف مذاهبها، والعلوم الحديثة بشتى أنواعها. وكان لأهل السنة والجماعة دور كبير في مكافحة الشك في الدين  والفساد في المجتمع  والدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة.
 -- وكان بين جميع هذه الطوائف جدل شديد ومناقشات وخصومات. وهكذا عاش الناس في امتزاج وتوليد بين مختلف العناصر والأجناس، وفي صراع شديد بين الآراء والمذاهب: بين دعوة الإسلام الخالصة، ودعوات الشعوبية الجامحة، وبين حياة الإيمان وحياة الزندقة، وبين عيشة الجد وعيشة اللهو، مما أثر في الحياة الاجتماعية في هذا العصر.
--ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله بعيداً عن ذلك كله، بل كان له أثره في حياته كأي عالم يهتم بمشكلات أمته ويسعى لصلاحها.  وصاحب ذلك ازدهارُ بغداد وحضارتها، وازدهار العواصم الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
-- وازدهرت الحياة العقلية والعلوم الإسلامية في عصر الإمام أحمد رحمه الله، وأخذ الخلفاء يشجعون الحركة العلمية في شتى نواحيها، ويضفون عليها ظلال رعايتهم، وكانوا يبالغون في إكرام العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء ويجالسونهم ويقربونهم إليهم.
-- وصار العلم والأدب مما يؤهل للمناصب العالية، وتنافس العظماء في تكريم العلماء والأدباء، وكما تنافسوا في إنشاء دور العلم، وترجمة الكتب إلى العربية من مختلف اللغات.
-- وكانت الثقافة الإسلامية بمختلف فروعها هي الثقافة الذائعة، وهي أساس التكوين العقلي للمتعلمين في هذا العصر- وقوامها علوم الدين واللغة والأدب، وما يتصل بكل ذلك من علوم ومعارف- على أنه قد كانت هناك ألوان من الثقافات الأخرى، ولكنها لم يكن لها سلطان كما كان للثقافة الإسلامية، لارتباط الثقافة الإسلام بحياة المسلمين، ومن تلك الثقافات: الثقافة الفارسية، والثقافة اليونانية، والثقافة الفلسفية التي لقيت تشجيعاً من الرشيد والمأمون بصفة خاصة، والثقافة الهندية، وغير ذلك تبعاً لامتداد الحكم الإسلامي وشموله لأمم وعناصر مختلفة.
-- فقد أنشأ الرشيد في بغداد (بيت الحكمة) وملأه بكتب الأمم القديمة التي دخل الكثير منها في الإسلام، وشجع ترجمة الكثير منها، فترجمت له الكتب من اليونانية والرومانية والسريانية والفهلوية والهندية، وقد تعددت الثقافات في العراق في عصر الإمام أحمد وحدث بين دعاتها جدل شديد وخلاف كثير.
 -- وكانت المعتزلة تحمِل ثقافة اليونان وفلسفتهم ومنطقهم إلى العقل العربي فتثير بذلك صخباً شديدأ. وكان هذا العصر –على أية حال- أزهى عصور العلم في البلاد الإسلامية، ونبغ أعلام في مختلف فروع الثقافة والعلم، وأدرك الناس قيمة العلم في بناء الأمم ونهضتها، فانكبوا على دراسة العلوم الإسلامية وغيرها. وعهد أهل اليسار إلى المؤدبين بتعليم أبنائهم، وبذلك صار التعليم صناعة، وأصبح التأديب طريقاً إلى المجد. وقد تعددت مراكز العلم في هذا العصر وكثرت. وكان للعلوم المترجمة أثرها، -وبخاصة فلسفة اليونان- في تفكير بعض المسلمين، وكان لها مكانة عندهم. وتعددت مناهج التفكير والبحث، وصار الخلاف بين هذه المناهج على أشده في العراق. وبلغ نفوذ الاعتزال منزلة كبيرة في عصر المأمون والمعتصم والواثق.
-- وقد حمل ابن قتيبة (213-276 هـ) في مقدمة كتابه »أدب الكاتب« على الحالة في عصره، حيث أهمل الناسُ علومَ الدين، وعنوا بعلوم الفلسفة والمنطق. وحمل البحتري على الشعراء الذي يعنون بالمنطق اليوناني في شعرهم ويكلفون به، فقال:
كلفتمونا   حدودَ   منطقكم     في الشعرِ يكفي عنْ صدقه كذبُهْ
ولم يكن ذو القروح يلهج بالـ     ـمنطق   ما  نوعه  وما  سببُهْ
-- وقد نبع في عصر الإمام أحمد رحمه الله كثير من العلماء مثل: مالك (179 هـ)، والليث بن سعد (92-175 هـ)، والشافعي (204 هـ)، والكرابيسي (245 هـ)، والزعفراني (260 هـ)، والبويطي المصري (231 هـ)، وعبد الله بن أحمد بن حنبل (213-290 هـ)، ويوسف بن يعقوب القاضي (208-297 هـ)، وإسماعيل بن إسحاق قاضي بغداد.
-- و أبي الحسن المديني (135-234 هـ)، والواقدي (130-207 هـ)، ومحمد بن سعد الزهري كاتب الواقدي (230 هـ).
-- و ابن السمّاك (183 هـ)، وصالح المري الزاهد واعظ البصرة (172 هـ)، وذي النون المصري (245 هـ)، وسفيان بن عيينة (298 هـ)، وسواهم.
-- كما نبغ من علماء اللغة والأدب ومن الشعراء أعلام كثيرون. وعاش في هذا العصر: الخليل من أحمد (100-175 هـ)، وسيبويه (179 هـ)، والأصمعي (122-216 هـ)، والجاحظ (163-255 هـ)، وابن قتيبة (213-276 هـ)، والمبرد (210-285 هـ).
-- وظهر من المعتزلة والفلاسفة: النظّام (180-223 هـ)، وأحمد بن أبي دؤاد (160-240 هـ)، وأبو الهذيل العلاف البصري أستاذ المأمون (135-235 هـ)، والفضل بن الربيع (208 هـ)، والكندي الفيلسوف (253 هـ)، وغيرهم.
-- ومن الوزراء المشهورين: الفضل البرمكي (147-192 هـ)، والفضل بن سهل (202 هـ)، والفضل بن الربيع (2008 هـ)، وإبراهيم بن المهدي (224 هـ)، والحسن بن سهل (166-236 هـ)، وسواهم من أعلام العصر.
-- وكان عصر الإمام أحمد –رحمه الله- عصر المحدثين والفقهاء. وقد فشل المعتزلة في السيطرة على الفكر الإسلامي، كما فشلوا في فرض منطق أرسطو وفلسفة اليونان على المسلمين.
-- وكما وضع الإمام الشافعي أصول استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة، ووضع الإمام أحمد أصول علم الحديث بمسنده الكبير الذي صار  إماماً وجامعاً، وكان مقدمة لتمييز علوم الحديث عن الفقه. فقد طلب رحمه الله الأحاديث والآثار من ينابيعها، وطلب الفقه من رجاله، ونبغ في الجانبين.
-- وعصر الإمام أحمد هو عصر التقاء الثمرات الفقهية والعلوم الإسلامية، وهو عصر المناظرات بما فيها من جدل ونقاش، ويمثل ابن قتيبة معركة التقاء الثقافات في كتابه »اختلاف اللفظ« فيقول:
»كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع، والمستعمل من الواضح، وفيما ينوب الناس، فينفع اللهُ به القائل والسامع، وقد صار أكثر التناظر –أي في عهد ابن قتيبة- فيما دق وخفي، وفيما لا يقع، وصار الغرض منه إخراجَ لطيفة، وغوصاً عن غريبة، ورداً على متقدم، فهذا يرد على أبي حنيفه، وهذا يرد على مالك، والآخر على الشافعي، بزخرف من القول .
--  كأنه لا يعلم أنه إذا ردّ على الأول صواباً عند الله بتمويهه فقد تقلد المأثم عن العاملين به دهر الداهرين. وهذا يطعن بالرأي على ماضٍ من السلف وهو يرى، وبالابتداع في دين على آخر وهو يبتدع. وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر والشكر وفي تفضيل أحدهما عن الآخر، وفي الوساوس والخطرات، ومجاهدة النفس وقمع الهوى، وقد صار المتناظرون –أي اليوم- يتناظرون في الاستطاعة والتوليد والطفرة والجزء والعرض والجوهر، فهم دائبون يتخبطون في العشوات، فقد تشعبت بهم الطرق، وقادهم الهوى بزمام الردى.
-- وكان آخر ما وقع من الاختلاف من الذين لم يزالوا بالسنة ظاهرين، وبالاتباع قاهرين، يداجون بكل بلد ولا يداجون، يستتر منهم بالنحل ولا يستترون، ويصدعون بالحق ولا يستغشون، لا يرتفع بالعلم إلا من رفعوا، ولا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا«.
وهو يصور بهذا سلطان أهل السنة بعد خذلان المعتزلة والمعتزلين.     هذه معالم الحياة العقلية في عصر الإمام أحمد بما فيها من مؤثرات وتأثيرات.
-- وبما تقدم أخذنا لمحة عن عصر الإمام أحمد –في جانبه السياسي والاجتماعي والعقلي- وما اشتمل عليه من تطورات ونهضات، وكان –رحمه الله- في قمة هذا الطود الشامخ زاهداً، وعالماً، ومقتفياً أثر من سبقه من أهل السنة، لا يزيغ في الدين إلى الآراء والأفكار الوافدة، والفلسفات الطارئة، ولا يتبع مناهج الجدليين ولا منطق المعتزليين.
-- ورغم كثرة الفرق والطوائف في عصره، وكثرة الاختلافات والتقلبات، فقد ثبت إماماً وحده، وكان نسيج دهره وعصره.
محنة الإمام أحمد بن حنبل:
بداية المحنة في عهد المأمون:
-- استطاع الإمام أحمد بن حنبل، بإيمانه الصادق وصلابته في الحق، أن يهزم المعتزلة الذين ادعوا فيما ادعوا خلق القرآن، واتخذوا الخليفة المأمون أبا جعفر عبد الله بن هارون الرشيد أداة لنشر بدعتهم وترويج ضلالهم ؛ فقد زينوا له طريق الباطل، وحسنوا له قبيح القول بخلق القرآن، فصار إلى مقالتهم، وكانت ولاية المأمون في المحرم، وقيل في رجب سنة 198 للهجرة.

-- وقدر أنه في آخر عمره خرج من بغداد لغزو بلاد الروم فعَنّ له أن يكتب إلى إسحاق بن مصعب صاحب الشرطة أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، فاستدعى جماعة من العلماء والقضاة وأئمة الحديث، ودعاهم إلى ذلك، ولكنهم امتنعوا، فاشتد غضبه
الإمام أحمد مكبلا في الأغلال:
-- ولما استعصى على المأمون وأذنابه التأثير على الإمام أحمد بن حنبل في ميدان الحجة والإقناع، أمر بإشخاصه مكبلا في الأغلال، هو ورفيقه في المحنة محمد بن نوح - رضي الله عنهما - وتوفي محمد بن نوح وهو في طريقه إلى المأمون، وصلى عليه الإمام أحمد بن حنبل الذي بقي وحده، والخليفة يتوعده بالتعذيب والقتل إن لم يجبه إلى القول بخلق القرآن.
--  فتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أن لا يجمع بينه وبينه؛ فبينما هو في الطريق قبل وصوله إليه إذ جاءهم الصريخ بموت المأمون، وكان موته في شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، فرد الإمام أحمد إلى بغداد وحبس هناك.
الترغيب والترهيب والتعذيب في عهد المعتصم:
-- ثم ولي الخلافة المعتصم، وهو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد، الذي قدم من بلاد الروم، فدخل بغداد في مستهل شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين، فامتحن الإمام أحمد وضرب بين يديه ويقف الإمام أحمد بين يدي الخليفة المعتصم ثابت الجنان قوي الإيمان، وقد ازدحم الناس ليشاهدوا مشهدا رهيبا؛ فهذا الخليفة وحوله جنوده، وهذا أحمد في قيوده، الأول سلاحه البطش والجبروت، والثاني سلاحه القرآن والسنة يستعذب العذاب في سبيل الله، ويسأله وحده العفو والمغفرة، ويرجوه رضاه ورضوانه يجلس الخليفة على كرسيه، ويقف الإمام أحمد بين يديه والسيوف قد جردت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نصبت، والسياط قد طرحت، يريدون إرهابه وهو قد باع نفسه ربه، وبكل ما يصنعون وأكثر لا يأبه.
-- يرد على الخليفة بالبرهان الساطع والدليل القاطع، ويعجز الخليفة في ترغيبه أو ترهيبه ليقول بكلام المعتزلة (القرآن مخلوق)، ويحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فيناظرونه بحضرته ثلاثة أيام، وهو يناظرهم ويقهرهم، فيقول ابن أبي دؤاد وبشر المريسي للخليفة: اقتله حتى نستريح منه.
ولكن المعتصم يقيم مباراة بين الجلادين لقتله بالسياط الموجعة، ويحدثونه في الرجوع عن إصراره، ولكنه يقول لهم في صلابة: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله أقول به.
ويستمر الضرب وتزداد شدته، حتى يقع الإمام أحمد - رحمه الله - على الأرض في غيبوبة، لا يدري ما يفعلون به.
-- وعندما عادت لأحمد ذاكرته، تقدم إليه ابن أبي دؤاد، وقال له: يا أحمد قل في أذني القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة؛ فقال له الإمام أحمد: يا بن أبي دؤاد قل في أذني القرآن كلام الله وليس بمخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل.
 --فقال المعتصم: أدخلوه إلى الحبس، فحمل إلى الحبس وانصرف الناس وهكذا واجه الإمام أحمد بن حنبل المحنة في صبر جميل وشجاعة نادرة، يقول أحد جلاديه: "ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدمته.
والراجح أن المحنة كانت في سنة تسع عشرة ومائتين؛ من واقع ما جاء في هذا الكتاب الذي يرويه ابن عمه، وفي كتاب النجوم الزاهرة .
وذهب العليمي إلى احتمال أن تكون المحنة في سنة تسع عشرة، بخلاف مما ذكره ابن خلكان من أن ضربه في العشر الأخير من رمضان سنة عشرين ومائتين.
وكانت مدة حبس الإمام ثلاثين شهرا، منذ بداية المحنة في عهد المأمون إلى أن خرج من السجن في شهر رمضان سنة عشرين ومائتين.
وقد رأى الإمام أحمد - رحمه الله - أن الأخذ بالتقية في دار الإسلام لا يصح؛ لأن المنكر في دار الإسلام يجب استنكاره وإلا تحولت صفتها ولم يعد لها اسم، وأن الاستنكار له مراتب، والتقية تكون حيث لا يكون للإسلام قوة وسلطانا كبلاد يضطهد الإسلام فيها، ولا سبيل للمسلم في الخروج منها فيستخفي بدينه، وتلك رخصة رخصت له تيسيرا وتسهيلا، وكل نفس وما تطيق.
ولأن التقية لا تجوز من الأئمة الذين يقتدى بهم ويهتدى بهديهم، حتى لا يضل الناس؛ لأنهم إن نطقوا بغير ما يعتقدون وليس للناس علم ما في الصدر، اتبعوهم في مظهرهم، وظنوا أنه الحق الذي ارتضوه دينا، وبذلك يكون الفساد عاما ولا يخص، وحق على الإمام أن يكون الممتحن المبتلى، فتنشر الفكرة السليمة ويكون الابتلاء سبيل نشرها وذيوعها وينتصر الدين بصاحب العقيدة القوية، ويتحمله في سبيل نصرة دين الله على كل بلية، وترفع راية الإسلام عالية ويندحر أصحاب البدعة والضلالة.
ويصفح الإمام أحمد رضوان الله عليه عن المعتصم، راجيا غفران ربه، وحسن ثوابه، مستجيبا لأوامره؛ {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، ولقوله عز وجل: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
تحديد إقامة الإمام أحمد في عهد الواثق:
وتولى الواثق الحكم بعد المعتصم في ربيع الأول سبع وعشرين ومائتين ولم يتعرض للإمام، وقد رأى أن التعذيب لا يفيد فيمن كانت إرادته كالحديد، وعرف فيه أنه عن الحق لا ولن يحيد، ورأى أتباعه في مزيد، ولكنه كتب إلى محمد بن أبي الليث بامتحان الناس أجمعين، فلم يبق أحد فقيه ومحدث ولا مؤذن ولا معلم حتى أخذ بالمحنة، فهرب كثير من الناس وملئت السجون بمن أنكر المحنة، وأمر ابن أبي الليث أن يكتب على المساجد "لا إله إلا الله رب القرآن المخلوق"، فكتب ذلك على المساجد بفسطاط مصر، ومنع الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي من الجلوس في المساجد

وبعث إلى الإمام أحمد يحدد إقامته: "لا تساكني بأرض"، وقيل: أمره أن يخرج من بيته، ويظل الإمام أحمد متخفيا حتى مات الواثق، ووقاه الله شره، وأراه سبحانه ثمرة جهاده وصبره، فكرمه وأعلى ذكره، وخسف بأعدائه، وأذلهم وكان في ذلك عبرة.
انتصار أهل السنة واندحار أهل البدعة:
ففي عهد المتوكل بعد الواثق - وهو أبو الفضل جعفر بن المعتصم، وكانت ولايته في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين - خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن، ونهى عن الجدال والمناظرة في الآراء وعاقب عليهما، وأمر بإظهار الرواية للحديث فأظهر الله به السنة، وأمات به البدعة، وكشف عن الخلق تلك الغمة، وأنار به تلك الظلمة، وأطلق من كان قد اعتقل بسبب القول بخلق القرآن، ورفع المحنة عن الناس فاستبشر الناس بولايته.
 وأمر بالقبض على محمد بن عبد الملك الزيات الوزير، ووضعه في تنور إلى أن مات، وذلك في سنة ثلاث ومائتين، وابتلى الله أحمد بن أبي دؤاد بالفالج بعد موت الوزير بسبعة وأربعين يوما، فولي القضاء مكانه ولده أبو الوليد محمد، فلم تكن طريقته مرضية، وكثر ذاموه، وقل شاكروه، ثم سخط المتوكل على أحمد بن دؤاد ووله محمد في سنة تسع وثلاثين ومائتين، وأخذ جميع ضياع الأب وأمواله من الولد؛ مائة وعشرين ألف دينار وجوهرا بأربعين ألف دينار، وسيره من بغداد من (سر من رأى) : آى ( سامراء)
 وولى القضاء يحيى بن أكثم قاضي القضاة، فإنه كان من أئمة الدين وعلماء السنة، ثم مات أحمد بن أبي دؤاد بمرض الفالج في المحرم سنة أربعين ومائتين، ومات ولده محمد قبله بعشرين يوما، وكان بشر المريسي قد أهلكه الله ومات في ذي الحجة سنة ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة ومائتين.

وعن عمران بن موسى قال: دخلت على أبي العروق الجلاد الذي ضرب أحمد لأنظر إليه؛ فمكث خمسة وأربعين يوما ينبح كما ينبح الكلب

وقد أقبلت الدنيا على الإمام أحمد وهو زاهد فيها، لا يريد منصبا ولا جاها، ولا يريد طعاما فاخرا، أو خلعة سنية، أو مسكنا شاهقا في الدنيا الدنية، وهو يريد أخرى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا يريد بعد صبره الطويل في محتنه أن يبيع الآجلة بالعاجلة؛ إنه يرفض عطايا السلطان حتى لا يوجده عليه، ولكنه يتصدق بها، ويأتيه طعام الخليفة المتوكل الخاص فلا يأكل منه لقمة، رغم فقره المدقع، ولكن الغني غنى النفس؛ فيا لها من نفس أبية غنية!.
وعظمت مكانة الإمام أحمد لدى الخليفة المتوكل؛ فكان لا يولي أحدا إلا بمشورته، "ومكث الإمام إلى حين وفاته قل أن يأتي يوم إلا ورسالة الخليفة تنفذ إليه في أمور يشاوره فيها ويستشيره، رحمهما الله ورضي عنهما"

وهكذا خرج من الاختبار رجلا صالحا، وقد تنوعت طرائق الاختبار، اختبره المأمون بالقيد، فساقه إليه مقيدا مغلولا يثقله الحديد مع بعد الشقة وعظم المشقة، واختبره المعتصم بالحبس والضرب، واختبره الواثق بالمنع والتضييق، فما نهنهوا من نفسه وما يعتقد، وبعد تلك البلايا ابتلي بالبلاء الأكبر.
 فساق إليه المتوكل بالنعم، فردها وهو عيوف النفس، وكان يشد على بطنه من الجوع، ولا يتناول مما يشك في حله أو يتورع منه، ثم ابتلي أحمد بعد كل هذا بأعظم بلاء ينزل بالنفس البشرية، وهو إعجاب الناس؛ فقد ابتلي بعد أن انتصر على كل الرزايا بإعجاب الناس، فما أورثه ذلك عجبا ولا ولاه بغرور، بل كان المؤمن المحتسب المتواضع لعزة الله وجلاله الذي لم يأخذه الثناء، وبذلك نجح في أعظم البلاء

توفي الإمام أحمد بن حنبل - رحمة الله عليه - ضحوة نهار الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول وقيل: بل لثلاث عشرة ليلة بقيت من الشهر المذكور، وقيل: من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة  / 31 تموز 855 للميلاد فكانت سنه سبعا وسبعين سنة عند وفاته، ودفن في مقابر الشهداء في حي الحربية ببغداد. وقيل: أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس. قال الوركاني: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس.رحمه الله رحمه واسعة.
    








                                          
                           سلطان العلماء // العز بن عبد السلام
لم يخل عصر من عصور الإسلام من العلماء الدعاة الذين يأخذون بيد الأمة في ظلام الليل البهيم، وعند اشتداد الخطب واضطراب الأمور، يقومون بواجبهم المقدس في أداء الأمانة ونشر العلم، وتقويم الاعوجاج، ومواجهة الظلم، وتصويب الخطأ، وقام العلماء الأفذاذ بهذه السنة الحميدة؛ استشعارًا للمسئولية، وتقديرًا للأمانة، وإدراكًا لعظم دورهم باعتبارهم طليعة الأمة، ولسان حالها، وروادها.. والرائد لا يكذب أهله.
والعز بن عبد السلام، واحد من هؤلاء الرواد الصادقين، لم تشغلهم مؤلفاتهم ووظائفهم عن الجهر بكلمة الحق، وتبصير الناس، ومحاربة البدع، ونصح الحكام، وخوض ميادين الجهاد، حتى طغى هذا النشاط على جهدهم العلمي وهم المبرزون في علومه، واقترنت أسماؤهم بمواقفهم لا بمؤلفاتهم، وحمل التاريخ سيرتهم العطرة تسوق إلى الناس جلال الحق وعظمة الموقف، وابتغاء رضى الله، دون نظر إلى سخط حاكم أو تملق محكوم، فهو ينطق بما يعتقد أنه الصواب والحق، غير ملتفت إلى غضب هذا أو رضى ذاك.
المولد والنشأة :-
في دمشق كان مولد عبد العزيز بن عبد السلام المعروف بالعز سنة (577 هـ = 1181م)، وبها نشأ وتلقى تعليمه، وكانت دمشق منذ العصر الأموي حاضرة من حواضر العلم تزخر بالعلماء وتموج فيها الحركة العلمية، ويقصدها العلماء من الشرق والغرب.
ولم يطلب العز العلم صغيرًا مثل أقرانه، وإنما ابتدأ العلم في سن متأخرة، وانتظم في التزام حلقات الدرس وأكب على العلم بشغف ونهم وهمة عالية، فحصل في سنوات قليلة ما يعجز أقرانه عن تحصيله في سنوات طويلة، ورزقه الله الفهم العميق والذكاء الخارق فأعانه ذلك على إتقان الفقه والأصول، ودراسة التفسير وعلوم القرآن وتلقي الحديث وعلومه، وتحصيل اللغة والأدب والنحو والبلاغة.
وأشهر شيوخ العز ما ذكرهم السبكي في طبقات الشافعية بقوله: تفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيره، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن عساكر.
الوظائف :-
اتجه العز إلى التدريس وإلقاء الدروس في مساجد دمشق وفي بيته، وفي المدارس التي كانت تتعهدها الدولة، مثل: المدرسة الشبلية، والمدرسة الغزالية بدمشق، وكان في الشيخ حب للدعابة وميل إلى إيراد الملح والنوادر يلطف بها درسه وينشّط تلاميذه الذين أعجبوا بطريقته، وبعلمه السيال وأفكاره المتدفقة وأسلوبه البارع، وسرعان ما طار صيت العز، وطبقت شهرته الآفاق، وقصده الطلبة من كل مكان، ولما هاجر إلى مصر عمل بالمدرسة الصالحية، وانصرف إلى إلقاء الدروس في المساجد، والتف الناس حوله يجدون فيه عالمًا شجاعًا ومدرسًا بارعًا.
الخطابة في الجامع الأموي :-
ولم يكن التدريس فقط ميدانه المحبب، وساحته التي يرمي بأفكاره فيها، ويلتقي بالصفوة من تلاميذه، يمدهم بقبس علمه، وصفاء روحه، وإخلاص نفسه، ويقدم الصورة والمثال لما ينبغي أن يكون عليه العالم القدوة من الالتزام والانضباط -وإنما أضاف إلى ذلك مجالاً أرحب بتوليه الخطابة في الجامع الأموي بدمشق سنة (637 هـ = 1239م)
 وكان خطيبًا بارعًا، يملك أفئدة السامعين بصوته المؤثر، وكلامه المتدفق، وإخلاصه العميق، ولم يكن يؤثر استخدام السجع المفرط كما كان يفعل أقرانه، ولا يدق مثلهم بالسيف الخشبي على أعواد المنابر، ولا يرتدي السواد، وإنما كان فيه سلاسة ويسر، يبتعد عن التكلف في الكلام، ويصيب بحديثه الطيب شغاف القلوب، فيعمل فيها ما لا تعمله عشرات الدروس والمواعظ الخالية من الروح، الفقيرة من العاطفة.
وشاء الله أن يخسر المسلمون في دمشق خطب الشيخ الجامعة، فلم يستمر في الخطابة سوى سنة تقريبًا، وفقد المنصب بسبب شجاعته وقرعه بالنكير على صنيع الصالح إسماعيل حاكم دمشق، بعد أن وضع يده في يد الصليبيين، وتحالف معهم ضد ابن أخيه الصالح أيوب حاكم مصر، وكان ثمن هذا الحلف أن سلّم لهم صيدا وشقيف وصفد، ولم يكتف الصالح إسماعيل بتصرفه الشائن وإنما سمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح لقتال المسلمين في مصر.
ولم يكن الشيخ ليسكت عن خطأ أو يسمح بتجاوز في حق الأمة، أو تفريط في ثوابتها؛ فأفتى بحرمة بيع السلاح للفرنج بعد أن ثبت أنه يُستخدم في محاربة المسلمين، ثم أعقب ذلك بخطبة مدوية في الجامع الأموي قبح فيها الخيانة وغياب النجدة والمروءة، وذم ما فعله السلطان وقطع الدعاء له بالخطبة. وما كان من الصالح إسماعيل إلا أن أقدم على عزل الشيخ الجليل عن الخطابة والإفتاء، وأمر باعتقاله، ثم فك حبسه بعد مدة خوفًا من غضبة الناس وألزمه بيته، ومنعه من الإفتاء.
-- صفاته الخُلُقية :
إن صفات العز الخُلُقية كثيرة، وهي في مجملها تدل على تمتعه بأكمل الصفات، وأجمل الخصال، وأنبل المزايا، فمن صفاته:
--  الورع :
 لما مرض مرض الموت أرسل له الملك الظاهر بيبرس وقال له: عين مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال: ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين بن بنت الأعز أحد تلاميذه، ففوضت إليه. ومنها عزله لنفسه من القضاء أكثر من مرة خوفاً من حمله الثقيل، وتبعاته العظيمة(
--   الزهد :
كان العز من الزهاد حقاً وصدقاً، بل كان شديد الزهد، فلم يجمع من الدنيا إلا القليل، وإذا عرضت عليه أعرض عنها، وقصصه في ذلك كثيرة، منها:
بعد أن انتهت محنته مع الملك الأشرف، أراد الملك أن يسترضيه، فقال: "والله لأجعلنه أغنى العلماء" ولكن العز لم يأبه لذلك، ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية، ولم يقبل درهماً من الملك، بل رفض الاجتماع به لأمور شخصية.
ولما مرض الملك الأشرف مرض الموت وطلب الاجتماع به ليدعو له، ويقدم له النصيحة اعتبر العز ذلك قربة لله تعالى، وقال: نعم، إن هذه العبادة لمن أفضل العبادات، لما فيها من النفع المتعدي إن شاء الله تعالى. وذهب ودعا للسلطان لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام، وأمره بإزالة المنكرات، وطلب منه الملك العفو والصفح عما جرى في المحنة، قائلاً: يا عز الدين، اجعلني في حل.. فقال الشيخ: أما محاللتك فإني كل ليلة أحالل الخلق، وأبيت وليس لي عند أحد مظلمة، وأرى أن يكون أجري على الله.
وفي نهاية الجلسة أطلق له السلطان ألف دينار مصرية، فردها عليه، وقال: هذه اجتماعة لله لا أكدرها بشيء من الدنيا. ولما استقال العز من القضاء عند فتواه ببيع الأمراء، ورفض السلطان لذلك، خرج من القاهرة، وكل أمتعته في الحياة، مع أسرته، حمل حمار واحد، ممايدل على قناعته بالقليل، وزهده في المال والمتاع.
ومن ذلك ما ذكرته من عرض الظاهر بيبرس عليه أن يجعل أي أبنائه شاء خلفاً له في مناصبه بعد وفاته وإبائه لذلك، عندها قال له الظاهر: من أين يعيش ولدك؟ قال: من عند الله تعالى. قال: نجعل له راتباً؟ قال: هذا إليكم.
والحقيقة أن ولد العز الشيخ عبد اللطيف كان عالماً فقيهاً، ويصلح للتدريس، ولكن ورع العز وزهده منعه من جعل منصب التدريس وراثة لأولاده. قال الداودي: "وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم"(
--   الكرم والسخاء والبذل :
وهي صفة تؤكد صفة الزهد فيه رحمه الله، فقد كان باسط اليد فيما يملك، يجود بماله على قلته طمعاً في الأجر والثواب. حكى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة رحمه الله، أن الشيخ لما كان بدمشق وقع مرة غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مَصاغا ًلها، وقالت: اشتر لنا به بستاناً نَصيف به، فأخذ المصاغ، وباعه، وتصدق بثمنه، فقالت: يا سيدي اشتريت لنا؟ قال: نعم، بستاناً في الجنة، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه، فقالت له: جزاك الله خيراً 
ولما جاء أستاذ الدار الغِرز خليل برسالة الملك الأشرف بدمشق للشيخ العز بعزله عن الإفتاء، قال له: يا غرز من سعادتي لزومي لبيتي، وتفرغي لعبادة ربي، والسعيد من لزم بيته، وبكى على خطيئته، واشتغل بطاعة الله تعالى، وهذا تسليك من الحق، وهدية من الله تعالى إلي، أجراها على يد السلطان وهو غضبان، وأنا بها فرحان .
 والله يا غرز لو كانت عندي خلعة تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة لخلعت عليك، ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صل عليها، فقبِلها وقبّلها، وودعه وانصرف إلى السلطان، وذكر له ما جرى بينه وبينه. فقال لمن حضره: قولوا لي ما أفعل به، هذا رجل يرى العقوبة نعمة، اتركوه، بيننا وبينه الله" قال ابن السبكي: "وحكي أنه كان مع فقره كثير الصدقات، وأنه ربما قطع من عمامته، وأعطى فقيراً يسأله إذا لم يجد معه غير عِمامته"(
 --  التواضع :
على الرغم من الهيبة التي حظي بها العز والتي كان يخشاه لأجلها السلطان والأمراء، وعلى الرغم من المكانة الاجتماعية والعلمية، فقد كان الشيخ العز متواضع النفس مع نفسه ومع ربه ومع الناس جميعاً. ومما يذكر له في ذلك أن نائب السلطنة في مصر عندما جاءه حاملاً سيفه ليقتل العز لفتواه ببيع الأمراء المماليك قام لاستقباله، فاعترضه ابنه خشية عليه من القتل، فقال له: "يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله"(
وكان رحمه الله يترك التكلف في لباسه، فقد قال ابن السبكي بعد أن ذكر كثرة صدقاته وأنه قد يتصدق بعمامته: "وفي هذه الحكاية ما يدل على أنه كان يلبس العمامة، وبلغني أنه كان يلبس قبّع لباد، وأنه كان يحضر المواكب السلطانية به، فكأنه كان يلبس تارة هذا، وتارة هذا، على حسب ما يتفق له من غير تكلف"(
--  الهيبة :
كان العز رحمه الله مهيباً في شخصيته، وكان يظهر أثر ذلك في دروسه وخطبه، وفي اجتماعه مع الناس، ومعاملته مع طلابه ومعاصريه، بل كانت هذه الهيبة تضفي آثارها الجسيمة على المتجبرين والمتكبرين والمتعالين والمتجرئين على الله والناس.
ومما يستشهد به لهذا الخلق قصته مع الأمراء الأتراك في مصر، وهم جماعة ذكر أن الشيخ لم يثبت عنده أنهم أحرار، وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم فيه، وأضرم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعاً ولا شراء ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستشاط غضباً، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي.
 فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة، حاصلها الإنكار على الشيخ في دخـوله في هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به، فغضب الشيخ، وحمل حوائجه على حمار، وأركب عائلته على حمار آخر، ومشى خلفهم خارجاً من القاهرة، قاصداً نحو الشام، فلم يصل إلى نحو نصف بريد إلا وقد لحقه غالب المسلمين، لم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤبه إليه يتخلف، لا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم، فبلغ السلطان الخبر، وقيل له: متى راح ذهب ملكك، فركب السلطان بنفسه، ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع واتفقوا معهم على أنه ينادى على الأمراء،.
 فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ - أظنه عبد اللطيف - فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك ولا تغير.
 وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي خير، ماذا تعمل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا، قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتم له ما أراد، ونادى على الأمراء واحداً واحداً، وغالى في ثمنهم، وقبضه، وصرفه في وجوه الخير، وكانت هذه الوقعة الطريفة سببا في إطلاق اسم بائع الملوك على الشيخ المهيب. وهذا ما لم يسمع بمثله عن أحد، رحمه الله تعالى ورضى عنه"
وقال الأستاذ محمود رزق عن بيبرس: "وكان يهاب سلطان العلماء في زمانه، وهو عز الدين بن عبد السلام"
ومما يذكر له في هذا الشأن أنه عندما عزل من مناصبه في دمشق وأمر أن يلزم بيته، استأجر بستاناً متطرفاً عن البساتين، وكان مخوفاً، "واتفقت له فيه أعجوبة، وهو أن جماعة من المفسدين قصدوه في ليلة مقمرة، وهو في جوسق عال ودخلوا البستان، واحتاطوا بالجوسق، فخاف أهله خوفاً شديداً، فعند ذلك نزل إليهم، وفتح باب الجوسق، وقال: أهلاً بضيوفنا، وأجلسهم في مقعد حسن، وكان مهيباً مقبول الصورة، فهابوه، وسخرهم الله له، وأخرجوا لهم من الجوسق ضيافة حسنة، فتناولوها، وطلبوا منه الدعاء، وعصم الله أهله وجماعته منهم بصدق نيته وكرم طويته، وانصرفوا عنه"
في القاهرة :-
أيقن الشيخ صعوبة الحركة مع حاكم يفرّط في الحقوق، ويقدم على الخيانة بنفس راضية، فقرر الهجرة إلى بلد يمارس فيها دعوته، ويدعو إلى الله على بصيرة، عالي الجبين، مرفوع الهامة، فولّى شطره إلى القاهرة، ورفض العودة إلى دمشق بعد أن طلب منه بعض دعاة الصلح أن يترفق بالسلطان، ويلاينه وينكسر له حتى يرضى عنه، وأطلق عبارته الكريمة للساعي إلى الصلح: "يا مسكين ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلا أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".
وصل الشيخ إلى القاهرة سنة (639 هـ = 1241م) واستقبله الصالح أيوب بما يليق به من الإكرام والتبجيل، وولاه الخطابة في جامع عمرو بن العاص، وعينه في منصب قاضي القضاة، والإشراف على عمارة المساجد المهجورة بمصر والقاهرة، وهي الأعمال التي تناط الآن بوزارة الأوقاف، لكنها كانت تستند في ذلك الوقت إلى القضاة؛ لأمانتهم ومكانتهم الدينية والاجتماعية.
مع الظاهر بيبرس :-
وتكرر هذا الأمر منه عند بيعة الظاهر بيبرس حين استدعى الأمراء والعلماء لبيعته، وكان من بينهم الشيخ العز، الذي فاجأ الظاهر بيبرس والحاضرين بقوله: يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البندقدار -أي لا تصح بيعته؛ لأنه ليس أهلا للتصرف- فما كان من الظاهر بيبرس إلا أن أحضر ما يثبت أن البندقدار قد وهبه للملك الصالح أيوب الذي أعتقه، وهنا تقدَّم الشيخ فبايع بيبرس على الملك.
وكان الظاهر بيبرس على شدته وهيبته يعظم الشيخ العز ويحترمه، ويعرف مقداره، ويقف عند أقواله وفتاواه، ويعبر السيوطي عن ذلك بقوله: وكان بمصر منقمعًا، تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع أن يخرج عن أمره حتى إنه قال لما مات الشيخ: ما استقر ملكي إلا الآن.
مؤلفاته وجهوده العلمية :-
تعددت مساهمات العز بن عبد السلام في الإفتاء والخطابة والقضاء والتدريس والتأليف، وله في كل إسهام قدم راسخة ويد بيضاء، وانتهت إليه في عصره رياسة الشافعية، وبلغت مؤلفاته ثلاثين مؤلفًا، وهي دليل نبوغ فذ وقدرة عالية على أن يجمع بين التأليف وأعماله الأخرى التي تستنفد الجهد وتفنى الأعمار فيها، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، فاجتمع له من الفضل ما لم يجتمع إلا للأفذاذ النابغين من علماء الأمة.
وشملت مؤلفاته التفسير , وعلوم القرآن , والحديث والسيرة النبوية، وعلم التوحيد، والفقه وأصوله والفتوى. ومن أشهر كتبه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والغاية في اختصار النهاية في الفقه الشافعي، ومختصر صحيح مسلم، وبداية السول في تفضيل الرسول، والإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، وتفسير القرآن العظيم، ومقاصد الصلاة، ومقاصد الصوم.
وفاته :-
طال العمر بالعز بن عبد السلام، فبلغ ثلاثة وثمانين عاما قضى معظمها في جهاد دائم بالكلمة الحرة، والقلم الشجاع، والرأي الثاقب، وحمل السلاح ضد الفرنج؛ للمحافظة على حقوق الأمة حتى لقي ربه في (10 من جمادى الأولى 660 هـ = 9 من إبريل 1266م




                                        جمال الدين الافغانى
جمال الدين الحسيني الأفغاني (1838 – 1897)، أحد الأعلام البارزين في عصر النهضة العربية وأحد الدعاة للتجديد الإسلامي. ومن اعلام القومية الافغانية
النشأة :-
ولد جمال الدين سنة 1838 م - 1254 هـ، في "أسعد آباد" إحدى القرى التابعة لولاية كنر من أعمال كابل عاصمة الأفغان، ووالده السيد صفدر من سادات كنر الحسينية، ويرتقي نسبه إلى عمر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغانی.
 يؤكد العلامة مصطفى جواد ان جمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية بعد الامام أبوحنيفة النعمان وتدعي المصادر ان شركة الأفغاني ولدت في 1838 في "أسعد آباد"، مقاطعة في مقاطعة كونار في أفغانستان، الوثائق (خصوصا مجموعة من اوراق اليسار في إيران عند طرده في 1891) كان ولد وأمضى طفولته في "أسعد آباد"، أفغانستان. وقد تربي دينيا ليكون مسلما صوفيا، ولكن عُرف كونه من المسلمين الاصولين، متوافقا مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزاً أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية.
لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الإجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ، وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وأنتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها، وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتعليمه، على ماجرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده.
كانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم اللغة العربية، والأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات، فأستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الطريقة المألوفة في الكتب الاسلامية المشهورة، وأستكمل الغاية من دروسه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية، فنضج فكره، وأتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلى الرحلات، وأستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فأغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة 1857 م - 1273 هـ، وأدى الفريضة.
أسد آباد أم أسعد أباد؟
مدينة "أسد آباد" فتبعد نحو سبعة فراسخ (27 كيلومتر) من مدينة همذان إلى جهة العراق بين همذان وكرمانشاه. أما مدينة "أسعد آباد" في إقليم "كونار" على بعد نحو 240 كم شرقي العاصمة الأفغانية "كابل"، على مقربة من الحدود مع باكستان.
بدء حياته العملية:-
ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وأنتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي أمتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعاً.
ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيته، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف وأعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم أكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني.
سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ.
ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد وأخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضم السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لايفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وأنتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك.
بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول.
 ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك لعمري ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان.
وهذه المرحلة كان لها أثرها في الإتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأي مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، وأصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت للمترجم عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية الحاقدة الماكرة خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.
رحيله إلى الهند:-
لم ينفك الأمير شير علي يدبر المكايد للسيد جمال الدين، ويحتال للغدر به فرأى السيد أن يفارق بلاد الأفغان، ليجد جواً صالحاً للعمل، فاستأذنه في الحج، فأذن له، فسار إلى الهند سنة 1869م - 1285 هـ، وكانت شهرته قد سبقته إلى تلك الديار، لما عرف عنه من العلم والحكمة، وماناله من المنزلة العالية بين قومه، ولم يكن يخفى على الحكومة الإنجليزية عداءه لسياستها، ومايحدثه مجيئة إلى الهند من إثارة روح الهياج في النفوس، خاصة لأن الهند كانت لا تزال تضطرم بالفتن على الرغم من إخماد ثورة سنة 1857م
 فلما وصل إلى التخوم الهندية تلقته الحكومة بالحفاوة والإكرام، ولكنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها، وجاء أهل العلم والفضل يهرعون إليه، يقتبسون من نور علمه وحكمته، ويستمعون إلى أحاديثه ومافيها من غذاء العقل والروح، والحث على الأنفة وعزة النفس، فنقمت الحكومة منه اتصاله بهم، ولم تأذن له بالإجتماع بالعلماء وغيرهم من مريديه وقصاده، إلا على عين من رجالها، فلم يقم هناك طويلاً، ثم أنزلته الحكومة إحدى سفنها فأقلته
مجيئه مصر لأول مرة:-
جاء مصر لأول مرة أوائل سنة 1870م - أواخر سنة 1286 هـ، ولم يكن يقصد طول الإقامة بها، لأنه إنما جاء ووجهته الحجاز، فلما سمع الناس بمقدمه حتى اتجهت إليه أنظار النابهين من أهل العلم، وتردد هو على الأزهر، واتصل به كثير من الطلبة، فآنسوا فيه روحاً تفيض معرفة وحكمة، فأقبلوا عليه يتلقون بعض العلوم الرياضية، والفلسفية، والكلامية، وقرأ لهم شرح "الأظهار" في البيت الذي نزل به بخان الخليلي، وأقام بمصر أربعين يوماً، ثم تحول عزمه عن الحجاز، وسافر إلى الأستانة.
سفره إلى الأستانة ثم رحيله عنها:-
وصل السيد جمال الدين إلى الأستانة، فلقي من حكومة السلطان عبد العزيز حفاوه وإكراماً، إذ عرف له الصدر الأعظم عالى باشا مكانته، وكان هذا الصدر من ساسة الترك الأفذاذ، العارفين بأقدار الرجال، فأقبل على السيد يحفه بالإحترام والرعاية، ونزل من الأمراء والوزراء والعلماء منزلة عالية، وتناقلوا الثناء عليه، ورغبت الحكومة أن تستفيد من علمه وفضله، فلم تمض ستة أشهر حتى جعلته عضواً في مجلس المعارف، فاضطلع بواجبه، وأشار بإصلاح مناهج التعليم.
ولكن آراءه لم تلق تأييداً من زملائه، واستهدف لسخط شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي، إذ رأى في تلك الآراء مايمس شيئاً من رزقه، فأضمر له السوء، وأرصد له العنت، حتى كان رمضان سنة 1287 هـ - ديسمبر سنة 1870م، فرغب إليه مدير دار الفنون أن يلقي فيها خطاباً للحث على الصناعات، فاعتذر باديء ذى بدء بضعفه في اللغة التركية، فألح عليه، فأنشأ خطاباً طويلاً كتبه قبل إلقائه، وعرضه على نخبة من أصحاب المناصب العالية، فأقروه واستحسنوه.
وألقى السيد خطابه بدار الفنون، في جمع حاشد من ذوي العلم والمكانة، فنال استحسانهم، ولكن شيخ الإسلام اتخذ من بعض آرائه مغمزاً للنيل منه بغير حق، ورميه بالزيغ في عقيدته، واغتنمها فرصة للإيقاع به، وألب عليه الوعاظ في المساجد، وأوعز إليهم أن يذكروا كلامه محفوفاً بالتفنيد والتنديد، فغضب السيد لمكيدة شيخ الإسلام، وطلب محاكمته، ولكن الحكومة انحازت إلى شيخها، وأصدرت أمرها إلى المترجم بالرحيل عن الأستانة بضعة أشهر، حتى تسكن الخواطر، ويهدأ الاضطراب، ثم يعود إليها أن شاء، ففارقها مهضوماً حقه، ورغب إليه بعض مريديه أن يتحول إلى الديار المصرية، فعمل برأيهم وقصد إليها.
عودته إلى مصر وإقامته بها:
جاء السيد جمال الدين إلى مصر في أول محرم سنة 1288 هـ - مارس سنة 1871م، لا على نية الإقامة بها، بل على قصد مشاهدة مناظرها، واستطلاع أحوالها، ولكن رياض باشا وزير إسماعيل في ذلك الحين رغب إليه البقاء في مصر، وأجرت عليه الحكومة راتباً مقداره ألف قرش كل شهر، لا في مقابل عمل.
 واهتدى إلى المترجم كثير من طلبة العلم، يقتبسون الحكمة من بحر علمه، فقرأ لهم الكتب العالية في فنون الكلام، والحكمة النظرية، من طبيعية وعقلية، وعلوم الفلك، والتصوف، وأصول الفقة، بإسلوب طريف، وطريقة مبتكرة. وكانت مدرسته بيته، ولم يذهب يوماً إلى الأزهر مدرساً، وإنما ذهب إليه زائراً، وأغلب مايزوره يوم الجمعة.
 وكان أسلوبه في التدريس مخاطبة العقل، وفتح أذهان تلاميذه ومريديه إلى البحث والتفكير، وبث روح الحكمة والفلسفة في نفوسهم، وتوجيه أذهانهم إلى الأدب، والإنشاء، والخطابة، وكتابة المقالات الأدبية، والاجتماعية، والسياسية، فظهرت على يده نهضة في العلوم والأفكار أنتجت أطيب الثمرات.
وهنا موضع للتساؤل، عما حمل 'الخديوي إسماعيل]] إلى إستمالته الأفغاني للإقامة في مصر، وإكرام مثواه، ويبدو هذا العمل غريباً، لأن لجمال الدين ماضياً سياسياً ومجموعة أخلاق ومبادئ، ولاترغب فيه الملوك المستبدين، ولم يكن السيد من أهل التملق والدهان، فينال عطفهم ورعايتهم، ويجرون عليه الأرزاق بلا مقابل، ولكن الأمر لايعسر فهمه إذا عرفنا أن في إسماعيل جانباً ممدوحاً من صفاته الحسنة، وهو حبه للعلم، ورغبته في نشره ورعايته.
 وكانت شخصية جمال الدين العلمية، وشهرته في الفلسفة، أقوى ظهوراً وخاصة في ذلك الحين، من شخصيتة السياسية، فلا غرو أن يكرم فيه إسماعيل العالم المحقق، الذي يفيض على مصر من بحر علمه وفضله، وفي الحق أن إسماعيل لم يكن يقصر في اغتنام الفرصة لتنشيط النهضة العلمية ورعاية العلماء والأدباء، فترغيبه جمال الدين في البقاء بمصر يشبه أن يكون فتحاً علمياً، كتأسيس معهد من معاهد العلم العالية التي أنشئت على يده.
أما آراء الحكيم السياسية وكراهيته للاستبداد  ونزعته الحرة، فلم يكن مثل إسماعيل يخشاها أو يحسب لها حسابا ً كبيراً، لأنه في ذلك الحين سنة 1871م كان قد بلغ أوج سلطته ومجده، فكان يحكم البلاد حكماً مطلقاً، يأمر وينهى ويتصرف في أقدار البلاد ومصاير أهلها، دون رقيب أو حسيب، وكان مجلس شورى النواب آلة مطواعة في يده، والصحافة في بدء عهدها تكيل له عبارات المديح، وتصوغ له عقود الثناء.
 ولم يكن سلطانه قد استهدف بعد التدخل الأجنبي، لأن هذا التدخل لم يقع إلا في سنة 1875م، كما رأيت في سياق الحديث، فليس ثمة مايخشى منه إسماعيل، على سلطته المطلقة، من الناحية الداخلية أو الخارجية، حين رغب إلى حكيم الشرق الإقامة والتدريس في مصر. وقد بدأت النهضة التي ظهرت على يد السيد، علمية، أدبية، ولم تتطور إلى الناحية السياسية إلا حوالي سنة 1876م، على أنها في تطورها السياسي لم تتجه ضد إسماعيل بالذات، بل اتجهت في الجملة ضد التدخل الأجنبي.
وثمة اعتبار آخر لايفوتنا الإلماح إليه، ذلك أن جمال الدين قد بارح الأستانة، إذ لم يجد فيها جواً صالحاً للنهضة العلمية، والفكرية، وقصد إلى مصر وقد سبقته إليها أنباؤه، ومالقيه في "دار الخلافة" من العنت والاضطهاد، وكان إسماعيل ينافس حكومة الأستانة في المكانة والنفوذ السياسي، وينظر إليها بعين الزراية، ولايرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا، ولا أن يكون هو تابعاً للسلطان العثماني، وليس خافياً ما كان يبذله من المساعي للإنفصال عن تركيا في ذلك الحين، وظهوره بمظهر العاهل المستقل، في المعرض العالمي في باريس سنة 1867م، وفي إغفاله دعوة السلطان إلى حضور حفلات القناة سنة 1869م، وعزمه على إعلان استقلال مصر التام في تلك الحفلات، لولا العقبات السياسية التي اعترضته، ولايغرب عن الذهن ما كان بين الخديوي والسلطان من مظاهر الفتور والجفاء التي كادت تقطع الروابط بينهما، وأخصها فرمان نوفمبر سنة 1869م الذي أصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي.
ففى هذا الجو هبط جمال الدين مصر مبعداً من الأستانة، فلم يفت ذكاء إسماعيل أن يغتنم الفرصة ليحمي العلم في شخص الفيلسوف الأفغاني، ولايخفى ما لهذا العمل من حسن الأثر وجميل الأحدوثة، إذ يرى الناس فيه أن مصر تؤوي العلماء والحكماء، حين تضيق عنهم "دار الخلافة" وأن عاهل مصر العظيم أحق من السلطان العثماني بالثناء والتقدير لأنه يفسح للعلم رحابه، ويوطئ له في وادي النيل أكنافه. وقد يكون لــ " رياض باشا' يد في إكرام وفادة المترجم، ولكن إذا علمنا أن وزراء إسماعيل لم يكونوا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، أدركنا أن رياض باشا لم يكن الرجل الذي ينفرد بهذا الصنيع نحو المترجم، ومهما يكن واقع الأمر فإن لــ 'رياض باشا" فضل المشاركة في عمل كان له الأثر البالغ في نهضة مصر العلمية والفكرية والسياسية.
أثره العلمي والأدبي:-
أقام المترجم في مصر، وأخذ يبث تعاليمه في نفوس تلاميذه، فظهرت على يده بيئة، استضاءت بأنوار العلم والعرفان، وارتوت من ينابيع الأدب والحكمة، وتحررت عقولها من قيود الجمود والأوهام، وبفضله خطا فن الكتابة والخطابة في مصر خطوات واسعة، ولم تقتصر حلقات دروسه ومجالسه على طلبة العلم، بل كان يؤمها كثير من العلماء والموظفين والأعيان وغيرهم، وهو في كل أحاديثه "لايسأم"
كما يقول عنه محمد عبده، من الكلام فيما ينير العقل، أو يطهر العقيدة أو يذهب بالنفس إلى معالي الأمور، أو يستلفت الفكر إلى النظر في الشؤون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان طلبة العلم ينتقلون بمايكتبونه من تلك المعارف إلى بلادهم أيام الأجازات، والزائرون يذهبون بماينالونه إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول، وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصاً في القاهرة.
وقال محمد عبده في موطن آخر يصف تطور الكتابة على يد الأفغاني: "كان أرباب القلم في الديار المصرية القادرون على الإجادة في المواضيع المختلفة منحصرين في عدد قليل، وما كنا نعرف منهم إلا 'عبد الله باشا فكري]]، و'خيري باشا]]، و'محمد باشا سيد أحمد]] على ضعف فيه، و'مصطفى باشا وهبي]] على اختصاص فيه، ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون في المراسلات الخاصة، وإما مصنفون في بعض الفنون العربية أو الفقهية وماشاكلها، ومن عشر سنوات ترى كتبة في القطر المصري، لايشق غبارهم ولايوطأ مضمارهم، وأغلبهم أحداث في السن، شيوخ في الصناعة، وما منهم إلا من أخذ عنه، أو عن أحد تلاميذه، أو قلد المتصلين به".
فروح جمال الدين كان لها الأثر البالغ في نهضة العلوم والآداب في مصر، ولايفوتنا القول بأن البيئة التي كانت مستعدة للرقي، صالحة لغرس بذور هذه النهضة، وظهور ثمارها، أو بعبارة أخرى أن مصر بما فيها جامع الأزهر، والمعاهد العلمية الحديثة، والتقدم العلمي الذي ابتدأ منذ عهد محمد علي، كانت على استعداد لتقبل دعوة الحكيم الأفغاني، ولولا هذا الاستعداد لقضي على هذه الدعوة في مهدها، ولأخفق هو في مصر كما أخفق في الأستانة، حيث وجد أبواب العمل موصدة أمامه .
وهذا يبين لنا جانباً من مكانة مصر، وسبقها الأقطار الشرقية في التقدم العلمي والفكري والسياسي، ويزيد هذه الحقيقة وضوحاً أنك إذا استعرضت حياة جمال الدين العامة، وماتركه من الأثر في مختلف الأقطار الشرقية التي بث فيها دعوته، وجدت أثره في مصر أقوى وأعظم منه في أي بلد من البلدان الأخرى، وفي هذا مايدلك على مبلغ استعداد مصر للنهضة والتقدم، إذا تهيأت لها أسباب العمل ووجدت القادة والحكماء.
أثره الأخلاقي والسياسي:-
جاء جمال الدين الأفغاني إلى مصر يحمل بين جنبيه روحا كبيرة، ونفساً قوية، تزينها صفات وأخلاق عالية، أنبتتها الوراثة والتربية الأولى، وهذبتها الحكمة والمعرفة، ومحصتها الحياة الحربية التي خاض غمارها في بلاد الأفغان، والتجارب التي مارسها، والشدائد التي عاناها جاء وفيه من الشمم والإباء ما صدفه عن أن يطأطأ الرأس أو يقيم على الضيم، جاء وفيه من الثبات ما جعله يتغلب على العقبات التي اعترضته في أدوار حياته.
 فقد رأيت كيف بقي على ولائه للأمير محمد أعظم، رغم ما أصابه من الهزيمة ولم يخضع لخصمه (شير على)، ورحل إلى الهند، فلم تطق السياسة الاستعمارية بقاءه فيها وأقصته عنها، وذهب إلى الأستانة، فلم يعرف التملق والدهان، وجهر بالحق، واستهدف لعداوة شيخ الإسلام، فلم يتراجع ولم ينكص على عقبيه، وانتهى الخلاف بإقصائه عن الأستانة.
فهذه الأخلاق التي جاء بها جمال الدين كانت بلا مراء أقوى مما عرف عن المجتمع، في ذلك العهد، من خفض الجناح، والصبر على الضيم والخضوع للحكام، وليس يخفى ما للشخصيات الكبيرة من سلطان أدبي على النفوس وما تؤثر فيها من طريق القدوة، فالسيد جمال الدين بما اتصف به من الأخلاق العالية، أخذ يبث في النفوس روح العزة والشهامة، ويحارب روح الذلة والاستكانة، فكان بنفسيته ودروسه وأحاديثه، ومناهجه في الحياة، مدرسة أخلاقية، رفعت من مستوى النفوس في مصر، وكانت على الزمن من العوامل الفعالة للتحول الذي بدا على الأمة وانتقالها من حالة الخضوع والاستكانة إلي التطلع للحرية والتبرم بنظام الحكم القديم ومساوئه، والسخط على تدخل الدول في شؤون البلاد.
اسرفت حكومة إسماعيل في القروض، وبدأت عواقب هذا الإسراف تظهر للعيان رغم ما بذلته الحكومة لإخفائها بمختلف الوسائل، وأخذت النفوس تتطلع إلى إصلاح نظام الحكم بعد إذا أحست مرارة الاستبداد وهالتها فداحة القروض التي كبلت البلاد بقيود تدخل الدول.
ويمكننا أن نحدد أواخر سنة 1875، وأوائل سنة 1876 كمبدأ للتدخل الأوربي إذ حدث من مظاهره وقتئذ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة ثم قدوم بعثة المستر " كيف " الإنجليزية لفحص مالية مصر، ثم توقف الحكومة عن اداء أقساط ديونها وما اعقب ذلك من إنشاء صندوق الدين في مايو سنة 1876  فهذا التدخل كان من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلي التبرم بنظام الحكم، والتخلص من مساوئه.
 لأن سياسة الحكومة هي التي أفضت إلي تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها  ومن هنا جاءت النهضة الوطنية والسياسية، ووجدت مبادئ حكيم الشرق وتعاليمه سبيلاً إلي النفوس، فكانت من العوامل الهامة في ظهور هذه النهضة التي شغلت السنوات الأخيرة من عهد إسماعيل وكانت من أعظم أدوار الحركة القومية.
كان من مظاهر هذه النهضة نشاط الصحف السياسية، وإقبال الناس عليها، وتحدثهم في شؤون البلاد العامة، وتبرمهم بحالتها السياسية والمالية، ثم ظهور روح المعارضة واليقظة في مجلس الشورى، على يد نواب نفخ فيهم جمال الدين من روحه، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي الذي يعد من تلاميذه الأفذاذ، وإنك لتلمس الصلة الروحية بينهما، من الكلمات والعبارات الرائعة التي كان المويلحي يجهر بها في جلسات مجلس شورى النواب  , فإن هذه العبارات هي قبس من روح الحكيم الأفغاني.
وقد جاء ذكر النائب المويلحى ضمن تلاميذ جمال الدين ومريديه على لسان سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية حين زار مصر ووصف مكانة الأفغاني بقوله: " في خلال سنة 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه، لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية (الماسون) العربية وصار له أصدقاء وأولياء من أصحاب المناصب العالية، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي أخيراً مع عرابي إلي جزيرة سيلان، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة، وأخيه إبراهيم (المويلحي) كاتب الضابطة، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره، ويعلون بين الناس مناره، من أرباب الأقلام، مثل الشيخ محمد عبده، وإبراهيم اللقاني، وعلى بك مظهر، والشاعر الزرقاني، وأبي الوفاء القوني في مصر، وسليم النقاش، وأديب إسحاق، وعبد الله النديم في الإسكندرية".
جمال الدين والثورة العرابية:-
لم يكن جمال الدين الأفغاني مناصراً لإسماعيل، بل كان ينقم منه استبداده وإسرافه، وتمكينه الدول الاستعمارية من مرافق البلاد وحقوقها، وكان يتوسم الخير في توفيق، إذ رآه وهو ولي للعهد ميالاً إلي الشورى، ينتقد سياسة أبيه وإسرافه، وقد اجتمعا في محفل الماسونية، وتعاهدا على إقامة دعائم الشورى.
لكن توفيق لم يف بعهده بعد أن تولى الحكم، فقد بدا عليه الانحراف عن الشورى واستمع لوشايات رسل الاستعمار الأوربي، وفي مقدمتهم قنصل إنجلترا العام في مصر، إذ كانوا ينقمون من السيد روح الثورة والدعوة إلي الحرية والدستور، فغيروا عليه قلب الخديوي، وأوعزوا إليه بإخراجه من مصر، فأصدر أمره بنفيه  وكان ذلك بقرار من مجلس النظار منعقداً برآسة الخديوي.
 وكان نفيه غاية في القسوة والغدر، إذ قبض عليه ليلة الأحد السادس من رمضان سنة 1296 - 24 أغسطس سنة 1879، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين (أبو تراب)، وحجز في الضبطية، ولم يمكن حتى من أخذ ثيابه، وحمل في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية، ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلى السويس، وانزل منها إلى باخرة اقلته إلى الهند، وسارت به إلي بومباي، ولم تتورع الحكومة عن نشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 (26 أغسطس سنة 1879م) ذكرت فيه نفي الأفغاني بعبارات جارحة ملؤها الكذب والإفتراء .
 فهي قد نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد، ويعلم الله أنه لم يكن يسعى إلا إلى يقظة الأمة، وتحريرها من ربقة الذل والعبودية، وذكرت عنه أنه "رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا"، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية، ومن المؤلم حقاً أن يتقرر النفي ويصدر مثل هذا البلاغ من حكومة يرأسها الخديوي توفيق باشا وهو على ما تعلم من سابق تقديره للأفغاني، ومن وزرائها محمود باشا سامي البارودي ناظر الأوقاف وقتئذ، وقد كان من اصدق مريديه وانصاره.
 فتأمل كيف يتنكر الأنصار والأصدقاء لأستاذهم، وإلى أي حد يضيع الوفاء بين الناس !!، ولا ندري كيف أساغ البارودي نفي السيد جمال الدين واشترك في احتماله تبعته، وإذا لم يكن موافقا على هذا العمل المنكر فَلِمَ لم يستقيل من الوزارة احتجاجاً واستنكاراً ؟ لا شك أن موقف البارودي في هذه الحادثة لا يمكن تسويغه أو الدفاع عنه بأي حال.
نفي جمال الدين من مصر، على أن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وبقيت النفوس ثائرة تتطلع إلي نظام الحكم، وإقامته على دعائم الحرية والشورى  فجمال الدين هو من الوجهة الروحية والفكرية أبو الثورة العرابية، وكثير من أقطابها هم من تلاميذه أو مريديه، والثورة في ذاتها هي استمرار للحركة السياسية التي كان لجمال الدين الفضل الكبير في ظهورها على عهد إسماعيل.
 ولو بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزاً أن يمدها بآرائه الحكيمة، وتجاربه الرشيدة، فلا يغلب عليها الخطل والشطط، ولكن شاءت الأقدار، والدسائس الإنجليزية، أن ينفى الأفغاني من مصر، وهي أحوج ما تكون إلى الانتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور.
أقام الأفغاني بحيدر أباد الدكن، وهناك كتب رسالته في الرد على الدهريين، وألزمته الحكومة البريطانية بالبقاء في الهند حتى انقضى أمر الثورة العرابية.
عمله في أوروبا:-
جريدة العروة الوثقى:-
اخفقت الثورة العرابية، واحتل الإنجليز مصر، فسمحوا للأفغاني بالذهاب إلي اي بلد فاختار الذهاب إلى أوروبا فقصد إليها سنة 1883، وأول مدينة وردها مدينة لندن، وأقام بها أياماً معدودات، ثم انتقل إلي باريس، وكان تلميذه محمد عبده منفياً في بيروت عقب إخماد الثورة، فاستدعاه إلى باريس، فوافاه إليها، وهناك أصدر جريدة (العروة الوثقى)، وقد سميت باسم الجمعية التي أنشأتها، وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة، ومجاهدة الاستعمار، وتحرير مصر والسودان من الاحتلال، وكانت تضم جماعة من أقطاب العالم الإسلامي وكبرائه وهي التي عهدت إلى الأفغاني بإصدار الجريدة لتكون لسان حالها.
اشتركا معاً في تحريرها، وكانت مقالاتها جامعة بين روح جمال الدين، وقلم محمد عبده، فجاءت آيات بينات سمو المعاني، وقوة الروح وبلاغة العبارة، وهي اشبه ما تكون بالخطب النارية، تستثير الشجاعة في نفوس قارئها، وتداني في روحها وقوة تأثيرها اسلوب الإمام علي كرم الله وجهه في خطبه الحماسية المنشورة في نهج البلاغة، واتخذت العروة شعارها إيقاظ الأمم الإسلامية، والمدافعة عن حقوق الشرقيين كافة، ودعوتهم إلى مقاومة الاستعمار الأوربي والجهاد.
وقد ذاع شأنها في العالم الإسلامي وأقبل عليها الناس في مختلف الأقطار، ولكن الحكومة الإنجليزية أقفلت دونها أبواب مصر والهند، وشددت في مطاردتها واضطهاد من يقرؤها، وبلغ بها السعي في مصادرتها أن اوعزت إلي الحكومة المصرية بتغريم كل من توجد عنده العروة الوثقى خمسة جنيهات مصرية إلى خمسة وعشرين جنيهاً، وأقامت الموانع دون استمرارها، فلم يتجاوز ما نشر منها ثمانية عشر عدداً. قضى جمال الدين في باريس ثلاث سنوات، كان لا يفتأ خلالها بنشر المباحث والمقالات الهامة في مقاومة اعتداء الدول الأوربية على الأمم الإسلامية، ويراسل تلاميذه في مصر.
جمال الدين ورينان:-
جرت له أبحاث مع الفيلسوف إرنست رينان Renan في العالم الإسلامي وأكبر فيه رينان عبقريته، وسعة علمه وقوة حجته، وقال عنه: "كنت أتمثل أمامي عندما كنت أخاطبه ابن سينا، أو ابن رشد، أو واحد من أساطين الحكمة الشرقيين ".
عمله في فارس ثم نفيه منها:-
ثم أخذ يتنقل بين باريس ولندن إلى أوائل فبراير سنة 1886 (جمادي الأولى سنة 1303) وفيه ذهب إلى بلاد فارس ثم إلى روسيا.
ولما كان معرض باريس سنة 1889، رجع جمال الدين إليها، وفي عودته منها التقى بالشاه في ميونخ عاصمة بافاريا، فدعاه إلى صحبته إذ كان يرغب في الانتفاع بعلمه وتجاربه، فأجاب الدعوة، وسار معه إلى فارس، وأقام في طهران، فحفه علماء فارس وأمراؤها وأعيانها بالرعاية والإجلال.
استعان به الشاه على إصلاح أحوال المملكة، وسن لها القوانين الكفيلة بإصلاح شئونها، ولكنه استهدف لسخط أصحاب النفوذ في الحكومة، وخاصة الصدر الأعظم، فوشوا به عند الشاه، واسر إليه الصدر الأعظم أن هذه القوانين تؤول إلى انتزاع السلطة من يده، فأثرت الوشايات في نفس الشاه، وبدأ يتنكر للسيد فاستاذنه في المسير إلى المقام المعروف " بشاه عبد العظيم " على بعد عشرين كيلو متر من طهران.
 فاذن له، فوافاه به جم غفير من العلماء والوجهاء من انصاره في دعوة الإصلاح، فازدادت مكانته في البلاد، وتخوف الشاه عاقبة ذلك على سلطانه فاعتزم الإساءة إليه، ووجه إلى " الشاه عبد العظيم "  خمسمائة فارس قبضوا عليه وكان مريضاً، فانتزعوه من فراشه واعتقلوه، وساقه خمسون منهم إلى حدود المملكة العثمانية منفياً، فنزل بالبصرة، فعظم ذلك على مريديه، واشتدت ثورة السخط على الشاه.
دعوة جمال الدين ضد الشاه :-
أقام السيد بالبصرة زمناً حتى أبل من مرضه، ثم أرسل كتاباً إلى كبير المجتهدين في فارس ميرزا محمد حسن الشيرازي، عدد فيه مساوئ الشاه، وخص بالذكر تخويله إحدى الشركات الإنجليزية حق احتكار التباك في بلاد فارس، وما يفضي إليه من استئثار الأجانب بأهم حاصلات البلاد، وكان هذا النداء من أعظم الأسباب التي جعلت كبير المجتهدين يفتي بحرمة استعمال التنباك إلى أن يبطل الامتياز، فاتبعت الامة هذه الفتوى، وامسكت عن تدخينه، واضطر الشاه خوف انتقاض الأمة إلى إلغائه، ودفع للشركة الإنجليزية تعويضاً فخلصت فارس من التدخل الأجنبي .

شخوصه إلى أوروبا:-
مكث جمال الدين بالبصرة ريثما عادت إليه صحته، ثم رحل إلى لندن، فتلقاه الإنجليز بالإكرام، ودعوه إلى مجتمعاتهم السياسية والعلمية، وحمل على الشاه وسياسته حملات صادقة في مجلة سماها (ضياء الخافقين)، ودعا الأمة الفارسية إلى خلعه، وقويت دعوته الحرية في إيران، وأشتد السخط على الشاه ناصر الدين إلى أن قتل سنة 1896م، بيد فارسي أهوج، وقيل أن للأفغاني دخلاً      في التحريض على قتله، وتولى بعده مظهر الدين، وأستمرت دعوة الحرية التي غرسها جمال الدين  في إيران تنمو وتترعرع حتى آلت إلى إعلان الدستور الفارسي سنة 1906م.
ذهابه إلى الأستانة وإقامته بها :-
وفيما هو بلندن ورد عليه كتاب آخر بتكرار دعوته فلبى الطلب وذهب إلى الأستانة سنة 1892، وكانت هذه المرة الثانية لوروده هذه المدينة، والمرة الأولى كانت في عهد السلطان عبد العزيز كما تقدم بيانه، وقد يبدو غريباً أن السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان نصيراً للاستبداد وخصيماً للحرية، يدعوا إلى جواره أكبر زعيم للحرية في الشرق، وأغلب الظن أنه أراد أن يخدم سياسته في الجامعة الإسلامية باستضافته فيلسوف الإسلام، لكي يظهر للعالم الإسلامي أنه يرعى العلم والعلماء من الأمم الإسلامية كافة، وقد لبى جمال الدين دعوته، آملاً أن يرشده إلى إصلاح الدولة العثمانية، لأن مقصده السياسي هو انهاض دولة إسلامية أياً كانت إلى مصاف الدول العزيزة القوية .
فسار إلي الأستانه لتحقيق هذا المقصد، وحفه عبد الحميد الثاني بالرعاية والإكرام وانزله منزلاً كريماً في قصر بحي (نشان طاش)، من أفخم أحياء الأستانة، وأجرى عليه راتباً وافراً، قيل أنه خمس وسبعون ليرة عثمانية في الشهر، ومضت مدة وجمال الدين له عند السلطان منزلة عالية ؛ ثم ما لبث أن تنكر له، واساء به الظن .
  إذ كان من أخص صفات عبد الحميد إسائة الظن بالناس كافة، وخاصةً بمن يتصلون به، والاستماع إلى الوشايات والدسائس، وكان الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي نال الحظوة الكبرة عند مولاة يكره أن يظفر أحد بثقته فوشى بالأفغاني عند السلطان وأوغر عليه صدره فاحيط الأفغاني بالجواسيس يحصون عليه غدواته وروحاته، ويرقبون حركاته وسكناته.
ذكر الأمير شكيب أرسلان في هذا الصدد في كتاب (حاضر العالم الإسلامي) أن الأفغاني كان وعبد الله النديم الكاتب والخطيب المشهور في متنزه (الكاغدخانة)، فصادفا الخديوي عباس حلمي وسلم بعضهم على بعض، وتحادثوا نحو ربع ساعة تحت شجرة هناك، فقيل أن الشيخ أبا الهدى قدم تقريرا للسلطان بأن جمال الدين وعبد الله نديم توعدا مع الخديوي على الاجتماع في (الكاغدخانة)، وهناك عند الاجتماع بايعاه تحت الشجرة .
 ويقول الامير شكيب أن السلطان بحسب قول جمال الدين لم يحفل بهذه الوشاية، ولكنا نميل إلى الأعتقاد أنها تركت أثرا في نفسه، وغيرت قلبه على الأفغاني، وذكر أن الذي أدى إلى وحشة السلطان منه استمراره في مجالسه على القدح في شاه العجم ناصر الدين، مما حمل سفير إيران على الشكوى منه إلى السلطان، فأستدعاه، وطلب إليه الكف عن مهاجمة الشاه فقبل، ولكن حدث أن قتل الشاه سنة 1896 فاشتدت الريبة في جمال الدين، واتجهت إليه شبهة التحريض على قتله، فأمر السلطان بتشديد الرقابة عليه، ومنع أي أحد من الاختلاط به إلا بإرادة سلطانية، فأصبح محبوساً في قصره.
مرضه ووفاته:-
تواترت الروايات بأن جمال الدين مات شبه مقتول، وتدل الملابسات والقرائن على ترجيح هذه الرواية، فإن اتهامه بالتحريض على قتل الشاه، وتغيير السلطان عليه، وحبسه في قصره، ووشايات أبي الهدى الصيادي، مما يقرب إلى الذهن فكرة التخلص منه باية وسيلة، هذا إلى أن الغدر والإغتيال كانا من الأمور المألوفة في الأستانة.
وما ذكره الأمير شكيب أرسلان في كتاب (حاضر العالم الإسلامي)، قال ما خلاصته : (أنه لما اشتد التضييق على السيد جمال الدين أرسل إلى مستشار السفارة الإنجليزية يطلب منه إيصاله إلى باخرة يخرج بها من الأستانة، فجاءه المستشار وتعهد له بذلك، فلما بلغ السلطان الخبر أرسل إليه أحد حجابه يستعطفه أن لا يمس كرامته إلى هذا الحد ولا يتلمس حماية أجنبية فثارت في نفسه الحمية والأنفة .
 وأخبر مستشار السفارة بأنه عدل عن السفر، ومهما كان فليكن، ولكن الرقابة عليه بقيت كما كانت، وبعد أشهر من هذه الحادثة ظهر في فمه مرض السرطان، فصدرت الإرادة السلطانية باجراء عملية جراحية يتولاها الدكتور قمبور زادة إسكندر باشا كبير جراحي القصر السلطاني، فأجرى له العملية الجراحية فلم تنجح، وما لبث إلا أياماً قلائل حتى فاضت روحه، ومن هنا تقول الناس في قصة هذا السرطان، وهذه العملية الجراحية، لقرب عهد المرض بتغير السلطان عليه، وما كان معروفاً من وساوس عبد الحميد، فقيل أن العملية الجراحية لم تعمل على الوجه اللازم لها عمداً، وقيل لم تلحق بالتطهيرات الواجبة فنياً، بحيث انتهت بموت المريض.)
وذكر الأمير شكيب أن المستشرق المعروف الكونت لاون استروروج حدثه أن المترجم كان صديقة، فدعاه إليه بعد إجراء العملية الجراحية وقال له إن السلطان أبى أن يتولى العملية إلا جراحه الخاص، وإنه هو رأي حال المريض إذدادت شدة بعد العملية، ورجا منه أن يرسل إليه جراحاً فرنساوياً مستقل الفكر طاهر الذمة، لينظر في عقبى العملية، فأرسل إليه الدكتور (لاردي) فوجد أن العملية لم تجر على وجهها الصحيح، ولم تعقبها التطهيرات اللزمة، وأن المريض قد أشفى بسبب ذلك، وعاد إلي استروروج، وأنبأه بهذا الأمر المحزن، ولم تمض أيام حتى فارق جمال الدين الحياة.
وذكر وأحد ممن كانوا في خدمة عبد الحميد، بعد أن روى له الأمير هذه القصة أن قمبور زاده إسكندر باشا كان أطهر وأشرف من أن يرتكب مثل تلك الجريمة، وحقيقة الواقعة أنه كان بالأستانة طبيب اسنان عراقي اسمه (جارح) يتردد كثيراً على جمال الدين، ويعالج اسنانه، وكانت نظارة الضابطة (إدارة الأمن العام) قد استمالت (جارح) هذا بالمال، وجعلته جاسوس على السيد، وصار له عدوا في ثياب صديق .
 وقال صاحب هذه الرواية أنه أراد مرة أن يمنع الطبيب المذكور من الاختلاط بجمال الدين، فأشار إليه ناظر الضابطة إشارة خفية بان يتركه، وفهم من الإشارة أن يذهب إلي السيد ويعالج اسنانه، بعلم من النظارة، والسيد لا يعلم بشيء من ذلك، ويطمئن إلي (جارح) ويثق به، ولم تمض عدة أشهر على حادثة الشاه حتى ظهر السرطان في فك السيد من الداخل، وأجريت له عملية جراحية فلم تنجح، وجارح هذا ملازم للمريض، وبعد موته كانوا يرونه دائماً حزيناً، يبدو على وجهه الوجوم والخزى، مما جعلهم يشتبهون أن يكون له يد في إفساد الجرح بعد العملية، أو في توليد المرض نفسه من قبل بوسيلة من الوسائل، ولما مات السيد بدا الندم على الطبيب الأثيم، وشعر بوغز الضمير يؤنبه على خيانته هذا الرجل العظيم.
وكانت وفاته صبيحة الثلاثاء 9 مارس سنة 1897، وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتى أمرت بضبط أوراقه وكل ما كان باقياً عنده، وأمرت بدفنه من غير رعاية أو احتفال في مقبرة المشايخ بالقرب من نشان طاش فدفن كما يدفن اقل الناس شأنا في تركيا، ولا يزال قبره هناك.
الانتقادات :-
حاول  الكاتب السوري موفق بني المرجة في رسالته للماجستير أن يثبت ان الأفغاني، والذي كان له ألقاب عديدة يستخدمها كالحسيني والكابلي وغيرها مما يزيد الغموض حول شخصيته. وكان في أواخر أيامه يلبس اللباس الإفرنجي ويدخن السيجار ويجتمع بمريديه في بار يملكه يهودي في القاهرة، وقد وضع له صورة باللباس الإفرنجي.
كما اتهمه السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته بالعمالة للانكليز، وقام بسجنه تبعاً لذلك. واتهمه د. عبد الله عزام في كتابه القومية العربية بأنه شيعي اثني عشري وأنه إيراني عميل للشاه. وقد ذكر محمد محمد حسين عدة أدلة على ذلك .
بينما أثبت د. محمد عمارة أكذوبة أن يكون الأفغاني شيعيا في كتابه (جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام) وأظهر كذب الوثائق الدالة على هذا وتزوير توقيع جمال الدين، كما نفي أن يكون الأفغاني شيعيا أيضا سيد هادي خسروشاهي، وهو شيعي اثنا عشري وكان سفيرا لإيران في الفاتيكان والقاهرة، في تحقيقه للاثار الكاملة للأفغاني.
 وما يزيد في التوثق من عدم شيعية الأفغاني ما نقله رشيد رضا في كتاب (تاريخ الأستاذ الإمام) عن أن رأي محمد عبده في الشيعة أشد من رأي ابن تيمية، بما ينفي أن احتمال أن يكون الأفغاني شيعيا مع شدة حب محمد عبده له، ثم إن الأفغاني نفسه صرح بمذهبه في خاطراته التي سجلها مريده محمد المخزومي وذكر أنه سني حنفي يميل إلى الصوفية. وكذلك الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه جمال الدين الافغاني المصلح المفترى عليه طبعة تركيا والباحث جمال الدين فالح الكيلاني في دراسته -جمال الدين الافغاني في الميزان- المنشورة في جريدة العراق





                           الشيخ الشعراوى
الشيخ محمد متولى الشعراوى يعرف باسلوبه العذب البسيط في تفسير القرآن،وكان تركيزه على النقاط الإيمانية في تفسيره جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميع المستويات والثقافات. إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي أشهر من فسر القرآن في عصرنا.

مولده وتعليمه :-
ولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 5 أبريل عام 1911 م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره. في عام 1926 م التحق الشيخ الشعراوي بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر نبوغاً منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م
 ودخل المعهد الثانوي، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، و حظى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق ،وكان معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والشاعر طاهر أبو فاشا،والأستاذ خالد محمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.
 وكانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد له والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض،ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن .
فما كان من الشيخ إلا أن اشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف،كنوع من التعجيز حتى يرضى والده بعودته إلى القرية.
لكن والده فطن إلى تلك الحيلة، واشترى له كل ما طلب قائلاً له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.فما كان أمام الشيخ إلا أن يطيع والده، ويتحدى رغبته في العودة إلى القرية، فأخذ يغترف من العلم،ويلتهم منه كل ما تقع عليه عيناه.

والتحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فثورة سنة 1919م اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين. ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر الشامخة في القاهرة، فكان الشيخ يزحف هو وزملائه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقى بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.

التدرج الوظيفي :-
 تخرج الشيخ عام 1940 م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام1943م. بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعدذلك الى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي إلى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل أستاذًا للشريعة بجامعة أم القرى
ولقد اضطر الشيخ الشعراوي أن يدرِّس مادة العقائد رغم تخصصه أصلاً في اللغة وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ الشعراوي استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع.
 وفي عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود. وعلى أثر ذلك منع الرئيس عبد الناصر الشيخ الشعراوي من العودة ثانية إلى السعودية وعين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون . ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس وأثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967،
وقد تألم الشيخ الشعراوي كثيرًا لأقسى الهزائم العسكرية التي منيت بها مصر والأمة العربية وحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلا للدعوة والفكر، ثم وكيلاً للأزهر ثم عاد ثانية إلى المملكة العربية السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.

وفي نوفمبر 1976م اختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر. فظل الشعراوي في الوزارة حتى أكتوبر عام 1978م.

وبعد أن ترك بصمة طيبة على جبين الحياة الاقتصادية في مصر، فهو أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو (بنك فيصل) حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك.

وقال في ذلك: إنني راعيت وجه الله فيه ولم أجعل في بالي أحدًا لأنني علمت بحكم تجاربي في الحياة أن أي موضوع يفشل فيه الإنسان أو تفشل فيها الجماعة هو الموضوع الذي يدخل هوى الشخص أو أهواء الجماعات فيه. أما إذا كانوا جميعًا صادرين عن هوى الحق وعن مراده، فلا يمكن أبدًا أن يهزموا، وحين تدخل أهواء الناس أو لأشخاص، على غير مراد الله، تتخلى يد الله .

وفي سنة1987م اختير فضيلته عضواً بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين). وقرَّظه زملاؤه بما يليق به من كلمات، وجاء انضمامه بعد حصوله على أغلبية الأصوات (40عضوًا). وقال يومها: ما أسعدني بهذا اللقاء، الذي فرحت به فرحًا على فرح: فرحت به ترشيحًا لي، وفرحت به ترجيحًا لي، وفرحت به استقبالاً لي، لأنه تكريم نشأ عن إلحاق لا عن لحوق، والإلحاق لااستدعاء، أدعو الله بدعاء نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أستعيذك من كل عمل أردت به وجهك فخالطني فيه غيرك. فحين رشحت من هذا المجمع آمنت بعد ذلك أننا في خير دائم، وأننا لن نخلو من الخير ما دام فينا كتاب الله، سألني البعض: هل قبلت الانضمام إلى مجمع الخالدين، وهل كتب الخلود لأحد؟ وكان جوابي: إن الخلود نسبي، وهذا المجمع مكلف بالعربية، واللغة العربية للقرآن، فالمجمع للقرآن، وسيخلد المجمع بخلود القرآن .

أسرة الشيخ محمد متولى الشعراوي:-
 تزوج الشيخ الشعراوي وهو في الابتدائية بناء على رغبة والدها الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، وكان اختيارًا طيبًا لم يتعبه في حياته، وأنجب الشعراوي ثلاثة أولاد وبنتين، الأولاد: سامي وعبد الرحيم وأحمد،والبنتان فاطمة وصالحة. وكان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين .
 وعن تربية أولاده يقول: أهم شيء في التربية هو القدوة، فإن وجدت القدوة الصالحة سيأخذها الطفل تقليدًا، وأي حركة عن سلوك سيئ يمكن أن تهدم الكثير. فالطفل يجب أن يرى جيدًا، وهناك فرق بين أن يتعلم الطفل وأن تربي فيه مقومات الحياة، فالطفل إذا ما تحركت ملكاته وتهيأت للاستقبال والوعي بما حوله،أي إذا ما تهيأت أذنه للسمع، وعيناه للرؤية، وأنفه للشم، وأنامله للمس.
 فيجب أن نراعي كل ملكاته بسلوكنا المؤدب معه وأمامه، فنصون أذنه عن كل لفظ قبيح، ونصون عينه عن كل مشهد قبيح. واذا أردنا أن نربي أولادنا تربية إسلامية، فإن علينا أن نطبق تعاليم الإسلام في أداء الواجبات، وإتقان العمل، وأن نذهب للصلاة في مواقيتها،وحين نبدأ الأكل نبدأ باسم الله، وحين ننتهي منه نقول: الحمد لله.. فإذا رآنا الطفل ونحن نفعل ذلك فسوف يفعله هو الآخر حتى وإن لم نتحدث إليه في هذه الأمور، فالفعل أهم من الكلام.

الجوائز التي حصل عليها :-
-- مُنح الإمام الشعراوي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15/4/1976 م قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر.
-- ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983م وعام 1988م، ووسام في يوم الدعاة.

-- حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
-- اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمها الرابطة، وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر.
-- أعدت حوله عدة رسائل جامعية منها :-
- رسالة ماجستير عنه بجامعة المنيا ـ كلية التربية ـ قسم أصول التربية، وقد تناولت الرسالة الاستفادة من الآراء التربوية لفضيلة الشيخ الشعراوي في تطوير أساليب التربية المعاصرة في مصر.
- جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989م والذي تعقده كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا، ودوليًا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.


* مؤلفات الشيخ الشعراوي :
للشيخ الشعراوي عدد من المؤلفات، قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، وأشهر هذه المؤلفات وأعظمها
 - تفسير الشعراوي للقرآن الكريم                         - الإسراء والمعراج.
- أسرار بسم الله الرحمن الرحيم.                        - الإسلام والفكر المعاصر.
- الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج.                       - الشورى والتشريع في الإسلام.
- الصلاة وأركان الإسلام.                              - الطريق الى الله.
- الفتاوى.                                               - لبيك اللهم لبيك.
- 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي.             - المرأة كما أرادها الله.
- معجزة القرآن.                                        - من فيض القرآن.
- نظرات في القرآن.                                      - على مائدة الفكرالإسلامي.
- القضاء والقدر.                                        - هذا هو الإسلام.
                      - المنتخب في تفسير القرآن الكريم.
* الشيخ الشعراوى الشاعر :-
عشق الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ اللغة العربية، وعرف ببلاغة كلماته مع بساطة في الأسلوب، وجمال في التعبير، ولقد كان للشيخ باع طويل مع الشعر، فكان شاعرا يجيد التعبير بالشعر في المواقف المختلفة، وخاصة في التعبير عن آمال الأمة أيام شبابه، عندما كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القوية المعبرة،وكان الشيخ يستخدم الشعر أيضاً في تفسير القرآن الكريم، وتوضيح معاني الآيات،وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول "عرفوني شاعراً"
وعن منهجه في الشعر يقول: حرصت على أن أتجه في قصائدي إلى المعنى المباشر من أقصر طريق.. بغير أن أحوم حوله طويلا.. لأن هذا يكون الأقرب في الوصول إلى أعماق القلوب. خاصة إذا ما عبرت الكلمات بسيطة وواضحة في غير نقص. وربما هذا مع مخاطبتي للعقل هو ما يغلب على أحاديثي  للناس.

يقول في قصيدة بعنوان "موكب النور":
                        أريحي السمــاح والإيثـار**لك إرث يا طيبة الأنـوار
                         وجلال الجمال فيـك عريق**لا حرمنا ما فيه من أسـرار
                          تجتلي عندك البصائر معنى**فوق طوق العيون والأبصار
ويتحدث إمام الدعاة فضيلة الشيخ الشعراوي في مذكراته التي نشرتها صحيفة الأهرام عن تسابق أعضاء جمعية الأدباء في تحويل معاني الآيات القرآنية إلى قصائد شعر. كان من بينها ما أعجب بها رفقاء الشيخ الشعراوي أشد الإعجاب إلى حد طبعها على نفقتهم وتوزيعها. يقول إمام الدعاة ومن أبيات الشعر التي اعتز بها، ما قلته في تلك الآونة في معنى الرزق ورؤية الناس له. فقد قلت:
                                    تحرى إلى الرزق أسبابه   ولا تشغلن بعدها بالك
                                  فانت تجـهل عنـوانه       ورزقـك يعرف عنوانك
سمع سيدنا الشيخ الذي كان يدرس لنا التفسير هذه الأبيات قال لي: يا ولد هذه لها قصة عندنا في الأدب. فسألته: ما  هي القصة: فقال: قصة شخص اسمه عروة بن أذينة.. وكان شاعرا بالمدينة وضاقت به الحال، فتذكر صداقته مع هشام بن عبد الملك.. أيام أن كان أمير المدينة قبل أن يصبح الخليفة. فذهب إلى الشام ليعرض تأزم حالته عليه لعله يجد فرجا لكربه. ولما وصل إليه استأذن على هشام ودخل. فسأله هشام كيف حالك يا عروة ؟. فرد: والله إن الحال قد ضاقت بي..
فقال لي هشام: ألست أنت القائل:
                لقد علمت وما الإشراق من خُلقي**إن الذي هـو رزقي سوف يأتيني
واستطرد هشام متسائلا: فما الذي جعلك تأتي إلى الشام وتطلب مني.. فأحرج عروة الذي قال لهشام: جزاك الله عني خيرا يا أمير المؤمنين.. لقد ذكرت مني ناسيا، ونبهت مني غافلا.. ثم خرج..
وبعدها غضب هشام من نفسه لأنه رد عروة مكسور الخاطر.. وطلب القائم على خزائن بيت المال وأعد لعروة هدية كبيرة وحملوها على الجمال.. وقام بها حراس ليلحقوا بعروة في الطريق.
وكلما وصلوا إلى مرحلة يقال لهم: كان هنا ومضى. وتكرر ذلك مع كل المراحل إلى أن وصل الحراس إلى المدينة.. فطرق قائد الركب الباب وفتح له عروة.. وقال له: أنا رسول أمير المؤمنين هشام.. فرد عروة: وماذا أفعل لرسول أمير المؤمنين وقد ردني وفعل بي ما قد عرفتم ؟..
فقال قائد الحراس: تمهل يا أخي.. إن أمير المؤمنين أراد أن يتحفك بهدايا ثمينة وخاف أن تخرج وحدك بها.. فتطاردك اللصوص، فتركك تعود إلى المدينة وأرسل إليك الهدايا معنا.. ورد عروة: سوف أقبلها ولكن قل لأمير المؤمنين لقد قلت بيتا ونسيت لآخر..
فسأله قائد الحراس:   ما هو..؟  فقال عروة:
                                      أسعى له فيعييني تطلبه** ولو قعدت أتاني يعينني
* مواقف وطنية :-
ويروي إمام الدعاة الشيخ الشعراوي في مذكراته وقائع متفرقة الرابط بينها أبيات من الشعر طلبت منه وقالها في مناسبات متنوعة.. وخرج من كل مناسبة كما هي عادته بدرس مستفاد ومنها مواقف وطنية.
يقول الشيخ: و أتذكر حكاية كوبري عباس الذي فتح على الطلاب من عنصري الأمة وألقوا بأنفسهم في مياه النيل شاهد الوطنية الخالد لأبناء مصر. فقد حدث أن أرادت الجامعة إقامة حفل تأبين لشهداء الحادث ولكن الحكومة رفضت.. فاتفق إبراهيم نور الدين رئيس لجنة الوفد بالزقازيق مع محمود ثابت رئيس الجامعة المصرية على أن تقام حفلة التأبين في أية مدينة بالأقاليم. ولا يهم أن تقام بالقاهرة.. ولكن لأن الحكومة كان واضحا إصرارها على الرفض لأي حفل تأبين فكان لابد من التحايل على الموقف.
 وكان بطل هذا التحايل عضو لجنة الوفد بالزقازيق حمدي المرغاوي الذي ادعى وفاة جدته وأخذت النساء تبكي وتصرخ.. وفي المساء أقام سرادقا للعزاء وتجمع فيه المئات وظنت الحكومة لأول وهلة أنه حقا عزاء.. ولكن بعد توافد الأعداد الكبيرة بعد ذلك فطنت لحقيقة الأمر.. بعد أن أفلت زمام الموقف وكان أي تصد للجماهير يعني الاصطدام بها.. فتركت الحكومة اللعبة تمر على ضيق منها.. ولكنها تدخلت في عدد الكلمات التي تلقى لكيلا تزيد للشخص الواحد على خمس دقائق.. وفي كلمتي بصفتي رئيس اتحاد الطلبة قلت:
                         شباب مات لتحيا أمته   *   وقُبر لتنشر رايته
                          وقدم روحه للحتف      * والمكان قربانا لحريته
 ولأول مرة يصفق الجمهور في حفل تأبين. وتنازل لي أصحاب الكلمة من بعدي عن الُمدد المخصصة لهم.. لكي ألقى قصيدتي التي أعددتها لتأبين الشهداء البررة والتي قلت في مطلعها:

نــداء يابني وطني نــداء**دم الشهداء يذكره الشبــاب
وهل نسلوا الضحايا والضحايا**بهم قد عز في مصر المصاب
شبـــاب برَّ لم يفْرِق.. وأدى**رسالته، وها هي ذي تجاب
فلـم يجبن ولم يبخل وأرغى**وأزبد لا تزعزعـــه الحراب
وقــــدم روحه للحق مهرًا**ومن دمه المراق بدا الخضاب
وآثر أن يمــــوت شهيد مصر**لتحيا مصر مركزها مهاب
* مع الشعراء :-
وللشيخ الشعراوي ذكريات مع الشعراء والأدباء،شهدت معارك أدبية ساخنة، وكان للشيخ فيها مواقف لا تنسى. يقول الشيخ: حدث أيام الجماعة الأدبية التي كنت أرأسها حوالي عام 1928.. والتي كانت تضم معي أصدقاء العمر الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي والمرحوم محمد فهمي عبد اللطيف وكامل أبو العينين وعبد الرحمن عثمان رحمه الله..
 حدث أن كانوا على صلة صداقة مع شاعر مشهور وقتها بطول اللسان والافتراء على أي إنسان اسمه عبد الحميد الديب، صاحب قصيدة "دع الشكوى وهات الكأس واسكر".. والذي لم يسلم أحد من لسانه.. والذي كان يعيش على هجاء خلق الله إلى أن يمنحوه مالا.. وجاءت ذات ليلة سيرتي أمامه..
وقال له الأصدقاء أعضاء الجماعة الأدبية عن كل ما أقرضته من قصائد شعرية.. فرد وقال: الشيخ الشعراوي شاعر كويس.. ولكن لا يصح أن يوصف بأنه شاعر.. ولما سألوه: لماذا ؟
قال: إن المفترض في شعر الشاعر أن يكون مجودا في كل غرض.. وهو لم يقل شعرا في غرضين بالذات ولما حكوا لي عن هذا الذي قاله الشاعر محجوب عبد الحميد الديب.. قلت لهم: أما أنني لم أقل شعرا في الغزل.. فأرجو أن تبلغوه بأنني أقرضت الشعر في الغزل أيضا.. لكنه غزل متورع.. وانقلوا إليه الأبيات عني.. والتي قلت فيها:
مــن لم يحركه الجمال فناقـص تكوينه**وسوى خلق الله من يهوي ويسمح دينه
سبحان من خلق الجمال والانهزام لسطوته**ولهذا يأمرنا بغض الطرف عنه لرحمته
مـن شاء يطلبه فلا إلا بطــهر شريعته**وبذا يدوم لنـا التمتــع ها هناوبجنته
وأما عن الهجاء فقلت لأصدقائي: إنني لا أجد موضوعا أتناوله إلا أن أهجو عبد الحميد الديب نفسه.. ولن أشهر به.. ولكن فليأت إلينا.. ويجلس معنا.. وأقول له أنني سوف أهجوك بكذا وكذا.. ثم أخيره بعد ذلك أن يعلن هجائي له أو لا يعلنه.
 وقد تحداني وقدم إلى منزلي بباب الخلق وسألني: ما الذي سوف تقوله في عبد الحميد الديب يا ابن الشعراوي ؟ فقلت له: والله لن أقول شعري في هجائك لأحد إلى أن تقوله أنت وأنا أقطع بأنك لن تكرر على مسامع الناس هجائي لك.. وبالفعل ما سمعه عبد الحميد الديب مني في هجائه لم يستطع ـ كما توقعت ـ أن يكرره على مسامع أحد.
 ولذلك كنت الوحيد من شلة الأدباء الذي سلم من لسانه بعدها. لأنه خاف مني وعلم قوتي في شعر الهجاء أيضا. ومن هنا ترسخ يقيني بأن التصدي للبطش والقوة لا يكون إلا بامتلاك نفس السلاح.. سلاح القوة ولكن بغير بطش..
أشعار ومناسبات :-
ويقول الشيخ عن أشعاره في المناسبات المختلفة: كنا في كل مناسبة نعقد ندوات ونلقي بالأشعار، وكان هذا مبعث نهضة أدبية واسعة في زماننا.. كانت معينا لا ينضب لغذاء القلب والعقل والروح لا يفرغ أبدا.. وأذكر من هذه الأيام أن كنا نحيي في قريتنا ذكرى الوفاء الأولى لرحيل حبيب الشعب سعد زغلول. وطلب مني خالي أن أقرض أبياتا في تأبين الزعيم.. فقلت على ما أذكر:
                             عام مضى وكأنه أعوام**يا ليته ما كان هذا العام
 ويومها  قال لي خالي ومن سمعوني: يا آمين.. قلت وأوجزت.. وعبرت.. عما يجيش في صدور الخلق.
كان أول ظهور له على المستوى العام "في التليفزيون" هو ظهوره في برنامج "نور على نور" للأستاذ أحمد فراج.
وكانت الحلقة الأولى التي قدمها عن حلية رسول الله (صلى الله عليه وسلم). كانت الحلقة تتحدث عن أخلاق الرسول وشمائله، ورغم أن هذا الموضوع قديم كتب فيه الكاتبون، وتحدث فيه المتحدثون،  إلا أن الناس أحسوا أنهم أمام فكر جديد وعرض جديد ومذاق جديد.. لقدأحسوا أنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة. ولعل هذه كانت أول مزية للشيخ الشعراوي، إن القديم كان يبدو جديدا على لسانه، أيضا أشاعت هذه الحلقة إحساسا في الناس بأن الله يفتح على الشيخ الشعراوي وهو يتحدث، ويلهمه معاني جديدة وأفكارا جديدة.
بعد هذا القبول العام انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن وأوقف حياته على هذه المهمة؛ ولأنه أستاذ للغة أساسا كان اقترابه اللغوي من التفسيرآية من آيات الله، وبدا هذا التفسير للناس جديدا كل الجدة، رغم قدمه ورغم أن تفسيرالقرآن قضية تعرض لها آلاف العلماء على امتداد القرون والدهور، إلا أن تفسير الشيخ الشعراوي بدا جديدا ومعاصرا رغم قدمه، وكانت موهبته في الشرح وبيان المعاني قادرة على نقل أعمق الأفكار بأبسط الكلمات.. وكانت هذه موهبته الثانية.
وهكذا تجمعت القلوب حول الرجل وأحاطته بسياج منيع من الحب والتقدير.. وزاد عطاؤه وزادإعجاب الناس به، ومثل أي شمعة تحترق من طرفيها لتضيء مضي الشيخ الشعراوي في مهمته حتى اختاره الله إلى جواره.. عزاء لنا وللأمة الإسلامية.
*  قالوا :عن الشيخ الشعراوي :-
 -- فقد العلماء بموته خسارة إنسانية كبرى، إن الناس يحسون عندئذ أن ضوءا مشعا قد خبا، وأن نورا يهديهم قد احتجب،
-- فقال احمد بهجت:-
 إن الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه. والملكة غير العادية التي جعلته يطلع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن الكريم. وكان ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم مالم يدركه الكثيرون وكان له حضور في أسلوب الدعوة يشرك معه جمهوره ويوقظ فيه ملكات التلقي. ولقد وصف هو هذا العطاء عندما قال: "إنه فضل جود لا بذل جهد". رحمه الله وعوض أمتنا فيه خيرًا.

-- أما الدكتور/ محمدعمارة فيقول:
إن الشيخ الشعراوي قد قدم لدينه ولأمته الإسلامية وللإنسانية كلها أعمالا طيبة تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

-- ويضيف فضيلة الدكتور/محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر"
فقدت الأمة الإسلامية علما من أعلامها كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير  القرآن الكريم بأسلوب فريد جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية.
-- وقال الدكتور / محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف"
إن الشعراوي أحد أبرز علماء الأمة الذين جدد الله تعالى دينه على يديهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها].
-- ويقول الدكتور /"أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر"
إن الفقيد واحد من أفذاذ العلماء في الإسلام قد بذل كل جهد من أجل خدمة الأمة في دينها وأخلاقها.
وقال "الشيخ أحمد كفتارو مفتي سوريا"
إن الجمعية الشرعية تنعى إلى الأمة الإسلامية فقيد الدعوة والدعاة إمام الدعاة إلى الله تعالى، حيث انتقل إلى رحاب ربه آمنا مطمئنا بعد أن أدى رسالته كاملة وبعد أن وجه المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها إلى ما يصلح شئون حياتهم ويسعدهم في آخرتهم. فرحم الله شيخنا الشعراوي رحمة واسعة وجعله في مصاف النبيين والصديقين والشهداء والصالحين  وحسن أولئك رفيقا وجزاه الله عما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء.


                                     الباب الرابع
                                  أحكام الجهاد
* أولا ً:معنى الجهاد:-
الجهاد كلمة شاملة تعني لغوياً الجد والمبالغة وبذل الوسع والمجهود والطاقة كما في قوله تعالى:
(والذين لا يجدون إلاّ جهدهم). وتعني دينياً تحقيق الإيمان الحقيقي وما يتمخّض عنه، ومقارعة كل ما يبغضه الله من كفر وانحلال وفسوق، ومن ثم قال ابن تيمية: "الجهاد حقيقة الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" (كتاب العبودية، ص104)
 وقد وردت كلمة الجهاد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة،، ومما ورد في القرآن الكريم من استخدام لكلمة (جهاد) قوله تعال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات، وأولئك هم المفلحون)التوبة88
وقوله: (يا أيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّمُ وبئس المصير) التوبة72، وقوله تعالى :(فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً) الفرقان: 52.
حُـكـم الجهـاد :
من حيث حُكم الجهاد ، فقد جرى فيه الخلاف ، فجمهور العلماء على أنه فرض كفاية ، وذهب بعض العلماء أنه فرض عين . منهم سعيد بن المسيب .والصحيح أنه فرض كفاية على الأمة ،
ولا يعني كونه فرض كفاية التقليل من أهميته ، إذ أن الجهاد من أفضل القربات وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فقال : رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
ولما سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : لا ، لكن أفضل الجهاد حـج مبرور . رواه البخاري ، وفي رواية لـه قال : جهادكن الحج  ولذا قرر غير واحد من أهل العلم أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد ، فلا يجب الجهاد على النساء بلا نزاع .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهاراً ، أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله . يُشير بذلك إلى حديث البخاري عنه عليه الصلاة والسلام : ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه . قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد  إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء .
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد .
ولما ذُكِر له الجهاد جعل يبكي ويقول : ما من أعمال البر أفضل منه .
كما أنه لا يعني القول بالفرضية الكفائية أنه لا يجب على الأمة ، بل الفروض الكفائية إذا لم يَقم بها من يكفي أثم الجميع . كما هو مقرر عند أهل العلم .
قال المرداوي في الإنصاف : فرض الكفاية واجب على الجميع . نص عليه في الجهاد . وإذا قام به من يكفي ، سقط الوجوب عن الباقين ، لكن يكون سُنّة في حقهم .
ولو قيل بفرضية الجهاد على الأعيان لتعطلت الفروض الأخرى ، ولم يكن ثمة من يقوم بها .ولو كان الجهاد فرض عين على جميع أفراد الأمة لما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق  ولما وضع الصحابة سيوفهم عن عواتقهم ، ولما قال ابن عوف رضي الله عنه : دلوني على السوق ، ولما أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في تخلّفه لتمريض زوجته .
 ولما بقي في المدينة من تدعو الحاجة إلى بقائه ، ونحو ذلك .ولما قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ، ولكن لا أجد حمولة ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ويشق علي أن يتخلفوا عني . متفق عليه .
وقد نص العلماء على أن : يُشترط لمن أراد الجهاد وجود زاد ونفقة عياله مدة غيبته ولو كان يجب على كل أحد ما عُذِر من كان على مثل هذه الحال .
كما أنه لا يجب على النساء كما تقدّم ، ولا يجب على العبيد في أصح قول العلماء ، ولا يجب على أولي الضرر ، ولا على أهل الأعذار .ولو كان يجب وجوبا عينيا على كل أحد لما عُذر         هؤلاء قال سبحانه : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا    يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ      عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ       الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ )
فهؤلاء الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يجدون ما يُنفقون ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه من الدواب قد عذرهم الله في محكم كتابه .
وقال سبحانه : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) .
ولو كان الجهاد فرض عين على الدوام لما كان هناك مجال مقارنة بين المجاهدين والقاعدين ، ولما وعد الله الجميع بالحسنى .كما أن الأعمى إذا شارك في رأي أو مكيدة ، أو شارك الأعرج ونحوه ، كما شارك في القتال عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه ، فإن ذلك عزيمة عزموا بها على أنفسهم لا أنه فرض عليهم .
* وقد نص العلماء على أن الجهاد لا يتعين إلا في ثلاث حالات :
1 – إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )
2 – إذا نزل الكفار ببلد ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً )
3 – إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير . لقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا استنفرتم فانفروا . متفق عليه
* أهميّة الجهاد في منهج نبي الرحمة والمحبة والسلام:
إن الجهاد في معنى القتال هو أحد المسالك التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله تعالى من أجل أن يعم السلام وينتشر الخير ويدفع تسلط الطواغيت والظلمة والكافرين، إنقاذاً للمظلومين، وتحقيق لحرية الناس وحقهم في العيش في امن وسلام، وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم بجهاد الكفار والمنافقين بقوله تعالى : (يا أيّها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنهم وبئس المصير)، وقوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهُم لعلهم ينتهون) التوبة: 12
كما أمرنا أن نعد العدة من أجل ردع الظالمين وإرهابهم حتى لا يروّعوا الآمنين، فقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)الأنفال60
كما ربط الله تعالى بين القتال وبين ذكر الله تعالى، فقال عز وجل: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) الأنفال45، وحرّم الله الهروب من أمام العدو الكافر بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولُّوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواهُ جهنم وبئس المصير). الأنفال: 15-   16
داعياً إلى بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق السلم الذي يأتي من خلال انتشار معاني حب        الله والجهاد في سبيله، وإلى تفضيل ذلك على الآباء والأبناء والأموال والعشيرة على الدنيا     الفانية والشهوات والهوى، فقال عز من قائل: (قُل إن كان آباؤكُم وأبناؤُكُم وإخوانُكُم  وأزواجُكم وعشيرتُكُم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ     إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره واللهُ لا يهدي القوم    الفاسقين) التوبة 24.
وقد وهب الله سبحانه المجاهدين درجات عليا وجزى المستشهدين في سبيله جزاءً أوفى قائلاً     بمنح الجنة للمجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم: (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم  بأن لهم الجنّة) التوبة111 ، ومبشراً الشهداء بأنهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون: (ولا تحسبن الذين  قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون) آل عمران 169
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون) البقرة154
 كل هذا ليس رغبة في القتال من أجل القتال، وليس رغبة في سفك الدماء، ولكنه دفع     للعدوان حينما تنتفي الدوافع والمسالك السلمية لتحقيق السلم، وأن يكون الدين لله. ولذلك    فإن الله تعالى يشدد على المؤمنين بأن يكون جهادهم على وعي تام بمبادئه وغاياته، فلا قتال لمن  أراد السلم، قال تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) النساء94،
وقال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) الأنفال61، كما أن المنهج النبوي يؤكد عدم العدوان بقوله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) النساء 90 ، لأن القتال يكون لمن بدأ بالعدوان ومن أجل إنهاء العدوان فقط، قال تعالى: (فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقال سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين      ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الممتحنة: 8.

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
تقسيم الجهاد :
من حيث تقسيم الجهاد ، فالعلماء قسموا جهاد الكفّار إلى قسمين :
جهاد دفع ، وجهاد طلب . ويُتسامح في الأول لدفع العدو الصائل ما لا يُتسامح في الثاني .
* فجهاد الدفع يتعيّن على أهل ذلك البلد الذي دهمه العدو ، ولو بغير إمام كما سيأتي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم ، وعلى غير المقصودين لإعانتهم - إلى أن قال - كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد ، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج . بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13)
 فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس ، وهو قتال اضطرار . وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك ونحوها .وقال المرداوي في الإنصاف :  تنبيه : مفهوم قوله أو حضر العدو بلده . أنه لا يلزم البعيد ، وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره . كعدم كفاية الحاضرين للعدو ، فيتعّين أيضا على البعيد .
* أما جهاد الطلب ، فامتثالا لقوله تعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) . وغيرها من الآيات ، والأحاديث الدالة على وجوب الجهاد ومُضيِّه مع كل برّ وفاجر إلى يوم القيامة .
* لماذا جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
كما سبق القول فإن الإسلام دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه لم يفرض الجهاد رغبة في السيطرة والتوسع، أو كسباً للمنافع الدنيوية، أو إرغاماً للناس على تركهم عقائدهم السابقة والدخول في الدين الجديد، أو حبّاً في إظهار القوة والتفوق الحربي، وإنما شُرع دفعاً للظلم، ومقاومة للباطل ومقارعة للكفر، ونشراً للعدل والحرية والسلام عن طريق كسر الأطواق المضروبة حولها، وتحقيقاً لأهداف الدعوة إلى الله، ودفاعاً عن الأعراض والأوطان والأموال.
والمتتبع لسيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنه ما قاتل إلا لتحقيق السلم ونشر العدل وبناء الأخوة بين الناس من خلال رد العدوان وكسر طوق الظالمين. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أُخرجوا من ديارهم بغير حق، فأمرهم الله تعالى بقتال من يعتدي عليهم، وبإخراج من يحاول إخراجهم من ديارهم وأراضيهم، (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) البقرة190، ولكن في     إطار العدل والسلم كمسلك وغاية، فقال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم           ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين البقرة: 190.
كما أن الجهاد شُرع لفتح الطريق أمام الفضيلة والخير والعدل والسلم إذا وقف أهل الباطل في طريق السلام العالمي، ومن أجل أن تتحقق الحرية والأمن والسلام للمستضعفين في الأرض، قال تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرّجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها وأجعلْ لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيرا) [النساء: 75].
 وبما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء رحمة للناس كافة، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافةً للنّاس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون). [سبأ: 28]، وأرسل دينه رحمةً لجميع مخلوقاته، وهذه هي بعض دوافع شرع الجهاد، وهي واضحة في أنها مسلك لتحقيق السلم وفتح الآفاق أمام الناس حتى لا تكون هناك فتنة أو سفك للدماء بغير وجه حق.
ومن أحكام الجهاد :
أولاً : ضرورة وجود إمام أو أمير .
لا يقوم الجهاد إلا بإمام أو أمير ، يُرجع إليه عند الحاجة ، ويُردّ إليه عند الاختلاف .ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيّر سرية أو بعث بعثا أو أنفذ جيشاً دون أن يؤمّر عليه أميرا ، وقد أمّـر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة على جيش مؤتة ، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .
قال في الشرح الكبير : وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك – إلى أن قال – فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخّر الجهاد ؛ لأن مصلحته تفوت بتأخيره . وهذا لا يكون إلا في حالات نادرة ، أو في حالات جهاد دفع العدو الصائل .
         إذ لا يصلح الناس فوضى لا سُراة     لهم ولا سُـراة إذا جهالهم سـادوا
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة ، وياسَرَ الشريك ، واجتنب الفساد ؛ فإن نومه ونبهه أجرٌ كله , وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ؛ فإنه لم يرجع بالكفاف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وهو حديث صحيح
وقال عمر رضي الله عنه : إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة . رواه عنه الدارمي .
وقد عقد الإمام البخاري - رحمه الله – ( باب) ، فقال : باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . ثم ساق بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم .
أما لماذا الجهاد مع البر والفاجر ؟
فإنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة ، وبالنظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه عند ترك الجهاد مع الفاجر مِنْ تمكن العدو وتسلطه على رقاب المسلمين وعلى ديارهم وأموالهم ، فتحقيق هذه   المصالح أعظم ، وترك الجهاد مع الفاجر يُفوّت تحقيق هذه المصالح بل وينتج عنه مفاسد             لا يعلمها إلا الله .قال الإمام أحمد : أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا عن الجهاد كما قعدتم ، من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب الإسلام ؟
ثانياً : الإعداد للجهاد:-
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى :(وَأَعِدُّواْ لَهُم          مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
أما من قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
 جاء في سيرة نور الدين زنكي :أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه  .والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر الفرّ
ثالثاً : إخلاص النية:-
إخلاص النية شرط في قبول العبادات ومن لم يُخلص في جهاده لم يكن لـه من نصيب فيه ، ولم يكن لـه إلا ما نوى إذا نوى أمراً دنيوياً ، أما إذا أظهر للناس أنه يُجاهد في سبيل الله ولم يكن كذلك فهذا أول من تسعر به النار .
 كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟  قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ... الحديث . رواه مسلم
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه ، فقيل : يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان  فقال : إنه من أهل النار .
 فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم : لأتبعنه فإذا أسرع و أبطأ كنت معه حتى جرح ، فاستعجل الموت ، فوضع نصاب سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك ؟ فأخبره ، فقال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
أما إذا غزا وهو يُريد غرضا دنيوياً ، فليس له إلا ما نوى ، وإن ذهبت نفسه . قال عليه الصلاة والسلام : من غزا ولا ينوي في غزاته إلا عقالا فله ما نوى . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
رابعاً : وضوح الهدف ، وبيان القصد :-.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . متفق عليه
فيُقاتِل المسلم من أجل هدف سام ، وغاية عظيمة ، وهي إعلاء كلمة الله جل وعلا والمسلم يربأ بنفسه أن يُقاتِل حمية أو عصبية أو لغرض دنيوي زائل .قال عليه الصلاة والسلام : من قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ ، يدعو عصبية أو ينصر عصبية ، فَقِتْلَةٌ جاهلية . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية . رواه أبو داود . فلا بُد أن يكون المسلم على بيّنة في قتاله . وما الهدف من هذا القتال ؟ إذا كان لإقامة شرع الله فهذا هو المقصد ، أما إذا كان لتحصيل أرض أو وطن ثم تُحكم بحكم الجاهلية فبئس القصد وبئست النيّة .إذاً لا بُـدّ من وضوح الهدف ، والقتال تحت راية واضحة وضوح الشمس .لا أن يكون الحال كما قيل :
                    وهل أنا إلا من غُزية إن غوت      غويت وإن ترشد غزية أرشـد

وقبل الختام أود تحرير القول في مسألة جرى فيها الخلاف ، ألا وهي :
مسألة الاستئذان :-
وتتضمن :
1 - استئذان الإمام
2 - استئذان الوالدين
3 - استئذان الدائن
4 - استئذان العبد
5 - استئذان المرأة

أولاً : استئذان الإمام:-
ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام . قال ابن قدامة في المغني :مسألة ؛ قال : ( وإذا غزا الأمير بالناس لم يَجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ) يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا الاحتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير . كما ذكروا أيضا أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام .وليس هذا على إطلاقه .
قال في العمدة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه ، أو تعرض فرصة يخافون فوتها . ومعنى ( كَلَبَه ) أي شرّه وأذاه .وهذا القول – أعني – لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام .
 لـه حظ من النظر في ابتداء الغزو وتسيير السرايا وبعث الجيوش ، لا أن الحكم ينسحب على الأفراد .فلم يُنقل عن سرية أنها سارت أو جيش أن انطلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه .وهذا يُشبه حال الجيوش النظامية اليوم فإنه لا يمكن أن تسير إلا بأمر الحاكم ولو أن كل من أراد القتال جمع جيشا وسار بسرية لأصبح المسألة فوضى ، ولا تنضبط الأمور بذلك .
أما دفع العدو الصائل فلا يُشترط له ذلك – كما تقدّم – .أما ما يُستدل به من مجيء ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في القصة المعروفة – وستأتي – فليس فيه دليل على عموم الاستئذان ، ثم إنه لا يقوى على تخصيص الآية في قوله سبحانه وتعالى :( لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) .
قال القرطبي - رحمه الله - في التفسير : أي في القعود ولا في الخروج ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروه ، فكان الاستئذان في ذلك الوقت من علامات النفاق لغير عذر.
وقال الشوكاني بعد أن ذكر الأوجه في الآية :وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف.
ثم إن قصة الرجل الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واقعة عين لا عموم لها ، بدليل أنه لم يُحفظ عن الصحابة رضي الله عنهم الاستئذان لكل من أراد الجهاد .وقصة الرجل الذي جاء يستأذن رواها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد .
ومثله قصة جاهمة السلمي رضي الله عنه حيث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيّـة أمك ؟ قلت : نعم . قال : ارجع فبرّها ، قال : ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فارجع إليها فبرها ثم أتيته من أمامه فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة . رواه ابن ماجه
ثم قال : قال أبو عبد الله بن ماجة : هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .وهذا يدلّ على أمرين :
الأول : أن الاستئذان وقائع أعيان لا عموم لها .
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بما يعلم أنه الأصلح لهم .
بدليل اختلاف الوصية من رجل لآخر .
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال أوصني . قال : عليك بالجهاد .
وجاءه آخر فقال أوصني . قال : لا تغضب .
وقال لثالث : عليك بالصوم فإنه لا عدل له .
وأوصى رجلاً فقال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .
وهكذا . تختلف الوصية باختلاف أحوال الناس .
ويبدو أن هذا الرجل الذي ردّده النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك بسبب معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه لا صبر له - كما أشار إليه ابن ماجه - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : قد يكون الشخص يَصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل ، فيكون أفضل في حقه ، كما أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد .
ثم إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك – أي خلاف الاستئذان – .
فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة . قال : ثم مه ؟ قال : الصلاة قال : ثم مـه ؟ قال : الصلاة ثلاث مرات . قال : ثم مـه ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : فإن لي والدين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمرك بوالديك خيرا ، فقال : والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت أعلم . رواه الإمام أحمد وابن حبان ، وإسناد ابن حبان حسن .
فقول هذا الصحابي رضي الله عنه : " فإن لي والدين " يُشعر أنه سمع بترديد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتاه قبله .كما أن حمل الرجل بنفسه على العدو مُخالِف لاشتراط الاستئذان وقد وقع هذا بمرأى ومسمع من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُنكروه بل أقروه .
حدّث أبو عمران التجيبي قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر رضي الله عنه ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد رضي الله عنه فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس .
 وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار . لما أعز الله الإسلام ، وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام ، وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها  فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردّ علينا ما قلنا : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح .
ولما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجا من المدينة تبعهم وطاردهم وقاتلهم بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم . كما في الصحيحين .
ثم إن الخلاف قد وقع بين العلماء في الغزو بإذن الإمام .وفي الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيرا بغير إذن الإمام .قال أبن قدامة في المغني : إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا ؛ فعن أحمد فيه ثلاث روايات : إحداهن أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الإمام ويقسم باقيه بينهم ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم الشافعي . لعموم قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَه ُ) الآية ، والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام – ثم ذكر بقية الأقوال – ورجه هذا القول .
وقال في معرض سياق الأقوال : فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام ، أو من طائفة لهم مَنَعَـة وقـوّة
ونسب هذا القول الإمام النووي إلى الجمهور .
فلو كان الجهاد لا يجوز بغير إذن الإمام على إطلاقه لما جاز أن يُعطى هؤلاء نكالاً لهم .وكذلك القول في المبارزة بغير إذن الإمام .قال ابن المنذر : المبارزة بإذن الإمام حسن ، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج ، وليس ذلك بمكروه ؛ لأني لا أعلم خبرا يمنع منه .
الثاني : استئذان الوالدين
ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم ؛ قال : ففيهما فجاهد . متفق عليه .
قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما ، بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برّهما فرض عين عليه ، والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذْن .
قال الإمام الصنعاني :
وذهب الجماهير من العلماء إلى أنه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ؛  لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا . فإن قيل : بـرّ الوالدين فرض عين أيضا ، والجهاد عند تعينه فرض عين ، فهما مستويان . ما وجه تقديم الجهاد ؟ قلت : لأن مصلحته أعمّ ، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين ، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها .
وهذا هو القول الصواب ، جمعاً بين الأدلة ، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لـه أبوان شيخان كبيران وليس لهما عائل سواه ، فحينئذٍ يجوز له التخلف عن الجهاد .وتقدمت الأدلة في استئذان الأبوين وعدمه .
قال في المغني : وإن أذن لـه والداه في الغزو وشرطا عليه أن لا يُقاتل ، فحضر القتال تعيّن عليه وسقط شرطهما . كذلك قال الأوزاعي وابن المنذر ؛ لأنه صار واجبا عليه فلم يبق لهما في تركه طاعة .
استئذان المدين من غريمه
روى الإمام مسلم عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . إلا الدَّين . فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
قال ابن قدامة في المغني :
ومن عليه دين حال أو مؤجل لم يجز لـه الخروج إلى الغزو إلا بأذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا أو يوثقه برهن ، وبهذا قال الشافعي ، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه  لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين .
 وهذا لأن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي ؟ قال : نعم ، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك . رواه مسلم . وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه ؛ لأنه تعلق بعينه ، فكان مقدما على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان ، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل .
استئذان العبد
مما اشترط العلماء لوجوب الجهاد : الحرية
فلا يجب على العبد ، كالحج .
وهذا مما يُضعف القول بفرضية الجهاد على الأعيان .
استئذان المرأة
لا تخرج المرأة للجهاد ؛ لأن جهاد النساء جهاد لا شوكة فيه : ولأن المرأة ضعيفة ، ولا يؤمن ظفر العدو بها .قال في الإنصاف :ظاهر قوله : ويمنع النساء إلا طاعنة في السن ؛ لسقي الماء ، ومعالجة الجرحى . منع غير ذلك من النساء وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام الأصحاب .ثم قال تنبيه :ظاهر كلام المصنف أن المنع من ذلك على سبيل التحريم ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب .
وإنما ذكرت هذه المسألة لأني سمعت من النساء من تقول : إنه يجوز للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إذا تعيّن الجهاد .
والقاعدة الشرعية تنص على أن :درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح .وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله : فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم ؟ قال : كيف لا أخاف الإثم ، وهو يعرض ذريته للمشركين .قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها  قال : هذا للواحدة . ليس الذرية . أقول : وهذا محمول على الثغور المخوفة .
                 كيف يرى الإسلامُ المسيحيَّة؟
"لعلَّ أحداً لم يُحسِن التعبير عن غاية رسالة الإسلام مثلما عبَّر عن هذه الغاية الصحابيُّ "ربعيُّ بن عامر" عندما دخل على رستم؛ فسأله: من الذي ابتعثكم؟ فرد قائلا: "إن الله ابتعثنا لنُخرِج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
واللافت للنظر أن ربعيًّا ذلك الصحابيَّ الجليل الآتي من الصحراء قد أدرك أن جوهر رسالة الإسلام في أنها رسالة تحريرٍ للإنسان، تحرِّره من عبوديته للبشر لتكون عبودية الجميع لربِّ البشر، وأنها رسالة عدلٍ جاءت لتقضي على مظاهر الظلم في الكون كله.
وإذا كانت رسالة الإسلام جوهرها العدل والحرية؛ فإنها لا بد أن تحترم الإنسان، سواء لعقيدته أو لإرادته؛ ولذلك كان الأمر الإلهيُّ واضحاً منذ بداية تكليف النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "فذكِّر إنَّما أنت مذكِّر، لست عليهم بمصيطر".
وإذا كان احترام الإسلام لحرية الإنسان في اختياره العَقَديِّ ثابتاً لا مراء فيه حيث "لا إكراه في الدين"  "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"؛ فإن احترام الإسلام للعقائد السابقة عليه يأتي متَّسقا مع جوهر رسالته وصريح نصوصه. وقد ذكَّر الوحي القرآنيُّ النبيَّ الكريم بأنه ختامٌ لسلسلةٍ سبقته من الأنبياء والمرسلين، كلُّهم حمل نفس دعوة التوحيد، وأمر الناس بالرجوع لخالقهم، ورفض طغيان العباد: "ولقد بعثنا في كل أمَّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت".
وأمره بأن يحتمل ما أصابه من أذى؛ لأن ذلك كان سبيل إخوانه من الرسل: "فاصبِرْ كما صبر أولو العزم من الرسل"، كما ذكَّره سبحانه فقال: "نزَّل عليك الكتاب بالحقِّ مصدِّقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبلُ هدىً للناس وأنزل الفرقان".
وذكر القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه يؤمنون بجميع الرسل بلا تفرقة: "آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربِّه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرِّق بين أحدٍ من رسله…".
وهكذا نجد أن الإسلام لم يعترف فحسب بما سبقه من رسالاتٍ سماوية، بل إنه أمر المسلمين بأن يؤمنوا بجميع الرسل وجميع الكتب التي أُنزِلت كما أنزلها الله سبحانه وتعالى.
وقد فرَّق الإسلام منذ بدايات الدعوة في القرآن المكيِّ بين الكفَّار من عبدة الأوثان أو غيرهم وبين اليهود والنَّصارى الذين سماهم "أهل الكتاب" اعترافاً منه بأنهم حملة كتابٍ سماويّ، وإن كان لم يبق على نفس الصورة التي نزل بها من عند الله، إلا أن أتباعه ليسوا كغيرهم؛ إذ يؤمنون بكتابٍ وبرسول، ولهم دينهم ودياناتهم التي جاء الإسلام متمِّماً لها: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه". (المائدة: 48
وقد أمر الله المسلمين في سورة مكيةٍ وهي سورة العنكبوت بأن يجادلوا أهل الكتاب في الأمور التي يختلفون معهم فيها عقائديًّا مجادلةً حسنة: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم".
وعندما قدم النبيُّ الكريم صلي الله عليه وسلم المدينة، وقامت دولة الإسلام ككيانٍ سياسيٍّ واضح، نصَّت الصحيفة التي تُعتَبر دستور الدولة على نصوصٍ واضحةٍ في الاعتراف بحقِّ يهود المدينة في أن يكونوا مواطنين في هذه الدولة، مع احترامٍ كاملٍ لعقيدتهم .
 وممَّا ورد في هذه الصحيفة نصٌّ يقول: "وإنَّه من تبعنا من يهودٍ فإنَّ له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصَر عليهم… وإنَّ يهود بني عوف أمَّةٌ مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم ؛ فإنه لا يوتِغ (أي يُهِلك) إلا نفسه وأهل بيته، وإنَّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف…"، وعدد طوائف اليهود بالمدينة.
ثم نصت على أن الجميع ملزمٌ ببنود هذا الدستور: "وإنَّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإنَّ بينهم النَّصر على من حارب هذه الصحيفة، وإنَّ بينهم النُّصح والنَّصيحة والبرّ دون الإثم".
هكذا كان تعامل الإسلام، سواء في مرحلة الاستضعاف بمكة، أو عندما أصبح له دولةٌ وكيانٌ سياسيٌّ مستقلّ، وإذا كان تعامل الإسلام مع أهل الكتاب عامَّةً بهذا المنهج؛ فإنه مع النصارى كان له وضعه المتميِّز؛ ففي المرحلة المكيَّة نجد أن المسلمين أصابهم الحزن والغمُّ عندما انتصر الفرس (وهم عبدة النار) على الروم (وهم نصارى أهل كتاب)
 وأُنزل في ذلك قرآنٌ يُتلَى إلى يوم الدين يبشِّر المسلمين في مكَّة بأن الروم -وهم الأقرب إليهم- ستكون لهم الغلبة، قال تعالى: "الم، غُلِبَت الرّوم، في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبِهم سيَغلِبون، في بضع سنينَ لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذٍ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم". هكذا يذْكر القرآن أن المسلمين سيفرحون يوم تكون الغلبة للروم (النصارى) على الفرس (عبدة النار)
وعندما اشتد اضطهاد أهل مكة وتعذيبهم للمسلمين نَصَحَهم النبيُّ الكريم بأن يلجئوا إلى الحبشة النصرانية، لأن بها ملِكاً عادلا، لا يُظلَم عنده أحد، بتعبير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهاجر نفرٌ من المسلمين إلى الحبشة وعاشوا فيها سنين عددا؛ حتى استقرت دولة الإسلام بالمدينة، وقد أحسن النجاشيُّ وِفادتهم، ورفض تسليمهم لقريش عندما أرسلت رسولها يطلب ذلك.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل -ضمن رسائله إلى العديد من الملوك والحكام- رسالةً إلى هرقل قيصر الروم، كما أرسل إلى المُقَوقَس حاكم مصر من قِبَل الرومان، وكان استقبال كلٍّ من الرجلين طيِّبا، لا سيَّما المُقَوقَس الذي أرسل إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هدايا تدلُّ على مدى تقديره له.
      هكذا كانت بدايات العلاقة بين الإسلام والمسيحية، وهي كما نرى تدلُّ على أنَّ هذه العلاقة سيسودها الودُّ والوئام، وهكذا كان موقف المسلمين الذي قرءوا في قرآنهم: "لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا ولتجدنَّ أقربهم مودَّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى ذلك بأنَّ منهم قسِّيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون".
   أما عن الخلافات العقائدية بين عقيدة المسلمين وبين ما يعتقده النصارى من تأليهٍ لعيسى عليه السلام؛ فإن الإسلام –مع استنكاره لذلك- يناقش مناقشةً منطقيَّةً حرَّةً تاركًا لكلٍّ أن يختار ما يشاء من عقيدة.
    وقد قَدِم على الرسول الكريم وفدُ نجران من النصارى، فجادلهم كما علَّمه القرآن: "قل يا أهل الكتاب تعالَوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذَ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإنْ تولَوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"،
     وتناول القرآن مسألة ألوهيَّة عيسى عليه السلام تناولاً عقلانيّا: "ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ   قد خلت من قبله الرسل وأُمُّهُ صِدِّيقةٌ كانا يأكلان الطعام…"، ففي الآية تكريمٌ وتعظيمٌ للمسيح   وأُمِّه التي طالما ذكرها القرآن بكل الفضل والاصطفاء، وفي الآية أيضاً ردٌّ منطقيٌّ على القول بألوهية عيسى وأمه؛ لأنهما يتَّصفان بما يتَّصف به البشر من أكل الطعام وما يستلزمه.
     وذلك ما ينبغي أن يتنزَّه عنه الله سبحانه وتعالى؛ لأنه صفة نقص لا صفة كمال، ولكنَّ ذلك لم يكن داعياً لعداوةٍ مستحكمةٍ بين المسلمين والنصارى؛ إذ يُقِرُّ الإسلام بحقِّ الآخرين في اعتقاد      ما يشاءون، ولا أدلَّ على ذلك من الاحترام الشديد الذي لاقاه نصارى البلاد التي فتحها المسلمون لعقائدهم وكنائسهم وصلبانهم، وقد ظلَّ من شاء من أهل هذه البلاد متمسِّكاً      بعقيدته ؛ فما تعرَّض لهم أحدٌ وما أحسُّوا غُبْناً ولا ظلماً تحت راية الإسلام وحكمه.
    إنَّ نظرةً فيها أدنى إنصافٍ لتعامل المسلمين مع المسيحيِّين في البلاد التي فتحوها، ولِمَا فعله المسيحيُّون من خلال حملاتهم الصليبيَّة، وخلال المأساة التي يندى لها جبين البشرية عند هزيمة المسلمين في الأندلس، لتدلُّ على أن المسلمين كانوا دوماً أهل عدلٍ وإنصاف، وأن المسيحيِّين في هذه العصور ما تعاملوا فقط بشيءٍ من العدالة واحترام الآخرين عقديًّا وفكريّا .
    ولكنَّنا لا نبغي بذلك أن نثير أحقادا، وإنِّما نذكِّر –فحسب- بموقف الإسلام على المستوى النظريِّ وعلى المستوى العمليِّ على حدٍّ سواء، وإذا كان أهل الكتاب لا يقرُّون بنبوَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولا بكون القرآن وحياً إلهيًّا؛ فإنَّ المسلمين يجعلون موسى وعيسى عليهما السلام في    الذُّروة من السلسلة المطهَّرة التي اصطفاها الله، وهم أولو العزم من الرسل، والمسلمون يؤمنون   بما أُنزِل عليهم من كتبٍ مردِّدين قول ربهم عز وجل: "وقولوا آمنَّا بالذي أُنزِل إلينا وأُنزِل إليكم وإلهُنا وإلهُكم واحدٌ ونحن له مسلمون".
وبالجملة ؛ فالمسلم في موقفه من المسيحيِّ ينطلق من عدَّة اعتبارات:
أولها: أنَّه ينزله حيث أمر الله من كونه من أهل الكتاب الذين أُمِرنا بأن نجادلهم نظريًّا بالتي هي أحسن.
ثانيها: أنَّه من الناحية العمليَّة، يُتعامَل معه بقيم الإسلام التي تقوم على العدالة والمساواة والحريَّة والإحسان إلى الآخر.
ثالثها: أنَّ المسلم -وإنْ كان مأموراً بدعوة الآخرين إلى عقيدة التوحيد التي يعتقدها- فإنَّه     يمارس هذا الدور في حدود الآداب التي تعلَّمها من دينه؛ تاركاً لكلِّ إنسانٍ أن يختار عقيدته.
رابعها: أنَّه يرحِّب بكلِّ تعاونٍ على الخير، وعلى البرِّ والتقوى، وعلى إشاعة قِيَم الفضيلة     والعدالة والطهارة في المجتمعات، بدلاً من عبادة اللذَّة والانكفاء على الذات واستنزاف حقوق الشعوب المستضعفة والإباحية الجنسيَّة التي توشك أن تُهلك المجتمعات.
الإسلام حثنا على الإحسان لأهل الكتاب ومعاملتهم معاملة طيبة 
   إذا كان الإسلام لا ينهى عن البر والإقساط إلى مخالفيه من أي دين ولو كانوا وثنين مشركين فإن الإسلام ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. سواء أكانوا في دار الإسلام أم خارجها.
    فالقرآن لا يناديهم إلا بـ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعا: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) سورة الشورى:13.
    والمسلمون مطالبون بالإيمان بكتب الله قاطبة، ورسل الله جميعا، لا يتحقق إيمانهم إلا بهذا: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة البقرة:136.
     وأهل الكتاب إذا قرؤوا القرآن يجدون الثناء على كتبهم ورسلهم وأنبيائهم.  وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا المراء الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة العنكبوت:46.
     وقد رأينا كيف أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم. كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة. وفي هذا قال تعالى  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) سورة المائدة:5.
    هذا في أهل الكتاب عامة. أما النصارى منهم خاصة، فقد وضعهم القرآن موضعا قريبا من قلوب المسلمين فقال وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) سورة المائدة:82.
أهل الذمة :-
   وهذه الوصايا المذكورة تشمل جميع أهل الكتاب حيث كانوا، غير أن المقيمين في ظل دولة الإسلام منهم لهم وضع خاص، وهم الذين يسمون في اصطلاح المسلمين باسم (أهل الذمة) والذمة معناها العهد. وهي كلمة توحي بأن لهم عهد الله وعهد رسوله وعهد جماعة المسلمين أن يعيشوا في ظل الإسلام آمنين مطمئنين.
   وهؤلاء بالتعبير الحديث (مواطنون) في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شؤون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون.
   وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بأهل الذمة وتوعد كل مخالف لهذه الوصايا بسخط الله وعذابه، فجاء في أحاديثه الكريمة: "من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"."من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة"."من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة".
      وقد جرى خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم على رعاية هذه الحقوق والحرمات لهؤلاء المواطنين من غير المسلمين. وأكد فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم هذه الحقوق والحرمات.
قال الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي: "إن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا؛ لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو أي نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام".
وقال ابن حزم الفقيه الظاهري: "إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة".
   ومع ما سبق فما زال البعض يتهم الاسلام بالتعصب و يتهم المسلمين باساءة معاملة أهل الأديان الأخري في البلاد الإسلامية. ولقد كتبت الداعية الدكتورة فاطمة ابراهيم المنوفي مقالا على شبكة الإنترنت حول هذا الموضوع نذكره بتصريف يسير فتقول : -
    بالطبع ليس الهدف من هذه المقالة مهاجمة اخواننا المسيحيين، فهم اشقاؤنا و يجري في عروقنا دم واحد، و نكن لبعضنا البعض كل الاحترام و التقدير، و لكن المقصود الرد على ادعاءات هؤلاء الذين لم تتح لهم الفرصة لمعرفة حقيقية الاسلام أو هؤلاء الذين سقطوا ضحايا لبعض المتشددين الذين يفترون بالباطل علي الاسلام ، و يزورون الحقائق و المفاهيم الواضحة وضوح نور الشمس، و يضلون الناس بالباطل عبر القنوات الفضائية و مواقع الانترنت.
    فمن يتأمل العلاقة بين الإسلام و أهل الكتاب فسيجدها علاقة مشرقة لها جذور ضاربة في عُمق التاريخ ؛ ولم يصدر من المسلمين تجاه النصارى ما قام به إخوانهم من يهود ورومان فكما اخبرتنا المصادر المسيحية فإن المسيحيين تعرضوا لأكبر اضطهاد في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس في الفترة بين 284م – 305م ؛ فدمرت الكنائس، وأحرقت الكتب السماوية والكتب الدينية، وكثر عدد الضحايا من المسيحيين، وكان ذلك أعنف اضطهاد تعرض له المسيحيون. ففي مصر أرخت الكنيسة القبطية تلك الأحداث في ذلك العصر ب "عصر الشهداء 284م"
    و منذ فجر الإسلام كانت المنطقة العربية تدين بالمسيحية، و دخل الناس في الإسلام دون أي ضغط أو إرهاب، و ليس بسبب الجزية كما يروج البعض، و الدليل علي ذلك هو أن الولاة المسلمين عندما وجدوا أن ميزانية الخلافة ستقل بدخول الناس في الإسلام، في مصر علي سبيل المثال، استمروا فى فرض الجزية على المسلمين الذين يعتنقون الإسلام ايضا. و مع ذلك استمر الناس في اعتناق الإسلام برضاهم، حتي صار المسلمون اغلبية.
    و اذا ما قارنا هذا بحال المسلمين و اليهود في اسبانيا بعد سقوط غرناطة و سيطرة الأسبان عليها، فسنجد أن العرب و اليهود الذين كانوا يعيشون مع الأسبان تحت الحكم الإسلامي بحرية و في سلام تام ، فان حالهم بعد سقوط غرناطة عام 1492م و خروج العرب منها تبدل تماما،وارتكبت الكثير من الأعمال الوحشية ضدهم، فبدأت الحملات التدميرية فدمرت المنازل ، وتحولت المساجد إلى كنائس، و أُجبر المسلمون و اليهود علي اعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد، و قد تناول الكاتب " جيفري هيث " طرد المسيحيون الأسبان للعرب و اليهود من أسبانيا في كتابه " اللهجات الإسلامية و اليهودية في العربية المغربية".
    و في المقابل، رحبت الدولة العثمانية المسلمة باليهود المضطهدين في الغرب المسيحي، و سمحت لهم بالعيش تحت كنفها وكفلت لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية وأقامت لهم أماكن العبادة اليهودية  في مدينة اسطنبول ، تلك الاماكن التي ما تزال شاهدا علي تسامح المسلمين . فاليهود لم يجدوا ملجأ بعيدا عن اضطهاد الكنيسة في اوروبا سوي في بلاد الإسلام . و قد فر جزء آخر من      يهود الاندلس الي المغرب العربي، و هذا أكبر دليل علي تسامح المسلمين و حسن معاملتهم لأهل الكتاب.
   وفي قصة عمر بن الخطاب و المصري القبطي مثال علي عدالة الاسلام فعندما حدث سباق للخيل بين ابن عمرو بن العاص وشاب قبطي وكسب السباق القبطي و ضرب ابن عمرو بن العاص القبطي وقال أتسبق ابن الأكرمين. لم يقبل القبطي بالاهانة و خرج من مصر إلي المدينة المنورة يشكو إلي خليفة المسلمين، الذي طلب علي الفور احضار ابن عمرو بن العاص اليه، واعطي عمر بن الخطاب للقبطي السوط و قال له اضرب ابن الاكرمين.
    و هناك قصة اخري لامير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عندما اشتكى له مسيحيو دمشق من الخليفة السابق الوليد بن عبد الملك الذي هدم جزءا كبيرا من كنيسة "يوحنا" ليقيم عليها مسجدا فاصدر امره، علي الفور، بهدم الجزء من المسجد الذي تم بناؤه علي ارض الكنيسه، الا ان علماء المسلمين اتفقوا مع قادة الكنيسة ليتنازلوا عن الجزء الماخوذ من كنيستهم وابلغوا الخليفة عمر بن عبد العزيز بذلك . نعم انها السماحة والمحبة التي ربطت بين المسلمين و المسيحيين علي مر العصور.
      و يقول المناضل الهندي غاندي عن رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في حوار لصحيفة "ينج إنديا: " أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك  بدون نزاع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم ،مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف".
و قد أوصي رسولنا الكريم بحسن معاملة النصاري فقال – صلي الله عليه و سلم: ( استوصوا بالقبط خيراً، فإن لكم منهم نسباً وصهراً ) وقال: (من آذى ذمياً، كنت خصمه يوم القيامة) .
     و علينا أن لا نغفل أن أهل الأديان و المذاهب المختلفة في الغرب لم يتمتعوا بالحريات الدينية إلا منذ فترة قصيرة جدا مقارنة بالحريات التي كفلها الإسلام لهم في كنف المسلمين ، و يكفينا أن نتأمل تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى وتاريخ أوروبا في عصورها المظلمة .
     فكلنا يعلم ماذا حدث لعلماء اوروبا و مفكريها في هذه الفترة السوداء ؛ أمثال العالم كوبرنيكوس و العالم الفلكي جاليليو .ولم تتوقف الجرائم البشعة عند ذلك الحد بل تمت لاحقا إبادة الهنود الحمر لآنهم جند الشيطان وغير موجودين فى الكتاب المقدس.
   و في العصر الحديث فإننا نجد أن المذابح التي ارتكبت بحق المسلمين لا تحصي و لا تعد و تحتاج إلى  مجلـــدات لإحصائها، هذه المجازر لا يمكن ان يغفلها التاريح و ستظل شاهدا علي الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين :-

                          مذابح النصارى للمسلمين
1- مذبحة سيبيرنيتسا                       2 -المذابح ضد المسلمين الألبان في كوسوفو ،
   3 - مذبحة 20 يناير في أذربيجان عام 1990 علي أيدي الجيش السوفيتي ،
4- و مذابح ناجورنو قراباخ علي ايدي الأرمن         5- و مذابح الشيشان علي أيدي الروس،
6- الإبادة المستمرة للاويغور في الصين                    7-و مذابح الايطاليين للليبين
8- ناهيك عن مذابح الروس ضد المسلمين في اسيا الوسطي و في القوقاز
9- مذابح الصرب ضد المسلمين في البلقان  10-  المذابح الاسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين  
11-  و مذابح الجزائريين عل ايدي الفرنسيين و الاندونيسيين علي ايد الهولنديين .
   و في الوقت الراهن نجد أن هناك تصعيد حاد في الهجمات العنصرية ضد المسلمين و مقدساتهم من بعض الدول التي تتشدق بالحرية و حقوق الإنسان ، فحظر للمآذن، و تصعيد اعلامي ، مصحوب بتفرقة عنصرية ضد المسلمين. ففي روسيا علي سبيل المثال ، يُذبح المسلمون في الطرقات علي ايدي حالقي الرؤوس دون ان يجدوا من يغيثهم ، فهل يحدث هذا في بلاد المسلمين؟ يقول الروس و الاوروبيون المقيمون في الدول العربية و الإسلامية انهم يعيشون في أمن و طمأنينة في البلاد الاسلامية ، و يُعاملون معاملة حسنة من المسلمين بينما لا يجد المسلمون نفس الشئ في تلك البلاد.
    التاريخ الاسلامي منذ فجره الى الآن زاخر بالتسامح الاسلامي ، و لننظر الى اخلاق المسلمين في الحروب وكيف اوصى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعدم قتل الاطفال و الشيوخ و النساء و عدم هدم دور العبادة وكيف يتعامل المسلمون مع الأسير، و انظر الي بقر بطون الحوامل في البوسنة و الهرسك و في ناجورنوكرابخ والى غير ذلك من الوحشية في عصر المنظمات الدولية و احترام حقوق الانسان.
   لذلك انه لمن العبث اتهام المسلمين باساءة معاملة الاخرين. و على العالم أن يستفيد من سمات الحضارة الإسلامية الإنسانية فى تعايشها مع الأديان، و علينا أن نركز على الحوار البناء والهادف بين الأديان و العمل على التقارب لإسعاد البشرية بدلا من كيل الاتهامات للاسلام و المسلمين.
                       ما هى نظرة اليهود للمسلمين ؟ 
هذا الأمر يستهدف تقرير الأحكام النهائية في العلاقات بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب ، وهذا النص الخاص بأهل الكتاب - عام في لفظه ومدلوله ؛ وهي تعني كل أهل الكتاب. سواء منهم من كان في الجزيرة العربية وقت الرسالة ومن كان خارجها كذلك.
فالنصوص الحاضرة تقرر:-
أولاً: أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
ثانياً: أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله.
ثالثاً: أنهم لا يدينون دين الحق.
رابعاً: أن اليهود منهم من  قال: عزير ابن الله. وأن النصارى منهم من قال: المسيح ابن الله وأنهم في هذين القولين يضاهئون قول الذين كفروا من قبل سواء من الوثنيين الإغريق، أو الوثنيين الرومان، أو الوثنيين الهنود، أو الوثنيين الفراعنة، أو غيرهم من الذين كفروا.
خامساً: أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. كما اتخذوا المسيح رباً. وأنهم بهذا خالفوا عما أمروا به من توحيد الله والدينونة له وحده، وأنهم لهذا " مشركون "!
سادساً: أنهم محاربون لدين الله يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وأنهم لهذا " كافرون  "!
سابعاً: أن كثيراً من أحبارهم ورهبانهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله.
وعلى أساس هذه الأوصاف وهذا التحديد لحقيقة ما عليه أهل الكتاب .
فالأمر في الآية هو قتال أهل الكتاب المنحرفين عن دين الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.. فلم تعد تقبل منهم عهود موادعة ومهادنة إلى على هذا الأساس.. أساس إعطاء الجزية.. وفي هذه الحالة تتقرر لهم حقوق الذمي المعاهد؛ ويقوم السلام بينهم وبين المسلمين. فأما إذا هم اقتنعوا بالإسلام عقيدة فاعتنقوه فهم من المسلمين.. إنهم لا يُكرَهون على اعتناق الإسلام عقيدة. فالقاعدة الإسلامية المحكمة هي: لا إكراه في الدين ولكنهم لا يتركون على دينهم إلا إذا أعطوا الجزية، وقام بينهم وبين المجتمع المسلم عهد على هذا الأساس.
والأمر مماثل للمسلمين ، فماذا فعل ابو بكر الصديق بعد وفاة رسول الله  ؟

      لقد انتهزت بعض القبائل التي لم يتأصل الإسلام في نفوسها انشغال المسلمين بوفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) واختيار خليفة له، فارتدت عن الإسلام، وحاولت الرجوع إلى ما كانت عليه في الجاهلية، وسعت إلى الانشقاق عن دولة الإسلام والمسلمين سياسيا ودينيا، واتخذ هؤلاء من الزكاة ذريعة للاستقلال عن سلطة المدينة، فامتنعوا عن إرسال الزكاة وأخذتهم العصبية القبلية، وسيطرت عليهم النعرة الجاهلية.

      واستفحل أمر عدد من أدعياء النبوة الذين وجدوا من يناصرونهم ويلتفون حولهم، فظهر "الأسود العنسي" في اليمن، واستشرى أمر "مسيلمة" في اليمامة، و"سجاح بنت الحارث" في بني تميم، و"طلحة بن خويلد" في بني أسد، و"لقيط بن مالك" في عُمان. وكان هؤلاء المدعون قد ظهروا على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكن لم يستفحل أمرهم ويعظم خطرهم إلا بعد وفاته.
وقد تصدى أبو بكر لهؤلاء المرتدين بشجاعة وجرأة وإيمان، وحاربهم بالرغم من معارضة بعض الصحابة له، وكان بعضهم يدعوه إلى الرفق بهم والصبر عليهم، فيجيب في عزم قاطع: "والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرَّق بين الزكاة والصلاة".
     وأرسل أبو بكر الجيوش لقتالهم حتى قضى على فتنتهم، وأعاد تلك القبائل على حظيرة الإسلام .إذن لو بقى أهل الكتاب على دينهم فعليهم بالجزية ولو اعتنقوا الإسلام فعليهم بالزكاة ، فلو امتنع أهل الكتاب عن دفع الجزية فالشرع يامر بمحاربتهم ، ولو امتنع المسلم عن دفع الزكاة فالشرع أمر بمحاربته ..
إذن : أين المشكلة ؟
التشريع الإسلامي يُطبق على المسلم قبل أن يُطبق على أهل الكتاب .والعهد القديم استخدم الحروب لدفع الجزية ، وفي العهد الجديد كان يسوع يدفع الجزية وقد صلبه الرومان لأنه إمتنع عن دفع الجزية وأعلن أنه ملك اليهود واصبح يهدد عرش قيصر .
مر 12:17
فاجاب يسوع وقال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه . فتعجبوا منه
لوقا 23:2
وابتدأوا يشتكون عليه قائلين اننا وجدنا هذا يفسد الامة ويمنع ان تعطى جزية لقيصر قائلا انه هو مسيح ملك
يوحنا 19:12
من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب ان يطلقه ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين ان اطلقت هذا فلست محبا لقيصر . كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر
      و لليهود أوصاف قبيحة، وأخلاق ذميمة مرذولة، وكتبهم حافلة بالعديد من صور الفساد ؛ كما أن شواهد التاريخ والواقع شاهدان على اليهود بالسوء والفساد.
فمن أخلاقهم وصفاتهم على سبيل الإجمال:
--  الكبر، والحسد، والظلم، وكتمان الحق، وتحريف الكلم عن مواضعه.
-- ومنها الخيانة، والغدر، وسوء الأدب، واحتقار الآخرين، والسعي في الفساد، وإثارة الفتن والحروب.
-- ومنها الكذب، والجشع، وقسوة القلب، ومحبة إشاعة الفاحشة، وأكل الربا .
-- فمن صفاتهم وأخلاقهم:
1ـ كتمان الحق والعلم، حتى وإن كان وحياً منزلا من الله تعالى لهم، فإنهم لا يتورعون عن جحده وكتمانه ما دام لا يخدم أغراضهم وغاياتهم الفاسدة، قال الله تعالى عنهم يعاتبهم على ذلك: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} [عمران: 71].
     وتأكيدا لذلك ما ذكره رحمت الله الهندى في مقدمة كتابه إظهار الحق ما نصه :( ولما غير    الربانيون والأحبار كتاب التوراة راعوا أن تكون نصوص النبوءات عن محمد صلى الله عليه   وسلم نبى الإسلام واضحة للدارسين وخافية عن غير الدارسين )
2ـ الخيانة والغدر والمخادعة، فهم بجهلهم وغرورهم يخادعون الله تعالى وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، فقد خانوا موسى عليه السلام، وخانوا الله ورسوله في المدينة حيث نقضوا عهدهم، وحالفوا المشركين، وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أجلاهم من المدينة.
     واليهود لم يكن يرجى منهم أن ينظروا إلى الإسلام إلا بعين البغض والحقد؛ فالرسول لم يكن من أبناء جنسهم حتى يُسَكِّن جَأْشَ عصبيتهم الجنسية التي كانت مسيطرة على نفسياتهم وعقليتهم، ودعوة الإسلام لم تكن إلا دعوة صالحة تؤلف بين أشتات القلوب، وتطفئ نار العداوة والبغضاء، وتدعو إلى التزام الأمانة في كل الشئون، وإلى التقيد بأكل الحلال من طيب الأموال.
      ومعنى كل ذلك أن قبائل يثرب العربية ستتآلف فيما بينها، وحينئذ لابد من أن تفلت من براثن اليهود، فيفشل نشاطهم التجارى، ويحرمون أموال الربا الذي كانت تدور عليه رحى ثروتهم، بل يحتمل أن تتيقظ تلك القبائل، فتدخل في حسابها الأموال الربوية التي أخذتها اليهود، وتقوم بإرجاع أرضها وحوائطها التي أضاعتها إلى اليهود في تأدية الربا‏.‏

     كان اليهود يدخلون كل ذلك في حسابهم منذ عرفوا أن دعوة الإسلام تحاول الاستقرار في يثرب؛ ولذلك كانوا يبطنون أشد العداوة ضد الإسلام، وضد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن دخل يثرب، وإن كانوا لم يتجاسروا على إظهارها إلا بعد حين‏.‏
3ـ الحسد: فهم يحسدون الناس على كل شيء حتى على الهدى والوحي المنزل من الله رحمة للعالمين، قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [ البقرة: 109]. وقال تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النساء: 54].
     ويظهر ذلك جليًا بما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قال ابن إسحاق‏:‏ حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت‏:‏ كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذإني دونه‏.‏ قالت‏:‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي؛ حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسِين، قالت‏:‏
     فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت‏:‏ فأتيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى‏.‏ قالت‏:‏ فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلىَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم‏.‏ قالت‏:‏ وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب‏:‏ أهو هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم والله، قال‏:‏ أتعرفه وتثبته‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ فما في نفسك منه‏؟‏ قال‏:‏ عداوته والله ما بقيت‏.‏
4ـ الإفساد وإثارة الفتن والحروب: قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ما أنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} [المائدة: 64].
     ودليل ذلك ما قامت به اليهودفى المدينة أثناء غزوة الخندق فبينما كان المسلمون يواجهون الشدائد على جبهة المعركة كانت أفاعي الدس والتآمر من اليهود تتقلب في جحورها، تريد إيصال السم داخل أجسادهم :‏ انطلق كبير مجرمي بني النضير حيي بن أخطب إلى ديار بني قريظة فأتي كعب بن أسد القرظي ـ سيد بني قريظة وصاحب عقدهم وعهدهم .
      وكان قد عاقد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينصره إذا أصابته حرب، كما تقدم ـ فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح له بابه، فقال حيي‏:‏ إني     قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طَامٍ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رُومَة، وبغطفان على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بذَنَب نَقْمَي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه‏.‏
    فقال له كعب‏:‏ جئتني والله بذُلِّ الدهر وبجَهَامٍ قد هَرَاق ماؤه، فهو يرْعِد ويبْرِق، ليس فيه شيء‏.‏ ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء‏.‏ فلم يزل حيي بكعب يفْتِلُه في الذِّرْوَة والغَارِب، حتى سمح له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً‏:‏ لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين‏.‏
      وفعلاً قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت، وكان حسان فيه مع النساء والصبيان، قالت صفية‏:‏ فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم        والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت، قالت‏:‏ فقلت‏:‏ يا حسان، إن هذا اليهودي كما تري يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَنْ وراءنا مِنْ يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله‏.‏
قال‏:‏ والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت‏:‏ فاحتجزت ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن وقلت‏:‏ يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سبله إلا أنه رجل، قال‏:‏ ما لي بسلبه من حاجة‏.‏
5ـ تحريف كلام الله تعالى وشرعه، والكذب على الله بما يتفق مع أهوائهم وأغراضهم الفاسدة، فقد قال تعالى عنهم: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [المائدة: 13].
ثم هم يبتدعون كلاما وشرعا ويوهمون الناس بكلامهم المزيف أنه منزل من الله، قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].
-- شهادة نبى الله موسي عليه السلام عليهم :
ولما لا وقد شهد عليهم نبي الله موسي عليه السلام ومسجل فى العهد القديم فى الإصحاح الحادى والثلاثون من سفر التثنية حين قالوا على لسان سيدنا موسى عليه السلام : 24فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إِلَى تَمَامِهَا، 25أَمَرَ مُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: 26«خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ.  27 لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلْبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ الْيَوْمَ، قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي!
28اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. 29لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ». 30فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هذَا النَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ:
6ـ البذاءة وسوء الأدب: وهذا ناشئ عن احتقارهم لغيرهم من الأمم والشعوب، بل إنهم ليحتقرون أنبياء الله تعالى ويسخرون منهم، فقد كانوا يمرون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون له: (السام عليك). فقد روى مسلم عن جماعة من الصحابة ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم.  قال: وعليكم)). ولذلك صح في السنة أن يردَّ المسلم على الكافر إذا سلَّم عليه بقوله: (وعليك). ليردَّ التحية بمثلها، والمبادر بالسوء أظلم.
7ـ احتقار الآخرين: فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أولياء الله وأحباؤه، وأنهم وحدهم أهل الجنة والمستحقون لرضا الله ورحمته، ويسمون غيرهم من النصارى والمسلمين وسواهم (الأمميين) أو الأميين؛ لذلك هم يستبيحون أموال الآخرين ودماءهم وأعراضهم، بل يرون أنهم كالأنعام مسخرة لليهود، وذكر الله عنهم بأنهم يقولون: { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }. [ آل عمران: 75].
أي: ليس علينا حرج إذا أخذنا أموالهم واغتصبنا حقوقهم وجعلناهم فريسة لنا.وقد ذكروا ذلك أيضا في مخططاتهم يقولون:(إن الأمميين (غير اليهود) كقطيع من الغنم وإننا الذئاب، فهل تعلمون ما تفعل الغنم حينما تنفذ الذئاب إلى الحظيرة)
8ـ قسوة القلوب: وقد جاء ذلك عقوبة من الله تعالى لهم على مخالفتهم لأوامره، وكثرة شغبهم على رسله، قال تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } [المائدة: 13].
وقال: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة: 74].
9ـ الجشع والطمع والحرص على الحياة الدنيا، قال الله تعالى: { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } [البقرة: 96].
10ـ كراهية المسلمين والكيد الدائم لهم: قال الله تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [ المائدة: 82] .
 11- الغباء:
... فقد حكى الله جل وعلا عن جهل أسلافهم وغباوتهم وضلالهم ما يدل على ما وراءه من ظلمات الجهل التي بعضها فوق بعض، ويكفي في ذلك عبادتهم العجل الذي صنعته أيديهم من ذهب، ومن عبادتهم أن جعلوه على صورة أبلد الحيوان وأقله فطانة، الذي يضرب المثل به في قلة الفهم، فانظر إلى هذه الجهالة والغباوة المتجاوزة للحد، كيف عبدوا مع الله إلهاً آخر وقد شاهدوا من أدلة التوحيد وعظمة الرب وجلاله ما لم يشاهده سواهم ؟!
-- ولقد شهد عليهم الكتاب المقدس بالغباء فى سفر إشعياء فقالوا : 1رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا:
2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. 3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». 4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. 5عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. 7بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ.
 وليس أدل على الغباء من إتخاذهم إله دون الله، والعجيب أنهم اتخذوه ونبيهم حي بين أظهرهم لم ينتظروا إنتقاله إلى جوار ربه ! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الملائكة المقربين ولا من الأحياء الناطقين، بل اتخذوه من الجمادات!
     وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الجواهر العلوية كالشمس والقمر والنجوم، بل من الجواهر الأرضية! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الجواهر التي خلقت فوق الأرض عالية عليها كالجبال ونحوها، بل من جواهر لا تكون إلا تحت الأرض، والصخور والأحجار عالية عليها! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من جوهر يستغني عن الصنعة وإدخال النار وتقليبه وجوهاً مختلفة وضربه بالحديد وسبكه، بل من جوهر يحتاج إلى الأيدي له بضروب مختلفة وإدخاله النار وإحراقه واستخراج خبثه! وإذ قد فعلوا لم يصوغوه على تمثال ملك كريم ولا نبي مرسل ولا على تمثال جوهر علوي لا تناله الأيدي بل على تمثال حيوان أرضي.
     وإذ قد فعلوا لم يصوغوه على تمثال أشرف الحيوانات وأقواها وأشدها امتناعاً من الضيم كالأسد والفيل ونحوهما، بل صاغوه على تمثال أبلد الحيوان وأقبله للضيم والذل بحيث يحرث عليه الأرض، ويسقى عليه بالسواقي والدواليب، ولا له قوة يمتنع بها من كبير ولا صغير.
   فأي معرفة لهؤلاء بمعبودهم ونبيهم وحقائق الموجودات ؟ وحقيق بمن سأل نبيه أن يجعل له إلهاً فيعبد إلهاً مجعولاً بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات، أن لا يعرف حقيقة الإله ولا أسماءه وصفاته ونعوته ودينه، ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره. ولو عرف هؤلاء معبودهم ورسولهم لما قالوا لنبيهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55].
       ولا قالوا له:{ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا}[المائدة:24]. ولا قتلوا نفساً وطرحوا المقتول على أبواب البرآء من قتله، ونبيهم حي بين أظهرهم، وخبر السماء والوحي يأتيه صباحاً ومساءً، فكأنهم جوزوا أن يخفى هذا على الله كما يخفى على الناس! ولو عرفوا معبودهم لما قالوا في بعض مخاطباتهم له: يا أبانا انتبه من رقدتك، كم تنام ؟.  ولو عرفوه لما سارعوا إلى محاربة أنبيائه وقتلهم وحبسهم ونفيهم، ولما تحيلوا على تحليل محارمه وإسقاط فرائضه بأنواع الحيل.
     ولقد بينا أن العهد القديم شهد بعدم فطانتهم، وأنهم من الأغبياء، ولو عرفوه لما حجروا عليه بعقولهم الفاسدة أن يأمر بالشيء في وقت لمصلحة، ثم يزيل الأمر به في وقت آخر؛ لحصول المصلحة وتبدله بما هو خير منه، وينتهي عنه ثم يبيحه في وقت آخر؛ لاختلاف الأوقات والأحوال في المصالح والمفاسد،
      كما هو مشاهد في أحكامه القدرية الكونية التي لا يتم نظام العالم ولا مصلحته إلا بتبديلها واختلافها بحسب الأحوال والأوقات والأماكن، فلو اعتمد طبيب أن لا يغير الأدوية والأغذية بحسب اختلاف الزمان والأماكن والأحوال لأهلك الحرث والنسل وعُدَّ من الجهال، فكيف يحجر على طبيب القلوب والأبدان أن تتبدل أحكامه بحسب اختلاف المصالح ؟! وهل ذلك إلا قدح في حكمته ورحمته وقدرته وملكه التام وتدبيره لخلقه ؟ومن جهلهم بمعبودهم ورسوله وأمره أنهم أُمروا أن يدخلوا باب المدينة التي فتحها الله عليهم سُجَّداً ويقولوا: حطة. فيدخلوا متواضعين لله سائلين منه أن يحط عنهم خطاياهم, فدخلوا يزحفون على أستاههم بدل السجود لله، ويقولون: هنطا سقمانا. أي: حنطة سمراء، فذلك سجودهم وخشوعهم، وهذا استغفارهم واستقالتهم من ذنوبهم.
      ومن جهلهم وغباءهم أن الله سبحانه أراهم من آيات قدرته وعظيم سلطانه وصدق رسوله ما لا مزيد عليه، ثم أنزل عليهم بعد ذلك كتابه وعهد إليهم فيه عهده، وأمرهم أن يأخذوه بقوة فيعيدوه بما فيه، كما خلصهم من عبودية فرعون والقبط فأبوا أن يقبلوا ذلك وامتنعوا منه، فتنقل الجبل العظيم فوق رؤوسهم على قدرهم .
    وقيل لهم: إن لم تقبلوا أطبقته عليكم. فقبلوه من تحت الجبل. قال ابن عباس: رفع الله الجبل فوق رؤوسهم، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر من تحتهم ونودوا: إن لم تقبلوا أرضختكم بهذا وأحرقتكم بهذا وأغرقتكم بهذا. فقبلوه وقالوا: سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعناك. ولمّا أمنوا بعد ذلك قالوا: سمعنا وعصينا .
    ومن جهلهم أنهم شاهدوا الآيات ورأوا العجائب التي يؤمن على بعضها البشر ثم قالوا بعد ذلك: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55 ] . وكان الله سبحانه قد أمر موسى أن يختار من خيارهم سبعين رجلاً لميقاته، فاختارهم موسى وذهب بهم إلى الجبل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل، وقال للقوم: ادنوا. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الحجاب وقعوا سُجَّداً، فسمعوا الرب تعالى وهو يكلم موسى ويأمره وينهاه ويعهد إليه، فلما أنكشف الغمام قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] .
     ومن جهلهم أن هارون لما مات ودفنه موسى قالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته حسدته على خلقه ولينه ومحبة بني إسرائيل له. قال: فاختاروا سبعين رجلاً فوقفوا على قبر هارون، فقال موسى: يا هارون أقتلت أم مت ؟ قال: بل مت وما قتلني أحد فحسبك من جهالة أُمة وجفائهم أنهم اتهموا نبيهم ونسبوه إلى قتل أخيه، فقال موسى: ما قتلته. فلم يصدقوه حتى أسمعهم كلامه وبراءة أخيه مما رموه به. ومن جهلهم أن الله سبحانه شبههم في حملهم التوراة وعدم الفقه فيها والعمل بها بالحمار يحمل أسفاراً، وفي هذا التشبيه من النداء على جهالتهم وجوه متعددة:
منها: أن الحمار من أبلد الحيوانات التي يضرب بها المثل في البلادة.
ومنها: أنه لو حمل غير الأسفار من طعام أو علف أو ماء لكان له به شعور، بخلاف الأسفار.
ومنها: أنهم حملوها لا أنهم حملوها طوعاً واختياراً، بل كانوا كالمكلفين لما حملوه لم يرفعوا به رأساً.
ومنها: أنهم حيث حملوها تكليفاً وقهراً لم يرضوا بها ولم يحملوها رضا واختياراً، وقد علموا أنهم لا بد لهم منها، وأنهم إن حملوها اختياراً كانت لهم العاقبة في الدنيا والآخرة.
ومنها: أنها مشتملة على مصالح معاشهم ومعادهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فإعراضهم عن التزام ما فيه سعادتهم وفلاحهم إلى ضده من غاية الجهل والغباوة وعدم الفطانة.
ومن جهلهم وقلة معرفتهم أنهم طلبوا عوض المن والسلوى- اللذين هما أطيب الأطعمة وأنفعها وأوفقها للغذاء الصالح- البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل ، ومن رضي باستبدال هذه الأغذية عوضاً عن المن والسلوى، لم ينكر عليه أن يستبدل الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى والغضب بالرضا والعقوبة بالرحمة، وهذه حال من لم يعرف ربه ولا كتابه ولا رسوله ولا نفسه.
     --  وأما نقضهم ميثاقهم، وتبديلهم أحكام التوراة، وتحريفهم الكلم عن مواضعه، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم الرشا، واعتداؤهم في السبت حتى مُسخوا قردة، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وتكذيبهم عيسى ابن مريم رسول الله، ورميهم له ولأمه بالعظائم، وحرصهم على قتله، وتفردهم دون الأمم بالخبث والبهت، وشدة تكالبهم على الدنيا وحرصهم عليها، وقسوة قلوبهم وحسدهم وكثرة سخطهم، فإليه النهاية.
     وهذا وأضعافه من الجهل وفساد العقل، قليلٌ على من كذَّب رسل الله وجاهر بمعاداته ومعاداة ملائكته وأنبيائه وأهل ولايته، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله ؟ وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة  ؟ وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق المؤولة إليه ومآله بعد الوصول إليه ؟!
     ومن ثم نشأ ابناء اليهود على ما رباهم ودربهم العلماء والحاخامات فكانوا أسوأ نموذج للبشرية بل وتسببوا فى الحروب والقلاقل بدون أسباب فلا يكاد العالم ينتهى من حرب حتى يقحموه فى اخرى رغبة منهم بالايفيق العالم فيتعرف عليهم ويبيدهم فيريح العالم منهم ومن سمومهم وحتى لا يكون الكلام مرسلا فإليك عزيزى القارئ جانبا مما فعله الأحبار والحاخامات بالعالم وأترك لك عزيزى القارئ الحكم فى نهاية المطاف .
                          حاخامات اليهود وما فعلوه بالشعوب
هل كل اليهود مجرمون ؟ أم أن حاخاماتهم و من يتبعهم من اليهود في العالم  في تنفيذ جرائمهم ضد البشرية هم المجرمون ؟ هذا السؤال اتركه لكي يجيب عليه التابعون للديانة اليهودية انفسهم من خلال ما قد اوقعهم به حاخاماتهم و تابعيهم من مهالك في بلاد العالم  و هذا ما حدث في اسبانيا و ايطاليا و بريطانيا و المانيا و روسيا و اليونان و غيرهم 
فلقد كان و مازال حتى الان دم المسيح مطلوبا لحاخامات اليهود من اجل فطيرهم حيث يقوم الحاخامات بالاتفاق مع مجرمين محترفين من التابعين لديانتهم بذبح المسيحيين لاخذ دمائهم و تسليمها للحاخام الاكبر كي يعجنها في فطير العيد ثم يقدم هذه الفطيرة لاتقياء اليهود ليلتهموها في عيدهم و بهذا يكون الههم يهوه قد رضي عنهم و باركهم .
و بهذا العمل الاجرامي اللانساني حتى في شريعة يعبدون اربعة عشر الها يقدم حاخامات اليهود قربانا الههم  انه قربان بشري تفرضه ديانتهم في كل عام و بتعدد الاعياد و بالتالي فتقع شرور اعمالهم على اليهود جميعا .
فهل يقبل اليهود انفسهم بما سجله التاريخ من جرائم حاخاماتهم ضد البشرية و بما يحوي تلمودهم من اوامر اجرامية ضد اليهود انفسهم و العالم ؟ اعتقد انه على اليهود اينما وجدوا ان يحاكموا حاخاماتهم على جرائمهم التي تسبب لهم كره الامم و كره كل اصحاب الديانات السماوية و الارضية و حتى الملحدين الذين لا دين لهم ايضا .
 لأن تابعي هذه الديانة هم اداة في ايدي هؤلاء الحاخامات ينفذون بواسطتهم شرورهم  و مكرهم و حقدهم و جرائمهم الموزعة على جميع انحاء العالم في كل مطلع صباح  انهم اشبه برؤساء عصابات اجرامية متمرسة يستخدمون تابعيهم  لتنفيذ هذه الجرائم ضد الانسانية و البشرية و ضد تابعيهم الذين مازالوا يرزحون تحت وطأتهم و يطبقون كافة الانحرافات الاجرامية التي يرفضها يهوه ذاته و الانسان المؤمن  بالله و الملحد و التي وردت في تعاليم هذه العصابات  .
في هذا المقال سنستعرض الاعياد اليهودية و نترك اليهود انفسهم يحكمون على حاخاماتهم و افعالهم و جرائمهم التي تقزز النفس من ذكرها و من ثم يحكمون على تعاليم التلمود  و التي اشبه ما تكون اوامر و نواه اجرامية يطبقها رئيس عصابة مخضرمة من قبل مجرمين متمرسين في العالم و التعاليم التلمودية بل التعاليم الاجرامية هذه معروفة لدى كافة التابعين للديانة اليهودية كما يعرفون اولادهم ايضا معروفة لدى كثير من البشر .
و في هذا المقال سأعالج زاوية و هي اعياد اليهود و بعدها انتقل الى زوايا اخرى كثيرة تبين مدى اجرام هؤلاء الحاخامات من خلال تلمودهم  و ابين لتابعيهم كم ان عليهم ان يفكروا و يقارنوا ثم يحكموا على من أتبع هذه التعاليم و بالتالي فعليهم ان يتخلوا عن اجرامهم و يؤمنوا بدين يعرف الله حقا ألا وهو " الاسلام "
اعياد اليهود و القرابين البشرية :
1-     عيد اليوبيل الفضي
2-     عيد البوريم الاسود
3-     عيد الفصح
1-اليوبيل الفضي
     هو عيد يحتفل به الذين يدينون باليهودية  في مختلف بلدان العالم كل /49/ عاما  و يكون عام الخمسين هو العيد
     و احتفالات هذا اليوبيل تكون باعادة الارض الى اهلها الذين يدينون باليهودية محررة من  الدين آو الرهن آو أي التزام اخر قد وقع عليها خلال هذه السنوات التسع و الأربعين " و قدسوا سنة الخمسين و نادوا باعتاق في الارض لجميع اهلها فتكون لكم يوبيلا" 
     و يعاد بهذا اليوبيل كل واحد الى اهله و عشيرته فاذا كان هناك خلافات بين اتباع تلك الديانة و سجن احدهم بسبب هذه الخلافات آو بسبب الديون آو أي امر اخر فانه يطلق سراحه هذا العام و اذا كان قد جرد  احد اليهود من ملكه فيعاد له ذلك الملك في هذا العام و لا يزرع اليهود الارض و لا يحصدون شيئا و لا يقطفون الثمار في هذا العام  و يتم البيع آو الشراء بعدد سنين اليوبيل هذا أي انهم يحسبون كم بقي للسنة اليوبيلية و بناء عليه يتم البيع و الشراء لانه في سنة اليوبيل يعود لكل واحد ارضه و ملكه .
      و طبعا يخرج عن هذا كله الامميون و يقصد بالامميين كل البشر غير اليهود و هم المسيحيون و المسلمون و الديانات الاخرى المنتشرة في العالم و هنا يظهر جليا الخداع اليهودي و الغش و المكر و الاجرام لابطال الحق و احقاق الباطل  فهم يحاولون الحصول على الارض و الاملاك من غير اليهود باي وسيلة كانت و لو بشهادات الزور و لو بحلف عشرين يمينا كاذبا على التوراة  .فقالوا فى التلمود :
-- " يجوز لليهودي ان يشهد زورا و ان يقسم بحسب ما تقتضيه مصلحته عند اللزوم و يؤول ذلك في سره "
-- " لقد اعطى الله لليهود حق الاستيلاء على اموال  الأممين بمختلف السبل  و الوسائل الممكنة سواء عن طريق التجارة آو عن طريق اللطف و الرقة آو عن طريق الغش و الخداع و حتى عن  طريق السرقة
لأن اليهود في هذا المجال يعتبرون العالم كله و ما فيه من كنوز و بشر هي ملكهم : فالكنوز ورثوها عن سليمان و داوود و الارض هي ارض الههم يهوه .
2-عيد البوريم الاسود و عيد الفصح  المقدس و القرابين البشرية :
1-    عيد البوريم :
        هو عيد يحتفلون به كل عام " في اليوم الاول من الشهر السابع يكون لكم يوم راحة تذكار بهتاف و بوق و محفل مقدس و يكون احتفالهم في الكنيس بمناسبة ذكرى الإلهة استير التي اقنعت ملك الفرس بالسماح لليهود بقتل وزيره هامان  و ذبح عشرات الالوف من الفرس بما فيهم الاطفال و الشيوخ و النساء بحجة ان هامان كان ينوي ذبح اليهود .
2-    عيد الفصح اليهودي :
     و هم يحتفلون به كل عام في " الشهر الاول من اليوم الرابع عشر منه بين الغروب فصح للرب  و في اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب  و يكون ذلك في محفل مقدس بالكنيس
   و يحتاج كل العيدين لذبائح بشرية تقدم كقرابين للاله يهوه و الإلهة استير يقول التلمود :" عندنا مناسبتان ترضيان إلهنا يهوه احداهما عيد الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية و الاخرى مراسيم ختان اطفالنا و قد ورد في دائرة المعارف اليهودية
في الجزء الثاني ما يلي :
" اذا كان هناك من اساس اقر من قبل الحكماء ( حاخامات اليهود ) فهو حقيقة القرابين البشرية التي تقدم للإله يهوه ملك الامة و التي بوشر في تقديمها اواخر عهد الملكية اليهودية "
و هناك نصوص كثيرة سيرد معنا بالبحث و تختلف الذبائح البشرية لعيد البوريم عن ذبائح عيد الفصح من حيث النوعية في الذكورة و البلوغ و من حيث نوعية الضحية بذاتها و سأتحدث اولا عن الطريقة التي يذبح الحاخامات فيها الانسان قربانا ليهوه ثم اتحدث عن نوعية الذبائح .
الطريقة الأولى : يؤتى بالضحية و توضع في برميل إبري ( أى به إبر مدببة من جوانبه ) كما أنه  يتسع لجسم  الضحية ؛ ومثبت بجوانبه و بشكل مكثف طولي و عرضي إبرا ؛ وحين توضع الضحية بداخله و هي حية تغرز هذه الإبر الحادة بجسمه  ؛ و ينزف الدم من الضحية في هذا البرميل و يصفى الدم بشكل كامل بحيث تخرج الروح و اخر نقطة دم من الضحية معا و يتلذذ المجرمون اليهود بهذا العمل الإجرامى .
 الطريقة الثانية : اذا كان المكان غير آمن فانهم ينفذون عملهم الاجرامي بسرعة و دون ان يتلذذون به  فيذبحون الضحية من الرقبة و في امكنة الشرايين و يوضع تحتها اناء واسع كي ينزف الدم بداخله ثم يجمع و يعبا في زجاجات و تؤخذ زجاجات الدم في كلا العيدين و تسلم للحاخام الاكبر في المنطقة التي يتواجد فيها فيقوم (الحاخام  الرجيم ) بمباركتهم ثم يعجن هذا الدم مع السميذ و يعد الفطائر للعيد المقدس و من ثم يقوم بتوزيعها على اتقياء اليهود فيتناولونها بشراهة كشراهة حقدهم الدفين على البشرية جمعاء .
والعجيب أنهم يفعلون ذلك والتوراة تحرم الدم : ( لا تاكلوا دم أي جسد كان )
إلا أن الحاخامات أقنعوا ابناءهم بأن هذا النص يقصد به دم اليهود فقط ؟ قاتلهم الله !!!!!
اما شروط الضحية في عيد الفصح فتختلف عن شروط الضحية في عيد البوريم و هي :
1-     ان تكون الضحية ممن يعبدون الله من أصحاب الديانات السماوية .
2-     أن تكون ذكرا بالغا ليقدم للإلهة استير .
3-     أن يكون خلوقا و مهذبا و متدينا .
4-     أن يكون مرهف الإحساس خجولا لأن هذا يدل على جودة الدم الذي لديه.
5-     لم يزن آو يتنجس بعلاقة جنسية .
6-     أن تكون الضحية من أصدقاء اليهود العزيزين عليهم جدا حتى لا يكون الدم ملوثا بالعداوة اتجاههم .
7- تكون فرحة يهوه كبيرة و عظيمة إذا كان الدم الممزوج مع فطير الأعياد هو دم قسيس أو إمام أو عالم ؛ و هذا يصلح لكل الأعياد .
و يمكن الأخذ بهذه الشروط حسب الإمكان و لكن الشرط الأساسي أن تكون الضحية أممية و الشروط الأخرى تكميلية يمكن أن يغض النظر عنها يهوه , إذا لم يتمكن اليهود من تطبيقها لظروف  قاهرة ؟
و يقوم على تنفيذ عملية الذبح و مراعاة الشروط سبعة يهود يكون واحد منهم على الأقل حاخام و هؤلاء منفذون ؛ أما المحرضون و المتدخلون فيمكن أن يشمل الالاف , بالتالي فليس هناك عملية ذبح يقوم بها يهودي واحد .
و إليك بعض الأمثلة على سبيل الذكر :-
- وليرى النصارى أن ما قام اليهود بذبح الاب توما و خادمه ابراهيم في دمشق في /5/ شباط/ فبراير  عام 1840 ميلادي و استنزفوا دماءهم و ملأوا القارورات ثم اعطوه للحاخام الرجيم في دمشق الذي قام بعجنها مع السميذ وانجز الفطير المقدس ووزعه على خبثاء اليهود.    فهل يُرضى النصارى ما فعله بهم اخوانهم من اليهود ؟
والعجيب أن النصارى يدينون بالولاء لليهود بل وهم الممولون  لهم فى كل عملياتهم الحربية والقتالية ضد المسلمين . فما رأيت أعجب  ولا أغبى من هؤلاء :حاخامات اليهود يقتلونهم وباباوات النصارى يباركونهم .ولذا ننادى أهل الكتاب بما ناداهم به القرآن الكريم حين قال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }المائدة59
وننادى أمتنا الحبيبة بما ناداهم به القرآن الكريم حين قال تعالى  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }المائدة57
ونعود إلى ما فعله اليهود ففي احدى جلسات التحقيق في القضية السابقة  جاء في اعتراف أحد المجرمين و هو اسحاق هراري ما يلي :
( حقيقة احضرنا الاب توما عند داوود باتفاقنا معا و قتلناه لاخذ دمه ؛ و بعد ان وضعنا الدم في قنينة ( زجاجة ) ارسلناه الى الحاخام موسى ابي العافية و كنا نصنع ذلك اعتبار أن الدم البشري ضروري لاتمام فروض ديانتنا .
- و في فرنسا عام 1192 بيع شاب مسيحي إلى اليهود الفرنسيين من قبل الكونت فكان اليهود الفرنسيين قد اشتروه من اجل عيد البوريم دون ان يعرف احد بذلك فذبحوه و استنـزفوا دمه قربانا للإلهة استير  امر الملك فيليب اغسطس بالتحقيق .و حضر المحاكمة بنفسه و اقر هؤلاء المجرمون بما فعلوا ارضاء ليهوه فامر الملك بحرقهم .
- و في عام 1900 في روسيا عثر على الشاب الروسي دنتر  مذبوحا و اجزاء جسمه منتشرة في اماكن مختلفة و ثبت بالتحقيق ان الوفاة قد نجمت عن استنـزاف دم الضحية , ثبت ان عددا من اليهود الروس قد زاروا تلك البلدة ليلة الحادث و اختفوا صباحا , اثارت هذه الجريمة سكان المنطقة و جرت حوادث دامية مع اليهود الروس ذكرتها دائرة المعارف اليهودية في ملفاتها
- و في المانيا عام 1928 عثر على شاب في العشرين من عمره مذبوحا و به جروح فنية لاستنزاف الدم و لم يعثر على اثر للدم في جسمه و في مكان الجثة , اثبت التحقيق ان الجروح تمت بشكل فني , تم اعتقال الفاعلين فتبين انهم يهود المان واقروا بجريمتهم امام القضاء الالماني و افادوا انهم يطيعون حاخاماتهم و ينفذون تعاليم دينهم و هم ليسوا مجرمين!! تم اعدام البعض و سجن البعض الاخر
و هذه الجرائم عبر تاريخ الحاخامات اليهودية الحاقدة كثيرة و التي تم اكتشافها  و التحقيق بها قليلة اذا ما قورنت بالجرائم التي ما زالت خافية عن البشرية و الجرائم المكتشفة تفوق الثلاثمائة ( 300) جريمة موزعة في دول العالم كله تقريبا – روسيا – سويسرا– بولاندا – فرنسا – النمسا – اسبانيا – ايطاليا – اليونان – سوريا – مصر – لبنان – الجزائر – هنغاريا – المانيا – و قد بدأت هذه الجرائم تنكشف منذ عام 1144 و ذلك باكتشاف اول جريمة في بريطاينا و التي ما زال ملف قضيتها محفوظا في دار الاسقفية في بريطاينا و ما زالت هذه الجرائم مستمرة حتى الان .
 لان كل عام و في كل مكان يوجد فيه كنيس يهودي يوجد ضحية و لان عيد البوريم لا بد له من قربان يقدم للإلهة استير و اكثر الاحيان لا يتم كشف هذه الجرائم المنكرة التي يقوم بها حاخامات اليهود و ذلك لانهم ضليعون في الاجرام و التاريخ يشهد و ما زال يشهد ذلك كل صباح جديد  و هذا لأنهم يستمدون إجرامهم من تعاليم التلمود الاجرامية والتى منها :
1-  قتل الأممى من الامور الواجب تنفيذها  و ان العهد معهم لا يكون عهدا صحيحا يلتزم به اليهودي ؛ مثال ذلك الاسطول الانجليزي الذي قصفه اليهود بعد ان تسلموا المناطق الفلسطينية منهم و قتل مجموعة من الضباط الانجليز في فلسطين بواسطة عصابة الهاغاناة الصهيوينة .
 و ايضا نسف فندق داوود الذي قتل فيه مائة موظف انجليزي و ذلك لكي  يتخلص اليهود من الانجليز فتصور المكر و الغش  حتى ببنى جلدتهم ؛ والعجيب أن النصارى على علم بذلك ومع هذا يؤيدونهم بل يمدون لهم يد العون والمساعدة بشكل منقطع النظير فإما أنهم مشركون في هذه الجرائم او انهم اصحاب مصلحة اكبر ؛ ولذا فعلينا نحن المسلمين الحذر من هؤلاء وهؤلاء وصدق ربنا جل وعلا حين قال (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
2-    اقتل الصالح من  غير اليهود / فعل امر / وهذا نراه رأى العين صباح مساء فجرائمهم والإغتيالات التى يقومون بها بين الحين والاخر أكبر دليل على تنفيذهم ما بالتلمود من وصايا .
3-  إن قتل الصالحين من الأممين من الافعال التي يكافئ  الله عليها و اذا  لم يتمكن اليهودي من قتلهم فواجب عليه ان يتسبب في هلاكهم في أي وقت و على أي وجه .
      ونحن نعجب من تسخير اليهود للنصارى وتطويعهم حسب إرادتهم لدرجة أصبح النصارى هم السوط والرصاصة التى يستخدمها اليهود فى كل جرائمهم والأغرب هو ان النصارى ما سلموا قديما من غدر اليهود ولن يسلموا منهم بإذن الله تعالى  ونحن نود ان نذكر النصارى بما فعله اليهود بهم قديما ( لعلهم يتقون أ و يحدث لهم ذكرا )
- لقد تآمر اليهود على المسيحيين فحرقوا روما في القرن الأول الميلادي لانها اصبحت مسيحية و ذلك بامر من نيرون بناء على طلب حبيبته استير اليهودية و تآمر  اليهود على المسيحيين في طرابلس من خلال وشاية للملك بان المسيحيين عصابة ستنقض على السلطة و الاستيلاء على المملكة فقتل ملك طرابلس اكثر من /200,000/ مئتي الف منهم و هذا هو اسلوب اليهود الخبيث على مر الزمن  .
   و في العصر الحديث حاولوا خلق الفتن الطائفية في سوريا عام 1840 و في لبنان عام 1860 و 1960 و نجحوا في عام 1975 بالتعاون مع بعض الخونة في لبنان و قامت الحرب الاهلية ولما نذهب بعيدا ألم  يحرقوا نيويورك ( برج التجارة العالمى ) في القرن الأول من الالفية الثالثة  و ذلك لقتل اكبر عدد ممكن من البشر لتقديمهم كقرابين بشرية لارضاء يهوه .
و يورد كتاب يهودي اسمه / ذينكيوم زوهار / ما يلي :
[ إن من حكمة الدين و توصياته قتل الأجانب  لأنه لا فرق بينهم و بين الحيوانات ؛ وهذا القتل يتم بطريقة شرعية  و الاجانب فى نظرهم هم الذين لا يؤمنون بالدين اليهودي و شريعته فيجب تقديمهم قرابين الى إلههم الاعظم يهوه .
اما قرابين عيد الفصح فلها مواصفات و شروط معينة يجب ان تتوافر في الضحية و هي :
1-     أن يكون القربان مسيحيا
2-     أن يكون طفلا لم يتجاوز البلوغ
3-     أن ينحدر من ام و اب مسيحيين صالحين لم يثبت انهما ارتكبا الزنا آو ادمنا الخمر
4-     أن لا يكون الولد القربان قد تناول الخمر , أي ان دمه صافي و بعيد عن المؤثرات الخارجية الملوثة
5-     أن يكون صادقا لا يكذب و قد ربي تربية جيدة
6-     أن يكون لديه ميول دينية للكنيسة و يذهب بانتظام اليها
7-     تكون فرحة يهوه عظيمة و كبيرة اذا كان الدم الممزوج مع فطير العيد هو دم قسيس و هذا يصلح لكل الاعياد
اما الجرائم الثابتة في ملفات التحقيق فهي كثيرة في بلدان العالم و خصوصا اوربا و اميريكا و الشرق العربي و هي حوالي /400/ اربعمائة جريمة تم اكتشافها اما الذي لم يكتشف آو طمست معالم التحقيق  فيه آو ضللت العدالة فيها و ذلك لابعاد فكرة فطيرة العيد المقدس الممزوج بالدم عن معرفة الناس فهي تفوق العدد المذكور بكثير .
1)  في بريطانيا عام 1255 خطف اليهود الانكليز طفلا مسيحيا انجليزيا اسمه / هوب / و ذلك ايام عيد الفصح و عذبوه و صلبوه و استنـزفوا دمه عثر والده على جثته في بئر بالقرب من منزل يهودي انجليزي يدعى / جوبين / و في التحقيق اعترف اليهودي على شركائه و هم الحاخامات و ذلك بعد ان وعده المحقق ان يكون شاهدا ملك  و جرت محاكمة   ( 91) يهوديا من جنسيات مختلفة اعدم منهم ( 18) و سجن الباقي مددا   مختلفة و كرمت الكنيسة الضحية البريئة في كاتدرائية لنكولن
2) في المانيا في عام 1235 عثر على خمسة اطفال مذبوحين و مستنـزفة دمائهم بطريقة فنية اعترف اليهود الالمان بجريمتهم  و افادوا انهم استنـزفوا هذه الدماء لاغراض دينية  لم ينتظر المسيحيون الالمان في تلك المقاطعة صدور الحكم على هؤلاء المجرمين اليهود الالمان بل هجموا عليهم و قتلوا منهم عددا كثيرا .
3) و في سويسرا عام 1287 ذبح اليهود السويسريون الطفل  المسيحي السويسري / رودلف / و ذلك في عيد الفصح في منزل يهودي سويسري ثري اسمه / مالتر / و اعترف اليهود السويسريون بجريمتهم و اعدم عدد كبير منهم و اعتبرت الكنيسة الطفل من الشهداء القديسين و صنعت تمثالا على شكل يهودي ياكل طفلا مسيحيا صغيرا و نصب التمثال في الحي اليهودي ليذكر حاخاماتهم بجرائمهم الوحشية .
4) و في فرنسا عام 1179 في مدينة بونتواز خطف اليهود الفرنسيون طفلا مسيحيا فرنسيا و استنزفوا دمه من اجل فطيرهم و تم اكتشاف الجثة و قام بالتحقيق و البحث عن القتلة الاب \ريكورد \ و اسفر التحقيق عن ادانة اليهود الخاطفين  و قد دفن الطفل في كنيسة القديسيين في باريس باسم القديس \ ريشار\ و تتالت الجرائم في هذا الصدد فأنشأت الكنيسة الفرنسية وحدات سميت بوحدات السيد المسيح من اجل ملاحقة الجناة .
  هذا ما كان منهم قديما .و انتقل الى جرائم القرن العشرين لان البحث لا يتسع لذكر كافة الجرائم المدونة في ملفات التحقيق على مدى الفي عام
- في المانيا عام 1928 سبق ذكره و في المانيا ايضا عام 1932 , استنزف اليهود الالمان دم الفتاة المسيحية الالمانية \ كاسبر\ التي كانت تعمل خادمة لدى اليهودي الالماني الثري \ مايير\  و اعتقلت الشرطة مايير فاعترف بجريمته بالاشتراك مع ابنه و عدد اخر  و ذلك لتقديم دمها الى الكنيس اليهودي كي يتم  الحاخامات  فروض الاله يهوه  و قد نال المجرمون جزائهم العادل و هو الاعدام لمن شارك في القتل آو التحريض عليه .
- و في روسيا عام 1911 استنزف اليهود  الروس دم الغلام الروسي المسيحي جوثنكسي من اجل عيد الفصح  اعتقل الفاعل و اعترف على شركائه من اليهود الروس و افاد ان الحاخام امره بذلك  و في اليونان عام 1912 في جزيرة \كورنو \ذبح اليهود اليونانيين ثلاثة اطفال مسيحيين يونانيين و اخذوا دمائهم من اجل فطير العيد و اعتقلت الشرطة اليونانية الفاعلين اليهود و اعدمتهم
- و في عام 1964 في اميريكا ذبح عدد من الاطفال في جمهورية كولومبيا في اميريكا اللاتينية و نشرت مجلة \ المصور\ هذا الحدث في عددها تاريخ 14/2/1964 و لجهل تلك المنطقة بطقوس اعياد اليهود فقد استطاع اليهود ان يغطوا تلك الجريمة حيث اعتقلت الشرطة الاميريكية المجرم و هو يهودي اميريكي و افاد انه ذبح الاطفال من اجل مص دمائهم  و قد اثيرت تلك الجريمة على انها قصة مصاص دماء أي انه مجرم معتوه  و من اجل تضليل الرأي العام قام اليهود الاميريكيون في السبعينات بكتابة قصة مصاصي الدماء و مثلوه فلماً صرفوا عليه ملايين الدولارات من اجل ترويج فكرة تقول ان هناك اشخاص معتوهين يقومون بمص الدماء البشرية ايمانا بالخلود من خلال هذا العمل .
- و قد عرض هذا الفيلم في اكثر الصالات في العالم ( 44) و الواقع و ما قد اوردناه يكشف حقيقة مصاص الدماء على انه تضليل واضح للعدالة الاميريكية و الشعب الاميريكي و ان الامر في حقيقته هو فطائر عيد الفصح المقدس اليهودي .
- هذا ما كان قد تم التحقيق به حوالي ( 700) جريمة فيما بين عيد البوريم الاسود و عيد الفصح  اما الذي لم يتم التحقيق به بعد الشكل الرسمي و القانوني ليكشف الحقيقة التي يعرفها اليهود كما يعرف اولادهم , فهي الجريمة النكراء التي تمت في الولايات المتحدة الاميريكية في عام 1983 في ولاية \ اطلنتا\
      حيث اوردت جريدة الاتحاد الصادرة في ابو ظبي ( 45) خبرا مفاده ان ثلاثة  عشر طفلا في ولاية اطلنتا قد اختفوا و ان الشرطة الاميريكية تقوم بالبحث عنهم , و قد كان ورود الخبر ملازما لوقت عيد الفصح المقدس للتابعين للديانة اليهودية  ثم وردت اخبار ان الشرطة الاميريكة في تلك الولاية اعتبرت ان الاولاد من  المفقودين آو المشردين و اقفل التحقيق و أنتهى الامر   لقد كانت اعمار الاولاد المفقودين بين \ 8\ سنوات الى \ 13\ سنة و كلهم من المسيحيين الامريكان   و تنطبق عليهم كافة الشروط المذكورة و المطلوبة لاخذ دمائهم من اجل فطيرة عيد الفصح المقدس
و السؤال هل يعقل أن الشرطة الأميريكية و قوتها ليس باستطاعتها أن تجد هؤلاء الأطفال ؟؟!!
في الواقع جرى تعتيم كبير حول الموضوع و لم يخف على  العالم أن العصابات اليهودية المجرمة قامت بهذا العمل الإجرامي و ذلك للأسباب التالية :
1-إن عدد الاطفال كان ثلاثة عشر طفلا أي أنه يمثل عدد المسيح و تلاميذه بما فيهم يهوذا الاسخريوطي و هذا يمثل قربانا كاملا لعيد الفصح اليهودي الذي تزامن مع الاختفاء .
2-  انهم  كانوا في عام 1983 يقومون بتنفيذ التعاليم الاجرامية التلمودية في قتل الشعب اللبناني و افناء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي بدؤوا بتنفيذها في ايلول / سبتمبر عام 1983 و لهذا فقد قدموا قرابين بشرية كاملة على مذبح الكنيس اليهودي في فلسطين المحتلة احتفالا بهذا الاجرام و كي يرضى يهوه و يبارك اجرامهم و لذلك كان العدد كاملا ( 13) قربانا
3- منذ أن كان المسيح  عليه السلام وحتى الآن و هم يحاولون القضاء على الدين المسيحي ولما لم يستطيعوا تدخلوا فيه وفى اتباعه وجعلوهم أداة طيعة لتنفيذ مآربهم  وحين جاء الإسلام وإلى الآن وهم يحاولون القضاء على الإسلام .
معنى هذا أن اليهود لا يودون دين أخر غير دينهم الذى اختلقوه من مبادئ تلمودهم فهم لايتقربون إلى المسيحين حبا لهم ؛ وانما هو إقتراب مشوبا بالحذر والمنفعة بدليل أن اليهود يتقلبون بين  الدول المسيحية واحدة بعد الأخرى فما  إن  يضعف نجم واحدة حتى تمتطى الأخرى والتاريخ اكبر شاهد على هذا الصنيع فقدكانوا فى ركاب بريطانيا حين كانت الدولة التى لاتغرب عنها الشمس واليوم هم فى ركاب أمريكا وغدا بإذن الله تحت أقدامنا .
 نعود إلى ما قاموا به من و قتل و تشريد لتابعي الأديان و لأن هذا العمل فيه مكافأة من إلههم يهوه لهم   فالمذابح التي وقعت في روما و طرابلس و الغرب و أماكن اخرى في العالم هي الشاهد الماثل حتى الآن امام الله و التاريخ  و لما كان عدد الأولاد المسيحيين القرابين المقدمة ليهوه تمثل العدد \ 13\ فكان ذلك عيدا تاريخيا لهم جسدوا فيه حقدهم التاريخي و اعتبروا انهم حققوا ما يريده يهوه و أمنّوا لانفسهم الخلاص الابدي من الهلاك ( 46)
و بناء على ذلك فعلى الشرطة الأميريكية في ولاية اطلنتا أن تطمس الآن و فورا كل الأدلة و التحقيقات التي جرت بشأن هؤلاء الأطفال الثلاثة عشر كي يرضى عنهم اللوبي الصهيوني في مجلس الكونغرس الأميريكي و إلا كان نصيب هؤلاء الشرطة القتل آو الطرد أو النفى  و لن تجرؤ الشرطة الأميركية على اعادة التحقيق في هذه الجريمة لأن ذلك سيكشف حقيقتها للشعب الأميريكي و سيظهر واضحا ان الاطفال كانوا القرابين البشرية التي قدمت لعيد الفطر المقدس .
و بعد ان انتشر الخبر في العالم بواسطة الصحف شعر الحاخامات بالحرج من جراء ما قد اثير من ضجة حول اختفاء هؤلاء الاولاد البرئين و خوفا من ان يكشف العالم امرهم في مرة قادمة – لان هذا الاجرام مطلوب كل عام و بتعدد الاعياد و تعدد الكنيس يجب ان يتوفر قرابين – فبدؤوا يفكرون كيف يمكنهم ارضاء يهوه بدم مسيحي ممزوج مع الفطائر في اعيادهم دون ان يعرف العالم كله بما يصنعون و كي لا يقال عن كيانهم المصطنع انهم قتلة سفاكو دماء بريئة لا ذنب لها إلا انها مسيحية ..؟! فتفتق  خبثهم و مكرهم و حقدهم و خضرمتهم بالاجرام بالفكرة التالية :
إن هناك اطفال مسيحيين يولدون من اب و ام فقيرين و بالتالي فيمكن شراء هؤلاء الاطفال بالمال على ان هؤلاء الاطفال سيعيشون عيشة سعيدة لدى عائلات مسيحية ليس لها اولاد و بالتالي فتبدوا الامور في غاية الانسانية و خصوصا ان الدين المسيحي يسمح بالتبني  و لكن يشترط بعدم الاخلال بالشروط التي يجب توافرها و المذكورة سابقا .
يمكن شراء هؤلاء الاطفال الرضع عن طريق الممرضات آو عن طريق مؤسسات انسانية منشاة باموال يهودية أو عن طرق الخطف من قبل عصابات موزعة في العالم و هي آخر ما يلجؤون اليه  في حالة عدم توفر الدم للفطير  و حينما يكون الطفل رضيعا فانه لا يعرف اهله من ناحية و تتغير ملامحه بسرعة و هذا يجعل من الصعب جدا على رجال الشرطة التحقيق في الموضوع الذي يمكن ايضا طمسه بكل سهولة و من ناحية اخرى لن يعرف اهله الاصليين  و انما يظن ان القائمين على رعايته هم اهله و بالتالي يكون هؤلاء الحاخامات قد حصلوا على قرابينهم بهدوء .و بشكل مسالم و رائع و في غاية الانسانية امام العالم . بعد اتمام هذا العمل ينقل الاطفال الرضع الى فلسطين المحتلة ليوضعوا في اماكن خاصة و يقوم على تربيتهم و تسمينهم بواسطة تقديم الاغذية الكاملة لهم اشخاص مختصون يراعون الشروط المطلوبة لقربان يهوه حتى اذا اصبح الطفل في سن معينة يؤخذ ليستنـزف دمه حسب الطريقة المشروحة سابقا و بالتالي فليس هناك من يسأل . و تموت كل الادلة و يحيا الحاخامات و الههم يهوه راضيا عنهم بما فعلوه  و يباركهم.؟!
أخر الأخبار في هذا الصدد والتي كشفتها و كالات الأنباء عام 1988 هو استرجاع طفلة برازيلية خطفها اليهود من البرازيل الى فلسطين المحتلة و هي رضيعة عمرها ستة اشهر و بعد عام و نصف من البحث و التحري من قبل اهلها دون كلل آو ملل و بالحاح تمكنوا من استرجاعها و عمرها عامين  و ايضا انتهى الموضوع على انه جريمة عادية لا اكثر و يبدو ان الطريقة المتبعة حاليا من اجل الحصول على القرابين هي كطريقة الدواجن حيث يؤتى بهم و يربون بالطريقة المطلوبة ثم يذبحوا  حين الطلب عندما يصبح سمينا و موافقا للعيد بالشروط المطلوبة فهل سمعتم بان الشرطة قامت بالتحقيق مع شخص ذبح دجاجة ؟؟!! طالما ان اليهود يعتبرون كل البشر حيوانات .
لقد كتب الروسي \ فيدور دستويفسكي \ مقالا في عام 1877 أي منذ اكثر من مائة وثلاثون عاما و قد ورد فيه ان بعض اليهود عاتبوه على هجومه عليهم بسبب جرائمهم  و انهم ما عادوا يؤمنون بالخرافات ( التلمود ) التي تؤمن بها العصابات الحاخامية  و ما عادوا يمارسون الطقوس الدينية المتبعة عن هؤلاء " أي قتل الاطفال " و اكثر من ذلك ما عادوا يؤمنون بالله ؟!  فليت   فيدور " على قيد الحياة  ليرى جرائم القرن العشرين الفظيعة و يرى الخداع و الخبث و الاجرام المستمر على مر الزمن .
و الشيء المذهل ان من يسجن من اليهود بسبب هذه الجرائم فهو يسجل بطلا في سجلاتهم و يدفعون الاموال الطائلة لاطلاق سراحه اما من يعدم بسببها فان يهوه يكتب له الخلود لانه شارك في تقديم القرابين له .و كل ما ورد كان من الوقائع ؛ اما في التطبيق القانوني :
1-منذ عام 1144و حتى عام 1948 :
حينما كان تابعو الديانة اليهودية في بلادهم أي اليهودي الانجليزي في انجلترا  و الالماني في المانيا و اليهودي الاميريكي في اميركا و اليهودي الروسي في روسيا  و اليهودي العربي في بلاد العرب و هكذا ؛كانت تطبق عليهم القوانين الجزائية بالمساواة مع أي شخص اخر في تلك البلاد اذا اقترفت يداه جريمة و ذلك لانهم مواطنون لتلك الدول و لا فرق بين يهودي أو مسيحي أو مسلم أو بوذي أو ملحد في تطبيق القانون و ذلك حسب مبدأ المساواة أمام القانون كمبدأ للعدالة  و كما رأينا طبقت بحقهم عقوبات مختلفة و نالوا جزاء اجرامهم كل في موطنه .
2-من عام 1948 حتى عام 1983 :
اختلفت الامور حيث ان المجرمين ينفذون جرائمهم ثم يهربون الى فلسطين المحتلة ليحموا انفسهم من العقاب ضمن الكيان الصهيونى  المصطنع اسرائيل  مثال ذلك اذا ذبح يهودي انجليزي طفلا مسيحيا انجليزيا وصنع حاخاماته من  دم الطفل فطير العيد المقدس و حين اكتشفت الشرطة الانجليزية جريمته هرب الى معقل العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة فهل تستطيع انجلترا و قوتها العظيمة ان تطبق القانون الجنائي عليه بسب جريمته ؟؟
 في الواقع لا تستطيع لا انجلترا و لا حتى اميريكا و قوتها و عظمتها ان توقع أي عقوبة على هذا المجرم  و السبب ان الشرطة البريطانية ستطالب به على انه مجرم انجليزي فار من وجه العدالة و مُدان بجريمة قتل من الدرجة الاولى ( العمد ) و لكن العصابات الحاخامية المجرمة لن تسلمه لان هذا المجرم غير معاقب عليه في نظامهم لاختلاف الوصف القانوني من جهة و تنازع القوانين من جهة ثانية و على العكس فانه عمل يكافئ عليه يهوه .و بالتالي فهو ليس بجريمة لكن يمكن تطبيق القانون اذا تمكنت الشرطة من القبض على المجرم قبل الهرب  و ان تم ذلك فان المال اليهودي و الضغط السياسي يتدخل للافراج عنه و يصبح القانون مسرحية هزلية أو تضليل للعدالة لابعاد موضوع فطير العيد الممزوج بالدماء كما حصل في قضية مصاص الدماء في كولومبيا و اعتبر معتوها
3-بعد عام 1983:
اصبح الامر بسيطا جدا لان وقوع جرائم الذبح سيكون في فلسطين المحتلة حيث تجلب القرابين من اوربا و امريكا و توضع في المدجنة حسب ما بينا  مؤخرا في طريقة الحصول على القرابين بشكل انساني ثم تذبح و يوزع الدم  المسيحي مرة اخرى لكل كنيس يهودي ان كان في فلسطين المحتلة أو في بلدان العالم المختلفة و بالتالي فلن يعرف احد في العالم متى و في أي مذبح ستكون الجرائم .
و قد انفضحت جريمة القربان الكامل في الشهر الخامس عام 1998 عندما  القي القبض على عائلة اميريكية يهودية تحتوي \ 13\ طفل و قد اكتشفت الشرطة الاميريكية الامر حينما كانت تلك العائلة تحاول تزوير جوازات سفر للاطفال لنقلهم الى فلسطين و قد اعترفوا اثناء التحقيق انهم اشتروا الاطفال من الممرضات ومن عائلات فقيرة  و انهم سوف ياخذونهم الى فلسطين لكي يتم تبنيهم من قبل عائلات يهودية غنية ليس لديها اطفال ؟؟‍‍ هذه الطريقة الخبيثة للحصول على دم المسيحيين من اجل القرابين البشرية هو احتفال  كامل تام \ 13\ طفل بمناسبة مرور خمسين عاما على قيام دولة ( الشر )  اسرائيل .
في الجانب الانساني : نتوجه الى الشعوب المسيجية على مختلف الجنسيات انجليزي و اميركي و الماني و فرنسي وغيرهم و نقول لهم أما زلتم تدعمون هذا الكيان الصهيونى الإجرامي المصطنع بكل قوتكم ؟؟؟و تزينون مذابحه المقدسة بنقودكم و دولاراتكم ؟؟؟  أم  تريدون ان تذبح اطفالكم في قلعة حصينة كي لا تسمعوا صوت انينهم حينما يعذبون و يقتلون ببطء شديد ؟ أم  تريدون ان تستنـزف دمائهم على مذابح ونناديهم بما ناداهم به القرآن الكريم حين قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً }النساء47
                                         





   

                   الباب الخامس
                     النصرانية
ما سبق عزيزى القارئ كان إطلالة سريعة على فكر اليهود وما يضمرونه من حقد للبشر جميعا مسيحين كانوا أم مسلمين ورأينا كم يساعدهم النصارى فى ما يريدون ؛  والأن رأينا أن نتعرض للنصرانية فى عجالة لنرى من هم ؟ وكيف يفكرون ؟  وما هى مبادئهم ؟ وهل عاملوا المسلمين بالحسنى كما عاملوهم ؟ أم نجح اليهود فى وضع غمامة على أعين النصارى حتى أصبحوا لا يرون إلا هم ولا ينفذون إلا ما يأمرهم به اليهود ؟  
وإليك عزيزى القارئ معلومات سريعة عن النصارى وأفكارهم قبل الدخول قى مؤمراتهم وما يريدونه من هلاك للمسلمين وتدمير منشاتهم .
     تجمع الفرق النصرانية المثلثة اليوم على القول بأن الإله إنما هو إله واحد إلا أنه مكون  من ثلاثة أقانيم، وتجمع أيضاً على أن أول هذه الأقانيم هو الآب، وثانيها هو الابن، وثالثها هو روح القدس. والثلاثة إله واحد.
     لكن هذه الفرق تختلف اختلافاً بيناً في تحديد طبيعة المسيح، فلقد صدر عن مجمع نيقية تأليهه، ثم حار النصارى في تحديد ماهية هذه الألوهية.
    ونتوقف بعض الشيء مع الفرق النصرانية الكبرى، ونذكر أوجه الاختلاف بينها وظروف نشأة كل منها، ثم نذكر شيئاً من ردود المحققين في إبطال هذه المذاهب خصوصاً.
أولاً : الأرثوذكس
   وهم أتباع الكنائس الشرقية (اليونانية)، وكلمة "أرثوذكس" كلمة لاتينية معناها: "صحيح أو مستقيم العقيدة" أو "مذهب الحق".
وقد انقسمت الكنيسة الأرثوذكسية في أعقاب مجمع القسطنطينية الخامس 879م إلى قسمين كبيرين (الكنيسة المصرية أو القبطية أو المرقسية وكنيسة القسطنطينية، المسماة بالرومية أو اليونانية).
وينتشر أتباع الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا وعموم آسيا وصربيا ومصر والحبشة، ويتبعون أربع كنائس رئيسية لكل منها بطريرك (القسطنطينية ثم الإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم)، وتشكل العقيدة الأرثوذكسية امتداداً صادقاً لما جرى في مجمع نيقية، إذ تتفق معتقداتهم مع ما جاء في رسائل أثناسيوس الذي ولي البابوية في الإسكندرية بعد مجمع نيقية.
الأقانيم عند الأرثوذكس
     يرى الأرثوذكس الأقانيم مراحل لإله واحد في الجوهر، فالأب هو الابن وهو روح القدس، يقول الأنبا غريغورس ملخصاً معتقدهم بالثالوث : "المسيحيون يؤمنون بإله واحد، أحدي الذات، مثلث الأقانيم والخاصيات، فالتوحيد للذات الإلهية، وأما التثليث فللأقانيم، وللأقانيم خاصيات وصفات ذاتية، أي بها تقوم الذات الإلهية،.
     فالله الواحد هو أصل الوجود، لذلك فهو الآب- والآب كلمة ساميّة بمعنى الأصل -والله الواحد هو العقل الأعظم ؛ تجلى في المسيح ؛ لذلك كان المسيح هو الكلمة ؛ والكلمة تجسيد العقل، فإن العقل غير منظور، ولكنه ظهر في الكلمة، وهو أيضاً الابن- لا بمعنى الولادة في عالم الإنسان -، بل لأنه صورة الله غير المنظور، والله هو الروح الأعظم، وهو آب جميع الأرواح، ولهذا فهو الروح القدس، لأن الله قدوس". يا للعجب ونحن نقول لهم ( أفلا تعقلون )
     ويقول الأسقف سابليوس عن الله: "ظهر في العهد القديم بصفته آب، وفي العهد الجديد بصفته ابن، وفي تأسيس الكنيسة بصفته روح القدس".
      وإذا تساءلنا عن سبب اختلاف الأسماء في هذه المراحل للجوهر الواحد فإن القس توفيق جيد يجيب: "إن تسمية الثالوث باسم الآب والابن والروح القدس تعتبر أعماقاً إلهية وأسراراً سماوية لا يجوز لنا أن نفلسف في تفكيكها وتحليلها، أو نلحق بها أفكاراً من عندياتنا..".
     وما دامت هذا الأقانيم مراحل للجوهر الواحد، فإن ياسين منصور يقول عنها بأنها "ثلاث شخصيات متميزة غير منفصلة، متساوية فائقة عن التصور"، ويقول أثناسيوس بالتساوي بين الأقانيم "فلا أكبر ولا أصغر، و لا أول ولا آخر، فهم متساوون في الذات الإلهية والقوة والعظمة".
وأبرز معتقدات الكنيسة الأرثوذكسية وفروقها عن الكنائس الأخرى:
- أن المسيح (الابن) هو الله وهو روح القدس.
- تقول كنيسة القسطنطينية الأرثوذكسية أن الابن (الإله المتجسد) أقل رتبة من الإله من غير تجسد، يقول الأسقف أبولينراس: "الأقانيم الثلاثة الموجودة في الله متفاوتة القدر، فالروح عظيم، والابن أعظم منه، والأب هو الأعظم...ذلك أن الأب ليس محدود القدرة والجوهر، وأما الابن فهو محدود القدرة لا الجوهر، والروح القدس محدود القوة والجوهر".
- يرى أرثوذكس الكنيسة المرقسية المصرية أن المسيح طبيعة واحدة إلهية، ويرى أرثوذكس روسيا وأوربا (كنيسة القسطنطينية) أن له طبيعتين مجتمعتين في طبيعة واحدة كما قرر عام 451م في مجمع خلقدونية حيث رفضت الكنيسة المصرية القرار، وقبلته الكنائس الأرثوذكسية الرومية القائلة بالطبيعتين.
- أن روح القدس نشأ من الأب فقط.
- يؤمن النصارى الأرثوذكس بأسرار الكنيسة السبعة (المعمودية-الميرون المقدس-القربان المقدس – الاعتراف – مسحة المرضى- الزواج- الكهنوت).
ثانياً : الكاثوليك
       وهم أتباع الكنائس الغربية التي يرأسها بابا الفاتيكان في روما.وكلمة: " الكاثوليك" كلمة لاتينية، تعريبها: "الجامع الحر الفكر" أو "العام أو العالمي".وينتشر أتباع هذه الكنيسة في بقاع كثيرة من العالم ويشكلون عدداً كبيراً من سكان أوربا.وقد وجدت هذه الكنيسة بعد أن انشقت عن الكنيسة الأم بعد صراع سياسي ديني طويل يمتد إلى القرن الخامس الميلادي، فحين قسم الإمبراطور تيودواسيوس امبراطوريته عام 395م بين ابنيه، فتولى أكاديوسيوس الشطر الشرقي وعاصمته القسطنطينية، فيما تولى نوريوس الشطر الغربي وعاصمته روما‏.
    وبدأ الصراع والتنافس بين المركزين، وفي عام 451م وعقب مجمع خلقدونية انفصلت الكنيسة المصرية (أول الكنائس الأرثوذكسية) عندما قالت بطبيعة واحدة للمسيح منكرة ما ذهب إليه المجمع من أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ثم انفصلت بقية الكنائس الشرقية عقب مجمع القسطنطينية الرابع 869م، والخامس 879م، بسبب إصرار الغربيين على اعتبار الروح القدس منبثق من الأب والابن معاً.
الأقانيم عند الكاثوليك
   ويلخص محررو قاموس الكتاب المقدس عقيدة النصارى الكاثوليك في التثليث، فيقولون: "الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله…شخصيات متميزة الواحدة عن الأخرى..التثليث في طبيعة الله ليس مؤقتاً أو ظاهرياً، بل أبدي وحقيقي.. التثليث لا يعني ثلاثة آلهة، بل إن هذه الشخصيات الثلاث جوهر واحد…الشخصيات الثلاث متساوون". ( قاموس الكتاب المقدس، ص232)
    والكاثوليك يعتبرونها ثلاث شخصيات أو ثلاث ذوات لكل منها مهام منفصلة، وترجع إلى ذات واحدة موجودة في الأزل، ويرون لكل أقنوم وظيفة واختصاصاً، فهم يقولون الأب وظيفته خلق العالم والمحافظة عليه، والابن كفارة الذنوب وتخليص البشر، و الروح القدس تثبيت قلب الإنسان على الحق وتحقيق الولادة الروحية الجديدة.
     وأما أبرز ما تختلف فيه الكنيسة الكاثوليكية عن الأرثوذكسية فهو :
- قولهم بأن المسيح له طبيعتان ومشيئتان: إلهية وإنسانية، فهو عند الكاثوليك إله تام وإنسان تام، وفيه اتحد الابن بناسوت المسيح .
- الأب والابن وروح القدس هي الأقانيم الأزلية للإله، والمتحد منها هو الابن فقط .
- روح القدس انبثق من الأب والابن معاً، وهو مساوٍ للأب والابن .
- الأرواح الخاطئة لن تدخل الجنة حتى تتطهر في جحيم صغير في مكانٍ ما من الأرض يسمى: "المطهر" تتطهر به أرواح العصاة ، ثم تكون أهلاً لدخول الفردوس .
- صلوات الكهنة ترفع العذاب عن النفوس الخاطئة، ومنه نشأت فكرة صكوك الغفران التي أقرها المجمع الثاني عشر المنعقد عام 1215م.
- القول بعصمة بابا روما، وبأنه وريث سلطان بطرس، وبذلك تسمى أيضاً كنائس الكاثوليك بالكنائس البطرسية.
- تقدس الكنسية الكاثوليكية مريم، وتسميها (والدة الإله) و(خطيبة الله)، وتخصها ببعض الصلوات والابتهالات .
وتعترف الكنيسة الكاثوليكية بسائر العبادات والطقوس الأرثوذكسية كالتعميد والاعتراف والعشاء الرباني….و يجيز الكاثوليك عبادة الصور.
ثالثاً : البروتستانت
    وهم في الأصل من أتباع الكنيسة الكاثولوكية، وكلمة"بروتستانت" كلمة إنجليزية معناها المحتجون. وقد انشق البروتستانت عن الكنسية الكاثوليكية في منتصف القرن السادس عشر وبعد عدة احتجاجات على ممارسات بابوات الكنيسة التي زكمت منها الأنوف .
وهنا يجدر بنا الحديث عن بعض هذه الدعوات الإصلاحية التي ظهرت في أوربا. بدأت هذه الدعوات للإصلاح على يد جيرارد في كنيسة لورين في عام 914م وعاصرتها دعوة أخرى تسمى حركة كلوين. ثم ظهرت في جنوب فرنسا حركتا الكاتاريين والوالدنيين، وتمكنت البابوية من القضاء عليهما.
    وفي القرن الثالث عشر ظهرت حركة الرهبان ، ودعت للبساطة وحماية الكنيسة من الهراقطة، وتدعيم البابوية عن طريق الأتباع المخلصين، لكن مع نهاية هذا القرن وقع رواد الحركة فيما حذروا منه، فأصبحوا من الأثرياء، وجر الثراء إلى ما يسوء ذكره.
     وفي عام 1383م توفي داعي الإصلاح حنا بعد أن طرد وأتباعه، ثم بعده نادى حنّا هس بإيقاف صكوك الغفران التي استعان بها البابا حنا الثالث والعشرون في حربه ضد مملكة نابلي، وقد أحرق حنّا هس حياً عام 1415م.
    وفي أوائل القرن السادس عشر نادى آزرم بالإصلاح، واحتفظ بعلاقات طيبة مع الكنيسة والبابا ليو العاشر، ومثله فعل معاصره تومس مور. وفي بداية هذا القرن أيضاً ظهر مارتن لوثر، وهو قس ألماني ذهب إلى الحج في روما طالباً بركات البابا فيها، وفي ذهنه صورة من النقاء والطهر والخشوع.
     لكنه فوجىء في روما بواقع آخر، فجعل يصيح بأن ليس هذا دين عيسى، وعاد لألمانيا يدعو للإصلاح، وهاجم صكوك الغفران واعتبرها دجلاً،وانضم إليه أتباع سموا بالمحتجين( البروتستانت).
ثم تأثر بـ ( لوثر ) الفرنسي كالفن المولود عام 1509م، ثم السويسري زونجلي، وأسس كلفن التنظيم الكنسي البروتستانتي.وقد انتشرت أراء هذه المدرسة الإصلاحية في ألمانيا وأمريكا واسكتلندا والنرويج وهولندا.
والبرتستانت في الجملة كاثوليك، ويتميزون عنهم بأمور أهمها:
- الإيمان بأن الكتاب المقدس فقط (وليس البابوات) هو مصدر النصرانية، لكنهم لم يطبقوه فيما سوى مسألة صكوك الغفران وعصمة البابا.
- إجازة قراءة الكتاب المقدس لكل أحد، كما له الحق بفهمه دون الاعتماد في ذلك على فهم بابوات الكنيسة.
- عدم الإيمان بأسفار الأبوكريفا السبعة، واعتماد التوراة العبرانية بدلاً من اليونانية.
- عدم الاعتراف بسلطة البابا وحق الغفران وبعض عبادات وطقوس الكنيسة الكاثوليكية كالعشاء الرباني وعبادة الصور وتقديس مريم، وعذاب المطهر، وعموم الأسرار الكنيسة.
- يعتبرون الأعمال الصالحة غير ضرورية للخلاص.
- لكل كنيسة بروتستانتية استقلالها التام.
- يمنع البروتستانت الصلاة بلغة غير مفهومة كالسريانية والقبطية، ويرونها واجبة باللغة التي يفهمها المصلون.
- يمنع البروتستانت التبتل، ويوجبون زواج القسس لإصلاح الكنيسة.
- ويوافق البروتستانت الكاثوليك في انبثاق الروح القدس من الأب والابن كما يوافقونهم في أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين. 
     إن كل ما سبق لا يعنينا فى شئ ؛  فقوم اختاروا لأ نفسهم دينا بهذه الطريقة فهم وشانهم ؛ فالإسلام علمنا أن نقول لهؤلاء وأمثالهم {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }الكافرون6 ولكن الذى يعنينا هو بماذا يأمرهم دينهم ؟ فهل يأمرهم بالمودة وحسن الجوار والتسامح وحسن المعاملة مع الاخر؟ أم أنه صورة اخرى من الفكر اليهودى متسترا بعباءة الدين ؟  
فلقد رأينا اليهود وما فعلوه ؛  فهيا بنا نتابع ما فعل الباباوات عبر العصور وسنرى أن الباباوات والحاخامات ماهم إلا وجهان لعملة واحدة .
ولقد قدمت الدكتورة " زينب عبد العزيز "  بحثا مطولا عن تاريخ البابوية نعرضه لك عزيزى القارئ بتصريف  يسير ونترك لك عزيزى القارئ الحكم فى نهاية المطاف .
                              البابوات والإعتداءات
--  يحاول البابابوات ومن تبعهم أن يضفوا على من يترأس كرسى البابوية الورع والوقار ليخفوا ما فعله اسلافهم من جرائم . فلقد تم تزييف حياة البابوات بحيث أن العديد من الأتباع لا يمكنهم تصور مدى الانحلال  الذى كان سائدا  في البلاط البابوي ، منذ تكوينه ، ولا مدى الوحشية التي اتسموا بها في مواجهة خصومهم ، خاصة عندما كانت السلطة المدنية في أيديهم. وحقيقة ما عاشته البابوية من أحداث مشينة يمثل حقائق لاسابقة لها في تاريخ الأديان بأسره.
-- فهو تاريخ ممتد عبر قرون طويلة تداخلت فيه عمليات الإتجار بنفس منصب البابوية، والفضائح والإعتداءات والتزوير والتحريف والقتل بوحشية، إلى درجة أن قام أحدهم بوضع السم فى قرص المناولة ليقتل غريما له .
-- ويقول توني باشبي في بحثه عن «التاريخ الإجرامي للبابوية»: «أنه على الرغم من التلاعب في السجلات وإبادة العديد من الوثائق حتى لا تبقى هناك شهادات على ذلك التاريخ المؤسف، فهناك العديد من مذكرات بعض البابوات التي أفلتت من الإبادة، والخطابات والتقارير المتبادلة مع سفراء أجانب في الكرسي الرسولي، ووثائق تم تجميعها من الأديرة ، إضافة على سجلات مجالس الشيوخ الرومان ومحاضر الجلسات الكنسية في لندن ، وخاصة نسخة أصلية من «موسوعة ديدرو» الفرنسية «والتي ما إن تم طبعها حتى أمر الباب كليمنت الثالث (من 1758 – 1769) بحرقها فورًا عند صدورها عام 1759».
وهو ما سمح بالكشف عن ذلك الإنحطاط المتفرد للبابوية منذ أولى خطواتها. إذ إن القداسة التي يحاولون إضفاءها اليوم لا وجود لها في تلك الوثائق التي تشكف عن عدم أمانة القائمين على الكنيسة سواء بأيديهم أو بأيدي من عاصروهم. ويكفي أن نطالع ما كتبه ريتشارد بينيت عن «البابوية» قائلاً: «يقدر ما قتلته البابوية بزعم الهرطقة بحوالي خمسين مليونًا من البشر»!
-- وقد ظلت المسيحية تحارب خاصة أيام سيفريوس (193 – 211) ، وديوكلسيان (284-305) وجاليريوس (303 – 311) من جراء أفعال رجالها ومحاولاتهم المتواصلة للسيطرة على السلطتين  الكنسية والمدنية . ويقول المؤرخ " فيليب شان "  في كتابه عن «تاريخ الكنيسة الكاثوليكية»: «كان يجب حرق أي نسخة من الأناجيل وتجريد المسيحي وحرمانه من الوظائف العامة ومن حقوقه المدنية. وكان على جميع المسيحيين تقديم القرابين للآلهة الرومانية وإلا تم إعدامهم. وقد انتهى الاضطهاد بصدور مرسوم ميلانو عام 313 الذي أباح حرية العقيدة للمسحيين كالوثنيين».
-- ويقول القس بينيت  في كتابه عن «البابوية» : «وفيما بين القرن الرابع والخامس تمت إذابة الإنجيل الأصلي واستبداله بإدخال الطقوس وبعض الممارسات الوثنية بإضفاء لمعة مسيحية على السطح، وكلما تزايد الابتعاد بين الاثنين تزايد الإلحاح على الجانب الشكلي والسلطوي. وما إن استقرت هذه الواجهة حتى كان لا بد من أن يكون لها ممثلها الرسمي».
-- وفي أواخر القرن الخامس الميلادي تكون الكهنوت الذي تجرأ على القيام بدور الوساطة بين الأتباع وربهم .. فأصبحت الكنيسة تلك المؤسسة التي يسيطر عليها ذلك التدرج الهرمي من رجال الدين. وبانتقال مقر الإمبراطورية الرومانية إلى القسطنطينية عام 330 تزايدت سلطة أسقف روما معلنًا أنه من حقه اعتلاء عرش روما ليجعل منه مقعدًا جديرًا بحكم يسوع العالمي. وبذلك استولت كنيسة روما على الإمبراطورية الغربية لتصبح مع الوقت امتدادها الحقيقي: أي أن الإمبراطورية الرومانية لم تختفِ، وإنما قد تغير اسم رئيسها من القيصر إلى البابا!
-- وبينما كان الصراع دائرًا آنذاك بين إنطاكيا والأسكندرية والقدس وروما لمعرفة من في تلك الكنائس ستتولى القيادة، انحصر الصراع بين روما والقسطنطينية إلا أن الإمبراطور جوستيان الأول قد قام بإضفاء السيادة على أسقف روما لتتزعم قيادة الكنائس الأخرى اعتبارًا من 538 ميلادية . ولا يعني ذلك أن جوستنيان قد أسس البابوية ، وإنما قد أرسى قواعدها الأولى. واعتبارًا من العام التالي أصبح في وسع «الحبر الأعظم» وطاقمه تكوين محاكمهم الخاصة وفرض العقوبات على المدنيين الذين لا ينصاعون للأوامر الكنسية وجبروتها. والمعروف أن لقب "الحبر الأعظم" هذا كان أحد القاب القياصرة الرومان واستولى عليه البابوات من ضمن ما استولوا عليه فى مسيرتهم القائمة على التزوير والتحريف !
-- وفي القرن الثامن بدأت الكنيسة تلوح بوثيقة تسمى « هبة قسطنطين » وثيقة تنص على أن : الإمبراطور قد تنازل إلى البابا سلفستر أسقف روما (314 – 335) عن جزء كبير من ممتلكاته وأمواله وقصر لاتران، وهو من أجمل قصور العالم، وتاج السلطة الدينية، والنياشين الإمبراطورية وحليّها، وإمبراطورية بيزنطة «لأنه لا يليق بأي إمبراطور دنيوي أن يمتلك أية سلطة في المكان الذي يوجد فيه رئيس الديانة التي أقامه الله عليها»!!
-- ثم ثبت أن هذه الوثيقة مزورة، قد تمت صياغتها قبل عام 754. إذ يقول المؤرخ ويلي: «إن ما يثبت تزوير هذه الوثيقة هو أنهم جعلوا قسطنطين، في القرن الرابع، يستخدم اللغة اللاتينية السائدة في القرن الثامن» – أي بعد أربعة قرون من التطوير والتغيير اللغوي! وكانت الكنيسة تسارع بحرق كل من يجرؤ على عدم تصديق هذه الوثيقة أو التشكيك في مصداقيتها. لكنها لم تقم بإعادة ما استولت عليه بموجبها بعد أن انفضح أمرها! وفي القرن التاسع عشر اضطرت الكنيسة إلى الاعتراف بتزوير هذه الوثيقة، والعديد غيرها، ومن السخرية أن تُعرف كل هذه الوثائق المزورة في التاريخ الكنسي بعبارة «التزوير الورع» ، وهو ما سوف نتناوله فيما بعد بشىء من التفصيل !
-- وفي عام 800 ميلادية ركع شارلمان، ملك البلدان الرومية الجرمانية، أمام البابا ليون الثالث لكي يقوم بوضع تاج الغرب الإمبراطوري على رأسه. واللافت للنظر أنه في عام 538 قام الإمبراطور جستنيان بإضفاء لقب «الحبر الأعظم» على أسقف روما. وبعد 262 عاما ها هو البابا يقوم بتتويج الإمبراطور! وهو ما يكشف عن سرعة الخطوات التي تمت لتغيير الأحوال لصالح البابوية وأطماعها. فقد عم الفساد بصورة عجيبة في المجال البابوي بعد استيلائه على ثروات وممتلكات طائلة بموجب تلك الوثيقة المزورة ..
-- ويقول الأسقف المؤرخ فروز رنجهام فى كتابه ( "مهد المسيح" 1877). عن بابوات القرون الوسطى وما بعدها: «كثير منهم كانت حياتهم ماجنة، وبعضهم كان يمارس السحر، والبعض الآخر غارق في الحروب والمذابح والمكائد إضافة إلى الإتجار في المقدسات والوظائف الدينية. بل وكان بعضهم لا يمت إلى المسيحية بصلة لانحطاهم الإجرامي وكأنهم أبناء أبيهم الشيطان»،
 -- ولا أدل على ذلك من بعض الأقوال المأثورة التي يحفظها لهم التاريخ ، من قبيل الأسقف أوسبيوس (260 – 339) الذي قال: «إنه من أعمال الورع أن نخدع ونكذب إذا أدت هذه الأعمال إلى ازدهار مصالح الكنيسة» ! أو تلك العبارة الشهيرة التي قالها البابا ليون العاشر (1513 – 1521): «كم نعلم تمامًا ما أضفته علينا من مكاسب تلك القصة الخرافية ليسوع» ، ولا نقول شيئا عن عبارة القديس بولس الذى يقول لأهل رومية أن مجد الله قد إزداد بكذبه !: " فإنه إن كان مجد الله قد إزداد بكذبى لمجده فلماذا أُدان أنا بعدُ كخاطئ " ( 3 : 7 ) 
-- وفي واقع الأمر إن من يُطلق عليهم الآن فى المراجع «فضائل المسيحيين» كانوا في الواقع قتلة أفظاظًا. فقد عام البابوات في أنهار من الدماء في حروبهم المتعددة الجبهات، ومن أجل تحقيق أهدافهم الدنيوية. فكثير منهم كان لديه المليشيات الخاصة به التي كان يزج بها وسط المعارك. ويكفي أن نطالع ما كتبه سيمون دي عن «اقتلاع الكاتار» من «أن الكنيسة قد أمرت السلطة المدنية لفرض عقائدها على الإنسانية بالقتل الجماعي».
-- ومن أشهر الوقائع التي يحفظها التاريخ عن الصراع بين البابوات نطالع: «عند وفاة الباب فورموزس (896) تولى البابا بونيفاس السادس البابوية لمدة أسبوعين ، ثم استولى البابا اسطفانوس السابع على البابوية. وفي ثورة غضبه الانتقامية لم يقم بتلطيخ سمعة البابا فورموزس فحسب، وإنما أمر بإخراج جثته من القبر، وأجلسها على الكرسي الرسولي وقام بمحاكمته وإدانته ثم أمر بأن تقطع ثلاثة أصابع من يده اليمنى بسبب «اعتدائه على القوانين الكنيسة وعقائدها»
وتعد هذه المسرحية الإنتقامية من الفضائح التي تكشف عن مدى أخلاقيات تلك الفئة "الورعة" ، وقد عُرفت هذه المحاكمة في التاريخ الكنسي باسم « سينودس الجثة»! إلا أن هذه الواقعة قد أثارت الرأي العام ضده ، وبعد فترة تم القبض على البابا اسطفانوس السابع وأودع في السجن ثم مات مخنوقًا ..
-- ولن نتناول هنا إباحيات وغراميات البابوات وفجورهم السافر وأبناء السفاح الذين كانوا يولدون ، ومنهم من كانوا يرقون إلى درجة البابوية، ولا قيادة بعض النسوة من قبيل تيودورا أو ماروزيا وفضائحهن في البلاط البابوي، خاصة ماروزيا التي حكمت بالفعل من كرسي البابوية – وهو ما يعرفه كل المؤرخون، ويلقبونها بعاهرة البابوات. وهو ما يكشف عن مدى انحطاط فئة من المفترض فيها أنها لا تمثل رأس الكنيسة فحسب، وإنما كل واحد منهم يُعد «مندوب الله على الأرض» كما يقولون.. ولا تكفي هنا عبارة : اللهم لا تعليق، خاصة حول البابا يوحنا الثاني عشر (955-964) الذي قُتل وهو يغتصب إحدى السيدات في ضواحي روما ، وكان القاتل زوجها .
-- ولا يسع المجال هنا لنقل كل ما تتضمنه «الموسوعة الكاثوليكية» (15 جزءًا) ففى (ج7 صفحة 12) من جرائم تفوق الوصف، وفضائح لا يعقلها إنسان، خاصة ما قام به بنديكت التاسع من انتقام ومذابح وفتح «القصر الباباوي لحفلات المجون والشذوذ المثلي» مما زاد قوائم الفساد وانتشاره في مختلف التدرجات الكنسية. وبدأت البابوية تفقد احترام العديد من الناس
-- ويقول المؤرخ البريطاني لورد أكتون حول صراعات البابوية:فى كتابه (تاريخ كمبريدج الحديث ، ج1 صفحة 677). «إن البابوات لم يكونوا قتلة على أعلى مستوى فحسب، وإنما جعلوا القتل أساسًا شرعيًّا للكنيسة المسيحية وشرطًا من شروط الخلاص»
-- ويعلق توني باشبي على موضوع القتل في المفهوم البابوي قائلاً بسخرية: «لعلهم يتخذون من آية إنجيل لوقا مثالاً لهم؛ إذ تقول الآية على لسان يسوع: «أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي» (19: 27). ثم يضيف موضحًا أن هذا النص مخالف لما هو موجود في مخطوطة الكتاب المقدس والمعروفة باسم المخطوطة السينوية (Codex Sinaiticus) الموجودة في المتحف البريطاني منذ عام 1934، إذ تقول الآية: «أحضروا أعدائي هنا، أولئك الذين لم يرغبوا أن أكون ملكًا، واذبحوهم في وجودي» والفرق بين النصين يتطلب إعادة نظر شاملة في تاريخ المسيحية برمتها وفي الترجمات والتعديلات المغرضة للأناجيل ، وخاصة  لحياة يسوع  ، فهذه الآية التى تم تعديلها تكشف عن توجه مختلف تماما ليسوع الذى يأمر بقتل أعدائه الذين لم يرغبوا أن يكون ملكا..
-- وقد وصل جبروت طبقة البابوات إلى درجة تبرير عملية القتل الجماعي والحروب الصليبية التي بلغ عددها 19 حربًا من 1096 إلى 1571، سواء لمحاصرة الإسلام واقتلاعه أو إبادة الكاتار، أو سلالة فريدريك الثاني، وخاصة إبادة فرسان المعبد الذين تأثروا بالكاتار في رفضهم تأليه المسيح وتأثروا بالإسلام، وكل ما ترتب عليه من عقائد مختلفة عما تفرضه المؤسسة الكنسية وخاصة رفضهم ألوهية يسوع ، و دخول العديد من فرسان المعبد في الإسلام ـ وهى نقطة جديرة ببحث مستقل ..
-- وكان البابا جريجوار السابع قد أعلن رسميًّا «أن قتل الهراطقة لا يعد قتلاً» وأباح لجنود الكنيسة أن يقتلوا كل من لا يؤمن بالمسيحية. وكانت تلك الفرق تسمى أيضًا «ميليشيات يسوع المسيح» أما الشعب نفسه فقد أطلق عليهم «قاطعي الرقاب»! وهو جيش مكون من مائتي ألف من المشاة، وعشرون ألفًا من الفرسان. وقد تم استخدام هذه الفرق لتخريب وحرق حقول ومزارع الكاتار ومنازلهم، ومن الصعب حصر ذلك الخراب الناجم عن اقتلاع الكاتار ويقدره المؤرخون بأكثر من خمسمائة مدينة وقرية قد اختفت من على الخريطة الأوروبية ..
-- وقد وصل صراع البابوات على السلطة ورغبتهم في السيطرة على العالم أو التحكم في المجالين السياسي والديني، أن قام البابا بونيفاس الثامن في 18 نوفمبر 1302 بإصدار الخطاب الرسولي الخاص بالسَّيْفَيْنِ: سيف السياسة والقانون، وسيف الكنيسة. وهو الخطاب الذي يقول فيه البابا: «إن السيفين أصبحا في يد الكنيسة، الديني والمدني ، الديني تقوده الكنيسة بأيدي رجال الاكليروس، والمدني تمارسه الكنيسة بأيدي جيشها ؛ والسلطة الدينية من حقها إقامة وإرشاد السلطة المدنية وأن تحكم عليها وتدينها حينما تحيد عن الصواب . وبالتالي، فأي إنسان يعترض على سيفيّ الكنيسة فهو يعترض على قانون الله » !
-- و بذلك استطاع البابا بونيفاس الثامن، الذي يعد آخر بابوات القرون الوسطى الاستيلاء على العديد من الأراضي حتى أطلق عليها «ولايات الكنيسة». وظلت في حيازتها حتى عام 1830 حينما تمكن الجيش الإيطالي الوطني من استعادة الأراضي المسروقة ، سواء بالوثبقة المزورة والمعروفة باسم " هبة قسطنطين " أو ما استولى عليه البابوات بعد ذلك ، وتم توحيد إيطاليا وتحديد مساحة الفاتيكان في الحيز الذي يشغله حاليًا.
--ويتواصل تاريخ البابوية على نفس الوتيرة من الصراعات والاغتيالات وإن اختلفت المسميات والوسائل، إلا أن ذلك لا يمنع أن الكنيسة الرومية تحمل على عاتقها مقتل أربعين من البابوات، والكثير منهم مات مسمومًا في خضم هذه الصراعات التي هي أبعد ما تكون عن الإنسانية أو الرحمة لكى لا نقول "التسامح".
-- ونترك القرون الوسطى وعصر النهضة بكل ما امتلأت به من قصص ومواقف يندى لها الجبين وتتعدى نطاق هذا البحث ، لنصل إلى آخر البابوات الراحلين وهو البابا يوحنا بولس الثاني، لنرى كيف يتواصل خط الفساد والإجرام.. فخلال الستة وعشرين عامًا التي ترأس فيها المؤسسة الكنسية ، اعترت حياته العديد من الأزمات، لكي لا نقول الفضائح، ومنها:
1- إفلاس بنك أمبروزيانو                     2- وقضية كورت فالدهايم
3-  وانشقاق المونسنيور لوففر على الكنيسة الفاتيكانية وأسس كنيسة خاصة
4- وقضية المونسنيور جير                   5-  وقضية الأب بيير
6-وفضائح الشذوذ الجنسي التي نالت أعلى الرتب في الفاتيكان
7-  والاشتراك في حرب رواندا حيث أدين بعض الكنسيين في عمليات قتل جماعية، ألخ ألخ..
-- لكنا نتوقف عند أولى هذه المجموعة من الأزمات ، لأنها فضحية كاملة شاملة تجمع بين العديد من العناصر والجرائم التي دأبت عليها تلك المؤسسة، ألا وهي : عملية إفلاس بنك أمبروزيانو..
-- ويمثل إفلاس بنك أمبروزيانو بداية فضيحة كبرى، في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين ؛ إذ تورط فيها الفاتيكان والمحفل الماسوني السري P2 والمافيا الإيطالية. وكان المبلغ المختفي حوالى مليارًا ومائتي مليون دولار..
-- ففي 18 يونيو 1982 تم العثور على "  روبرتو كالفي "  رئيس البنك مقتولاً تحت أحد كباري لندن ، وكان " ببيتو كاللو "  قد أعطى للمدعو كالفى مبالغ طائلة ليدخلها في عمليات غسيل أموال ؛ إلا أن البنك – وهو بنك الفاتيكان، واسمه بالتحديد بنك «المؤسسة الخاصة بأعمال الدين» التابع للفاتيكان .. إلا أن رئيس البنك قد استخدم هذه الأموال في الصرف على عمليات سياسية يقوم بها الفاتيكان، وهي اختلاق حزب تضامن في بولندا ، واقتلاع كنيسة لاهوت التحرر في أمريكا اللاتينية ، وغيرها من الأحداث التى باتت معروفة.. وبذلك يعد – في نظر ببيتو كاللوا من المافيا، أن رئيس البنك روبرتو كالفي لم يقم بغسل الأموال في مشاريع ما وفقا لما طلبه منه ، وإنما تم صرفها في مجال آخر، لذلك وجب قتله..
-- والغريب أن القضية لم تفتح رسميًّا إلا في 6 أكتوبر 2005، أي بعد الأحداث بثلاثة وعشرين عامًا، قام الفاتيكان خلالها ، وتحديدا البابا يوحنا بولس الثاني، الذي دافع باستمامة عن كالفي ، وخاصة عن الأسقف مارسينكوس الذي كان يترأس «المؤسسة الخاصة بأعمال الدين» وكلاهما أعضاء في المحفل الماسوني .
 أما ليتشيو جللي الرئيس المبجل للمحفل الماسوني P2 فكان متورطًا مع المافيا ومع البنك في تمويل عمليات غير مشروعة.. وبتفتيش الفيلا الخاصة به تم العثور على 170 كيلو جرامًا من الذهب ، وفي حسابه المصرفي في جنيف 36 مليونًا، إضافة إلى العديد من الوثائق الخاصة بالبنك والمشاريع الأخرى ..
-- أما حقيقة مقتل روبرتو كالفي فيرجع إلى أنه كان يتباهى بمساعدته للبابا في العمليات المالية الخاصة بتمويل حزب تضامن في بولندا لاقتلاع اليسار، وخشية أن يقوم بالمساومة خاصة بعد إعلانه أن شخصيات كبيرة أخرى متورطة في القضية !
-- ومما تضمه جعبة ذلك البابا الراحل أيضا اعتذاره لليهود رسميًّا عما بدر من الكنيسة في حقهم  ففي عام 1986 قام بزيارة الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين ، وفي عام 1998 أصدر وثيقة اعتذار رسمية بعنوان : «نتذكر : تأمل في المحرقة» .. والمضحك أنه في قداس يوم 12 مارس 2000 طلب رسميًّا العفو عن كل ما بدر من أعضاء الكنيسة في حق الفرق المسيحية الأخرى ، وقام بتحميل مسئولية محاكم التفتيش طوال الستة قرون على الأتباع الكاثوليك ، فهم الذين قاموا بتنفيذ العمليات ، وليس البابوات أو «الكنيسة» بمعناها المطلق «الإلهي»!
-- أي أن المؤسسة الكنسية خرجت عن كل ما كانت تكيله من تهم طوال ألفي عام تتهم فيها اليهود، ثم برأتهم رغم كل ما هو وارد من نصوص صريحة، واعتذرت لهم، كما اعتذرت لباقي الفرق المسيحية، لكنها أبت الاعتذار للمسلمين عن كل ما بدر منها من قتل الملايين قديمًا أو حديثًا ولا عن مأساة شعب فلسطين الذي تتحمل الكنيسة الجزء الأساسي من محنته فلولا تبرأة اليهود من دم المسيح ثم الإعتراف بدولة "دينية" لهم لما تم ذلك على الإطلاق. وإن كان لم يعد للفاتيكان أية جيوش رسمية يحارب بها، فقد قام بتكوين منظمات لا تقل ضراوة عن فرق الجيوش السابقة في قطع الرقاب، وتقوم بتنفيذ كل المخططات المطلوبة.
-- ومن الملفات المفتوحة حاليًا ، وإن كانت تدور في الكواليس وفي محاولات عدة من التعتيم قضية تواطؤ الفاتيكان فيما يطلق عليه «محرقة اليهود»، من جهة، ومن جهة أخرى عملية تنصير العالم وفقًا لكاثوليكية روما ، وهو القرار الناجم عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، والذي تم فرض تنفيذه على كافة الكنائس وعلى كافة الأتباع، الكنسيين منهم والمدنيين.
-- لذلك لا تكف الكنيسة الفاتيكانية عن ترديد أنه لا خلاص إلا بالمسيح، ولذلك تفرض عملية الارتداد على أتباع الديانات الأخرى للدخول في كاثوليكيتها ، ولو باستخدام العنف أو مختلف عمليات الدعاية والإقناع التي تصل إلى درجة غسيل المخ .. وفي سبيل إتمام هذا المخطط تستخدم جحافل جيوش المبشرين الذين يوجدون في كافة المجالات بلا استثناء، من المناصب السياسية والدبلوماسية إلى النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والسياحية إلخ .. وهو ما كان البابا يوحنا بولس الثاني قد نص عليه في العديد من خطبه الرسولية أو أحاديثه أو حتى في الكتب الصادرة باسمه. الأمر الذي يعلق عليه بيير هادوت في بحثه عن «الارتداد» قائلاً: «إن الرغبة في السيطرة على المواطنين بشتى الوسائل تعد السمة الرئيسية للعقلية الغربية الكاثوليكية» ..
-- أما شارل فوديه الذي يعتبر أن المسيحية «أكبر عملية نصب على وعي الشعوب» ، فيؤكد في كتابه المعنون: «قضية المسيحية» ، أن المسيحية أكبر عملية نصب للسيطرة على العالم عن طريق الخبث والكذب. إذ يقول: «الكنيسة الكاثوليكية، الممثلة المنحلة لما كانت عليه المسيحية البدائية، نمت وتطورت خاصة عن طريق الكذب، والخشية والعنف والثروة :
- بالكذب: بوعد السُّذَّج بسعادة في مكان افتراضي وبتزوير النصوص.
- بالخشية: بتهديد كل من يرفض الانصياع لها بشتى أنواع العذاب.
- بالعنف: بكل ما مارسته من عنف في الحروب الصليبية، والحروب الدينية ومحاكم التفتيش، ومذبحة سان بارتليمي، وعمليات القمع التي مارسها لويس الرابع عشر لفرض الكاثوليكية على البروتستانت، والرعب الأبيض، والحروب التي تسببت فيها بين الشعوب، مثال حرب 1871 وحرب 1914...
- وبالثروة: بالاستيلاء بأقذر الوسائل على الثروات الخاصة والعامة».. ومن أوصافه للمسيحية أيضًا: «إن المسيحية تتضمن أخطاء بشعة : من قبيل عقيدة الإنسان – الإله، وفي نفس الوقت هو نهائي ولا نهائي، مخلوق وغير مخلوق، جاهل وعليم، تألم ولم يتألم ، إلخ.. ويا لها من كذبة طولها عشرون قرنًا. إنها سُبّة في جبين الإنسانية أن تنحني كل هذا الوقت أمام هذه الخزعبلات المجنونة».
-- ولا يسع المجال هنا لتناول قضية أخرى خاصة بالبابوية ، ونكتفى بالإشارة إليها باقتضاب ، ألا وهى : " التاريخ السرى للبابوية " ، بمعنى أنه بات من المعترف به وإن كان يتم محاصرة الحقائق فى نطاق العلماء والباحثين ، أن هناك خطا مغايرا فى تسلسل قائمة البابوات المنشورة رسميا إلى درجة وجود بابا آخر باسم "بنديكت السادس عشر" فى القرن الخامس عشر ! وليست هذه الواقعة بجديدة فقد كان فى القرن الخامس عشر أيضا بابا باسم يوحنا الثالث والعشرين كالذى وُجد فى القرن العشرين من 1958 إلى 1963 !
-- فحوالى عام 1370 قررت البابوية ، التى كانت قد استقرت فى بلدة آفينيون بفرنسا منذ مطلع القرن الرابع عشر ، العودة إلى مقرها الأصلى فى روما. إلا ان البابا قد توفى فور عودته . وعندما حاول الكرادلة الإجتماع لإنتخاب خليفة له ، هاجت الدنيا وماجت فى المؤسسة الكنسية ، لأن معظم الكرادلة كانوا فرنسيين ، بينما الشعب الإيطالى كان مصراً على أن يكون البابا من روما واندلعت التهديدات
--  بل يقول لوسيان هلديه أن الأهالى قد أعدوا محارق فى الطرقات لحرق الكرادلة الرافضين لمطلبهم ! وتم الإختيار فى عجالة : البابا أوربان السادس. وكان الإختيار غير موفق فذلك البابا معروف عنه أنه غير عاقل وأنه قام بتعذيب ستة كرادلة ترددوا فى إنتخابه ! وسارع الكرادلة بانتخاب بابا آخر هو : كليمانت السابع الذى عاد إلى مقر البابوية بمدينة آفينيون .. وبذلك أصبح هناك بابوان فى آن واحد أحدهما فى فرنسا والآخر فى إيطاليا وكل واحد منهما يعترف به جزء من الأتباع !
-- وعند وفاة أوربان فى روما قام المجمع المقدس بإنتحاب خليفة له ، و وعد بأن يعيد للكنيسة الكاثوليكية إتحادها .. وفى هذه الأثناء توفى بابا آفينيون وتم انتخاب بابا جديد ، و وعد هو الآخر بالعمل على توحيد الكنيسة ، وهو القس بدرو دى لونا الذى اتخذ الإسم الكنسى بنديكت الثالث عشر، وقام البابوان بحرمان كل منهما للآخر ، وشعر المجلس الموقر بالحرج وقاموا بانتخاب بابا ثالث هو : اسكندر الخامس ، الذى سرعان ما اغتاله أحد الكرادلة لينصب نفسه بابا متخذ اسم يوحنا الثالث والعشرين !
-- ويوضح لوسيان هيلديه قائلا : " ونتيجة لهذا السيرك أصبح هناك ثلاثة بابوات يتقاسمون كعكة المسيحية " ! فتدخل الإمبراطور الجرمانى سيجسموند وتم عقد مجمعا فى بلدة قونسطانس ، وقام بإقالة هذا البابا الأخير ، وحصل على تنازل بابا روما . أما بنديكت الثالث عشر فقد هرب إلى اسبانيا ، واسس كنيسة منشقة تولاها بابوات من بعده يحملون أسماء : بنديكت الرابع عشر ، والخامس عشر، والسادس عشر,, وقد استمر هذا الخلاف حتى أواخر القرن السادس عشر.. بل واستمر سرا طوال القرون التالية .  وقد تناول الروائى جان راسباى هذه الجزئية من التاريخ البابوى فى رواية بعنوان : "خاتم الصياد" (1995) .. وهو ما يذكرنا بأحداث رواية " شفرة دافنشى" للروائى دان براون  ، التى تناول فيها العديد من الحقائق التاريخية فى قالب روائى ..
أما الباحث لوسيان هيلديه فيشير إلى أنه "إذا ما تتبعنا هذا الخط الإنشقاقى، وخط البابوات الذين نصبوا أنفسهم ، سوف نصل إلى حقيقة أن كل الأساقفة الذين قاموا بترقيتهم غير شرعيين ، وبالتالى فإن كل القساوسة الذين تمت ترقيتهم تباعا غير شرعيين ، وكل المراسم الخاصة بالزواج والوفاة وغيرها كلها مراسم غير شرعية، وباختصار ، فإن ذلك يعنى أنه منذ الإنشقاق الكبير فى الغرب فيما بين القرن الرابع عشر والخامس عشر ، فإن الكنيسة الحقيقية الكاثوليكية الرسولية والرومية لم يعد لها وجود..
                                         التنصير
ولم يكتف البابوات بما يفعلونه ببنى جلدتهم بل امتلات قلوبهم حقدا وكرها حتى نضحت على من حولهم من الأمم وبما انهم تربية اليهود فإن اليهود دائما يستعملونهم فيما يرغبون ؛ ومن ثم امتد حقدهم الأسود  إلى المسلمين فدبروا لهم ؛ وشرعوا يكيدون لهم بكل السبل ليردوهم عن دينهم ويصبحوا مثلهم بلا دين يعبدون محمدا صلى الله عليه وسلم كما عبدوا المسيح عليه السلام ويثلثون الله تعالى ( حاشاه ) مثلهم وصدق الحق جل وعلا حين نبهنا منهم  فقال تعالى {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة217
ولكن {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }المؤمنون36 آنى لهم ذلك وقد حذرنا الحق سبحانه  فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً }النساء71  ثم بين لنا الحق جل وعلا أنهم لا شأن لهم بل هم أضعف وأجبن مما تتخيلون فقال سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76 ثم وعدنا بقوله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة277 
      وحث الحق جل وعلا الأمة على الثبات فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران200ونحن نبذل ما نستطيع من جهد لأننا نثق    فى وعد ربنا سبحانه وفى آياته البينات فقال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } النساء122                                        
     ولذا فإن ما يقوم به اليهود والنصارى من تنصير وتبشير أو حتى تهويد لا يخيفنا ؛ وإنما نعرضه لك عزيزى القارئ لتعلم أن صدق الله جل وعلا حين أحبرنا أنهم لنا أعداء وليسوا أصدقاء كما يتخيل البعض فقال تعالى {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }الممتحنة2 وهذا لأن الذى خلقهم أعلم بهم فأخبرنا بما يدور فى خلدهم فقال تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
ومن ثم أمرنا سبحانه بالا ننخدع لهم فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }المائدة51
فمن أخطر ما يقومون به فى فكرهم هو التنصير ؛ ظانين أن ما يقومون به يخفى علينا  ؛ ألا يعلمون أن الله جل وعلا العليم الخبير أنبأنا بأخبارهم ؟ المهم لن أطيل عليك عزيزى القارئ فإليك فكرة سريعة عن التنصير : فالتنصير حركة دينية سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب.
ويساعدهم في ذلك ثلاثة عوامل:
- انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلامي.
- النفوذ الغربي في كثير من بلدان المسلمين.
- ضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السبل رغباً ورهباً أو نفاقاً لهم.
التأسيس وأبرز الشخصيات التنصيرية:
1• ريمون لول: أول نصراني تولَّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين.منذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية.
2• بيتر هلينغ: احتك بمسلمي سواحل إفريقيا منذ وقت مبكر.
3• البارون دوبيتز: حرك ضمائر النصارى منذ عام 1664م إلى تأسيس كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي.
4• المستر كاري: فاق أسلافه في مهنة التبشير، وقد ظهر إبّان القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر.
5• كان للمبشر هنري مارتن المتوفى سنة  1812م يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد آسيا الغربية، وقد ترجم التوراة(*) إلى الهندية والفارسية والأرمنية. في عام 1795م تأسست جمعية لندن التبشيرية وتبعتها أخريات في اسكوتلانده ونيويورك.وفي سنة 1819م اتفقت جمعية الكنيسة البروتستانتية مع النصارى في مصر وكونت هناك إرسالية عهد إليها نشر الإنجيل في إفريقيا.
6• دافيد ليفنستون 1813 – 1873م: رحالة بريطاني، اخترق أواسط إفريقيا، وقد كان مبشراً قبل أن يكون مستكشفاً.و في سنة 1849م أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام وقد قامت بتقسيم المناطق بينها . وفي سنة 1855م تأسست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشبان كما يزعمون.وفي سنة 1895م تأسست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بث روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية).
7• صموئيل زويمر Zweimer: رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، كان يتولى إدارة مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد. دخل البحرين عام 1890م، ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان. ويعد زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أُسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.
8• كنيث كراج K.Cragg : خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتيفورد بأمريكا، وهو معهد للمبشرين، ومن كتبه دعوة المئذنة صدر عام 1956م.
9• لويس ماسينيون: قام على رعاية التبشير والتنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما أنه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.
10• دانيال بلس: يقول: "إن كلية روبرت في اسطانبول (الجامعة الأمريكة ..حالياً) كلية مسيحية غير مستترة لا في تعليمها ولا في الجو الذي تهيئه لطلابها لأن الذي أنشأها مبشر، ولاتزال إلى اليوم لا يتولى رئاستها إلا مبشر.
11• الأب  شانتور: رَأَسَ الكلية اليسوعية في بيروت زمناً طويلاً أيام الانتداب الفرنسي.
12• مستر نبروز: ترأس جامعة بيروت الأمريكية عام 1948م يقول: "لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان".
13• دون هك كري: كان أكبر شخصية في مؤتمر لوزان التبشيري عام 1974م، وهو بروتستانتي، عمل مبشراً في الباكستان لمدة عشرين سنة، وهو أحد طلبة مدرسة فلر للتبشير العالمي. وبعد مؤتمر كولورادو التبشيري عام 1978م أصبح مديراً لمعهد صموئيل زيمر الذي يضم إلى جانبه داراً للنشر ولإصدار الدراسات المختصة بقضايا تنصير المسلمين ومقرها في كاليفورنيا، وهو يقوم بإعداد دورات تدريبية لإعداد المبشرين وتأهيلهم.
14• بابا الفاتيكان الذى رأى بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول. ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رحلات دولية لكسب الصراع مع الأيديولوجيات العالمية وعلى رأسها الإسلام. وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرفه للإنفاق منها على إرسال المنصرين وإجراء البحوث وعقد المؤتمرات والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيري في كل أنحاء العالم وتقويم نتائجه أولاً بأول.
-- الأفكار والمعتقدات:
أفكارهم:
- محاربة الوحدة الإسلامية: يقول القس سيمون: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية وتساعد على التخلص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذل يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية".
- يقول لورنس براون Lawrance Brawn : "إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً أو أمكن أن .يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير".
- يقول مستر بلس: "إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا".
- لقد دأب المنصرون على بث الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم ليمنعوهم من دخول الإسلام وليشوهوا جمال هذا الدين.
- انتشار الإسلام بالسيف: يقول المبشر نلسون: "وأخضع سيف الإسلام شعوب إفريقيا وآسيا شعباً بعد شعب".
- يقول هنري جسب : Henry Jesups المبشر الأمريكي: "المسلمون لا يفهمون الأديان ولا يقدرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإن التبشير سيعمل على تمدينهم".
- لطفي ليفونيان وهو أرمني ألف بضعة كتب للنيل من الإسلام يقول: "إن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح".
- أديسون Addison الذي يقول عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) : "محمد لم يستطع فهم النصرانية ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب".
- المبشر نلسن يزعم بأن الإسلام مقلد، وأن أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانية وسائر مافيه أخذ من الوثنية كما هو أو مع شيء من التبديل.
- المبشر ف.ج هاربر يقول: "إن محمداً كان في الحقيقة عابد أصنام ذلك لأن إدراكه لله في الواقع كاريكاتور".
- المبشر جسب يقول: "إن الإسلام مبني على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء".
- ويقول كذلك: "الإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة".
- المبشر جون تاكلي يقول: "يجب أن نُريَ هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً".
- أما القس صموئيل زويمر فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم:
" يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم".
" يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين لأنه أهم عمل مسيحي".
"تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها".
"ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ أن من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء".
-- وقال صموئيل زويمر كذلك في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م:
 لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها".
- إنكم أعددتم نَشْئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقاً لما أراده الإحتلال  لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهرة وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء".
- وقد كتب أحد المبشرين في بداية هذا القرن الميلادي يقول:
 "سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها كل محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائم الأربع: القرآن والأزهر واجتماع الجمعة الأسبوعي ومؤتمر الحج السنوي العام".

• مؤتمراتهم:
لقد كان لهم وما يزال الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية ومن ذلك :
1 - مؤتمر القاهرة عام 1324هـ/ 1906م وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد المؤتمرين 62 شخصاً بين رجال ونساء، وكان زويمر رئيساً لهم.
2- المؤتمر التبشيري العالمي في أدنبرة باسكوتلندة عام 1328هـ/ 1910م، وقد حضره مندوبون عن 159 جمعية تبشيرية في العالم.
3- مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند عام 1339هـ/ 1911م حضره صموئيل زويمر، وبعد انفضاض المؤتمر وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب على أحد وجهيها "تذكار لكهنؤ سنة 1911م" وعلى الوجه الآخر ..."اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع أنظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح".
- مؤتمرات التبشير في القدس:
1- في عام 1343هـ/ 1924م.
2- في عام 1928م مؤتمر تبشيري دولي.
3- في عام 1354هـ/1935م وقد كان يضم 1200 مندوب .
4- في عام 1380هـ/ 1961م.
5- مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام 1974م في لوزان بسويسرا.
6- وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 أكتوبر 1978م تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركاً يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل . وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع المسلم وتجسيد المسيح  وتحبيبه إلى قلب المسلم ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين وتحليل مقاومة واستجابة المسلم واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي.
وقد انتهى المؤتمر بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها 1000 مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى.
7- المؤتمر العالمي للتنصير الذي عقد في السويد في شهر أكتوبر 1981م تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني الذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري لوزان وكولورادو وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار بهدف التركيز على دول العالم الثالث.
- ومن مؤتمراتهم كذلك:
1- مؤتمر استانبول.                                          2- مؤتمر حلوان بمصر.
3- مؤتمر لبنان التبشيري                                    4- مؤتمر لبنان بغداد التبشيري.
5- مؤتمر قسنطينة التبشيري في الجزائر  قبل الاستقلال    6- مؤتمر شيكاغو.
7- مؤتمر مدارس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات.
8- مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية 1942م وهو مؤتمر خطير ..جداً، وقد حضره من اليهود بن غوريون.
-- بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاماً جديداً إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلاً من بلد إلى آخر.
1- مؤتمر امستردام 1948م – هولندا     2- مؤتمر ايفانستون 1954م – أمريكا.
3- مؤتمر نيودلهي 1961م – الهند.       4- مؤتمر أوفتالا 1967م – أوفتالا بأوروبا.
5- مؤتمر جاكرتا 1975م – أندونيسيا، وقد اشترك فيه 3000 مبشر نصراني.
- عقد المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي في يوليو سنة 1980م في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وقد حث المؤتمر على ضرورة زيادة البعثات التنصيرية بين مسلمي الشرق الأوسط خاصة في دول الخليج العربي.
• أشهر المراكز والمعاهد التنصيرية:
1- معهد صموئيل زويمر في ولاية كاليفورنيا، فقد تم إنشاؤه بناء على توصية من قرارات مؤتمر كولورادو.
2- المركز العالمي للأبحاث والتبشير في كاليفورنيا الذي قام بتقديم الأشخاص اللازمين للإعداد لمؤتمر كولورادو مع تهيئة عوامل نجاح هذا المؤتمر.
3- الجامعة الأمريكية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية سابقاً) أنشئت عام 1865م.
4- الجامعة الأمريكية في القاهرة أنشئت لتكون قريبة من الأزهر ومنافسة له.
5- الكلية الفرنسية في لاهور.
6- جمعية التبشير الكنسية الإنجليزية وهي أهم جمعية بروتستانتية وقد مضى على إنشائها قرابة قرنين من الزمان.
7- إرساليات التبشير الأمريكية، أهمها الجمعية التبشيرية الأمريكية والتي يرجع عهدها إلى سنة 1810م.
8- جمعية إرساليات التبشير الألمانية الشرقية، أسسها القسيس لبسيوس سنة 1895م. وقد بدأ عملها فعلاً سنة 1900م.
9- أسس الإنجليز في سنة 1809م الجمعية اللندنية لنشر النصرانية بين اليهود وبدأ عملها بأن ساقت اليهود المتفرقين في شتات الأرض إلى أرض فلسطين.
• بعض الكتب ووسائل الدعاية التنصيرية:
1- جمعت موضوعات مؤتمر القاهرة 1906م في كتاب كبير اسمه وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين.
2- صنف زويمر كتاباً جمع فيه بعض التقارير عن التبشير أسماه العالم الإسلامي اليوم تحدث فيه عن الوسائل المؤدية للاحتكاك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح مع بيان الخطط التي يجب على المبشر إتباعها.
3- تاريخ التبشير: للمبشر أدوين بلس البروتستانتي.
4- كتاب المستر فاردنر: ركز فيه حديثه عن إفريقيا وسبل نشر النصرانية فيها وعوائق ذلك ومعالجاته.
5- مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية التي تصدر في مدينة بال بسويسرا والتي تحدثت عن مؤتمر أدنبره سنة 1910م.
6- مجلة الشرق المسيحي الألمانية تصدرها جمعية التبشير الألمانية منذ سنة 1910م.
7- دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت بعدة لغات حية.
8- موجز دائرة المعارف الإسلامية.
9- طبع الإنجيل بشكل أنيق وبأعداد هائلة وتوزيعه مجاناً وإرساله بالبريد لمن يطلبه وأحياناً لمن لا يطلبه أيضاً.
10- توزيع أشرطة الفيديو والكاسيت المسجل عليها ما يصرف المسلم عن دينه واستخدام الموجات الإذاعية والتليفزيونية التي تبث سمومها وتصل إلى المسلمين في مخادعهم وتعتمد على التمثيليات والبرامج الترفيهية والثقافية والرياضية من أجل خدمة أهدافهم الخبيثة.

• وسائل أخرى لها تأثير واسع:- من هذه الوسائل :
أولا :- تقديم الخدمات الطبية بهدف استغلال هذه المهنة في التنصير.
1- بول هاريسون له كتاب الطبيب في بلاد العرب يقول: "لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى".
2- س.أ. موريسون محرر في مجلة العالم الإسلامي يقول: "وحينئذٍ تكون الفرصة سانحة حتى يبشر هذا الطبيب بين أكبر عدد ممكن من المسلمين في القرى الكثيرة في طول مصر وعرضها".
3- المبشرة ايد هاريس تقول: "يجب على الطبيب أن ينتهز الفرصة ليصل إلى أذان المسلمين وقلوبهم".
4- المستر هاربر يقول بوجوب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها يحتكون دائماً بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين (مؤتمر القاهرة 1906م).
5- من المبشرين الأطباء : آن أساوودج، فورست، كار نيليوسي فانديك، جورج بوست، وتشالرز كلهون، ماري أوي، الدكتور طومسون.
ثانيا :- التعليم :
1. إنهم يضعون كل ثقلهم في استغلال التعليم وتوجيهه بما يخدم أهدافهم التنصيرية.
2. إنشاء المدارس والكليات والجامعات والمعاهد العليا وكذلك إنشاء دور للحضانة ورياض للأطفال واستقبال الطلبة في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية.
3. لقد وزعوا خلال مائة وخمسين عاماً ما يزيد عن ألف مليون نسخة من نسخ العهد القديم والجديد مترجمة إلى 1130 لغة عدا النشرات والمجلات التي تبلغ قيمتها بما يقدر بـ 7000 مليون دولار.
4. الاستشراق والتنصير يتعاونان تعليمياً في خدمة أهدافهما المشتركة.
ثالثا :- الأعمال الإجتماعية:
1. إيجاد بيوت للطلبة من الذكور والإناث.
2. إيجاد الأندية.
1. الاهتمام بدور الضيافة والملاجىء للكبار ودور لليتامى واللقطاء.
2. الاعتناء بالأعمال الترفيهية وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال.
3. إنشاء المكتبات التبشيرية واستغلال الصحافة بشكل واسع.
4. إنشاء مخيمات الكشافة التي تستغل أفضل استغلال في التنصير.
5. زيارة المسجونين والمرضى في المستشفيات وتقديم الهدايا والخدمات لهم.
6. تكلمت المس ولسون ومس هلداي في مؤتمر القاهرة 1906م عن دور المرأة كمبشرة لتقوم بنشر ذلك بين نساء المسلمين المسلمات.
رابعا :- النسل :
في اجتماع البابا شنودة في 5/3/1973م مع القساوسة والأثرياء في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية طرحوا بعض المقررات وقد كان منها تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة وتشجيع الإكثار من النسل بوضع الحوافز والمساعدات المادية والمعنوية مع تشجيع الزواج المبكر بين النصارى. وبالمقابل تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين خاصة علماً بأن أكثر من 65% من الأطباء وبعض القائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة.
خامسا :- الفتن والحروب :
1. يعملون على تشجيع الحروب والفتن وذلك لإضعاف الشعوب الإسلامية.
2. إثارة الاضطرابات المختلفة بإذكاء نار العداوة والبغضاء وإيقاظ روح القوميات الإقليمية الطائفية الضيقة كالفرعونية في مصر والفينيقية في الشام وفلسطين ولبنان، والآشورية في العراق والبربرية في شمال إفريقيا واستغلال جميع ذلك في التنصير.
3. يقول زويمر في مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند 1911م: "إن الانقسام السياسي الحاضر في العالم الإسلامي دليل بالغ على عمل يد الله في التاريخ واستثارة للديانة المسيحية كي تقوم بعملها".
سادسا :- الإمكانات:
1- في أندونيسيا يسيطرون على وسائل الإعلام، ولديهم إذاعات تبشيرية وصحف قومية، وإحصائية 1975م تكشف بأن فيها 8919 كنيسة لطائفة البروتستانت و3897 قسيساً و8504 مبشرين متفرغين، ولطائفة الكاثوليك 7250 كنيسة و2630 قسيساً  و5393 مبشراً متفرغاً وقد وضعوا خطة للانتهاء من تنصيرها في عام 2000 ميلادية.
2- في بنجلاديش إرساليات تبشيرية كثيرة لتنصير المسلمين هناك.
3‌- في كينيا: يعدون لتنصيرها تماماً في عام 2000 ميلادية أيضاً.
4- إن التنصير يلقي بثقله في ماليزيا ودول الخليج وإفريقيا.
5‌- ذكر في مؤتمر عدم الإنحياز في كوالالمبور بأن هناك حوالي 2500 محطة إذاعية بـ 64 لغة قومية تشن هجوماً صريحاً وضارياً ضد الإسلام.
6‌- مجموع الإرساليات الموجودة في 38 بلداً إفريقياً يبلغ 111.000 إرسالية بعضها يملك طائرات تنقل الأطباء والأدوية والممرضات لعلاج المرضى في الغابات وأحراش الجبال.
7- يوجد الآن في العالم ما يربو على 220 ألف مبشر منهم 138.000 كاثوليكي والباقي 82.000 بروتستانتي، وفي إفريقيا وحدها 119.000 مبشر ومبشرة ينفقون بليوني دولار سنوياً.
8- يستخدمون سفناً معدة إعداداً خاصاً يسمح بإقامة الحفلات على ظهرها للاستعانة بها في توزيع المطبوعات الكنسية وإقامة الحفلات التي تستغل لأهدافهم الخاصة في التنصير ويعلنون عنها باسم إقامة معرض عائم للكتاب.
9- يقوم مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان وهيئات أخرى بالإشراف والتوجيه والدعم المالي لكافة الأنشطة التنصيرية وتتوفر مصادر تمويل ثابتة من مختلف الحكومات والمؤسسات في الدول الغربية وعن طريق المشروعات الاقتصادية والأراضي الزراعية والأرصدة في البنوك والشركات التابعة لهذه الحركات التنصيرية مباشرة وحملات جمع التبرعات التي يقوم بها القساوسة من حين لآخر.
-- وتوجد هيئات ومراكز للبحوث والتخطيط يعمل بها نخبة ممتازة من الباحثين المؤهلين ومن أهم هذه المراكز:
1- مركز البحوث التابع للفاتيكان.
2- مركز البحوث التابع لمجلس الكنائس العالمي.
3- حركة الدراسات المسيحية في كاليفورنيا.
4- مركز البحث في كولورادو.
5- المركز المسيحي في نيروبي (كينيا وقد أنشىء في عام 1401هـ).
6- مركز المعلومات المسيحي في نيجيريا.
7- المركز المسيحي الدراسي في روالبندي (باكستان) وقد تأسس سنة 1966م ويعتبر من أكبر المراكز في آسيا.


-- الجذور الفكرية والعقائدية:
1- يبلغ عدد المبشرين في أنحاء العالم ما يزيد على 220 ألف منهم 138000 كاثوليكي والباقي وعددهم 62000 من البروتستانت.
2- لقد بدأ التنصير وتوسع إثر الانهزامات التي مني بها الصليبيون طوال ..قرنين من الزمان 1099 – 1254م أنفقوهما في محاولة الاستيلاء على بيت المقدس وانتزاعه من أيدي المسلمين.
3- الأب اليسوعي ميبز يقول: "إن الحروب الصليبية الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا، إن الرهبان الفرنسيين والراهبات الفرنسيات لايزالون كثيرين    في الشرق".
4- يرى المستشرق الألماني بيكر Becker بأن "هناك عداء من النصرانية ضد الإسلام بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدّاً منيعاً في وجه انتشار النصرانية، ثم إن الإسلام قد امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها".
5- التنصير في أساسه يهدف إلى تمكين الغرب النصراني من البلاد الإسلامية وهو مقدمة أساسية للاستعمار وسبب مباشر لتوهين قوة المسلمين وإضعافها.
-- الانتشار ومواقع النفوذ:
1- لقد انتشر التنصير وامتد إلى كل دول العالم الثالث.
2- إنه يتلقى الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية.
3- إنه يلقي بثقله بشكل كثيف حول العالم الإسلامي عن طريق فتح المدارس الأجنبية وتصدير البعوث والإرساليات التبشيرية وتشجيع انتشار المجلات الخليعة والكتب العابثة والبرامج التلفزيونية الفاسدة والسخرية من علماء الدين والترويج لفكرة تحديد النسل والعمل على إفساد المرأة المسلمة ومحاربة اللغة العربية وتشجيع النعرات القومية.
4- إنه يتمركز في أندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان وفي إفريقيا بعامة.
5- يزداد تيار التنصير نتيجة لسياسة التساهل من قبل الحكام في بعض البلدان الإسلامية فبعضهم يحضر القداس بنفسه وبعضهم يتبرع بماله لبناء الكنائس وبعضهم يتغافل عن دخول المسيحيين بصورة غير مشروعة. والمطلوب اتخاذ سياسة حازمة لإيقاف تيار التنصير قبل فوات الأوان.
ويتضح مما سبق:
أن التنصير حركة سياسية استعمارية تستهدف نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث عامة وبين المسلمين على وجه الخصوص. ويستغل زعماؤها انتشار الجهل والفقر والمرض للتغلغل بين شعوب تلك الأمم متوسلين بوسائل الإعلام التقليدية من كتب ومطبوعات وإذاعة وتلفاز وأشرطة سمعية ومرئية فضلاً عن المخيمات والتعليم والطب إلى جانب الأنشطة الاجتماعية الإنسانية والإغاثية الموجهة لمنكوبي الفتن والحروب وغفلة وتساهل حكام بعض الدول الإسلامية. وتعتمد تلك الحركة في تحقيق أهدافها على تشويه صورة الإسلام وكتابه ورسوله مسخرين إمكاناتهم الضخمة لتحقيق مآربهم .
                         المسيحية والوثنيين
تاريخ الديانة المسيحية:-
لقد صدق الحق جل وعلا حين أخبر أن اليهود والنصارى اقتفوا أثر البدائيين ومن قبلهم من الأمم الضالة فقال سبحانه وتعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30
ولذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن ننادي أهل الكتاب وندعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد وأن نخبرهم بأن ديننا ليس فيه رهبانية ولا أن يتخذ بعضنا أربابا من دون الله . بل الجمبع تحت راية الاسلام أمة واحدة ويجير على المسلمين ادناهم كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم .فقال تعالى
 بسم الله الرحمن الرحيم  " قُل يَاأَهل الكِتَابِ تَعَالَوا إِلى كَلِمةٍ سَوَآءِ بَْينَـنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَ اْللهَ وَلاَ نُشْركَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِّن دُونِ اْللهِ فإِن تَوَلَّوْا فَقُولَوا اْشْهَــدُوا بِأَنَّا مَسْلِمَونَ"وإليك عزيزى القارئ ما قامت به الأمم السابقة من تآليه للمخلوقات وعبادتهم من دون الله تعالى وكيف اقتفى اليهود والنصارى آثارهم :-
البدائيون وتعدد الآلهة:-
       تأليه بعض المخلوقات قديم جداً . ولا يزال يوجد بين البدائيين ومن جمدوا على التقاليد الدينية الموروثة بدون بحث أو نظر ، فقد عبد الإنسان قوى الطبيعة وعبد الشمس والقمر والكواكب الأخرى ، وتاريخ الأديان خصوصا في الشرق الأوسط غاص بهذا المظاهر ، ومنها شاع ما يعرف بإسم الطوطم والتابو من عبادة الأجداد والأشجار وأثار الموتى.
       وترقت بعض الأمم فعبدت آلهة لا ترى ولكن خلعت عليها صفات البشر . فكان لدى اليونانيين عدد كبير من الآلهة يختصمون ويحقد بعضهم على بعض ويدبرون المكايد وتشيع بينهم الأحقاد وهكذا ، ويرون أنهم لا يموتون ، وجاء عصر الفلسفة والنضج الفكري فأنكر بعض المفكرين هذه الديانة وأنكر بعض أخر هذه الصفات ، ولكن مما لا ريب فيه أن فلاسفة اليونان حتى الكبار منهم لم يستطيعو أن يتخلصوا من خرافات السابقين.
       وفي مصر وجدت إسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس ، وهي معروفة ومشهورة فكانت بداية التثليث فيما نعلم ، وأعتقد الناس أن دماء الآلهة سرت في شرايين الملوك فالهوهم وعبدوهم ، وكان فى هذه العقائد ما يثبت سلطان الملوك ، فكانوا يحرصون على بقائها وتثبيتها .
       في روما وجدت أسطورة مشابهة ، خلاصتها أن توامين هما روميولس وريميوس ، وجدا فى الصحراء  وحنت عليهما ذئبة فأرضعتهما ، ومات ثانيهما وبقي (( روميولس )) .فلما نما وترعرع أسس مدينة روما ، ومنه جاء ملوكها ، فهي مدينة مقدسة وملوكها من سلالة الآلهة ، فظل الناس بعد ذلك يعبدون الملوك الرومانيين ، فلما ظهرت المسيحية حاربوها حرصا على مجدهم حتى كان عصر الأمبراطور البيزنطى قسطنطين ، فوجد أن تيار المسيحية قد أصبح عنيفا أقوى من أن يحارب، وأن محاربته تهدد سلطانة ، فاعلن المسيحية دينا رسميا لدولته ، ولم يكن الناس جميعا مستعدين لقبولها فأجبرهم عليها بالتعذيب والقتل ، وأريقت دماء كثيرة وذهبت أرواح وعانى الكثيرون من الأغراق والأحراق والضرب ما أزهق أرواحهم أو تركهم زمنى وعاجزين .
      وكانت مدرسة الإسكندرية قد أضطلعت بدرس الفلسفة اليونانية ونشرها ، وإزدهر فيها الفكر اليوناني مدة طويلة ، فلما ظهرت المسيحية وجدت في هذه المدرسة تراثا وثنيا لم تستطع أن تتخلص منه ، بل سيطر هو على المسيحية.
     وقد حارب أباطرة الرومان عبادة إيزيس وشق عليهم إماتتها حتى لنجد أحد عشر أمبراطورا يقيمون على حربها ، ومع ذلك لم تمت وإنما ظهرت فى صورة أخرى وإسم أخر ـ ظهرت فى عبادة ديمتر ـ يونانية ورومانية ، وأمتزجت بعبادة ( مثرا) وأتخذوا لها صورة الأم الحانية فرسموها تحتضن وليدها في مظهر ينم عن الحنان والبر من الأم والبراءة والطهارة من الطفل ، وهذه الصورة بكل ما فيها هي الصورة التي يرسمها المسيحيون للسيدة مريم العذراء وهي تحمل طفلها المسيح.
     وكما يذكر كارليل في كتاب (( الأبطال وعبادة الأبطال)) أن الناس كانوا يعظمون البطل ويعظمون امه وأباه ، فجاءت عقيدة التثليث بهذا ، وظل الناس يخلعون على الأبطال صفات الآلهة، حتى كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقضى على هذه العقيدة بإعلانه أنه بشــر.
     ويذكر الدكتور سير أرنولد أن ديانة التوحيد هي أرقى الديانات البشرية وهو قول يردده الكثيرون من رجال الديانات والأنثروبولوجي، أمثال جيمس فريزر وبتلر ، ذلك أن عقيدة التثليث أو التثنية إنما هي بقايا من الديانات البدائية التى كانت تدين بآلهه عديدة لكل شئ إله.
     فالمسيحية إذن لم تخرج عن نطاق الأديان البدائية ، والأساطير التي شاعت فى الأمم القديمة ، ذلك لأنها لا تمت إلى المسيح بصلة ، وإنما هي شئ معرف ومستحدث من أذهان بشرية ، وأساطير موروثة عن أمم شتى . ومن هنا ينبغى أن  يسأل الإنسان نفسه لماذا يعيش ؟ هل لعبادة مخلوق أم لعبادة الخالق. وسوف يبحـث كثيرا عن الحل إذا لم يتجه للإسلام.
 الصهيونية المسيحية‏:‏-
ولقد كتب: د‏.‏ محمد السعيد إدريس بحثا مطولا عن الإتفاق الواضح بين المسيحيين والصهاينة وانهما وجهان لعملة واحدة وجه يخطط واخر ينفذ (وحسبنا الله ونعم الوكيل ) وسنعرض لك عزيزى القارئ هذا البحث بتصريف يسير
  نشأة الحركة:-
      نشأت المسيحية الصهيونية -كما نعرفها اليوم- في إنجلترا في القرن الـ17، حيث تم ربطها بالسياسة لا سيما بتصور قيام دولة يهودية حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى الولايات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سياسية واضحة وثابتة، كما أخذت بعدا دوليا يتمثل في تقديم الدعم الكامل للشعب اليهودي في فلسطين.
     وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية (Millenarianism)، والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفية.
      هناك تفسير اعتمد تاريخيا في العقيدة المسيحية ينص على أن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح، وأن خروج اليهود من فلسطين كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين، إلا أن ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن الـ16 تبنت مقولة أن “اليهود هم شعب الله المختار”، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناك وعدا إلهيا يربط اليهود بفلسطين، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة الإصلاح بالإيمان بعودة المسيح الثانية بشرط قيام الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين.
القس الأيرلندي جون نيلسون داربي :-
     وحدث انقسام بين منظري المسيحية الصهيونية في القرن الـ19، وظهرت مدرستان، البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأمريكية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية.
     ورأس فكر المدرسة الأمريكية القس الأيرلندي جون نيلسون داربي الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لحركة المسيحية الصهيونية الأمريكية.
     وخلال 60 عاما بشر داربي لنظريته بكتابة العديد من المؤلفات التي فصلت رؤيته لنظرية عودة المسيح الثانية، ونظرية الألفية. وقام داربي بست زيارات تبشيرية للولايات المتحدة، ومن ثم أصبح داعية مشهورا ومدرسا له أتباع كثيرون.
القس سايروس سكوفيلد :-
      وحمل لواء الحركة من داربي عدة قساوسة من أشهرهم داويت مودي الذي عرف بترويجه لنظرية “شعب الله المختار”، وويليام يوجين بلاكستون الذي ألف كتاب “المسيح آت” عام 1887 وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقراءته للتوراة في فلسطين. إلا أن أكثر المنظرين تطرفا كان القس سايروس سكوفيلد الذي ألف كتابا عنوانه “إنجيل سكوفيلد المرجعي” عام 1917، وهو الكتاب الذي أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسيحية الصهيونية.
اللورد شافتسبري:-
 ومن أشهر السياسيين الذين أسهموا في نمو حركة المسيحية الصهيونية عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري، وكان شافتسبري مسيحيا محافظا وعلى علاقة جيدة بصانعي السياسة البريطانيين في منتصف القرن الـ19. وفي العام 1839 ذكر شافتسبري في مقال نشر في دورية شهيرة Quarterly Review أنه “ يجب أن نشجع عودة اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل”، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهيونية العالمية، وكان اللورد شافتسبري هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا “شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب”.
تيودور هرتزل :-
 يعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح “الصهيونية المسيحية”، وعرف المسيحي المتصهين بأنه “المسيحي الذي يدعم الصهيونية”، بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بُعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو “الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح”.
 تيودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تيودور هرتزل.
 الحركة المسيحية الصهيونية:-
      تلتقي الحركتان الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية حول “مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم”. لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين بدعوة أنها “أرض اليهود الموعودة” ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم.
     وترجمت معتقدات هذه الحركة بداية في العام 1917 مع صدور وعد بلفور “الذي أيد فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين” وافق أغلب البروتستانت الأمريكيين على هذه الفكرة واعتبروا تنفيذها واجبا دينيا راسخا.
 وتأثرت المسيحية الصهيونية بثلاثة توجهات يجمع بينها خلفية التفسير الديني المعتمد على النصوص التوراتية، ورغم تباين هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحيانا، فإن التفسير الحرفي للتوراة والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل جمع بينهم. والحركات الثلاث هي:
 1. حركة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته.
2. حركة تهتم بقضية التقرب من اليهود من أجل المسيح.
3. حركة تركز على الدفاع عن إسرائيل وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
وأهم ما يجمع بين المسيحية الصهيونية واليهودية اليوم يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية :
1. التراث المسيحي اليهودي المشترك.
2. الأخلاق اليهودية المسيحية.
3. الالتزام الأدبي والأخلاقي بدعم إسرائيل.
    تترجم حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف. لذا قامت حركة المسيحية الصهيونية بإنشاء العديد من المؤسسات مثل “اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة” ومؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل”، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأمريكية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي.
أمريكا والصهيونية المسيحية :-
       وهناك ما يقرب من 40 مليونا من أتباع الصهيونية المسيحية داخل الولايات المتحدة وحدها، ويزداد أتباع تلك الحركة خاصة بعدما أصبح لها حضور بارز في كل قطاعات المجتمع الأمريكي.
     ويشهد الإعلام الأمريكي حضورا متزايدا لهم حيث إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، إضافة إلى أكثر من 1000 محطة إذاعية ويعمل في مجال التبشير ما يقرب من 80 ألف قسيس.
  وامتد نفوذ الحركة إلى ساسة الولايات المتحدة بصورة كبيرة وصلت إلى درجة إيمان بعض من شغل البيت الأبيض بمقولات الحركة والاعتراف بهذا علنيا. الرئيسان السابقان جيمي كارتر “ديمقراطي” ورونالد ريغان “جمهوري” كانا من أكثر الرؤساء الأمريكيين إيمانا والتزاما بمبادئ المسيحية الصهيونية
  البروتستانت والمسيحية الصهيونية:-
     لا يمكننا الحديث عن الصهيونية المسيحية دون التطرق للكنيسة البروتستانتية. ويبدو أن الدارس للأولى لا ينفك يجد نفسه يغوص في تاريخ ظهور الثانية. بعض المصادر التاريخية تؤكد على العلاقة العضوية بين الاثنتين رغم إصرار مصادر أخرى على أن الصهيونية المسيحية سبقت التيار البروتستانتي بقرون وتربطها بحملة تنصير اليهود في الأندلس.
    والبروتستانتية إحدى طوائف الدين المسيحي نشأت على يد القس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر، أما اصطلاح البروتستانتية فيعني لغويا الاحتجاج والاعتراض.
 لوثر والثورة على الكاثوليكية:-
   ولد القس مارتن لوثر في مدينة إيسليبن بمقاطعة ساكس الألمانية سنة 1483 لأب فلاح كانت أمنيته أن يدرس ابنه القانون ويصبح قاضيا، لكن مارتن لوثر حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة فيتنبرج.
      زار لوثر في العام 1510 روما للتبرك بالمقر الرسولي، وكان يتمنى رؤية القديسين والرهبان الزهاد. غير أنه ما إن حل بروما حتى فوجئ بمدى الفساد المنتشر داخل الكنيسة الكاثوليكية حتى على أعلى المستويات.
     كانت الكنيسة آنذاك تبيع صكوك غفران الذنوب وصكوك التوبة، بل إن بعض الرهبان كانوا يحددون المدة التي سيقضيها الإنسان المخطئ في النار قبل أن يمنحوه صكوك الغفران التي تعتقه وتسمح له بالمرور إلى الجنة!
   وقد أثرت تلك الصور كثيرا في نفسية مارتن لوثر المتحمس فأحس بالغبن وقرر إصلاح الكنيسة وتقويض سلطة البابا.
     قام مارتن لوثر بتعليق احتجاج صارخ على باب كنيسة مدينة فيتنبرج في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1517 تضمن 95 نقطة طالب فيه بإلغاء النظام البابوي لأنه يمنح قدسية كبيرة للبشر قد يسيؤون استعمالها تماما كما كان شائعا في الكنيسة الكاثوليكية آنذاك.
     كما رفض لوثر أن يبقى القسيس بلا زواج مدى الحياة، فأقدم على الزواج من الراهبة كاترينا فون بورا وأنجب منها ستة أطفال.
    وكانت من بين مطالب لوثر أيضا المساواة بين الإكليروس “رجال اللاهوت المسيحي” والمسيحيين العاديين. غير أن ما سيؤثر على مستقبل الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام كان دعوة مارتن لوثر إلى جعل الكتاب المقدس المصدر الوحيد للإيمان تأثرا بنظرية القديس بطرس التي تقول ما معناه أن الإنسان الذي لوثته الخطيئة لا يمكن أن يطهره من تلك الخطيئة سوى الإيمان الذي يتجلى في رحمة الرب وإرادته.
    ودعا لوثر إلى إلغاء الوساطة بين المؤمنين والرب بمعنى إقامة علاقة مباشرة بين العبد والمعبود دون المرور عبر البابا أو أي شخص آخر.
     وكان أخطر ما حملته مطالب لوثر دعوته للعودة إلى كتاب التوراة العبرانية القديمة وإعادة قراءته بطريقة جديدة بالإضافة إلى اعتماد الطقوس العبرية في الصلاة عوضا عن الطقوس الكاثوليكية المعقدة.
 بداية تهويد المسيحية :-
    أرسل مارتن لوثر رسالة إلى البابا ليو العاشر في روما سنة 1520 اتهمه فيها باستعمال الكنيسة الكاثوليكية لتحقيق مصالح شخصية له وللحاشية التي تحيط به، مؤكدا أنه لن يتخلى عن نضاله لتقويض تلك الكنيسة مادام حيا.
     فجاء رد فعل الكنيسة الكاثوليكية قاسيا حيث اعتبرت لوثر من الخارجين عن الكنيسة وطردته من الديانة المسيحية واتهمته بالهرطقة، وهي تهمة كانت عقوبتها آنذاك الحرق على الملأ.
 لجأ لوثر بعد ذلك إلى العمل السري وعمل على استمالة بعض اليهود الذين كان لهم نفوذ كبير في المجتمع عن طريق التأكيد على أن مذهبه الجديد يعيد الاعتبار لليهود الذين كانوا يعانون من ازدراء الكنيسة الكاثوليكية.
      أصدر لوثر كتابه “عيسى ولد يهوديا” سنة 1523 وقال فيه إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد.
    ويرى الكثير من الكتاب والمؤرخين أن هذه الفترة تعد الولادة الحقيقية والفعلية للمسيحية اليهودية.
     وتقوم المسيحية اليهودية على تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على الطقوس الكاثوليكية بالإضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله.
     ووصلت محاولة استمالة لوثر لليهود من أجل الدخول في مذهبه حدا قال فيه يوما أمام عدد من اليهود الذين كانوا يناقشونه “إن البابوات والقسيسين وعلماء الدين -ذوي القلوب الفظة- تعاملوا مع اليهود بطريقة جعلت كل من يأمل أن يكون مسيحيا مخلصا يتحول إلى يهودي متطرف وأنا لو كنت يهوديا ورأيت كل هؤلاء الحمقى يقودون ويعلمون المسيحية فسأختار على البديهة أن أكون خنزيرا بدلا من أن أكون مسيحيا”.
وتشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن رغبة مارتن لوثر الجامحة في إعادة الاعتبار لليهود و”تمسيحهم” كانت تعود لإيمانه العميق بضرورة وجودهم في هذا العالم تمهيدا لعودة المسيح.
واعتبرت دعواته تلك انقلابا على موقف الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تنظر لليهود على أنهم حملة لدم المسيح عيسى بعدما صلبوه.
    حيث دأبت الكنيسة الكاثوليكية على تحميل اليهود المسؤولية الكاملة عن مقتل المسيح. وكان بعض المسيحيين في أوروبا يحتفلون بمقتل المسيح عن طريق إحياء طقوس عملية الصلب، بل وكان سكان مدينة تولوز الفرنسية يحرصون على إحضار يهودي إلى الكنيسة أثناء الاحتفال ليتم صفعه من قبل أحد النبلاء بشكل علني إحياء لطقس الضرب الذي تعرض له المسيح من قبل اليهود.
     كما أن هناك نصا في إنجيل متى يحمل اليهود مسؤولية مباشرة عن مقتل المسيح ويذكر بالتفصيل كيف غسل بيلاطس الحاكم الروماني للقدس آنذاك يديه بالماء معلنا براءته من دم المسيح الذي كان اليهود على وشك صلبه قبل أن يصيح فيه اليهود قائلين “ليكن دمه علينا وعلى أولادنا”.
      وهذه العبارة الأخيرة تطبع الاعتقاد المسيحي الكاثوليكي بشكل مرير ظهر جليا في الشعبية الكبيرة التي نالها فيلم “آلام المسيح” للمخرج المسيحي ميل غبسون الذي حصد مئات الملايين من الدولارات عدا حالات الإغماء الكثيرة التي شهدتها قاعات السينما التي عرضت الفيلم في الولايات المتحدة لرجال ونساء مسيحيين لم يستطيعوا تحمل التفاصيل المليئة بالألم التي حفل بها الفيلم.
المفاهيم الأساسية للمسيحية الصهيونية:-
     حمل غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأمريكية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأمريكية في القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة.
     تأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.
    وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:
 • هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية.
• سيطرة اليهود على الأصوليين البروتستانتيين.
    وآمنت المسيحية الصهيونية Christian Zionism “قبل تأسيس دولة إسرائيل” بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام.
    وتمثل فكرة عودة اليهود إلى فلسطين حجر الأساس في فكر المسيحية الصهيونية، لذا كانت فكرة إنشاء “وطن قومي لليهود في فلسطين” التي آمن بها المسيحيون البروتستانت قبل إيمان اليهود أنفسهم بها هي أهم ما يجمع بين الطرفين.
    ومصطلح المسيحية الصهيونية لم يتم الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين Protestant Evangelical ، ولهذه الحركة ما يقرب من 130 مليون عضو في كل قارات العالم.
    ويمكن تعريف المسيحية الصهيونية بأنها “المسيحية التي تدعم الصهيونية”، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم “مسيحيين متصهينين”.
     وتتلخص فكرة هذه الحركة في ضرورة المساعدة لتحقيق نبوءة الله من خلال تقديم الدعم لإسرائيل.
    وتريد المسيحية الصهيونية إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم. وفي نظرهم يتم ذلك عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل “فلسطين”، كون فلسطين هي (الأرض الموعودة). وتعتقد المسيحية الصهيونية أن من شأن القيام بذلك تعميم البركة الإلهية على العالم كله.
النهج الأمريكي :-
  رغم الفجوة الهائلة بين رسالة الضمانات الأمريكية التي قدمها الرئيس الأمريكي السابق (سئ الذكر ) جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي اللعين ( أرييل شارون‏)‏ ووعوده التي اعتبرت بمثابة‏ "‏وعد بلفور‏"‏ أمريكي للدولة الصهيونية وبين رسالة التطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي أعاد فيها للتفاوض المباشر دوره في معالجة القضايا الخلافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏
‏    فإن المنظمات الصهيونية الأمريكية صُدمت بما اعتبرته تراجعاً أمريكياً ليس في الضمانات والوعود‏,‏ ولكن في النهج الأمريكي‏,‏ كما صدم أرييل شارون  آنذاك  واضطر لإلغاء زيارته التي كان سيقوم بها لواشنطن مبرراً ذلك برفض حزب الليكود لخطته الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة‏.‏
   لقد كان جوهر الاهتمام الإسرائيلي‏,‏ وكذلك المنظمات الصهيونية الأمريكية التي أعقبت وعود الرئيس بوش لشارون متركزاً ليس على الوعود والضمانات رغم خطورتها الشديدة من المنظور العربي‏,‏ ولكن على النهج الأمريكي الجديد في التعامل مع الصراع العربي‏-‏ الإسرائيلي الذي تلخص في استبدال سياسة الأمر الواقع كمحدد لما يسمي بـ‏"‏عملية السلام‏"‏ بدلاً من قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي‏.‏
     فالإسرائيليون يريدون فرض سياسة القوة والأمر الواقع واختلال موازين القوى الإقليمية لصالحهم كمعيار وكمحدد للتفاوض مع الفلسطينيين‏,‏ بدلاً من قرارات الأمم المتحدة‏.‏ تجلى ذلك عندما قال الرئيس الأمريكي في لقائه مع شارون بالبيت الأبيض: إن حدود عام ‏1949‏ لم تعد تعبر عن الأمر الواقع في إشارة إلى أن مطالب العرب بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام ‏1967‏ لم تعد مقبولة‏,‏ وأنه بات من الضروري قبول العرب بأن تضم "إسرائيل" أجزاء من تلك الأراضي التي احتلتها عام ‏1967‏ إلى أراضيها بما يتوافق مع موازين القوى ومع متطلبات الأمن الإسرائيلي‏.‏
   هذا التطور في الموقف الأمريكي هو الذي حظي بكل الاهتمام الإسرائيلي والصهيوني‏,‏ لذلك حدثت لهم انتكاسة معنوية بل وصدمة قوية بالتطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للملك عبد الله الثاني‏,‏ وأعاد فيها التركيز على خريطة الطريق وأهمية التفاوض الثنائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي‏.‏
    وكرد فعل لهذه الصدمة نظمت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم اسم‏"‏ المسيحيون الصهاينة‏"‏ مظاهرة حاشدة تضامناً مع "إسرائيل" يوم الخميس ‏(6‏ مايو ‏2004)‏ خارج مبنى الكونجرس في العاصمة الأمريكية تم فيها عرض إحدى الحافلات الإسرائيلية التي دمرتها التفجيرات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة‏.‏ وقال بيان منظمة‏ "‏مسيحيون من أجل "إسرائيل"‏":‏
      إن أنشطة هذه المظاهرة تشمل إعلان يوم ‏6‏ من مايو يوماً قومياً للصلاة من أجل "إسرائيل" تستمر فيه المظاهرات والصلوات من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الرابعة بعد الظهر‏.‏ وعقدت المظاهرات تحت عنوان: ‏"الإرهاب‏,‏ تذكرة في اتجاه واحد‏",‏ وتم عرض إحدى الحافلات المحترقة التي قالوا إنها تم تفجيرها من قبل الفلسطينيين في "إسرائيل"‏.‏ وقال منظموا المظاهرة إن الحافلة رقم ‏19‏ ستعرض أمام مبنى الكونجرس وستبقى هناك للعرض طوال شهر مايو ليشاهدها الجمهور الأمريكي الذي يقبل على هذه المنطقة السياحية بكثافة في شهور الصيف‏.‏
    وقال المتظاهرون في بيان لهم‏:‏ نحن المسيحيون الصهاينة‏..‏ مهمتنا حث الدعم لدولة "إسرائيل" والشعب اليهودي عن طريق الصلوات وعن طريق العمل الجاد وفق مشيئة وكلمة الرب‏..‏ إننا نريد أن يتفهم الآخرون قلب الرب وأغراضه من أجل اليهود وأن نحصل على الفهم الجديد للأصول اليهودية للعقيدة المسيحية‏".‏
      ولحسن الحظ‏ ,‏ وفي اليوم نفسه ‏(6‏ مايو‏ 2004)‏ عقد في القدس المحتلة مؤتمر دولي هو الخامس من نوعه لمركز بحثي اسمه‏"‏ مركز السبيل للاهوت التحرر المسكوني‏"‏ أكد على رفض التحالف المعاصر لمنظمات‏"‏ الصهيونية المسيحية‏"‏ وقادتها مع العناصر الأكثر تطرفاً في حكومات "إسرائيل" والولايات المتحدة والتي تسعى حالياً لفرض سياسة استباقية عسكرية أحادية الجانب على الآخرين في فلسطين والعراق‏,‏ وذلك في البيان الختامي للمؤتمر الذي اختتم أعماله التي تواصلت لأربعة أيام في القدس ورام الله المحتلتين عن الصهيونية المسيحية وأبعادها ومخاطرها وتأثيرها في الصراع الفلسطيني‏-‏ الإسرائيلي‏.
‏     وجاء في البيان أنه‏"‏ كنتيجة لمذكرة التفاهم بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء الكيان الصهيونى آتذاك أرييل شارون اتجهت الأزمة بين "إسرائيل" وفلسطين نحو مرحلة جديدة من القمع للشعب الفلسطيني‏,‏ ما سيقود‏,‏ لا محالة‏,‏ إلى دائرة مفرغة من العنف والعنف المضاد‏,‏ والذي ينتشر حالياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم‏.‏ نرفض التعاليم الهرطوقية للصهيونية المسيحية التي تدعم السياسات المتطرفة والمساندة للاقتصارية العرقية والحروب المستمرة بدلاً من بشارة الحب والخلاص‏,‏ والمصالحة للعالم أجمع التي نادى بها السيد المسيح في الإنجيل المقدس‏".‏
      وأكد المؤتمر أن الصهيونية المسيحية حركة سياسية ولاهوتية حديثة‏,‏ تتبنى أكثر المواقف الأيديولوجية الصهيونية تطرفا‏ً,‏ والتي تسيء للسلام العادل في الأرض المقدسة‏,‏ وتصور هذه الحركة‏,‏ بدعمها للصهيونية السياسية المعاصرة‏,‏  وكأنه يتبنى أيديولوجية التسلط ‏(حكم القيصر‏)‏ والاستعمار والحرب‏,‏ مشدداً على أن التصرفات أحادية الجانب للحكومة الإسرائيلية تتناقض مع القانون الدولي‏,‏ وتنقض اتفاقيات السلام السابقة‏,‏ كما ترفض مشاركة الفلسطينيين وتضع السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط في خطر مستمر‏.‏
     وعبر المؤتمر عن استيائه لموافقة الولايات المتحدة وحكومات أخرى على إملاءات شـارون‏,‏ ممـا يعيد تكرار الأخطاء التاريخية للإمبراطوريات الاستعمارية في الماضي‏,‏ مثل وعد بلفور‏,‏ معتبراً أن مثل هذه الإملاءات أحادية الجانب تثبت سياسة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم ومن حقوقهم الوطنية‏,‏ وتواصل حرمانهم من حقوق الإنسان الأساسية‏.‏

    رؤساء أمريكا وتبنى فكرة الصهيونية المسيحية :-
أولا : رونالد ريجان
     لقد شكل تيار الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة على الدوام رافداً استندت إليه الصهيونية في تحقيق مشروعها وفي تشكيل مجموعات ضغط تعمل لمصلحة "إسرائيل",‏ بل وفي كسب قطاع واسع من الأوساط البروتستانتية الأصولية في أمريكا وعلى أعلى المستويات‏.‏ وإذا كانت الصهيونية المسيحية تبرز الآن كقوة محركة ودافعة للسياسة الأمريكية ونزوعها إلى معاداة العرب والمسلمين وحقوقهم والتحريض على خوض الحروب ضدهم تحت شعار محاربة ‏"‏الإرهاب‏"‏ أو غيرها من الشعارات بعد وصول أركانها إلى السلطة‏.
     فالحقيقة أن تيار الصهيونية المسيحية موجود منذ سنوات طويلة وبدرجات مختلفة في مراكز صنع القرار الأمريكي في مختلف العهود وبالذات ابتداء من وصول اليمين المحافظ أو‏"‏ المحافظين الجدد‏"‏ إلى الحكم في الولايات المتحدة في عهد حكم الرئيس رونالد ريجان عام‏ 1980,‏ وقد أسس هذا اليمين برامجه السياسية والاجتماعية والثقافية على مبادئ دينية خطيرة‏,‏ وشكل مع قوى الصهيونية المسيحية تحالفات وثيقة‏.‏
ثانيا : جورج بوش‏:-
     وقد لعبت القوى الصهيونية المسيحية دوراً رئيسياً في صياغة الأبعاد الأيديولوجية والتصورات الفلسفية والأخلاقية لقوى اليمين المحافظ‏,‏ كما أمدته بعناصر وكفاءات بشرية بارزة‏,‏ وساندته بمؤسساتها ومنظماتها المختلفة بحيث أضحى أبرز مفكري هذا اليمين المحافظ يعبرون عن جوهر المنطلقات الفكرية لتيار الصهيونية المسيحية‏,‏ وأخذوا يوظفون هذه المنطلقات في صياغة الفكر الاستراتيجي الحاكم في الولايات المتحدة‏,‏ كما تجلى في عهد الرئيس السابق جورج بوش‏.‏
 وتعتبر مؤلفات الكاتبة الأمريكية جريس هالسل وبالذات كتاب ‏"‏النبوءة والسياسة‏"‏ ثم كتاب‏ "يد الله‏" (‏ترجمهما للعربية الأستاذ محمد السماك وصدرا من دار الشروق بالقاهرة‏)‏ من أبرز ما كتب عن هذا التيار الديني‏-‏ السياسي المؤثر بقوة متصاعدة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية وبالذات نحو الصراع العربي‏-‏ الإسرائيلي خاصة‏,‏ والوطن العربي بصفة عامة‏.‏
     لقد بين كتاب ‏"‏النبوءة والسياسة‏"‏ أن الصهيونية أضحت بسبب تيار الصهيونية المسيحية‏,‏ صهيونيتين‏,‏ الأولى والأساسية صهيونية مسيحية‏,‏ والثانية يهودية‏.‏ ويأتي كتاب‏ "يد الله‏"‏ ليبين أن اللاسامية أضحت‏,‏ وبفضل هذا التيار أيضاً‏,‏ لا ساميتين‏,‏ الأولى تكره اليهود وتريد التخلص منهم وإبعادهم بكل الوسائل الممكنة‏ (‏لا سامية المجتمعات الأوروبية في النصف الأول من القرن العشرين‏).
 والثانية تكره اليهود أيضاً بيد أنها تريد تجميعهم في مكان محدد هو فلسطين‏,‏ ليكون هذا المكان مهبط المسيح في مجيئه الثاني المنتظر ‏(‏لا سامية أمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده‏)
‏ وفكر هذه اللاسامية يجئ امتداداً للفكر الذي أرسته بعض الحركات الدينية المسيحية وبالذات‏ "‏الحركات الألفية‏"‏ التي تؤمن بأن السيد المسيح سيعود ليحكم العالم مدة ألف سنة‏,‏ وربطت بين هذه العودة ووقوع بعض الأحداث الرمزية من أهمها عودة اليهود إلى فلسطين وقيام دولة "إسرائيل" وإعادة بناء الهيكل ثم ظهور المسيخ الدجال‏.
     وتفجر مجموعة من الصراعات الدموية تتوج بالمعركة الشهيرة المعروفة بمعركة‏ "هرمجدون‏" (قرية مذكورة في الرؤيا وتقع شمال القدس‏)‏ حيث تقع معركة بين ما يسمى بـ‏"‏الحق والباطل‏",‏ وعند اقتراب إفناء العالم يظهر السيد المسيح‏.‏ ولقد خطف تيار الصهيونية المسيحية هذه المعتقدات بالربط بين الانتصار الساحق لإسرائيل وعودة السيد المسيح ونشأة تيار مسيحي يزداد قوة يربط بين شدة الولاء والدعم لإسرائيل وبين تعجل عودة السيد المسيح‏.‏
الأنشطة التي قامت بها الصهيونية المسيحية كحركة سياسية:-
-- سعت الصهيونية المسيحية‏,‏ منذ تبلور اتجاهاتها في ما قبل إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين‏,‏ لدعم نفوذها لدى الرأي العام الأمريكي‏,‏ وممارسة الضغوط السياسية على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل مصلحة هجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة وطن لهم فيها‏,‏
-- واستخدمت الصهيونية المسيحية من أجل ذلك كل وسائل العمل السياسي والإعلامي والمنابر اللاهوتية‏,‏ وتقديم العرائض ونشر الكتب والبيانات‏,‏ وتأسيس المنظمات والمؤسسات العاملة من أجل دعوة اليهود ‏"‏للعودة‏"‏ إلى الأرض المقدسة وتيسير أمر هذه الهجرة‏,‏ كما أسهمت في دعم وتمويل إنشاء مستعمرات يهودية زراعية وغير زراعية في فلسطين‏.‏
       وفي ثلاثينيات القرن العشرين تسارع نمو منظمات صهيونية مسيحية‏,‏ نشطت من أجل‏ "‏مساعدة اللاجئين اليهود الفارين من ألمانيا وأوروبا الشرقية لدخول فلسطين ملاذهم الطبيعي‏".‏
     ومن بين هذه المنظمات‏"‏ اللجنة الفلسطينية‏-‏ الأمريكية‏"‏ التي تأسست في مايو عام ‏1932‏ وقادها في مراحل تالية أعضاء كبار من الكونجرس وقادة عمال ورجال أعمال وأكاديميون ووزراء‏,‏ وكذلك منظمة‏ "‏المجلس المسيحي لفلسطين‏"‏ التي تأسست في عام ‏1942‏ وغيرها‏.‏
      لكن التنامي الكبير في هذه المنظمات الصهيونية المسيحية عدداً وقوة‏,‏ أخذ في التسارع بعد قيام "إسرائيل" وبخاصة في الستينيات حينما برزت قيادة صهيونية مسيحية عبر منابر كنسية ومحطات تليفزيونية وإذاعية‏,‏ وقدمت برامج دينية ذات طابع جماهيري‏,‏ ونشرت كتباً‏,‏ وأنتجت أفلاما سينمائية ناجحة‏,‏ وأسست مدارس وجامعات ومراكز بحث‏,‏ وقد شكلت "إسرائيل" ودعمها والوقوف معها محوراً أساسياً في هذه الأنشطة باعتبار أن الوقوف ضد "إسرائيل" هو معارضة للرب‏.‏
القس جيري فولويل :-
        ومن أبرز القيادات الصهيونية المسيحية القس جيري فولويل الذي اقتحم الحياة السياسية الأمريكية في مطلع الستينيات ببرامج متلفزة ومسموعة‏,‏ من بينها برنامج‏ "‏ساعة من إنجيل زمان‏"‏ والذي يبدو فيه أكثر تشدداً في دعم "إسرائيل" من كثير من اليهود الأمريكيين‏,‏ ولم تقف طموحاته عند حدود الوعظ في الكنيسة ووسائل الإعلام‏,‏ بل عمل على بناء مؤسسات تعليمية تملك أجهزة إعلامية‏,‏ وتأسيس منظمة سياسية للعمل السياسي باسم‏ "‏منظمة الأغلبية الأخلاقية‏"‏ لممارسة الضغط على الكونجرس والإدارة الأمريكية‏,‏ وللتأثير في اتجاهات الرأي في المجتمع الأمريكي‏,‏ ولتعبئة الملايين من الأمريكيين لممارسة حقهم الانتخابي والتصويت على البرامج والأشخاص الذين ترشحهم منظمات الصهيونية المسيحية‏.‏ ونجحت منظمة جيري فولويل في توفير عناصر النجاح لعدد من الشيوخ والنواب في الكونجرس‏,‏ وحولت مواقف عدد غير قليل من الأعضاء لمصلحة التصويت الدائم لطلبات "إسرائيل"‏.‏
     ولا يقف جيري فولويل وأتباعه وبرامجه ومنظماته‏,‏ عند مسألة الوقوف مع "إسرائيل" دائما‏ً,‏ وإنما يمارس مواقف مناهضة للعرب ولحقوقهم‏,‏ كما يعارض بيع أسلحة أمريكية للدول العربية‏,‏ ويمارس ضغوطاً في الكونجرس لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس‏,‏ ويقدم‏ "‏شهادات استماع‏"‏ أمام لجان الكونجرس المختلفة بهذا الشأن‏,‏ حيث يرى أن القدس هي عاصمة لليهود منذ آلاف السنين وأن نقل السفارة إليها خطوة مبررة دينياً وصحيحة سياسيا‏ً,‏ وأن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة في العالم التي ينكر حقها في اختيار مكان عاصمتها‏.‏ وقد عبرت "إسرائيل" عن تقديرها للقس الصهيوني جيري فولويل‏,‏ فمنحته ميدالية الزعيم الصهيوني الإرهابي جابوتنسكي‏,‏ وزرعت غابة باسمه في أحد جبال القدس المحتلة‏.‏


القس بات روبرتسون‏ :-
 ومن القيادات الصهيونية المسيحية البارزة الأخرى‏,‏ القس بات روبرتسون‏,‏ الذي يعود بأصوله إلى أسرة هاريسون الذي وقع إعلان استقلال أمريكا‏,‏ وكان والده عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي لمدة ‏34‏ عاما‏ً,‏ وأعلن بات روبرتسون ترشحه للرئاسة الأمريكية عام ‏1988.‏ ويقف روبرتسون على رأس منظمة متشعبة الأغراض والوسائل ولها جذور شعبية وتأثير واسع المدى‏.
    وتعتبر شبكته الإعلامية المسماة‏"‏ شبكة الإذاعة المسيحية‏ "CBN))‏ من بين المحطات الأكثر حداثة وحذقاً ونشاطا‏ً,‏ واحتلت الموقع الرابع بعد شبكات التلفزة الرئيسية الثلاث في الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وتصل إلى أكثر من‏30‏ مليون منزل‏.‏ وتملك مؤسسة روبرتسون جامعة معتمدة منذ عام ‏1977‏ تصدر نشرة إخبارية تضم أكثر من ربع مليون مشترك‏,‏ وقد اعتاد أن يقول فيها: إن "إسرائيل" هي أمة الله المفضلة ويؤيد احتلالها للأراضي العربية ويعتبر العرب في برامجه المتلفزة أعداء الله‏.‏
القس مايك ايفانز‏:-
 ومن الشخصيات الصهيونية المسيحية البارزة الأخرى القس مايك ايفانز‏,‏ ومن برامجه الاستعراضية المرئية برنامج يسمى‏ "‏إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء‏",‏ وقد اعتاد أن يستضيف في برامجه قادة من "إسرائيل"‏,‏ وتغطي برامجه أكثر من ‏25‏ ولاية أمريكية‏,‏ وينشر الإعلانات الصحفية الباهظة الثمن دعماً لإسرائيل ولسياساتها‏,‏ ويرى أن بقاء "إسرائيل" حيوي لبقاء أمريكا‏,‏ وأنتج فيلماً واسع الانتشار أسماه‏"‏ القدس دي‏.‏ سي‏"‏ ويعني ذلك القدس عاصمة داوود‏,.
     مستخدماً حرفـي‏D))‏ و‏(C)‏ ليـرتبـط هـذا المسمـى في أذهان الأمريكيين بحرفي ‏D))‏ و‏C))‏ فـي عاصمتهم واشنطـن دي‏.‏ سي‏ (Districtof Colombia),‏ بهدف التدليل على أن القدس هي عاصمة "إسرائيل" مثلما أن واشنطن هي عاصمة الولايات المتحدة‏.‏
     ويتضح مما سبق حدوث تطور هائل في أساليب الدعوة والتبشير والوعظ في الشؤون اللاهوتية‏,‏ فالديانة لم تعد في المجتمع الأمريكي مجرد طقوس تؤدى في الكنائس في أيام الآحاد وفي الأعياد الدينية‏,‏ وإنما تتم أيضاً من خلال التفاعل والاستجابة مع برامج دينية متلفزة يشاهدها ملايين الناس‏,‏ وبخاصة البالغين ممن تتجاوز أعمارهم الخمسين عاما‏ً,‏ وهم أضخم كتلة انتخابية وأكثر فئات المجتمع ثراء وتبرعاً واهتماماً بالعمل السياسي والاجتماعي‏.‏
منظمة‏ "‏المائدة المستديرة الدينية‏"‏
       وقد شكلت الصهيونية المسيحية العديد من جماعات الضغط للتأثير في صناع القرار في الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق أغراضها وتوجهاتها وعقدت تحالفات متينة لهذا الغرض مع جماعات اليمين المحافظ السياسية‏,‏ وهو اليمين الذي يؤمن بالمبادئ التوراتية نفسها ويتميز بكفاءة كبيرة في التنظيم‏,‏ واستقطاب الجماهير‏,‏ وتوفير مصادر التمويل‏.‏ ومن بين هذه المنظمات الممارسة للضغط السياسي‏,‏ منظمة‏ "‏المائدة المستديرة الدينية‏"‏ التي تأسست في عام ‏1979.
      وقد ترأسها القس ادوارد مالك اتيـر ‏E.M.CAtter)‏ وعقدت العشرات من الندوات التي شارك فيها سياسيون وقيادات أصولية مسيحية‏,‏ كما أقامت‏ "‏حفلات إفطار سنوية‏"‏ للصلاة من أجل "إسرائيل" ودعم سياساتها ودرجت على إصدار بيان عقب كل صلاة إفطار تبارك فيه "إسرائيل" باسم ما يزيد على‏50‏ مليون مسيحي يؤمنون بالتوراة في أمريكا‏.‏ وتشارك هذه المنظمة في إصدار النشرات وتقديم المعلومات لأعضاء الكونجرس‏,‏ كما تشارك في تنظيم الرحلات إلى "إسرائيل"‏,‏ وفي تنظيم حملات الرسائل إلى مراكز القرار السياسي الأمريكي لمصلحة "إسرائيل"‏.‏
مؤسسة‏ "‏جبل المعبد‏"
      ومن بين هذه المنظمات التي تمارس أساليب الضغط السياسي‏ (‏اللوبي‏)‏ مؤسسة‏ "‏جبل المعبد‏",‏ ولها امتداداتها داخل "إسرائيل" وتركز هدفها على إنشاء ‏"‏الهيكل‏"‏ في القدس‏,‏ ولها شبكة هائلة من المتعاونين معها من رجال أعمال وقساوسة ولها فروعها في عدد من المدن الأمريكية‏,‏ كما أن لها تفرعاتها على شكل لجان كنسية‏,‏ وتعمل في مدينة القدس‏,‏ وتوفر الدعم المالي لغلاة اليهود العاملين على هدم المسجد الأقصى وبناء ‏"‏الهيكل‏"‏ مكانه‏.
     كما توفر دعماً قانونياً لأولئك اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى واعتدوا عليه‏,‏ وتجمع الأموال المعفاة من الضرائب وتبعث بها إلى "إسرائيل",‏ كما تقوم بشراء أراض في الضفة الغربية المحتلة لمصلحة الإسرائيليين وبخاصة في القدس الشرقية وضواحيها‏,‏ كما تتولى هذه المؤسسة عمليات تدريب الكهنة اليهود وإعدادهم‏,‏ وتجنيد خبراء في الآثار والتصوير وإيفادهم إلى فلسطين للتنقيب تحت المسجد الأقصى‏.‏


المنظمات المسيحية الأخرى التى تدعم الصهاينة :-
    وهناك العديد من المنظمات الصهيونية المسيحية من أمثال منظمة‏ "‏مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل‏"‏ التي تأسست في عام ‏1975,‏ و‏"‏الصندوق المسيحي الأمريكي لأجل إسرائيل‏",‏ المتخصص في شراء الأراضي العربية وحيازتها لأغراض بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية‏,‏ وكذلك‏"‏ الرابطة الصهيونية المسيحية لدعم إسرائيل‏",‏ و‏"‏وسطاء لأجل إسرائيل‏",‏ و‏"‏الكونجرس المسيحي الوطني‏"‏ الذي يشارك فيه رهبان كاثوليك وقساوسة بروتستانت‏.‏
     ومن المنظمات الصهيونية المسيحية النشيطة داخل "إسرائيل" نفسها‏,‏ المنظمة المسماة بـ‏"‏ السفارة المسيحية الدولية‏"‏ وقد جاء تأسيسها تعبيراً عن أهمية القدس لدى أتباع هذه العقيدة الصهيونية المسيحية‏,‏ وتأكيداً لأهمية العمل المسيحي‏,‏ نيابة عن "إسرائيل‏",‏ وقد تأسست عام ‏1980‏ وبحضور أكثر من ألف رجل دين مسيحي يمثلون ‏23‏ دولة‏,‏ وافتتحت لها فروعاً في عدد كبير من عواصم العالم‏,‏ ولها أكثر من عشرين مكتباً في الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏
     ومن أبرز نماذج أنشطتها ما تنشره من كتب ومجلات ونشرات‏,‏ وحملات عرائض‏,‏ وحملات بريد ورسائل‏,‏ ورحلات سياحية إلى "إسرائيل" إلى جانب تنظيم مسيرات ومظاهرات‏.‏
     هذه نماذج قليلة من منظمات الصهيونية المسيحية التي يزيد عددها على ثلاثمائة منظمة ومؤسسة وجماعة ضغط‏.‏ لقد نمت هذه الحركة الصهيونية المسيحية في أمريكا بتسارع جارف وحجم كبير وبموارد ضخمة وصارت تشكل تياراً سياسياً رئيسياً وبخاصة في الحزب الجمهوري ومؤسساته‏,‏ وتؤدي دوراً مؤثراً وحاسماً في توفير التأييد الشعبي‏,‏ والدعم المالي والمعنوي والسياسي والعسكري لإسرائيل على قاعدة وشعار الحركة الأصولية المسيحية‏ "‏هل تستطيع أن تحب المسيح من غير أن تحب "إسرائيل"؟‏",‏ وصارت توصف في الأوساط اليهودية بأنها أحد أهم أعمدة "إسرائيل" في الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏
    ونتذكر ما قاله المتحدث باسم‏ "‏السفارة المسيحية الدولية‏",‏ حينما اعترض أحد الإسرائيليين المشاركين في المؤتمر الصهيوني المسيحي الأول المنعقد في بازل عام ‏1985,‏ على اقتراح حث "إسرائيل" لإعلان ضم الضفة الغربية وغزة مقترحاً تخفيفه‏,‏ بسبب أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تشير إلى أن ثلث الإسرائيليين يرغبون في مبادلة الأرض بالسلام‏.‏ أجاب المتحدث باسم هذه المنظمة المسيحية‏,‏ قـائلا‏ً: "‏لا يهمنا تصويت الإسرائيليين‏,‏ ما يهمنا هو ما يقوله الله‏,‏ والله أعطى هذه الأرض لليهود‏"
     عند ذلك مر الاقتراح بالإجماع‏.‏ ولقد وعت "إسرائيل" و‏"‏الحركة الصهيونية العالمية‏"‏ مدى أهمية المنظمات الصهيونية المسيحية لدعم المشروع الصهيوني‏,‏ ولا سيما أن هذه المنظمات صارت تشكل قوة عددية ومادية ونفوذاً كبيراً في المجتمع الأمريكي‏,‏ مما دفعها إلى التحالف والتنسيق معها‏,‏ وتيسير حركتها وتلميع قادتها إعلاميا‏ً,‏ والسماح لها بالحركة داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه واستخدامها لأغراض ممارسة الضغط والتأثير في الرأي العام الأمريكي والعالمي لمصلحة أهداف "إسرائيل" وسياساتها‏.‏
     وتدرك "إسرائيل" أن تحالفها مع هذه القوى المسيحية المتصهينة له فائدة استراتيجية‏,‏ ووجدت أن مسألة تنصير اليهود في المستقبل‏,‏ أي عند عودة المسيح الثانية‏,‏ هي مسألة لاهوتية مؤجلة لا تستدعي الخوض فيها الآن‏,‏ حتى لا يؤثر ذلك في تحالفات وعلاقات "إسرائيل" بالمسيحية الأصولية‏,‏ ويبدو أن كلا الطرفين يتحاشى الخوض في هذه المسألة الخلافية‏,‏ وكلاهما يملك عقلية براجماتية مدهشة‏,‏ فالمنظمات الصهيونية المسيحية درجت في مراحلها المبكرة من هذا القرن على اعتبار أمريكا ‏"‏أمة مسيحية‏",‏ لكنها تراجعت عن شعارها هذا واعتمدت شعاراً جديداً يعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي ‏"‏جمهورية مسيحية‏,‏ يهودية‏".‏
     وفي الوقت نفسه فإن استقراءً لتاريخ "إسرائيل" والحركة الصهيونية السياسية يبين أن "إسرائيل" لا تستطيع تحمل مسألة التدقيق في نوعية أصدقائها‏,‏ أو التردد في قبول الدعم‏,‏ بل تأخذه من أي مصدر تستطيع الحصول عليه‏,‏ ولا ترد اليد التي تمتد لدعم سياساتها وأمنها ووجودها‏,‏ وأثبتت الصهيونية المسيحية أن ‏"‏صهيونيتها‏"‏ أشد تطرفاً وغلواً من صهيونية قطاع غير قليل من يهود "إسرائيل" نفسها‏.‏
الفكر الصهيوني اليهودي‏:
     ومن ناحية أخرى‏,‏ يلاحظ وجود قاسم مشترك ما بين الفكر الصهيوني اليهودي‏,‏ والفكر الصهيوني المسيحي‏,‏ من حيث اعتبار القوة بمثابة الطريق لتحقيق الغايات السياسية أو اللاهوتية‏,‏ وكلاهما يتحدث عن الإبادة والغزو والحرب النووية‏.‏ كما يتشابه مضمون الخطاب الصهيوني لدي اليهودية والمسيحية المتهودة‏,‏ من حيث تبرير الاستيطان عقائدياً‏,‏ واستخدام التطهير العرقي لسكان الأرض الأصليين‏,‏ وامتلاك الشرعية المستمدة أو المبررة من فهم حرفي للتوراة‏.
     حيث كان الغزاة عبر التاريخ في الأمريكتين وجنوب أفريقيا وغيرها يتلحفون نموذج المسيحي المتهود المؤمن بمقولة‏: "‏أرض بلا شعب لشعب بلا أرض‏".‏ وقد شكلت الصهيونية السياسية تجسيداً صارخاً لما يمكن تسميته بالإمبريالية الثيوقراطية المسيحية‏,‏ وبررت الاستيطان واقتلاع السكان وقتلهم بمبررات توراتية‏.‏
     وفي كل الأحوال لا تبدو "إسرائيل" في الخطاب الصهيوني المسيحي أمراً دنيوياً أو إنسانياً أو حتى سياسياً‏,‏ ولكن تبدو‏"‏ قضاء إلهياً‏",‏ ومن ثم تصبح معارضة سياسات "إسرائيل" خطيئة دينية‏,‏ ويصير دعمها وتأييدها في سبيل مرضاة الله‏,‏ وتكون تقويتها عسكرياً واقتصادياً ومساعدتها مادياً وتسويق منتجاتها وسنداتها وإنشاء صناديق الاستثمار الدولية لمصلحتها‏,‏ وبناء المستوطنات فوق أرض مغتصبة‏,‏ وتنظيم الرحلات السياحية إليها‏,‏ وتوفير وسائل المعلومات والتقنية لها‏,‏ التزاماً دينياً مبنياً على اعتبارات تاريخية ولاهوتية‏.‏
 ماذا يعني ذلك ؟
يعني في جانب بارز منه أن هذه الظاهرة إذا ما استمرت وتعمقت فإنها ستترك آثاراً كبيرة داخل المجتمع الأمريكي نفسه‏,‏ وبخاصة تجاه طرح منظومة قيم مختلفة مستندة إلى مبادئ توراتية‏,‏ كما سيكون لهذه الظاهرة أبعادها على مستوى العلاقات الأمريكية مع العالم الخارجي‏,‏ وبخاصة في إطار الهيمنة الثقافية والقيمية الأخلاقية‏,‏ ولعل هذا النوع من الهيمنة قد يدفع باتجاه إدخال الاصطفاء الإلهي في السياسة الدولية‏.
  محمد بن المختار الشنقيطي*
-من "التدنيس" إلى "التقديس"
-الصهيونية المسيحية قبل أختها اليهودية
-الصحوة المسيحية في ربع القرن الأخير
-الوجه الجديد للمسيحية الأميركية
العرب والنظرة السطحية :-
     اعتاد الناس في عالمنا العربي الإسلامي أن يفسروا التحيز الأميركي لإسرائيل بأسباب سياسية وإستراتيجية، مثل المال اليهودي المؤثر في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأميركي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، ثم موقع إسرائيل رأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
لكن كل هذه التفسيرات -عند التأمل- تبدو سطحية وبعيدة عن الدقة، أو هي -على أحسن تقدير- ليست سوى مظاهر تعبر عن ظواهر أعمق وأرسخ.
     فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيرا للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي. إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي .
     والإعلام اليهودي لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق -كما سنرى لاحقا- في بلد فيه من التعددية الإعلامية وحرية الكلمة ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصار.
     وموقع إسرائيل في المنطقة العربية لا يكفي لتفسير التحيز الأميركي. فقد كانت إسرائيل دائما مصدر حرج للنفوذ الأميركي في المنطقة العربية، أكثر من كونها مصدر دعم، إضافة إلى أن بعض حكام الدول العربية أغنوا أميركا عن إسرائيل في هذا المضمار.
     أما الصوت اليهودي فليس موحدا بالطريقة التي يتخيلها البعض، بل فيه تعدد وتباين واختلاف. كما أن التحيز لإسرائيل أعمق وأرسخ في بعض الولايات الأميركية التي لا تكاد توجد بها جالية يهودية أصلا.
اليهود والأعاجيب فى أميركا:-
افتخرت صحيفة (جيروسالم بوست) الإسرائيلية مؤخرا بأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978 رغم أن عدد اليهود بها لا يتجاوز 1%. وبأن المرشحين لهذا المنصب في الولاية يهوديان هما (نورم كولمان) و(ويلستون) الذي قتل في تحطم طائرة أثناء حملته الانتخابية (جيروسالم بوست 27/10/2002).
   ويكفي أن تعرف أن نسبة اليهود في أميركا أقل من 3%، وأن نسبتهم في مجلس الشيوخ 10% لتدرك أن الصوت اليهودي ليس أهم عامل هنا.
إن الرجوع إلى التاريخ والتعمق في الخلفية الدينية المؤطرة للعلاقات بين أميركا وإسرائيل، هو وحده الذي يقدم تفسيرا مقنعا لتلك العلاقات. ومن الكتب التي تقدم رؤية تاريخية موثقة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية كتاب (المسيح اليهودي) للكاتب المصري رضا هلال وكتاب (فرض إرادة الرب) Force Gods Hand للكاتبة الأميركية غريس هالسل Grace Halsell
من النقيض إلى النقيض :-
     ظل اليهود في نظر العالم المسيحي بأسره "أمة ملعونة" لمدة ألف وخمسمائة عام، لأنهم -في اعتقاد المسيحيين- هم قتلة السيد المسيح. وقد عانى اليهود صنوفا من الاضطهاد والازدارء بناء على هذا التصور الذي ترسخ في العقل المسيحي.
     ورغم أن هذا التصور -من وجهة نظر إسلامية- تصور ظالم أنتج ممارسات ظالمة، إلا أنه صمد على مر القرون، مدعوما بنصوص كثيرة من الإنجيل، وظروف اجتماعية وسياسية خاصة.
    لكن القرن الخامس عشر الميلادي أظهر تحولات عميقة في النفس المسيحية -الغربية على الأقل- مع بزوغ ما عرف بحركة الإصلاح، وما استتبعه ذلك من انشقاق سياسي وعقائدي داخل الديانة المسيحية بشكل عام، والكاثولوكية الغربية بشكل خاص.
     كان من نتائج هذه التحولات أن أصبحت المسيحية الجديدة التي عرفت باسم البروتستانتية ربيبة لليهودية: فقد أصبحت للتوراة -أو العهد القديم- أهمية أكبر في نظر البروتستانت من الإنجيل أو العهد الجديد، وبدأت صورة الأمة اليهودية تتغير تبعا لذلك في أذهان المسيحيين الجدد.
     ولم يكن الانشقاق داخل الكنيسة -رغم الطابع الأديولوجي الذي اصطبغ به- بعيدا عن صراعات السيادة بين الأمم الأوروبية يومها، خصوصا بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا، فقد انحازت الكنيسة الكاثوليكية إلى جانب فرنسا، مما جعل الشعبين الإنجليزي والألماني يميلان إلى اعتناق المذهب البروتستانتي الذي يدعو للتحرر من سلطة الكنيسة.
لوثر وخداعه لبنى دينه :-
    وقد ظهر هذا التحول في النظرة المسيحية إلى اليهود في كتابات رائد الإصلاح البروتستانتي، القس الفيلسوف (مارتن لوثر). فقد كتب لوثر عام 1523 كتابا عنوانه: "المسيح ولد يهوديا" قدم فيه رؤية تأصيلية للعلاقات اليهودية المسيحية من منظور مغاير تماما لما اعتاده المسيحيون من قبل، فكان مما قال في كتابه: "إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها" (رضا هلال ص63).
    ومع ذلك لم يكن مارتن لوثر حاسما في موقفه من اليهود، بل كان مترددا مثقلا بتراث الماضي السحيق، ولذلك عاد فألف كتابا آخر في ذم اليهود سماه "ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم"، بعدما يئس من دفعهم لاعتناق المسيحية. لكن (لوثر) فتح ثغرة في تاريخ المسيحية لصالح اليهود ظلت تتسع إلى اليوم. وظلت كفة الصراع بين مدرسة "المسيح ولد يهوديا" ومدرسة "ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم" تتأرجح في الضمير الغربي طيلة القرون الأربعة التالية لكتابة هذين الكتابين، حتى انحسم الأمر أخيرا للمدرسة الأولى.
   ومما يلاحظ أن هذا المسار التاريخي لم يعرف العدل ولا التوسط: فاليهود تحولوا من "أمة ملعونة" إلى "أبناء الرب"، من "الغيتو" إلى قمة المجتمع، من "أمة مدنسة" ظلمها المسيحيون كثيرا، إلى "أمة مقدسة" يظلم بها المسيحيون شعوبا أخرى لا صلة لها بتاريخ التدنيس والتقديس هذا.
كما يلاحظ أيضا أن المذاهب المسيحية تفاوتت في استيعابها لهذا التحول تفاوتا كبيرا، فالبروتستانت (الأميركيون والبريطانيون) تمثلوا هذا التحول كأعمق ما يكون، حتى أصبحت اليهودية جزءا من لحمهم ودمهم، والكاثوليك (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا) ظلوا أكثر تحفظا إلى حد ما
     ولذلك لم يبرئ الفاتيكان اليهود من دم المسيح إلا عام 1966، أما الأورثوذكس (الأوروبيون الشرقيون) فلايزالون يحتفظون بتلك النظرة المتوجسة تجاه اليهود واليهودية. وهذا ما يفسر التفاوت في المواقف السياسية: حيث التماهي مع الدولة اليهودية في أميركا وبريطانيا (وأخيرا في ألمانيا البروتستانتية)، والتحفظ في أوروبا الجنوبية على السياسات الإسرائيلية (خصوصا من طرف فرنسا أكبر الأمم الكاثوليكية الغربية) والريبة في أوروبا الشرقية، وخصوصا روسيا، لكن ما يهمنا هنا هو التماهي الأميركي مع الدولة اليهودية، ومحاولة فهمه.
الصهيونية المسيحية أم الصهيونية اليهودية ؟
إن الذين يقرؤون التحيز الأميركي لإسرائيل بعيون سياسية وإستراتيجية، يغفلون حقيقة تاريخة على قدر كبير من الأهمية، وهي أن الصهيونية المسيحية سبقت الصهيونية اليهودية في الزمان.
ففي عام 1844 وفد إلى القدس أول قنصل أميركي، (واردر كريستون)، وكان من الأهداف التي رسمها القنصل لنفسه أن "يقوم بعمل الرب، ويساعد على إنشاء وطن قومي لليهود في أرض الميعاد" (رضا هلال: المسيح اليهودي ص 95). وبذل (كريستون) جهدا مضنيا في الاتصال بالقادة الأميركيين وحثهم على العمل من أجل "جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود حتى يلتئم شمل الأمة اليهودية، وتمارس شعائرها وتزدهر" (رضا هلال ص 95) كما ألح على القادة العثمانيين للتعاون في هذا السبيل دون جدوى.
وعلى خطى كريستون جاء الرحالة الإنجيلي الأميركي (ويليام بلاكستون)، الذي نشر كتابا بعنوان "المسيح قادم" عام 1878 بيعت منه ملايين النسخ، وأثر تأثيرا عميقا على البروتستانتية الأميركية. والفكرة الرئيسية للكتاب أن "عودة المسيح" التي ظل المسيحيون ينتظرونها على مر القرون لن تتم إلا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. وفي العام 1891 تقدم بلاكستون بعريضة إلى الرئيس الأميركي يومها (بنيامين هاريسون) مطالبا بتدخل أميركا لإعادة اليهود إلى فلسطين. وجمع على العريضة توقيعات 413 من كبار رجال الدين المسيحي في أميركا، إضافة إلى كبير قضاة المحكمة العليا، ورئيس مجلس النواب، وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ، ورؤساء تحرير عدد من الصحف الكبرى (رضا هلال ص 97).
ففكرة إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" آمن بها المسيحيون البروتستانت قبل إيمان اليهود بها، وسعوا إلى تنفيذها قبل أن يسعى اليهود إلى ذلك، بل قبل أن يؤمن اليهود بإمكانية تحقيقها. ويمكن الجزم بأنه لولا الدعم الاعتقادي لهذه الفكرة من طرف البروتستانت الأميركيين والبريطانيين لما اهتم بها اليهود اهتماما عمليا.
إن (تيودور هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية حينما طرح فكرة "الدولة اليهودية" لم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني في الصميم، ولذلك كان مستعدا لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو الأرجنتين. أما المسيحيون الصهاينة في أميركا وغيرها فقد آمنوا من أول يوم بفلسطين وطنا لليهود، واعتبروا ذلك شرطا في "عودة المسيح" ، وأخرجوا "المسألة اليهودية" من الإطار السياسي إلى الإطار الاعتقادي. ولذلك فقد "انتقدوا الموقف المتساهل لهرتزل، والمؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، حتى إن بلاكستون أرسل إلى هرتزل نسخة من العهد القديم، وقد علَّم على صفحاتها، مشيرا إلى الفقرات التي عين فيها النبيون فلسطين تحديدا بأنها "الوطن المختار للشعب المختار" (رضا هلال ص 99).



أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عيون الصهيونية المسيحية:-
     وحينما بدأت فكرة الوطن اليهودي تتبلور سياسيا، وصدر وعد بلفور لصالحها، تلقف أغلب السياسيين الأميركيين الفكرة، وتعاملوا معها بمنطق الاعتقاد الديني الراسخ, ومن أمثلة ذلك خطاب ألقاه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي (هنري كابوت لودج) في مدينة (بوسطن) عام 1922، حيث قال في الخطاب "إنني لم أحتمل أبدا فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين.. إن بقاء القدس وفلسطين المقدسة بالنسبة لليهود، والأرض المقدسة بالنسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب، في أيدي الأتراك، كان يبدو لي لسنوات طويلة وكأنه لطخة في جبين الحضارة من الواجب إزالتها" (رضا هلال ص 102).
تهود المسيحية الأميركية:-
    وزاد من تهود المسيحية الأميركية التحولات العميقة في الثقافة الدينية الأميركية منذ السبعينيات حتى اليوم، فقد خرجت الكنائس من الزوايا وهوامش المجتمع، إلى صدارة الحدث السياسي والاجتماعي، بفضل ثورة الإعلام والاتصال، وخصوصا عبر ما يدعى (الكنائس التلفزيونية)، وتوسعت الطوائف الأصولية كالمعمدانية Babtist والمنهجيةMethodist وغيرها على حساب المسيحية التقليدية. وأصبح تيار "المسيحيين المولودين من جديد" Born Again Christians في اتساع مطرد، وهو أكثر التيارات المسيحية تماهيا مع اليهودية، وبالتالي مع عصمة الدولة اليهودية وقدسيتها.
   جيمي كارتر والمسيحية الصهيونية :-
ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة وصل إلى البيت الأبيض عام 1974 رئيس يعتز بانتمائه إلى هذا التيار، وهو الرئيس (جيمي كارتر)، الذي عبر عن حقيقة الرباط العقدي بين اليهود والمسيحية الأميركية في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1979 قال فيه: "إن علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة.. لقد كانت ولاتزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها، لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأميركي" (رضا هلال ص 166-167)، ومن بعد كارتر زادت قوة هذا التيار رسوخا برئاسة (بوش) الأول، ثم بوش الثاني.
وقد توصل أحد الباحثين الأميركيين مؤخرا -بعد دراسته لكل أحاديث الرئيس السابق بوش وخطاباته- إلى أن بوش "أصولي مسيحي، يؤمن بأن الضفة الغربية وقطاع غزة منحة ربانية لليهود لا يجوز التنازل عنها". وهو نفس الاعتقاد الذي عبر عنه (التحالف المسيحي) بقيادة (بات روبرتسون) مؤخرا في مسيرة له بواشنطن العاصمة، طالب فيها القادة الإسرائيليين بعدم التنازل عن الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن ذلك "مناقض لإرادة الرب".
خدمات بوش للصهيونية :-
ومما يدل على أصولية الرئيس بوش أنه أول رئيس أميركي يمول التعليم الديني من ميزانية الدولة الأميركية التي يفترض فيها أنها دولة علمانية تقف من الدين موقف الحياد. وحينما سأل الصحفي الشهير (جيم لهرر) جورج بوش أثناء مناظرة تلفزيونية مع (آل غور) عن برنامجه اليومي، رد بوش بأنه يبدأ يومه بقراءة في الكتاب المقدس، وإطعام كلبه، وإعداد القهوة لزوجته. كما صرح مرارا بأن المسيح هو مثاله السياسي. وهذه مظاهر جديدة على السياسة الداخلية الأميركية، كما لاحظ البروفسور (جون أسبوزيتو) مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة (جورج تاون)، في كتابه الجديد "الحرب غير المقدسة".
وقد شاهدنا الرئيس بوش أكثر من مرة  وهو يصرح بأن "اليهود هم شعب الله المختار الوحيد على وجه الأرض".
    ورغم وجود يهود في الحزب الديمقراطي، نظرا لانقسام اليهود إلى ليبراليين ومتدينين -وأحيانا تفاديا لوضع البيْض في سلة واحدة- فإن الجماعات اليهودية بدأت في الأعوام الأخيرة تميل إلى الحزب الجمهوري، لأن ولاءه للمسألة اليهودية نابع من اعتقاد ديني ثابت، مجرد من الاعتبارات السياسية والإستراتيجية في الغالب، بخلاف الحزب الديمقراطي ذي الميول الليبرالية، الذي يتعامل مع إسرائيل باعتبارها "دولة دنيوية" إلى حد ما.
المسيحيون الأميركيون وبذل المستحيل من أجل الصهاينة :-
    في عام 1983 وصلت إلى القدس الكاتبة الأميركية (غريس هالسل) ضمن مئات من المسيحيين الأميركين جاؤوا في رحلة إلى الأراضي المقدسة على نفقة القس (جيري فالويل)، ولاحظت الكاتبة الأميركية أن فالويل لم يشر في منشوراته التي وزعها على المسافرين على الإطلاق إلى "أن هؤلاء الحجاج المسيحيين قادمون إلى الأرض التي ولد بها السيد المسيح، ونشر دعوته.. بل كان كل تركيزه على إسرائيل" كما لاحظت أن "المسيحيين [الفلسطينيين] كانوا حولنا في كل مكان، لكن فالويل لم يرتب لنا لقاء مع أي من هؤلاء المسيحيين"(غريس هالسل ص 59).
     ولو أن هالسل عاشت لترى حصار الجنود الإسرائيليين لكنيسة المهد أمام سمع وبصر العالم المسيحي، لأدركت أن المسيحية الجديدة لم تعد تمت بصلة للمسيحية التي آمنت بها.
    وتعجبت هالسل كيف أصبح اليهود في نظر العديد من المسيحيين الأميركيين أقرب وأهم من المسيحيين الآخرين، بمن فيهم المسيحيون الفلسطينيون، كما استغربت كيف أن بعض المسيحيين الأميركيين مستعدون لتجاوز الخطوط الحمراء في خدمة الأهداف اليهودية، أكثر من اليهود أنفسهم، كما دلت عليه حادثة اعتقال الشرطة الإسرائيلية مجموعة من الأميركيين كانوا يخططون لنسف المسجد الأقصى عام 1999(هالسل ص 89).
    ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن الأصوليين المسيحيين أكثر جرأة في الطعن في الإسلام، وجرح مشاعر المسلمين، من حلفائهم اليهود. كما تدل عليه تصريحات (فرانك غراهام) و(بات روبرتسون) و(جيري فالويل) حول الإسلام .
  ولاحظت الكاتبة الأميركية أن الأصوليين المسيحيين في أميركا "مستعدون لتقبل نقد موجه لفرنسا أو إنجلترا، أو ألمانيا، أو إيطاليا، أو الولايات المتحدة، أو أي بلد آخر في العالم، لأن ذلك شأن سياسي، أما نقد إسرائيل فهو يساوي عندهم نقد الرب ذاته" حسب تعبيرها (هالسل ص 80).
خطورة تهود المسيحية البروتستانتية:-
     إن فهم المسار التاريخي الذي أدى إلى تهود المسيحية البروتستانتية هو المدخل الصحيح -في اعتقادي- لفهم السياسة الأميركية في فلسطين، وفي العالم الإسلامي بشكل عام، فالوقوف عند المظاهر السياسية والانتخابية لهذه السياسة لم يعد مجديا اليوم، وتفسيره بمجرد "شطارة" الأقلية اليهودية في أميركا تفسير سطحي لظاهرة تاريخية عميقة ضاربة الجذور "متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأميركي" حسب تعبير الرئيس (كارتر).
     لقد آن الأوان لفهم الحقيقة المرة: إن إسرائيل التي نعتبرها آخر جيوب الإحتلال والعنصرية، هي في أذهان أغلب الأميركيين مشروع إلهي لا يقبل الإدانة والنقد، فضلا عن المقاومة والنقض، فهل ندرك مدلول ذلك في الوقت الذي يترسخ فيه أثر الدين في السياسة الأميركية يوما بعد يوما؟
المسوغات الدينية للسياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط
   خلال الحملة الانتخابية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة قال جورج بوش الابن إن السيد المسيح هو أفضل فيلسوف سياسي لديه لكونه أنقذه من طريق الضلال ودله على الصراط المستقيم. ونحن نقسم أنه كذاب وسيرى جزاء ما قدم يوم " تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا
    هذا المقال يحاول إبراز مدى التسويغ الديني لغزو أفغانستان والعراق من خلال التركيز على التصريحات الصادرة عن الرئيس بوش نفسه و"الفتاوى" الصادرة عن الكنائس الأميركية التي رددتها وسائل الإعلام الدينية التابعة لليمين المسيحي عموما وللصهيونية المسيحية خصوصا واستخدامها لنصوص من الإنجيل وأسفار التوراة (العهد القديم) لتبرير الحرب.
بوش يكذب ويخدع فيقول : أشعر أن الله يريدني
    يرى بعض المراقبين أن الرئيس بوش ومساعديه يتعمدون استخدام العبارات ذات المعنى المزدوج التي تظهر على أنها عادية بالنسبة للمستمع العادي، لكنها تحمل في طياتها إشارات مشفرة لا يستطيع فكها سوى الشخص الذي يفهم معناها الحقيقي ويدرك المرجعية الدينية التي تستند إليها.
   بعبارة أخرى، عندما يقول الرئيس بوش مثلا إن "منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية ومفصلية يتوجب على شعوبها الاختيار بين الديمقراطية والحرية وبين الاستبداد والتطرف" يتلقى الشخص العادي هذه العبارة بمعناها السطحي والمظهري على أنها تنم عن حسن نية والتزام الرئيس بوش بالمبادئ الأميركية الراسخة المتمثلة في الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.
    لكن بالنسبة للشخص المتدين، وأعني هنا بالتحديد الملايين من أتباع الكنائس الإنجيلية الذين يشكلون القاعدة الانتخابية للرئيس بوش ولليمين المحافظ، تبرز التزام الرئيس بوش بتطبيق حكم الله في الأرض وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي هو شرط أساسي لعودة المسيح وتحضير المنطقة لخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض.
     ومنذ الوهلة الأولى لدى وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أضفى بوش على ما يجري صفة النزاع الكوني والأبدي، الذي ينص عليه الإنجيل والتوراة، بين المؤمنين والدجالين أتباع الشيطان. وقال عقب ساعات قليلة من وقوع الهجمات إن تلك الهجمات تمثل "انطلاقة الحرب الكونية ضد الشر"، وأضاف أن الولايات المتحدة مدعوة لكي تتحمل "مهمتها التاريخية" وأن "الرد على هذه الهجمات هو تخليص العالم من الشر". وشدد على أن النصر مؤكد في هذه الحرب لأن الله يقف إلى جانب قوى الخير التي تمثلها الولايات المتحدة. وردد حينها خلال خطاب بثته وسائل الإعلام المزمور التوراتي رقم 23 الذي يقول "تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرية وعن كل ما هو خير وعادل في عالمنا".
وخلال جميع التصريحات التي سبقت الحرب في أفغانستان واستمرت حتى بعدها وصولا إلى الحرب في العراق، واصل الرئيس بوش استخدام التعبيرات الدينية والاستشهاد بفقرات من الإنجيل في محاولة لتوضيح نظرته الخاصة لما يجري في العالم.
الكنائس تحشد للحرب استشهادا بالإنجيل
أظهر استطلاع للرأي العام الأميركي أجراه معهد بيو لاستطلاعات الرأي في مارس/ آذار 2003، قبل أيام قليلة من الحرب في العراق أن نسبة 77% من الإنجيليين البيض يؤيدون استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية للإطاحة بنظام حكم صدام حسين.
ويجب الإشارة هنا إلى أن مجموع الإنجيليين بلغ أكثر من 60 مليون شخص خلال عام 2000 وهو في تصاعد مستمر، وهو ما يظهر مدى تأثير الكنائس الإنجيلية والقساوسة في بلورة رأي هذه الشريحة الاجتماعية التي تشكل قاعدة انتخابية رئيسة للرئيس بوش والمحافظين الجدد، وذلك من خلال الترويج للفكرة التي تعتبر أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش "القائد المتدين والتقي الورع" تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.


لاهاي تعلن : العراق نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم
     يعتبر تيم لاهاي أحد أبرز الإنجيليين المقربين من الرئيس بوش وقال عنه معهد دراسة الإنجيليين الأميركيين أن لاهاي يعتبر الزعيم الإنجيلي الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ25 الأخيرة من القرن العشرين.
     ظهر لاهاي مرات عدة على شاشات التلفزيون والبرامج الحوارية الإذاعية للتصريح بأن الحرب سواء في أفغانستان أو العراق ضرورية بالنسبة للمؤمنين. وذهب إلى حد القول خلال العديد من المناسبات إن "العراق يشكل نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم" حيث إن العراق سيلعب دورا أساسيا في معركة هرمجدون التي ستقع في مجدو في فلسطين.
   وقال في سلسلة مقالات وتصريحات صحفية بوصفه أكبر خبير ديني في شؤون الحشر ويوم القيامة إنه "بعد غزو العراق وتخليصه من حكم الطاغية وإعتاق شعبه وإعادة إعماره سيصبح العراق الدولة العربية الوحيدة التي لن تدخل في حرب ضد إسرائيل وضد جيش الله خلال الحرب الأخيرة".
روبرستون: صدام وإخراج اليهود من أراضيهم
    بناء على رؤية أن العراق يمثل جزءا محوريا من الصراع الهادف إلى تحضير منطقة الشرق الأوسط للحرب الأخيرة، حاول بعض القساوسة الإنجيليين ومن أبرزهم بات روبرتسون وهو مؤسس ورئيس شبكة التلفزيون المسيحية CBN ومؤسس بعض المراكز والجامعات الخاصة بتدريس المسيحية، الربط بين صدام حسين و"نبوخذ نصر"، وهو الملك الكلداني الذي حكم بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد وقام بغزو القدس وأحرق هيكل سليمان وأخرج اليهود من أرضهم وقام بتهجيرهم خلال ما يعرف بالسبي البابلي. وقد نصت عليه التوراة (وثيقة العهد القديم) في رؤية دانييل (إصحاح4:4-18).
    وحاول روبرتسون مرات عدة خلال برنامجه الشهير "نادي السبعمائة" تهويل الخطر الذي يشكله صدام حسين على إسرائيل وقال إنه يمثل قوى الشر المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدولة الموعودة "دولة الله في الأرض" التي ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسيح وذلك بطبيعة الحال وفقا لمعتقدات المسيحين الذين يؤمنون بالألفية.
     وقبيل الحرب في العراق خصص روبرتسون حيزا واسعا من برنامجه نادي السبعمائة وخطبه لتوضيح أهمية موقع العراق والشرق الأوسط عبر التاريخ وعبر توافد العديد من الإمبراطوريات عليها وكان يُظهر خرائط للعراق مشددا على الإشارة إليه باسمه القديم ومثلما ورد في الإنجيل وهو بلاد الرافدين.
فالويل: إن الله مؤيد للحرب
يعتبر جيري فالويل من أبرز الإنجيليين اليوم في الولايات المتحدة ومن مجموعة القساوسة القلائل المقربين من الرئيس بوش. هو رئيس قساوسة كنيسة طريق توماس المعمدانية في لينش بورغ بولاية فيرجينيا، وهو مؤسس بعثات فالويل المسيحية ومستشار ومؤسس جامعة الحرية الدينية بفيرجينيا أيضا، ولديه برنامج تلفزيوني وآخر إذاعي. وقال مرة تلو الأخرى عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول إنه يتعين على الرئيس بوش والقوات الأميركية تعقب أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وجميع من وصفهم بالإرهابيين في جميع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله.
وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة الرئيس بوش تدق طبول الحرب التي ستشنها على العراق كان فالويل يشدد خلال عظات يوم الأحد على ضرورة تأييد قرار الحرب لأنها حرب مقدسة، وقال "إننا عندما نشن الحرب في العراق سنقوم بذلك لإعادة المسيح إلى الأرض لكي تقوم الحرب الأخيرة التي ستخلص العالم من جميع الكافرين".
كان يقول فالويل دائما إن الإنجيل ينص على أن الله يوجب على المؤمنين معاقبة الكافرين مستشهدا بسور من الإنجيل. وقد أصدر مقالا مثيرا للجدل أطلق عليه عنون "إن الله مؤيد للحرب" يبرر فيه سبب وضرورة غزو العراق والإطاحة بنظام حكم صدام حسين، وقال إن المسيحيين كانوا يجادلون بشأن قضية شن الحرب ضد قوى الشر منذ عقود طويلة وأضاف أن "الإنجيل لم يلتزم الصمت بشأن هذه القضية"، وأضاف أنه في الوقت الذي نص فيه الإنجيل مرات عدة على ضرورة أن يجنح المرء للسلم نص أيضا على الحرب. وقال "إنه في الوقت الذي يعتبر فيه رافضو الحرب أن السيد المسيح مثال للسلام غير المتناهي، يتجاهلون الرواية بكاملها التي وردت في الرؤية التاسعة عشرة ويظهر فيها المسيح في يده سيف حاد يصعق الأمم ويحكمهم". وأضاف أن الانجيل ينص على أن هناك وقتا للسلم ووقتا للحرب.

لاند: الحرب ‏الاستباقية ضد العراق هي حرب عادلة
القس ريتشارد لاند هو رئيس لجنة الأخلاق والحرية الدينية في مجمع الكنسية المعمدانية الجنوبية التي يبلغ عدد أتباعها أكثر من 16 مليون شخص ولديها أكثر من 42 ألف كنيسة عبر الولايات المتحدة. ويعتبر أيضا من أبرز الزعماء الإنجيليين المقربين من الرئيس بوش والمدافعين الشرسين عن سياساته خلال ظهوره بشكل مستمر على البرامج التلفزيونية على شاشات MSNBC وCNN وABC وCBS وFox News وغيرها ولديه برنامجان إذاعيان يوميان وثالث أسبوعي تذاع جميعها على موجات عدد من الإذاعات المسيحية.
وبالإضافة إلى تسخير جميع تلك البرامج لحشد التأييد لسياسات الرئيس بوش المحافظة، ما يتعلق منها بقضية الإجهاض وزواج المثليين والأبحاث العلمية الخاصة بالخلايا الجذعية، كانت برامج لاند الحوارية بوقا للتسويق لقرار الرئيس بوش شن الحرب في أفغانستان والعراق وحشد التأييد الشعبي لها ومنحها التبريرات الدينية.
خلال العام 2002 وجه لاند رسالة نيابة عن خمسة قساوسة إنجيليين تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية بشكل واسع يعتبر فيها أن شن الحرب الاستباقية ضد العراق حرب مشروعة لأنها تتوفر على جميع شروط "الحرب العادلة" المنصوص عليها في الدين المسيحي. وقال في الرسالة "إننا نؤمن بأن سياساتك المعلنة والمتعلقة بصدام حسين هي سياسات حذرة وتندرج في الإطار الزمني النزيهة الذي تنص عليه نظرية الحرب العادلة".
ستانلي: دعم الحرب واجب ديني
قال تشارلز ستانلي القس بالكنسية المعمودية الأولى بأتلانتا خلال إحدى عظات الأحد التي يشاهدها ملايين المشاهدين عبر شاشات التلفزة "يتعين علينا أن نقدم المساعدة في شن هذه الحرب بأي شكل من الأشكال".
وأضاف ستانلي وهو زعيم سابق لمجمع الكنسية المعمدانية الجنوبية "إن الله يقاتل ضد الذين يعارضونه ويقاتلون ضده وضد أتباعه". ليكون بذلك القس ستانلي قد أضفى الشرعية الدينية الكاملة على الحرب ومباركة الله لها، وبالتالي فإن تأييد الحرب التي يقودها بوش هو واجب ديني ومعارضتها هي معصية لمشيئة الله.
جيش الله
مثلما ذكرت أصبحت الفكرة الرئيسة والمحورية التي يرددها القساوسة الإنجيليون خلال عظاة يوم الأحد هي أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.
وهذه المسألة لم تقتصر على رجال الدين الإنجيليين وحسب بل رددها العديد من السياسيين سواء بشكل مباشر وواضح أم بشكلي ضمني. ففي أكثر من مرة قال النائب توم ديلي عندما كان يتولى منصب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إنه يتعين دعم الحرب ضد العراق لأنها "البشير الذي يسبق عودة المسيح إلى الأرض ويفسح المجال لحدوثها".
فالجنرال بويكن قائد العمليات السرية في الجيش الأميركي ذكر في العديد من التصريحات أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد ما تصفه بالإرهاب هي صراع بين القيم المسيحية اليهودية والشيطان.
وكان الجنرال يويكن يتولى مهمة القضاء على أسامة بن ولادن وصدام حسين وعُين فيما بعد نائبا لوزير الدفاع لشؤون الاستخبارات قال في يونيو/ حزيران 2003 في كلمة بإحدى الكنائس بأوريغان إن "المتطرفين الإسلاميين يكرهوننا لأننا أمة مسيحية، ولأن أساسنا وجذورنا تنبعث من القيم اليهودية المسيحية". وتابع يقول إن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الإرهاب "هي حرب ضد عدو اسمه الشيطان".
وقال إن الرئيس بوش "تولى منصب الرئاسة في البيت الأبيض لأن الله اختاره لتولي ذلك المنصب". وقال في كلمة بإحدى الكنائس عام 2002 وهو يرتدي الزي العسكري الأميركي "إننا جيش الله، في بيت الله، وقد أقيمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التي نعيشها".   
وفي ختام هذا المقال تجدر الإشارة إلى أن العديد من رجال الدين المسيحيين رفضوا الحرب في العراق وشددوا على أنها حرب غير شرعية كما رفضوا إضفاء طابع الدين أو الشرعية الإنجيلية عليها بمن فيهم البابا يوحنا بولس الثاني وخلفه البابا بنديكت الـ16 وعشرات القساوسة الكاثوليك والبروتستانت والإنجيليين...


                                      الخاتمة
بعدما استعرضنا الفارق بين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم إلي يومنا هذا وبين أتباع الأنبياء السابقين رأينا أن الكفر جنس تحته أنواع ، ولكل نوع منه أمة قرينة به ما بين يهودي ونصارى ، ومجوسي وصابئين ، ومشركين ودهريين ، وكلهم أولياء بعضهم لبعض لاتفاقهم على الخروج عن طاعة الله تشابهت قلوبهم واختلفت عبارتهم وأساليبهم ، قالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقالت اليهود : إن الله فقير ، وقالت النصارى : إن الله ثالث ثلاثة ، وقالت اليهود : يد الله مغلولة ، وقالت النصارى : إن الله هو المسيح ابن مريم .
ولم يتوقف اليهود ولا النصارى يوما عن حروبهم الصليبية ولا عن التنصير أو الإحتلال والعجيب لو نظرت إلى حروبهم وجدتها جميعها ضدنا نحن المسلمين وحقا صدق فيهم قول الشاعر حين قال : 
                 "  وليس الذئب يأكل لحم ذئب . ................"
ولذا نجد سهامهم وصواريخهم تجاهنا ليل نهار  ولذا علينا أن نحذرهم وألا نأمنهم . ويرى بعض المراقبين أن رؤساء أمريكا والصهاينة يتعمدون استخدام العبارات ذات المعنى المزدوج التي تظهر على أنها عادية بالنسبة للمستمع العادي، لكنها تحمل في طياتها إشارات مشفرة لا يستطيع فكها سوى الشخص الذي يفهم معناها الحقيقي ويدرك المرجعية الدينية التي تستند إليها.
   بعبارة أخرى، عندما قال الرئيس بوش مثلا إن "منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية ومفصلية يتوجب على شعوبها الاختيار بين الديمقراطية والحرية وبين الاستبداد والتطرف" يتلقى الشخص العادي هذه العبارة بمعناها السطحي والمظهري على أنها تنم عن حسن نية والتزام الرئيس بوش بالمبادئ الأميركية الراسخة المتمثلة في الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.
    لكن بالنسبة للشخص المتدين، وأعني هنا بالتحديد الملايين من أتباع الكنائس الإنجيلية الذين يشكلون القاعدة الانتخابية للرئيس بوش ولليمين المحافظ، تبرز التزام الرئيس بوش بتطبيق حكم الله في الأرض وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي هو شرط أساسي لعودة المسيح وتحضير المنطقة لخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض.
     ودليل ذلك أنه ومنذ الوهلة الأولى لدى وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أضفى بوش على ما يجري صفة النزاع الكوني والأبدي، الذي ينص عليه الإنجيل والتوراة، بين المؤمنين والدجالين أتباع الشيطان. وقال عقب ساعات قليلة من وقوع الهجمات إن تلك الهجمات تمثل "انطلاقة الحرب الكونية ضد الشر"، وأضاف أن الولايات المتحدة مدعوة لكي تتحمل "مهمتها التاريخية" وأن "الرد على هذه الهجمات هو تخليص العالم من الشر". وشدد على أن النصر مؤكد في هذه الحرب لأن الله يقف إلى جانب قوى الخير التي تمثلها الولايات المتحدة. وردد حينها خلال خطاب بثته وسائل الإعلام المزمور التوراتي رقم 23 الذي يقول "تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرية وعن كل ما هو خير وعادل في عالمنا".















                              المراجع
1-    القرآن الكريم
2-    الجامع لاحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991
3-    مختصر الطبري للامام محمد بن جرير الطبري
4-    البخاري
5-    الموطأ للامام مالك
6-    المسند للامام أحمد
7-    الترمذي
8-    رياض الصالحين للامام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر
9-    نور القبس المختصر من المقتبس للحافظ اليغموري
10-    أسرار اللغة – د - ابراهيم أنيس – القاهرة 1966
11-    الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري
12-    الجامع لأحداث الراوي وآداب السامع – الخطيب البغدادي
13-    ديوان ألفية محمد – د. -  صلاح القوسي
14-    ديوان هاشم الرفاعي
15-    اظهار الحق – رحمت الله الهندي
16- سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبى
17- الفرقان  -ابن تيمية
18- فتح البارئ – محى الدين الخطيب
19- الإصابة فى معرفة الصحابة – ابن حجر
20- تذكرة الحفاظ – الذهبى
21- الجامع – معمر بن راشد
22- منهاج السنة – ابن تيمية
23- تهذيب الأسماء –الإمام النووى
24- المعجم الوسيط – إبراهيم أنيس وأخرون
25- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها. ط1. دار القلم. بيروت. دمشق، 1395هـ.
26- الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي. هنري كلود و اندريه برينان و ايف لاكوست. ترجمة : محمد عيتاني مكتبة المعارف. بيروت.
27- الاستعمار. أحقاد وأطماع. محمد الغزالي. ط2. الدار السعودية للنشر. جدة، 1389هـ.
28- الإسلام والتحدي التنصيري. عمر بابكور. معهد البحث العلمي. جامعة أم القرى، 1407هـ.
29-التبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي، ط1، الزهراء للإعلام العربي، 1411هـ.
30- التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مصطفى خالدي وعمر فروخ، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، 1983م.
31- حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر. أحمد عبد الوهاب. ط1. مكتبة وهبة، 1401هـ.
32- رسالة الطريق إلى ثقافتنا، محمود شاكر، دار المدني، جدة، مكتبة الخانجي، مصر، 1407هـ.
33- العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والإجتماعي والثقافي، أنور الجندي ط1، دار المعرفة، 1970م..
34- غارة تبشيرية جديدة على أندنوسيا، أبو هلال الأندنوسي، ط3، دار الشروق، جدة، 1399هـ.
35- الغارة على العالم الإسلامي. أ. ل. شاتليه. تاخيص وتعريب : محب الدين الخطيب ومساعد اليافي. ط4. الدار السعودية للنشر والتوزيع. جدة، 1405هـ.
36- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار، محمد البهي، ط4، مكتبة وهبة، القاهرة، 1384هـ.
37- المسيحية، أحمد شلبي، ط10، مكتبة النهضة المصرية، 1993م.
* المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وآخرون، ط2، دار الفكر.
38 - ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، إبراهيم عكاشة، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1407هـ.
39ـ المسلمون في الهند ـ أحمد بخش الهروي-   ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1995م.
40ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكستانية ـ  أحمد محمود الساداتي -مكتبة نهضة الشرق ـ القاهرة ـ 1970م.
41 ـ تاريخ الإسلام في الهند ـ عبد المنعم النمر -  المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت  (1401 هـ= 1981م).
42ـ الشعوب الإسلامية ـ عبد العزيز سليمان نوار
43- الاحتلال الصليبى والعالم الاسلامى- محمد المقدسى
44- الاحتلال الصليبى والعالم الاسلامى د. منقذ بن محمود السقار
45- كشف الأثار فى قصص أنبياء بنى إسرائيل  القسيس مزبك
46- صدق الإخبارات عن الحوادث المستقبلية                            
47-    هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية
48-    قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران
49-    سفر  التكوين
50-    سفر الخروج
51-    سفر التثنية
52-    سفر اللاوين
53-    سفر العدد
54-    سفر يشوع
55-    سفر القضاة
56-    سفر صموئيل
57-    سفر الملوك
58-    سفر أشعياء
59-    سفر عزرا
60-    سفر دانيال
61-    سفر عاموس
62-    سفر نشيد الانشاد
63-    سفر الجامعة
64-    سفر ايوب
65-    المزامير
66-    انجيل متي
67-    انجيل يوحنا
68-    انجيل لوقا
69-    رسائل بولس الى أهل غلاطيا
70-    رسائل بولس الى أهل رومية
71-  أحمد الرشيدي , المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية , معهد البحوث والدراسات العربية , القاهرة , 1993.
   72-  إبراهيم أبو حليوة, القدس في السياسة الأمريكية من 1947 – 2000 , مركز الدراسات الاستراتيجية للبحوث والتوثيق , بيروت, ط 1 ,2001.
73-  الأمم المتحدة , قضية فلسطين والأمم المتحدة , منشور إعلامي , نيويورك 2001.
74 - تقرير الندوة الدولية بشأن القدس بعنوان " القدس مدينة السلام " , القاهرة , 12 – 14/3/1995.
75-تيسير جبارة , تاريخ فلسطين , دار الشروق للنشر والتوزيع , عمان , ط 1 , 1998.
76-   خليل حسين , المفاوضات العربية الإسرائلية , بيان للنشر والتوزيع , بيروت , ط 1 , 1993.
77- زعيف سكيف , مجلة الشؤون الخارجية الإسرائيلية , العدد 70 , ربيع 1971 , ص 19 , عن مجلة الدراسات الفلسطينية , مؤسسة الدراسات الفلسطينية , بيروت , عدد 7 , صيف 1991.
78-   جيفري أرونسون , مستقبل المستعمرات الإسرائيلية في الضفة والقطاع , مؤسسة الدراسات الفلسطينية , بيروت , 1990.
79-  سعيد الحسن , حول اتفاق غزة – أريحا أولاً ""وثائق ودراسات "" , تقديم وإشراف خالد الحسن (أبو السعيد), ط الثاني , يناير 1995.
80-سليمان فتوح , اليهود والقدس – دراسة تاريخية للادعاءات الصهيونية وممارساتها في المدينة.
81-  صلاح العقاد , تطور النزاع العربي الإسرائيلي 1956- 1967 , معهد البحوث والدراسات العربية , القاهرة
82-  صلاح عبد المقصود , القدس ولعبة المفاوضات , مجلة القدس , مركز الإعلام العربي , العدد : 0 , 1998 , القاهرة.
83- طاهر شاش , مفاوضات التسوية النهائية والدولة الفلسطينية الآمال والتحديات , دار الشروق , القاهرة , ط 1 , 1999.
84-  عبد العزيز محمد الشناوي , الدولة العثمانية دولة إسلامية مفتري عليها , ج 2 , مكتبة الأنجلو المصرية , القاهرة , 1970.
85-  عبد العزيز المهنا , فلسطين وإسرائيل , مطابع دار الهلال , الرياض , ط 1 , 1994.
86-   عمران أبو صبيح , دليل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة , دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية  ,      ط 1 عمان , 1993.
87-   فوزي طايل , القدس بين المواثيق الدولية والأطماع الصهيونية , سلسلة قراءة في فكر علماء الاستراتيجية , إعداد : جمال عبد الهادي وعبد الراضي أمين , دار الوفاء , المنصورة , ط 1 , 2001.
88-   اللجنة الملكية لشؤون القدس , عمان – الأردن , 1994.
89-  محمد نصر الدين مهنا, مشكلة فلسطين والصراع الدولي 1945-1967 , معهد البحوث والدراسات العربية , سلسلة الدراسات الخاصة رقم : 14 , القاهرة 1978.
90-   منظمة المؤتمر الإسلامي , القرارات الخاصة بالقدس الشريف وفلسطين , الأمانة العامة , الجماهرية العظمي.
   91-أخبار عمر أ/على الطنطاوى
92-مناقب عمر بن الخطاب // ابن الجوزى
93-الفاروق عمر بن الخطاب أ/محمد رضا
94-شهيد المحراب أ/عمر التلمسانى
95-عبقريه عمر// العقــــــــــاد
96-أوليات الفاروق السياسيه د/غالب عبد الكافى القرشى
97-الفاروق عمر// طارق سويدان
98-ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – بدون تاريخ.
99-عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى – تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو – مطبعة عيسى البابي الحلبي – القاهرة – (1383هـ=1964م) وما بعدها.
100-محمود رزق سليم سليم: عصر سلاطين المماليك – مكتبة الآداب – القاهرة – (1384 هـ = 1965م)
101-محمد الزحيلي: العز بن عبد السلام – دار القلم – دمشق – 1998م.
102- التضليل الصهيوني البشع ( ص14) ادوين رايت- ترجمة ابراهيم الراهب منشورات الصمود العربي 1985
103-   زحف الطاعون المزمن – سليمان ناجي –1980- سوريا
104-   التضليل الصهيوني البشع – ادوين .م. رايت
105-   الكنز المرصود في عالم التلمود – الشيخ مصطفى الزرقا – الكويت 1954
106-   التحقيقات في فطير صهيون – العماد مصطفى طلاس 1986 دمشق –سوريا
107-تاريخ الشرق القديم –ج1- الدكتور هشام الصفدي 1976- سوريا
108-   خطر الصهيونية العالمية على الاسلام و المسيحية – عبد الله التل – الاردن 1964
109-   التضليل الصهيوني البشع –ادوين.م. رايت – ترجمة ابراهيم الراهب –
110- الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد البهي – ط8 – مكتبة وهبة بالقاهرة – 1395هـ/1975م.
111- التبشير والاستعمار، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهاوي – المطابع الأميرية بالقاهرة – 1397هـ/ 1977م.
112- التبشير والاستعمار، د. مصطفى الخالدي ود. عمر فروخ – ط5 – 1973م.
113- الغارة على العالم الإسلامي، أ.ل. شاتليه، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي – ط3 – المطبعة السلفية – 1385هـ.
114- معاول الهدم والتدمير في النصرانية والتبشير، إبراهيم سليمان الجبهان – ط4- عالم الكتب – الرياض – 1981م.
115- أضواء على الاستشراق، د. محمد عبد الفتاح عليان – ط1 – دار البحوث العلمية 1400هـ/ 1980م.
116- قادة الغرب يقولون، جلال العالم –ط2 – 1395هـ/ 1975م.
117- التبشير بالنصرانية خطر مغلف، ندوة عقدتها جريدة الرياض السعودية ونشرت بتاريخ 13 ربيع الأول سنة 1403هـ الموافق 28 ديسمبر 1982م العدد 5312.
118- التنصير في الخليج ، معالي عبد الحميد حمودة.
119- التنصير: خطة تنصير العالم الإسلامي، وهي ترجمة لبحوث مؤتمر كلورادو عام 1978م صدر بالإنجليزية بعنوان : The Gospel And Islam.
120- دائرة المعارف الإسلامية ، The Encyclopaedia of Islam.
121- دائرة معارف الدين والأخلاق، Encyclopaedia of religion and Ethics 11 – Focus on Christian – Muslim relations.
122- Jeffry Heath. Jewish and Muslim dialects of Moroccan Arabic, Routeledge Cruzon, London, 2002, p11
123- Ben G. Frank. A travel guide to Jewish Europe,3rd. ed. 2001, P. 424
Jewish  Ritual  muder-Arnold  Leese-London 1938-124  






                                            الفهرس

مسلسل    الموضوع    الصفحة
1    الإهداء    2
2    المقدمة    3
4    بين يدي الكتاب     4
5    الباب الأول // الإسلام     9
6    الإسلام بين القرآن والكتب السابقة    11
7    الحوار وقبول الأخر    18
8    تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخرين            21
9    تحالف النصارى مع الشيعة والمغول    22
10    القرآن الكريم  / فضله / مكانته ..........    27
11    السنة النبوية     34
12    مكانة النبي صلى الله عليه وسلم    35
13    وشهادات العظماء له صلى الله عليه وسلم    38
14     الباب الثاني // الخلفاء الراشدون  أبو بكر الصديق    41
15    عمر بن الخطاب رضى الله عنه    51
16    عثمان بن عفان رضى الله عنه    64
17    على بن ابى طالب رضى الله عنه    70
18    الباب الثالث // أعلام الأمة      80
19    الإمام أبو حنيفة النعمان    80
20    الإمام مالك    90
21    الإمام الشافعي    96
22    الإمام أحمد بن حنبل    103
23    سلطان العلماء // العز بن عبد السلام    114
24    جمال الدين الأفغاني    121
25    الشيخ الشعراوي    138
26    الباب الرابع // أحكام الجهاد    149
27    الاستئذان للجهاد    157
28    كيف يرى الإسلام المسيحية    162
29    مذابح النصارى للمسلمين    170
30    ما هي نظرة اليهود للمسلمين    171
31    صفات اليهود وأخلاقهم    173
32    شهادة نبي الله موسى عليه السلام عليهم    176
33    حاخامات اليهود وما فعلوه بالشعوب    180
34    أعياد اليهود والقرابين البشرية    182
35    الباب الخامس // النصرانية    196
36    معتقدات الكنيسة الأرثوذكسية    197
37    البروتستانت    199
38    البابوات والإعتداءات    201
39    البابا يوحنا بولس الثاني و افلاس بنك اميروزيانو    209
40    قضية المسيحية    212
41    التنصير    215
42    التأسيس وأبرز الشخصيات التنصيرية    217
43    الأفكار والمعتقدات    219
45    أهم مؤتمرات التبشير    221
46    أشهر مراكز ومعاهد التبشير    222
47    وسائل التبشير    224
48    الجذور الفكرية والعقائدية    227
49    .. المسيحية والوثنيين    228
50    الصهيونية المسيحية// نشأة الحركة    230
51    أمريكا والصهيونية المسيحية    233
52    بداية تهويد المسيحية    235
53    المفاهيم الأساسية للمسيحية الصهيونية    236
54    النهج الأمريكي    237
55    رؤساء أمريكا وتبني فكرة الصهيونية    240
56    الأنشطة التى قامت بها الصهيونية المسيحية    241
57    منظمة المائدة المستديرة الدينية    244
58    مؤسسة جبل المعبد    244
59    الفكر الصهيوني اليهودى    246
60    العرب والنظرة السطحية    247
61    اليهود والأعاجيب فى أمريكا    248
62    لوثر وخداعه لبنى دينه    249
63    أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عيون الصهيونية المسيحية    252
64    خدمات بوش للصهيونية    253
65    خطورة تهود المسيحية البروتستانتية    254
66     بوش يكذب ويخدع ويقول ......    255
67    لاهاى تعلن العراق نقطة محورية .......    257
68    يزعمون : إن الله مؤيد للحرب    258
69    يزعمون : دعم الحرب واجب ديني    259
70     الخاتمة                                           261
71    المراجع      263
72    الفهرس      269



لو آمن أهل الكتاب

تحميل

عن الكتاب

المؤلف :

أحمد إسماعيل زيد

الناشر :

www.islamland.com

التصنيف :

مقارنة الأديان