عن الفتوى

التاريخ :

Sat, Oct 25 2014
:السؤال

دعاء اللهم صب عليه الرزق صباً

السؤال: هل هذا الدعاء صحيح ، بحثت عنه فلم أجده ، الدعاء هو : ( اللهم صب عليه الرزق صبا صبا ، ولا تجعل عيشه كداً ولا نكداً ) دعوة قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه ، فما رؤي أكثر منه مالاً ، ولا أرغد عيشاً ؟
الإجابة:
الإجابة:
الجواب : الحمد لله أولاً : نص الحديث الدعاء الوارد في السنة خاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الصحابيات ، وليس أحد الصحابة ، وقال فيه : " اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا ، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا " ولم يقل : اللهم صب عليه الرزق صباً . وهو جزء من حديث طويل في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم جليبيباً إحدى فتيات المسلمين ، ونصه : عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه : ( أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ ، يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ . قَالَ : وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ . فَقَالَ : نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَنُعْمَ عَيْنِي . قَالَ: إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي . قَالَ : فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : لِجُلَيْبِيبٍ : قَالَ : فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا . فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ : رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ . فَقَالَتْ : نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي . فَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ . فَقَالَتْ : أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟ لَا . لَعَمْرُ اللهِ لَا نُزَوَّجُهُ . فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ : مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا فَقَالَتْ : أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ ؟ ادْفَعُونِي ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي . فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : شَأْنَكَ بِهَا . فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ ، قَالَ : فَلَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا : نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا . قَالَ : انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا . قَالَ : فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى . قَالَ : فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ . فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ : قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ . قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا . وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا قَالَ : هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا ، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا . قَالَ : فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مَا حَدَّثَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ ! ثانيا : معاني المفردات ( أن جليبيباً كان امرأ يدخل على النساء ، يمر بهن ويلاعبهن ) ، المقصود بالملاعبة هنا المحادثة ، وهو لفظ الراوي عفان بن مسلم ، أما الرواة الآخرون للسياق المطول فقالوا : ( كان يدخل على النساء ، ويتحدث إليهن )، ولعل ذلك وقع قبل نزول آية الحجاب . ( أيِّم ) : توفي عنها زوجها . ( نُعْم عين ) : أي : نكرمك بها كرامة ، ونسر عينك بها مسرة . ( إنيه ) : قال ابن الأثير : " قد اختلف في ضبط هذه اللفظة اختلافاً كثيراً، فرويت بكسر الهمزة والنون وسكون الياء وبعدها هاء ، ومعناها أنها لفظة تستعملها العرب في الإنكار ، يقول القائل : جاء زيد ، فتقول أنت : أزيدنيه ، وأزيد إنيه ، كأنك استبعدت مجيئه " انتهى. " النهاية " (1/78-79) ( هذا مني وأنا منه ) معناه : " المبالغة في اتحاد طريقتهما ، واتفاقهما في طاعة الله تعالى " كما قال النووي في " شرح مسلم " (16/26) ثالثاً : تخريج الحديث ورد هذا الحديث من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم العدوي ، عن أبي برزة الأسلمي به . ولكن اختلف الرواة عن حماد بن سلمة في رواية قصة الصحابي جليبيب رضي الله عنه على وجهين : الوجه الأول : رواية القصة باختصار ، ليس فيها قصة الخطبة والتزويج ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الفتاة ، وإنما فيها خبر استشهاده في المعركة وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : ( هو مني وأنا منه ) رواه هكذا مختصرا أربعة من الرواة : إسحاق بن عمر بن سليط ، كما في " صحيح مسلم " (رقم/2472). وسليمان بن داود أبو داود الطيالسي، كما في مسنده (2/238) وهشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، كما في " سنن النسائي الكبرى " (8/65) وأحمد بن إسحاق الحضرمي ، كما في " مسند الروياني " (رقم/1300) الوجه الثاني : رواية القصة كاملة بسياقها المذكور أعلاه مع النص على الدعاء " اللهم صب عليها الخير صباً ، ولا تجعل عيشها كداً كداً " رواه هكذا مطولاً : أ- عفان بن مسلم ، كما في " مسند الإمام أحمد " (33/28)، و" شعب الإيمان " للبيهقي (3/114)، ورواه البغوي في " شرح السنة " (14/196) من طريق عفان بالسياق المطول ولكن ليس فيه نص الدعاء. ب- وإبراهيم بن الحجاج السامي ، كما في " الآحاد والمثاني " لابن أبي عاصم (4/327)، ومن طريقه ابن حبان في " صحيحه " (9/342) ج- وأبو النعمان محمد بن الفضل عارم ، كما في " شعب الإيمان " للبيهقي (3/114) وللقصة طريق آخر عن معمر ، يرويها عبد الرزاق في " المصنف " (6/155) ، ومن طريق عبد الرزاق آخرون من المحدثين كالإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، والبزار ، وابن حبان ، ولكن قال عبد الرزاق في هذه الطريق : أخبرنا معمر ، عن ثابت البناني ، عن أنس . فجعله من حديث أنس بن مالك مباشرة ، وليس من حديث أبي برزة الأسلمي ، وسياق الحديث قريب من سياقه المطول المثبت في بداية الجواب ، ولكن ليس فيه نص الدعاء الوارد في السؤال . رابعا : حكم العلماء على الحديث أما السياق المختصر فهو في صحيح مسلم ، ولم يضعفه أحد من أهل العلم . وأما السياق المطول – وفيه الدعاء الوارد في السؤال – فقد صححه كثير من أهل العلم أيضاً: قال ابن عبد البر رحمه الله : " هذا حديث صحيح " انتهى من " الاستيعاب " (1/273) وقال البغوي رحمه الله : " هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم عن إسحاق بن عمر بن سليط ، عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد " انتهى من " شرح السنة " (14/198) وقال البيهقي رحمه الله : " أخرج مسلم آخر هذا الحديث ، عن إسحاق بن عمر بن سليط ، عن حماد ، والجميع صحيح على شرطه " انتهى من " شعب الإيمان " (3/114) وقال الهيثمي رحمه الله : " هو في الصحيح خالياً عن الخطبة والتزويج ، رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح " انتهى من " مجمع الزوائد " (9/368) وأما رواية معمر بن راشد عن ثابت عن أنس ، فقد حكم عليها أهل العلم بأنها خطأ ووهم من معمر . قال أبو زرعة : " عن أبي برزة أصح " انتهى باختصار من " العلل " (رقم/1012) وقال أبو نعيم رحمه الله : " رواه ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس ، وهو وهم " انتهى من " معرفة الصحابة " (2/636) وقال الدارقطني رحمه الله : " الصحيح عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم ، عن أبي برزة " انتهى من " العلل " (12/38) وقال ابن رجب رحمه الله : " ومما أنكر عليه – يعني على معمر بن راشد - أنه حدث عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث قصة جليبيب ، وأخطأ في إسناده ، إنما رواه ثابت عن كنانة بن نعيم عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت " انتهى من " شرح علل الترمذي " (2/804) تحقيق د. همام سعيد. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " رواه معمر عن ثابت ، عن أنس ، وتابعه ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس . ورواية حماد بن سلمة أصح " انتهى. " المطالب العالية " (5/75)، رواية ديلم بن غزوان في مسند أبي يعلى (6/89) بلفظ مختصر جداً فيه . والخلاصة أن أهل العلم يصححون الحديث والدعاء ، فمن دعا به اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ورجاء أن يكتب الله له الرزق الحلال الواسع : رجي له القبول إن شاء الله تعالى . والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب