الموجـز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم

هذا الكتاب عبارة عن دليل موجز ، إلى أبرز مراجع ترجم العلماء ، والأدباء ، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي ، على اختلاف مناهج هذه المراجع ، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد ، وكتب البلدان (الجغرافيا) ، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حركة التأليف العربي ، ومعرفة مساره عبر القرون والأزمان ، وكتب تعريفات العلوم ومصطلحاتها.

 

الموجـز
في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات
وتعريفات العلوم

 


الطبعة الأولى
1406هـ - 1985م
 
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. اللهم وصلى وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين ، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
وبعد :
    فهذا دليل موجز ، إلى أبرز مراجع ترجم العلماء ، والأدباء ، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي ، على اختلاف مناهج هذه المراجع ، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد ، وكتب البلدان (الجغرافيا) ، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حركة التأليف العربي ، ومعرفة ساره عبر القرون والأزمان ، وكتب تعريفات العلوم ومصطلحاتها .
    وقد وضعت هذا الدليل الموجز لطلبة الدراسات العليا( ) ،  الذين يؤودهم جمع مادتهم التاريخية ، والتهدى إلى توثق الكتب والمصنفات ، من مصادرها ومظانها .
    ولقد كنت أسأل بين الحين والحين عن شيء من ذلك ، فأجيب بما يفتح الله به علي ، ومع كثرة السؤال كنت أجد أسى ، وأحس ألماً لما تردى فه طلبة العلم ، من جهل بتاريخ أمتهم، وعلومها وآدابها ومعارفها ، وتبوءُ بإثمه مناهج الدراسة في جامعاتنا العربية ، التي لا تكاد تعنى بإبراز هذا الجانب وتجليته ، إلى أسباب أخرى من القهر والمسخ والتشويه ، وتفريغ العقول التي يتعرض لها أبناؤنا فيما يقرأون وفيما يسمعون .
    نعم ، لقد تعرض أبناء هذا الجيل لسيل طاغ وموجات متلاحقة ، من التشكيك في ثراتهم وأيامهم : فالشعر الجاهلي غموض وانتحال ، وتفسير القرآن مشحون بالإسرائيليات ، والحديث ملئ بالوضع والضعف ، والنحو تعقيد وتأويلات ، والصرف فروض ومتاهات ، والبلاغة تكلف وأصباغ ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس ، والتاريخ صنع للحكام والملوك ، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها( ) .
    ومن وراء ذلك كله ، فاللغة العربية عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة ؛ لقصورها عن التعبير عن العلوم التطبيقية والكونية ؛ لأنها لغة شعر وبيان .
    يسمع أبناؤنا هذا كله عالياً مدويا ، وتتجاوب أصداؤه المترنحة من أحلاس المقاهى ، إلى قاعات الدرس الجامعي ، ولا يستطيع الشباب لذلك دفعاً ولا رداً ؛ لغرارتهم وجهلهم وقلة حيلتهم ؛ ولأن كل هذه السموم إنما تساق في ثياب مزركشة ، من المنهجية والموضوعية ، والتفكير العلمي ، وحركة التاريخ ، والموقف الحضاري ، والشمولية . ولا يعرف أثر هذه الألفاظ الغامضة المبهمة إلا من ابتلى بشرها ، وصلى جمرتها ، ووجد مسها ، وكل ذلك عرفت ، إذا كنت في طراءة الصبا وأوائل الشباب ، تستهويني هذا الأضاليل ، وتتلعب كتلعب الأفعال بالأسماء ، على ما قال أبو تمام ، وأحسب أن كثيراً من أبناء جيلي قد وقعوا في هذا المهوى السحيق .
    وكان أكثر هذه الأصوات دويا ، وأشدها فتكا ، تلك التي انبعثت من داخل درس الأدب في جامعاتنا العربية . فمن خلال الثرثرة حول نظريات غربية في الأدب ، وتطويع الأدب العربي ، وإخضاعه لها ، وتطاير شرر كثيرة ، حاول أن يأتي على تراث عربي عريق للكلمة العربية؛ شعراً منظوماً حمل أنغاماً جليلة ، وكلاماً منثوراً أبان عن أدق أسرار النفس وخلجات الروح .
    ثم كان أن غرق طلبة العلم في قضايا فارغة ، بدءاً من الوحدة الموضوعية والمعاناة ، والتجربة الشعرية ، وتراسلا الحواس ، والمونولوج الداخلي ، والدفقة الشعورية ، والتعبير بالصورة ، والألفاظ الموحية ، والشعر المهموس( ) ، وأدب الفرض والعبث ، وانتهاءً بالحداثة والمعاصرة ، التي تشغل بالهم هذه الأيام .
    وكانت المحنة فيما أثير حول "الرمز" في الأدب ، الذي ألقى سدولاً كثيفة كئيبة على البين الذي هو أشرف ما وهبه الله للإنسان ، وخضع النص الأدبي تحليلاً ودرساً لتلك الرموز" اليونانية المتمرغة في أوحال الأساطير ، وهي رموز وثنية المنابت والأصول تجعل الحياة البشرية جحيماً مستعراً من الخطايا والذنوب والآثام ، وتحليل الهم الشريف ظلمة مطبقة على القلب والنفس ، والقلق السامي تدميراً لبنيان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، سبحانه وتعالى" على ما قال شيخنا محمود محمد شاكر( ) . والرمز عنده ضرب من الجبن اللغوي . يقول      حفظه الله :
    "فاللغة إذا اتسمت بسمة الجبن كثر فيها "الزمر" وقل فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح . ولا تقل إن "الكناية" شبيهة بالرمز ، فهذا باطل من قبل الدراسة الصحيحة لطبيعة "الزمر" وطبيعة "الكناية" . و "المجاز" . وأنا أستنكف من "الرمز" في العربية ؛ لأن للعربية شجاعة صادقة في تعبيرها ، وفي اشتقاقها ، وفي تكوين أحرفها ، ليست للغة أخرى . وإذا كانت اللغة هي خزانة الفكر الإنساني ، فإن خزائن العربية قد ادخرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني ، وعن النفوس الإنسانية ، ما يعجز سائر اللغات ، لأنها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم ، من نفوس مختارة بريئة من الخسائس المزرية ، ومن العلل الغالبة ، حتى إذا جاء إسماعيل نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الرحمن ، أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرما ، وأسلمها إلى أبنائه من العرب ، وهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم ، فضلت تتحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة ، حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى ، صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مبين ، بلا رمز مبنى على الخرافات والأوهام ، ولا ادّعاء لما لم يكن ، ولا نسبة كذب إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . فمن أجل ذلك كرهت الرموز، ورأيتها قدحاً في العربية ، وتشويهاً يلحقها"( ) .
    ثم كانت محنة ثانية في ذلك "الرمز" الذي استحدثته قضايا الشعر الحر ، وما أثاره هذا الكلام المخمور المتهالك من إسقاطات وإحباطات وهذر ، حول هموم العصر وعذابات الإنسان ، كما يقولون.
    ولقد كان يكون الخطب هينا لو أن هذا الهراء ظل في مجثمه في مجالس أحلاس المقاهي ممن ينتسبون إلى الأدب ، ولكنه انتقل إلى الدرس الجامعي – كما ذكرت – افتتن به بعض معلمي الأدب افتنانا عجيباً ، وصبوه صباً في أدمغة هؤلاء الشباب الأغرار ، ممن ابتلوا بالجلوس إليهم، والأخذ عنهم ، ولا سبيل أمام الطالب الذي يريد أن يحصل على شهادته الجامعية إلا التلقي والإذعان .
    والآن ، وبعد انقضاء نحو عشرين عاماً على تخرجي في كلية دار العلوم ، أبحث في حنايا نفسي وعقلي ، عن أثاره من هذه اللغو الذي أخذ علينا ، في مطالع أيامنا ، الطرق والمنافذ ، فلا أجد شيئاً ألبته ، وقد يكون هذا لأني عرفت سبيلي – بفضل من الله وعون – إلى أدب أهلي وعشريتي ، ولكني التمست ذلك أيضاً عند نفر من رفقاء دربي في تلك الأيام ، فلم أجد عندهم شيئا ، وقد جمعني مع أحد منهم لقاء ، وكان قد وقع في أسر الفئة الباغية ، الذين خدعوه عن تراثه ، وأفسدوا ذوقه ، فسألته عن " إليوت والأرض الخراب ، والرجال الجوف" وكان شديد اللهج به وبهما ، فقال : لم يعد معي من ذلك شيء ، ثم أن أنة حسرى ، وقال ولم يملك سوابق عبرة : "حسبنا الله ونعم الوكيل" .
والحديث عن "إليوت" وشغف القوم به ، يفضى إلى الحديث عن كائنه أخرى ، وهي إفراط معلمي الأدب في دراسة الأجناس الأدبية الغربية ، ودراسة الشعراء والأدباء الذين كتبوا بغير اللسان العربي ، وهو جهد ضائع مهدر ، استفرغ فيه أدباؤنا وسعهم وطاقتهم فيما لا يجدي نفعاً، لا في أدبنا ، ولا في أدب الغرب ، ولا يذهبن بك الوهم فتظن أن إنجليزيا يلتمس تعريفاً بشكسبير أو تحليلاً لأدبه عن كاتب عربي استهلك وقته وعمره في دراسته . يقول شيخنا محمود شاكر : "رأيت قط رجلاً واحد من غير الإنجليز أو الألمان مثلاً ، مهما بلغ من العلم والمعرفة كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية وخصائص لغتها ، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية ، وفي حياة المجتمع الإنجليزي ، يدين له علماء الإنجليزي بالطاعة والتسليم ؟( ) .
    نعم ، شغلنا بأدب الغرب وفكر الغرب شغلاً تاماً ، حجزنا عن النظر في موروثنا الضخم الذي أبدعته وحملته أجيال وفية ، وعلى امتداد أربعة عشر قرناً من الزمان، فكان حالنا في ذلك كالذي قاله إبراهيم بن هرمة :
        كتاركة بيضهـا بالعـــراء        وملبسة بيض أخرى جناحا
    وكالذي قاله ابن جذل الطعان :
        كمرضعة أولاد أخرى وضيعت         بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا
    ومثله قول العديل بن الفرخ العجلي :
        كمرضعة أولاد أخرى وضيعت         بني بطنها هذا الضلال عن القصد
    والقصد : هو الطريق المستقيم . ولم يكن ضلالنا عن القصد في درس الأدب وحده، بل شمل ذلك سائر العلوم الأخرى . يقول عالم الفضاء المصري الدكتور فاروق سيد( ) الباز : "إن العلوم التي نتعلمها وندرسها في جامعاتنا العربية ، هي علوم قائمة أصلاً على تفكير غربي ، قامت لخدمة المجتمعات الغربية ، ولأضرب لك مثلاً واقعاً من خبرتي ومن واقع تخصصي ، لقد تعلمت الجيولوجيا في مصر ، فكانت كلها تدور حول ما يتعلق بجبال الألب في أوربا ، وجبال لابلاش في شرق أمريكا ، وروكي في غربها ، أما وادي النيل ، وصحراء مصر التي تشكل 96% من مساحة الأراضي المصرية كلها ، فلم أتعلم منها ولا كلمة"( ) .
    ومعلوم أن علماء الغرب ومفكريه لم يلتفتوا إلى تراثنا إلاّ في تلك الأيام الخوالى التي كانوا يقيمون فيها حضارتهم ، فاتكئوا اتكائا ظاهراً على حضارتنا أيام ازدهارها وبسط سلطانها على الدنيا كلها ، وقد عرفوا ذلك من خلال قنوات معروفة كالجوار والحروب والسفارات . أما في أيامنا هذه التي اغتالونا فيها اغتيالا ، فهم في شغل عن فكرنا وأدبنا ، ولا يخدعنك ما تقرأه عن ترجمة أعمال بعض أدبائنا إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية ، فهذا من باب إحكام القبضة وشد الوثاق للوقوع في التبعية الثقافية ، وإن شئت فقل إنه من باب (الضحك على الذقون) – كما نقول في العامية المصرية – وإلهاء الطفل بدمية أو قطعة حلوى لاستدراجه إلى أن يسمع لك ويدور في فلكك ، وحتى يعطي المقادة من نفسه معصوب العينين ، مشلول الخطى كالذي وقع في أخذة الساحر .
    وآية ذلك أنهم على كثة ما ترجوا لأدبائنا لم يعترفوا لواحد منهم بريادة أو نباهة ترشحه للحصول على جائزة من جوائزهم ، كجائزة نوبل مثلاً .
    ثم كانت البلية التي دونها كل بلية في خضوعنا للفكر الغربي في درس علوم اللسان العربي؛ نحواً وصرفاً ولغة . وما كان ينبغي لهذه العلوم أن تخضع لتلك التأثيرات الغربية( ) ؛ لأن درسها قائم على نصوصنا من القرآن الكريم وكلام العرب الفحصاء ، والشعر العربي في عصور الاحتجاج به . والمصنفون في علوم اللسان العربي قد أوفوا على الغاية من وضع الأصول والمطولات والمختصرات والمتون . حتى أصول هذا العلم الذي نقله اللغويون المحدثون عن الغرب، وأكثروا الضجيج حوله ، وهو (علم الأصوات) ، وأقاموا له المعامل والتسجيلات ، وقد وضعت أصوله عربية خالصة ، منذ الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وسيبويه ، ثم نما على يد أبي علي الفارسي ، وتلميذه أبي الفتح بن جنى ، ومن جاء بعدهما ، وهو من قبل ذلك ومن بعده يعرفه اصغر شيخ في كتاب من كتاتيب القرى المصرين ، ويلقنه للصغار ، ويعالج أصوله معهم بالتلقى والمحاكاة ، واجلس إلى واحد من هؤلاء الأشياخ ، وانظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه ، في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه ، من الهمس والجهر ، والإظهار والإخفاء ، والفك والإدغام، والترقيق والتفخيم ، وكيف يخرج من أحدهما إلى الآخر ، في مثل قوله تعالى : {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} صورة الأنبياء 28 – وأنظر كيف يفخم الراء ثم يخرج إلى ترقيق التاء ، ثم يعود إلى تفخيم الضاد ، ويمضى في ذلك كله في سهولة ويسر ، دون استكراه أو إعنات . وكان شيخنا الجليل الشيخ عامر السيد عثمان – أحسن الله إليه – يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة ، في الوقف على الراء من قوله تعالى {فكيف كان عذابي ونذر} وقوله تعالى : {كذبت ثمود بالنذر} – سورة 16 – 23 – فالراء الأولى يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة ؛ لأن أصلها {ونذرى}( ) . أما الراء الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخاص ؛ لأنها جمع نذير . فهل وجدت شيئاً من هذا في معامل الأصوات ؟
    أما (النبر) الذي شغبوا به ونازعوا حوله ، وأن اللغويين الأوائل لم يعرفوه ، فقد عرفه قراء القرآن الكريم ، بالتلقي أيضاً ، ويسميه بعض القراء : (التخليص) أي تخليص مقطع من مقطع ، أو قراءة الكلمة على مقطع واحد ، وتلقيت عن شيخي الشيخ عامر السيد عثمان، من ذلك الكثير ، منه قوله تعالى : {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} – سورة القصص 24 – وقوله : {فقست قلوبهم} – سورة الحديد 16 – وقوله : {وساء لهم يوم القيامة حملا} سورة طه 101 .
    فإذا عرف طالب العلم بالتلقي صحة النطق في قوله {فسقى} حتى يكون من السقى لا من الفقس ، وفي قوله {وساء لهم} حتى يكون من السوء لا من المساءلة ، إذا عرف الطالب المبتدئ ذلك لم يحتج في فهم النبر إلى هذا المثال الذي وضعوه ، وهو (ذاكر الدرس) لأمر المخاطب المفرد ، (ذاكرى الدرس) لأمر المخاطبة المفردة ، فمثل هذا المثال ينبغي أن يظل في دائرة التوضيح والتقريب . أما القاعدة فواجب أن تستند إلى النص العالي الموثق الذي لا يرد ولا يدفع .
    على أن هذا (النبر) إنما تحتاج إليه بعض اللغات الأجنبية ، لأنه عندهم ذو خطر ، وتختلف به المعاني اختلافاً ظاهراً – وليس هذا المكان موضع تفصيله – أما في لساننا العربي ، فالأداء الصحيح قد انتقل إلينا بالتلقي المضبوط المتواتر ، الذي لا يضل ولا يزيغ( ) ،  وقد حمله قراء القرآن الكريم بأمانة والتزام ، فمن أراده فليلتمسه عندهم لا عند غيرهم .
    ثم ترتفع الشكوى في هذه الأيام عن محنة اللغة العربية ، وغربتها ، وتدني مستواها ، على ألسنة الخطباء ، وكتابات الكتاب ، وأخذ الباكون في النحيب والعويل على أيامنا التي سلفت ، وذهب الشاكون في تعليل ذلك كل مذهب وردوا الأمر رداً غير صحيح .
    وأصل الداء عند سبب واحد : ماذا يتلقى طالب العربية الآن في كليات اللغة العربية وأقسامها بالجامعات ؟ أمشاج من قواعد النحو والصرف ، مطروحة في مذكرات يمليها الأساتذة إملاء ، أو يطبعونها طبعات مبتسرة ، تنقص عاماً وتزيد عاماً ، واختفى الكتاب القديم لتحل محله هذه المذكرات( ) ، ودفع الطلاب دفعاً إلى الملل من قراءة الكتب – والملل من كواذب الأخلاق، كما قال عمرو بن العاص ، رضي الله عنه – ولابد لصلاح الحال من أن تكوى هذه القروح الممدة( ) ، وأن يستأصل هذا الداء الخبيث من قاعات الدرس الجامعي .
    عودوا أيها السادة إلى المتون ، عودوا إلى الآجرومية ، وترقوا منها إلى ابن عقيل، وهو كتاب سهل رهو ، علم أجيالاً ، وأقام ألسنة ، ولا تحتجوا علينا بالتيسير على الطلاب ، ففي تراثنا النحوي كتب ذوات عدد ، وضعت للناشئة والمبتدئين .
    نعم ، عودوا إلى الكتب الأولى ، وضعوا الأستاذ الجامعي في حق وظيفته : وهي أن يخوض بالطلاب الجج هذه الكتب ، وأن يسلك معهم دروبها ، وأنقذوا الطلاب من ذلك البلاء المصبوب ، والسم المدوف ؛ إن بعض أساتذة النحو يكتبون في فلسفة النحو كلاماً غريباً لا تعرف له أعلى من أسفل( ) ، كلاماً هو أشبه بتخاريف الشعر الحر ، وكلام نقاده ، كالذي وصفه أبو العلاء :
        وما لأقوالهم إذا كشفت         حقائق بل جميعها شبه
    وكلام هؤلاء الذين يكتبون في فلسفة النحو – على ضعفه وتهافته وثقله – يحمل في أثنائه شكوكا كثيرة ، وسخرية باردة بأعلام النحو . وكل هذا من البلاء الذي يفرض على أبنائنا، ويطالبون باستظهاره واستحضاره . وإلى الله المشتكى !
    فماذا تطلب من ناشئ غض ، تمرغ في هذه الأوحال ، وسقى ماء حميما ، ثم تكون عقله ووجدانه على هذه الموائد التي ملئت بصحاف مسمومة ؟ .
    جاءني ذات يوم طالب يعد رسالة "دكتوراه" وسألني متعجباً : كيف لا يذكر ابن منظور في "لسان العرب" شيئاً عن معنى كلمة (التراث) ؟ فقلت له : وكيف كان ذلك ؟ قال : هو على ما وصفت لك ، لقد بحثت عن مادة (ترث) في فصل التاء من كتاب الثاء ، فلم أجد لها ذكرا. فقلت له : ابحث في مادة (ورث) ، وستجد بغيتك ؛ لأن هذه التاء التي تراها ، مبدلة من الواو ، مثل (تجاه) من (وجه) ، و (تقاة) من (وقى) . ففغر فاه دهشاً وتحيراً .
    ولو ذهبت أذكر أمثلة من ذلك لأتيت بكل عجيبة .
    وإن تراثنا بفنونه المختلفة قد غيب عن أبناءنا بظلمات بعضها فوق بعض من تراث الأعاجم . وحين بلغ الضعف منهم مبلغه أنحينا عليهم باللأئمة ، ووسمناهم بالقصور . وحق لهم أن يقولوا قولة عمرو بن معد يكرب الزبيدي :
    فلو أن قومي انطقتني رماحهم     نطقت ولكن الرماح أجرت( ) .
     وعوداً على بدء ؛ فقد رغب إلى كثير من الطلبة ، وكثير أيضاً من كرام أساتذة العلم أن أكتب شيئاً عن مراجع ترام الرجال والبلدان ، وكتب الضبط ، ومراجع الكتب والمصنفات ، وتعريفات العلوم ومصطلحاتها ، وأن أضع ذلك بين أيديهم ، تذكرة مختصرة ، ودليلاً مسعفاً . فأجبتهم إلى ذلك ؛ طالباً للثواب ، راغبا إلى الله عز وجل أن ينفع به ، مع ما أعرفه في نفسي من ضعف المنة( ) ، وقلة الزاد ، فنحن نلقى الناس بعلم " مسترضع بثدي من العجز وثدي من التقصير" كما يقول شيخنا محمود محمد شاكر( ) . وصدق من قال( ) : :
    خلت الديار فسدت غير مسود        ومن البلاء تفردى بالسؤدد
    وإني لأقول هذا من باب الحقيقة الصادقة ، لا من باب التواضع الكاذب ، فليس كالزهو والكبر حجازاً بين المرء وبين أن يستفيد علما . وإن من آفات المنتسبين إلى العلم في هذا الزمان : التطاول والتعالي ، وترى أحدهم يمشى بين الناس ، شامخاً بأنفه ، زاماً شفتيه ، منتفخاً قد شرقت عروقه ولحمه بدم كذب ، هو دم الكبر والعجب ، حتى كاد يتفقا . فإذا جاءت الحقائق لم تجد شيئاً ؛ إلا شيئاً لا يعبأ به .
    فضعف العلم بضعف أهله . " فإن فساد كل صناعة من كثرة ، وقلة الصرحاء" كما قال أبو سليمان الخطابي( ) . وروى ، رحمه الله ، عن إسماعيل بن محمد الصفار ، سمعت العباس بن محمد الدوري ، يقول : "أردت الخروج إلى البصرة ، فصرت إلى أحمد بن حنبل ، وسألته الكتاب إلى مشايخها ، فكلما فرغ من كتاب قرأته ، فإذا فيه : "وهذا فتى ممن يطلب الحديث" ، ولم يكتب: "من أصحاب الحديث" .
    وهذا الدوري الذي استكثر عليه الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، أن يكون من أصحاب الحديث ، يصفه الحافظ الذهبي بأنه "الإمام الحافظ الثقة الناقد( ) " ، ويحكى عن الأصم ، قوله فيه : "لم أر في مشايخى أحسن حديثنا منه" . ثم روى هذا الخبر ، برواية أخرى ، عن إسماعيل الصفار أيضاً ، عن الدوري ، قال : "كتب لي يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، إلى أبي داود الطيالسي ، كتاباً ، فقالا فيه : "إن هذا فتى يطلب الحديث" ، وما قالا : "من أهل الحديث" .
    ثم عقب الذهبي ، فقال : "قلت : كان مبتدئا ، له سبع عشرة سنة ، ثم إنه صار صاحب حديث ، ثم صار من حفاظ وقته " .
    ومهما يكن من أمر تفسير الذهبي ، فإنه تبقى للقصة دلالتها على ما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم ، من تطامن وانكسار ، وهضم للنفس . وآية ذلك تعقيب الدوري نفسه ، وسياقه الخبر عند الخطابي .
    وكنت أود أن أقف وقفة طويلة مع هذه المراجع ؛ أكشف عن مناهجها ، وأدل على طرائقها ، لكني تركت ذلك – مع قدرتي عليه ، امتلاكي لأسبابه ، بفضل الله وعونه وتوفيقه- لأني أردت لهذا الدليل أن يكون خفيف المحمل ، قريب المورد ، سهل الاستيعاب ؛ ولأن كثيراً من طلبة العلم لم تعد لديهم القدرة على قراءة المطولات ، والصبر عليها ؛ للذي عرفته من كثرة الصوارف والحواجز ، في هذه الأيام .وهذا بلاء قد عم وساد ، وكاد يستوى فيه العالم والمتعلم على السواء . وقد قالوا وأحسنوا : مالا يدرك لا يترك كله .
    على أن طالب العلم مدعو لأن يقرأ مقدمات الكتب وخواتيمها ؛ ليقف بنفسه على منهج الكتاب ، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه ، وأسلوب التعامل معه ، والرجوع إليه.
    وطالب العلم مدعوا أيضاً إلى أن يدرك العلائق بين الكتب : تأثرا وتأثيراً ، ونقداً واختصاراً وتذييلا .
    وليعم أبناؤنا الطلبة أن كثيراً من أبواب العلم إنما يحصل بالجهد الشخصي الدءوب ، وأن وظيفة المعلم إنما تقف عند حدود تعبيد الطرق ، ووضع العلامات والصوى( ) .
    ونعم ، كان واجباً على المعلم أن يأخذ بيد الطلاب ، إلى هذه الكتب ، ويضيء لهم سبلها ، ويكشف لهم عن أغوارها ، وهكذا كان في أيامنا التي سلفت – ولكن مناهج الدرس في جامعاتنا العربية ، لا تسمح بذلك ، ولا تعين عليه ، كما سبق .
    وثالثة : واجب على طالب العلم أن يعرف فرق ما بين الطبعات( ) ، فإن كثيراً من كتب التراث قد طبع مرتين أو أكثر ، وتتفاوت هذه الطبعات فيما بينها ؛ كمالاً ونقصاً ، وصحة وسقما، ولا بد أن يكون رجوع الطالب إلى الطبعة المستوفية لشرائط الصحة والقبول ، وهذه الشرائط ظاهرة لائحة لمن يتأملها ، وتتمثل في التقديم للكتاب ، وبيان وزنه العلمي ، وفهرسته فهرسة فنية ، تكشف عن كنوزه وخباياه ، والعناية بضبطه الضبط الصحيح ، والتعليق عليه بما يضيئه ، ويربطه بما قبله وبما بعده ، في غير سرف ولا شطط ، ثم في الإخراج الطباعي ، المتمثل في وجود الورق ، ونصاعة الحرف الطباعي .
    وقد حظى تراثنا – ولله الحمد والمنة – منذ ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي، إلى يوم الناس هذا ، بعلماء كبار ، في الشرق والغرب ، توفروا على إخراجه الإخراج العلمي الصحيح ، وطابعين مهرة ، أظهروه في حلل زاهية ، لكنه ظهر إلى جانب هؤلاء ، ناشرون متساهلون ، وطابعون متعجلون ، أرادوا ثراء المال من أيسر سبيل . فأعرف أيها الطالب وأنكر ، وأقبل وأعرض ، على ما وصفت لك ، تستقم دراستك ، وتمض إلى ما تريد لها من كمال وإتقان.
* * *
    وأحب أن يكون واضحاً ، أنني اكتفيت بذكر أهم وأبرز كتب التراجم ، وأضربت عما هو دونها في الشهرة ، مدركاً لقيمة هذا الذي تركت وجدواه ، فعلت ذلك تخفيفاًَ وتيسيراً على الناشئة والشداة من طلبة العلم . وعلى سبيل المثال ، فقد اكتفيت في تراجم اللغويين والنحاة بثلاثة مراجع ، وسكت عن أخبار النحويين البصريين ، للسرافى ، وطبقات النحويين واللغويين ، لأبي بكر الزبيدي ، ومراتب النحويين ، لأبي الطيب اللغوي . وفي طبقات الصحابة والتابعين، تركت تهذيب الأسماء واللغات للنووي . وفي طبقات الفقهاء ، تركت تاج التراجم ، في طبقات الحنفية ، لابن قطلوبغا ، وفي طبقات الشافعية ، تركت طبقات أبي عاصم العبادي ، طبقات الفقهاء( ) ، لأبي إسحاق الشيرازي ، وطبقات المصنف ، المعروفة بطبقات أبي هداية الله ، وتبيين كذب المفترى ، للحافظ ابن عساكر . وفي طبقات الحنابلة ، لم أثبت المنهج الأحمد ، للعليمي، لأنه لم يطبع منه سوى جزءين . وفي كتب تراجم الأندلسيين والمغاربة ، تركت العدد الوفير – وكان حبيباً إلى أن أذكره – لندرته في أسواق المشرق العربي( ) . وفي مراجع التراجم العامة ، سكت أيضاً عن كتب ذوات عدد ، للتخفيف والاختصار ؛ ولأن فيما ذكرت مقنعاً وبلاغاً، إن شاء الله .
* * *
    وأحب أيضاً قبل أن أدع مقامي هذا أن أنبه إلى حقيقتين جديرتين بالاهتمام :
    الحقيقة الأولى : "أنه لا يغني كتاب عن كتاب" . فقد شاع في كتابات بعض الدارسين المحدثين ، أن كتب التراث ذات الموضوع الواحد ، تتشابه فيما بينها ، وأن غاية اللاحق أن يدخل على ما تركه السابق ، يدور حوله ، ويردد مباحثه وقضاياه . ثم أفضى ذلك الزعم إلى دعوة صاخبة ، تنادى بغربلة التراث وتصفيته ؛ بالإبقاء على النافع المفيد ، وترك ما عداه مستقرا في المتاحف كمومياء الفراعنة ، يذكر بتطور الخطوط ، وقواعد الرسم ، وتاريخ صناعة الورق .
    فإذا قلت لهذا الزاعم : ماذا نأخذ وماذا ندع ؟ حار وأبلس( ) ، واعتصم بسراديب التفكير الموضوعي ، ومناهج البحث العلمي ، وأشباه ذلك من تلك التهاويل الفارغة من الحقيقة. فإذا اضطررته أضيق الطرق ، وأخذته إلى فن واحد من فنون التراث ، ونثرت أمامه مصنفات ذلك الفن ، ثم طلبت إليه أن يختار ما يستحق أن يبقى عليه ، وما هو جدير بأ، ينحى ، شغب ونازع ؛ لأنه لا يملك أدوات الحكم على هذا الموروث ؛ لبعده عنده ، وخفائه عليه ، ولم يجد بدا من العودة كرة أخرى إلى التكفير الموضوعي ، والبحث العلمي ، يسلبهما منك ، ملقياً بك في ردغة( ) الحبال ، وظلمات الجهل ، وبيداء التخلف .
    وقد يسايرك بعضهم ، آخذاً بالنصفة والبراءة ، قائلاً : نقف عند القرون الخمسة الأولى؛ لأنها قرون الإبداع والخلق( ) . فقال له : إن الخالفين من القرون اللاحقة قد أضافوا إلى ميراث تلك القرون السابقة إضافات صالحة ، كشفت عن خبيئة ، بل إنهم قد استخرجوا من علم الأوائل علماً آخر ، مصبوغاً بصبغتهم ، موسوماً بسمتهم ، ملبياً حاجات عصرهم ، مفجرا طاقات عظيمة من هذا العقل العربي ، الذي ما فتىء يغلي ويموج ، كالبحر الهادر( ) .
وعلى سبيل المثال ، فإن القرن الثامن – وهو في تقديرك ورأيك مما ينبغي أن ينبذ ويطرح – قد شهد أعلاماً شوامخ ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي ، ومجتهد عصره تقي الدين السبكي ، وولده المؤرخ تاج الدين ، والحافظ أبي الحجاج المزى ، وختنه( ) الحافظ المفسر المؤرخ عماد الدين بن كثير ، والحافظ الكبير علم الدين البرزالي ، والأديب المؤرخ صلاح الدين الصفدي ، واللغوي الجامع ابن منظور ، وإمامى النحو : أبي حيان وأبي هشام .
    وإن القرن لتاسع قد شهد أمير المؤمنين في الحديث ، الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وشيخ الإقراء في زمانه شمس الدين بن الجزرى ، وعالم الاجتماع الكبير ابن خلدون ، والمؤرخ الجغرافي تقي الدين المقريزي .
    وإن القرن العاشر قد شهد الحافظ المؤرخ الحجة شمس الدين السخاوى ، والحافظ المفسر النحوي ، الجامع للفنون والمعارف جلال الدين السيوطي ، ولا تقل : إنه جماع ، فقد حفظ لنا في تصانيفه التي بلغت نحو ستمائة مصنف (600) كثيراً مما عدت عليه عوادى الناس والأيام( ) ، من علوم الأوائل وفنونها ، واستخرج من كل ذلك علماً عرف به ونسب إليه .
    فإذا جئنا إلى القرن الحادي عشر – وهو عندما مما لا يلتفت إليه ، ولا يعاج به ؛ لأن هذا العصر في رأيك عصر انحطاط وانحدر( ) ، من حيث كانت الغلبة فيه للأتراك العثمانيين . وهم من كرام هذه الأمة الإسلامية ، شئت أم أبيت( ) : رأينا علماء كبارا ، منهم شهاب الدين الخفاجي، صاحب المصنفات الكبيرة : ريحانة الألبا ؛ تراجم أدباء عصره ، وشفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ، وشرح درة الغواص ، للحريري ، وطراز المجلس ، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض . ومن أعظم تصانيفه وأبقاها : حاشية على تفسير البيضاوي ، المسماة : عناية القاضي وكفاية الراضي . في ثماني مجلدات كبار .
    والعلامة عبد القادر البغدادي ، صاحب "الخزانة" وهي من مفاخر التأليف العربي .
    وفي القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، نلتقي بعلمين كبيرين : المرتضى الزبيدي ، صاحب "تاج العروس" ، و "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" . والشوكاني ، صاحب "فتح القدير" ، و " ونيل الأوطار " إلى علماء الهند ، الذين توفروا على السنة المطهرة، شرحاً ونشراً .
    وكل هؤلاء ؛ من ذكرت ولم أذكر ، قد فسروا ، وأضافوا ، واستخرجوا .
    فهل نلقى بهم جميعاً في غيابات الجبّ ، ومتاحف الآثار ؟ .
    وهل من المقبول في موازين العقل والعدل ، أن تطالب إنساناً خلف له أهله ثروة طائلة، ثم أقبل عليها ، يثمرها ونميها بجهده وعرقه ، حتى أضاف إليها أضعافها . هل من المقبول أن تطالبه بأن يتخلى عن هذا الذي أضافه ، ويقنع بما تركه له أهله ؟ .
    وقد يبدو هذا التشبيه لك ساذجاً ، ولكن الضرورة ألجأتنا إيه ولضرورة أحكامها .

    ثم أعود مرة أخرى إلى قضية " أن كتب التراث يغني بعضها عن بعض" وقد شغلتني هذه القضية ، وعشت مخدوعاً بها زماناً ، حتى ظهر لي زيفها وبطلانها ، بشواهد ومثل كثيرة ، وبخاصة في كتب التراجم ، ومصنفات اللغة . واكتفى بعرض مثال واحد من كتب اللغة :
    من المعروف أن أكمل المعاجم اللغوية وأوسعها ، كتابان ، هما : لسان العرب ، لجمال الدين أبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور ، المتوفى بمصر سنة 711هـ ، وتاج العروس في شرح القاموس ، لأبي الفيض محمد بن محمد بن محمد . المرتضى الزبيدي المتوفى بمصر أيضاً سنة 1205هـ .
    فقد جمع ابن مظور في كتابه أصول المعاجم : الصحاح للجوهري ، وحواشيه لابن برى، والتهذيب للأزهري ، والمحكم لابن سيده ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير . وعول المرتضى الزبيدي على اللسان ، مع ما أضافه من كتب الصاغاني : التكملة ، والعباب . وكتب شيخه محمد بن الطيب محمد الفاسي المالكي ، المتوفى بالمدينة المنورة سنة 1170هـ . إلى كتب أخرى صغار وكبار .
    فكان النظر في هذين المعجمين الكبيرين مغنياً عن النظر فيما سواهما ، للذي قيل : "كل الصيد في جوف الفرا( ) "  . لكني وقعت على ما يقتضي التوقف في هذا الحكم :
    وذلك ما أثاره ابن الأثير ، في النهاية ، حين عرض لشرح حديث : "أتاكم أهل اليمن ، هم أرق قلوباً وأبخع طاعة" .
    قال : "أي أبلغ ، وأنصح في الطاعة من غيرهم ، كأنهم بالغوا في بخع أنفسهم ، أي قهرها وإذلالها بالطاعة" .
    ثم قال : "قال الزمخشري : هو من بخع الذبيحة : إذا بالغ في ذبحها ، وهو أن يقطع عظم رقبتها ، ويبلغ بالذبح البخاع – بالباء – وهو العرق الذي في الصلب ، والنخع ، بالنون : دون ذلك ، وهو أن يبلغ بالذبح النخاع ، وهو الخيط الأبيض ، الذي يجرى في الرقبة . هذا اصله ، ثم كثر حتى أستعمل في كل مبالغة . وهكذا ذكره في كتاب الفائق في غريب الحديث وكتاب الكشاف في تفسير القرآن ، ولم أجده لغيره ، وطالما بحثت عنه في كتب اللغة والطب ، والتشريح، فلم أجد البخاع – بالباء – مذكوراً في شيء منها"( ) .
    هذا كلام ابن الأثير ، والأمر على ما قال ، في كتابى الزمخشري : الفائق ، والكشاف ، وأيضاً جاء بعضه في أساس البلاغة( ) .
    قلت : هذا الذي تعقب به ابن الأثير ، الزمخشري ، وقد شاع في معاجم المتأخرين : ابن منظور ، والفيروزابادي ، والمرتضى الزبيدي . ويدل سياق هؤلاء جميعاً في كتبهم ، على أن الزمشخري منفرد – دون اللغويين – بذكر "البخاع" بالباء الموحدة ، حتى ليقول الزبيدي ، بعد حكاية كلام ابن الأثير ، والفيروزابادي : "قال شيخنا : وقد تعقب ابن الأثير قوم ، بأن الزمخشري ثقة ثابت ، واسع الاطلاع ، فهو مقدم"( ) .
    فهذا كلام دال بوضوح ، على أن الزمخشري منفرد بذكر هذا القول ، وأن انفراده به لا يطعن فيه ؛ لأنه ثقة مأمون .
    وقد وقعت على نص عالٍ موثق ، يدل على أن هذه التفرقة بين "البخاع" بالباء الموحدة، و "النخاع" بالنون ، تفرقة قديمة ، سابقة على الزمخشري المتوفى سنة (538) . وذلك ما ذكره ابن فارس ، المتوفى سنة (395) ، في كتابه معجم مقاييس اللغة :
    قال رحمه الله : "قال أبو علي الأصفهاني ، فيما حدثنا به أبو الفضل محمد بن العميد ، عن أبي بكر الخياط ، عنه ، قال : قال الضبي : بخعت الذبيحة : إذا قطعت عظم رقبتها ، فهي مبخوعة، ونخعتها : دون ذلك ؛ لأن النخاع : الخيط الأبيض الذي يجرى في الرقبة وفقار الظهر. والبخاع ، بالباء : العرق الذي في الصلب"( ) .
    فأنت ترى أن الزمخشري مسبوق فيما ذهب إليه ، بهذا الذي حكاه ابن فارس ، بإسناده إلى الضبى . وقد خفى هذا على ابن الأثير ، ومن جاء بعده : ابن منظور ، والفيروزابادي ، والمرتضى الزبيدي ، وشيخه محمد بن الطيب الفاسى ، وإن كان هذا قد أحال على الثقة بالزمخشري وسعة اطلاعه .
    وواضح أن هناك فرقاً بين أن تفزع إلى المعاجم ؛ لتصيب معنى لغوياً لما يعرض لك من ألفاظ ، وبين أن تكون بإزاء قضية لغوية ، تريد أن تنتهي فيها إلى رأي حاسم قاطع . هنا لا يغنيك النظر في هذين الكتابين – اللسان والتاج ، مع سعتهما وإحاطتهما – عن الرجوع إلى غيرهما ، من صغر الكتب وأوسطها ، وهنا أيضاً لا يفيدك قول أبي الطيب : ومن ورد البحر استقل السواقيا .
    أن علماءنا الأوائل ، رحمهم الله ورضي عنهم  ، لم يكونوا يعبثون حين يتوفرون على الفن الواحد ، من فنون التراث ، فيكثرون فيه التأليف والتصنيف ، ويدخل الخالف منهم على السالف.
    ونعم ، قد تجمع بعضهم جامعة المنزع والمنهج العام ، ولكن يبقى لكل منهم مذاقه ومشربه ، كالذي تراه من اجتماع أبي جعفر الطبري ، وعماد الدين بن كثير ، على تفسير القرآن الكريم بالمأثور ، وافتراقهما في أسلوب التناول ومنهج العرض .
    ولم يكن النحاة يعانون من الفراغ ، أو قلة الزاد ، حين عكفوا على كتاب مثل "الجمل" لأبي القاسم الزجاجي ، فوضعوا له مائة وعشرين شرحاً( ) .
    ومن الغريب حقاًَ إننا ل نجد باساً أن يكثر الدارسون المحدثون من التأليف في الفن الواحد، كتباً ذاهبة في الكثرة والسعة ، كالذي تراه من التأليف في فنون الشعر والقصة والمسرح، ثم نحجر على أسلافنا ، ونعيب عليهم من ذلك ، ثم ننعتهم بالثرثرة والدوران حول أنفسهم ! ولكنها آفة الذين يلتمسون المعابة لأسلافهم بالظن الخادع ، والوهم الكذوب .
    وإنه الحق أن بعض ما تركه الأوائل ، منتزع من جهود سابقة ، وتعد إضافته إلى الفن إضافة محدودة ، ولكن مثل ذلك معروف مسطور ، ومدلول عليه أيضاً بكلام الأوائل أنفسهم، وأكثر ما ترى ذلك في مقدمات الكتب ، كهذا الذي صنعه ابن الأثير ، في مقدمة "النهاية" حين قضى على تأليف ابن الجوزي ، في غريب الحديث ، بأنه مسلوخ من كتاب أبي عبيد الهروي . قال رحمه الله :
    " ولقد تتبعت كتابه ، فرأيته مختصراًَ من كتاب الهروى ، منتزعاً من أبوابه ، شيئاً فشيئاً، ووضعاً فوضعاً ، ولم يزد عليه إلا الكلمة الشاذة واللفظة الفاذة . ولقد قايست ما زاد في كتابه على ما أخذه من كتاب الهروى ، فلم يكن إلا جزءاً يسيراً من أجزاء كثيرة"( ) .
    وأحب أن أشير إلى أن هذه المختصرات التي تشغل حيزاً كبيراًَ من التأليف العربي ، قد تجدُ فيها ما لست تجده في الأصول . ومن ذلك – وهو كثير – كتاب " مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" لابن منظور صاحب " اللسان " ، الذي اختصر به كتاب " الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني وقد طبع هذا المختصر في ثمانية أجزاء ، وفي الجزء الثالث منه ترجمة موسعة( ) ، لأبي نواس ، تضمنت أخباراً وأشعاراً لأبي نواس ، لا تجدهما في الأصل المختصر ، وذلك أن لابن منظور كتاباً مفرداً لأخبار أبي نواس ، وهو مطبوع .
    وكذلك صنع ابن منظور ، في ترجمة جميل بن معمر ، حيث أورد له بعض أشعار وأخبار لم ترد في الأغاني( ) .
    والظن باب منظور أن يكون قد فعل مثل ذلك ، فيما اختصره من كتب التراث الأخرى، فقد كان مغرى باختصار كتب الأدب المطولة ، كما يقول ابن حجر( ) ، وقال صلاح الدين الصفدي : "ما أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره"( ) . ومن مختصراته : مختصر مفردات ابن البيطار ، في الأدوية ، ولطائف الذخيرة – مختصر الذخيرة لابن بسام . ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر . ومختصر تاريخ بغداد للسمعاني . ومختصر الحيوان للجاحظ . ومختصر أخبار المذاكرة ونشوار المحاضرة للتنوخي .
    ومن حديث المختصرات ما لاحظته ، أنا وأخي الدكتور عبد الفتاح الحلو ، في أثناء ملنا في تحقيق طبقات الشافعية الكبرى ، لتاج الدين ابن السبكى : أن الطبقات للمؤلف قد اشتملت على فوئد لم ترد في الطبقات الكبرى ، بل إن فيها من التراجم ما لم يذكر أصلاً في الطبقات الكبرى( ) .
    وكتاب تقريب التهذيب ، لابن حجر العسقلاني ، فيه من التقييد والضبط ، ما لست تجده في أصله : تهذيب التهذيب ، للمؤلف نفسه ، وقد احسن ناشرو تهذيب التهذيب ، في دائرة المعارف العثمانية ، بالهند ، حين أنزلوا هذا الضبط والتقييد في حواشي الكتاب .
    ومثل ذلك يقال في مصنفات شمس الدين الذهبي التاريخية : تاريخ الإسلام ، وسير أعلام النبلاء ، والعبر في خبر من عبر ، وتاريخ دول الإسلام .
    إن تراثنا لم يأخذ مكانه بين تراث الإنسانية إلا بما صنفه الأوائل ، مضافاً إليه تلك الشروح والمختصرات والذيول ، والصلات( ) ، والحواشى والتقريرات .
    نقول هذا لأبنائنا طلبة العلم ، ونذكر به أيضاً العقلاء من إخواننا أساتذة الجامعات العربية . أما الذين يلتمسون تراجم الرجال من "دوائر المعارف" ، و "الموسوعة العربية الميسرة" ، ويطلبون الشروح اللغوية من "المنجد" و "أقرب الموارد" ، ويجمعون تراجم الشعراء ، من "شعراء النصرانية" ، فقد سقطت كلفة الحديث معهم .
    الحقيقة الثانية( ) التي أنبه عليها : "أن مجاز كتب التراث مجاز الكتاب الواحد" بمعنى أن هذه الكتب متشابكة الأطراف ، متداخلة الأسباب .
    فمع الإقرار بنظرية التخصص ، وانفراد كل فن من فنون التراث بطائفة من الكتب والمصنفات ، إلا أنك قل أن تجد كتاباً من هذه الكتب مقتصراً على الفن الذي يعالجه ، دون الولوج إلى بعض الفنون الأخرى ، بدواعي الاستطراد والمناسبة ، وهذا يؤدي لا محالة ، إلى أن تجد الشيء في غير مظانه . وقد ضربت لذلك مثلا – في بعض ماكتبت( ) – بعلم النحو ، فليست مسائل هذا العلم في كتب النحو فقط ؛ ففي كتب التفسير والقراءات نحو كثير ، وفي كتب الفقه وأصوله نحو كثير ، وفي معاجم اللغة ، وكتب البلاغة ، وشروح الشعر( ) ، نحو كثير. بل إنك واجد في بعض كتب السير ، والتاريخ ، والتراجم ، والأدب ، والمعارف العامة ، والطرائف والمحاضرات ، من مسائل النحو وقضاياه ، مالا تكاد تجد بعضه في كتب النحو المتداولة( ).
    واقرأ إن شئت : الإمتناع والمؤانسة ، ومثالب الوزيرين ، كلاهما لأبي حيان التوحيدي، ورسالة الملائكة ، ورسالة الغفران ، الاثنان لأبي العلاء المعرى ، والروض الأنف للسهيلي ، وبدائع الفوائد ، لابن قيم الجوزية ، والغيث المسجم في شرح لامية العجم ، لصالح الدين الصدفي. ثم أنظر كم من مسائل النحو أفدت .
    ومما يستطرف ذكره هنا أن الشاهد النحوي المعروف "أكلوني البراغيث" لم أجده منسوباً لقائل ، في كتاب من كتب النحو التي أعرفها ، على حين وجدته منسوباً لقائل ، في كتاب من كتب النحو التي أعرفها ، على حين وجدته في كتاب أبي عبيدة " مجاز القرآن" منسوباً لأبي عمرو الهذلي( ) .
    وخذ كتاباً لغوياً مثل "المخصص" لابن سيده – وهو معاجم المعاني كما عرفت – تجد فيه نحواً كثيراً ، وصرفاً كثيراً ، بل إن هذا الكتاب اللغوي يعد توثيقاً كبيراً لآراء أبي على الفارسي، في النحو والصرف ، حيث تراه قد أكثر من النقل عنه كثرة ظاهرة( ) .
    وإنك لتقضى العجب حين ترى كثيراً من الدراسات النحوية المعاصرة – والتي هوجم النحو العربي فيها هجوماً كاسحاً أكولا – قد اتكأت على كتب النحو المتأخرة ، ابتداءً بابن هشام ، وانتهاء بالصبان ، تاركة وراءها كتب النحو الأولى ، وكتب الفنون التراثية الأخرى ، التي تمت إلى النحو بأسباب وعلائق كثيرة . ومع التسليم بجدوى مصنفات ابن هشام ومن جاء بعده ، فإن ذل لا يغني عن الجهود السابقة ، ولا يقوم مقامها .
* * *
    وما قيل عن النحو وأنسياحه في الفنون الأخرى ، يقال في سائر العلوم ؛ وقد حدثنى شيخي الجليل محمود محمد شاكر ، حفظه الله ، أنه استخرج علوية أبي الطيب المتنبي من خبر صغير، في ثنايا خزانة الأدب ، للبغدادي ، وقد خفى هذا الخبر على كل الذين كتبوا عن المتنبى ، من عرب وعجم ، مع أن هذا الكتاب قد طبع في مطبعة بولاق بمصر ، سنة 1299هـ ، ولكنه في نظر الناس كتاب شواهد ونحو ، ليس غير ، للذي علموه من أنه شرح شواهد الرضى على الكافية ، وترجمة المتنبي عند هؤلاء تلتمس من كتب التراجم والأدب .
    وحدثني أيضاً ، حفظه الله ، أن المفكر الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد ، رحمه الله ، سألت ذات يوم ، عن خبر أو كلام لعمرو بن العاص ، رضي الله عنه كان قد قرأه الأستاذ العقاد، ونسى موضعه ، وأنه قد وجد هذا الخبر في كتاب الكشكول ، أو المخلاة ، لبهاء الدين العاملي ، المتوفى سنة 1031هـ . ويابعد ما بين العالمي ومظان ترجمة عمرو بن العاص ! والكشكول ، والمخالة عند بعض المحدثين – إن علموا بأمرهما – من سواقط الكتب وكواذب الأحاديث .
    إن في الكتب الموسوعية ، مثل شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، المتوفى سنة 656هـ ونهاية الأرب( ) ، للنويري ، المتوفى سنة 733هـ ، وصبح الأعشى ، للقلقشندي ، المتوفى سنة 821هـ ، من غرائب العلوم والفنون ، مالا يأتي عليه حصر .
* * *
    وبعد :
    فإن من الظاهر الجدير بالتأمل ، في هذه الأيام ، تلك العناية البالغة بالتراث : نشراً لما لم ينشر ، وتصويراً لما نشر ، ويقبل القراء على شراء كتب التراث إقبالاًَ زائداً ، ولم يستطع الكتاب الحديث – برغم ما أحيط به من مظاهر الإعلان والإعلام – أن يزاحم الكتاب التراثي ، بالرغم أيضاً مما يتعرض له من تجريح وتوهين .
    ولكن هذه العناية بنشر التراث ، والإقبال على شرائه ، لم يواكبها قراءة له ، وانتفاع به، فكثرت الكتب وقلت القراءة .
    ومهما يكن من أمر ، فإن هذه الظاهرة دالة بوضوح ، على أن للتراث بريقاً أخاذا . ولم يبق إلا أن نعمق في أبنائنا الإحساس النبيل به وأن نأخذ بأيديهم إلى آفاقه الرحبة ، وآماده المتطاولة .
    ثم إنه واجب أيضاً على أنبائنا أن يقبلوا على قراءة هذا الموروث العظيم ، وأن يصبروا على معاناة الكتب ، والنفاذ إلى أسرارها ، وسوف يجدون متعة لا تشبهها متعة ، حتى يقولوا في ثقة واطمئنان :
أفبعد كندة تمدحن قبيلا
        والله الحمد في الأولى والآخرة

وكتب
أبو أروى
محمود محمد الطناحي
مكة المكرمة في :
ربيع الأول 1405هـ
 
السيرة النبوية والمغازي
    في النصف الثاني من القرن الأول الهجري بدأ بعض التابعين في تدوين أخبار السيرة النبوية ، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويجمع مؤرخو السير على أن أول من كتب في ذلك ، هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي ، المتوفى سنة 93هـ. وقد عاصره وتلاه نفر من التابعين ، الذين عرفوا بالعناية بالسيرة ، وجمع أخبارها ، منهم أبان بن عثمان بن عفان المتوفى سنة 105هـ ، ووهب بن منبه المتوفى سنة 110هـ ، وعاصم بن عمر بن قتادة المتوفى سنة 120هـ ، ومحمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ ، وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن حزم المتوفى سنة 135هـ .
    ولم يبق من كتابات هؤلاء الرواد الأوائل إلا ما تناثر من روايات في تصانيف ابن إسحاق، والواقدي ، وابن سعد ، والطبري . ويقال : إنه توجد قطعة من كتاب وهب بن منبه، في مدينة هيدلبرج بألمانيا ، في مجموعة سكوت رينهارت . وهي قطعة صغيرة كتبت على ورق البردي ، وفيها ذكر بيعة العقبة .
    ثم جاءت بعد ذلك طبقة من كتاب السير ، منهم موسى بن عقبة المتوفى سنة 141هـ ، ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة 151هـ ، ومعمر بن راشد المتوفى سنة 154هـ ، وأبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني المتوفى سنة 170هـ . وهؤلاء جميعاً من تلامذة ابن شهاب الزهري.
    أما موسى بن عقبة ، فقد ألف في المغازي تأليفاً أثنى عليه الأئمة عن يحيى بن معين ، قال : "كتاب موسى بن عقبة ، عن الزهري ، من أصح هذه الكتب"( ) . وقال الإمام أحمد بن حنبل : "عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة"( ) . وروى ابن أبي حاتم الرازي ، بسنده عن معنى بن عيسى ، قال : "كان مالك بن أنس إذا قيل له : مغازي من نكتب ؟ قال : عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة"( ) . وفي رواية أخرى عنه : "فإنه رجل ثقة ، طلبها على كبر السن ولم يكثر كما أكثر غيره"( ) .
ولا تعرف نسخة من كتاب موسى بن عقبة هذا ، مع أنه سلم إلى القرن العاشر الهجري، حيث نقل عنه الديار بكري – حسين بن محمد – المتوفى نحو سنة 966هـ ، في كتابه تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس( ) . وقد نشر المستشرق الألماني سخاو (1845 – 1930م) قطعة من كتاب موسى بن عقبة ، في سنة 1904م( ) .
وأما ما كتبه معمر بن راشد ، وأبو معشر المدني ، فلم يبق منه شيء ، إلا ما تناقله المؤرخون من بعدهما . وسأتيك حديث ابن إسحاق .
ومعلوم أن المقصود بمصطلح "السيرة النبوية" هو ما يتصل بسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ، من حيث الحديث عن نسبه الشرف ، ومولده ونشأته ، وبعثته ، وصفاته ، وتصرف أحواله إلى أن لقى ربه راضياً مرضياً بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وترك أمته على مثل المحجة البيضاء . فهذا هو الأصل في مصطلح "السيرة النبوية" لكنه قد استعمل أيضاً مضافاً إليه حديث المغازي والحروب التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم ، لإعلاء كلمة الله في الأرض، فصار هذان المصطلحان يتعاقبان على موضوع واحد .
فكتاب ابن إسحاق يقال له : السيرة ، ويقال له : المغازي ، وقد جمع بعض المؤلفين المصطلحين في العنوان الذي اختاره لكتابه ، كما ترى في كتب ابن عبد البر ، وابن الجوزي ، وابن سيد الناس .
على أن هناك بعض الكتب التي تنصرف خالصة إلى السيرة النبوية بمعناها الأصلي الذي ذكرته ، وذلك ما عرف بكتب دلائل النبوة ، والشمائل ، والخصائص .
وينبغي أن يكون واضحاً أن الحديث عن السيرة النبوية والمغازي قد جاء بإفاضة أيضاً في بعض كتب الطبقات ، وكتب التاريخ المرتبة على السنين ، كالذي تراه في تاريخ خليفة بن خياط، والطبقات الكبير ، لابن سعد كاتب الواقدي ، وتاريخ ابن جرير الطبري ، المعروف بتاريخ الرسل والملوك ، وتاريخ عز الدين بن الأثير ، المسمى : الكامل ، وتاريخ الحافظ عماد الدين بن كثير ، الموسوم بالبداية والنهاية .
وهذا بيان أشهر كتب السيرة النبوية والمغازي ، واكتفيت فيه بالقدر الذي يطيقه الطالب المبتدئ ، ويجد فيه من سار في العلم خطوات تذكرة وبلاغاً إن شاء الله :
1- سيرة ابن هشام . وهو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المصري     (218هـ) .
وأصل هذه السيرة هو ما وضعه أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المدني القرشي (152هـ) . وقد رواها ابن هشام عن أبي محمد زياد ابن عبد الله البكاني العامري الكوفي (183هـ) ، عن ابن إسحاق( ) .
وقد تناول ابن هشام هذه الرواية التي وقعت له من سيرة ابن إسحاق ، بكثير من التحرير والاختصار والإضافة ، والنقد أحياناً ، والمعارضة بروايات أخر لغيره من العلماء( ).
ثم لهج الناس قديماً وحديثاً بسيرة ابن هشام ، حتى كادوا ينسون واضعها الأول . يقول ابن خلكان : "وهذا ابن هشام هو الذي جمع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغازي والسير لابن إسحاق ، وهذبها ولخصها .. وهي الموجودة بأيدي الناس ، المعروفة بسيرة ابن هشام"( ) .
2- شرح سيرة ابن هشام ، المسمى : الروض الأنف والمشروع الروى( ) في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة واحتوى . لأبي القاسم وأبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلى الأندلسي (581هـ) .
وهو كتاب تاريخ وعربية . قال فيه الصلاح الصفدي : "وهو كتاب جليل ، جود في ما شاء"( ) . وقال الوزير القفطي : "وتصنيفه في شرح سيرة ابن هشام يدل على فضله ونبله وعظمته وسعة علمه "( ) .
وإني لأنصح كل طالب علم باقتناء هذا الكتاب ومدارسته ، وإدامة النظر فيه ؛ لما حواه من فوائد في مختل علوم العربية ، وبخاصة علم النحو ، فإن السهيلي رحمه الله ، قد مد فيه يداً( ).
3- مغازي الواقدي – وهو أبو عبد الله محمد بن عمر (207هـ) .
4- الدرر في اختصار المغازي والسير . لابن عبد البر . أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري (463هـ) .
5- جوامع السيرة . لابن حزم . أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (456هـ) .
6- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير . لابن الجوزي . أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (597هـ) .
7- الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء . للكلاعي . أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الأندلسي (634هـ) .
8- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير . لابن سيد الناس . أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد (734هـ) .
9- المغازي . ( ) للذهبي . أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .

10- السيرة النبوية( ) . لابن كثير – إسماعيل بن عمر (774هـ) .
11- حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار( ) .
12- سبل الهدى والرشاد في سرة خير العباد . ويعرف بالسيرة الشامية . لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي الصالحي الشامي (942هـ) .
وهذا الكتاب الكتاب من أجمع كتب السيرة وأوعبها . وقد باشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة طعة عام 1392هـ - 1972م ، فأصدر منه ثلاثة أجزاء ، ثم توقف ، نسأل الله تيسير أسباب نشره كاملا .
13- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون . ويعرف بالسيرة الحلبية . لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي (1044هـ) .
 
كتب الدلائل والشمائل والخصائص
1- دلائل النبوة . لأبي نعيم الأصبهاني – أحمد بن عبد الله بن أحمد (430هـ)
2- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة( ) . لأبي بكر البيهقي – أحمد بن الحسين بن علي (458هـ) .
3- الشمائل النبوية( ) . للإمام الترمذي – محمد بن عيسى بن سورة (279هـ) .
4- شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم( ) . لابن كثير – إسماعيل بن عمر (774هـ).
5- الشفا بتعريف حقوق المصطفى( ) . للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (544هـ) .
6- الوفا بأحوال المصطفى . لابن الجوزي – أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (597هـ) .
7- الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة . لمحمد بن أبي بكر ابن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني ، الشهير بالبرى ، من رجال القرن السابع( ) .
8- الرصف لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف( ) . لأبي المكارم محمد بن محمد بن عبد الله الشافعي الواسطى البغدادي . المعروف بابن العاقولي (797هـ) .
9- إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنبياء والأموال والحفدة والمتاع( ) .لتقي الدين المقريزي المصري – أحم بن علي بن عبد القادر (845هـ) .
10- الخصائص الكبرى . لجلال الدين السيوطي– عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ).
11- تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس . للدياربكري – حسين بن محمد المتوفي نحو سنة 996هـ .
 
1- تراجم الصحابة والتابعين
1- الطبقات . لأبي عمرو خليفة بن خياط( ) . شباب العصفوري (240هـ) .
2- الطبقات الكبير( ) (الكبرى) لأبن سعد – محمد بن سعد بن منيع (230هـ) .
3- الاستيعاب في أسماء أصحاب( ) لابن عبد البر – يوسف بن عبد الله بن محمد         (463هـ) .
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة . لعز الدين بن الأثير – علي ابن محمد بن عبد الكريم (630هـ) .
5- الإصابة في تمييز الصحابة( ) . لابن حجر العسقلاني – أحمد بن علي بن محمد (852هـ).
2- تراجم القراء
1- معرفة القراءة الكبار على الطبقات والأعصار( ) . للذهبي – محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .
    2- طبقات القراءة – يسمى غاية النهاية – لابن الجزري – محمد بن محمد بن محمد      (833هـ) .
3- تراجم المفسرين
    1- طبقات المفسرين( ) . للسيوطي – عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ) .
    2- طبقات المفسرين . للداودي – محمد بن علي بن أحمد (945هـ) .

4- تراجم المحدثين والرواة
    1- التاريخ الكبير . للإمام أبي عبد الله البخاري – محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (256هـ) .
    2- الجرح والتعديل . لابن أبي حاتم الرازي – عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (327هـ) .

    3- تذكرة الحفاظ( ) .للذهبي – محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .
    4- ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للذهبي( ) .
    5- لسان الميزان . لابن حجر العسقلاني – أحمد بن علي بن محمد (852-هـ) .
    6- تهذيب التهذيب . لابن حجر .
5- تراجم الفقهاء والأصوليين
الحنفية
1- الجواهر المضية في طبقات الحنفية( ). للقراشي– عبد القادر بن محمد بن نر الله (775هـ) .
2- الطبقات السنية في تراجم الحنفية( ) . لتقي الدين بن عبد القادر التميمي العزى (1010هـ) .
المالكية
1-  ترتيب المدارك( ) وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب ملك . للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبى السبتى (554هـ) .
2- لديباج المذهب في تراجم أعيان المذهب( ) . لابن فرحون – إبراهيم بن علي بن محمد (779هـ) .
3- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية . لمحمد بن محمد مخلوف (1360هـ) .
الشافعية
1- طبقات الشافعية الكبرى( ) . لتاج الدين السبكي – عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي (711هـ) .
2- طبقات الشافعية . لتاج الدين الإسنوى – عبد الرحيم بن الحسن بن علي (772هـ)
الحنابلة
    1- طبقات الحنابلة . لابن أبي يعلى – محمد بن محمد بن الحسين (526هـ) .
    2- الذيل على طبقات الحنبلة( ) . لابن رجب – عبد الرحمن ابن أ؛مد (795هـ) .
الأصوليون
    طبقات الأصوليين – يسمى : الفتح المبين . لعبد الله مصطفى المراغي .
6- تراجم الشيعة والمعتزلة
    1- أعيان الشيعة( ) . لمحسن بن عبد الكريم بن علي . الأمين (1371هـ) .
    2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة . لمحمد محسن بن علي ، الشهير بالشيخ آغار بزرك الطهراني (1389هـ) .
    وله أيضاً : طبقات الشيعة .
    3- طبقات المعتزلة . للقاضى عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني (415هـ)
    4- طبقات المعتزلة( ) . لابن المرتضى – أحمد بن يحيى (840هـ) .
7- تراجم الزهاد والصوفية
    1- حيلة الأولياء وطبقات الأصفياء( ) . لأبي نعيم الأصبهاني – أحمد بن عبد الله بن أحمد (430هـ) .
    2- صفة الصفوة [ويسمى : صفوة الصفوة – وهو اختصار حلية الأولياء ، السابق] لأبي الفرج بن الجوزي – عبد الرحمن بن علي ابن محمد (597هـ) .
    3- طبقات الصوفية . للسلمى – محمد بن الحسين بن محمد (412هـ) .
    4- الرسالة القشيرية( ) . لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (465هـ) .
    5- طبقات الأولياء . لابن الملقن – عمر بن علي بن أحمد (804هـ) .
    6- الطبقات الكبرى – وتسمى : لواقح الأنوار في طبقات الأخيار . للشعراني – عبد الوهاب بن أحمد بن علي (973هـ) .
8- تراجم اللغويين والنحاة
1- نزهة الألباء في طبقات الأدباء . لابي البركات الأنباري – عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (577هـ) .
2- إنباه الرواة على أنباه النحاة( ) . للقفطي – علي بن يوسف بن إبراهيم (646هـ).
3- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة . للسيوطي – عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (911هـ) .
9- تراجم الأباء والشعراء
    1- طبقات فحول الشعراء( ) . لابن سلام الجمحي – محمد بن سلام بن عبيد الله        (232هـ) .
    2- الشعر و الشعراء( ) . لابن قتيبة – عبد الله بن مسلم (276هـ) .
    3- طبقات الشعراء . لابن المعتز – عبد الله بن محمد (296هـ) .
    4- الأغاني( ) . لأبي الفرج الأصبهاني – على بن الحسين بن محمد (356هـ) .
    5- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء . للآمدي – الحسن بن بشر بن يحيى (370هـ) .
    6- معجم الشعراء( ) .للمرزياني – محمد بن عمران بن موسى (384هـ) .
    7- يتيمة الدهر – وتتمة اليتيمة . كلاهما لأبي منصور الثعالبي – عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (429هـ) .
    8- دمية القصر وعصره أهل العصر . للباخرزي – علي بن الحسن بن علي (467هـ).
    9- خزيدة القصر وجريدة أهل العصر . للعماد الأصفهاني الكاتب – محمد بن محمد بن حامد (597هـ) وهي في أقسام :
    قسم شعراء مصر .
    قسم شعراء الشام .
    قسم شعراء العراق .
    قسم شعراء المغرب والأندلس .
    وقد طبع القسم الأول في مصر ، بتحقيق الأستاذة : أحمد أمين ، وشوقي ضيف ، وإحسان عباس . وطبع الثاني في دمشق ، بتحقيق الدكتور شكري فيصل ، وطبع الثالث في بغداد بتحقيق العلامة الشيخ محمد بهجة الأثري .
    أما القسم الرابع فقد طبع أولاً في مصر ، بتحقيق الأستاذين علي عبد العظيم ، وعمر الدسوقي ، ثم طبع بعد ذلك في تونس ، بتحقيق الأساتذة : محمد المرزوقي ، ومحمد العروسي المطوي، والجيلاني بن الحاج يحيى ، وآذرتاس آذرنوس .
    ويقول الأستاذ خير الدين الزركلي ، رحمه الله ، تعليقاً على ذلك : "وكانت في طريقة طبعة إقليمية خبيثة في الأدب( ) " .
    فإن كان الزركلي يشير إلى شيء قد عرفه ولم يصرح به ، حياءً منه أو ستراً ، فلا بأس ولا نكران .
    أما إ، كان يريد استقلال علماء كل بلد بتحقيق القسم الخاص ببلدهم ، فلا إقليمية في ذلك ، بل إن هذا ما ينبغي أن يكون – وأهل مكة أدرى بشعابها ، كما قالوا . وآية ذلك أن طبعة تونس من "القسم الخاص بشعراء المغرب والأندلس" تفضل بكثير الطبعة المصرية منه( ) .
    وأزيد ذلك بياناً بمثالين : الأول : طبعة دار الكتب المصرية من كتاب النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة . فما كان لأحد غير محمد رمزي بك ، الجغرافي المصري الكبير ، أن يكتب هذه الحواشي النافعة على الكتاب ، والتي حقق بها كثيراً من أسماء المدن والقرى المصرية( ) .
    والمثال الثاني : ذلك النقد الذي كتبه العلامة الشيخ حمد الجاسر ، على الطبعة الكويتية من " تاج العروس" ، والذي تناول أوهاماً حول أسماء البلدان والمواضع في الجزيرة العربية . والشيخ حمد الجاسر ، هو فارس ذلك الميدان ، غير مدفوع ولا مزاحم .
    أما ما وراء تلك الخصوصية البلدانية ، من علوم الأمة وفنونها ، فالكل فيه سواء ، ولا تفاضل بين الناس في ذلك ، إلا بالعلم والإحاطة .
    10- معجم الأدباء – ويسمى إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب( ) .  لياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (626هـ) .
    11- المحمدون من الشعراء( ) . للقفطى – علي بن يوسف بن إبراهيم (646هـ) .
    12- ريحانة الألبا( ) . للشهاب الخفاجي – أحمد بن محمد بن عمر (1069هـ) .
    13- نفحة الريحانة . للمحبى – محمد أمين بن فضل الله (1111هـ) .
    14- خزانة الأدب( ) . للعلامة عبد القادر بن عمر البغدادي (1093هـ) .
    وهذا الكتاب شرح لشواهد الرضى على الكافية في النحو ، ولكن البغددي رحمه الله نفذ من خلال هذا الشرح إلى تراجم الشعراء والأدباء والعلماء ، وأتى بكل غريبة وعجيبة من علوم العربية وفنونها .

10- تراجم الأطباء والفلاسفة
    1- طبقات الأباء والحكماء( ) . لابن جلجل الأندلسي – سليمان بن حمد (بعد     377هـ) .
    2- تاريخ حكماء الإسلام . لليهقي – علي بن زيد بن محمد (565هـ) .
    3- إخبار العلماء بأخبار الحكماء . للقفطي – علي بن يوسف ابن إبراهيم (646هـ).
    4- عيون الأنباء في طبقات الأطباء( ) . لابن أبي أصبيعة – أحمد بن القاسم بن خليفة     (668هـ) .
11- تراجم القضاء
    1- أخبار القضاة . لوكيع – محمد بن خلف بن حيان (306هـ) .
    2- الولاة والقضاة . لأبي عمر الكندي – محمد بن يوسف بن يعقوب . (بعد       355هـ) .
    3- قضاة قرطبة . للخشني – محمد بن الحارث بن أسد القيرواني الأندلسي (نحو     366هـ) .
    4- رفع الإصر عن قضاة مصر( ) .لابن حجر العسقلاني – أحمد بن علي بن محمد        (852هـ) .
    5- ذيله المسمى : بغية العلماء والرواه( ) . لشمس الدين السخاوي – محمد بن عبد الرحمن محمد – وهو تلميذ ابن حجر – (902هـ) .
    6- قضاة دمشق . ويسمى : الثغر بسام في ذكر من ولى قضاء الشام لابن طولون – محمد بنعلي بن أحمد (953هـ) .
12- تراجم الخلفاء
     1- أسماء الخلفاء والولاة( ) . لابن حزم – علي بن أحمد بن سعيد (456هـ) .
    2- الإنباء في تاريخ الخلفاء( ) . لمحمد بن علي بن محمد ، المعروف بابن العمراني (نحو 580هـ) .
    3- تاريخ الخلفاء . للسيوطي – عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ) .
    4- اتعاظ الحنفا في أخبار الأئمة الفاطمين الخلفا . للمقريزي – أحمد بن علي بن عبد القادر (845هـ) .
13- تراجم الوزراء
    1- الوزراء والكتاب . للجهشياري – محمد بن عبدوس بن عبد الله (331هـ) .
    2- تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء( ) . لهلال بن المحسن بن إبراهيم الصابى (331هـ).
    3- الإشارة إلى من نال الوزارة . لابن الصيرفي – علي بن منجب بن سليمان (542هـ) .
    4- النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية( ) .لنجم الدين عمارة بن علي بن زيدان الحكمي اليمني (569هـ) .
14- تراجم المؤرخين
1- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ . لشمس الدين السخاوي – محمد بن عبد الرحمن ابن محمد (902هـ) .
15- تراجم النسابين
    1- منية الراغبين في طبقات النسابين( ) . للسيد عبد الرزاق ابن السيد حسن كمونة الحسيني . فرغ من تأليفه سنة 1381هـ .
16- تراجم النساء
    1- الدر المنثور في طبقات ربات الخدود . لزينب بن علي بن حسين – الشهيرة بزينب فواز العاملي (1332هـ) .
    2- أعلام النساء . للأستاذ عمر رضا كحلة . أطال الله في النعمة بقاءه .
 
17- التراجم على البلدان
1- أخبار مكة( ) وما جاء فيها من آثار . للأزرقي – محمد بن عبد الله بن أحمد           (نحو 250هـ) .
2- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين . لتقى الدين الفاسي – محمد بن أحمد بن علي    (832هـ) .
3- إتحاف الورى بأخبار أم القرى . لنجم الدين فهد فهد – عمر بن محمد بن محمد     (885هـ) .
4- تاريخ المدينة [المنورة] لأبي زيد عمر بن شبة (262هـ) .
5- الدرة الثمينة في تاريخ المدينة( ) . لابن النجار – محمد بن محمود بن الحسن (647هـ) .
6- المغانم المطابة في معالم طابة . للفيروز إبادي – محمد بن يعقوب بن محمد (817هـ).
7- التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة . للسخاوي – محمد بن عبد الرحمن بن محمد (902هـ) .
8- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى . للسمهودي – على بن عبد الله بن أحمد (911هـ) .
9- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل( ) . لمجير الدين العليمي الحنبلي – عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن (928هـ) .
10- تاريخ إربل – المسمى – المبارك بن أحمد اللخمى الأماثل( ) .لابن المستوفى الإربلى-المبارك بن أحمد اللخمي (637هـ) .
11- ذكر أخبار أصبهان( ) .لأبي نعيم الاصبهاني – أحمد عبد الله بن أحمد (430هـ).
12- تاريخ بغداد( ) .للخطيب البغدادي – أحمد بن علي بن ثابت (463هـ) .
13- تاريخ جرجان . للسهمى – حمزة بن يوسف بن إبراهيم (427هـ) .
14- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء . للشيخ محمد راغب ابن محمود الطباخ         (1370هـ) .
15- تاريخ دمشق( ) .للحافظ ابن عساكر – علي بن الحسن بن هبة الله (571هـ).
ولهذا الكتاب قيمة أدبية كبرى – إلى جانب قيمته التاريخية – لعنايته بتراجم الشعراء وذكر أخبارهم وأشعارهم . فينبغي أن يوضع أيضاً في مصادر تاريخ الأدب .
16-تهذيب تاريخ دمشق( ) السابق . للشيخ عبد القادر بن ابن مصطفى بن محمد . المعروف بعبد القادر بدران (1346هـ) .
17- الوسيط في تراجم أدباء شنقيط (موريتانيا الآن) لأحمد ابن الأمين الشنقيطي         (1331هـ) .
18- تاريخ ثغر . لعبد الله الطيب بن عبد الله بامخرمة (947هـ) .
19- فضائل مصر . لعمر بن محمد بن يوسف الكندي (كان حياً في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري) .
20- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة . لابن ثغرى بردى( ) – يوسف بن تغرى بردي بن عبد الله (874هـ) .
21- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة . للسيوطي – عبد الرحمن بن أبي بكر     (911هـ) .
22- الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء السعيد [صعيد مصر] للأدفوي – جعفر بن( ) تغلب بن جعفر (748هـ) .
23- السلوك لمعرفة دول الملوك [بمصر] للمقريزي – أحمد بن علي بن عبد القادر (845هـ) .
24- تاريخ الموصل . للأزدي – يزيد بن محمد بن إياس (334هـ) .
25- تاريخ مدينة صنعاء . لأحمد بن عبد الله بن محمد الرازي الصنعاني . (نحو سنة 500هـ) ( ) .
26- طبقات فقهاء اليمن . لابن سمرة الجعدي – عمر بن علي بن سمرة (بعد 586هـ).
27- قرة العيون في أخبار اليمن الميمون( ) . لابن الديبع الشيباني – عبد الرحمن بن علي ابن محمد (944هـ) .
18 التراجم على القرون
1- الذيل على الروضتين (تراجم رجال القرنين السادس والسابع) لأبي شامة المقدسي- عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم (665هـ) .
2- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع . للشوكاني – محمد بن علي بن محمد    (1250هـ) .
3- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة( ) . لابن حجر العسقلاني – أحمد بن علي بن محمد (852هـ) .
4- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع . لشمس الدين السخاوي – محمد بن عبد الرحمن بن محمد (902هـ) .
5- النور السافر عن أخبار القرن العاشر . لعبد القادر بن شيخ ابن عبد الله العيدروس    (1038هـ) .
6- الكواكب السائرة في أعان المائة العاشرة . لنجم الدين الغزى – محمد بن محمد بن محمد (1061هـ) .
7- خلاصة الأثر في أعيان الحادي عشر . للمحبى – محمد أمين بن فضل الله بن محب الله (1111هـ) .
8- نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني [عشر] للقادري – محمد الطيب بن عبد السلام الحسنى (1187هـ) .
9- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر . للمرادي – محمد خليل بن علي بن محمد (1206هـ) .
10- الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر . للآلوسي . علاء الدين بن نعمان بن محمود (1340هـ) .
11- حيلة البشر في تاريخ القرن الثالث عشر . لعبد الرزاق بن حسن البيطار (1335هـ) .
12- المسك الأذفر في تراجم علماء القرن الثالث عشر . للآلوسي . محمود شكري بن عبد الله (1342هـ) .
13- تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر . لأحمد باشا تيمور (1348هـ) .
14- الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية . للوراق المصري زكي محمد مجاهد( )، المتوفى منذ نحو سبع سنوات .
وهذا الكتاب – فيما أعلم – آخر تلك السلسلة ، في الترجمة على القرون .
19- التراجم العامة
وهي على قسمين :
أ‌-    التراجم المرتبة على السنين .
ب‌-    التراجم المرتبة على الأسماء .
ومراجع الطائفة الأولى تتمثل في كتب التاريخ العامة ، التي تترجم للأعلام ، على السنوات ، فتذكر في أحداث كل سنة من توفى فيها من الأعلام .
ومن أبرز مراجع كتب التاريخ هذه :
1- تاريخ الأمم والملوك( ) . لابن جرير الطبري – محمد بن جرير بن يزيد (310هـ).
2- الكامل( ) . لعز الدين بن الأثير – على بن محمد بن عبد الكريم (630هـ) .
3- البداية والنهاية( ) . لابن كثير – إسماعيل بن عمر (774هـ) .
4- شذرات الذهب في أخبار من ذهب . لابن العماد الحنبلي – عبد الحي بن أحمد بن محمد (1089هـ) .
 
التراجم المرتبة على الأسماء
من أبرز كتب هذه الطائفة :
    1- وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان – لابن خلكان – أحمد بن محمد بن إبراهيم       (681هـ) .
    2- فوات الوفيات . لابن شاكر الكتبي – محمد بن شاكر بن أحمد (764هـ) .
    3- الوافي بالوفيات( ) . لصلاح الدين الصفدي – خليل بن أيبك بن عبد الله (764هـ) .
    4- سير أعلام النبلاء( ) . للذهبي – محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .

20- تراجم أهل المغرب والأندلس
    1- تاريخ علماء الأندلس( ) . لابن الفرضى – عبد الله بن محمد بن يوسف (403هـ).
    2- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس( ) . للحميدي محمد بن فتوح بن عبد الله       (488هـ) .
    3- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة( ) . لابن بسام – علي بن بسام الشنتريني (578هـ) .
4- الصلة في تاريخ أئمة الأندلس( ) . لابن بشكوال – خلف ابن عبد الله بن مسعود    (578هـ) .
5- التكملة لكتاب الصلة . لابن الأبار – محمد بن عبد الله بن أبي بكر (658هـ) .
6- الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة . لابن عبد الملك – محمد بن محمد بن عبد الملك (703هـ) .
7- مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس . للفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان( ) القيسي (528هـ) .
8- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس . لابن عميرة الضبي – أحمد بن يحيى بن أحمد (599هـ) .
9- المعجب في تلخيص أخبار المغرب . لعبد الواحد بن علي التيمي المراكشي (647هـ) .
10- الحلة السيراء( ) –في تاريخ أمراء المغرب . لابن الأبار – محمد بن عبد الله بن أبي بكر (658هـ) .
11- المعجم في أصحاب القاضي الصدفي . لابن الأبار – محمد بن عبد الله بن أبي بكر (658هـ) .
12- المغرب في حلى المغرب . لابن سعيد المغربي الأندلسي – على بن موسى بن محمد (685هـ) .
13- الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة . لابن سعيد المغربي الأندلسي – علي بن موسى بن محمد( ) (685هـ .
14- الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة . للسان الدين بن الخطيب – محمد بن عبد الله بن سعيد (776هـ) .
15- الإحاطة في أخبار غرناطة . للسان الدين بن الخطيب أيضاً .
16- دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشاهير القرن العاشر( ) . لمحمد بن علي بن عمر الحسني (986هـ) .
17- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب( ) . للمقرى – أحمد بن محمد بن أحمد (1041هـ) .
18- أزهار الرياض في أخبار القاضى عياض( ) . للمقرى – أحمد بن محمد بن أحمد (1041هـ) .
19- المؤنس في أخبار إفريقية وتونس . لابن أبي دينار – محمد ابن أبي القاسم الرعيني القيرواني (كان حياً سنة 1110هـ) .
20- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى( ) . لأحمد بن خالد ابن حماد الناصري السلاوي (1315هـ) .
21- دليل مؤرخ المغرب الأقصى . لعبد السلام بن سودة المتوفى منذ نحو خمس سنوات( ) .
 
21- المراجع الهادية
    وأعني بها تلك المراجع التي تهدي وتدل على المراجع الكبرى ، بعد أن تقدم تعريفاً موجزاً بالمترجم له ، وتأتي فيه على مولده ووفاته ، وأبرز أعماله .
    وقد كثرت هذه المراجع في العصر الحديث كثرة ظاهرة . ولا يستحق منها التنويه به ، سوى كتابين( ) ، هما :
    1- الأعلام ؟ للأستاذ خير الدين الزركلي . رحمه الله .
    12- معجم المؤلفين . للأستاذ عمر رضا كحالة . متعه الله بالصحة والسلامة .

* * *
أما " الأعلام " فهو خير كتاب لف في بابه ، بل هو خير ما كتب كاتب في تراجم الرجال والنساء في هذا العصر .
وقد جعل الزركلي ميزان الاختيار عنده : "أن يكون لصاحب الترجمة علم تشهد به تصانيفه ، أو خلافة أو ملك أو إمارة ، أو منصب رفيع – كوزارة أو قضاء – كان له فيه أثر بارز، أو رياسة مذهب ، أو فن تميز به ، أو أثر في العمران يذكر له ، أو شعر ، أو مكانة يتردد بها أسمه ، أو رواية كثيرة ، أو يكون أصل نسب ، أو مضرب مثل . وضابط ذلك كله : أن يكون ممن يتردد ذكرهم ، ويسأل عنهم "( ) .
وقد أفسح الزركلى في كتابه ، مكاناً لهؤلاء النفر من المستشرقين ، الذين قدموا خدمة للعربية ، في مجال الدراسات ونشر النصوص .
ومحاسن هذا الكتاب كثيرة ، وإن فأتنى ذكر هذه المحاسن مجتمعة ، فإني أشير إلى أبرزها:
1- الدقة البالغة في تحرير الترجمة ، وإبراز أهم ملامح العلم المترجم .
2- ذكر ما قد يكون من خلاف ، في الاسم( ) ، والمولد والوفاة ، ونسبة الكتب( ) مع اتخاذ مواقف الحسم ، أو الترجيح .
3- تنقية بعض كتب التراجم مما علق بها ، من وهم ، أو تصحيف ، أو تحريف .
4- الرجوع في توثيق الترجمة إلى المصادر المخطوطة ، إذا عزت المطبوعة ، أو كانت الثقة بها نازلة( ) .
5- الاستعانة بالمراجع الحية ، من أهل العلم ، والمنتسبين إلى مذهب المترجم( ) .
6- جلاء الغموض الذي يكتنف بعض الأعلام( ) .
7- التنبيه على بعض الفوائد العلمية( ) .
8- الإنصاف والبعد عن الهوى ، وسوق الرأي الخاص ملففاً في بجاد( ) النزاهة والتصون. وأكثر ما ترى ذلك في تراجم المعاصرين ، من أهل الفكر والأدب والسياسة( ) .
9- الإحالة الذكية بعد الفراغ من الترجمة إلى أصول المصادر والمراجع .
10- ذكر نفائس المخططات ونوادرها ، التي رآها في رحلاته وأسفاره . وكذلك التي اطلعه عليها أصدقاؤه( ) ، وفي مقدمتهم السيد أحمد عبيد ، بدمشق ، وما أكثر ما أشار إليه في تعليقاته .
11- إثبات صور خطوط العلماء قديماً وحديثاً . وهذا يفيد في توثيق المخطوطات التي يقال إنها بخطوط مؤليها . فعن طريق مضاهاة ما بيدك منها بما أثبته من تلك النماذج للخطوط ، يظهر لك وجه الصواب ، أو الخطأ .
ويتصل بذلك إثباته لتوقيعات الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء وصور المحدثين من المعاصرين ، ومن قرب منهم ، ممن أدركهم فن التصوير الفوتوغرافي .
12- وقد زان ذلك كله حسن البيان ، وصفاء العبارة . فالرجل رحمه الله ، كان أديباً شاعراً . وقد كان الأدب ومازال ، خير سبيل لإيصال المعرفة ، وسرعة أنصابها إلى السمع ، واستيلائها على النفس . والبليغ يضع لسانه حيث أراد . وإنك لتجد كثيراً من الدراسات قد جمعت فأوعت ، لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة ؛ لجفافها وعسرها .
أما ما وراء ذلك من حلو الشمائل ، وكرم الطبع ، ونقاء الخلق ، فهو مما لهج به الخاصة والعامة ، ممن اتصلوا بالرجل ، بسبب من الأسباب .
ولست أشك في أن إقامة الزركلى – رحمه الله – في مصر والمغرب ، سنين ذوات عدد ، قد أعانته على إقامة ذلك الصرح الشامخ . وآية ذل أن كثيراً من نماذج المخطوطات ، التي امتلأ بها كتابه ، من محفوظات دار الكتب المصرية ، ومعهد المخطوطات بالقاهرة ، وخزائن الكتب الخاصة والعامة ، بالمغرب الأقصى( ) .
وخلاصة القول : أن هذا الكتاب أبلغ رد على من يزعم أن العرب المعاصرين لم يصنعوا شيئاً ذا بال ، في تاريخ رجالهم وأعلامهم .
وأنه لا ينبغي أن تخلو مكتبة طالب علم من هذا الكتاب .
وليت الذين يطبعون الكتب احتساباً وقربى ، يدخرون لأنفسهم عملاً صالحاً بطبع هذا الأثر الباقي ، وتمكين من لا يقدر على شرائه من قراءته ولانتفاع به .

* * *
وأما كتاب "معجم المؤلفين" للأستاذ عمر رضا كحالة ، فهو عظيم النفع جليل الفائدة . وقد أبان عن منهجه ، وغايته من تأليفه ، فقال في تقدمته : "هذا معجم لمصنفي الكتب العربية ، ومن عرب وعجم ، ممن سبقوا إلى رحمة الله ، منذ بدء تدوين الكتب العربية حتى العصر الحاضر. وقد أحلقت بهم من كان شاعراً ، أو راوياً ، وجمعت آثاره بعد وفاته" .
وتراجم الكتاب غاية في الوجازة والاختصار ، فهو لم يعن بترجمة المؤلف عنايته بذكر مصادر الترجمة ، وقد توسع في ذلك توسعاً ظاهراً ، وأتى بالقريب والبعيد ، مما يعفى الباحث عن عناء التتبع والاستقصاء( ) .
أنساب العرب
1- مختلف القبائل ومؤتلفها( ) . لابن حبيب – محمد بن حبيب بن أمية (245هـ) .
2- الاشتقاق( ) . لابن دريد – محمد بن الحسن (321هـ) .
3- الإيناس بعلم الأنساب( ). للوزير المغربي – الحسين بن علي بن الحسين (418هـ).
4- جمهرة أنساب العرب . لابن حزم – علي بن أحمد بن سعيد (456هـ) . وهو أجمع كتاب في هذا الباب .
5- عجالة المتبدى وفضالة المنتهى( ) ، في النسب ، لأبي بكر الحازمي – محمد بن موسى بن عثمان (584هـ) .
هذا وقد بدأت وزارة الإرشاد والأنباء ، بالكويت ، في إخراج أصل كتب الإنساب جميعا ، وهو كتاب " جمهرة النسب " لابن الكلبى – هشام بن محمد ، المتوفى سنة (204هـ) . وقد أصدرت منه الجزء الأول ، عام 1403هـ .
 
الأنساب بوجه عام
(إلى قبيلة ، أو بلد ، أو صناعة ، و مذهب ، أو شيخ( ) )
1- الأنساب( ) . لأبي سعد السمعاني – عبد الكريم بن محمد بن منصور (562هـ) .
2- اللبان في تهذيب الأنساب( ) . لعز الدين بن الأثير – علي بن محمد بن عبد الكريم   (630هـ) .
3- لب اللباب في تحرير الأنساب( ) . للسيوطي – عبد الرحمن بن أبي بكر                (911هـ).
ضبط الأعلام والكنى والألقاب والأنساب
معلوم أن العناية بالضبط والتقييد ، إنما ترجع إلى علماء الحديث ، الذين أرادوا أن يحاصروا مظاهر التصحيف والتحريف( ) ، في متون الأحاديث وأسانيدها ، ثم قفا الأدباء والمؤرخون قفوهم ، حتى استوى ذلك ؛ فنا قائماً بنفسه ، وتعددت فيه المصنفات .
فمن ذلك
1- المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة( ) . لأبي الفتح عثمان بن جنى (392هـ) .
2- الإكمال في رفع الارتياب عن المختلف والمؤتلف من الأسماء والكنى والأنساب. للأمير علي بن هبة الله بن علي ، المعروف بابن ماكولا (475هـ) .
3- الأنساب المتفقة في الخط ، المتماثلة في النقط والضبط . لابن الفيسراني – محمد بن طاهر بن علي (507هـ) .
4- المشتبه في الأسماء والأنساب والكنى والألقاب( ) . للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ) .
5- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه( ) . لابن حجر العسقلاني – أحمد بن علي بن محمد       (852هـ) .
6- تحفة ذوى الأرب في مشكل الأسماء والنسب . لابن خطيب الدهشة – محمود بن أحمد بن محمد المتوفى سنة (834هـ) وهو ابن الإمام الفيومي ، صاحب "المصباح" في اللغة .
فهذه أبرز مراجع ضبط الأعلام والأنساب . وهناك كتابان داخلان في هذا الفن :

 

 

 

 


 
أما أحدهما فهو كتاب وفيات الأعيان . لابن خلكان ، الذي ذكرته في "مراجع التراجم العامة" . فقد جرى ابن خلكان ، على أن يذكر في آخر الترجمة ما يشتبه ويلتبس من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب ، مقيداً ذلك بالعبارة والبيان الواضح ، مما عرف عند العلماء بتقييدات ابن خلكان .
وأما الثاني فهو كتاب تاج العروس في شرح القاموس ، للمرتضى الزبيدي . فإذا عز عليك شيء من المشتبهات ، في تلك الكتب التي ذكرتها ، فالتمسه من هذا الكتاب الجامع ، الذي أتى على كثير من فوائد الضبط والتقييد ، وخاصة في أعلام وأنساب المتأخرين .
وقد عول الزبيدي كثيراً ، على كتاب " تبصير المنتبه " لابن حجر ، الذي ذكرته . فإذا قال : "وقال الحافظ" فأعلم أنه يريده( ) .
 
مراجع البلدان والمواضع والمياه والجبال
1- بلاد العرب( ) . للحسن بن عبد الله الأصفهاني ، المعروف بلغدة (من رجال القرن الثالث الهجري) .
2- معجم ما استعجم في أسماء البلدان والمواضع( ) . لأبي عبيد البكري الأندلسي – عبد الله بن عبد العزيز بن محمد (487هـ) .
وهذا الكتاب – إلى قيمته الجغرافية – يعد مصدراً من مصادر الأدب ، وتوثيق الشعر، فقد حشد فيه أبو عبيد ، طائفة كبيرة من الشعر ، منزلة على منازلها في أسماء البلدان والمواضع .
3- الأمكنة والمياه والجبال . لجار الله أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري      (538هـ) .
4- معجم البلدان( ) . لياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (626هـ) .
وهذا الكتاب هو أجمع ما صنف في الجغرافية العربية .
5- والمشترك وضعاً والمفترق صقعاً – في أسماء البلدان – لياقوت أيضاً( ) .
6- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع . لعبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي الحنبلي (739هـ) .
اختصر به " معجم البلدان " لياقوت . واستدرك عليه أشياء . قال في مقدمته : "وربما زدته بياناً في بعض المواضع ، أو أصلحت ما تنبهت عليه فيه ، من خلال وجدته ... وقد يكون مما رأيت في سفري ، واجتزت به ، وخاصة في أعمال بغداد ، فإنه كثير الخطأ فيها "( ) .
7- الروض المعطار في خبر الأقطار . لمحمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري السبتي، المتوفى سنة (727هـ) على ما حققه الدكتور إحسان عباس ، في نشرته للكتاب( ) .
8- صفة جزيرة الأندلس .
انتزعه المستشرق الفرنسي ليفي بروفنسال ، من كتاب " الروض المعطار" المذكور، ونشره بمطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر ، سنة 1937م . وكنت حرياً أن أغفله ، إذا كان أصله " الروض " قد طبع وذاع ، لولا أني رأيت منه مصورة بيروتية ضالة ، فأحببت أن أبين أمره ، حتى لا يلتبس علي بعض المبتدئين . وربنا المستعان على ما ينشرون ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
فهذه أشهر مراجع البلدان والجغرافية العربية .
على أن هناك معجماً لغوياَ ، يتصل بهذه السلسلة الجغرافية بنسب وثيق . ذلكم هو كتاب "تاج العروس في شرح القاموس" للمرتضى الزبيدي – محمد بن محمد بن محمد . (المتوفى سنة 1205هـ) فقد ذكر أسماء البلدان العربية ، وأنزلها منزلها من حروف المعجم . ثم هو فوق ذل حجة في بلدان ومواضع اليمن ومصر ، وتعليل ذلك واضح ، فقد كان منشأة في زبيد باليمن، وإقامته وأعماله العلمية بمصر . وهو يصف بعض البلدان في مصر واليمن ، وصف الرائي المشاهد( ) .

 
علم قوائم الكتب والفنون
أو
الببليوجرافيا العربية
أخذت دائرة التأليف العربي – في شتى العلوم والفنون – تتسع منذ منتصف القرن الثالث . وكان لابد من تسجيل هذا التراث وتصنيفه ، على أبواب العلوم وأسماء الكتب .
ويعد ابن النديم – محمد بن إسحاق بن محمد ، المتوفى سنة 438هـ أول من عنى بهذا اللون من التأليف الكتبي ، أو الببليوجرافي .
ولاشك أن اشتغال ابن النديم بصناعة الوراقة ، وهي نسخ الكتب وبيعها ، قد أظهره على أسماء الكتب ، وطرائق تأليفها ، مما أعانه على إقامة عمله الرائد هذا( ) .
وقد أبان ابنُ النديم عن منهجه ، في تلك المقدمة الموجزة التي صدر بها كتابه . قال :
وهذا فهرست كتب جميع الأمم ، من العرب والعجم ، الموجود منها بلغة العرب وقلمها، في أصناف العلوم ، وأخبار مصنفيها ، وطبقات مؤلفيها وأنسابهم ، وتاريخ موليدهم ، ومبلغ أعمارهم ، وأوقات وفاتهم ، وأماكن بلدانهم ، ومناقبهم ومثالبهم ، منذ ابتداء كل علم اخترع إلى عصرنا هذا ، وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة " .
وهكذا اختلط هذا العلم – علم قوائم الكتب – بعلم التراجم ، وإن كانت الغلبة للأول. وظهر هذا المنهج القائم على المزج بين العلمين ، في كتب الببليوجرافية كلها ، على اختلاف مناهجها ، بسطاً أو إيجازاً .
ومن أبرز كتب هذا الفن :
1- الفهرست ، لابن النديم ، الذي قدمت لك شيئاً من خبره .
2- مفتاح السعادة ومصباح دار السيادة . لأحمد بن مصطفى ابن خليل . المعروف بطاش كبرى زاده (968هـ) .
وقد أخضع المؤلف كتابه هذا ، لتقسيمات فكرية ، قائمة على رأيه في العلوم العربية والإسلامية ؛ نظرية وعملية ، مستهدفاً تصفية النفس الإنسانية ، وإيصالها إلى السعادة عند طريق الاطلاع على العلوم والمعارف .
وفي أثناء ذلك يذكر موضوع كل علم ، والغاية منه ، وأسماء أبرز الكتب المصنفة فيه ، مع الترجمة للمؤلفين . والتراجم عنده – في غالب أمره – منتزعة من كتب المرخين السابقين، بألفاظها وسياقها ، كما رأيت من اتكائه على طبقات الشافعية الكبرى ، لابن السبكي .
3- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ؟ لمصطفى بن عبد الله . كاتب جلبى، المعروف بالحاج( ) خليفة (1067هـ) .
وهذا الكتاب أجمع ما صنف في علم قوائم الكتب ، وايسر ما ألف فيه أيضاً ؛ وذلك لأن الحاج خليفة – رحمه الله – قد رتبه على حروف ألف باء ، وأنزل الحدي عن موضوعات العلوم وأسماء الكتب ، على منازل هذا الحروف . فعلم النحو مثلا يذكر في حرف النون ، مع ذكر أبرز الكتب المصنفة فيه ، والجبر والحساب يذكران في الجيم والحاء . وغالباً ما يذكر الكتاب مرتين : مرة في نفه ، ومرة في مكانه من حروف الهجاء ؛ فكتاب مثل " النهاية " لابن الأثير ، يذكره في حرف الغين ، في أثناء حديثه في علم "غريب الحديث" ثم يورده في حرف النون ، وهو حق مكانه.
والمادة العلمية في هذا الكتاب غزيرة جداً ، فقد ذكر نحو (200) علم وفن ، ونحو       (1500) عنوان كتاب ، ونحو (9500) مؤلف( ) .
وأحب أن ألخص لطالب العلم المبتدئ ، فوائد هذا الكتاب ، وهي – فيما أراه – أربع :
أ‌-    موضوعات العلوم .
ب‌-    عنوان الكتب .
ج-     شروح الكتب . فقد حرص الحاج خليفة على ذكر كل ما يتصل بالكتاب : شرحاً أو اختصاراً ، أو تذبيلا ، أو نقداً .
    د- وهذه فائدة رابعة ، تفيد في توثيق الكتب ، ونسبتها إلى مؤلفيها . وذلك ما ينقله الحاج خليفة ، من خطبة الكتاب – يتحدث عنه – أو مقدمه . وقد أفادت هذه الطريقة في نسبة بعض المخطوطات لعارية من النسبة ، أو المختلف في نسبتها ، حين يتنازع الكتاب أكثر من مؤلف .
    ومن ملاحظاتي الخاصة على هذا الكتاب ، أنه أخل بشيء من تاريخ المغرب وعلومه ، وكذلك ما يتصل بتاريخ اليمن وعلومه . ولذلك أسباب ، ليس هنا موضع تفصيلها .
غير أن يبقى لذلك الكتاب قيمته العظيمة ، في رصد حركة الفكر العربي ، وتتبع مساره، منذ بداية التدوين حتى القرن الحادي عشر الهجري .
4- أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون . لعبد اللطيف بن محمد بن مصطفى الشهير برياضى زادة (1078هـ) .
5- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون . لإسماعيل باشا بن محمد أمين البغدادي (1339هـ) .
فهذه مصنفات علم قوائم الكتب ، أو المراجع الببليوجرافية( ) .
على أنه ينبغي التنبه إلى أن عناية العرب بهذا الفن ، قد اتخذت شكلاً آخر ، هو ما عرف بالمعاجم ، والفهارس ، والمشيخات ، والأثبات والبرامج .


وهو لون من التأليف يجمع بين الشيوخ والكتب . فقد جرى كثير من( ) العلماء على أن يصنع لنفسه معجماً ، أو فهرساً ، أو مشيخة ، أو ثبتا ، أو برنامجاً ، يذكر فيه شيوخه الذين أخذ عنهم العلم ، والكتب التي سمعها منهم ، مسندة إلى مؤلفيها .
وهذا هو الملاك العام الذي يجمع تلك المصنفات ، على اختلاف في مناهجها ، يطول الكلام بذكره .
ويقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز الأهواني – رحمه الله – في تعريف البرنامج : "إنه كتاب يسجل فيه العالم ، ما قرأه من مؤلفات في مختلف العلوم ، ذكراً عنوان الكتاب ، واسم مؤلفه ، وربما ذكر خلال ذلك ، المكان الذي كان موضعاً لدرس ، والتاريخ الذي بدأ فيه الدراسة ، أو ختمها "( ) .
وهذا اللون من التأليف يعرفنا حياة الكتب ، وحظوظها في عصر من العصور ، ويكشف عن الاهتمامات العلمية ، للبيئات العربية والإسلامية ، في الأزمان التي كتبت فيها تلك المعاجم والبرامج ، إلى أنه يظهرنا على العلائق والصلات الفكرية ، بين مشرق العالم العربي ومغربه .
فالكتب في هذا اللون من التأليف نابضة فوارة ، تتنغش بالحياة ، وتمور بالحركة . وهي في الطائفة الأولى الببليوجرافية ؛ قوائم صامتة ، تنطق إذا استنطقتها ، وتعطي إذا فاتشتها .
كما أنك ترى من حياة الشيوخ ، في تلك الكتب ، وخاصة أمرهم ، ودقائق سلوكياتهم ملالا تراه في كتب التراجم العامة والخاصة ، التي تسرد حياة المترجم سردا . وما ظنك بتلميذ يكتب عن شيخه ؟
وليس يخفى أن اهتمام العلماء بذلك الضرب من التأليف ، إنما هو أثر من آثار المحدثين، الذين كانوا أول من استعمل لفظ "معجم" ، وجمعوا فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة ، أو الشيوخ ، أو البلدان ، ثم انتقل الأمر من تسجيل مجموعات الأحاديث إلى تسجيل كل أنواع المرويات ، في علوم الدين ، واللغة ، والأدب ، كما انتقل لفظ "المعاجم" من المحدثين ، إلى سائر الطبقات التي يترجم لها ، فكانت معاجم الشعراء ، ومعاجم الأدباء ، ومعاجم البلدان( ) .
ومن أبرز تلك الكتب( ) :
1- فهرسة ما رواه عن شيوخه أبو بكر محمد بن خير بن عمر الإشبيلي (575هـ) وهو أشهر تلك الكتب ، وأكثرها دوراناً عند العلماء والمحققين ، الذي يلتمسون الصلات بين المشرق والمغرب . ومن انفع ما ذكره من ذلك حديثه عن الكتب التي حملها أبو علي البغدادي القالي ، ودخل بها إلى المغرب والأندلس ، سنة 328هـ ، في أيام عبد الرحمن الناصر . إلى فوائد أخرى كثيرة .
2- فهرس ابن عطية – وهو أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الأندلسي ، المتوفى نحو سنة (541هـ) وهو صاحب التفسير ، المسمى : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز .
3- الغنية – فهرست شيوخ القاضى عياض بن موسى اليحصبى السبتي (544هـ) .
4- مشيخة ابن الجوزي – وهو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن محمد (597هـ) .
5- برنامج ابن أبي الربيع – وهو أبو الحسين عبيد الله بن أحمد ابن عبيد الله القرشي الإشبيلي السبتي (688هـ) .
6- فهرس الفهارس والأثبات ، ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات . لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الإدريسي ، المعروف بعبد الحي الكتاني (1382هـ) .
وهو – فيما أعلم – آخر تلك السلسلة من المنصفات .
وقد جعله ذيلاً على طبقات الحفاظ والمحدثين للحافظين بن ناصر ، والسيوطي ، إلى زمانه في منتصف القرن الرابع عشر الهجري . حيث فرغ م نتأليفه عام 1342هـ ، وأتم تحريره وتهذيبه وتصحيحه عام 1344هـ( ) .
 
تعريفات العلوم ومصطلحاتها
معلوم أن لكل علم حداً وتعريفاً ، ولكل علم أيضاً مصطلحات ورسوماً . وقد يقع في المصطلح اشتراك لغوي ، حين يستعمل في أكثر من علم : كالخبر عند المحدثين ، والخبر عند النحاة ، والخبر عند البلاغيين( ) .ومثل الغصب في الشرع ، وهو " أخذ مالٍ متقوم محترم بلا إذن مالكه بلا خفيفة" . والغصب في آداب البحث والمناظرة ، وهو " منع مقدمة الدليل ، وإقامة الدليل على نفيها قبل إقامة المعلل الدليل على ثبوتها "( ) .
وقد تكفل علماء كل علم بتعريفه ، وتحديد مصطلحاته ، ثم جاء آخرون فرأوا في توزع ذلك على العلوم والفنون كلفة ومشقة ، فانتزعوا من العلوم تعريفاتها ومصطلحاتها ، وجمعوهما في مصنفات مفردة ، كانت أساساً لما عرف في تاريخ العلم بالموسوعات .
ولقد كانت عناية العرب بذلك اللون من التأليف مبكرة . فمن أقدم من صنف في ذلك : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف البلخي الخوارزمي الكاتب ، المتوفى سنة 387هـ ، الذي صنف كتاب " مفاتيح العلوم " .
ثم تلته عدة مصنفات ، دارت في هذا الفلك ، وإن اختلفت بعض الاختلاف ؛ من حيث التوسع في تعريف العلوم ، وتحديد المصطلحات ، والعناية بتراجم المصنفين .
وإليك أشهر المطبوع من هذه المصنفات :
1- مفاتيح العلوم( ) . لأبي عبد الله الخوارزمي ، الذي ذكرت لك ريادته وسبقه .
2- التعريفات . للسيد الشريف ، علي بن محمد بن علي الجرجاني (816هـ) .
3- الكليات . لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكوفي (1094هـ) .
4- كشاف اصطلاحات الفنون . لمحمد أعلى بن علي بن محمد التهانوى . أتم تأليفه سنة 1158هـ . ولم يعرف له تاريخ وفاة .
5- أبجد العلوم – ويسمى الوشى المرقوم في بيان أحوال العلوم – لأبي الطيب صديق( ) بن حسين بن علي الحسيني البخاري القنوجي (1307هـ) .
وينبغي أن يدرج في هذا الفن أيضاً ، الكتابان اللذان سبقا في "علم قوائم الكتب" . وهما: مفتاح السعادة ، لطاش كبرى زاده ، وكشف الظنون ، للحاج خليفة ، وذلك لعنايتهما بتعريفات العلوم . وقد عول عليهما كثيراص صاحب " أبجد العلوم " .

* * *
وبعد : فهذأ آخر ما من الله به ، ووفق إليه ، من وضع هذه الرسالة الموجزة ، في علم التراجم والبلدان ، والضبط ، وقوائم الكتب ، وتعريفات العلوم . وقد قصدت بها أبناءنا لطبة الدراسات العليا . فإن وجد فيها أهل العلم خيراً ونفعاً ، فتلك نعمة يتقاصر عنها جهدي الكليل.
واستغفر الله من كل عثرة وزلة ، وابرأ إليه من كل حول وقوة ، سبحانه ، لا رجاء إلا إليه ، ولا اتكال إلا عليه ، ولا طمع إلا فيما عنده .
وكنت ذلكم  أبو أروى . محمود محمد الطناحي ، بمكة البلد الأمين ، في الليلة التي يسفر صباحها عن يوم الجمعة المبارك ، التاسع والعشرين ، من شهر ربيع الأول ، سنة خمس وأربعين وأربعمائة بعد الألف ، من هجرة المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . والحمد لله رب العالمين . .

 

الموجـز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم

Download

About the book

Author :

محمود محمد الطناحي

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Biographies & Scholars