العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة

كتاب قيم يبين العقيدة الإسلامية بطريقة سهله وميسرة، وهو على نسق الترتيب النبوي لأصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل المشهور، معتمداً على نصوص الوحيين فقط : الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، جاعلاً تحت كل أصل ما يتضمنه من مفردات ، مذيلاً إياه ببيان من ضل في ذلك الباب، والرد عليه دون إطناب.

 

 


العقيدة الميسرة
 من الكتاب العزيز والسنة المطهرة

 


تأليف
د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له، القائل سبحانه : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الجمعة: 2 ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي امتن الله على عباده ببعثته، فقال : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) آل عمران: 164 . أما بعد :
     فإن الله تعالى أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودين الحق ، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال المبين إلى الهدى التام، الذي به انشراح الصدور، وطمأنينة القلوب ؛ فإن ( الهدى ) هو العلم النافع ، و ( دين الحق ) هو العمل الصالح . وعلى هذين الركنين العظيمين تقوم الحياة الطيبة .
     وقد ضمَّن الله تعالى كتابه العزيز كافة ما يحتاج إليه العباد في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وأخلاقهم. وجاءت السنة المطهرة تبياناً لما أجمل، وتفسيراً لما أبهم، وتفصيلاً لما عمم؛كما قال صلى الله عليه وسلم:(ألا وإني أوتيت الكتاب،ومثله معه)رواه أبو داود
         والعقيدة الإسلامية عماد هذا الدين، وقاعدته، وسر قوته وظهوره على الدين كله لما تتضمنه من الخصائص الفريدة، ومنها :
أولاً : التوحيد : لله تعالى بالعبادة ، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع .
ثانياً : التوقيف : فهي ربانية المصدر؛ لا يتجاوز فيها القرآن والحديث، ولا تستمد من
       رأي أو قياس .
ثالثاً : موافقة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قبل أن تجتالهم الشياطين .
رابعاً : موافقة العقل الصريح، السالم من الشبهات والشهوات .
خامساً : الشمول : فلا تدع جانباً من جوانب الكون والحياة والإنسان إلا بينته .
سادساً : التشابه : فبعضها يصدق بعضاً ، فلا تناقض ولا تفاوت في مفرداتها .
سابعاً : الوسطية : فهي ميزان الاعتدال بين الإفراط والتفريط بين مختلف المقالات .
     وقد أثمرت هذه الخصائص الثمار التالية :
أولاً : تحقيق العبودية لرب العالمين، والتحرر من الرق للمخلوقين .
ثانياً : تحقيق الاتباع لرسول رب العالمين، والانعتاق من البدعة والمبتدعين .
ثالثاً : الراحة النفسية، والطمأنينة القلبية، بالصلة بالخالق المدبر الحكيم .
رابعاً : القناعة الفكرية، والاطراد العقلي، والسلامة من التناقض، والخرافة .
خامساً : تلبية حاجات الروح وحاجات الجسد، والتكامل بين الاعتقاد والسلوك .
     ولم يزل علماء الملة، يولون العقيدة همهم، ويبذلون في تعليمها وتقريرها جهدهم، ويصنفون في ذلك المتون المختصرة، والشروح المطولة ، تارة في بيان مجمل اعتقاد السلف ، وتارة في بيان مسألة معينة، وأخرى في الرد على أهل الأهواء والبدع المضلة. وقد رأيت تقريب مسائل الاعتقاد، وترتيبها على نسق الترتيب النبوي لأصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل المشهور ، معتمداً على نصوص الوحيين فقط: الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، جاعلاً تحت كل أصل ما يتضمنه من مفردات ، مذيلاً إياه ببيان من ضل في ذلك الباب، والرد عليه دون إطناب . فجاءت هذه العقيدة وسيطة بين الإطالة والاختصار، واتسمت بالوضوح واليسر، ليتمكن آحاد المسلمين من الانتفاع بها، وتحصيل المقصود من الإلمام بمجمل اعتقاد السلف بعبارة سهلة، وترتيب موضوعي . وسميتها :
( العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة )
     واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، نافعاً لعباده . وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه : د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة . في 17/2/1427
بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة الميسرة
 من الكتاب العزيز والسنة المطهرة
     أساس العقيدة الإسلامية هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره .قال تعالى : (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقرة : 177، وقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) البقرة : 285، وقال : ( وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) النساء :136
وقال صلى الله عليه وسلم ، لجبريل، عليه السلام، لما سأله عن الإيمان : ( أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خبره وشره )رواه مسلم.

الإيمان بالله
     فالإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه ، وأنه رب كل شيء ، المستحق للعبادة وحده دون ما سواه ، المتصف بصفات الكمال ،  المنزه عن صفات النقص .

أولاً : الإيمان بوجوده :
     وجوده سبحانه أحق الحق: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) الحج : 62، والشك في وجوده بهت ونكر:( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) إبراهيم :10، وجحد وجوده كبر وكفر : ( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ) الإسراء: 102، وقال تعالى: ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ . قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ . قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ . قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ . قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) الشعراء : 32-28
     وقد دل على وجوده سبحانه أمور ، منها :
1- الفطرة السليمة :قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم :30، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ) رواه البخاري . فكل مخلوق باقٍ على فطرته الأصلية يجد في نفسه الإيمان بوجود الله ، إلا أن يطرأ على تلك الفطرة ما يفسدها . قال تعالى ، في الحديث القدسي : ( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ) رواه مسلم .
2- العقل الصريح: قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )الطور: 35. فالعقل السليم من الشبهات والشهوات يقطع بأن المخلوقات لا بد لها من خالق؛ لأنها لا يمكن أن توجد صدفة ، ولا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ، فالعدم لا ينشئ وجوداً! فلا بد من خالق موجود ، وهو الله سبحانه . وقد استدل بصراحة العقل، خطيب العرب في الجاهلية، قس بن ساعدة الإيادي، فقال : ( البعرة تدل على البعير. والأثر يدل على المسير. فسماء ذات أبراج،وأرض ذات فجاج، أفلا تدل على الصانع الخبير)
3- الحس المشهود : قال تعالى عن نبيه نوح، عليه السلام : (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ) القمر : 10-14، وقال : ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ . وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ) الشعراء : 63-67. وقال تعالى عن نبيه عيسى، عليه السلام : ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران : 49. وقال على سبيل العموم : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل : 62. فآيات المرسلين ، وإجابة الداعين ، وغوث المكروبين ، أدلة محسوسة ، أدركها فئام من الناس، تشهد بوجود مرسلهم ، ومجيبهم ، ومغيثهم ، سبحانه ، شهادة يقين .
4- الشرع الصحيح : قال تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) النساء : 82، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ) النساء : 174، وقال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) يونس:57 . فما تضمنه القرآن العظيم من الأخبار الغيبية المتحققة ، العقائد الصحيحة ، والشرائع العادلة ، والأخلاق القويمة، دليل على أن ذلك من عند الله ، ولا يمكن أن يكون من عند غيره من المخلوقين .
     ولهذا لم ينكر وجود الله ، حقيقة ، أحد من بني آدم . وإنما تظاهر بذلك أصناف من الملاحدة ، قديماً ، وحديثاً ، مثل :
1- الدهريون : القائلون : ( مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) الجاثية : 24، فيزعمون أن العالم يسير بنفسه ، وأنه لم يزل ، ولا يزال ! ويقولون : بطون تدفع ، وأرض تبلع ، وما يهلكنا إلا الدهر ! فعطلوا المخلوقات عن خالقها . وقد رد الله عليهم بقوله : (وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) لا من عقل ، ولا نقل ، ولا حس ، ولا فطرة ، بل محض تخرص ، وتوهم : ( إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) .
2- الطبائعيون : القائلون إن العالم وجد بفعل ( الطبيعة ) ، أي أن ذوات الأشياء ؛ من نبات ، أو حيوان ، أو جماد ، وخصائصها ، أوجدت نفسها ، وحركاتها ! والرد عليهم بدهي : وهو أنه يمتنع أن يكون الشيء خالقاً، ومخلوقاً ، في آن واحد . قال تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور : 35
     والطبيعة التي يسندون إليها الإيجاد ، جملة جمادات؛ صماء، عمياء ، بكماء، لا مشاعر لها وأحاسيس ، فكيف تنشئ مخلوقاتٍ حية ؛ تسمع ، وتبصر ، وتنطق ، تحس، وتشعر بالألم والأمل  ؟! ففاقد الشيء لا يعطيه .
3- الصدفيون : القائلون بأن الكائنات نشأت عن طريق المصادفة المحضة ، بمعنى أن تجمع الذرات ، والجزيئات ، أدى عن طريق الصدفة إلى ظهور الحياة ، وتكون المخلوقات المتنوعة ن بلا تدبير ولا إحكام مسبق ! ومجرد تصور هذه الدعوى يكفي لإسقاطها وتهافتها . فإن دقة الخلق ، ونظامه البديع ، واستمراره على سنن مطردة ، وتوازن محكم ، يمنع دعوى الصدفة .قال تعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء ) النمل : 88،وقال: ٍ(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) الطلاق: 12
4- الشيوعيون : القائلون ( لا إله ، والحياة مادة ) .
5- أفراد شواذ ، على مر التاريخ ، كفرعون ، الذي قال: ( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الشعراء : 23، والنمروذ : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) البقرة : 258
     وكل هؤلاء ، مناقضون لأنفسهم ، متنكرون لفطرهم ، كما شهد الله بذلك عليهم ، بقوله : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) النمل : 14. ولهذا لم تقم لهم قائمة ، ولم تبق لهم باقية .

ثانياً : الإيمان بربوبيته :
     هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى وحده، هو الرب ؛ الخالق ، المالك ، الآمر . ومعنى الرب : السيد، المالك، المتصرف، الذي ربى جميع العالمين بنعمه . قال تعالى :    ( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه :60  
     فمدار الربوبية على ثلاثة أمور :
1- الخلق : فالله خالق كل شيء ، وما سواه مخلوق . قال تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر : 62، وقال : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) الفرقان : 2.وكل خلق أضيف إلى غيره فهو خلق نسبي ؛ بمعنى التشكيل، والتأليف، والتقدير، لا الإنشاء من العدم كقوله : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون : 14
2- الملك : فالله المالك ، وما سواه مملوك . قال تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) البقرة : 107، وقال : ( وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) آل عمران :189، وقال : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ) آل عمران : 26، وقال : (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ )الإسراء : 111، وقال : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ) فاطر : 13. وكل ملك أضيف إلى أحد سواه ، فهو ملك نسبي، مؤقت، جزئي ، كما في قوله : ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ) غافر : 29، وقوله : ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) النساء : 3. قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) مريم : 40.
3- الأمر : فلله الأمر كله ، وما سواه مأمور . قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) آل عمران :154، وقال : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الأعراف : 54، وقال : (وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) البقرة : 210. وقال لنبيه : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) آل عمران : 128، فكيف بمن دونه .وقال : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) الروم : 4. فهو الآمر وحده في خلقه ، وما أضيف إلى غيره من أمر، كقوله: ( فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) هود : 97، فهو أمر نسبي ، داخل تحت مشيئته ؛ إن شاء أمضاه ، وإن شاء منعه .
     وأمره ، سبحانه ، يشمل الأمر الكوني ، والشرعي ، فأما الكوني ، فنافذ لا محالة، وهو مرادف للمشيئة، قال تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس : 82، وأما الشرعي فهو محل الاختبار ، وهو مرادف للمحبة؛  فقد يقع ، وقد لا يقع . وكل ذلك داخل في عموم مشيئته ، كما قال : ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير : 28-29.
     وبقية صفات ربوبيته ، سبحانه ، ترجع إلى هذه الأمور الثلاثة ؛ الخلق ، والملك ، والأمر ، كالرَّزق ، والإحياء ، والإماتة ، وإنزال الغيث ، وإنبات الأرض ، وتصريف الرياح ، وإجراء الفلك ، وتعاقب الليل والنهار ، والحمل ، والوضع ، والصحة ، والمرض ، والعز ، والذل ، وغيرها .
     وهذا الإيمان بربوبيته ، سبحانه ، مركوز في الفطر، مدرك ببداهة العقول، محسوس في الكون، موفور في النصوص . ومن دلائل ذلك في كتاب الله :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة : 164
( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب ) آل عمران : 27
( إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ . فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ . وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأنعام : 95-99
 ( اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) الرعد : 2-4
 ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ . وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ . هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ . وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .‏ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل : 3-18
 ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ . وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ.‏ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ . فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ.وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) المؤمنون: 21-22
 ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ .‏ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ . وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور : 44
( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً . ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً . وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً . وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً . وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً . وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً . فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً . وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) الفرقان : 45-54
( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ . يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ . وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ . وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .‏ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ . وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ . وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم : 17-27
( الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ . وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ . وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ . وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ . فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ . وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .‏ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن : 1-25
 ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً . وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً . وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً .وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً . وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً . وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ) النبأ : 6-16
( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا . وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا . مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) النازعات : 27-33
( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً . فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً . وَعِنَباً وَقَضْباً . وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً . وَحَدَائِقَ غُلْباً . وَفَاكِهَةً وَأَبّاً . مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) عبس : 24-32
     وعامة بني آدم مقرون ، من حيث الجملة ، بربوبية الله تعالى ؛ بأنه الخالق، المالك، المدبر ، حتى مشركي العرب ، حكى الله عنهم هذا الإقرار، في مواضع من كتابه ، كقوله : ( قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) المؤمنون : 84-89 ، وقوله :‏ ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) الزخرف :9
     وإنما وقع في هذا الباب ضلال جزئي ، من قبل طوائف متعددة ، حيث أشركوا في الربوبية ، مثل :
1- الثنوية من المجوس ، والمانوية : القائلون بأن للعالم خالقين : إله النور ؛ يخلق الخير ، وإله الظلمة ؛ يخلق الشر ! وهم متفقون على أن النور خير من الظلمة ، ومختلفون في الظلمة ؛ هل هي قديمة ، أم محدثة ؟
2- النصارى : القائلون بالتثليث ؛ فيجعلون الإله الواحد ، بزعمهم ، ثلاثة أقانيم : الأب ، والابن ، وروح القدس .
3- بعض مشركي العرب : الذين يعتقدون في آلهتهم شيئاً من النفع والضر، والتدبير.
4- القدرية النفاة : القائلون : ( العبد يخلق فعل نفسه ) خلقاً مستقلاً عن الله .
     وكل هذه الضلالات مدفوعة بدلالة الفطرة ، والعقل ، والحس ، والشرع على وحدانية الرب سبحانه في خلقه، وملكه، وأمره . قال تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون : 91. فالإله الحق لا بد أن يكون خلاقاً، فعالاً لما يريد ، فلو كان معه شريك لكان يخلق ويفعل ! وحينئذ لا يخلو الحال من أحد احتمالين :
ـ  إما أن يذهب كل إله بخلقه، ويستقل بسلطانه : وهذا الاحتمال يأباه انتظام العالم .
ـ وإما أن يقع بينهما مغالبة واستعلاء : فلو أراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه، أو أراد أحدهما إحياء شيءٍ ، وأراد الآخر إماتته ، فإما أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أو لا يحصل مراد أيٍ منهما. والأول والثالث ممتنعان، لأنهما نقيضان؛ لا يجتمعان،ولا يرتفعان، فتعين الثاني؛ فمن حصل مراده فهو الإله القادر،والآخر لا يصلح للإلهية. فآل الأمر إلى إثبات ربٍ واحد؛ خالقٍ واحد،وملكٍ واحد،ومدبر واحد .

ثالثاً : الإيمان بألوهيته :
     وهو الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو الإله الحق، المستحق للعبادة دون ما سواه .
فإن معنى ( الإله ) : المألوه، أي المعبود، الذي تألهه القلوب محبةً ، وتعظيماً. وحقيقة العبادة : كمال المحبة ، مع كمال التذلل، والخضوع ، والتعظيم . وذلك لا يكون إلا للإله الواحد .  وقد جاءت بهذا الإيمان  أعظم شهادة، من أعظم شاهد، في أعظم مشهود به ، قال تعالى : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران : 18، وقال : ( وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ  ) البقرة : 163
     وقد خلق الله جميع خلقه ؛ إنسهم، وجنهم، لعبادته وحده، مع كمال غناه عنهم ، قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) الذاريات :56-57. وبعث جميع رسله إلى الناس ليحققوا هذا الإيمان ، ويدعونهم إلى إفراده بالعبادة ، ونبذ الشرك . قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل : 36 ، فبادؤوا أقوامهم بالقول:( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ) الأعراف: 85،73،65،59، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء:25
     وتحقيق هذا الإيمان يقتضي صرف جميع أنواع العبادات لله وحده، فمن صرف  منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر . وهي أصناف :
1- العبادات القلبية : كالمحبة ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ) البقرة : 165، والخوف، قال تعالى:  ( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران : 175، والرجاء ، قال تعالى :  فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف : 110، والتوكل ، قال تعالى : (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) المائدة : 23.
     وصلاح القلب أصل صلاح الجسد، كما في الحديث : ( ألا وإن في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله،وإذا فسدت فسد الجسد كله،ألا وهي القلب)متفق عليه
2- العبادات القولية : كالدعاء، قال تعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) الجن : 18، والاستعاذة، قال تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) الفلق:1، ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ) الناس :1، والاستغاثة، قال تعالى : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) الأنفال : 9
3- العبادات البدنية : كالصلاة، والنحر،قال تعالى :( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام : 162، وقال : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) الكوثر :2
4- العبادات المالية : كالنفقات التعبدية؛ من زكواةت، وصدقاتٍ، ووصايا، وأوقاف، وهبات. قال تعالى : ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التوبة :99، وإطعام الطعام،قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ) الإنسان : 8-9

     والإيمان بألوهية الله ، عز وجل ، لازم الإيمان بربوبيته ومقتضاه . فمن أقر بأن الله هو الخالق، المالك، المدبر، لزمه أن يقر بألوهيته ، ويفرده بالعبادة . وقد أقام الله الحجة على المشركين بهذا الإقرار ، في مواضع متعددة من كتابه ، مثل :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة : 21-22
 ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ . فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) يونس : 31-32
( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ . أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .‏ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) النمل : 59-64، فاحتج على توحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية .
     كما أنه سبحانه أبطل ألوهية آلهة المشركين بكونها لا تتصف بشيء من صفات الربوبية . قال تعالى : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ . وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ . وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ . إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ .‏ إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ . وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ . وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) الأعراف : 191-198
وقال : ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورا ً) الفرقان : 3
 وقال : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ . وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) سبأ : 22-23
     ولهذا كان الشرك في عبادة الله تعالى أكبر الكبائر ، وأعظم الذنوب ، قال تعالى : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان : 13، وفي الحديث المتفق عليه : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى ، يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ) الحديث . وسئل صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ قال : ( أن تجعل لله نداً ، وهو خلقك ) متفق عليه .
     وقد رتب الله تعالى على الشرك ، لعظم بشاعته ، أحكاماً دنيوية وأخروية ، منها :
1- عدم الغفران : قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) النساء : 48
2- تحريم الجنة ، والخلود في النار : قال تعالى : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) المائدة : 72
3- حبوط جميع الأعمال : قال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر : 65
4- إباحة الدم والمال : قال تعالى : (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة : 5، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ) متفق عليه .
     وقد ضل في هذا الباب طوائف من بني آدم ، منهم :
1- عباد الأصنام : على اختلاف معبوداتهم ؛ من شجر ، وحجر ، وإنس ، وجن ، وملائكة ، وكواكب ، وحيوانات ، مما أغواهم به الشيطان .
2- القبوريون : الذين يدعون المقبورين ، ويقدمون لهم النذور والقرابين ، ويسألونهم جلب النفع ، ودفع الضر .
3- السحرة ، والمشعوذون ، والكهان : الذين يعبدون الجن لقاء ما يخبرونهم به ، أو يحضرونه لهم ، أو يصنعونه لهم .
     ولعظيم خطر الشرك في العبادة ، حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الأسباب الموصلة إليه ، وسد الطرق المفضية إلى وقوعه . ومن أمثلة ذلك :
1- التحذير من الغلو في الصالحين : قال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والغلو ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه . وقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ! إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
     ومن الغلو في الصالحين، التوسل الممنوع ، وهو نوعان :
أحدهما : توسل شركي مخرج من الملة : وهو دعاؤهم من دون الله ؛ بقضاء الحاجات، وكشف الكربات .
الثاني : توسل بدعي : وهو التوسل إلى الله بما لم يشرعه الله ، كالتوسل بذوات الصالحين، أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك .
     والتوسل المشروع إنما يكون بالإيمان بالله، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، أو بعملٍ صالح قدَّمه ، أو طلب الدعاء من عبد صالح، كما قال عمر، رضي الله عنه : ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) رواه البخاري.
2- التحذير من الافتتان بالقبور : ومن صور ذلك :
 ـ اتخاذها مساجد : فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت : ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم كشفها . فقال ، وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى ؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا . ولولا ذلك لأبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) متفق عليه .وقال : ( ألا ، وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك ) رواه مسلم . ومعنى اتخاذها مساجد : أي قصد الصلاة عندها ، وإن لم يبن عليها مسجد . فإن المسجد هو موضع السجود .
ـ البناء عليها ، وأن  يزاد عليها غير ترابها ، وتجصيصها : عن أبي الهياج الأسدي ، رحمه الله ، قال : قال لي علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم . وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه بناء ) رواه مسلم . فيدخل في ذلك عقد القباب عليها ، وتزويقها ، وزخرفتها .
ـ شد الرحال إليها : لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) متفق عليه .
ـ اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم عيداً : قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تجعلوا قبري عيداً ) رواه أبو داود . والعيد : ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان .
3- التحذير من مشابهة المشركين ، وأهل الكتاب : في اعتقاداتهم ، وعباداتهم ، وعاداتهم ، المختصة بهم .قال صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا المشركين ) متفق عليه ، وقال : ( خالفوا المجوس ) رواه مسلم ، وقال : ( خالفوا اليهود ) رواه أبو داود .
4- التحذير من التصوير: فعن عائشة أن أم سلمة ، رضي الله عنهما ، ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بالحبشة، وما فيها من الصور ، فقال : ( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور . أولئك شرار الخلق عند الله ) متفق عليه .
5- التحذير من الألفاظ الشركية : ومن صور ذلك :
ـ الحلف بغير الله : لحديث :( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه الترمذي .
ـ التسوية في المشيئة : لقوله لمن قال له : ما شاء الله وشئت : ( أجعلتني لله نداً ! قل: ما شاء الله وحده ) رواه النسائي .
ـ إسناد الفعل الكوني إلى غير الله : لقوله في الحديث القدسي: ( وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ، مؤمن بالكوكب ) متفق عليه .
6ـ التحذير من الأعمال الشركية : ومن صور ذلك :
ـ لبس الحلقة أو الخيط ، في اليد ، أو العنق ، بقصد دفع البلاء أو رفعه : لحديث عمران بن حصين ، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر ، فقال : ( ما هذا ؟ ) قال : من الواهنة . قال : ( انزعها ! فإنها لا تزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) رواه أحمد، وابن حبان .
ـ تعليق التمائم ، والودع ، والأوتار ، والقلائد ، لدفع العين : لحديث : ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ) رواه أحمد وابن حبان والحاكم. وفي رواية عند أحمد، والحاكم : ( من تعلق تميمة فقد أشرك ) ، ولحديث : ( لا تبقين في بعير قلادة من وتر ، أو قلادة ، إلا قطعت ) متفق عليه .
ـ الرقى والعزائم الشركية ، والتولة : لحديث : ( إن الرقى ، والتمائم ، والتولة ، شرك ) رواه أبو داود .والتوله : شيءٌ يصنعونه ، يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها .
ـ الذبح في مواضع الشرك : لقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل نذر أن ينحر إبلاً ببوانه : ( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ ) قالوا : لا . قال : ( فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ) قالوا : لا . فقال : ( أوف بنذرك ) رواه أبو داود .
ـ التطير والتشاؤم : لحديث ابن مسعود، رضي الله عنه : مرفوعاً : ( الطيرة شرك . الطيرة شرك ) رواه أبو داود والترمذي .

رابعاً : الإيمان بأسمائه وصفاته :
     وهو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى، له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، وإثبات ما أثبت لنفسه في كتابه، أو أثبته له نبيه في سنته، من صفات الكمال، ونعوت الجلال،
من غير تمثيل ولا تكييف ، ونفي ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه نبيه في سنته، من صفات النقص، والعيب، ومماثلة المخلوقين ، من غير تحريف ، ولا تعطيل .
قال تعالى : ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأعراف : 180، وقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى : 11
    وأسماؤه وصفاته ، سبحانه ، توقيفية ، لا مجال للعقل فيها ، لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، لا يتجاوز القرآن والحديث . فما سكت الله عنه ورسوله من الأوصاف ، فالواجب السكوت عنه ، والتوقف فيه نفياً وإثباتاً ، والاستفصال عن مراد قائله ؛ فإن أراد معنى صحيحا :ً قُبل المعنى ، ورُد اللفظ ، وإن ذكر معنى فاسداً : رُد اللفظ والمعنى . قال تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء : 36
     وأسماء الله تعالى قد بلغت من الحسن غايته ، وهي أعلام على ذاته، وأوصاف له ، سبحانه . وصفاته كاملة ، لا نقص فيها بوجه من الوجوه .قال تعالى : ( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم : 27
     وهي حق على حقيقتها، فيجب إجراؤها على ظاهرها، دون تحريف. ويحرم الإلحاد فيها ؛ بتعطيل ، أو تمثيل ، أو ابتداع أسماء لم يسم بها نفسه ، أو إطلاقها على غيره .
     ويجب دعاؤه بها ؛ دعاء مسألة ، ودعاء عبادة . وينبغي إحصاؤها ، وفهم معانيها، والتفكر في آثارها ، والعمل بمقتضاها . وذلك أشرف العلوم . ويحرم الإلحاد فيها ؛ بتعطيل ، أو تمثيل ، أو ابتداع أسماء لم يسم بها نفسه ، أو إطلاقها على غيره .
     وتنقسم صفات الله تعالى باعتبار تعلقها به سبحانه إلى :
1- صفات ذاتية : وهي الملازمة لذاته المقدسة ؛ كالحياة، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والإرادة، والحكمة، والقوة ، وغيرها مما لا يتصور زوالها عن الله .
2- صفات فعلية : وهي المتعلقة بمشيئته وحكمته ؛ يفعلها إذا شاء، كيف شاء، بما تقتضيه حكمته البالغة ؛ كالاستواء، والنزول، والمحبة، والبغض، والفرح، والعجب، والضحك، والمجيء ، وغيرها مما جاء في القرآن ، أو صحت به السنة .
     ويقال عن بعضها، كصفة الكلام: ذاتية، فعلية : فهي ذاتية باعتبار أصل الصفة، وفعلية باعتبار آحادها وأفرادها ، أو يقال : قديم النوع ، حادث الآحاد .
     ويقال عن بعضها، صفات خبرية : وهي ما كان سبيل إثباتها الخبر المجرد، دون العقل : كالوجه، واليدين، والعينين، والقدم، وغيرها مما صح به الخبر .
     ومن صفات الله تعالى، الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع  :
1- صفة العلو: وهو ثلاثة أنواع: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات ؛ وهو أن الله سبحانه وتعالى، هو الظاهر ليس فوقه شيءٌ من خلقه مستوٍ على عرشه، فوق سماواته، بائن من خلقه، ليس فيه شيءٌ من خلقه، ولا في خلقه شيءٌ منه . فهو صفة ذاتية .
2- صفة الاستواء : وهي أن الله تعالى، بعد خلق السماوات والأرض، استوى على عرشه، بمعنى علا واستقر عليه، استواءً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته، لا يماثل استواء المخلوقين . فهو صفة فعلية .
3- صفة الكلام : وهي أن الله تعالى يتكلم بكلام حقيقي، مسموع، بحروف وأصوات لا يماثل كلام المخلوقين . وأنه يتكلم متى شاء، بما شاء، كيف شاء، صدقاً، وعدلاً، بكلمات لا تنفد، لم يزل، ولا يزال متكلماً سبحانه . فهو صفة ذاتية باعتبار أصله، وصفة فعليه باعتبار آحاده وأفراده .
     فجميع هذه الأنواع من الصفات حق على حقيقتها. فيجب إثباتها، وإمرارها، كما جاءت، وإجراؤها على ظاهرها، دون تكييف. وذلك مطرد في جميع الصفات ، فالقول في بعض الصفات كالقول في الباقي ، سواءً بسواء . ومن فرق فقد تحكم بغير دليل .    
     وقد ضل في باب أسماء الله وصفاته طوائف من أهل القبلة ، وهم :
1- أهل التمثيل : الذين بالغوا في الإثبات حتى وقعوا في التمثيل . وشبهتهم أن ذلك مقتضى النصوص ، لأن الله خاطب الناس بما يعهدون في المخلوقات !
     والرد عليهم ، من وجوه :
أولاً : أن الله نفى عن نفسه المثل ، والكفؤ ، والند ، بآيات محكمة صريحة ؛ قال تعالى:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء )الشورى:11،( فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة: 22
(وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) الإخلاص : 4، ولا يمكن أن يكون كلام الله متناقضاً .
ثانياً : أن العقل السليم يأبى أن يكون الإله الخالق الكامل ، كالعبد المخلوق القاصر . فكما أن ذاته لا تشبه الذوات ، فصفاته لا تشبه الصفات .
ثالثاً : أن الله خاطب العباد بما يفهمون ، من حيث أصل المعنى . ولا يلزم من الاشتراك في المعنى الكلي المطلق ، التماثل في الحقائق والكيفيات . فإذا كان اتفاق الأسماء بين المخلوقات نفسها ، لا يوجب تماثلاً بينها ، كلفظ السمع ، والبصر ، والقدرة ، فما بين الخالق والمخلوق من باب أولى .
2- أهل التعطيل : الذين بالغوا في النفي ، حتى وقعوا في التعطيل . وشبهتهم أن إثبات الصفات يستلزم التمثيل ، لكون تلك الصفات مما يتصف به المخلوق ، فيتعين نفيها عن الخالق ! وأثبتوا لله وجوداً مطلقاً غير موصوف، فأشدهم تعطيلاً القرامطة الباطنية الذين نفوا عنه النقيضين، ثم الجهمية الذين أنكروا الأسماء والصفات، ثم المعتزلة الذين أثبتوا الأسماء وأنكروا ما تضمنه من صفات .
     والرد عليهم ، من وجوه :
أولاً : أن الله تعالى أثبت لنفسه الصفات في آيات محكمة، صريحة، مفصلة ، وذكرها مقرونة بنفي التمثيل،كقوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )الشورى : 11
ولا يمكن أن يكون كلام الله متناقضاً .
ثانياً : أن إثبات وجود مطلق ، لا يقبل الاتصاف بوصف ، لا حقيقة له في الأعيان ، وإنما هو قضية في الأذهان فحسب . فمقالتهم تؤول إلى إنكار الخالق .
ثالثاً : أن الوصف بالألفاظ العامة ، المطلقة ، الكلية ، في معين ، لا يلزم أن يكون هو بعينه ثابتاً في معين آخر ، بل كلاً منهما يكون فرداً من أفراد ذلك الوصف العام . لأن الصفة  إذا قيدت ، أو أضيفت ، زال الاشتراك في الخارج .
3- أهل التأويل : الذين اعتقدوا أن النصوص لا تدل على صفة حقيقية لله تعالى ، فطفقوا يبحثون عن معاني أخرى يحملون النصوص عليها ، بلا دليل صحيح يسوغ لهم صرف الكلام عن ظاهره ، إلى خلاف الظاهر ، مسمين تحريفهم هذا تأويلاً !
     والرد عليهم ، من وجوه :
أولاً : أن الله تعالى أعلم بنفسه ، وأصدق قيلاً ، وأحسن حديثاً ، من خلقه . ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أعلم بربه، وأصدق لساناً، وأفصح بياناً، وأنصح الأمة للأمة . فكيف يستدرك أحد على الله ورسوله ، ويجعل كلامهما مدعاةً للتلبيس والضلال .
ثانياً : أن الأصل في الكلام حمله على حقيقته . ولا يصح تأويله إلا بدليل صحيح يقتضي صرفه عن ظاهره إلى مجازه . ولا دليل .
ثالثاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نزل إليه من ربهم ، وبلغ البلاغ المبين ، فلا يمكن  أن يهمل صلى الله عليه وسلم هذا الباب العظيم دون بيان المراد  الذي ادعاه هؤلاء المحرفون من المعاني المخترعة !  
4- أهل التجهيل : الذين اعتقدوا أن معاني ما أخبر الله به عن نفسه ، أو أخبر بها رسوله مجهولة المعنى ، لا يعلمها إلا الله ، ولا سبيل لأحد إلى العلم بها ! ويسمون أنفسهم ( مفوضة ) ، وطريقتهم ( التفويض ) .
     والرد عليهم ، من وجوه :
أولاً : أنه يمتنع أن يكون باب العلم بالله ، الذي هو أشرف أبواب الدين موصداً ، فلا عقل ، ولا نقل يؤدي إليه .
ثانياً : أن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، وأمر عباده بتعقله ، وتدبر معانيه ، ولم يستثن شيئاً . فدل على إمكان العلم بالمعاني ، وأما الكيفيات والحقائق فإنها من الغيبيات التي يفوض علمها إلى الله .
ثالثاً : أن هذا المسلك يقتضي تجهيل السابقين الأولين ، من سلف هذه الأمة ، ووصفهم بأنهم بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وأن آيات الصفات في حقهم بمنزلة الطلاسم ، وحروف المعجم التي لا تفيد معنى معقولاً .

الإيمان بالملائكة
     هو الاعتقاد الجازم بأنهم :
أولاً : عباد مكرمون ، بررة مقربون ، خاضعون لربهم ، مشفقون : فليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء . قال تعالى : ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء : 26-28، وقال : ( يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) النحل : 50، وقال : (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم : 6، وقال : (كِرَامٍ بَرَرَة ) عبس : 16، وقال : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ) سبأ : 40-41، وقال : ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) البقرة : 32
ثانياً : أنهم مخلوقون من نور ، أولو أجنحة ، على هيئات عظيمة ، متنوعة : قال صلى الله عليه وسلم : ( خلقت الملائكة من نور ) رواه مسلم . وقال تعالى :  ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فاطر : 1. قال عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق . يسقط من جناحه التهاويل من الدر واليواقيت)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه ، وعاتقه ، مسيرة سبعمائة عام ) رواه أبوداود. وفي رواية للطبراني : ( رجلاه في الأرض السفلى، وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنه، وعاتقه ، خفقان الطير سبعمائة عام، يقول : سبحانك حيث كنت ) . فهم خلق حقيقي ، لا قوى معنوية كما زعم ذلك بعض المجازفين .وهم خلق كثير ، لا يحصيهم كثرةً إلا خالقهم ، ففي حديث أنس المتفق عليه ، في قصة المعراج : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رفع له البيت المعمور، في السماء السابعة ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه ، آخر ما عليهم )
ثالثاً : أنهم صافون مسبحون : ألهمهم الله تسبيحه ، وامتثال أمره ، ومنحهم القوة على تنفيذه . قال تعالى : ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) الصافات : 164-165، وقال : ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ) فصلت : 19-20( لَا يَسْأَمُونَ ) الأنبياء : 38. وعن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، إذ قال لهم : ( أتسمعون ما أسمع ؟ قالوا : ما نسمع من شيء ؟ قال : إني لأسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط ، وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ) رواه الطبراني، وقال الألباني : صحيح على شرط مسلم .
رابعاً : أنهم محجوبون عن المشاهدة : فهم عالم غيبي ، لا يقعون تحت مدارك الحواس الإنسانية ، في الحياة الدنيا، إلا لمن شاء الله ، كرؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورته التي خلقه الله عليها . وإنما يرون في الآخرة . قال تعالى : ( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ) الفرقان : 22، وقال :  ( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ) الرعد : 23 . ولكن الله أعطاهم القدرة على التحول ، والتشكل على هيئة الآدميين ، قال تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ) مريم : 17، وقال : (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوط ٍ) هود : 69-70، وقال : (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ . وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ) هود : 77-78، فكانوا عليهم السلام على صورة رجال . وكذلك حين أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على صفة رحل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر . وكان يأتيه أحياناً على صورة دحية الكلبي ، رضي الله عنه .
خامساً : أنهم موكلون بأعمال متنوعة : إلى جانب وظيفتهم الأساسية المستمرة ؛ من عبادة الرب وتسبيحه . فمن ذلك :
1- النزول بالوحي : وهي وظيفة جبريل عليه السلام ، قال تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ) النحل : 102، وقال : ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) الشعراء : 192-194
2- العناية بالجنين : بنفخ الروح فيه ، وكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد .
3- حفظ بني آدم : قال تعالى : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ) الرعد : 11
4- حفظ أعمال بني آدم : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق : 17-18
5- تثبيت المؤمنين ونصرهم : قال تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) الأنفال : 12
6- قبض الأرواح : وهي وظيفة ملك الموت ، قال تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة : 11
7- سؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه . والسائلان هما : منكر ونكير .
8- النفخ في الصور : وهي وظيفة إسرافيل، عليه السلام ، للصعق ، والبعث . قال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) الزمر : 68
9- خزانة النار : قال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ) المدثر : 31، وقال : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ) الزخرف :77، وقال:  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم : 6
10-  الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم، وبشارتهم، وإكرامهم في الجنة : قال تعالى :
( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) غافر : 7-9
 ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت : 30
( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ . سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد : 23-24

 

 

 

 

 

 

 

الإيمان بالكتب
     هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى أنزل على أنبيائه كتباً بالحق ، هدى للناس ، ورحمةً بهم ، وموعظة لهم ، وحجةً عليهم ، وتبياناً لكل شيء . والإيمان بها يقتضي أموراً :

أولاً : الإيمان بما علمنا اسمه منها تعييناً ، وما لم نعلم اسمه نؤمن به إيماناً مجملاً .
     وأعظمها ثلاثة :
1- التوراة : التي أنزلها الله على موسى، عليه السلام . قال تعالى : ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ . وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) الأعراف : 144-145، وقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة : 44

2- الإنجيل : الذي أنزله الله على عيسى، عليه السلام . قال تعالى : ( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ )الحديد : 27، وقال : ( وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) المائدة : 46
3- القرآن : الذي أنزله الله على محمد، صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة : 48

     ومن كتب الله : الزبور ، الذي آتاه داود، عليه السلام . قال تعالى : ( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ) الإسراء : 55، وصحف إبراهيم ، قال تعالى : ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) الأعلى : 18-19.
ثانياً : تصديق ما لم يحرف من أخبارها : فقد أخبر تعالى أن كتب بني إسرائيل قد دخلها التحريف اللفظي والمعنوي، فقال: ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ )، ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِه ِ) المائدة : 13،41وقال : ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران : 78.
     وأما القرآن العظيم فقد تكفل الله بحفظه، فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر : 9، وصانه، فقال : (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت : 41-42
     وتأسيساً على ذلك ، فإن القصص والأخبار المذكورة في كتب أهل الكتاب ، المسماة اصطلاحاً ( الإسرائيليات )  لا تخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن تكون موافقةً لما في القرآن : فنعتقد صحتها ، لشهادة كتابنا لها .كذكر الطوفان ، وإغراق آل فرعون ، وآيات عيسى عليه السلام .
الثانية : أن تكون مخالفةً لما في القرآن : فنعتقد بطلانها ، وأنها مما أحدثوه ، وكتبوه بأيديهم ، ولووا به ألسنتهم .كزعمهم أن لوطاً عليه السلام شرب الخمر، وزنى بابنتيه! أكرمه الله ، وحاشاه . وزعمهم أن عيسى هو الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
الثالثة : أن تكون غير موافقة ولا مخالفة : فلا نصدقها ، ولا نكذبها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وقولوا : آمنا بالله، وكتبه، ورسله . فإن كان حقاً لم تكذبوهم ن وإن كان باطلاً لم تصدقوهم ) رواه أحمد،وأبو داود .إلا إنه يجوز التحديث به ، وحكايته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ، ولا حرج ) رواه البخاري .
ثالثاً : الحكم بشريعة القرآن : فإن الله أنزل القرآن العظيم مهيمناً على الكتب السابقة أي حاكماً ، وأميناً ، وشاهداً عليه . فاستوعب ما تضمنته من مصالح ، ونسخ بعض أحكامها . فلا يحل اتباع شريعة غير شريعة القرآن . فقد قال تعالى ، بعد ذكر التوراة والإنجيل : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة : 48-50 ، وقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ) النساء : 105
 رابعاً : الإيمان بالكتاب كله ، وعدم تبعيضه : قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة : 85، وقال : ( هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّه )آل عمران : 119
خامساً : تحريم كتمانها، وتحريفها ، والاختلاف فيها ، وضرب كلام الله بعضه ببعض : قال تعالى : ( وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) آل عمران : 187، وقال :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) البقرة : 174-176،وقال: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة : 79. وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل ) رواه الطبري .

 


الإيمان بالرسل
     هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى اصطفى من الناس رجالاً، أوحى إليهم ، وأرسلهم مبشرين ، ومنذرين ، يبلغون رسالاته إلى خلقه بعبادته وحده ، واجتناب الطاغوت ، رحمة بهم ، وإقامةً للحجة عليهم .
     قال تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) الحج : 75 ، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا من قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) النحل : 43، وقال : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء : 165، وقال : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل : 36
     ومما يدخل في الإيمان بالرسل :
أولاً : الإيمان بأن رسالتهم من عند الله ، بمحض مشيئته، وحكمته : قال تعالى : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الأنعام : 124، وقال : ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . َهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) الزخرف : 31-32
     فالنبوة ، والرسالة ، لا تنالان بالرياضة ، والمجاهدة ، كما يزعم بعض زنادقة الصوفية ، بل هي محض اصطفاء ، وفضل من الله ، لمن علمه أهلاً لها من كرام خلقه .
ثانياً : الإيمان برسل الله جميعاً ؛ من علمنا اسمه تعييناً، ومن لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالاً. فممن علمنا اسمه، مَن جمعهم قوله تعالى بعد ذكر إبراهيم : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) الأنعام: 84-86. وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر : 78 .
     فالواجب الإيمان بهم جميعاً، لأن دعوتهم واحدة ، قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: 13. فالكفر بواحد منهم كفر بجميعهم ، قال تعالى : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) الشعراء : 105، مع أنه أول الرسل . فلا يجوز التفريق بين رسل الله ، ولا الإيمان ببعضهم دون بعض ، فمن فعل ذلك فقد كفر . قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء : 150-152
ثالثاً : تصديقهم ، وقبول ما أخبروا به عن الله : قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) النساء: 170، وقال : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ) الزمر:33، وقال : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى . وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) النجم :1- 5.
     فكل ما صح من أخبار الأنبياء السابقين ، مما أثبته الله في كتابه ، أو صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته ، وجب تصديقه . وأما ما يؤثر عنهم في الإسرائيليات ، فيجرى عليها ما تقدم تفصيله في الإيمان بالكتب . وأما ما رفع إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من روايات مسندة ، فتجرى عليها قواعد المحدثين ، لمعرفة صحيحها من سقيمها. فما صح وجب قبوله والإيمان به .
رابعاً : طاعتهم ، واتباعهم ، والتحاكم إليهم : قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء : 64، فالواجب على كل أمة أن تطيع نبيها الذي بُعث فيه، وتتبعه . ولما كان آخرهم ، وخاتمهم ، محمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، كانت شريعته ناسخة لما سبقها من الشرائع ، وطاعته ، واتباعه ، متعينة على كل من سمع به . قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف : 157- 158. وقال : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران : 31- 32، وقال : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء : 65 .
خامساً : موالاتهم ، محبتهم ، وتوقيرهم ، والسلام عليهم : قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ ) المائدة : 55- 56 ، وقال : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )آل عمران: 5، وقال: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة : 24، وقال : ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) الصافات:181، وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) الفتح: 9، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)الأحزاب :56.وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ، وولده ، والناس أجمعين) متفق عليه.

 

الإيمان باليوم الآخر
     هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى يؤخر العباد ليوم يبعثهم فيه من قبورهم،ويحاسبهم على أعمالهم ، ويجزيهم عليها ؛ إما بالجنة أو النار .
     قال تعالى:( إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) إبراهيم : 42، وقال:( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) التغابن : 7، وقال : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ) الروم : 14- 16.
     ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر ، ما يلي :
أولاً : الإيمان بما يكون بعد الموت : من معاينة الملائكة حين الاحتضار ، وفتنة القبر الحاصلة من سؤال الملكين للعبد عن ربه، ودينه، ونبيه ، وعذاب القبر، أو نعيمه ، مما يكون في حياة البرزخ . قال تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) الأنفال : 50 ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت : 30، وقال: ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر : 46
ثانيا : الإيمان بالساعة وأشراطها : قال تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ. يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) الشورى: 17-18، وقال : ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) محمد: 18.
   ومن أشراط الساعة الكبرى، ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات ، فذكر : الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) رواه مسلم .
     ومجيء الساعة مباغت، سريع ؛ قال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَات وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) الأعراف: 187 ، وقال: ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) النحل: 77، وقيامها يكون بنفخة الصعق؛ قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) الزمر: 68.      
ثالثاً : الإيمان بالبعث : وهو إخراج الله تعالى العباد من قبورهم أحياءً ، حفاةً ، عراةً ، غرلاً، بهماً، بعد النفخة الثانية في الصور . قال تعالى : ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر ) الزمر : 68 ، وقال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) يس : 51، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلاً ) رواه مسلم .
رابعاً : الإيمان بالقيامة الكبرى : وهي قيام الناس لرب العالمين قياماً طويلاً في عرصات القيامة ، يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنوا منهم الشمس ، ويلجمهم العرق ، ويورد الحوض ، وتنشر الدواوين ، وتوضع الموازين ، وينصب الصراط ، في مواقف عظيمة ، وأحوال مهولة .
خامساً : الإيمان بالحساب : قال تعالى: ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) الأعلى: 25-26، وقال: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) الانشقاق : 7-8، وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه.وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ) الزلزلة : 7-8، وقال : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء : 47
     وحساب الخلائق نوعان :
1- حساب المؤمنين : وهو إما عرض أو مناقشة . فحساب العرض لمن سبقت له من الله الحسنى من السعداء ، ويدل عليه حديث ابن عمر، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه، ويستره، فيقول : أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول : نعم ، أي رب ! حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى أنه قد هلك ، قال : قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم . فيعطى كتاب حسناته ) متفق عليه. وأما حساب المناقشة، فيقع لأصحاب الكبائر من الموحدين ، ممن شاء الله أن يعذبهم بذنوبهم في النار ، ومآلهم إلى الجنة . ويدل عليه حديث عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ) فقلت : يا رسول الله ، أليس قد قال الله: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ.فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) ؟ فقال: ( إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب ) متفق عليه .
 2- حساب الكافرين : فهؤلاء لا يحاسبون محاسبة الموازنة بين الحسنات والسيئات ، لأنه لا حسنات لهم ، بل يوقفون على أعمالهم ، ويقررون بها . ففي حديث ابن عمر السابق : ( وأما الكفار والمنافقون ، فينادى بهم على رؤوس الخلائق : "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين" ) متفق عليه .
سادساً : الإيمان بالجزاء : وهو الإيمان أن الجنة حق، والنار حق . فالجنة هي الدار التي أعدها الله جزاءً لعباده المتقين ، فيها من صنوف النعيم الحسي، والمعنوي ، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والنار هي الدار التي أعدها الله جزاءً للكافرين ، فيها من صنوف العذاب الحسي، والمعنوي مثل ذلك .
قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ.وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ.وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ.وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) فاطر : 32-37
الإيمان بالقدر
     هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى قدر مقادير الخلائق بعلمه الأزلي ، وكتبها في اللوح المحفوظ ، وأجراها بمشيئته ، وأوجدها بقدرته .
     قال تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر : 49، وقال: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) الفرقان : 2
     ومما يدخل في الإيمان بالقدر ، ما يلي :
أولاً : الإيمان بعلم الله الأزلي ، الأبدي ، المحيط بكل شيء جملةً ، وتفصيلاً ، مما يتعلق بأفعاله ؛ من الآجال، والأرزاق، أو أفعال عباده ؛ من الطاعات، والمعاصي. قال تعالى: ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )البقرة : 29، وقال: ( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )الأنعام: 96
فقد علم من سيطيعه، ومن سيعصيه، كما علم ما يُعمَّر من مُعمَّر وما يُنقَص من عمره.
ثانياً : الإيمان بكتابة الله للمقادير في اللوح المحفوظ : قال تعالى:( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد : 22، وقال : ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) سبأ :3 .
     وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وعرشه على الماء ) رواه مسلم . وعن عبادة بن الصامت،رضي الله عنه، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له : اكتب، فقال : رب وماذا أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) رواه أبو داود .
     وقد جمع الله العلم، والكتابة في قوله : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج : 70
ثالثاً : الإيمان بمشيئة الله النافذة : فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولا راد لما قضى ، ولا يكون في ملكه ما لا يريد . يهدي من يشاء بفضله ، ويضل من يشاء بعدله ، ولا معقب لحكمه .
     قال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) البقرة : 253، وقال : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير :28- 29
رابعاً : الإيمان بخلق الله لجميع الكائنات ، وإيجاده لها : فالله الخالق ، وما سواه مخلوق . وجميع الأشياء ؛ ذواتها، وصفاتها، وحركاتها، مخلوقة، محدثة . والله خالقها، وموجدها. قال تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر: 62، وقال : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات : 96. فأفعال العباد خلق لله ، وكسب لهم ؛ قال تعالى : (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) البقرة : 286
خامساً : الإيمان أنه لا تلازم بين المشيئة والمحبة : فقد يشاء ما لا يحب ، وقد يحب ما لا يشاء، لحكمة بالغة، وغاية محكمة. قال تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) السجدة :13،وقال: ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )الزمر:7
سادساً : الإيمان أنه لا تعارض بين الشرع والقدر : قال تعالى : ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى. فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى.وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى.فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى.وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى.فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) الليل : 4- 10. وذلك أن الشرع كتاب مفتوح ، والقدر غيب مكنون . فقد قدر الله مقادير العباد ، وأخفى ذلك عنهم ، وأمرهم ، ونهاهم ، وأعدهم ، وأمدهم ، بما يؤهلهم لامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وعذرهم إذا عرض لهم مانع من موانع التكليف . فلا حجة لأحد على فعل المعصية ، وترك الطاعة ، بالقدر السابق . قال تعالى: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ . قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأنعام : 148-149، فأكذب دعواهم ، أولاً ، وأذاقهم بأسه ، ثانياً ، ولو كان لهم في القدر حجة ما أذاقهم بأسه ، وكشف زيف دعواهم، ثالثاً ؛ فهم لم يطلعوا على كتابهم فيصدروا عن علم، فيكون حجة لهم . بل هي مبنية على ظن وتخرص ، ليس إلا ! فصارت الحجة البالغة لله .
     وقد ضل في باب القدر طائفتان :
إحداهما : القدرية النفاة : الذين أنكروا القدر، وهم على درجتين :
1-    غلاة : وهم أوائلهم ، أنكروا العلم والكتابة، وزعموا أن الأمر أُنُف .
2-    مقتصدون: وهم المعتزلة، أنكروا المشيئة والخلق،وزعموا أن العبد يخلق فعله
الثانية : الجبرية : الذين قالوا: العبد مجبور على فعله،وسلبوه الإرادة،والفعل،والاختيار، وجعلوا حركاته اضطرارية كحركات المرتعش، ونفوا عن أفعال الله الحكمة والتعليل .
     وكلا الطائفتين محجوج بالشرع والواقع :
1-    فمنكرو القدر، بمراتبه الأربع ، ترد عليهم النصوص الصريحة بإثباتها، ويدل الواقع على أن المرء يعمد لفعل شيءٍ من الأشياء فيحال بينه وبينه .
2-    والجبرية الغلاة في إثبات القدر، ترد عليهم النصوص الدالة على إثبات الإرادة، والفعل، والمشيئة للعبد. ويدل الواقع على أن كل إنسان يفرق بين أفعاله الاختيارية، وما يقع عليه من أمور اضطرارية .
 كما أن النصوص الشرعية متوافرة في إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله عز وجل .

 

 

 

 


القرآن
     القرآن كلام الله، قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ) التوبة : 6، وقال صلى الله عليه وسلم، وهو يعرض نفسه على القبائل في الموسم : ( ألا رجل يحملني إل قومه، لأبلغ كلام ربي ؛ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل ) رواه الخمسة .
     فالقرآن كلام الله تعالى حقيقةً ؛ حروفه، ومعانيه، لا يشبه كلام المخلوقين . منزل غير مخلوق . تكلم الله به ابتداءً ، وأوحاه إلى الروح الأمين ، جبريل ، فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، مفرقاً ، فقرأه على الناس . قال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) الإسراء : 106
     وإذا تلاه الناس، أو كتبوه في المصاحف، أو حفظوه في الصدور، لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة ؛ فإن الكلام إنما ينسب حقيقةً إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً . فالتلاوة غير المتلو، والكتابة غير المكتوب، والحفظ غير المحفوظ، وهكذا سائر التصرفات، فالفعل فعل القارئ، أوالكاتب، أوالحافظ، والكلام كلام البارئ . قال تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ.وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) النحل :102- 103، وقد أكفر من نسبه إلى قول البشر، وتوعده بسقر، فَقَالَ : ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) المدثر : 26
 
الرؤية
     ومن الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، عياناً بأبصارهم، من غير إحاطة، في موضعين : أحدهما: في عرصات القيامة ، أي مواقف الحساب. والثاني : بعد دخولهم الجنة . قال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة: 22-23، وقال: ( عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ )المطففين: 23، وقال: ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) يونس: 26، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته ) متفق عليه .
حقيقة الإيمان
     1- الإيمان قول وعمل ؛ قول القلب ، واللسان ، وعمل القلب ، واللسان ، والجوارح . فقول القلب : اعتقاده ، وتصديقه ، وقبوله .
وقول اللسان : التلفظ بكلمة الإسلام، والاستعلان بالشهادتين .
وعمل القلب : ما يقوم به من النيات، والإرادات ؛ كالخوف، والرجاء، والتوكل.
وعمل اللسان : ما يلهج به من الذكر، والدعاء، والتلاوة .
وعمل الجوارح : ما تتحرك به الأعضاء من العبادات البدنية .
قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال :2- 4، وقال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ) الحجرات : 15، وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون ، شعبة ؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه.
     فالإيمان له حقيقة مركبة من القول والعمل، فهو تصديق مستلزم للقول والعمل . فانتفاء القول والعمل دليل على انتفاء التصديق .
     2- والإيمان عند الانفراد، مرادف للإسلام عند الانفراد ، فإن كلاً منهما يعني الدين كله . وأما عند الاقتران ، فالإيمان يعني الاعتقاد الباطن، والإسلام يعني العمل الظاهر. فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن. قال تعالى : ( قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) الحجرات : 14
     3- والإيمان يزيد وينقص ؛ يزيد بالعلم بالله ، والتفكر في آياته الكونية ، والتدبر لآياته الشرعية ، وفعل الطاعات ، وترك المعاصي ، وينقص بالجهل بالله ، والغفلة عن آياته الكونية ، والإعراض عن آياته الشرعية ، وتضييع الطاعات ، واجتراح السيئات. قال تعالى : ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً ) الأنفال : 2، وقال: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) التوبة: 124، وقال : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ) الفتح : 4
     4- والإيمان يتفاضل ، وبعض خصاله أعلى من بعض ، كما في الحديث المتقدم : ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون ، شعبة ؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه.
     5- وأهله فيه متفاضلون ؛ بعضهم أكمل إيماناً من بعض ، كما قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير ) فاطر:ُ 32، وقال صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خلقاً ) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي .
     فمن أتى بالشهادتين معتقداً معناهما ، ملتزماً مقتضاهما فقد أتى بأصل الإيمان ، ومن فعل الواجبات، وترك المحرمات، فقد أتى بالإيمان الواجب . ومن فعل الواجبات، والمستحبات، وترك المحرمات، والمكروهات، فقد أتى بالإيمان الكامل .
    6- والاستثناء في الإيمان ؛ بأن يقول : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) له ثلاثة أحوال :
أحدها : إن قاله شاكاً في أصل الإيمان : فالاستثناء محرم ، بل كفر ؛ لأن الإيمان جزم .
الثاني: إن قاله خوفاً من تزكية النفس بادعاء تحقيق الإيمان الواجب أو الكامل،فواجب.
الثالث : إن قاله تبركاً بذكر المشيئة ، فالاستثناء جائز .
    7- ولا يزول وصف الإيمان بمطلق المعاصي والكبائر ، بل تنقصه ، مع بقاء أصله. فمرتكب الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان ؛ مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، لا يخرج من الملة في الدنيا ، ولا يخلد في النار في الآخرة ، بل يكون تحت المشيئة ؛ إن شاء عفا الله عنه مجاناً، وأدخله الجنة ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ، ومآله إلى الجنة ، أو ببعض ذنبه ، فيخرج بشفاعة الشافعين ، أو برحمة أرحم الراحمين . قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء 48، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان . فيخرجون منها، قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياة ) رواه البخاري ، وقال : ( يَخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، و يَخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وفي قلبه وزن برة من خير، ويَخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وفي قلبه وزن ذرة من خير ) رواه البخاري . وفي رواية : (من إيمان) ، مكان (من خير) .
     وقد ضل في هذه المسألة طائفتان :
الأولى : الوعيدية : القائلون بإنفاذ الوعيد ، وإنكار الشفاعة في حق مرتكبي الكبائر ، من عصاة الموحدين . وهم صنفان :
1-    الخوارج : القائلون بأن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ودخل الكفر. فهو كافر في الدنيا ، خالد في النار في الآخرة .
2-    المعتزلة : القائلون بأن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ، ولم يدخل في الكفر . فهو في منزلة بين منزلتين في الدنيا؛ لا مؤمن ولا كافر! خالد في النار في الآخرة !
     والرد على الوعيدية من وجوه ، منها :
أولاً : أن الله تعالى أثبت الإيمان ، وأبقى وصف الأخوة الإيمانية لمرتكب الكبيرة ، في الدنيا ، كما في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) البقرة : 178، فسمى القاتل أخاً للمقتول، وكما في قوله: ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات: 9-10،فنمى الطائفتين المقتتلتين إلى الإيمان، وأثبت لهما أخوته.
ثانياً : أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء ، ويُخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان ، كما تواترت بذلك أحاديث الشفاعة .
 
الثانية : المرجئة : القائلون بإرجاء الأعمال ، أي تأخيرها ، عن مسمى الإيمان ، فلا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ! وهم في تعريف الإيمان أصناف :
1-    الجهمية : تصديق القلب ، أو معرفة القلب ، فقط .
2-    الكرامية : نطق اللسان ، فقط .
3-    مرجئة الفقهاء : تصديق القلب ، ونطق اللسان ، فقط . وأما الأعمال فليست داخلة في حد الإيمان وحقيقته ، بل هي من ثمراته .
     والرد على المرجئة من وجوه ، منها :
أولاً : أن الله سمى الأعمال إيماناً ، فقال في شأن من صلوا إلى بيت المقدس، وماتوا قبل تحويل القبلة : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) البقرة : 143، أي : صلاتكم .
ثانياً : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نفى الإيمان المطلق عن مرتكب الكبائر العملية ، فقال : ( لا يزني الزاني، حين يزني، وهو مؤمن . ولا يسرق السارق، حين يسرق، وهو مؤمن . ولا يشرب الخمر، حين يشربها، وهو مؤمن . ولا ينتهب نهبة ذات شرف، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم، حين ينتهبها، وهو مؤمن ) متفق عليه .
     ومنشأ فساد مقالة كلا الطائفتين ؛ الوعيدية، والمرجئة ، من اعتقادهم أن الإيمان شيء واحد ، إما أن يوجد كله، أو يعدم كله ! فأما المرجئة فأثبتوه بمجرد الإقرار؛ بالقلب، أو اللسان، أو بهما معاً ، ولو لم يعمل البتة ، فهم أهل تفريط . وأما الوعيدية فنفوه بأدنى كبيرة ، فهم أهل إفراط . فمقدمتهما واحدة ، ونتيجتاهما متضادتان !

 

 

 

 


الإمامة والجماعة
1- وجوب البيعة : قال صلى الله عليه وسلم : (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتةً جاهلية ) رواه مسلم
2- السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف : وإقامة الحج، والجمع، والأعياد، مع الأمراء؛ أبراراً كانوا أو فجاراً ، والنصح لهم ، والرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء:59، وقال صلى الله عليه وسلم:( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه، وقال: ( من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له) رواه مسلم
3- تحريم الخروج عليهم، ومنابذتهم، ولو جاروا، إلا أن يفعلوا كفراً بواحاً، عندنا فيه من الله برهان؛ لحديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بَواحاً، عندكم من الله فيه برهان ) رواه البخاري . وقال : ( إنكم سترون بعدي أثرةً وأموراً تنكرونها ) قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : ( أدُّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم ) رواه البخاري .

الصحابة
     الصحابي : من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، مؤمناً به ، ومات على ذلك. والصحابة، رضوان الله عليهم، خير الناس بعد الأنبياء، وأفضل قرون الأمة. قال صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ) ، وقال : ( خير أمتي قرني ) متفق عليهما .
     وهم كلهم عدول، لأن الله،سبحانه، قد اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وزكاهم، ورضي عنهم، وتاب عليهم، ووصفهم بأكرم الأوصاف، ووعدهم خير عِدَة، فقال: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )الفتح: 29
     ومع ذلك، فإنهم يتفاضلون، تفاضلاً عاماً وخاصاً ؛ فمن مراتب التفاضل العام :
1- المهاجرون أفضل من الأنصار: لجمعهم بين الهجرة والنصرة، ولأن الله تعالى قدمهم في الذكر، فقال : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ.وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)الحشر:8-9
وقال: ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 100، وقال: ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة:117
2- من أنفق من قبل صلح الحديبية، وقاتل، أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا : قال تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)الحديد:10      
3- أهل بدر : لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر،رضي الله عنه، في قصة حاطب بن أبي بلتعة : ( إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) متفق عليه .
4- أهل بيعة الرضوان : قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح : 18 وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها ) رواه مسلم .
     وأما التفاضل الخاص :
1- الخلفاء الراشدون الأربعة : فأفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، بإجماع أهل السنة والجماعة . وقد تواتر النقل، من أكثر من ثمانين وجهاً، عن علي، رضي الله عنه، أنه قال على منبر الكوفة : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر) رواه أحمد بأسانيد صحيحة، وابن أبي عاصم، وصححه الألباني . ولا يقطع علي، رضي الله عنه، بذلك إلا عن علم . ورواه الترمذي عنه مرفوعاً .
     ويليهما في الفضل عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ لما روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: ( كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ) وفي لفظ : ( يبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره ) . وقال أيوب السختياني، رحمه الله: ( من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ) لكونهم قدموه في الخلافة .ويليه علي بن أبي طالب، رضي الله عنه . فترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
2- المبشرون بالجنة : وهم الخلفاء الأربعة ، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعيد بن زيد، رضوان الله عنهم أجمعين ؛ فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للعشرة بالجنة. رواه الخمسة . وهو صحيح . كما دلت النصوص على البشارة لغيرهم كبلال، وثابت بن قيس، وعبد الله بن سلام، رضي الله عنهم أجمعين .
3 – أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم : وهم خمسة بطون تحرم عليهم الصدقة : آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وبنو الحارث بن عبد المطلب . قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اصطفى إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) رواه مسلم  وقال:( أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي ) رواه مسلم. ولما شكا إليه العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه، أن بعض قريش يجفو بني هاشم، قال: ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) رواه أحمد .
     ومن أهل بيته، صلى الله عليه وسلم، أزواجه الطيبات، المطهرات . قال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الأحزاب: 33 . وقد اصطفاهن الله لنبيه، وجعلهن أزواجه في الدنيا والأخرة، وسماهن أمهات المؤمنين . وأفضلهن خديجة، ، وعائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما. وبقيتهن : سودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر، وأم سلمة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وزينب بنت جحش، وجويرية ، وميمونة، وزينب بنت خزيمة ، رضي الله عنهن جميعاً .
     فالواجب تجاه الصحابة، على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم :
أولاً : محبتهم ، وموالاتهم ، والترضي عنهم ، والاستغفار لهم ، والثناء عليهم ، آحاداً وجماعات . قال تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) التوبة :71، وقال : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الحشر:10،وقال صلى الله عليه وسلم: ( آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار ) رواه البخاري ، وقال لعلي، رضي الله عنه: ( لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ) رواه مسلم .
ثانياً : سلامة القلوب والألسنة لهم : من الغل وسوء الظن ، ومن السب واللعن . قال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر:10، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ، ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه ) متفق عليه .
ثالثاً : الكف عما شجر بين بعضهم، وإحسان الظن بهم، والاعتذار لهم بأنهم مجتهدون؛ إما مصيبون فلهم أجران، أو مخطئون فلهم أجر واحد . ولهم من السوابق، والمناقب، والحسنات العظيمة، ما يوجب مغفرة الذنوب، إن كان قد صدر منهم ذنب .
رابعاً : البراءة من طريقة الروافض، أهل الغلو في أهل البيت، والبغض والسب لعامة الصحابة، ومن طريقة النواصب، أهل الجفاء والأذى لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الأولياء
     الولي : هو كل مؤمن تقي . قال تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) يونس: 62- 63، ومراتبهم في الولاية، بحسب مراتبهم في الإيمان والتقوى، لا بنسبٍ ولا دعوى. قال تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13
     والكرامة: أمر خارق للعادة يجريه الله على يد ولي من أوليائه، كرامةً له، وتصديقاً للنبي الذي اتبعه . وهي على نوعين :
أحدهما : في العلوم، والمكاشفات، والفراسة، والإلهامات .
الثاني : في القدرة، والتأثيرات .

أصول جامعة في التأصيل والاستدلال
1- الأصول الجامعة التي تؤخذ منها العقيدة، والشريعة، والسلوك، ثلاثة : الكتاب، والسنة الصحيحة، والإجماع المنضبط . ولا يحل أن تعارض برأي، أو قياس، أو ذوق، أو كشف، أو قول أحد كائناً من كان .
2- السبيل في فهم الكتاب والسنة: سبيل السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار، والتابعين لهم بإحسان،والإعراض عن السبل المبتدعة التي أحدثها المتكلمون والصوفية؛ قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء:115
3- العقل الصريح، السالم من الشبهات، لا يعارض النقل الصحيح، السالم من العلل القادحات. والنصوص محارات العقول، لا محالات العقول. ومن توهم التعارض فقد أتي من فساد عقله، ويلزمه،حينئذ، تقديم النقل على العقل .
4- البدعة : طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسير عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . وهي أنواع : عقدية وعملية ، ومغلظة ومخففة ، ومكفرة ومفسقة .


من مكملات العقيدة
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران:104
2- الحرص على الوحدة والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف، والمحافظة على الجمع والجماعات. قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران:105، وقال: ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى:13، وقال صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وشبَّك بين أصابعه.متفق عليه
3- مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال : من الصبر، والكرم، والشجاعة، والحلم، والصفح، والتواضع، وترك أضدادها، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى، والمساكين، وابن السبيل .

الدين والطريقة
     دين الله واحد، وهو الإسلام؛ قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) آل عمران:19 ، وهو دين الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ) المائدة: 44 . وهذا هو الإسلام بالمعنى العام؛ الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك .
     وأما الإسلام بالمعنى الخاص، فهو ما بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق؛ من عقائد صحيحة، وشرائع عادلة، وأعمال صالحة، وأخلاق قويمة، وجعله ناسخاً لما سبقه من الأديان، فلا يقبل ديناً سواه؛ قال تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران: 85، وقال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم
     وقد سمى الله عباده الذين سبقت لهم منه الحسنى مسلمين ؛ فقال : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ ) الحج : 78 ، لكن لمَّا جرت سنة الله في خلقه أن يختلفوا، ويفترقوا، كما قال نبيه صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة،وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد، صارت هذه الفرقة الناجية، هم أهل السنة والجماعة، المُمسِّكون بالكتاب، المتبعون للسنة، الخالصة من الشوب والأهواء، والبدع. وهم الطائفة الظاهرة، الذين قال فيهم: ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ) رواه مسلم .
     وهم وسط بين طرفين، وعدل بين عوجين، وهدىً بين ضلالتين :
1-    بين المشبهة والمعطلة في باب صفات الله .
2-    وبين الجبرية والقدرية في باب أفعال الله .
3-    وبين المرجئة والوعيدية في باب وعيد الله ، وأسماء الإيمان والدين .
4-    وبين الخوارج والرافضة في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهم برآء من هذه المذاهب الرديَّة، والطرائق الغويِّة ، مغتبطون بمنة الله عليهم أن حبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان .
( فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحجرات: 8
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبه : د. أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي
تم الفراغ منه في : 15/2/1427
عنيزة