سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 231

الحلبي : السؤال الأول ما حكم التاجر كثير المال الذي لا تتم التجارة إلا بالمعاملة البنكية ، ولا يوجد في بلده بنوك إسلامية علما أنه لا يأخذ ولا يعطي أي فائدة في معاملته هذه ؟

 

الشيخ : قبل الاجابة عن هذا السؤال يجب لفت النظر إلى أمرين اثنين : أحدهما أنه لا يجوز تسمية الربا بلفظ آخر أصطلح عليه حديثا ألا وهو الفائدة ؛ لأن هذه التسمية يترتب من وراءها مفسدتان اثنتان : إحداهما لفظية ، والأخرى معنوية أو حكمية شرعية ؛ أما المفسدة اللفظية فهو تسمية المسميات بأسماء مخالفة للشريعة مثلا لا يجوز لنا أن نسمي السائل المسكر المسمى في لغة الشرع فالخمر نسميه وسكي أو شمبانيا أو مثلا غير ذلك من الأسماء ؛ لأن في هذه التسمية المفسدة الثانية التي ستلي مع مخالفتها في تسمية الشارع الحكم في أحاديث كثيرة التي من أجمعها قوله عليه السلام : ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) فهذه المفسدة أرجوا أن يتنبه لها وأن لا يظن الظان أنها شكلية محضة ، كلا ويرحمك الله ؛ لأن للأسماء تأثيرها إن صلاحا وإن طلاحا ونحن نلمس لمس اليد اهتمام الشارع الحكيم بإصلاح كثير من الألفاظ ولو كان المتلفظ بها لا يعني معانيها وإنما هو يتلفظ بلفظ لا يرمي إلى المعنى الذي يدل عليه هذا اللفظ عادة ، الأحاديث في هذا الصدد كثيرة والحمد لله ؛ ولكن لا بأس بالإتيان بنماذج منها من باب التمثيل وليس من باب الحصر وأهم هذه الألفاظ ما كان لها علاقة بالعقيدة وبالتوحيد بصورة خاصة ، فمثلا هناك أحاديث أكثر من حديث واحد ينهى الرسول عليه السلام المسلمين بعامة أن يقول قائلهم " ما شاء الله وشئت " ويأمر أن نقول إحدى قولتين ، إما " ما شاء الله وحده " وهذه أقطع للمفسدة ؛ وإما " ما شاء الله ثم شئت " وهذا عند من يفقه الفرق بين الواو وثم ؛ وبطبيعة الحال أكثر الناس لا يعلمون ولذلك تجد كبار القوم في خطبهم وفي افتتاح كلماتهم ومحاضراتهم يقول قائلهم باسم الله والوطن ؛ لأنهم قوم لا يفقهون ولا يعلمون قبل الشرع لغتهم ، لا يفقهون ؛ الشاهد أن كثيرا من الناس حتى اليوم يشركون بالله ، وما نقول شركا اعتقاديا لا نقول في الناس كلهم أنهم يشركون شركا اعتقاديا حينما يقولون ما شاء الله وشئت أو باسم الله والوطن أو الشعب أو الأمة أو ما شابه ذلك ، هذا أقل ما يقال فيه إنه مشرك لفظي وهنا الشاهد من الأحاديث التي جاءت في هذا الصدد ما رواه الإمام أحمد في المسند بالسند الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في الناس يوما فقام رجل يقول ما شاء الله وشئت يا رسول الله ، قال عليه السلام أجعلتني لله ندا ، قل ما شاء الله وحده ) ونحن نعلم أن مثل هذا الصحابي مهما تصورناه أنه كان حديث عهد بالإسلام هذا يمكن ويمكن أن يكون أسمى وأعلى من ذلك ، أن يكون قديم العهد بالإسلام ؛ لكن ولو افترضنا أنه كان حديث عهد بالإسلام فهو لما قال أشهد أن لا إله إلا الله يفقه معنى هذه الكلمة بحكم كونه عربيا قحا لما تتسرب العجمة إليه كما هو شأن كثير بل أكثر العرب اليوم حتى من المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله ثم ينقضونها بكثير من أعمالهم وأفكارهم وعقائدهم ، هذا لا نستطيع أن نتصور فيه هذا الانحراف الفكري لأنهم كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي دعا الناس إلى لا إله إلا الله كان قومه من الكفار المشركين يستنكرون ذلك عليه ؛ لأنهم يعلمون معنى هذه الكلمة الطيبة ، يعلمون أن معنى ذلك لا ينبغي للقائل لها ، والمعتقد بها أن يشرك شيئا مع الله مطلقا ؛ ولذلك قالوا : (( اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )) وفي الآية أخرى : (( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )) المسلمون اليوم وبخاصة الأعاجم لا يستكبرون عن أن يقولوا لا إله إلا الله فهم مسلمون وكما قال عليه السلام ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) ؛ لكنهم في منطلقهم في حياتهم ، يفعلون فعل المشركين ؛ ذلك لأنهم لا يفقهون معنى هذه الكلمة ولا يعلمون ملتزماتها ، هذا الصحابي الذي قال للرسول ما شاء الله وشئت لا يعني أن يجعله شريكا مع الله في المشيئة والإرادة ؛ ولكن هكذا نطق به لسانه فما أقره عليه السلام مع أنه يعلم منه أكثر مما نعلم نحن منه بطبيعة الحال لسلامة عقيدته من الشرك والكفر ؛ لكن كل ذلك لم يحمل الرسول عليه السلام على أن يمحوا هذا الخطأ وأن لا يمر عنه وإنما قال له بصيغة الاستفهام الاستنكاري ، ( أجعلتني لله ندا ، قل ما شاء الله وحده ) ؛ هناك حديث آخر وهو أعجب من هذا الحديث لأنه يعطينا فكرة أكثر مما أعطانا هذا الحديث ، هذا الحديث يتعلق برجل أخطأ هذا الخطأ ؛ لكن الحديث التالي يعطينا أن كثيرا من الصحابة كانوا يقولون مثل هذه الكلمة ذلك حديث حذيفة فيما أذكر أو غيره من الصحابة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى في المنام أنه بينما كان يمشي في طريق من طرق المدينة لقي رجلا من اليهودي فقال له نعم القوم أنتم معشر يهود لو لا أنكم تشركون بالله فتقولون عزير ابن الله فقال اليهودي للمسلم " هذا في المنام " ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لو لا أنكم تشركون بالله ؛ الخطاب الآن مش للفرد لجماعة ، لو لا أنكم تشركون بالله فتقولون ما شاء الله وشاء محمد ، ثم انطلق يمشي حتى لقي رجلا من النصارى  فقا له المسلم نعم القوم أنتم النصارى لو لا أنكم تشركون بالله فتقولون عيسى ابن الله ، فقابله النصراني بقوله نعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون ما شاء الله وشاء محمد ؛ لما أصبح الصباح وقص هذه الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له ( هل قصصتها على أحد ) ؟ قال لا ، فوقف خطيبا فقال عليه السلام لهم ( كنت أسمع منكم كلمة فأستحيي من أن أخاطبكم أو أذكركم بها ، لا يقولون أحدكم ما شاء الله وشاء محمد ؛ ولكن ليقل ما شاء الله وحده ) ، في هذا الحديث نفهم أن فيه إشارة قوية جدا تكاد تكون صريحة وهي : أن هذا الأمر له علاقة بتصحيح الألفاظ وليس بتصحيح العقيدة ؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يعلم من أصحابه الذين كان يسمعهم أحيانا يقولون كقولة ذلك الرجل ما شاء الله وشاء محمد ، لو كان يعلم أنهم يعتقدون أن مشيئة الرسول ومشيئة الله واحدة لما سكت عنهم دهرا ؛ لكن لما كان يعلم أن هذا من الألفاظ التي هم لا يعنون معناها فكان يستحيي عليه السلام أن يباشرهم بالانكار أن وقعت هذه الحادثة وذلك دليل أن الأمر كما قال تعالى : (( لكل أجل كتاب ))، فوعظهم الرسول عليه السلام وحذرهم من أن يقولوا ما شاء الله وشاء محمد ؛ وهناك أحاديث كثيرة وأشعر بأني ابتعدت كثيرا أو قليلا عن نفس السؤال الذي كنا في صدده فكيفي ما ذكرته الآن لكن مع ذلك أجد نفس تنازعني لابد من أن تذكر حديثا آخر لروعته وجماله وكماله في تنبيه المسلمين إلى ضرورة العناية بالألفاظ فقال عليه السلام ( لا يسمن أحدكم العنب كرما ) وهذا الأمر واقع اليوم بين الفلاحين سواء هنا أو في فلسطين أو في سوريا " رحنا على الكرم وجئنا من الكرم "

السائل : حتى في الجزائر .

الشيخ : حتى في الجزائر كذلك ، إذا المصيبة عامة  ( لا يسمين أحدكم العنب كرما فإنما الكرم قلب الرجل المؤمن ولكن ليقل الحبل الحبل أو عرائش الأعناب ) فأصحاب الرسول عليه السلام كانوا في الجاهلية كانوا في ضلال مبين لا إشكال فيه وكانوا يشربون الخمر ، ونعلم كلنا كم آية نزلت وكيف تدرج الحكم الإلهي في حملهم على الاقلاع من شرب الخمر ، كان من وسائل الحمل وقطع العلاقة بين المسلمين الذين حرم الله عليهم شرب الخمر ، أنه حرم عليهم أيضا أقول وأعني ما أقول حرم عليهم أن يتلفظوا بكلمة تذكرهم بالعهد الجاهلي الذي كان فيه يسمون العنب كرما ؛ لأن المؤمنين للخمر إلى اليوم يعتقدون لبطر شديد أن الذين يعاقرون الخمر ويشربونها يصبحون أيش كراما ، يعني يصير طبعهم طبع الكرماء ، فقال عليه السلام : ( لا يسمين أحدكم العنب كرما فإنما الكرم قلب الرجل المؤمن ولكن ليقل الحبل الحبل أو عرائش الأعناب ) عريشة وعرائش الأعناب ؛ نعود الآن الاسلام يسمي ما يسميه عامة الناس وكثير من المسلمين حتى المرشدين منهم ، وحتى الخطباء والوعاظ انجرافا منهم مع اللفظة التي هي ترجمه لعبارة أجنبية ، يسمون الربا بالفائدة ، هذا لا يجوز لمن يعلم هذا المبدأ الإسلامي أن الإسلام يهتم بتهذيب الألفاظ أيضا وليس بإصلاح العقيدة والأفكار فقط ، إذا لا يجوز أن نسمي الربا بالفائدة ؛ إذا ينبغي أن يصحح السؤال لكن في السؤال شيء آخر وهو إن كان لا يوجد من هذا المودع لماله في البنك وبنك كافر غير مسلم على حد تعبير السائل أي فائدة يأخذها أو يعطيها ؛ فنحن نسلم بالأولى مادام أن السائل مسلم ، أي إنه لا يأخذ ربا ، هذه الفائدة التي يسميها لا يأخذ ربا ؛ لكنه هو مخطئ حينما يقول لا يأخذ فائدة ولا يعطي فائدة كيف ذلك وهو يودع ماله في البنك الذي كل بنك نعرف حقيقته حقيقة تركيبيه إنما يقوم على أموال العملاء مع هذا البنك بحيث لو تصورنا كما يقال في الاستعمال العربي قديما في ليلة لا قمر فيها ، اجتمع العملاء كلهم على سحب الأموال من بنك من هذه البنوك ؛ ماذا يصبح البنك ؟ مفلسا لأن رأس ماله إنما هو قائم على هذه الأموال المودعة في البنك ؛ فإذا كيف نقول في الحال في السؤال إنه علما أن المودع للمال لا يأخذ فائدة ولا يعطي فائدة هو لو كان يأخذ فائدة يعطي أكثر مما يأخذ من الفائدة ؛ لأن البنك يستعمل هذا المال في الفائدة تلك التي هي اسمها في الشرع الربا ؛ لذلك قبل الجواب عن السؤال قلت آنفا ينبغي لفت النظر إلى هاتين الحقيقتين هنا خطأ لفظي وخطأ في خصوص هذا السؤال حينما يقول أنه لا يعطي فائدة ؛ أنا أدري أنه يعني لا يعطي فائدة خاصة ؛ لكن ما هو المهم ؟ المهم أنه يعطي فائدة للبنك أكثر من الفائدة الخاصة التي هو أرادها بهذا السؤال ؛ فينبغي أن لا نغتر بأننا إذا أودعنا ما لنا في البنك ولم نأخذ عليه ربا ، أننا تبرأت ذمتنا وأننا لم نعص ربنا لماذا ؟ لأننا لم نأخذ فائدة ولا نعطي فائدة ، لم نأكل ربا ولم نؤكل ربا ، ليس الأمر كذلك ؛ وهذا صريح في قوله عليه السلام المفسر لآية في القرآن قوله عليه السلام : ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) إذا الذي يعطي ماله للبنك سعره في الشرع سعر البنك نفسه ، البنك يأكل الربا والمودع لماله فيه يطعم الربا ولو لاه لم يكن هناك في الدنيا بنك إطلاقا ؛ هل عندك شيء ؟

السائل : لا .

الشيخ : هل تتصور أن تاجرا يتعامل مع بنك ما دون إيداع المال ، كيف يتصور هذا ؟

الحلبي : يكاد هذا يكون مستحيلا .

الشيخ : فإذا تعليقك اجعله في رسالة أخرى ، ...

الحلبي : جزاك الله خيرا .

الشيخ : بارك الله فيك لأنه أنا أتصور فعلا أن التجار مبتلون ابتلاء بشعا جدا ؛ ... هؤلاء إخواننا من الجزائر وهم ضيوف عندنا ... من الجزائر عزيزة وهم على سفر ؛ أما أنتم مقيمون ؛ ولذلك نؤثر المسافر المستعجل الذي أجاز له الشارع أن يجمع وأن يقصر على المقيم .

السائل : جزاك الله خير .

الشيخ : تعامل التجار يا أخي مع البنوك لو كان الأمر يقف بدون إيداع الأموال في البنوك وإنما هو كمسألة التحويل مثلا لكان الخطب سهلا ؛ لكن الذي أفقه من كثرة الأسئلة التي وردت إلينا وتناقشنا فيها ولست تاجرا أنه لابد للتاجر أن يكون له رأس مال في البنك حتى تمشي معاملاته ؛ ولذلك أنا أدرت الحديث على هذا الايداع لأن بين الأمرين تلازما لا انفكاك بينهما .

 

الشيخ : ... هذا شيء ؛ وشيء آخر أرجوا أن يكون الأخير بالنسبة للسؤال الأخير وليس الأخير إن المسلم يجب عليه أن يتقي الله في طلبه للرزق وليس من الضروري أن يوسع ماله بالطرق المحرمة بل وبالسبل المشبوهة فضلا عن الطرق المحرمة ، لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في أصحابه وكان من جملة ما قال لهم ( يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فإن ما عند الله لا ينال بالحرام )، أو كما قال عليه الصلاة والسلام ( أجملوا في الطلب ) أي اسلكوا الطريق الجميل المشروع في طلب الرزق الذي أمركم الله تبارك وتعالى بالسعي وراء طلبه ولكن  ليس أمرا مطلقا وإنما أمرا مقيدا بحدود الشرع ولذلك قال في آخر الحديث ( فإن ما عند الله لا ينال بالحرام )، هذا لا ينال بالحرام من حيث الأسلوب العربي هو كقوله تعالى في القرآن (( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )) أي ينبغي أن لا يكون ولا يمكن أن يكون فنحن نرى كثيرا من الحجاج كثيرا من الحجاج يحجون ولسان ذلك البدوي يقول لكل منهم وما حججت ولكن حجت الإبل ؛ المقصود بالآية (( لا رفث )) أي لا ترفثوا و (( لا جدال )) أي لا تجادلوا ؛ كذلك الحديث ( فإن ما عند الله لا ينال بالحرام ) ، لا يفهمن أحد من هذا اللفظ العربي النبوي الأصيل أن هذا يخالف الواقع ؛ لأنه هذه الخمارات والبارات إلى آخره ، عم يحصلوا زرقهم بالحرام ؛ لأن المقصود ( فإن ما عند الله لا ينال ) أي لا ينبغي أن ينال بالحرام ؛ فمن كان مؤمنا بالله ورسوله ، أولا كما ادعاه ثم كان مؤمنا بالتفصيل الذي يتعلق بالرزق وهو أن الرزق مقطوع وهو لا يزال جنينا في بطن أمه  كثير كتب رزقه قليلا أم كثيرا ؛ ولذلك فعلى المسلم أن يتعاطى أسباب الرزق المشروعة وليس الأسباب الممنوعة من أجل ... والحديث ذو شجون ولا ينتهي إنما القصد أن التاجر المسلم ليس مكلفا بأن يوسع تجارته  وعلى حساب مخالفة الشرع وإنما فليتق الله على أساس الحديث السابق وأنا أضرب مثلا بسيطا جدا بنفسي ، أنا في دمشق الشام وذلك من فضل الله علي نشأت مصلح ساعات ساعاتي ، ونشأت في عائلة فقيرة ليس عندي رأس مال ؛ لكن مع الزمان استطعت أن أوفر شيئا منه فكانت عمدتي في كسب قوت يومي وأهلي هو التصليح وليس البيع ؛ لأن البيع يحتاج إلى سيولة نقدية إلى عملة ؛ لكن بقدر ما عندي من مال قليل كنت أشتري بعض الساعات وأودعها في الواجهة فإذا جاء رجل يريد أن يشتري إن وثقت به بعته بالتقسيط بسعر النقد وإذا ذهبت إلى التاجر لا أشتري منه إلا نقدا ؛ لأني إذا أردت أن أشتري منه بالتقسيط بده يأخذ مني زيادة وهنا يأتي الحديث السابق ( لعن الله آكل الربا وموكله ) ما صرت تاجرا بالساعات لكن عشت والحمد لله مكفيا ، مكفيا لم أحتج أحدا من الناس ؛ فإذا ليس بالضروري على هذا التاجر الذي يضطر لإيداع قسما من ماله في البنك أن يتعامل بالربا وبخاصة ؛ وهذا نهاية الجواب ، ويجب يعني أن يرسخ في أذهاننا هذه الخلاصة قوله عليه السلام : ( عاقبة الربا إلى قل ) ... المسلم إذا حاول أن يتوسع في التجارة على طريق الربا ؛ فليعلم أن عاقبة هذه التجارة إلى قل ، إلى مسخ بل وإلى نسف ؛ شو السؤال الثاني يا أستاذ ؟

 

الحلبي : السؤال الثاني ما حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور وإنما هو أرض فسيحة ؟

الشيخ : إذا كان هناك حاجز بين المقبرة وبين هذه الأرض الفسيحة فالصلاة فيها جائزة وإلا فلا ، لابد أن يكون هناك سور يفصل المصلى ، مصلى الجنازة عن المقبرة ، والأحسن إذا كان ممكنا أن لا يكون ولو بني هناك سور من جميع أطراف الأرض ، أن لا يكون المصلون مستقبلين للمقبرة وإنما أن تكون المقبرة عن يمينهم أو عن يسارهم ؛ واضح الجواب ؟

السائل : نعم ؟

الشيخ : قلت إذا كانت الأرض التي يصلي فيها المصلون الجنازة ولنسمي هذه الأرض بالمصلى كانت مسورة مبني حولها جدار ومفصولة بين المصلى وبين المقبرة جاز الصلاة في هذه الأرض لانفصالها بالسور عن المقبرة ؛ لكن الأولى والأشرع والأفضل أن تكون أرض المصلى عن يمين المقبرة أو عن يسارها وأن لا تكون المقبرة في قبلة الأرض ، ولو كان بين الأرض وبين المقبرة سور فاصل ؛ واضح ؟

السائل : واضح .

الحلبي : ما هو حكم امرأة في الحج حاضت قبل طواف الافاضة ويحين وقت مغادرتها مكة قبل أن تطهر ، فماذا عليها أن تفعل ؟

الشيخ : هذا سؤال يتكرر وأعرف جواب بعض العلماء الأفاضل بأنها تطوف وتنطلق مع رفقتها ؛ أنا أرى أن هذا الجواب خطأ ، خطأ جليا ؛ ... أنا أقول إن بعض العلماء يفتون بأنها تطوف وهي حائض لكي لتنطلق مع رفقتها ؛ أقول وقد قلت سلفا بأن هذا الجواب خطأ ، أقول في الجواب بجوابين اثنين ، مختصر وهو جواب جدلي علمي ومفصل ؛ أما الجواب الجدلي العلمي ماذا تفعل هذه المرأة إذا كسرت ؟ أو أصابها مرض هل يأخذونها رفقتها ويسفرونها معهم وهي كسيرة ؟ أم يضطرون لإدخالها المستشفى لمعالجتها فيه حتى تبرأ ، على الأقل تستطيع أن تمشي ولو على عكازتين ؟ فدين الله أحق أن يقضى ، وطاعة الله أولى بالمؤمن ؛ ولذلك فلا ينبغي للعلماء أن يتسرعوا في تصور وجود ضرورة لهذه المرأة أن تطوف وهي حائض مع علمهم أن هناك في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها لما حجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزلوا في مكان قريب من مكة يعرف بسرف ، سرف مكان قريب من مكة ، دخل الرسول عليه السلام عليها فوجدها تبكي ، قال لها ما لك ( أنفست أو نفست ؟ )قالت نعم يا رسول الله ، قال ( هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي ) ؛ كيف نقول لها صلي أو نقول لها طوفي وهي غير طاهر ؟ هذا أمر لا يجوز ، بقولوا في ضرورة ، ما هي الضرورة ؟ الضرورة أن رفقتها بدهم يسافروا ؛ بنقول رفقتها ما بسافروا كلهم ، إلا وبعضهم سيتأخر فيما لو أصابها مصيبة بدنية يضطرها إلى التأخر ؛ فإذا أصابها مصيبة دينية فهي أولى بأن تتأخر كما أشرنا إلى ذلك بقوله عليه السلام في حديث الخثعمية المعروف ( دين الله أحق أن يقضى ) يعني مراعاة حقوق الله عزوجل في ذات نفس المسلم يجب أن يهتم بها أكثر وأكثر من غيرها ؛ ولذلك فلا عذر لهذه المرأة الحائض أن تطوف وهي حائض بحجة رفقاتها أو صواحبتها ؛ لأن هناك فتوى تقول بأنه يجوز للمرأة أن تحج مع صواحب لها إذا كن أيش ثقات ودينات ؛ هذا كلام باطل ويخالف حديث الرسول عليه السلام ؛ فإذا لا يجوز إلا أن تتأخر حتى تطهر وتغتسل وتطوف طواف الإفاضة ، ولا بأس عليها إذا ما حاضت بعد طواف الافاضة ولم تطف طواف الوداع أن تطوف بلا طواف وداع ؛ وهذا الحديث فيه نكتة لما الرسول عليه السلام علم بأن صفية حاضت فقال عليه السلام سائلا ( هل طافت طواف الوداع ؟ ) قالوا له نعم ؛ قال فلتنفر إذا ؛ فإذا الرسول هنا فرق بين طواف الافاضة وبين طواف الوداع ؛ فلو كان الجواب بأنها لم تطف طواف الإفاضة ماذا يفعل الرسول ؟ يتأخر من أجلها ؛ لكن لما كان الجواب أنها طافت طواف الافاضة قال لها إذا فلتنفر أي لتخرج من مكة بدون طواف الوداع ؛ لأن حكم طواف الوداع دون طواف الإفاضة وإن كان كل منهما واجب ؛ لكن طواف الافاضة ركن وطواف الوداع واجب يصح الحج بدونه ؛ وبالتالي يسقط هذا الواجب بعذر إيش ؟ الحيض ؛ لكن الافاضة لا يسقط بعذر الحيض . غيره .

السائل : هل يجوز للمرأة المسلمة أن تنزع شيئا من حجابها في غير بيت زوجها كبين النساء مثلا في عرس أو عند زيارتها إحدى أخواتها ؟

الشيخ : الذي أفهمه من السؤال وبصورة خاصة من لفظة الحجاب شيء قد لا يعنيه السائل ؛ وذلك أن كثيرا من الناس اليوم لا يعلمون أن المرأة المسلمة يجب عليها إذا خرجت من بيتها أمران اثنان ، ليس الجلباب فقط الذي يغطي بدنها كله إلا الوجه والكفين على الخلاف المعروف بين العلماء في الوجه والكفين وإنما يجب عليها قبل أن تلقي الجلباب على بدنها أن تضع الخمار على رأسها ، وعلى الخمار يلقى الجلباب ؛ وحينئذ إذا رجعنا إلى السؤال هل يعني السائل أنه هل يجوز للمرأة أن تلقي الجلباب وتظل مختمرة ؟ أو يعني ما هو أوسع من ذلك في ظني أنه يعني ما هو أوسع من ذلك ؛ لأن المتجلبيات نادرا جدا جدا جدا أن تجمع بين الجلباب والخمار يعني المرأة الملتزمة تكتفي أن تلبس الجلباب بأي طريقة من الطرق المختلفة باختلاف البلاد ؛ لكن لو رفعت الجلباب انحسر الرأس وانكشف العنق ونحو ذلك ؛ بعد هذا البيان والتوضيح أقول يجوز للمرأة أن ترفع كلا من الجلباب والخمار أمام المسلمات وليس هذا فقط بل يجوز لها أن تكشف عن مواضع زينتها وعن مواضع وضوءها ؛ فالذرعان مثلا ليسوا من العورة بالنسبة للمرأة مع المرأة ، والقدمان وشيء من الساق ، كذلك الرأس وما حوى كذلك ؛ فيجوز إذا للمرأة المسملة إذا حضرت مجتمعا نسائيا أن تلقي الجلباب وأن تلقي الخمار أمام النساء بشرط أن يكن مسلمات ؛ أمام إذا كان هناك امرأة غير مسلمة فيجب أن تعامل من النساء المسلمات كما لو كانت رجلا مسلما فضلا عما لو كان رجلا كافرا فلا فرق فيما يتعلق في عورة المرأة المسلمة أمام الرجل وأمام المرأة الكافرة ، كلاهما سواء ؛ وأظن ظهر الجواب عن هذا السؤال ؛ فهات الذي بعده .

السائل : امرأة أسقطت حملها في شهرين فهل تجري عليها أحكام المرأة النفساء ؟

الشيخ : لا ، مادام صارت نفساء وخرج منها الدم فلا بد أن تظل نفساء حتى تطهر أو بمضي عليها أربعون يوما .

السائل : امرأة آل إليها من زوجها بعد وفاته مال شركة التأمين الذي أمن به زوجها على نفسه فما هو حكمها طبعا وهذا حرام أصلا فما حكم هذا المال بالنسبة لها ؟

الشيخ : نعم ، هنا الجواب عندي على طريقة العلماء على وجهين ، فتوى وتقوى ، الفتوى يحل لها هذا المال لأنها وارثه ، و الغرم على المورث كما لو كان هذا المال مجنيا ومكتسبا من بيع الخمور ونحو ذلك ثم مات الجاني لهذا المال وخلفه للورثة فهو لهم حلال وعليه هو حرام ، هذا هو الفتوى ؛ أما التقوى فتحتاج إلى شيء من العملية الحسابية إن كان ذلك ممكنا  وإلا رجعنا إلى الفتوى وهي العملية التي تحتاجها هي أن تحاول معرفة الأموال التي دفعها المتوفى لشركة التأمين نفترض مثلا أن الميت مات ودفعت شركة التأمين عشرة آلاف وكان هو دفع لها كل سنة مبلغا بحيث تجمع عند شركة التأمين خمسة آلاف ، إذا هو دفع للشركة خمس آلاف فلا يحل له أن يأخذ عشرة آلاف ؛ فإذا كان بإمكان الورثة أو أحدهم أن يعرف المبلغ الذي دفعه هذا المؤمن على حياته زعم فهذا المبلغ المدفوع من المتوفى هو المال الحلال الزلال ، والزائد هو كالربا ، أقول كالربا وليست ربا ؛ لأني قلت آنفا إن هذا مال مورث ؛ لكن من باب التقوى هذه الخمسة آلاف الأخرى تأخذها الورثة ولا تنتفع بها في أشخاصها وإنما تصرف في المرافق العامة كرجل مثلا كان تورط وأودع ماله في البنك بفتوى أو فتاوى بعض المتساهلين من المشايخ ثم تبين له أنه يحرم عليه أولا أن يودع المال في البنك مطلقا وتبين له ثانيا أن هذا المال الذي يعطى له باسم الفائدة هو ربا وحرام ، فانتهى وتاب إلى الله واستخرج المال الذي كان أودعه في البنك ؛ لكن البنك يعطيه مع ما تعارفوا عليه من الربا .

الشيخ : ... فماذا يفعل هذا الرجل الذي تاب إلى الله وأناب ؟ هل يأخذ رأس المال كما هو ظاهر قوله تعالى : (( فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) أم هناك شيء آخر بالنسبة لهذه الصورة الذي نراه ونقول والله أعلم ؛ لأن هذا رأي والرأي معرض للصواب والخطأ ؛ الذي نراه أنه يأخذ رأس المال وهو له حلال ، ويأخذ الربا لكن لا يستحله ولا ينتفع بقرش منه وإنما أيضا يصرفه في المرافق العامة ؛ والمقصود من صرف المال في المرافق العامة هو أن لا ينتفع بهذا المال شخص أو شخصين معينين وإنما هو مرافق من المرافق العامة كتعبيد طريق في قرية أو سحب سبيل من ماء أو نحو ذلك مما ينتفع منه جمهور الناس وليس أشخاص معينين ؛ نقول نحن نرى هذا الرأي أولى من قولين آخرين في هذا المجال ، القول الأول نراه متشددا ، والآخر نراه متساهلا والوسط الحق بينهما على ما ذكرناه آنفا ؛ القول المتشدد يقول لك أنت انجوا برأسك وخذ مالك واترك الربا للبنك يتصرفوا فيه ؛ القول الذي يقابل هذا وهما على طرفي نقيض خذه يا أخي وتصدق به على الفقراء والمساكين ؛ لاشك أن كل هذه الأقوال الثلاثة ليس عليها نص وإنما هي ممن موارد النزاع والخلاف والداخلة في عموم قوله عليه السلام : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ) هذا موضع اجتهاد ، نحن حينما نتبنى الرأي الوسط كما قلنا آنفا ، نستند إلى قاعدة شرعية وهي التي تقول إن المسلم إذا وقع بين شرين بين مصيبتين يختار أقلهما شرا وأخفهما ضررا ولا يقول أنا مضطر وبنطلق وبطبق الحرام ويرتكبه بدون أي تفصيل لا ، لنقرب هذا بمثال رجل في الصحراء عنده لحمين لحيوانين أحدهما ذبحه حلال ولحمه طيب ، والآخر حرام ولحمه خبيث نجس ، كلاهما ميت فطيسة ؛ فهل له أن يأكل من هذا أو هذا ؟ نقول لا ، كل من الفطيسة التي أصلها حلال ولا تأكل من الفطيسة التي أصلها حرام ، عندك شاة ميتة وعندك خنزير ميت بل عندك ثعلب ميت لا تأكل من هذا الثعلب لأنه هذا تحريمه أكثر من الشاة الميتة ، هذا يجمع سببين في التحريم سبب أصيل وهو كونه ذو ناب وسبب طارئ وهو كونه ميت ؛ أما هذا الأول إنما حرم لسبب واحد ، إذا هذا تحريمه أخف ، إذا لا يخير هذا المضطر بين أن يأكل من هذا أو من هذا ؛ والآن نحن نقول بهذه القاعدة ننطلق إلى ما قلنا آنفا ، ترك المال الربوي للبنك هو إعانة لهم وإعطاء لشخص قد لا يستحقه ولا يكون فقيرا ؛ وإذا كان من ولابد تركه للبنك ، لا بل نطلعه ونعطيه لفقير ، طبعا إذا دار الأمر بين هذا وهذا ؛ لكن لا نحن لا نتركه لمدير البنك أو الموظف الكبير في البنك ولا نعطيه لفقير ، نوزع هذا المال الحرام في مجموعة من الناس مثل النجاسة التي تطرأ في ماء قليل نضيعها في ماء كثير ؛ وهكذا يمكن الإنسان أن يتفقه في شريعة الله عزوجل .

السائل : يعني ممكن نتبرع بها لبناء مسجد جديد ؟

الشيخ : بالخوارج لا بأس ؛ لكن في المسجد لا يجوز .

الحلبي : السؤال رجل في بلد أوروبي اشترى معطفا جلديا ثم تبين له أنه من جلد خنزير فما حكمه ؟ فإذا كان حراما فهل يجوز أن يهديه لنصراني ؟

الشيخ : هذا السؤال له جانبان : الجانب الأول هل الصلاة تصح بهذا الجلد أم لا ؛ والجانب الثاني إذا كان حراما فهل يجوز إهدائه للمشرك أو نصراني ؛ أقول يجوز الأمران كلاهما ، الصلاة صحيحة واقتناء هذا الثوب الذي هو من جلد الخنزير لأن الرسول عليه السلام وضع قاعدة عامة فقال ( كل إهاب دبغ فقد طهر ) كل إهاب دبغ فقد طهر ، وفي الفظ آخر ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) دخل في ذلك وهذا من مواضع النزاع أيضا جلد الخنزير ؛ فبالتالي وأولى جلد الكلب لأن هذه من الخلافات والثعلب النمر والأسد إلى آخره ؛ مادام هذه الجلود دبغت فقد طهرت وبخاصة بأن فن الدباغة في العصر الحاضر أرقى وأسمى وأطهر وأنظف بكثير من الدبغ بالقرض والملح ونحو ذلك من الوسائل البدائية الفطرية ؛ ولذلك فهذا الجلد الذي صنع منه الجاكيت أو شيء آخر ، فهو طاهر ويجوز لبسه ويجوز الصلاة فيه ، ويجوز إهداءه للكافر .

غيره في شيء ؟ انتهى الجواب والحمد لله مع الأذان .