حصن التوحيد

كتاب يشتمل على جملة مما كتبه العلماء في التوحيد، وإخلاص الدين لله، وترك البدع ومحدثات الأمور.

 

كتاب
حصن التوحيد


الشيخ عبدالرحمن السعدي  
الشيخ عبد العزيز بن باز
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين
الدكتور ناضر بن عبدالكريم العقل

 


بسم الله الرحمن الرحيم

فقد أرسل الله -عز وجل- الرسُلَ وأنزل الكتب من أجل عبادته وحده لاشريك له، وإخلاص الدين له، قال تعالى˸ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُل أُمَّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:۳٦].

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

وحمايةُ جناب التوحيد من أولى مهام الأنبياء والمرسلين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن أجل هذا كان ‹‹حصن التوحيد›› الذي حوى ما كتبه أهل العلم في التوحيد وإخلاص الدين لله وترك البدع ومحدثات الأمور.

نسأل الله – عز وجل – أن ينفع به.

صفة عقيدة أهل السنة

أما بعد، فقد سبقنا أن كتبنا تعليقا في موضوعات كتاب التوحيد لشيخ الإسلام ‹‹محمد بن عبد الوهاب›› قدس الله روحه، فحصل فيه نفع و معونة للمشتغلين، و مساعدة للمعلمين، لما فيه من التفصيلات النافعة مع الوضوح التام. ودعت الحاجة الشديدة إلى إعادة طبعه و نشره، وفي هذه المرة بدا لي أن أُقدم أمام ذلك مقدمة مختصرة تحتوي على مُجملات عقائد أهل السنة، في الأصول و توابعها، فأقول مستعينا بالله˸

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضل له. ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، و اليوم الآخر و القدر خيره وشره.

فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود، المنفردُ بكل كمال، فيعبدونه وحده، مخلصين له الدين.

فيقولون˸ إن الله هو الخالق البارئ المصور الرزاق  المعطي المانع المدبر لجميع الأمور.

وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء.

وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.

وأنه على العرش استوى، استواءً يليق بعظمته وجلاله، ومع علوه المطلق وفوقيته، فعلمه مُحيط بالظواهر والبواطن والعالم العلوي والسفلي، وهو مع العباد بعلمه، يعلم جميع أحوالهم، وهو القريب المُجيب.

وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات، ولا غنى لأحد عنه طرفة عين، وهو الرؤوف الرحيم، الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله، فهو الجالب للنعم، الدافع للنقم.

ومن رحمته أنه يَنْزل كُل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثُلُتُ الليل الآخر فيقول: لا أسألُ عن عبادي غيري، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر. فهو ينزل كما يشاء ويفعل ما يريد، {ليس كمِتْله شيء وهو السميع البصير} [الشورى:۱۱].

ويعتقدون أنه الحكيم، الذي له الحكمة التامة في شرعه وقدره، فما خلق شيئاً عبثاً، ولا شرع الشرائع إلا للمصالح و الحكم.

وأنه التواب العفو الغفور، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين.

وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل، ويزيد الشاكرين من فضله.

ويصفونه بما وصف به نفسه، ووصفَهُ، به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصفات الذاتية˸ كالحياة الكاملة، والسمع والبصر، وكمال القُدرة، والعظمة والكبرياء، والمجد والجلال والجمال، والحمد المطلق.

ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا، والسخط والكلام، وأنه يتكلم بما يشاء كيف يشاء، وكلماته لا تنفد، ولا تبيد.

وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود.

وأنه لم يزل ولا يزالُ موصوفا بأنه يفعل ما يريدُ، ويتكلم بما يشاء، ويحكم على عباده بأحكامه القدَرية، وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية، فهو الحاكم المالك، ومَن سواه مملوك محكوم عليه، فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه .

ويؤمنون بما جاء به الكتاب، وتواترت به السنة˸ أن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة، وإن نعيم رُؤيته والفوز برضوانه أكبر النعيم واللذة.

وأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلدٌ في نار جهنم أبدا،  وأن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة، فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها، ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خَرج منها.

وأن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا، الذي استحق الثواب وسَلِم من العقاب، ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك. ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير، وينقص بالمعصية والشر .

ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أُمور الدين والدنيا مع الاستعانة بالله. فهم يحرصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله. وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم، ويتبعون رسول الله في الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسولِ، والنصيحة للمؤمنين اتْباع طَريقهم .

ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كله، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو خاتم النبيين، أُرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا، وليقوم الخلق بعبادة الله ويستعينوا برزقه على ذلك.

ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بيانا، فيعظمونه ويحبونه، ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم، ويتبعونه في أُصول دينهم وفروعه. ويقدمون قوله وهديهُ على قول كل أحد وهديه.

ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد، هو أعلى الخلق مقاما، وأعظمهم جاها، وأكملهم في كل فضيلة، لم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرهم منه.

وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله، لا يُفَرقون بين أحد من رُسُلِه .

 ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد - خيْرِها وشرِّها - قد أحاط بها عِلمُ الله , وجرى بها قلمه، ونفذت فيها مشيئته، وتعلقت بها حكمتُه، حيث خلق للعباد قُدرة وإرادة، تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم، لم يجبرهم على شيء منها، بل جعلهم مختارين لها، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين بفضله ونعمته، وولى غيرهم ما تولوه ورضوه لأنفسهم من الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته .

↑ أعلى الصفحة

ومن أصول أهل السنة

 أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعةُ، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين، ومن له حق، وبالإحسان إلى الخلق أجمعين .

ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها.

ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا ويقينا، وأحسنُهم أعمالا وأخلاقا، وأصدقهم أقوالا، وأهداهم إلى كل خير وفضيلة، وأبعدهم عن كل رذيلة.

ويأمرون بالقيام بشرائع الدين، على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها، والتحذير من مفسداتها ومنقصاتها.

ويرون الجهاد في سبيل الله ماضيا مع البر والفاجر، وأنه ذروة سنام الدين. جهاد العلم والحجة، وجهاد السلاح. وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع .

ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين. والسعيُ في تقريب قلوبهم وتأليفها.. والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا .

ومن أصولهم النهي عن أَذِية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، والأمرُ بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات. والندب إلى الإحسان والفضل فيها.

ويؤمنون بأن أفضلَ الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضلهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصوصا الخلفاء الراشدون،   والعشرة المشهود لهم بالجنة، وأهل بدر، وبيعة الرضوان، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. فيحبون الصحابة ويدينون الله بذلك. وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم.

ويدينون لله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العاليةُ، في الدين والفضل المتنوع على المسلمين، ويسألون الله أن يعيذهُم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.

هذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون، وإليها يدعون .

 الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي

فضائل التوحيد

۱. ومن فضائله أنه السببُ الأعضم لتفريج كُرُبات الدنيا و الآخرة و دفع عقوبتهما.

۲. ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار. إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل. وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.

۳. ومنها أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة.

٤ـ ومنها أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه٬ وأنَّ أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم: مَن قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.

٥ـ ومن أعظم فضائله أنَّ جميع الأعمال و الأقوال الظاهرة و الباطنة متوقِّفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد و الإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.

٦ـ ومنها أن التوحيد إذا كمل في القلب حبَّب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكرَّه إليه الكفر والفسوق و العصيان وجعله من الراشدين.

٧ـ ومنها أنه يخفِّف عن العبد المكاره و يهوِّن عليه الآلام. فبحسب تكميل العبد للتوحيد و الإيمان يكون تلقيه المكاره و الآلام بقلب مُنشرح و نفس مطمئنة و تسليم و رضاً بأقدار الله المؤلمة.

ومن أعظم فضائله أنه يحرِّر العبد من رقِّ المخلوقين و التعلق بهم و خوفهم و رجائهم و العمل لأجلهم، وهذا هو العزُّ الحقيقي والشَّرف العالي. ويكون مع ذلك متألهاً متعبداً لله لا يرجوا سِواه ولا يخشى إلاَّ إياه، ولا ينيب إلا إليه، وبذلك يتم فلاحه و يتحقق نجاحه.

٨ـ ومنها أن الله يدافع على الموحِّدين  أهل الإيمان من شرور الدنيا و الآخرة، ويمُنُّ عليهم بالحياة الطيبة و الطمأنينة بذكره، وشواهد هذه الجمل من الكتاب و السنة كثيرة معروفة......... والله أعلم

 

↑ أعلى الصفحة

فضل التوحيد و التحذير مما يضاده

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله.

أخي العزيز في الله، إليك كلمات موجزة عن فضل التوحيد و التحذير من ضده وما ينافيه من أنواع الشرك و البدع ما كان منها كبيراً أو صغيراً، إنَّ التوحيد هو أول واجب دعا إليه الرسل، وهو أصل دعوتهم.

 قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:٣٢].

والتوحيد هو أعظم حق لله تعالى على عبيده، ففي الصحيحين من حديث معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {حق الله على العباد: أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئاً} فمن حقَّق التوحيد دخل الجنة، ومن فعل أو اعتقد ما ينافيه ويناقضه فهو من أهل النار، ومن أجل التوحيد أمر الله الرسل بقتال أقوامهم حتى يعتقدوه. قال صلى الله عليه و سلم:{أمرت أن أقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله} [ متفق عليه].

وتحقيقُ التوحيد سبيلُ السعادة في الدنيا والآخرة، ومخالفته سبيلٌ للشقاوة، وتحقيقُ التوحيد سبيلٌ لاجتماع الأمة وتوحيد صفوفها وكلمتها، والخللُ في التوحيد سبب الفرقة والتشتت.

واعلم أخي ـ رحمني الله وإياكـ ـ أنه ليس كل من قال: {لا إله إلا الله) يكون موحداً، بل لابد من توفر شروط سبعة ذكرها أهل العلم:  

١ـ العلم بمعناها و المراد منها نفياً و إثباتاً، فلا معبودَ بحقٍّ إلا الله تعالى.

٢ـ اليقينُ بمدلولها يقيناً جازماً.

٣ـ القبول لما تقتضيه هذه الكلمةُ بقلبه ولسانه.

٤ـ الانقياد لما دلت عليه.

٥ـ الصِّدق، فيقولها بلسانه ويوافق ذلك قلبه.

٦ـ الإخلاص المنافي للرياء.

٧ـ حُبُّ هذه الكلمة وما اقتضته.

أيها الأحبة في الله: وكما يجب علينا تحقيق التوحيد وتوفير شروط لا إله إلا الله، فيجب علينا أن نخاف من الشرك ونحذرَه بجميع أنواعه وأبوابه ومداخله، أكبره و أصغره، فإن أعظم الظلم الشرك. الله يغفر للعبد كلَّ شيء إلا الشرك، من وقع فيه فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار.

قال تعالى: {إنَّ الله لا يَغفِرُ أَن يُشْركَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].

وإليك يا أخي بعضَ ما ينافي التوحيد أو يَخُلُّ به كما ذكرها أهل العلم لتكونَ على حذر منها:

١ـ لباسُ الحلقة والخيط أياًّ كان نوعها من صفر أو نحاس أو حديد أو جلد، لرفع بلاء أو دفعه فهو من الشرك.

٢ـ الرُّقى البدعية و التمائم، والرُّقى البدعية هي المشتملة على الطلاسم و الكلام الغير المفهوم والاستعانة بالجنِّ في معرفة المرض أو فك السحر أو وضع التمائم وهو ما يُعلق على الإنسان والحيوان من خيط أو ربطة سواءً كان مكتوباً من الكلام البدعي الذي لم يرد في القرآن و السنة أو حتى الوارد فيهما ـ على الصحيح ـ لأنها من أسباب الشرك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الرقى ـ أي الشركية ـ والتمائم والتولة شرك} [رواه أحمد وأبو داود].

ومن ذلك تعليق ورَقة أو قطعة من النحاس أو الحديد في داخل السيارة فيها لفظُ الجلالة أو آية الكرسي، أو وضعُ مصحف داخل السيارة واعتقاد أن ذلك يحفظها ويمنع الشر من عين أو نحوها، ومن ذلك وضع قطعة على شكل كف أو مرسوم فيها عين فلا يجوز وضعه حيث يعتقد فيه دفع العين. قال النبي صلى الله عليه و سلم: {من تعلَّق شيئاً وُكِلَ إليه} [رواه أحمد و الترمذي والحاكم].

٣ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد التبرك بالأشخاص والتمسح بهم وطلب بركتهم أو التبرك بالأشجار والأحجار وغيرها حتى الكعبة فلا يُتمسح بها تبرُّكاً، قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو يقبل الحجر الأسود: إني لأعلمُ أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلُكِ لما قبَّلتُك.

٤ـ ومما يُنافي التوحيدَ الذبح لغير الله كالأولياء والشياطين والجن لجلب نفعهم أو دفع ضرهم، فهذا من الشرك الأكبر، وكما لا يجوز الذبح لغير الله، لا يجوز الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله، ولو كان قصد الذابح أن يذبح لله ـ عز وجل ـ وذلك سداً لذريعة الشرك.

٥ـ ومن ذلك النذر لغير الله، فالنذر عبادة لا يجوز أن تُصرف لغير الله سبحانه وتعالى.

٦ـ ومن ذلك الاستعانةُ و الاستعاذة بغير الله، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ {وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله ..} وبذلك نعلم المنع من دعاء الجن.

٧ـ ومما يُخلُّ بالتوحيد الغُلوُّ بالأولياء والصالحين، ورفعُهم عن منزلتهم: وذلك بالغلو في تعظيمهم أو رفع منزلتهم إلى منزلة الرسل أو ظنِّ العصمة فيهم.

٨ـ ومما ينافي التوحيدَ الطوافُ بالقبور، فهو من الشرك، ولا يجوز الصلاةُ عند القبر لأنها وسيلة إلى الشرك، فكيف بالصلاة لها وعبادتها والعياذ بالله؟!

٩ـ ولحماية التوحيد جاء النهيُ عن البناء على القبور وجعل القباب والمساجد عليها وتجصيصها.

١٠ـ ومما ينافي التوحيدَ، السحرُ وإتيان السحرةُ والكهنة والمنجِّمين ونحوهم، فالسَّحرة كفار ولا يجوز الذهاب إليهم ولا يجوز سؤالهم أو تصديقُهم، وإن تسمَّوا بالأولياء والمشايخ ونحو ذلك.

١١ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد الطِّيَرَةُ، وهي التشاؤم بالطُّيور أو بِيَوْمٍ من الأيام أو بشهرٍ أو بشخصٍ، كل ذلك لا يجوز، فالطِّيَرَةُ شِرْكٌ كما جاء في الحديث.

١٢ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد التعَلُّقُ بالأسباب كالطبيب والعِلاج والوظيفة وغيرها وعَدَمِ التوكل على الله، والمشروع أن نَبْذُلَ الأسباب كطَلَبِ العِلاَجِ والرزق لكن مع تَعلُّقِ القلب بالله لا بهذا السبب.

١٣ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد التنجيم واستعمال النجوم في غير ما خُلِقَتْ لَهُ، فلا تُسْتَخْدَمُ في مَعْرِفَةِ المُسْتَقبل والغيب وكُلُّ هذا لا يجوز.

 ١٤ـ ومن ذلك الإستسقاءُ بالنجوم والأنواء والمواسم، والإعتقادُ أنَّ النجوم هي التي تقدم المطر أو تُأَخره، بل الذي يُنزل المطر ويمنعه هو الله. فَقُلْ: {مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته}.

١٥ـ ومما ينافي التوحيد صَرْفُ شيءٌ من أنواع العِبادة القلبِية لِغَيرِ الله، مَثَلُ صَرْفِ المَحَبَّةِ المُطلقة أو الخوفِ المُطْلَقِ لِلمخلوقات.

١٦ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد الأَمْنُ مِنْ مَكْرِ الله وعذابه أو القُنوطُ من رحمته، فلا تَأمَنْ مِنْ مَكْرِ الله ولا تَقْنَطْ مِنْ رحمتِه، فَكُنْ بَيْنَ الخَوفِ والرَّجاء.

١٧ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد عَدَمُ الصبر على أقدار الله والتجزع ومعارضة القدر بمثل قولهم: {لمذا يا الله تَفْعَلُ بي كذا أو بِفُلان كذا؟ أو لمذا كُلُّ هذا يا الله؟} و نحو ذلك من النياحة، وشق الجُيوب ونثر الشَّعْر.

١٨ـ ومن ذلك الرِّيَاءْ والسُّمْعَة وأن يريد الإنسان بعمله الدنيا.

١٩ـ ومِمَّا ينافي التوحيد طاعة العلماء والأُمراء وغيرهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام، فإن طاعتهم نوع من الشرك.

٢٠ـ ومما يخل بالتوحيد قَوْلُ: {{ما شاء الله و شئت)، أو {قول لولا الله وفُلاَنْ) أو {توكلت على الله وفلان)}. فالواجب استعمال "ثم" في جميع ما سبق، لأمره صلى الله عليه وسلم: {أنهم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا {ورب الكعبة) وأن يقولوا: {ماشاء الله ثم شئت)}. [رواه النسائي].

٢١ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد سَبُّ الدهر والزمان والأيام والشهور.

٢٢ـ ومما ينافي التوحيد، السُّخْرِيَة بالدين أو الرسل أو القرآن الكريم والسُنَّة، أو السخرية بأهل الصلاح والعلم، لما يحملونه من السنة وظهورها عليهم من إعفاء اللحية أو السواك أو تقصير الثوب عن الكعب، ونحو ذلك.

٢٣ـ ومنها التسمية "بعبد النبي" أو "عبد الكعبة" أو "عبد الحسين"، وكُلُّ هذا لا يجوز، بل تكون العبودية لله وحده كقولنا "عبد الله" و "عبد الرَّحمن".

٢٤ـ ومما ينافي التوحيد تصوير ذوات الأرواح، ثم تعظيم هذه الصورة وتعليقها على الجدار وفي المجالس وغير ذلك.

٢٥ـ ومما ينافي التوحيد وضع الصُّلبان ورسمها أو تركها مجودة على اللباس إقراراً لها، والواجب كسر الصَّليب أو طَمْسِهْ.

٢٦ـ ومما يُنافي التوحيد موالاة الكفار والمنافقين بتعظيمهم واحترامهم و إطلاق لفظ "السيد" عليهم والحفاوة بهم ومودتهم.

٢٧ـ ومما ينافي التوحيد و يناقضه، الحكم بغير ماأنزل الله وتنزيل القوانين مَنْزِلَةَ الشرع الحكيم، باعتقاد أحقية القانون في الحكم، أو أن القانون مِثْلَ الشرع، أو أنه أحسن من الشرع وأنسب للزمن، ورضا الناس بذلك داخل في هذا الحكم.

٢٨ـ ومما يُخِلُّ بالتوحيد الحلفُ بغير الله مثل الحلف ب"النبي" أو "الأمانة" أو غير ذلك. قال النبي صلى الله عليه و سلم: {من حَلَفَ بغير الله فقد كفر أو أشرك} [رواه الترمدي وحسنه].

وبعد: أخي المسلم، وكما يجب علينا أن نحقق التوحيد ونُحَدِّرُ مما يُضادُّه و يُنافيه، يجب علينا أيضاً أن نكون على منهج أهل السنة والجماعة {{الفرقة الناجية)) منهج سَلَفِ هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم في كل الجوانب العقدية والسلوكية، فكما لأهل السنة منهج في العقيدة في باب الأسماء والصفات وغيره، كذلك لهم منهج في السلوك والأخلاق والتعامل والعبادات، وفي كل نواحي حياتهم، ولذلك لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة قال: {كُلُّهَا في النار إلاَّ واحدةً}، قيل مَن هُم؟ قال: {مِثْلُ مَا أَنَا عَلَيه الآن وأَصْحَابِي} فلم يقل: هُم من قال كذا أو فعل كذا.. فقط، ولكن هم من وافقوا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في كل شيء.
فيجب عليك أخي:

١ـ في باب الصفات٬ أن تَصِفَ الله عز وجل بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم مِن غَيرِ تَحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل .. إذاً فلا نَفيَ إلا ما نفى الله ولا تشبيه على حد قوله تعالى:{ليس كمثله شيء وهو السميع العليم} [الشورى: ١١].

٢ـ إنَّ القرآن كلام الله تعالى مُنَزَّلٌ غَيْرُ مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

٣ـ الإيمان بما يكون بعد الموت من أحوال القبر وغيره.

٤ـ الإعتقاد أَنَّ الإيمان قول وعمل، يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصية.

٥ـ لا تُكفِّر أحداً بذنب دون الشرك مالم يستحلَّه، وأنَّ فَاعِل الكبيرة إن تَابَ تاب الله عليه، وإن مات ولم يَتُب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه ثم يدخله الجنة، وأنه لا يُخَلَّدُ في النار إلاَّ من وقع في الكفر و الشرك، وتَرْكُ الصلاة من الكفر.

٦ـ أهلُ السُنة يُحِبُّونَ الصحابة ويعظِّمونهم ويتولَّونهم كلهم، سواء أكانوا من أهل البيت أم من غيرهم من الصحابة، ولا يعتقدون عصمة أحد منهم، وأفضلُ الصحابة هم أبو بكر الصديق، ثم عمرُ ابن الخطاب، ثم عثمان بن عفَّان، ثم عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم. ويسكتون عما وقع بينهم فكلهم مجتهدون، من أصاب فله أجران ومن أخطأَ فله أجر واحد.

٧ـ وهم يؤمنون بكرامات الأولياء وهم المتقون الصالحون. قال تعالى: {ألا إن أولياءَ اللهِ لا خَوفٌ عليهم ولا هُم يحزَنون؛ الذين آمنوا وكانوا يتَّقُون} [يونس: ٦٢ـ٦٣].

٨ـ وهم لا يَرونَ الخروج على الإمام ما أقام فيهم الصلَّاة، ولم يروا كُفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان.

٩ـ وهم أيضاً، يؤمنون بالقَدَرِ خيرِهِ وشره بجميع مراتبه، ويعتبرون أنَّ الإنسان مُسيَّر ومُخيَّر، فهم لم ينفوا القدر ولم ينفوا اختيار البشر، بل أثبتوهما جميعاً.

١٠ـ وهم يُحبون الخير للناس، وهم خير الناس بل هم أعدل الناس للناس.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

↑ أعلى الصفحة

كيف تُرسِّخُ التوحيد في قلبك؟

تعريف التوحيد لُغَةً: مصدر وَحَّدَ، مُشتقٌّ من الواحد، فيُقالُ وَحَّدَهُ وأَحَّدَهُ ومُتَوَحِّدٌ أي مُنفَرِد.

تعريف التوحيد شرعاً: إفرادُ الله بربوبيته وأُلُوهيته دون سواه، وأنَّ لَهُ الأسْماءُ الحُسنى والصِّفاتُ العُلاَ، والإعتقادُ برِسالةِ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء، واتِّباعه فيما جاء به عن الله.

ما المراد بالتوحيد؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: {التوحيد الذي جاء به الرُّسل إنما يتضمَّنُ إثباتَ الألوهية لله وحده، بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله، ولا يعبُدوا إلاَّ إيَّاه، ولا يتوكَّلوا إلاَّ عليه، ولا يُوالوا إلاَّ له، ولا يُعادوا إلاَّ فيه، ولا يعملوا إلاَّ لأجله، وليس المُرادُ بالتوحيد مُجرَّدَ توحيد الربوبية}.

وكُلُّ عَمَلٍ لا يرتبِطُ بالتوحيد فلا وزن له، قال تعالى: {مَثَلُ الذينَ كَفروا بِرَبِّهم أعمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَومٍ عَاصِفٍ لا يَقدرون مِمَّا كَسبوا على شيْءٍ ذلكَ الضَّلالُ البَعيد} [إبراهيم: ١٨].

حُكْمُ تَعَلُّمِ التوحيد: فرضُ عين على كُلِّ مُسلم ومُسلمة، قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلاَّ الله، واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمُؤمنات، والله يَعلمُ مُتقَلَّبَكُمْ ومَثْوَاكُمْ} [محمد: ١٩].

 

التوحيد ثلاثة أنواع

النوع الأول توحيد الربوبية: هُوَ اعتقادُ أنَّ الله سُبحانهُ وتعالى خالق العباد ورازقهم ومُحييهم ومميتهم. وهو إفراد الله بأفعاله كالخَلقِ والرزق والإحياء والإماتةة، وقد أَقَرَّ به المشركون على زَمَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَقَرَّ به اليهود والنصارى والمجوس ولم يُنكر هذا التوحيد إلاَّ الدَّهْرِيَّةُ فيما سلف والشيوعيةُ في هذا الزمن.

وهذا التوحيد لا يُدْخِلُ الإنسان في دين الإسلام ولا يَعصِمُ دمه وماله ولا ينجيه من النار، إلاَّ إذا أتى معه بتوحيد الألوهية. وهذا التوحيد مركوزٌ في الفطَرِ كما في الحديث: {كُلُّ مولودٍ يولدُ على الفِطْرَةِ، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمجِّسانه}.

أدِلَّةُ هذا التوحيد كثيرةٌ منها قوله تعالى: {قُلْ من يرزقكم من السماء والأرض أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ والأبصار ومن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومن يُدبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقولونَ اللهُ فَقُلْ أفَلاَ تَتَّقون؛ فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ الحَقُّ فماذا بعد الحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصرَفون} [يونس: ٣١، ٣٢].

النوع الثاني: توحيد الألوهية: وهو إفرادُ الله بالعبادة، وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والتوكل والرَّغبة والرهبة والإنابة.

وهذا التوحيد هو الذي وقع فيه النِّزاعُ في قديم الدهر وحديثه، وهو الذي جاءت به الرسلُ إلى أُمَمِهم، لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بتقرير توحيد الربوبية الذي كانت أُممهم تعتقده، ودعوتهم إلى توحيد الألوهية؛ قال الله مُخبراً عن نوح عليه السلام: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنِّي لكم نذير مُبين، أن لا تعبدوا إلاَّ الله إنِّي أخافُ عليكم عذاب يوم أليم} [هود: ٢٥ـ٢٦].

وقوله: {واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً} [النساء: ٣٦].

وهذا التوحيدُ حَقُّ الله الواجب على العبيد، وأعظمُ أوامر الدين، وأساس الأعمال، وقد قرره القرآن وبَيَّنَ أنّهُ لا نجاة ولا سعادة إلاَّ به.

النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمَّى به نفسهُ ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

↑ أعلى الصفحة

 

فضائل توحيد الألوهية

توحيد الله وإفراده بالعبادة من أَجَلِّ النِّعَم وأفضلها على الإطلاق، وفضائله وثمراته لا تُعَدُّ ولا تُحَدُّ، ففضائلُ التوحيد تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن تلك الفضائل ما يلي:

١ـ أنه أعظمُ نعمة أنعمها الله على عباده حيث هداهم إليه، كما جاء في سورة النحل تُسمَّى سورة النعم، فالله عز وجل قدَّمَ نعمة التوحيد على كُلِّ نعمة فقال في أول سورة النحل: {يُنَزِّلُ الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنَّهُ لا إله إلاَّ أنا فَاتَّقون} [النحل: ٢].

٢ـ أنه الغاية من خلقِ الجِنِّ والإنس، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلاَّ ليَعْبُدُون} [الذاريات: ٥٦].

٣ـ أنه الغاية من إنزال الكتب ومنها القرآن، قال تعالى فيه: {الر، كتاب أُحكمت آياته ثُمَّ فُصلت من لدن حكيم عليم، ألاَّ تَعبُدوا إلاَّ الله إنني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ} [هود: ١ـ٢].

٤ـ ومن فضائله أنه السَّبب الأعظم لتفريج كُرُبات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما كما في قصة يونس عليه السلام.

٥ـ ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار، إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبَّة من خردل.

٦ـ أنه إذا كَمُلَ في القلب يمنع دخول النار بالكُلِّية كما في حديث عتبان في الصَّحيحين.

٧ـ أَنَّهُ يُحَصِّلُ لصاحبه الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بِظُلْمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: ٨٢].

٨ـ أنه السبب الأعظم لنيل رضى الله وثوابه.

٩ـ أن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلاَّ الله خالصاً من قلبه.

١٠ـ ومن أعظم فضائله: أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفةٌ في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كَملَت هذه الأمور وتمت.

١١ـ ومن فضائله أنه يُسَهِّلُ على العبد فِعْلَ الخيرات، وترك المنكرات، ويسليه عند المُصيبات. فالمُخلص لله في إيمانه وتوحيده تخفُّ عليه الطَّاعات، لما يرجوه من ثواب ربه ورضوانه، ويهون عليه تركَ ماتهواه النفس من المعاصي، لِمَا يخشى من سَخَطه وأليم عِقابه.

١٢ـ ومنها أنَّ التوحيد إذا كمل في القلب حبَّبَ الله لصاحبه الإيمان وزيَّنه في قلبه٬ وكَرَّهَ إليه الكُفر والفُسوق والعصيان وجعله من الراشدين.

١٣ـ ومنها أنَّه يُخَفِّفُ على العبد المكاره ويُهوِّنُ عليه الألم. فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان، يتلقى المكاره والآلام بقلب مُنشرح، وبنفس مطمئنة ورضا بأقدار الله المؤلمة.   

١٤ـ ومن أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رِقِّ المخلوقين، ومن التعلق بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم، وهذا هو العِزُّ الحقيقي، والشرف العالي، فيكون بذلك متعبداً لله لا يرجو سِواه ولا يخشى غيره، ولا يُنيب إلاَّ إليه، ولا يتوكل إلاَّ عليه، وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه.

١٥ـ ومن فضائله التي لا يَلْحَقُهُ فيها شيء، أنَّ التوحيد إذا تَمَّ وكَمُلَ في القلب وتحقَّقَ تحقُّقاً كاملاً بالإخلاص التام، فإنه يصير القليل من عمله كثيراً، وتُضاعف أعماله و أقواله بغير حصر ولا حساب.

١٦ـ ومن فضائله أن الله تكفَّل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا، والعز والشرف، وحصول الهداية، والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتَّسديد في الأقوال و الأفعال.

١٧ـ ومنها أن الله يدفع عن الموحدين شرور الدنيا والآخرة، ويمُنُّ عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه وبذكره. وشواهد ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، فمن حقَّقَ التوحيد حصلت له هذه الفضائل كُلُّها وأكثر منها، والعكس بالعكس.

 

أسباب ترسيخ التوحيد في القلب

التوحيد شجرة تنموا في قلب المؤمن فيبسق فرعها ويزداد نموُّها ويزدان جمالها كلما سُقيت بالطَّاعة المُقرِّبة إلى الله عز وجل، فتزداد محبة العبد لربه، ويزداد خوفه منه ورجاؤه له ويقوى توكُّله عليه. ومن تلك الأسباب التي تُنمِّي التوحيد في القلب ما يلي:

ـ١ـ فِعلُ الطَّاعات رغبةً فيما عند الله.

ـ٢ـ تركُ المعاصي خَوفاً من عِقاب الله.

ـ٣ـ التفكُّر في مَلَكُوت السماوات والأرض.

ـ٤ـ معرفة أسماء الله وصفاته ومُقتضياتها وآثارها وما تدلُّ عليه من الجلال والكمال.

ـ٥ـ التزوُّدُ بالعلم النافع والعمل به.

ـ٦ـ قراءةُ القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أُريد به.

ـ٧ـ التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.

ـ٨ـ دوام ذكر الله على كل حال باللسان والقلب.

ـ٩ـ إيثار مايُحِبُّهُ الله عند تزاحم المَحَابِّ.

ـ١٠ـ التأمُّلُ في نعم الله الظَّاهرة والباطنة، ومشاهدة بره وإحسانه وإنعامه على عباده.

ـ١١ـ انكسار القلب بين يدي الله وافتقاره إليه.

ـ١٢ـ الخلوة بالله وقت النزول الإلهي حين يبقى ثُلُثُ الليل الآخر، وتلاوة القرآن في هذا الوقت وختم ذلك بالإستغفار والتوبة.

ـ١٣ـ مجالسة أهل الخير والصلاح والإخلاص والمحبين لله عز وجل، والإستفادة من كلامهم وصمتهم.

ـ١٤ـ الإبتعادُ عن كُلِّ سبب يحول بين القلب وبين الله من الشواغل.

ـ١٥ـ ترك فضول الكلام والطعام والخلطة والنظر.

ـ١٦ـ أن يُحِبَّ لأخيه ما يُحبُّهُ لنفسه، وأن يُجاهد نفسه على ذلك.

ـ١٧ـ سلامة القلب من الغِلِّ للمؤمنين، وسلامته من الحقد والحسد والكبر والغرور والعُجب.

ـ١٨ـ الرِّضا بتدبير الله عز وجل.

ـ١٩ـ الشكر عند النِّعَمْ والصبر عند النِّقَمْ.

ـ٢٠ـ الرجوع إلى الله عند ارتكاب الذنوب.

ـ٢١ـ كثرة الأعمال الصالحة من بر وحسن خلق وصلة أرحام ونحوها.

ـ٢٢ـ الإقتداءُ بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة.

ـ٢٣ـ الجهاد في سبيل الله.

ـ٢٤ـ إطابة المطعم.

ـ٢٥ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اللهم أحْيِنَا على التوحيد سُعداءَ، وأمِتْنَا على التوحيد شُهَداء.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

↑ أعلى الصفحة

 

كلمة مهمة  -  لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في حكمه ولا أفعاله، شرع للنَّاس دين الحق وهداهم إليه، ويسَّرَ لهم تشريعاته ولم يُكلِّفهم بما لا طاقة لهم به، كما قال عز وجل: {لا يكلف الله نفسا إلاَّ وُسعها} [البقرة: ٢٨٦].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، أرسله الله للناس كافةً فهدى به الله من الضلالة وبصَّر به من العمى، ودَلَّ الأمة على كُلِّ مافيه من خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وحذَّرهم من كُلِّ شر وضرر عليهم في الدنيا والآخرة، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَّ هالك، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين..

أما بعد،

* فإنَّ المسلم الحقّ هو الذي يبحث عن حكم الله ورسوله في كل أمر من أموره من قول أو فعل فيتمثل له، فإن كان حلالاً عمله ولم يُبالِ بقول أحد من الناس، وإن كان حراماً تركه وتوقف عنه ولم يُبالِ بتعنيف أو استهزاء أحد من الناس امتثالاً لقوله -تعالى- في جانب الحلال: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩].

ولقوله -تعالى- في جانب الحرام: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧].

* أما أن يرمي الإنسانُ بحكم الله ورسوله عُرض الحائط فلا يعمل به إن عَلِمَهُ ولا يبحث عنه إن جَهِلَهُ فهذا هُوَ الضلال بِعَيْنِهْ والخُسران بحذافيره، ثم إنهما أمران لا ثالث لهما: ضَلاَلَةٌ وَخُسْرَانْ، أو هُدىً وفلاح. ولا شكَّ أَنَّ كُلُّ أحد من المسلمين يرجو الهدى والفلاح من ربه وينشدُها ويسأله أن يُعيده من الضلالة والخُسران.

ولكن هذا لا يكفي وحده فالصحابي الجليل حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {ادْعُ الله أن أكون رفيقك في الجنة، قال له صلى الله عليه وسلم: أَعِنِّي على نفسِكَ بِكثرة السُّجود}.

* فإذاً الأمرُ ليس بالتمني والرجاء فقط، بل لابد من العمل ولابد من الإمتثال لأوامر الله تعالى والإنتهاء عن نواهيه، وهذا هو معنى الإسلام الصحيح الذي يُرجى لصاحبه الفوز بالجنة والنجاة من النار.

* ولا شك أيها الإخوة أنَّ الإنسان المسلم في هذه الدنيا محفوف بدوافع عِدَّة تدفعه إلى الشر والسير فيه وتعوقه عن فعل الخير وتُبعِدُه عنه وهي الشيطان والهوى والغفلة وقرناء السوء، فلنحرص على الإستعادة من الشيطان وعدم الإلتفات إلى وساوسه ونزغاته، ولنترك الهوى جَانِباً فلا يكون له دور في حياتنا فإن اتِّبَاعَ الهوى هو الضلال ولا محالة، قال تعالى: {إن يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوى الأنْفُسْ} [النجم: ٢٣].

* وكذلك ينبغي أن نكون على يقظة دائمة فلا نغترَّ بما نحن فيه من نعمة وصحة وغيرها من أنواع النعم مما يجعلنا ننسى أوامر الله ــ عز وجل ــ فَنُؤْخَدُ على غِرَّة و يأتينا الموت ونحن في غفلة وحينها نندم أشد الندم ولات ساعة مندم.

* كذلك أخي المسلم كما أنَّ الشرر يزداد بِأهله فإن الخير يزداد بِأهله، فاحرص على الجليس الصالح الذي يُعينك على فعل الخير ويحذرك من فعل الشر حتى لا تقول يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً؛ لَقَد أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَني وكان الشَّيْطَانُ لِلإِنسانِ خَذُولاً} [الفرقان: ٢٨ـ٢٩].

حكم طلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم

 سؤال: نسمعُ أقواماً يُنادون: مدد يارسول الله، أو مدد يانبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، فما الحكم في ذلك؟.

أجاب سماحة الشَّيخ عبدالعزيز بن باز: هذا الكلام من الشِّرك الأكبر، ومعناه طلبُ الغوث من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ــ رضي الله عنهم ــ وأتباعهم من عُلماء السُّنة على أن الإستغاثة بالأموات من الأنبياء وغيرهم، أو الغائبين من الملائكة أو الجنِّ وغيرهم، أو بالأصنام، والأحجار، والأشجار، أو بالكواكب، ونحوها من الشَّرك الأكبر.

لقول الله ــ عزَّ وجلَّ ــ: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} [الجن: ١٨].

وقوله ــ سبحانه ــ: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ ذُونِهِ مايَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ؛ إن تَدْعوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرْ} [فاطر: ١٣ـ١٤].

قول الله ــ عز وجلَّ ــ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ} [المؤمنون: ١١٧].

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، وهذا العمل هو دين المُشْركين الأولين من كُفَّار قُريش وغيرهم، وقد بعث الله الرُّسُلَ جميعاً ــ عليهم الصَّلاة والسَّلام ــ وأنزل الكُتُبَ بإنكاره والتحذير منه.

قال الله ــ سُبحانه ــ:{ولقد بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} [النحل: ٣٢].

وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥].

وقال ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكيمٍ خَبِيرٍ؛ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذيرٌ وَبشِيرٌ} [هود: ١ــ٢].

وقال ــ سبحانه ــ: {تَنزيلُ الكِتابِ مِنَ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ؛ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بالحَقِّ فَاعْبُد الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ؛ أَلا لله الدِّينُ الخَالِصُ؛ والذينَ اتَّخَدُوا مِن ذُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: ١ــ٣].

وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥].

وقال ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكيمٍ خَبِيرٍ؛ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذيرٌ وَبشِيرٌ} [هود: ١ــ٢].

وقال ــ سبحانه ــ: {تَنزيلُ الكِتابِ مِنَ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ؛ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بالحَقِّ فَاعْبُد الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ؛ أَلا لله الدِّينُ الخَالِصُ؛ والذينَ اتَّخَدُوا مِن ذُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: ١ــ٣].

فأوضح ــ سبحانه ــ في هذه الآيات أنَّه أرسل الرُّسل، وأنزل الكتبَ؛ ليُعبد وحدهُ لا شريكَ له، بأنواع العبادة من الدُّعاء، والإستغاثة والخوف، والرَّجاء، والصَّلاة والصَّوم، والذبح، وغير ذلك من أنواع العبادة، وأخبر أنَّ المشركين من قريش وغيرهم يقولون للرُّسل ولغيرهم من دُعاة الحقِّ: مانعبدهم ــ يعنون الأولياء ــ إلاَّ ليقربونا إلى الله زُلفى، والمعنى: أنَّهم عبدوهم ليُقرِّبوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم، لا لأنهم يخلقون ويرزقون ويتصرفون في الكون، فأكذبهم الله وكفَّرهم بذلك.

فقال ــ سبحانه ــ {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَينَهُمْ في مَاهُمْ فيهِ يَخْتَلِفونَ، إنَّ اللهَ لاَ يَهدي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: ٣].

فَبَيَّنَ ــ سُبحانه ــ أنَّهُمْ كَذَبَةٌ في قولهم: إنَّ الأولياء المعبودين من دون الله يُقرِّبوهم إلى اللهِ زُلفى، وحَكَمَ عليهم أنَّهم كُفَّارٌ بذلك.

فقال ــ سبحانه ــ: {إنَّ اللهَ لاَ يَهدي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.

وبَيَّنَ ــ سُبحانه ــ في آية أُخرى من سورة يونس أنهم يقولون في معبوديهم من دون الله إنَّهم شُفَعاء عند الله، وذلك في قوله ــ سبحانه ــ:{ويعبدون من دون الله ما لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنفعهم، ويقولون هَؤُلاَءِ شُفعاؤنا عند الله} [يونس: ١٨].

فَأكْذَبَهُمْ ــ سبحانه ــ فقال: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ في السماوات ولا في الأَرْضِ سُبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُون} [يونس: ١٨].

وبَيَّنَ ــ عَزَّ وجَلَّ ــ في سورة الذاريات أنه خلق الثقلين الجن والإنس، ليعبدوه وحده دون كل ماسواه، فقال ــ عَزَّ وجَلَّ ــ: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونْ} [الذاريات: ٥٦].

فالواجب على جميع الجنِّ والإنس أَنْ يعبدوا اللهَ وحدهُ وأن يُخلِصوا له العبادة، وأن يحذروا عبادة ماسواه من الأنبياء وغيرهم، لا بطلب المدد، ولا بغير ذلك من أنواع العبادة، عملاً بالآيات المذكورات وما جاء في معناها، وعملاً بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وعن غيره من الرُّسل ــ عليهم الصلاة والسلام ــ أنَّهم دعوا النَّاس إلى توحيد الله وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، ونهوهم عن الشِّرْكِ به وعبادة غيره، وهذا هو أصل دين الإسلام الذي بعث الله به الرُّسل، وأنزل به الكُتب، وخلق من أجله الثقلين.

فمن استغاثَ بالأنبياء أو غيرهم، أو طلب منهم المدد أو تقرب إليهم بشيءٍ من العبادة، فقد أشرك بالله، وعبد معه سواه، ودخل في قوله ــ تعالى ــ:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عنهم مَّا كانوا يَعْمَلونَ} [الأنعام: ٨٨].

وفي قوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: {ولقد أُوحِيَ إليك وإلى الذين من قبلك لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرين} [الزمر: ٦٥].

و قوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: ٤٨].

و قوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: {إنَّهُ من يُشرك بالله فقد حَرَّمَ الله عليه الجنة ومَأْوَاهُ النَّارُ ومَا لِلظَّالمِينَ مِنْ أَنْصَار} [المائدة: ٧٢].

ولا يُستثنى من هذه الأدلة إلا من لم تبلغه الدَّعوة مِمَّنْ كَان بعيدًا عن بلاد المسلمين، فلم يبلغه القرآنُ ولا السُّنةُ، فهذا أمره إلى الله سبحانه، والصحيح من أقوال أهل العلم في شأنه أنَّهُ يُمْتَحَنُ يوم القياة، فإن أطاع الأمر دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، وهكذا أولاد المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ، فإن الصَّحيح فيهم قولان:

القول الأول: أنهم يُمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا دخلوا الجنَّة، وإن عصوا دخلوا النار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عنهم: {الله أعلم بما كانوا عاملين} [متفق على صحته]. فإذا امتُحِنوا يوم القيامة ظهر عِلمُ الله فيهم.

والقول الثاني: أَنَّهُم من أهل الجَنَّة، لأنَّهم ماتوا على الفطرة قبل التَّكليف، وقد صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَة}، وفي رواية: {على هذه المِلَّة، فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرانِهِ، أو يُمَجِسَّانه}.

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى إِبْرَاهِيمَ الخليل ــ عليه الصَّلاة والسَّلام ــ في روضة من رياض الجنَّة وعنده أطفال المشركين. وهذا القول هو أصَحُّ الأقوال في أطفال المشركين للأدلة المذكورة، ولقوله سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثُ رَسُولا} [الإسراء: ١٥].

ونقل الحافظ ابن حجر ــ رحمه الله ــ، في الفتح (ج٣، ص ٢٤٧)، في شرح باب: ما قيل في أولاد المشركين من {كتاب الجنائز): إن هذا القول هو المذهب الصَّحيح المختار الذي صار إليه المحققون، انتهى المقصود.

ويُستثنى من ذلك أيضاً دعاءُ الحَيِّ الحَاضِر، فيما يقدر عليه، فإن ذلك ليس من الشرك لقول الله عزَّ وجلََّ في قصة موسى مع القبطي: {فاسْتَغَاثَهُ الذي مِنْ شِيعَتِه عَلى الذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: ١٥].

ولأن كُلَّ إنسان يحتاج إلى إعانة إخوانه فيما يحتاج إليه في الجهاد وفي غيره مما يقدرون عليه، فليس ذلك من الشِّرك، بل ذلك من الأمور المباحة، وقد يكون ذلك التعاون مسنوناً، وقد يكون واجباً على حسب الأدلة الشرعية.

والله ولي التوفيق.

↑ أعلى الصفحة

 

حكم الإستغاثة بغير الله ـــ لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ــ رحمه الله ــ


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد نشرت صحيفة المجتمع الكوتية في عددها الصادر في ١٩/ ٤ /١٣٩٠ ه-، أبياتاً تحت عنوان {في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والإختلاف بإمضاء من سمَّت نفسها {آمنة)، وهذا نصُّ الأبيات المشار إليها:

يارسول الله أدْرِكْ عالَماً    ***       يُشعل الحرب ويصلى من لَضَاها
يارسول الله أدْرِكْ أُمةً      ***      في ظلام الشَّك قد طال سُراها
يارسول الله أدْرِكْ أُمةً      ***       في متاهات الأسى ضاعت رؤاها

.... إلى أن قالت:

يارسول الله أدْرِكْ أُمةً        ***      في ظلام الشَّك قد طال سُراها
عَجِّلْ النَّصر كما عَجَّلته      ***      يومَ بدر حينَ ناديتَ الإلهَ
فاستحالَ الذُّلُّ نَصْراً رائعاً     ***    إنَّ لله جنوداً لا تراها

 

{الله أكبر}  هكذا تُوجَّهُ هذه الكاتِبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ـــ طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر ناسيةً أو جاهلةً أن النصر بيد الله وحده، ليس ذلك بيد النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ ولا غيره من المخلوقات، كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: {وما النصر إلاَّ من عِندِ اللهِ العزيزِ الحكيم} [آل عمران: ١٢٦].

وقال عز وجل: {إن يَنصُركم الله فلا غَالب لكم وإن يخذُلكم فمن ذا الَّذي يَنْصُركم من بَعْدِه} [آل عمران: ١٦٠].

وقد عُلم بالنص والإجماع أَنَّ الله سبحانه خلقَ الخَلق ليعبدوه٬ وأرسل الرسُلَ وأنزلَ الكتبَ لبيان تلك العبادة والدعوة إليها٬ كما قال سبحانه: {وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إِلاَّ لِيعْبُدون} [الذاريات: ٥٦].

وقال تعالى: {ولَقد بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ واجتَنِبوا الطَّاغوت} [النحل: ٣٦].

وقال تعالى: {وما أَرسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحي إليه أنَّهُ لا إلَهَ إِلاَّ أَنَا فاعْبُدون} [الأنبياء: ٢٥].

وقال عز وجل: {الر كتابٌ أُحكِمت آياته ثُم فُصِّلت من لدن حكيم خبير (١) أَلاَّ تعبدوا إلاَّ الله إنني لكم منه نذير وبشيرٌ} [هود:١ـ٢].

وقد عُلم بالنص والإجماع أَنَّ الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرُّسُلَ وأنزلَ الكُتُبَ لبيان تلك العبادة والدعوة إليها، كما قال سبحانه: {وما خلقت الجن و الإنس إلاَّ لِيَعبُدون} [الذاريات: ٥٦].

وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلِّ أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: ٣٦].

وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: ٢٥].

فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات أنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وبين أنه أرسل الرسل ـــ عليهم الصلاة والسلام ــــ للأمر بهذه العبادة والنهي عن ضدها، وأخبر عز وجل أنه أحكم آياته وفصلها لئلاَّ يُعبد غيره سبحانه.
والعبادة هي توحيده وطاعته بامتثال أوامره وترك نواهيه، وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرة، منها قوله سبحانه: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: ٥].

وقوله عز وجل: {وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إياه} [الإسراء: ٢٣].

وقوله سبحانه: {فاعبد الله مخلصا له الدين (٢) ألا لله الدين الخالص} [الزمر: ٢ــ٣].

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، كُلُّها تدلُّ على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سِواه من الأنبياء وغيرهم، ولا ريبَ أنَّ الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها، فوجب إخلاصه لله وحده كما قال عز وجل: {فادعوا الله مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون} [غافر: ١٤].

وقال عز وجل: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} [الجن: ١٨].

وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم، لأن (أحدا) نكرة في سياق النهي فتعم كُلَّ من سِوى الله سبحانه ..

وقال تعالى: {ولا تَدْعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يَضُرُّكَ} [يونس: ١٠٦].

وهذا خِطابٌ للنبي ـــ صلى الله عليه و سلم، ومعلومٌ أنَّ الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره، ثم قال عز وجل: {فإن فعلت فإنك إذاً من الظَّالمين} [يونس: ١٠٦].

فإذا كان سيد وَلَدِ آدم ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ لو دعا غير الله يكون من الظَّالمين فكيف بغيره؟ والظُّلمُ إذا أُطلِقَ يُرادُ به الشرك الأكبر كما قال الله سبحانه: {والكافرون هُمُ الظَّالمون} [البقرة: ٢٥٤].

وقال تعالى: {إنَّ الشرك لظلم عظيم} [لقمان: ١٣].

فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله عز وجل يُنافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا هو معنى ـــ لا إله إلا الله ـــ فإنَّ معناها لا معبودَ بحق إلاَّ الله فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده كما قال الله سبحانه: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل} [لقمان: ٣٠].

وهذا هو أصل الدين وأساس الملة ولا تصح العبادات إلاَّ بعد صحة هذا الأصل، كما قال تعالى: {ولقد أُوحِيَ إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ لَيَحْبَطَنَّ عَملُكَ ولَتكوننَّ مِنَ الخَاسِرينَ} [الزمر: ٦٥].

وقال سبحانه: {ولو أَشْرَكوا لحَبِطَ عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام: ٨٨].

ودينُ الإسلام مبنيٌّ على أصلين عظيمين أحدهما أن لا يُعْبَدُ إلا الله وحده، والثاني أن لا يُعْبَدُ إلاَّ بشريعة نبيه ورسوله محمد ــ صلى الله عليه وسلم ـــ و هذا معنى شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات، أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلَّى أو سجد لهم فقد اتخدهم أرباباً من دون الله، وجعلهم أنداداً له سبحانه، وهذا يناقض هذا الأصل وينافي معنى لا إله إلاَّ الله، كما أن من ابتدع في الدين مالم يأذن به الله لم يُحَقِّقْ معنى شهادة أنَّ محمداً رسول الله، وقد قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان: ٢٣]، وهذه الأعمالُ هِيَ أعمالُ من مات على الشرك بالله عز وجل وهكذا الأعمال المبتدعة، التي لم يأذن بها الله فإنها تكونُ يوم القيامة هباءً منثوراً، لكونها لم توافق شرعه المطهر، كما قال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: {من أحدتَ في أمرنا هذا ما ليسَ منهُ فهو رَدٌّ} [متفق على صحته].

وهذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول ــ صلى الله عليه و سلم ــ وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيءٌ من ذلك. ولا شكَّ أَنَّ هذا ظُلْمٌ عظيم وشركٌ وخيم، وقد أمر الله عز وجل بدعائه سبحانه ووعد من يدعوه بالإستجابة وتَوَعَّدَ مَنِ استكبر عن ذلك بدخول جهنم كما قال عز وجل: {وقال رَبُّكُم ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠]، أي صَاغِرِين ذَليلين. وقد دَلَّت هذه الآية الكريمة على أنَّ الدُّعاءَ عِبَادَةٌ، وعلى أَنَّ مَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْهُ فَمَأْواهُ جَهَنَّم٬ فإذا كانت هذه حَالُ من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال من دعا غيرهُ وَأعرض عنه سُبْحانَهُ؟

قال سبحانه: {وإذا سألك عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦].

وقد أخبر الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في الحديث الصحيح أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العبادة، وقد قال لِابن عمه عبدالله ابن العباس ــ رضي اللهُ عنهما ــ : {احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ بالله} [أخرجه الترمذي وغيره].

وقال ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ {مَن ماتَ وهُوَ يدعو للهِ نِداًّ دَخَلَ النار} [رواه البخاري]. وفي الصَّحيحين عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الذنب أعظم، قال: {أن تجعلَ لله نِداًّ وهو خلقك}، والنِّذُّ هُوَ النظير والمثيل، فكُلُّ من دَعَا غَيْرَ الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئاً من العِبادةِ سوى ما تقدم فقد اتَّخَدَهُ نِدّاً لله، سَواءٌ كانَ نَبِيّاً أو وَلِيّاً أو مَلَكاً أو جِنِّياً ٱو صنماً أو غير ذلك من المخلوقات.

أَمَّا سُؤَالُ الحي الحاضر بما يَقْدِرُ عَلَيْهِ والإستغاثة به في الأُمُورِ الحِسِّيَّةِ التي يقدر عليها فليس ذلك من الشرك بل ذلك من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين، كما قال تعالى في قصة موسى: {فَاستَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ على الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: ١٥].

وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تعرض للناس ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض، وقد أمر الله نبيه ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن يُبَلِّغَ الناس أَنهُ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ نَفْعاً ولاَ ضَرّاً، فقال تعالى في سورة الجن: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّي وَلاَ أُشْرِكْ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً ولاَ رَشَداً} [الجن: ٢٠ــ٢١].

وقال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرّاً إِلاَّ ما شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْتَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنونَ} [الأعراف: ١٨٨]٬ والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وهُوَ ــ صلى اللهُ عليه وسلم ــ لا يَدعُو إِلاَّ رَبَّهُ ولا يَسْتَغِيثُ إِلاَّ بِهِ، وكان في يَوْمِ بَدْرٍ يَسْتَغِيثُ بالله ويستنصره على عَدُوِّهِ وَيُلِحُّ في ذلك، ويقولُ: {يا رَبِّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَني ...} حتى قَالَ الصِّديق الأكبر أبو بكر رضي اللهُ عنه: {حَسْبُكَ يَا رَسولَ الله، فَإِنَّ الله مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ}، وأَنزل اللهُ سُبْحاَنَهُ في ذلك قَوْلَهُ تَعَالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينْ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٩ـــ١٠].

فذكَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الآياتِ اسْتِغَاثَتَهُمْ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُمْ بِإِمْدَادِهِمْ بِالمَلاَئِكَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَصْرَ لَيسَ مِنَ المَلائكة وَإِنَّمَا أَمَدَّهُمْ بِهِمْ للتَّبشيرِ بِالنَصرِ والطُّمَأْنِينَة، وَبَيَّنَ أَنَّ النصرَ من عنده فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ الله}.

وقال عَزَّ وجَلَّ في سورةِ آل عِمران: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعلَّكُمْ تَشْكُرونَ} [آل عمران: ١٢٣].

فبَيَّنَ في هذه الآية أَنَّهُ سُبحانهُ هُو النَّاصِرُ لهم يَوْمَ بَدْرٍ، فَعُلِمَ بِذلكَ أَنَّ ما أعطاهُمْ من السِّلاحِ والقُوَّةِ وما أَمَدَّهُم بِهِ من المَلائِكةِ، كُلُّ ذلكَ من أسْبابِ النَّصر والتبشيرِ والطُّمَأْنِينة، وليس النَّصْرُ منها بَلْ هُوَ مِنْ عِندِ الله وحدَهُ. فَكيفَ يَجوزُ لهذه الكاتبة أو غيرِهَا أَنْ تُوَجِّهَ استِغَاثَتَهَا وطَلَبَها النَّصرَ إلى النبيِّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتُعْرِضُ عَنْ رَبِّ العالمين، المالكِ لِكُلِّ شيءٍ، والقادرِ عَلى كُلِّ شَيءٍ؟!

لا شكَّ أنَّ هذا من أقبح الجهل، بل من أعظمِ الشرك، فالواجِبُ على الكاتبة أن تتوبَ إلى الله سبحانه توبةً نصوحاً، وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إليه، تعظيماً لله وإخلاصاً له وامتثالاً لأمره وحذراً مما نهى عنه، هذه هي التوبة النصوح. وإذا كانت من حَقِّ المخلوقين وجب في التوبة أَمْرٌ رابع وهو رَدُّ الحق إلى مُسْتَحِقِّهِ أو تَحَلُّلِهِ منه. وقد أمر الله عباده بالتوبة ووعدهم قُبُولَهَا، كَمَا قال تعالى: {وتُوبوا إلى اللهِ جَميعاً أَيُّهَا المُؤْمِنونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ} [سورة النور: ٣١].

وقال سبحانه وتعالى في حق النصارى: {أفلا يتوبونَ إِلى اللهِ ويستغفِرونَهُ واللهُ غَفورٌ رَحيمٌ} [المائدة: ٧٤].

وقال تعالى: {والَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَتَاماً (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ العذَابُ يَوْمَ القِيامِةِ وَيَخْلُدْ فيهِ مُهَاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ كَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: ٦٨ــ٧٠].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِئَاتْ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: ٢٥].

  وصح عن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تَجُبُّ ما كان قبلها}، ولِعِظَمِ خطر الشرك وكونه أعظمَ الذنوب وخشيةَ الإغترار بما صدر من الكاتبة، ولوجوب النصح لله وعباده حررت هذه الكلمة الموجزة، وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعاً، وأن يمنَّ علينا جميعاً بالفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا والمسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه..

 

↑ أعلى الصفحة

التوسل بالأنبياء والصالحين ــ للدكتور ناصر عبدالكريم العقل


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإنه نتيجةً لبُعد كثير من المسلمين عن ربهم، وجهلهم بدينهم في هذا الزمن، فقد كثُرت فيهم الشَّركيَّات والبِدَع والخُرافات. ومن ضمن هذه الشركيات التي انتشرت بشكل كبير تعظيمُ بعض المسلمين لمن يُسَمُّونهم بالأولياء والصَّالحين ودعائهم من دون الله واعتقادهم أنهم ينفعون ويضرون، فعظَّموهم وطافوا على قبورهم، ويزعمون أنهم بذلك يتوسلون بهم إلى الله لقضاء الحاجات وتفريج الكربات، ولو أنَّ هؤلاء الناس الجهلة رجعوا إلى القرآن والسنة وفقهوا ماجاء فيهما بشأن الدعاء والتوسل لعرفوا: ما هو التوسل الحقيقي المشروع ؟

إِنَّ التوسل الحقيقي المشروع هو الذي يكون عن طريق طاعة الله وطاعة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ بفعل الطَّاعات واجتناب المحرمات، وعن طريق التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وسؤاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهذه هي أداة القربى إلى الله والطريق الموصلة إلى رحمته ومرضاته. أما التوسل إلى الله عن طريق الفزع إلى قبور الموتى، والطَّواف عليها وتقديم النذور لأصحابها، والترامي على أعتابهم لقضاء الحاجات وتفريج الكُرُبات، فإن هذا ليس توسُّلاً مشروعاً بل هذا هو الشرك والكفر والعياذ بالله. وأمَّا ماجاء في توسُّل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما، الذي قد يحتجُّ به البعض، فإنَّ عمر توسَّل بدعائه العباس لا بشخصه، والتوسل بدعاء الأشخاص غير التوسل بشخصهم بشرط أن يكونوا أحياء، لأن التوسل بدعاء الحي نوعٌ من التوسل المشروع بشرط أن يكون المتوسَّل بدعائه رجلاً صالحاً.

ثم إنَّ الميت الذي يذهب إليه السائِلُ ليسأَلَ اللهَ ببركته ويطلَبَ منه العونَ قد أصبح بعد موته لا يملك لنفسه شيئًا، ولا يستطيع أن يَنفعَ نفسهُ بعد موتهِ فكيف ينفعُ غيره!؟ ولا يمكن لأَيِّ إنسان يتمتعُ بذرة من العقل السليم يستطيع أن يقرر أن الذي مات وفقد حركته وتعطلت جوارحه يستطيع أن ينفع نفسه بعد موته فضلاً عن أن ينفع غيره.

وقد نفى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قُدرةَ الإنسان على فعل أيِّ شيء بعد موته فقال: {إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملهُ إلاَّ من ثَلاث: صَدَقَةٌ جَاريةٌ أو عملٌ يُنتفعُ به أو ولد صالح يدعو له ...}. فتبين من الحديث أَنَّ الميت هُوَ الذي بحاجة إلى من يدعو له و يستغفر له، وليس الحيُّ هو الذي بحاجة إلى دعاء الميت، وإذا كان الحديث يقرر انقطاعَ عملِ ابن آدم بعد موته، فكيف نعتقد أن الميتَ حيٌّ في قبرهِ حياةً تُمَكِّنُهُ من الإتصالِ بغيره وإمداده بأيِّ نوعٍ من الإمدادات؟ كيف نعتقدُ ذلك وفاقِدُ الشيءِ لا يُعطيه، والميت لا يمكنه سماعُ من يدعوه مهما أطال في الدُّعاء، قال تعالى: {والَّذين تدعون من دُونه ما يَملكون من قِطمير (١٣) إن تدعوهم لا يَسمَعُوا دُعَاءَكُمْ ولَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: ١٣ــ١٤]٬ فنفى اللهُ عنهُم المُلْكَ وسَمَاعَ الدُّعَاء.

↑ أعلى الصفحة

ومعلومٌ أنَّ الذي لا يَملك لا يُعطي، وأن الذي لا يَسمعُ لا يَستجيب ولا يدري، وبينت الآية أنَّ كُلَّ مَدْعُوٍّ من دونِ اللهِ كائناً من كان فإنَّهُ لا يستطيع أن يُحَقِّقَ لداعيه شيئاً، وكُلُّ مَعْبُودٍ من دُونِ اللهِ فَعِبادتهُ باطلة، قال تعالى: {ولا تدعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ و لا يَضُرُّكَ فإن فَعَلْتَ فإِنَّكَ إذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: ١٠٦، ١٠٧].

ويتبين من هذه الآية أَنَّ كُلَّ مَدْعُوٍّ من دُونِ اللهِ لا ينفعُ ولا يَضُر، فإِذاً: ما الفائدة من عبادته ودعائه؟ وهذا فيه تكذيبٌ لأهلِ الخرافة الذين يقولون ذهبنا للقبر الفلاني أو دعونا الوليَّ الفلاني، وحصل لنا ما نريد، فمن قال ذلك فقد كذبَ على الله، ولو فُرِضَ أنهُ حصل شَيْءٌ مما يَقولون فقد حصل بأحد سببين:

١ـــ إن كان الأمر مما يَقدر عليه الخَلْقُ عادةً فهذا حصل من الشياطين لأنهم دائماً يحضرون عند القبور، لأنه ما من قبر أو صنم يعبد من دون الله إلاَّ تحضره الشياطين لتعبث في عقول الناس، وهؤلاء المتوسِّلون بالأولياء لما كانوا من عُبَّادِ الأوثان صار الشيطان يُظِلُّهمْ و يُغْوِيهِمْ كَمَا يُضِلُّ عُبَّادَ الأوثان قديماً.

فتتصوَّرُ الشياطين في صورة ذلك المستغاث به و تُخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان وقد يكونُ بعض ذلك صِدقاً ولكنَّ أَكثره كَذِبٌ. وقد تقضي بعضَ حاجاتهم وتدفعُ عنهم بعضَ ما يكرهون مما يقدر عليه البشرُ عادة، فيظن هؤلاء السذج أن الوليَّ هو الذي خرج من قبره وفعل ذلك، وإنما هو في الحقيقة الشيطان تَمَثَّلَ على صورته ليُضِلَّ المشرك المستغيث به، كما تدخل الشياطين في الأصنام وتُكلم عابديها وتقضي بعض حَوائجهم، كما نص على ذلك كثير من أهل العلم.

٢ ـــ أَمَّا إن كان الأمر مما لا يقدر عليه إلا اللهُ كالحياة والصحة والغنى والفقر، إلى غير ذلك مما هو من خصائص الله٬ فهذا انقضى بقدر سابق قد كتبه الله قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وجعل وقته هذه اللحظة، ولم يحصل ذلك ببركة دعاء صاحب القبر كما يزعمون.

فينبغي على الإنسان العاقل أن لا يُصدِّق مِثْلَ هذه الخُرافات، وأن يُعلِّق قلبه بالله وينزل حاجته به حتى تُقضى ولا يلتفت إلى الخلق، لأنَّ الخلق ضُعفاء مساكين فيهم الجهل والعجز، وكيف يطلبُ الإنسان حاجته من مخلوق مثله، وقد يكون ذلك المخلوق ميتا أيضا لا يسمع ولا يرى ولا يملك شيئاً، بل إنّه لأعجزُ من أن يرفع ذرة من التراب الذي يُواري جسده، فهل هذا إلا عين الضلال والجهل والإنحراف عن جادَّةِ الصواب، ولكن الشيطان يُزَيِّنُ للناس ماكانوا يعملون. ويكفي بهذا العمل حقارةً وخسَّة أنَّ صاحبه يفتقرُ إلى الخلق ويُعرضُ عن الخالق جل وعلا، وهذا هو ــ والله ــ عمى البصائر وموت القلوب.

الكرامات المزعومة:

لقد اختلط الأمر على كثير من الناس اختلاطاً عجيباً جعلهم يجهلون حقيقة المعجزات والكرامات، فلم يفهموها على وجهها الصحيح، ليفرِّقوا بين المعجزات والكرامات الحقيقية التي تأتي من الله وحده إتماماً لرسالته إلى الناس، وتأييداً لرسله أو إكراماً لبعض أوليائه الصالحين الحقيقيين، لم يُفرقوا بينها وبين الخُرافات والأباطيل التي يخترعها الدجالون ويسمُّونها معجزات وكرامات ليضحكوا بها على عقول الناس وليأكلوا أموالهم بالباطل، ولقد ظنَّ الجهلة من الناس أن المعجزات والكرامات من الأمور الكسبية والأفعال الإختيارية التي تدخل في استطاعة البشر، بحيث يفعلونها من تلقاء أنفسهم وبمحض إرادتهم، وبهذا الجهل اعتقدوا أنَّ الأولياء والصالحين يملكون القدرة على فعل المعجزات والكرامات في أَيِّ وقت يشاءون، وما ذلك إلاَّ لجهل الناس بربهم وبحقيقة دينهم.