Sobre l'article
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 429
الشيخ : ما دام الجماعة صامتون فلنتكلّم نحن , نريد أن نلفت نظر إخواننا الجالسين معنا فهذه الأمسية الطّيّبة إن شاء الله إلى عادة سيّئة ينبغي على كلّ مسلم أن يحاول الخلاص منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا , ذلك لأنّ العادة الّتي أشير إليها هي على خلاف ما كان عليها نبيّنا صلوات الله و سلامه عليه و أصحابه الأكرمين ألا وهي أنّه اذا دخل الدّاخل إلى المجلس قاموا له قياما , تمثّلوا له قياما ولم يكن هذا من هديه صلّى الله عليه و آله وسلّم بل كان ذلك ممّا يكرهه عليه الصّلاة و السّلام إن لم نقل إنّه نهى عنه فقد روى الإمام البخاري.
السائل : السّلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله و بركاته , في كتابه الأدب المفرد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال ( ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و كانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيّته لذلك ) ( ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وكانوا لا يقومون له ) أي إذا دخل عليه الصّلاة و السّلام مجلسا ما يقومون له لماذا ؟ هل لأنّهم لا يعظّمونه عليه السّلام و لا يوقّرونه ؟ حاشا بل هذا واجب عليهم و على كلّ مسلم ولكنّ التّوقير و الإكرام لا يكون إلاّ بما شرع ربنا العظيم , ولذلك فهم ما كانوا يقومون له كما يقول أنس و يبيّن السّبب قال ( لما يعلمون من كراهيّته لذلك ) أي كانوا يعلمون منه عليه الصّلاة والسّلام أنّه لا يحبّ أن يعظّم بالقيام له لماذا ؟ لماذا كان يكره عليه الصّلاة و السّلام أن يعظّم بالقيام له لأنّه ذلك من عادة أهل فارس , من عادة عظمائهم وقد جاء في الحديث الصّحيح في مسند الإمام أحمد وغيره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال ( من أحبّ أن يتمثّل له النّاس قياما فليتبوّأ مقعده من النّار ) و اعتياد عامّة النّاس القيام لخاصّة النّاس يورّط خاصّة النّاس و يوقعهم في المخالفة الشّرعيّة , هذا الحديث الأخير ( من أحبّ أن يتمثّل له النّاس قياما فليتبوّأ مقعده من النّار ) كما هو صريح الدّلالة إنّما يتعلّق بالرّجل الّذي يدخل و يحبّ من قرارة نفسه أن يقوم النّاس له تعظيما له هذا يقول له عليه السّلام تبوّأ مقعدك من النّار , ليس كلّ من يدخل مجلسا عامرا بالجالسين يمكن أن يظنّ فيه أنّه يحبّ القيام من الجالسين لا . ولكن التزام هذه العادة من الجالسين أن يقوموا لمن دخل عليهم يقلب عادة الدّاخلين الّذين لا يحبّون القيام خضوعا لحديث الرّسول عليه السّلام تصبح نفوسهم متهيّئة لتقبّل هذا الإكرام بهذا القيام ثمّ فيما بعد تصبح نفوسهم تكره العكس ممّا كرهه الرّسول عليه السّلام أن يكرهوا أولئك الّذين لا يقومون وهذا أمر مشاهد بين النّاس , حتّى كثير من المشايخ و أهل العلم على الأقلّ في عرف النّاس إذا دخلوا مجلسا كهذا و لم يقم له يتمعّر وجهه و تتغيّر ملامحه لأنّه يعتبر عدم قيامهم له تحقيرا له و ليس ذلك من التّحقير في شيء و إلاّ هلاّ كان عدم قيام أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم له صلّى لله عليه و سلّم تحقيرا له ؟ حاشاهم من ذلك لأّنّه هو الكفر بعينه لو كان لكن غلبة العادات و هنا موضع التّذكير تقلب السّنن بدعة و البدعة سنّة . إذا كان من عادة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و هو أفضل البشر قاطبة وكان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم أفضل القرون قاطبة ثمّ هذا القرن الأفضل لم يقم لسيّد البشر فمن بعد ذلك يمكن أن يقام له أو يقوم له ؟ و يبدو أهمّيّة هذه الظّاهرة الّتي اعتادها النّاس اليوم القيام كّأنما الدّاخل لمّا دخل قال للجالسين قوموا فقاموا , وهم عادة لا يقولون و لكنّهم لا يقولون ذلك بلسان قالهم و لكنّهم يقولون ذلك بلسان حالهم ذلك لأنّهم يكرهون أن لا يقوم النّاس لهم إذا ما دخلوا . وقد جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم صلّى بالنّاس ذات يوم صلاة الظّهر جالسا لأنّه كان قد رمته دابّته فأصيب في أكحله في عضده فلم يستطع الصّلاة قائما فصلّى بالنّاس جالسا و النّاس قاموا خلفه قياما كما هو الواجب ائتمارا منه بقوله تبارك تعالى (( وقوموا لله قانتين )) و ائتمارا منهم لقوله عليه السّلام ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) فهم قاموا بواجبهم أي انتصبوا قياما لربّ العالمين أمّا هو عليه الصّلاة و السّلام فجلس مضطرّا ومع ذلك انظروا كيف كانت العاقبة لقد علم النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بأنّ النّاس يصلّون خلفه قياما وعلمه هذا إمّا أن يكون بنظرة عاديّة منه كأيّ إمام يصلّي حينما يمتدّ الصّفّ يمينا أو يسارا فهو يشعر بأنّ النّاس يصلّون كالعادة قياما و إمّا أن يكون ذلك من معجزاته الخاصّة به عليه الصّلاة و السّلام فقد جاء في الحديث الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال ( لا تبادروني بالرّكوع والسّجود فإنّي أراكم من ورائي كما أراكم من أمامي ) فيمكن أن يكون رؤيته صلّى الله عليه و سلّم لأصحابه حينما صلّوا خلفه قائمين بلمحته يمينا و يسارا ويمكن أن يكون من باب هذه الكرامة وهذه المعجزة الّتي خصّه الله تبارك و تعالى بها حيث قال ( فإنّي أراكم من ورائي كما أراكم من أمامي ) فحينما رآهم كذلك أشار إليهم بيده أن اجلسوا فجلسوا فصلّى بهم هو جالسا و هم جالسون و لمّا سلّم عليه الصّلاة و السّلام وهنا الشّاهد و العبرة و الموعظة البالغة ( إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم ) ( إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا , وإذا ركع فاركعوا , وإذا صلّى قائما فصلّوا قياما , و إذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعين ) موضع الموعظة و العبرة في هذه الحادثة من نواحي , النّاحية الأولى أنّ كلّ من يسمع هذا الحديث أو يقرأه يعلم يقينا أنّ جلوس النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في هذه الصّلاة إنّما كان لمرضه وذلك ممّا اضطرّه إلى أن يدع القيام الّذي هو ركن من أركان الصّلاة هذا من جهة , من جهة أخرى أصحابه عليه الصّلاة و السّلام حينما قاموا خلفه قياما إنّما قاموا لله ربّ العاملين ما قاموا تعظيما للرّسول و لا هو جلس ليعظّموه كلّ منهم كان مضطرّا إلى ما فعل أمّا الرّسول فجلس لمرضه , أمّا الصّحابة فقاموا إطاعة لربّهم , مع ذلك مع هذه الفوارق العظيمة بين الرّسول عليه السّلام و صحبه من جهة و بين كسرى و أتباعه من جهة أخرى قال لهم عليه الصّلاة و السّلام ( كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم ) أمّا الصّحابة ما قاموا على رأس الرّسول تعظيما له قاموا قياما لله لربّ العالمين الرّسول كما ذكرنا جلس لا ليعظّموه بقيامهم و إنّما جلس بدل القيام الّذي هو الفرض عليه لولا مرضه مع هذا قال عليه الصّلاة و السّلام ( إن كدتم أو كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ) إلى آخره , فنهاهم عن أمر عظيم جدّا وهو نهاهم أن يقوم قياما لله ربّ العالمين مع أنّه ركن و أمرهم أن يصلّوا خلفه جالسين لماذا ؟ لترتفع الظّاهرة الوثنيّة بينه و أصحابه من جهة وبين هذه الجماعة و كسرى و أصحابه من جهة أخرى , إذا عرفتم هذه الحقيقة يتبيّن لكم خطورة أو خطأ على الأقلّ هذه الظّاهرة الّتي ابتلينا نحن الآن و قبل هذا الزّمان بزمان أنّه كلّما دخل رجل سواء كان عالما أو كان ملكا أو وزيرا أو إلى آخره قاموا له قياما . هذه الظّاهرة أوّلا لا تشبه تلك الظّاهرة هم كانوا في صلاة نحن لسنا في صلاة , فإذا أمرهم بأن يجلسوا حتّى تنتفي الظّاهرة فما الّذي يضطرّنا نحن أن نحقّق هذه الظّاهرة الوثنيّة حيث أنّ الكفّار هكذا يفعلون. يقومون بعضهم لبعض فأصبحنا نحن نتشبّه بهم ونخالف هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الّذي أردت التّذكير به لكي تتأسّوا بنبيّكم و بصحابتكم الّذين كانوا يمثّلون خير القرون كما هو معلوم من أحاديث الرّسول عليه الصّلاة و السّلام وبعد هذا التّذكير لابدّ من أن نضيف إلى ذلك تذكيرا آخر وهو لعلمي بصعوبة الإصلاح و التّغيير لما عليه النّاس اليوم فينبغي علينا كأفراد أن نعالج هذه العادة بالّتي هي أحسن لا نفاجئ النّاس بها كلّ النّاس لأنّ النّاس كما ذكرت آنفا يعتبرون هذا القيام قيام إكرام , فإذا دخل و لم تقم فسّر ذلك بأنّه دخل و لم تكرمه ولذلك فلا بأس إذا كان الدّاخل عليك شخص لا يعرف هذه السّنّة أن تترفّق به و أن تقوم إليه ثمّ تتّخذ سببا ووسيلة في طرح هذا الموضوع أمامه حتّى إذا ما جاءت مناسبة أخرى ولم يقم له يعلم أنّ عدم القيام له كان اتّباعا للسّنّة و ليس إعراضا عن إكرامه , هذه ذكرى و الذّكرى تنفع المؤمنين .
الحلبي : ورد سؤال من بعض الإخوة يقول السّائل ما الحكم الشّرعيّ في جماعة من طلبة العلم في بلد حكمه شيوعيّ أمضوا سنوات في إعداد الشّباب في ذلك البلد لتغيير نظام الحكم الكافر الشّيوعي فاستطاعوا أن يجمعوا أعدادا كبيرة من الشّباب من مختلف أنحاء تلك البلاد نسبة كبيرة منهم تدرّبوا تدريبا عسكريّا جيّدا و يحملون العقيدة الصّحيحة وقد أعدّوا أسلحة لا بأس بها , هل يعلنون الجهاد ضدّ ذلك الحكم الكافر أو ينتظرون محكومين بالكفر ؟ وما هو حكم اغتيال رؤوس الكفر في ذلك البلد لإشعال جذوة الجهاد ؟
الشيخ : هذا السّؤال يمثّل حماسات و حرارات توضع في غير أماكنها لا يمكن الإصلاح , أيّ إصلاح كان خاصّة إذا كان إصلاحا انقلابيّا خطيرا كهذا الّذي يلمح السّؤال إليه لا يمكن أن يكون إلاّ على طريقة محمّد صلّى الله عليه و آله وسلّم حيث أنّ المسلمين جميعا يقتدون أو على الأقلّ المفروض أن يقتدوا بالنّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في كلّ شيء , في كلّ حركة و سكون فإنّ الله عزّ و جلّ حينما قال (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر و ذكر الله كثيرا )) يقصد أنّه هو عليه السّلام قدوتنا في كلّ شيء سواء كان عظيما أو كان صغيرا كذلك قوله عليه الصّلاة و السّلام في خطبه الّتي كان يجعل فاتحتها ( أمّا بعد فإنّ خير الكلام كلام الله و خير الهدي هدي محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم ) إذا كان الأمر كذلك فيجب على كلّ مسلم أو طائفة مسلمة أو جماعة مسلمة أنّهم إذا أرادوا أمرا أن يضعوا أمامهم هدي النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في ذلك الأمر الّذي هم قادمون عليه و مشرفون عليه هل هكذا فعل عليه الصّلاة و السّلام حتّى هم يفعلوا بمثل فعله و يقتدوا به صلّى الله عليه و آله و سلّم هذه المقدّمة لابدّ ليس فقط أن تكون معلومة عند الشّباب بل يجب أن تكون راسخة كما يقال في سويداء قلوبهم وما ينطلقون و ما يتصرّفون تصرّفا ما إلاّ على هدي رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم , فالآن كما يقولون التّاريخ يعيد نفسه , نحن الآن نشكوا من ظلم الحكّام و طغيان القوانين الّتي أخذت من الكفّار الّذين استعمروا البلاد الإسلاميّة برهة من الدّهر ثمّ لمّا خرجوا منها خلّفوا من ورائهم قوانينهم المخالفة لحكم الله تبارك وتعالى فهي لا يزال الحكّام يحكمون بها على مخالفتها لحكم الله و رسوله نشكوا نحن هذه الشّكوى ونساق بأحكامهم المخالفة لشريعة الله و نظلم و نسجن و نقتل و و إلى آخره هذه فتن معروفة , نريد الخلاص من هذا الحكم الّذي هو حكم بغير ما أنزل الله سواء كان شيوعيّا أو كان ديمقراطيّا أو كان أيّ نظاما ليس هو نظام الإسلام فما هو طريق الخلاص ؟ طريق الخلاص هو طريق الرّسول عليه السّلام , لقد عاش النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في دعوته كما تعلمون جميعا ثلاثة عشر سنة في مكّة تحت حكم الطّاغوت فماذا فعل ؟ لم يفعل شيئا سوى أنّه دعا النّاس إلى عبادة الله وحده لا شريك له و إلى تثقيفهم و إلى تعريفهم بشريعة ربّهم , ثمّ لمّا اشتدّ الضّغط على المسلمين هناك أمرهم بأن يهاجروا إلى الحبشة لأنّه كان هناك رجل من ملوك الحبشة كان من الملوك العادلين وهو المعروف اسمه بأصحمة فأمر الرّسول عليه السّلام من كان لا يستطيع أن يصبر تحت ذلك الحكم الجائر أن يخرج من هذا الحكم إلى ذاك البلد الّذي فيه العدل و الحريّة و نحو ذلك ثمّ جاء هجرة ثانية إلى الحبشة ولهذا تاريخ معروف في السّيرة ثمّ أمر عليه الصّلاة و السّلام أن يهاجر هو بنفسه إلى المدينة بعد أن كان قد استصفى من أهل المدينة رجالا آمنوا بالله ورسوله كان قد اجتمع بهم في بيعة العقبة فلمّا شعر أو عرف النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم بأنّه قد قامت نواة من الرّجال المؤمنين في المدينة هاجر إليهم و هناك بدأت هذه النّواة تؤتي أكلها و ثمارها وتمتدّ دعوتها فتشمل كثير من بيوتات المدينة و أهلها و جرت بعد ذلك المعارك بين المسلمين الّذين غزوا في عقر دارهم في المدينة المنورّة من المشركين الّذين جاءوا من مكّة إلى المدينة للقضاء على هذه الدّعوة إلى آخر ما هنالك من السّيرة المعروفة , فالآن نتعجّب نحن من هؤلاء الشّباب الّذين يخالفون طريقة النّبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم و يتعجّلون الأمر باستباق الأمور قبل أن يأتي أوان الجهاد الّذي لابدّ منه يوما ما و لكن هذا الجهاد لابدّ له من مقدّمات أوّل ذلك فهم الإسلام الصّحيح فهما صحيحا و تطبيقه على هؤلاء المسلمين تطبيقا كاملا فيوم يتجمّع طائفة من النّاس يبلغون اثني عشر ألفا من هؤلاء المسلمين الّذين فهموا الإسلام فهما صحيحا و طبّقوه في نفوسهم حينئذ فسوف لا يكون بهم حاجة أن يثوروا بل سيثار عليهم كما وقع مع الرّسول عليه الصّلاة و السّلام , سيضغط عليهم ربّما يضطرّون إلى أن يهاجروا ... من آخر إمّا أن يعودوا إلى بلدهم أقوى ما كانوا أو أن يؤسّسوا جماعتهم و يكتّلوا جمعهم في بلد آخر و هذه الأمور بيد الله عزّ و جلّ و لكن المقصود هو أنّه يجب على أيّ طائفة تريد أن تحقّق ما جاء في السّؤال من الجهاد في سبيل الله عزّ و جلّ والقضاء على الّذين يحكمون بغير ما أنزل الله هذا لابدّ له من الفهم الصّحيح للإسلام و التّطبيق الصّحيح لهذا الإسلام على الملتزمين به وفي اعتقادي أنّ هذا لا يوجد اليوم مع الأسف الشّديد في أيّ أرض من الأراضي الإسلاميّة و ذلك لأنّ الأمر إذا كان خفيّا فمعنى ذلك أنّه لم يتكوّن الجماعة و لم تظهر قوّتهم و إلاّ فما بالهم يعملون كما يقال في ليلة لا قمر فيها و ما بالهم لا يستعينون بالمسلمين الآخرين الّذين قد يلتقون معهم في خطّهم المستقيم في العمل بالإسلام الصّحيح , لعلّكم تذكرون بعض الجماعات الّتي قامت لتنفيذ مثل هذا الغرض في بعض البلاد الإسلاميّة , ثمّ كان عاقبة أمرهم أن رجعت الدّعوة إلى القهقرى , آخر شيء وقع في سوريّة مثلا و نحن من سكّان سوريّة بعد أن ثارت الثّورة السّوريّة ضدّ البعث و هو بلا شكّ يعني حكم غير إسلامي بل هو حكم كافر ما كان المسلمون في سوريّة فقط يعلمون بأن هناك جماعة يعملون سرّا , و إلاّ لو أعلنوها لتجاوب المسلمون معهم من كان يريد الحياة الآخرة فماذا كانت النتيجة ؟ كما تعلمون قضي على هذه الحركة و سفكت دماء الألوف من المسلمين من الشّبّان و الرّجال و النّساء و الأطفال وهدّمت البيوت بل و المساجد على من كان فيها إلى آخره لماذا ؟ لأنّهم لم يسلكوا طريق النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في القيام بدولة الإسلام لذلك أقول جواب هذا السّؤال باختصار أنّنا لاننصح بأيّ حركة انقلابيّة يراد إقامتها اليوم لسببين اثنين السّبب الأوّل لأنّه خلاف هدي الرّسول عليه السّلام و السّبب الثّاني لأنّ مثل هذه الإنقلابات قد جرّبت فلم تفلح و لم تنجح ومن رأى العبرة بغيره فليعتبر . هذا جواب السّؤال .
الحلبي : يسأل سائل فيقول كثر الكلام في هذا العصر حول مسألة المصالح المرسلة و فيها اجتهادات كثيرة يطرحها بعض النّاس سواء أكانوا من أهل العلم فضلا عن غيرهم و نريد من فضيلتكم أن تحدّثونا بإيجاز عن ضوابط هذه المصلحة ومن هم الّذين يقرّرون بأنّ هذا الأمر أو ذاك يعدّ من المصالح المرسلة للمسلمين ؟ جزاكم الله خيرا .
الشيخ : لا شكّ أنّ الّذين يقرّرون أنّ هذا الشّيء هو من المصالح المرسلة هم أهل العلم , و أهل العلم مع الأسف الشّديد عددهم قليل جدّا في العالم الإسلامي إذا تذكّرنا ما هو العلم . فالعلم هو معرفة حكم الله عزّ وجلّ بالاعتماد أو معرفة حكم من أحكام الشّرع اعتمادا على كتاب الله و على سنّة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فمن كان من المثقّفين عالما بالكتاب و السّنّة , عالما باللّغة العربيّة الّتي لا سبيل لفهم الكتاب و السّنّة إلاّ بها ثمّ كان على علمين اثنين لابدّ منهما في زمننا هذا خلافا للجيل الأوّل من المسلمين ألا وهم أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم فأصحاب الرّسول لم يكونوا بحاجة إلاّ أن يكونوا عالمين بما في الكتاب و عارفين بما جاء أو بما تحدّث به رسول الله صلّى الله عليه و سلّم , أمّا نحن اليوم فنحتاج إلى بالإضافة لما ذكرناه آنفا ممّا كان كلّ عالم في زمن في القرن الأوّل , كان ضروريّا بالنّسبة لذاك العالم أن يعرف الكتاب و السّنّة , أمّا اليوم فلابدّ لكلّ عالم أن يكون ملمّا باللّغة العربيّة لا أقول أن يكون عربيّا لسبيبن اثنين , السّبب الأوّل أنّه من الممكن لمن لم يكن عربيّا ولادة و نسبا أن يصبح عربيّا لسانا و علما و التّاريخ يحدّث بكثير من العلماء الأعاجم الّذين بلغوا شأنا عظيما في العلم بالإسلام بل و فيهم من كانوا بارزين في علم اللّغة العربيّة وهم أصلهم من العجم فالشّاهد لا أقول أن يكون عربيّا فقط لهذا السّبب الّذي ذكرته و شيء آخر يقابل ذلك لأنّ كثيرا من العرب اليوم نسوا لغتهم فما عادوا يصلحون لأن يفهموا الكتاب و السّنّة بسليقتهم العربيّة ذلك لأنّه دخلت العجمة في لغة العرب في كلّ البلاد في هذه البلاد و في غيرها تتكلّم بالحديث الّذي تكلّم به الرّسول عليه السّلام فلا يكاد يفهمه العرب الّذين يلقى بين ظهرانيهم ذاك الحديث النّبوي , إذن لابدّ اليوم حتّى للعرب أن يتعلّموا لغتهم من كتاب الله و من حديث رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم هذا الشّيء الأوّل من ثلاثة أشياء الّتـي نحن بحاجة إليها اليوم . الشّيء الثّاني أن نعرف بما يسمّى بعلم أصول الفقه لأنّ هذا العلم مع الزّمن أحيط به و وضعت له قواعد و أصول و ضوابط و سجّلت في كتب أمّا السّلف الأوّل فلم يكونوا بحاجة إلى ذلك لما ذكرناه آنفا , الشّيء الثّالث و الأخير أنّنا بحاجة أن نكون أيضا على علم بما يسمّى بعلم مصطلح الحديث . العلم الأوّل علم أصول الفقه يساعدنا على فهم الكتاب و السّنّة و معرفة بما يسمّى بالنّاسخ و المنسوخ و العامّ و الخاصّ و المطلق و المقيّد , أمّا العلم الثّاني علم مصطلح الحديث أيضا هذا العلم لم يكن الأوّلون العلماء أيضا بحاجة إليه لأنّهم كانوا مستغنين عن الوسائط الّتي نحن لابد لنا منها و أعني بالوسائط هي الأسانيد , أسانيد الأحاديث . علماء الحديث الّذين نقلوا لنا أحاديث الرّسول عليه السّلام من الصّحابة و أنت نازل هذان العلمان من لم يتقنهما لم يكن عالما أمّا في الزّمن الأوّل من كان عالما بالكتاب و السّنّة فهذا هو الفقيه , أمّا اليوم فلابدّ أن يضمّ إلى ذلك ما ذكرناه آنفا و هي ثلاثة أشياء : المعرفة باللّغة العربيّة و العلم بأصول الفقه و أصول علم الحديث و الّذي يسمّى بعلم المصطلح . كثيرا ما يرد حديث يقرؤه إنسان مبتديء في علم الحديث فيقف عنده و يفهمه فهما صحيحا و لكن قد يحيط به أنّه لا يعلم من علم أصول الفقه أنّ هذا الحديث قد يكون منسوخا , قد يكون من العامّ المخصّص أو المطلق المقيّد أو يحيط به أنّه فهم الحديث فهما صحيحا لكن هو لا يدري أنّ هذا الحديث لا يصحّ بالنّسبة لعلم مصطلح الحديث و هذا الأمر الثّاني و الأمر الأوّل مع نسبة متفاوتة يقع فيه كثير من العلماء المشهورين اليوم و بخاصّة الدّكاترة المتخرّجين من الجامعات المعروفة في العصر الحاضر حيث أنّه لا يوجد اليوم عالم تخرّج من إحدى الجامعات و أتقن علم الحديث على الأقلّ قد يكون أتقن علم أصول الفقه و لكن لا يوجد ولو أفراد قليلين من الّذين تخرّجوا من الجامعات ثمّ تخصّصوا لمعرفة الحديث الصّحيح من الضّعيف إذا عرفنا من هو العالم اليوم عرفنا نقيضه و عرفنا المقصود حينئذ من قوله عليه الصّلاة و السّلام ( إنّ الله لا ينتزع العلم انتزاعا من صدور العلماء و لكنّه يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالما اتخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا و أضلّوا ) فهؤلاء الّذين يتّخذهم النّاس علماء و ليسوا علماء يستفتون فيفتون النّاس فيضلّون و يضلّون غيرهم إذا عرفنا من هو العالم نقول هذا الجنس من العلماء هو الّذي يستطيع أن يحكم بأنّ هذه مصلحة مرسلة أم لا ؟ ماهي المصلحة المرسلة وكيف يمكن معرفتها ؟ المصلحة المرسلة هي وسيلة من الوسائل تحدث و تحقّق أو توصل إلى أمر مشروع , هذا الأمر المشروع مشروع بالنّصّ لكن الوسيلة محدثة فهل يجوز الأخذ بهذه الوسيلة ما دام أنّها تحقّق غرضا مشروعا هكذا يبدو لي أوّل وهلة , أنّ هذا الغرض مشروع لكن الوسيلة لم تكن فهل يجوز الأخذ بهذه الوسيلة ما دام أنّها توصل إلى هدف أو غرض مشروع الجواب قد و قد أي ما دائما و إنّما المسألة فيها تفصيل لا يستفاد إلاّ من قليل جدّا من كتب أهل العلم . أضرب لكم الآن وسيلة قد تكون مستعملة وهي تحقّق أمرا مشروعا لكن هل تكون هذه الوسيلة مشروعة أم لا ؟ حينما نطرح المثال ستعلمون أنّ هذا المثال لا يجوز الأخذ به ولو أنّه يحقّق أمرا مشروعا . ابتليت اليوم الكثير من المساجد بل قلّ ما يخلو مسجد من تسوية الصّفوف على الخيط الّذي يمدّ من الشّرق إلى الغرب لتسوية الصّفوف هذه وسيلة لم تكن من قبل لم يكن في مساجد المسلمين طيلة هذه القرون الأربعة عشر خطوط تمدّ في المساجد لتسوية الصّفوف , تسوية الصّفوف هدف شرعيّ كيف لا ! و نعلم جميعا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم كان يحضّ المسلمين على تسوية الصّفوف و كان يقول لهم أحيانا ( ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها ) و كان يأمر بذلك فيقول ( سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة ) و في رواية ( من حسن الصّلاة ) ( لتسونّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم ) إذا تسوية الصّفوف لا شكّ أنّه مقصد شرعيّ , هذه الوسيلة يمكن أن يدخلها البعض ممّن لا يعلمون القول الفصل في المصلحة المرسلة و ما يجوز منها و ما لا يجوز يقول هذه وسيلة تحقّق غرضا شرعيّا فهي إذن من المصالح المرسلة نقول لا . لماذا ؟ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كان يأمر بتسوية الصّفوف و يبالغ فيها كما سمعتم , ترى ألم يكن يتّخذ وسيلة لتنظيم تسوية الصّفوف أم كان يدع الأمر هملا يكتفي فقط أن يقول قولا ثم ّ لا يحرص على تطبيقه عملا حاشاه من ذلك . كذلك سلفنا الصّالح الّذين جاؤوا من بعدهم كانوا يقتدون به عليه السّلام في الأمر بتسوية الصّفوف لكن يا ترى ألم يكونوا ينفّذون ما يأمرون به ؟ الجواب نعم . ماذا كان يفعل الرّسول صلّى الله عليه و سلّم حينما يأمرهم بتسوية الصّفوف ؟ هذا كلّه موضّح في السّنّة الصّحيحة يقول لفلان تقدّم و لفلان تأخّر وهكذا حتّى كأنّما يسوّي القداح أي السّهام , فإذا ما انتهى من تسوية الصّفوف قال الله أكبر لمّا كثر النّاس بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدينة و بالتّالي كثرت الصّفوف جعل الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه رجلا يأمره بأن يسوّي الصّفوف و أن يتخلّل بينها فإذا ما رأى الصّفوف قد استوت أعلن فكبّر عثمان بن عفّان , كان بإمكان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان يقول لهذا تقدّم و لذاك تأخّر يمدّ خيطا و هذا الخيط أمر مبذول ليس هو كهذه المخترعات الّتي وجدت بعد أن تداول النّاس على إتقانها و إحسانها فالخيوط معروفة تماما و ميسورة و مبذولة ما فعل ذلك , إذن هنا نأتي إلى شيء يمكن اعتباره قاعدة تمنعنا من اتّخاذ وسيلة حدثت و ندّعي أنّها من المصالح المرسلة الّتي تحقّق مصلحة شرعيّة . فنقول أيّ سبب كان المقتضي للأخذ به في عهد النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم لكنّه لم يفعل فلا يجوز للمسلمين أن يأخذوا به كوسيلة بدعوى أنّها تحقّق غرضا شرعيّا لأنّنا نقول أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم لم يفعل ذلك , أتيتكم الآن بمثال من واقع حياتنا نعود الآن إلى شيء لم يقع بعضه ووقع بعضه , لقد جاء في صحيح مسلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كان يصلّي صلاة العيدين في المصلّى دون أذان و لا إقامة , و إلى اليوم كما تعلمون لا يزال المسلمون ينطلقون إلى صلاة العيد دون أذان و دون إقامة لماذا ؟ هكذا كان الأمر في عهده صلّى الله عليه و سلّم ليس هذا أي عدم شرعيّة الأذان و الإقامة في صلاة العيدين فقط بل و في صلوات أخرى يبدو بادي الرّأي أنّ التّأذين و الإقامة فيها يحقّق هدفا مشروعا مثل صلاة الاستسقاء مثلا لماذا لا يؤذّن لصلاة الاستسقاء وهي ليس لها وقت حتّى يتنبّه لها النّاس مثل ما يتنبّهون لصلاة العيد لمعرفتهم أنّ صلاة العيد تكون بعد طلوع الشّمس و ارتفاعها لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم لمّا كان يصلّي صلاة الاستسقاء ما أذّن لها و أغرب من ذلك صلاة الكسوف و الخسوف حينما تنكسف الشّمس فالنّاس في غفلتهم ساهون في عملهم , في تجارتهم , في وظائفهم ما شرع لهذه الصّلاة أذان و لا إقامة كذلك و هذا أعجب العجب صلاة خسوف القمر حيث ينخسف في اللّيل وقد ينخسف في نصف اللّيل و النّاس مغرقون في النّوم هل يجوز لمسلم أن يسنّ للنّاس أّذانا لهذه الصّلوات مع أنّ الأمر واضح جدّا أنّها توقظ النّاس من نومهم و تنبّههم من غفلتهم ففي ذلك مصلحة شرعيّة ؟ الجواب لا . لماذا ؟ لأنّ المقتضي بالأخذ بهذه الوسيلة وهي الأذان و الإقامة لهذه الصّلوات الّتي لم يؤذّن لها الرّسول و لا أقام لها كان الأخذ بهذه الوسيلة المقتضي للأخذ بها كان موجودا في عهده و مع ذلك فلن يشرع ذلك للنّاس فلا يجوز لنا أيضا أن نتّخذ ذلك من باب المصلحة المرسلة . الآن نأتي إلى مصلحة تحقّق هدفا شرعيّا لكنّها أيضا كمثال الخيط الّذي حدث و المسألة لها علاقة بالدّولة و هذا أمر مهمّ جدّا أن نعرف هل هذا مشروع أم لا ؟ مصلحة جباية الضّرائب فرض الضّرائب على النّاس الهدف منها واضح جدّا مساعدة الدّولة لتقوم بشؤون الأمّة أو بشؤون شعب من شعوب هذه الأمّة , فإذن هذا غرض مشروع و لكن هل يجوز بالأخذ بهذه الوسيلة من أجل أنّ الدّولة تكون غنيّة و تتمكّن من القيام بمصالح الأمّة الجواب لا يجوز و يجوز أحيانا و إليكم التّفصيل , لا يجوز لأنّ الدّولة الّتي تفرض الضّرائب لتملأ خزينتها بالمال وهي بلا شكّ تحتاج إلى هذه المال خالفت سبيل الرّسول في جلب و جمع الأموال نحن نعلم جميعا أنّ الإسلام شرع للدّولة المسلمة وسائل لتكون خزينتها دائما ممتلئة بالمال لتقوم و تحقّق مصالح الأمّة المسلمة و منها دفع غائلة العدوّ فيما إذا هاجم العدوّ جانبا من جوانب بلاد الإسلام فلابدّ و الحالة هذه أن يكون في خزينة الدّولة أموالا فما هي السّبل الّتي شرعها الشّارع الحكيم على لسان نبيّه الكريم أوّل ذلك الزّكاة كما قال تعالى (( خذ من أموالهم صدقة تطهرّهم و تزكّيهم بها )) الأموال الّتي يفرض عليها الزّكاة تنقسم إلى قسمين قسم لم يكلّف الشّارع الحكيم الدّولة بجمعها و تحصيلها وهي النّقدان الذّهب و الفضّة زكاة هذين النّقدين يعود إخراجها إلى المكلّفين و لا يجب بل و لا يجوز للدّولة أن تفاتش و تحقّق في أموال الأغنياء و تطّلع على دخائل ما عندهم من الألوف أو الملايين ..