About the article

Author :

محمد بن علي بن جميل المطري

Date :

Sat, Apr 11 2015

Category :

Morals & Ethics

Download

بر الوالدين

بر الوالدين



الحمد لله الذي أمرنا ببِرِّ الوالدين ونهانا عن عُقُوقهما، وقرَن حقَّهما بحقِّه سبحانه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، الذي أوصى بالوالدين، وعلى آله وأصحابه الكرام البَرَرة.
 
أما بعد:
فبِرُّ الوالدين سببٌ لكلِّ خيرٍ عاجل في الدنيا وآجل في الآخرة، وأن عقوقهما مُوجِب لسَخَط الله وعذابه في الدنيا والآخرة، وقد أمرنا الله ببِرِّهما في آيات كثيرة في كتابه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]؛ أي: أَحسِنوا إلى الوالدين إحسانًا بكل ما تَستطيعونه من القولِ الطيب والأفعال الحسنة التي تُدخِل السُّرور إلى قلبيهما.
 
وقال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
 
وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله عز وجل؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثم أي؟ قال: ((بِرُّ الوالدين)) قال: ثم أي؟ قال: ((الجهادُ في سبيل الله))، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم برَّ الوالدين أفضلَ من الجهاد في سبيل الله!
 
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسْن صحابتي؟ قال: ((أُمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك)).
 
وإن رضا الله في رضا الوالدَين، وسَخَطه في سخطهما، فاللهَ اللهَ في بِرِّهما والإحسان إليهما، وليس البِرُّ تَرْك العُقُوق فقط، بل البِرُّ أعلى من ذلك، البر أن تُحسِن إليهما بكل ما تستطيعه، وأن تُصاحِبهما معروفًا ولو كانا سيئي الأخلاق، بل ولو كانا ظالِمَين لك، بل ولو كانا كافِرَين بالله، فحقُّهما لا يَسقُط عن أولادهما بحال أبدًا؛ قال الله سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 14، 15].
 
إن حقَّ الوالدين عظيم، فيجب على كلِّ مسلم ومسلمة طاعة والديه واجتناب معصيتهما، وأن يُقدِّم طاعتَهما على طاعة كلِّ أحد من البشر، ما لم يَأمُرا بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إلا الزوجة فإنها تُقدِّم طاعةَ زوجها على طاعة والديها.
 
والحذرُ كلُّ الحذر من نَهْرهما ورفْع الصوت عليهما، واحذَر من مقاطعتهما أو مُنازعتهما الحديث، واحذَر من العُبُوس عند لقائهما، بل تودَّد لهما وتَحبَّب إليهما، وابتَسِم في كلامك معهما، وتَواضَع لهما، واجلِس بين أيديهما بأدب واحترام.
 
أيها المسلم، أَسرِع في تلبية ندائهما، وافرح إنْ أمراك بأمر مُباح، واحرِص على مساعدتهما في أعمالهما، وإن أمراك بأمر مُحرَّم فتلطَّف في الاعتذار لهما، وإياك أن تُحزِنهما أو تُزعِجهما بأي حال من الأحوال، وأَصلِح ذات بينهما، وعلِّمهما ما يَجْهلانِه من أمور الدين، وأمرهما بالمعروف، وانههما عن المُنكَر بمنتهى اللطف والإشفاق والرِّفق، واصْبِر عليهما إذا لم يَقْبلا، واحرِص على الجلوس معهما وإيناسهما بالحديث المُباح الذي يَستأنِسان به، واحرِص على مشاورتهما في أمورك، وحدِّثهما عن أحوالك وأخبارك، ولو بالهاتف إن كنتَ بعيدًا عنهما.
 
أيها المسلم، احرص كلَّ الحرص على كثرةِ الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما، وكذلك بعد موتهما، فأعظم هدية تُقدِّمها لهما بعد موتهما أن تدعو لهما وتَستغفِر لهما، وداوم على التصدُّق عنهما ولو بالقليل، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، وقل: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].
 
اللهم وفِّقنا جميعًا للبِر بوالدينا والإحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما، اللهم اغفِر لآبائنا وأمهاتنا، وارحَمهما برحمتك يا أرحم الراحمين!