About the article

Author :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Date :

Fri, Sep 19 2014

Category :

Fatwa (Q&A)

Download

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 305

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .

أما بعد ! فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد :

فكما كنا تحدثنا مرة أو أكثر من مرة أن من وسائل تلقي العلم هو أن يسأل كل فرد بما يهمه مما يتعلق بالفقه الذي يتعلق به هو شخصيا لقوله تعالى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف : ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال ) والآن نتلقى بعض الأسئلة لنتوجه إلى الإجابة عليها بقدر ما ييسر الله تبارك وتعالى لي ويوفقني للإجابة عليه والمستعان هو الله تبارك وتعالى .

السائل : يسأل أحد الإخوة فيقول : هل التعارف الذي يجري في بداية كل حلقة عند بعض الناس من السنة ؟

الشيخ : قال تعالى : (( وما أنا من المتكلفين )) فهذا الذي جرى عليه عرف بعض المتأخرين إنما هو من المحدثات في الدين لا أصل له في الشرع مطلقا إنما هو تقليد غربي وهو أمر لائق بهم وليس لائقا بنا لفرق بين الحياتين الاجتماعيتين حياة المسلمين وحياة الكافرين ؛ فإن المسلمين لهم لقاءات كثيرة تتعدد في كل يوم خمس مرات في بيوت الله والمساجد ، ثم تتسع دائرة هذا اللقاء في الجوامع من المساجد التي يشرع فيها الخطبة ؛ وحين أقول التي يشرع فيها الخطبة إنما أعني وأشير إلى أنه ليس من السنة أن تقام صلاة الجمعة في كل مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس إنما يتجمع أفراد هذه المساجد في المسجد الجامع الذي يتسع لأكبر كمية ممكنة من المسلمين ، ثم يتسع دائرة هذا اللقاء في السنة مرتين في العيد الأضحى وفي عيد الفطر ، ثم تتسع إلى ما لا نهاية ولا شيء بعده أن يلتقي المسلمون من كل بلاد الدنيا على صعيد واحد في عرفات في الجمع الأكبر ؛ كل هذه التجمعات التي شرعت في دين الإسلام لحكم بالغة لا يعرف لها أثرا أولئك الكفار ، ذلك لأنهم حرموا من نعمة الإسلام ، ولذلك فهم دائما وأبدا يبتدعون اجتماعات واصطلاحات وتعريفات لأنهم يشعرون بالنقص الذي يعيشونه ويحيونه دائما وأبدا ؛ فيأتي بعض المسلمين الذين أولا لا يهتمون بخطورة الإحداث في الدين وذلك ناتج من جهلهم بعظمة هذا الدين واغنائه للمسلمين عن كل هذه المحدثات التي يتلقاها بعض المسلمين من هؤلاء الجاهلين بالشرع فيظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا ولو أنهم عرفوا هذه التشريعات وجمعوها في أذهانهم وتصوروا عظمة فوائدها في مجتمعاتهم لأغناهم ذلك عن كل ما قد يستحسنه أحدهم مما يبتدعه أولئك الفقهاء في التشريع ؛ فليس لمثل هذا التعارف في الإسلام أثر مطلقا ، نعم هناك تعارف خاص ومصغر جدا وعملي بينما التعارف الذي يجري ونتحدث عنه آنفا بأنه غير مشروع في كثير من الأحيان إن كان ممكنا ففيه التكلف ظاهر جدا وفي أحيان أخرى كمثل هذا المجتمع المبارك الآن يكاد أن يكون التعارف فيه أمرا مستحيلا ؛ فهناك تعارف خاص كما قلت آنفا وهو أن المسلم إذا أحب رجلا مسلما فيسن في حقه أن يخبره بأنه يحبه لله تبارك وتعالى ؛ وبالمقابل يستحب لهذا المحبوب في الله أن يخاطب حبيبه بقوله " أحبك الله الذي أحببتني له " وهناك روايات معروفة في كتب السنة لا يحضرني الآن مرتبة ثبوتها ولكنها تنص على أنه ينبغي لكل من هذين المتحابين في الله أن يتعارفا بإسميهما أيضا فإن ذلك مما يساعد أحدهما على الآخر أن يهتم بشئون بعضهما البعض ، هذا النوع من التعارف هو الذي ثبت في السنة ؛ أما أن يتعارفوا في حلقة أنا الفقير إلى الله أو نحو ذلك من العبارات أو فلان ابن فلان وهات بقى أن يكون كل واحد من هؤلاء الجالسين يكون عنده حافظة ابن عباس فيلتقط هذه الأسماء كما يلتقط المغناطيس الحديد ، ومن هنا يظهر أن هذا الأمر بالإضافة إلى ما ذكرنا آنفا أنه ليس له أصل في الدين ، ففيه تكلف ظاهر مبين ، نعم .

السائل : تعليق ... الشيخ على هذا السؤال بارك الله فيك !

الشيخ : تفضل .

السائل : ... ربما يكون هناك أخلاط من الناس جمعتهم جلسة واحدة هكذا وأحب كما قلت بعضهم أن يسأل عن بعض الزملاء لديه فسأله أو عرف بنفسه

الشيخ : نعم

السائل : وما أرى في ذلك بأس إذا أخذنا بعموم الآيات : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) الى آخر الآيات

الشيخ : نعم

السائل : فلو كان هناك جلسة خاصة فقط للتعارف كما عليه الكفار يعقدون ندوات أو يعقدون حفلات معينة فقط للتعارف ليس إلا ، ربما يصدق عليه ما تفضلت

الشيخ : وربما أيضا ؟

السائل : نعم ، بل هو الأكيد إن شاء الله .

الشيخ :  طيب - يضحك الشيخ رحمه الله- .

السائل : أما في جلسة هكذا ربما يكون لي قريب هنا بين هؤلاء الناس ولكن مجرد ما عرفت عن نفسي قد يكون هذا القريب يعني كان أولى به أن يسأل عني أو أن يتحدث معي حول أهلي أو كذا وكذا

الشيخ : نعم

السائل : أما إذا أحببته كيف يكون الحب من جلسة واحدة من غير حديث ما سبق أو من غير سلوكيات أنا مارستها أمامه حتى يحبني مثلا أو حتى ... بي ؟

الشيخ : أظن أنك هدمت ما بنيت في آخر كلمة ، معليش لا بأس وجزاك الله خيرا وذلك لأنك فتحت أمامي بحثا مهما ونحن افتتحنا هذا الجمع المبارك إن شاء الله بخطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدمها بين يدي كل جملة وكلمة وفيها " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " إن مما يتعلق بهذه الكلية تفصيل ما كنت أرى من المناسب أن ندخل فيه حتى نفسح المجال لتوجيه الأسئلة الأخرى وللإجابة عليها ، ولكن لابد من كلمة ولو موجزة بناء على ما سمعت من الكلام المفيد إن شاء الله ، فأقول أولا إن كان هناك نص عام كما أشرت إليه أنت في القرآن : (( ... لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) وكان هذا النص يفيد أن المقصود بالتعارف فيه إنما هو ما اسمك ؟ ما اسم أبيك ؟ وما مهنتك ؟ وما كذا ؟ واين تسكن ؟ إلى آخره ؛ حينئذ نقول كما قلت نقول بقولك أنه يجوز مثل هذا التعارف ؛ ولكن نشترط فيه شرطا أساسيا في كل جزئية يمكن أن تدخل في نص عام ، ذلك الشرط هو عدم الالتزام ، عدم الالتزام خشية أن تصبح سنة مضطردة مستمرة نعتقد جازمين أن القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أنها طبقت عمليا أو لم يطبق تنقسم إلى قسمين ، القسم الأول ما كان من نصوص الكتاب والسنة مما ينبغي أن يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى وأن يتعبد به تعبدا داخلا في حكم من الأحكام المعروفة من المندوب إلى الفرض ، لاشك أن مثل ذلك قد طبق في العهد الأول الأنور حيث أنزل الله عزوجل قوله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم ... )) إلى آخر الآية  ، وفهم منها السلف الصالح أنه لا يمكن الزيادة على ما كان عليه الأمر في عهد النبوة والرسالة مما يتعلق بهذا القسم الأول من أجل ذلك جاء عن الإمام مالك إمام دار الهجرة تلك الكلمة التي تستحق كما كان يقال قديما أن تكتب بماء الذهب لأهميتها وبالغ حكمتها ، يقول رحمه الله " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة اقرأوا قول الله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " هذا هو القسم الأول ، فلا أستطيع ولا غيري يستطيع سواء كان أعلى منا علما وفهما أو دوننا لا يستطيع أحد يفهم هذه الحقيقة الشرعية التي ذكرتها آنفا ، لا يستطيع أحد أن يتصور لأن السلف فاتتهم جزئية واحدة من هذه العبادات التي تشملها هذه الآية الكريمة وغيرها من نصوص شرعية معروفة ؛ أما القسم الثاني فهو الذي نتصور أنه خاضع للظروف وللملابسات فيجد المسلم هناك نصا عاما يساعده على العمل به ، فنقول إنه يجوز ، ومن هذا القبيل المثال الذي ذكرته ؛ لكن الحقيقة أن هذا المثال وقد استدللت له بالآية فالآية حقيقة تحتاج إلى دراسة إلى ما قاله علماء التفسير في قوله تعالى : (( لتعارفوا )) أي هل من هذا التعارف ذلك المثال الذي أنت مثلت به ؟ أما أنا شخصيا فأقول ليس الفقيه بحاجة إلى مثل هذا الاستدلال إذا كان النص القرآني بعد فهمه على ضوء علماء التفسير وما قالوه فيه لسنا بحاجة إلى أن ننزع إلى مثل هذا النص أو أن نستدل به ؛ لأن المبادئ العامة في الشريعة والتي منها اتخذت القاعدة المعروفة عند العلماء بالمصالح المرسلة تفسح لنا مجالا واسعا لتسليك مثل هذه الجزئية بالشرط السابق ذكره أن لا يتخذ ذلك سنة مستمرة ؛ هذا جوابي على ما قلت .

السائل : بارك الله فيك

الشيخ : وفيك بارك

السائل : لو ذهبت أنا لزيارة أحد الإخوة ووجدت عنده أخوان أو ثلاثة أو أكثر وطلبت أن نتعارف منهم هل أعتبر أنا مبتدعا ؟

الشيخ : سمعت الجواب .

السائل : جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السنة المطهرة : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة ) الى آخر الحديث وذكر أصنافا ستة ، فقد شاع في هذه الأيام بيع التمر والبر والشعير والملح دينا ، هذا شاع كثيرا ؛ فهل هذا يدخل في الربا أم أن هناك ترخيصا ؟ كذلك الشق الثاني من السؤال هل الربا مقصور على هذه الأصناف الستة فقط أم أنه يتعداها إلى غيرها ؟ وجزاكم الله خيرا .

الشيخ : طبعا الجواب بإيجاز لأني أخشى قبل أن نسمع انتقادا من غيري أنا أن ننتقد أنا والسائل حيث لم يكن السؤال مطروحا ، أكذلك ؟

السائل : نعم .

الشيخ : ولكن نجيب إذن بإيجاز ؛ لا يبدوا لي بالنسبة للسؤال الأول أن هناك شيء من الربا ؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع أو صيعان من تمر .

الشيخ : أما الجواب عن السؤال الثاني فمعلوم اختلاف العلماء قديما في حديث الربويات الست ؛ فالجمهور على أنه يلحق بها أشباهها خلافا لابن حزم ومن جرى مجراه ممن اقتنع بالوقوف على ظاهر الحديث وعدم الزيادة بشيء على هذه الأصناف الستة ؛ نحن ترجح لدينا ما ذهب إليه الجمهور لا لأني جمهوري وإنما لأن الدليل الذي رأيته في صحيح البخاري وفي غيره ألزمني بأن أكون مع الجمهور هاهنا ، ألا وهو قوله عليه السلام : ( وكذلك الكيل والوزن ) هذه الجملة والذي ثبتت في صحيح البخاري أشارت إشارة لطيفة يفقهها أهل العلم ، ومنهم استفدنا هذا الرأي وما ابتدعنا أن العلة في الربويات هو ما كان كيلا أو وزنا ، وما لم يكن كذلك فليس من الربويات في شيء مهما تفاضلت صنف على صنف ؛ نعم .

السائل : هل الجماعات الإسلامية القائمة تعد من الفرق ؟

الشيخ : الجواب على هذا السؤال كما قلنا ولا نزال نقول دائما وأبدا لا يمكن أن نتصور فردا معصوما بعد رسو ل الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبالتالي لا يمكن أن نتصور جماعة معصومة أيضا دون جماعة أخرى ؛ ولذلك فإذا سئلنا مثل هذا السؤال فلا نستطيع أن نقول إنها من الفرق الضالة ، الجماعة الفلانية هي من الفرق الضالة أو لا ؟ إلا إذا عرفنا منهجها ومسيرتها هل هي تلتزم أولا فكرا ، وثانيا تطبيقا للكتاب والسنة ؛ فإن كان تتبنى ذلك فليست من الفرق الضالة ولو أنها في منطلقها ، قد تحيد قليلا أو كثيرا كأي فرد من أفراد المسلمين يعني نحن الآن ننتمي والحمد لله إلى السلف الصالح أي نفهم الكتاب و السنة على منهج السلف الصالح نوجب على أنفسنا أن نكون كذلك فقد نخطئ وقد نصيب فيما ندعيه من الانتساب ولو في بعض الجزئيات ؛ أنا قلت قد ولكننا بلاشك وبدون قد نخطئ في تطبيق هذا المنهج قليلا أو كثيرا ، يختلف هذا باختلاف الأفراد ؛ فإذا كان منهجنا على الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح لا شك في أن ذلك يكون ضمانا لنا في أن لا نكون فرقة من الفرق الضالة ؛ أما عملنا فهو عند الله عزوجل إما أن يغفر لنا وإما أن يؤاخذنا ؛ ولذلك نقول (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) فإذن الحكم الفصل بين جماعة وأخرى هو النظر إلى منهجها فمن كانت من هذه الجماعات تعلن أنها على الكتاب والسنة وتلتزم ذلك سلوكا في حدود الاستطاعة فلا يجوز أن يقال إنها من الفرق الضالة والخارجة عن دائرة الإسلام الصحيح ، وليس كذلك من الناحية العملية كما قلنا لأنه يقال في الجماعة ما يقال في الأفراد ؛ لأن الجماعة إنما هي مركبة من أفراد ، ففرد زائد فرد يساوي جماعة ، وكل فرد من هؤلاء الأفراد بلا شك قد يكون له خطأ أو أكثر من خطأ ، عفوا قد يكون له خطيئة أكثر من خطيئة ؛ لكن لا يجوز أن يكون له خطأ فكري واعتقادي ، وإلا فبذلك يخرج عن الجماعة المسلمة حقا .

السائل : ألا يشترط يا أستاذ في قولهم إننا على الكتاب و السنة أن يكون ذلك بفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ؟

الشيخ : كأنك تسأل عن شيء من باب التأكيد وإلا أنا قلت آنفا مكررا وعلى منهج السلف الصالح نعم .

السائل : يقول بعضهم إننا نعيش في هذه الأيام في عهد يشبه العهد المكي الأول ؛ فما رأيكم في هذا القول وما هي نصيحتكم في مثل ظل هذه الظروف إن صحت هذه المقولة ؟

الشيخ : نقول والحمد لله لا نعيش في عهد يشبه العهد المكي بل نحن نعيش بعد أن أنزل الله تبارك وتعالى تلك الآيات الذهبية : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) لكن مع الأسف الشديد بعض الناس لبعدهم عن دينهم ولعدم اهتمامهم بتفقههم في الدين يتوهمون هذا الوهم الفاحش الخاطئ فيقولون عهدنا يشبه العهد المكي أي العهد الذي لم تكن ـ لا أقول لم تكن الشريعة قد كملت بل لم يكن ـ نزل بعد إلا أقل من القليل من الأحكام الشرعية ؛ ولذلك هذا القول زور وبهتان ، وأخشى ما أخشى أن يكون كما يقال " وراء الأكمة ما وراءها " أن يكون المقصود من مثل هذه الكلمة التمهيد للتهاون بالقيام بالأحكام أو بكثير من الأحكام الشرعية من جهة ، أو عدم الاهتمام بكثير مما هو مقرر في الإسلام من باب أننا نحن في عهد يشبه العهد المكي ، فلا يجوز مثلا البحث في أمور يسمونها بأنها قشور أو بأنها ليست جوهرية أو ما شابه ذلك ؛ فما بني على فاسد فهو فاسد وكما قيل " وهل يستقيم الظل والعود أعوج " ؟ .

السائل : هناك ثمة مشابهات بين العهد المكي والعهد الذي نعيشه ، ولكن لا يجعل هذا عين ذاك أليس كذلك ؟

الشيخ : المشابهات ليست في التشريع ؛ أما في بعض الوقائع بالنسبة لبعض الناس لكن هذا ما ينبني عليه شيء إلا الاهتمام بالإصلاح ، وهذا ما يجب أن يقوم به كل طائفة ، كل جماعة تدعوا إلى الإسلام .

السائل : السؤال التالي يقول هل الأشاعرة من أهل السنة وما موقفنا من الأشاعرة المعاصرين ؟

الشيخ : لست أشارك بعض الأفاضل من العلماء قديما وحديثا بأن نقول عن طائفة من الطوائف الإسلامية أنها ليست من أهل السنة بسبب انحرافها في مسألة أو أخرى عما ندين الله تبارك وتعالى به إذا كان هذا يقال كما قيل تماما جوابا عن السؤال السابق أي عن الجماعة أو الجماعات الإسلامية إذا كان منهجها هو التمسك بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ولكن اشتط بهم الفكر أو القلم في بعض المسائل فخرجوا فيها عن هذا المنهج الذي ارتضوه لدينهم ولعقيدتهم إذا كان كذلك ؛ فنحن نقول إنهم من أهل السنة ؛ أما من يعلن منهم كما نسمع عن بعض الأشاعرة المتأخرين من قولهم " مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم " حينئذ نقول خرج عن دائرة أهل السنة

السائل : حاد

الشيخ : حاد ؛ نعم . تفضل .

السائل : يقول أحد الإخوة سمعنا أنه يجوز لمن ينتقض وضوؤه في الصلاة يجوز له أن يذهب ويتوضأ ويكمل ما فاته بشرط أن لا يتكلم مع أحد ؛ فهل هذا صحيح ؟ .

الشيخ : سمعنا يقولون .

السائل : فلعله يقول في بعض الأشرطة ؟

الشيخ : هذا كلام مبتدأ ما خبره ؟ عندك ما الخبر ، الظاهر أن السائل يعني هل هذا صحيح ؟ أقول في المسألة قولان ؛ لكننا لا نقف عند ذلك وأظن أن جمهوركم لا يعرف النكتة التي تنبني على هذا الجواب الذي نفتيه عن نفسي أو سأنفيه عن نفسي ، في المسألة قولان ، هذا كلام الجهال لأنه إذا كانت المسألة لا يتصور فيها إلا قول واحد فالإجابة فيها بأن فيها قولين هذا دليل على الجهل ؛ كذاك المفتي الذي نصبه المفتي بديلا عنه في غيابه زعموا بأن أحد المفتيين قديما عرض له سفر فأناب عنه أباه ، وأبوه يعلم أنه لا يصلح ليجلس في مجلس الإفتاء فقال له يا أبت كيف هذا ؟ قال ما عليك ، أنا أعطيك نظام وقاعدة حتى تسلك حالك بينما أعود إليك ، قال ما هو ؟ قال كلما جاءك سائل يسألك عن أي مسألة فأنت لا تحشرحالك في زمرة العلماء وإنما قل في المسألة قولان ، كل ما جاءك سائل ؛ يا سيدي الشيخ كما قال هذا السائل رجل انتقض وضوؤه في الصلاة فهل بطلت صلاته وإلا يذهب ويتوضأ ويبني عليها ؟ ها ، الجواب في المسألة قولان وانتهى الأمر ؛ أنا طلقت زوجتي وقلت كذا وكذا ، هل طلقت أم لا تزال في عصمتي ؟ في المسألة قولان ؛ بنتي زوجت نفسها بنفسها بغير إذن وليها فهل نكاحها صحيح أم باطل ؟ في المسألة قولان ، وهكذا ؛ قال لأبيه جزاك الله خير وانطلق وجلس هو وبدأ الناس يتوافدون عليه كالعادة ، والمفتي الوكيل لا يحيد عن هذا الجواب حتى انتبه أحد الأذكياء أن هذا الرجل جاهل لماذا يقول في كل مسألة المسألة فيها قولان ، فدس في ذهن أحدهم قال اسأله قل له أفي الله شك ؟ قال له وهو لا يدري المدفوع قال له يا سيدي الشيخ افي الله شك ؟ قال في المسألة قولان - الطلبة والشيخ يضحكون - ثم يتابع الشيخ فيقول لكن الحقيقة هذه نكتة قد تكون خرافة لكنها تمثل واقعا مؤلما وواقعا من ناس يظن جماهير الناس بأنهم أهل علم وأهل فقه ، وهم الذين يسمون بتعريف أهل هذا الزمان بالدكاترة حيث يقررون مثل هذه الأقوال بشيء من الفلسفة في تدريسهم على الطلاب في الجامعة في كلية الشريعة الذين يفترض فيهم أنهم عما قريب سيتخرجون دكاترة حيث يقولون العالم الفلاني قال كذا ، والعالم الفلاني قال كذا ، وهذا يحتج بكذا ، وهذا يحتج بكذا وانتهى ، طيب ما الصواب يا سيدي الشيخ يا أستاذ يا دكتور ؟ فالأمر كما سمعتم في المسألة قولان وربما يكون ثلاثة أقوال كما هو الواقع في بعض المسائل الذي ترجح لدي في خصوص هذه المسألة بالذات أن البناء هو الأرجح أي من صلى من صلاته ركعة أو أكثر ثم انتقض وضوؤه فعليه أن يجدد وضوؤه وأن يبني على صلاته ولا يستأنفها ، ليس حجتي في ذلك حديث صريح في الموضوع لأن فيه ضعفا ، وإنما حجتي في ذلك ما جاء في سنن أبي داوود ومسند الإمام أحمد بالسند الصحيح عن أبي بكرة الثقفي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر يوما لصلاة الفجر ثم أشار إليهم أن مكانكم وذهب إلى بيته ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بهم ) هكذا يقول أبو بكرة الثقفي أولا قال كبر ثم أشار ثم فصلى هكذا قال ومعنى فصلى أي بنى على ما مضى ولم يستأنف الصلاة ، وإلا لصرح وبخاصة بعد أن قال في الأول بأنه كبر لقال في المرة الثانية فكبر بهم وصلى ولكن شيئا من ذلك لم يكن ، فإذن هذا نص عملي من الرسول صلى الله عليه وسلم على أن المسلم ليس فقط إذا دخل متطهرا في الصلاة ثم وقع منه ما يفسدها أنه يبني بل ولو دخل فيها وهو ناس للطهارة فما فاته من الصلاة أعتبر صحيحا لأن الرسول بنى على ذلك ؛ فمن باب أولى أن يبني بقية صلاته التي جدد لها الطهارة على ما كان قد بني عليه في طهارة ؛ هذا جواب السؤال السابق .

السائل : هل يحق لتاجر ادخر بضاعة بسعر قديم أن يزيد سعرها في حالة ارتفاع الأسعار جزاكم الله خيرا ... ؟

الشيخ : طبعا يجوز ؛ لأن التجارة لا تكون إلا هكذا ؛ ولكن يجب أن نفرق بين مثل هذا الادخار حينما ترتفع الأسعار بسبب قلة البضائع ، ويجب أن نفرق بين هذا وبين الاحتكار ، الرسول عليه السلام يقول في تحريم الاحتكار  : ( من احتكر فهو خاطئ ) انتبهوا في اللغة العربية خاطئ غير مخطئ ، الخاطئ يعني مذنب ؛ أما المخطئ فلا يؤاخذ الإنسان على خطئه إن كان صدر منه باجتهاد منه ؛ فقوله عليه السلام ( من احتكر فهو خاطئ ) أي مذنب أي يستحق المؤاخذة والعقوبة من الله تبارك وتعالى ؛ فما هو الاحتكار ؟ حتى نميز بين هذا الاحتكار المحرم وبين هذا التاجر الذي اشترى بضاعة في زمن الرخص ، زمن كثرة البضاعة في الأسواق ، وهذا نظام طبيعي في الاقتصاد أن البضاعة كلما كثر عرضها كلما قل ثمنها والعكس بالعكس ، فالتاجر الماهر الخريت هو الذي يتتبع الفرص ويشتري البضاعة في وقت الرخص ويدخرها إلى يوم ارتفاع سعر هذه البضاعة ، هذا لا شيء فيه ؛ أما الاحتكار هو أن ينزل إلى السوق ويجمع من هذا المكان ومن هذا المكان ومن هذا المكان ويدخر هذه البضاعة عنده بحيث أنه يتحكم في السعر ويفرضه على كل شار وبائع فيضطر هذا الإنسان حينما يستغلي أن يروح عند جاره الثاني ، الثالث ، الرابع ، إلى آخره فلا يجد البضاعة لماذا ؟ لأن هذا خريت في ارتكاب المحرم ؛ هذا خلاف الأول ، هذا اشترى البضاعة من التجار أنفسهم واختزنها في مخزنه ثم رفع السعر وتحكم في رقاب الناس ؛ فهذا محتكر خاطئ ؛ أما الأول فليس إلا تاجرا كما قلنا ؛ نعم .

السائل : لو سمحت بالنسبة للمسألة السابقة ... أنه لا يتكلم أثناء ذهابه للوضوء ، هل يعتبر هذا شرطا بأن لا يتكلم أثناء ذهابه للوضوء ؟

الشيخ : نعم يعتبر شرطا ؛ لأنكم تعلمون أن هذا الشريط الذي يسجل الآن هو سوف يستفيد منه الناس في كل بلاد الدنيا إن شاء الله ، فأنتم إذا كنتم كما هو الظن بكم منتظمين في أسئلتكم فذلك مما يشيع الاستفادة من هذا الشريط ... ولكن ما رأيكم أن تكون الفائدة الألوف المؤلفة والملايين المملينة ؟ لاشك أن ذلك تكون الفائدة أعم وأبرك إن شاء الله ، نعم .

السائل : أنت قلت في السؤال السابق إن الأفضل يبنى على صلاته .

الشيخ : ما قلت الأفضل ، الأرجح ، الأرجح نعم؛ لأنه فرق بين الأفضل وبين الأرجح نعم .

السائل : من المعلوم أن من شروط الصلاة التوجه نحو القبلة ؛ فهذا الذي يذهب إلى الوضوء ألا ينحرف عن القبلة ؟

الشيخ : إذا كان مضطرا ينحرف وإذا كان غير مضطر فلا ينحرف ، أي ... .

السائل : يعني صلاته مع انحرافه مقبولة ؟

الشيخ : كيف لا ، ألا تتصور معي صلاة يصليها المصلي غير مستقبل القبلة ؟

السائل : ... .

الشيخ : قل بلى .

السائل : لا يجوز له أن ينحرف عن القبلة .

الشيخ : لا ، وعن علم أيضا وعن علم أيضا كيف لا ، تصور يا أخي رجل يقاتل عدوا فهل نشترط له ..

السائل : هذه الظروف ... .

الشيخ : يا أخي أنا أعرف أنك تريد تقول غير ؛ لكن أنت ما استحضرت هذا الغير لما أجبت بجواب قاصر وهو قولك عامدا ، قل عامدا يعرف أن القبلة من هاهنا ويقاتل من هنا ؛ المهم أنت وإلا مؤاخذة الآن تتمسك بالعمومات والتمسك بالعمومات هو أمر واجب ولكن ليس ذلك بالأمر المضطرد فقها ، ذلك أن النص العام إذا دخله تخصيص لم يجز تعطيل النص الخاص من أجل النص العام كما أنه لا يجوز تعطيل النص العام بدون نص خاص .

السائل : أي نص العام ؟

الشيخ : ما ذكرته لك الحديث آنفا ، ما كنت معنا ؟

السائل : الانحراف عن القبلة ولكن الحديث غير واضح فيه أنه انحرف عن القبلة وتوضأ ؟

الشيخ : إذا أنت كان الأولى بك أن تسأل هذا السؤال الأخير أن تقول الحديث غير واضح ، الآن أنت تصور معي المسجد النبوي ، وتصور بيوت الرسول وأزواجه إلى أي جهة كانوا في القبلة أم في الشرق ؟

السائل : في الشرق .

الشيخ : وإلا انت غير متصور ؟ طيب ، إذن الرسول انحرف عن القبلة ؟

السائل : لاشك .

الشيخ : انحرف عن القبلة وخاصة لما بده يغتسل يا أخي يعني هذا لا يمكن أن نتصور إلا في ظروف ضيقة جدا جدا قلما يتمكن من تحقيق الأمر هذا وهو أن لا ينحرف عن الاستقبال ، نعم .

السائل : الله يجزيكم الخير

الشيخ : وإياك

السائل : إضافة لو تكلم ؟

الشيخ : ما يجوز أن يتكلم .

السائل : لو تكلم مع أهله ؟

الشيخ : ما يجوز ، الكلام في الصلاة كما هو معلوم بالاتفاق يبطلها إلا الكلام المتعلق بإصلاح الصلاة ، مفهوم هذا الاستثناء ؟

السائل : مفهوم .

الشيخ : أنا أسألك مفهوم هذا الاستثناء

السائل : مفهوم .

الشيخ : مسلم به ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب إذن الكلام أرجعنا للقاعدة السابقة النص العام يجب إعماله ولا يجوز إهداره إلا إذا جاء نص خاص فنهدر منه ما يخصصه هذا النص الخاص أي ذاك الجزء ؛ فالآن نحن قلنا النص العام ، الكلام يبطل الصلاة وهذا طبعا في عليه حديث في صحيح البخاري ؛ لكن ليس كل كلام إذا كان الكلام يتعلق بإصلاح الصلاة فهو لا يبطلها بدليل حديث ذي اليدين ؛ فهذا الرجل الذي انصرف ليتوضأ أو ليغتسل رأى زوجته وقال لها ما عم تساوي يا بنت الحلال ؟ هنا بطلت صلاته ؛ لأن هذا الكلام ليس له علاقة بإصلاح صلاته هو ؛ أما لو أن الإمام سلم على رأس ثلاث ركعات وهي رباعية أو على رأس ثلاث ركعات وهي ثنائية فقال له بعض المصلين يا فلان أنت عم تصلي العشاء لكن صليت ثلاث ركعات التفت هكذا إلى الجماعة وقال لهم صحيح ما يقول صاحبكم ؟ قالوا نعم ها ، قام وكبر ... حينما قال في حديث معاوية ابن الحكم السلمي ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد وقراءة قرآن ) .

السائل : أحد الإخوة يسأل عن السؤال السابق هل للربح نسبة في الإسلام ؟

الشيخ : لم يأت في السنة تحديد الربح في أي بضاعة ، وذلك من كمال الإسلام لأن بضاعة ما الواقع يفرض أن يكون الربح قليلا ، لماذا ؟ لأن الصرف من هذه البضاعة كثير مثل السكر والرز والطحين ونحو ذلك ، كل يوم الناس يشترون منه أطنان ؛ لكن هناك أشياء لا يباع منها ربما في الشهر إلا قطعة أو قطعتين إلى آخره ؛ فليس من الحكمة أن يوضع ربح لهذه المادة ، كذلك الربح للمادة الأولى ؛ لكن كل ما يقال في مثل هذا السؤال أنه لا يجوز للبائع أن يغرر بالشاري وأن يوهمه بأن الربح الذي يطلبه منه كما يقول بعض الناس من التجار يسمونهم عندنا في سوريا بالجمباز ، ما أدري والله ماذا أنتم تسمونه ؟ يعني لتات يكذب يقول أنت رأس المال ما دفعت ، رأس المال ما دفعت ، وهو كذاب ؛ فهذا الأسلوب لا يجوز ؛ أما هو يعلم مثلا أن رأس المال مائة فيطلب مائة وعشرة ويطلب مائة وعشرين لكنه لا يغرر بالشاري ولا يقول ها غيرك دفع أكثر من هذا وما بعت، كلمات كثيرة ومعروفة ؛ فله أن يربح ما يشاء لأنه إن كان طماعا فسينكشف ، سينكشف حينما يأتي الزبون عنده ، أول مرة ثاني مرة فلابد فيما بعد أنه يتبين بأنه كان يتحكم فيه بالسعر ويأخذ منه سعرا أكثر من غيره ، وحينئذ ستكسد بضاعته ؛ لأن طبيعة الناس أن يقبلوا على الشراء من التاجر الذي يبيع بأرخص الأثمان ؛ نعم .

السائل : أحد الإخوة يقول هل يصح الاستدلال بحديث ذي يدين على جواز إصلاح الصلاة ، إذا تذكرنا أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان عصر تشريع وأن ذا اليدين سأل مستفسرا غير عالم حقيقة انتهاء الصلاة وأن هذا الحديث يحمل على الجهل بالحكم ؟

الشيخ : هذا كلام غير مستقيم إطلاقا ، إن المسألة ليست متعلقة بذي اليدين فحسب ؛ بل هي متعلقة به ثم بنبيه عليه السلام الذي سأل الصحابة بقوله : ( أصدق ذوا اليدين ) ؟ فسؤال الرسول كلام ، هب أن ذوا اليدين كان جاهلا فنحن نفترض أن الرسول عليه السلام لا يقر الجاهل على جهله بل ينبهه ، ولم يكن شيئا من ذلك في هذه القصة على العكس من ذلك أنه سايره حينما قال لمن حوله أصدق ذوا اليدين ؟ قالوا نعم ؛ ولذلك فالقول بأن هذه قضية انتهى أمرها لأن الزمن كان زمن تشريع فنحن نقول هل بعد ذلك جاء تشريع يبين أن هذه القضية إذا تكررت فلا يجوز أخذ الحكم منها لأنها قد نسخت لم يأت شيء من ذلك إطلاقا يضاف إلى ذلك النصوص العامة التي تقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) الأصل في كل ما يخطيء فيه المسلم ألا مؤاخذة عليه إلا بدليل يضطرنا إلى أن نقول هذا الدليل يجعل القاعدة العامة يستثنى منها كذا وكذا ، مثلا رجل أكل في رمضان أو شرب فكلكم يعلم قوله عليه السلام ( إنما أطعمه الله وسقاه ) ( من أكل أو شرب ناسيا فإنما أطعمه الله وسقاه ) لا قضاء عليه ولا كفارة ، لماذا ؟ لأنه نسي ، وهذا تفصيل للحديث السابق ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ) لكن هذه قاعدة ليست مضطردة ، فرب رجل يصلي صلاة بعد أن ينتهي من الصلاة يتبين أنه كان على غير طهارة ، على غير وضوء هنا يختلف الحكم عن الحالة السابقة حالة البناء ، بل رب رجل توضأ للصلاة ثم انكشف له بطريقة أو بأخرى أن وضوءه كان ناقصا ، كان باطلا ؛ فحينئذ صلاته بالتالي باطلة كما جاء في الحديث الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى يوما على ظهر قدم أحدهم لمعة ، فقال له ارجع فأحسن وضوءك وأعد صلاتك ) هذا أوخذ ، إذا هذا حكم يستثنى من القاعدة ؛ باختصار إذا كان هناك قاعدة ولها مستثنيات نجمع بين إعمالها في غير المستثنيات ولا نعملها في المستثنيات ، هكذا الفقه فيما يتعلق بالنصوص الخاصة مع النصوص العامة ، يبقى النص العام على عمومه إلا فيما أستثني بنص شرعي فحينئذ نقول هذا النص العام مخصص بهذا النص الخاص ؛ هكذا نقول فيما يتعلق بهذا السؤال . نعم .

السائل : ما حكم الشرع في العقاب البدني الذي يمارسه المربون أي معلموا المدارس وذلك من أجل تقويم سلوك الطلاب ؟

الشيخ : ليتهم يفعلون ذلك فيما جاء به الشرع ويجتنبون ذلك فيما لم يأت به الشرع حيث إنهم يضربون الأولاد على تركهم الصلاة بل على العكس من ذلك يعاقب المعلم لأنه ضرب الولد ولو كان تاركا للصلاة ، لا نرى نحن أن تستعمل وسيلة الضرب كمبدأ عام للتربية لأن التربية لا تقوم على الشدة ، وموضوع الضرب في الواقع نستطيع أن نجعله كأمر خاص ؛ لقوله عليه السلام : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وأهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) فلا يجوز للوالد وله من السلطة على ولده ما ليس للمعلم من السلطة على تلميذه ، وذلك أمر واضح في بعض النصوص الشرعية منها ما نحن في صدده : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ) فهل يجوز ضرب الولد الذي بلغ السابعة والثامنة والتاسعة وهو لا يصلي ؟ الجواب لا ، هل يجوز ضربه لغير ذلك مما هو دون الصلاة ؟ الجواب كلا ، وليس لا ، بل كلا .