About the article

Author :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Date :

Sat, Sep 20 2014

Category :

Fatwa (Q&A)

Download

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 383

السائل : السلام عليكم

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الحويني : نسأل يا شيخنا

الشيخ : تفضل

الحويني : كنت سمعت لكم فتوى مطولة قديما بمنع التطيب بالكلونيا لكن في المرة الأخيرة لما كنت في عمان سألكم بعض الشباب فأفتيتم بالجواز، مع أن الفتوى الأولى التي بالمنع كانت مطولة ومشددة جدا، فهل هناك يعني شيء نفهمه بالنسبة للرجوع عن الفتوى الأولى؟.

الشيخ : لا رجوع، و إنما هو التفصيل؛ الجواز له محله والمنع له محله، الجواز محله فيما إذا كانت نسبة لكحول قليلة لا تجعل الكلونيا الكثير منها مسكرا. ففي هذه الحالة يجوز، أما إذا كانت الكحول في الكلونيا نسبتها كثيرة بحيث أن من شربها سكر فلا يجوز استعمال الكثير منها أو القليل.

الحويني : يعرف هذا بالمكتوب على الزجاجة يعني مثلا نسبة كذا ... .

الشيخ : هذا السبيل العام المطروق، وقد يعرفه المبتلون بشرب المسكرات لكن القاعدة التي سمعناها من بعضهم علماء الكيمياء أن الخمر المسكر تكون نسبة الكحول فيها 120 -مثلا- فإذا كانت  الكلونيا نسبة الكحول فيها 150 فصاعدا فهي شر من الخمر، والواقع الذي نسمعه عن بعض المدمنين في بعض البلاد العربية التي تحرم فيها الخمر علنا، فلا يجدون سبيلا للوصول إليها فحينئذ هم يلجؤون إلى خلط الكلونيا مع شيء من السوائلْ فيعقمونها ويشربونها ويقيمونها مقام الخمر. فإذاً ليس هناك تعارض بين

السائل : السلام عليكم

الشيخ : وعليكم السلام التفصيل الذي أشرتَ إليه لأن الاختصار الذي ذكرته هو من ضمنه .

الحويني : طيب؛ فيه عندنا في مصر الشيخ الشعراوي أفتى أنه لا تجوز صلاة الجمعة في المساجد المبنية تحت الدور؟.

الشيخ : لم؟.

الحويني : ما أدري يعني هو قال كلام غير مفهوم قال هواء المسجد ويكون المسجد فيه ممكن غرف.

الشيخ : إلى السماء السابعة.

الحويني : نعم معناه، طبعا عمل بلبلة لأن إخواننا السلفيين لا يمتلكون إلا المساجد هذه يعني بحيث لو أخذت منهم ما يستطيعون يعني الصلاة فعمل بلبلة شديدة جداً فنريد الجواب الشافي إن شاء الله في هذا  السؤال ؟.

الشيخ : إن كثيراً من الشروط التي تذكر بالنسبة لبعض العبادات ومنها المساجد، ومنها صلاة الجمعة، والحقيقة أن كثيراً من هذه الشروط إنما قيلت بالرأيِّ والرأي كما نعلم جميعاً منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ فإذا صدر الرأي من عالم مجتهد وكان خطأً فهو مأجورٌ -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- ولكن مثل هذا الرأي الذي يتعرى بعد البحث فيه عن الدليل الملزم بالأخذ به من كتاب أو سنة أو أثر من آثار السلف الصالح، مثل هذا الرأي إذا تعرى عن شيء من هذه الأدلة حينئذٍ نوجه إليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ ولو كان مِائةَ شرط )؛ فنحن لا نرى مانعاً أن يُبنى فوق المسجد مثلا ً مدرسة أو يبنى فوق المسجد دار للإمام أو المؤذن أو الخادم أو نحو ذلك، لكني أرى رأياً أن المرحاض يجب أن يكون جانباً وأن لا يكون فوق المسجد هذا من باب إكرام المساجد، أما أن يبنى بناء على المسجد ولا تقام فيه أي معصية هذا لا مانع منه، لأن ادعاء أن ما فوق المسجد إلى سماء الدنيا أو إلى سبع سماوات هو مسجد، فهذه دعوى مجردة عن الدليل والأمر كما قيل : والدعاوي مالم تقيموا عليها بيناتٍ أبناؤها أدعياء . هذا ما عندي بالنسبة لهذه المسألة، ومن ادعى غير ذلك طالبناه بالحجة. نعم .

الحويني : شيخنا في كتاب الشيخ محمد الغزالي أنكر حديث موسى عليه السلام وملك الموت ورد دفاع المازري والنووي بأنه دفاع تافه لا يساغ، فقال لأن الملائكة لا يتعرضون للعاهات ولأن الصالحين لا يكرهون الموت فكيف بالرسل فكيف بأولي العزم من الرسل؟.

الشيخ : فأعتقد أن في هذا الكلام خطأً جليَّا ولست أدري أهو من الناقل أم المنقول عنه.

الحويني : ما هو؟.

الشيخ : أن أنت تقول على لسانه أن الملائكة لا يتعرضون للعاهات.

الحويني : لا يصابون.

الشيخ : أو لا يصابون ما مهم، لكن هو ألا يدري أن الملك الذي جاء إلى موسى جاء بصورة بشر .

الحويني : هو لا يدري هذا.

الشيخ : لا يدري؟.

الحويني : أعتقد أنه لا يدري.

الشيخ : لا يدري، إذن سقط كلامه، لأن الحديث كما في مسند الإمام أحمد وبالسند الصحيح أن الملائكة كانت تأتي من قبلنا على صورة البشر فالملك المرسل وهو ملك الموت حينما أرسله الله عز وجل إلى موسى قائلاً له: أجب ربك كان في صورة بشر، ومثل موسى كليم الله، والمصطفى من الله تبارك وتعالى، إذا جاءه إنسان وقال له، أجب ربك فصفعه، تلك الصفعة فهنيئا لهذا المصفوع، الذي لم يوكزه بتلك الوكزة، -يضحك السائل والمسؤول-. فوكزه موسى فقضى عليه، فما قضى عليه، ولكنه فقأ عينه، لأنه كان على صورة بشر. فالشبهة في الحقيقة قائمة على الجهل بالسنة، وعلى عدم الحرص على تتبع روايات الأحاديث التي بها يزول كثير من الإشكالات التي تعرض لبعض الناس. هذا جوابٌ لتلك الشبهة.

الحويني : طيب، لكن هل الصالحون فعلا يكرهون الموت كما قال؟.

الشيخ : من؟.

الحويني : الصالحون يكرهون الموت لأن طبعا فهم من فقأ موسى لعين ملك الموت، أن يكره الموت.

الشيخ : كراهة الموت، أولا أقول: أمر جِبِليٌّ طبيعي، كخوف موسى من سحرة فرعون، فهذا أمر لا يعاب فيه نبي مصطفى. ثانيا: إذا كنا نحن البشر المعرضين للوقوع في الذنوب، والمعاصي نعلم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله )، فإذا كره كاره منا الموت لأنه يبتغي الحياة الطيبة الخيرة ليزداد في هذا العمر الطويل عملا صالحا، فلا يعود كراهته للموت والواقع هكذا ذمًّا، بل ينقلب مدحا، لكن المشكلة أن أهل الأهواء كهذا الرجل وأمثاله إنما يتتبعون الشبهات من الأحاديث النبوية الصحيحة، ليظهروا أمام الناس بأنهم من النُّقاد وهم ليسوا هناك. هذا جوابي عن هذه الشبهة الثانية.

الحويني : يذكر العلماء في هذا الحديث أيضا أن موسى عليه السلام إنما فقأ عيني ملك الموت تطبيقا لشريعته وهو فقأ عين الناظر أو الداخل بغير إذن، مع أن هذا لم يرد في الحديث ولم يشر إليه فهل هذا جواب ناهض؟.

الشيخ : لا . بل هو جواب لا ينهض ولسنا بحاجة إليه مطلقا، لأنه يقوم على ما لا أصل له في شريعتنا. نعم.

سائل آخر : موضوع موسى في نهاية الحديث أنه أُمر أن يضع يده على جلد ثور، فاختار أن يقبض حينئذ، فأين كراهة الموت إذا ما علم أنه ملك الموت حقيقة. وخيره بين أن يضع يده في جلد ثور وله بكل شعرة سنة، فقال: ( وبعد؟ )، قال ( الموت ). قال: ( فالآن ). نهاية الحديث ينقض قول من قال بأنه كره الموت.

الشيخ : هذا صحيح إنما كان الأمر الأول بناء على أن موسى لم يكتشف أن ذاك الشخص الذي هو في صورة إنسان إنما هو ملك، فلما جاءه الملك بإشارة من الله عز وجل فعرف أنه حقًا هو مرسل من الله عزوجل، وقال له هذا العلامة، فقال له وماذا بعد ذلك؟، قال: الموت، قال: فالآن إذًا، فالذي ذكرته وارد تماما. نعم .

الحويني : بالنسبة أيضا ذكر الشيخ الغزالي، طبعاً احنا ناخذ هذا كرد عاجل فضيلة الشيخ ناصر، على هذا الكتاب، يذكر أيضا : ( لا نكاح إلا بولي ) ترجيح طبعا رأي الأحناف في المسألة، فهل فعلا للأحناف حجة ناهضة في هذا الباب؟.

الشيخ : ليس لهم حجة إلا تضعيفهم لحديث : ( لا نكاح إلا بولي ) فهذا الحديث بلا شك ينبغي على الشيخ الغزالي وأمثاله ممن يدندون دائما حول الاستفادة من أهل الاختصاص في كل علمٍ ينبغي عليه أن يذكر هذه الدندنة التي يدندن حولها مع بعض الشباب، أن يلتزم هو ذلك وأن يعرف لأهل الحديث اختصاصهم وفضلهم ومعرفتهم الخاصة بتمييز الصحيح من الضعيف، ولا يخلط بين المحدثين وبين الفقهاء، لأن هذا يخرج عما يعرفه كل إنسان عاقل مثقف-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - لأن لأهل الاختصاص مزايا على غيرهم، فعلماء الحنفية حينما يضعفون حديثا فإنما ينطلقون في تضعيفهم انتصارا لمذهبهم، وليس اتباعا منهم لطرق تصحيح الأحاديث أوتضعيفها، ونحن بالتجربة نعرف فرقا كبيرا جدا بين أهل الحديث، وبين الفقهاء فيما يتعلق بالحديث، وأضرب على ذلك مثلا سهلا إن شاء الله. فإن من رأي علماء الحنفية كما هو معلوم القول بعدم شرطية قراءة الفاتحة في الصلاة، وإنما يقولون بوجوبها، وهم على علم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، يقولون هذا حديث صحيح، ولكنه حديث آحاد، ولا يجوز عندهم استنادا لعلم الأصول -وهذا في الواقع من شواذهم- يقولون لا يجوز تخصيص النص المتواتر بالنص الأحادي، ويعنون هنا بالنص المتواتر قوله تعالى : ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) ، يقولون إن هذه الآية أطلقت ما تيسر من القرآن فلا يجوز تقييد هذا النص القرآني المطلق بالحديث النبوي المقيد لأنه حديث آحاد ولا يجوز عندهم تقييد المتواتر بالآحاد.  ولست أريد أن أناقش هذه المسألة من كل جوانبها أو أطرافها، لكني أريد أن أدندن حول قولهم بأن حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، حديث آحاد، فما قيمة قول هؤلاء الفقهاء مهما كان شأنهم في المعرفة بالفقه والفهم لنصوص الكتاب والسنة، حينما يتكلمون فيما ليس من اختصاصهم فيدَّعون أن حديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، هو حديث آحاد وأمير المؤمنين في الحديث ألا وهو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، يقول في مطلِع رسالته المعروفة بجزء القراءة في الصلاة تواتر الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، فإذن أنأخذ بقول الحنفية الذين قد امتلأت كتبهم بالأحاديث الضعيفة، بل وفيها قسم كبير من الأحاديث الموضوعة، حتى لقد أنكرها عليهم بعض علماء الحنفية أنفسهم ممن له اشتغال بعلم الحديث.

فماذا نقول في هؤلاء الفقهاء حينما يقولون ذاك الحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، هو حديث آحاد وأمير المؤمنين في الحديث يقول إنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فنحن نذكر هذا الرجل الذي نحن في صدد الرد عليه بأنه يجب الرجوع إلى ذوي الاختصاص في كل علم فميله إلى الأخذ برأي الحنفية القائم على رد الحديث الصحيح هذا ميل منه عن المنهج العلمي الصحيح أنه يجب الرجوع في كل علم إلى أهل الاختصاص. لكني أدري أن أهل الأهواء في كل عصر وفي كل مصر، لا يلتزمون منهجا علميًا ليس فقط في الحديث بل ولا في الفقه، فترى هذا الرجل تارة حنفي المذهب، تارة ظاهري المشرب، تارة هكذا لماذا؟. لأنه لا يلتزم منهجا علميا يفرض عليه أن يمشي سويا على صراط مستقيم، وإنما هو ينهج منهج ما أنكره صراحة كثير من العلماء، ومنهم علماء الحنفية بخاصة، الذين ينكرون التلفيق، وهو أن يأخذ الإنسان من كل مذهب ما يناسبه أو يوافق هواه، فهو لما يرى أن في المذهب الحنفي توسعة، وتسليكا لكثير من الأنكحة التي تقع في هذا العصر الحاضر، وبخاصة في بلاد الكفر، في أوربا وأمريكا، يتزوج كثير من الشباب دون إذن أولياء النساء، فهو يريد أن يُسلك هذه الحوادث بأدنى سبيل فيجد له مخرجا في مذهب أبي حنيفة، في هذه المسألة، لكنه في مسألة أخرى يجد الشباب المسلم، بل وقد عرفنا من بعض كتاباته نجده هو نفسه لا يتورع من أن يقول: أنه هو يطيب له أن يستمع لبعض أغاني أم كلثوم!!، فإذن هو كيف يبرر أو يسوِّغ لنفسه انحرافه هو فضلا عن كثير من الشباب المسلم الذي ابتلي بالاستماع للأغاني، يجد هناك فسحة لا يجدها في المذاهب الأربعة التي هو يدافع عنها بحرارة في غير محلِّها، وضد السنة!، يجد له مخرجا في التنفيس عن نفسه وعن المتبعين لأهوائهم من أمثاله، بالمذهب الظاهري ابن حزم الأندلسي، فهو إذن لا يبحث عن الأدلة الشرعية، التي جاءت لتهذيب النفوس كما قال تعالى: (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )) .  فلا جرم أن العلماء قاطبة لم يبيحوا للمسلم أن يكون مع هواه في كل مسألة، فهو يتبع تارة المذهب الظاهري وتارة المذهب الحنفي فيصدق عليه بيت الشعر الذي ذهب عن بالي لكن بعضكم لا بد أن يذكرني به وهو قول القائل:

              " وما أنا مِنْ غزية إن غَوَتْ ... غَوَيْتُ وإنْ تَرْشَدْ غزية أَرْشد "

( لا نكاح إلا بولي )، حديث صحيح، عند علماء الحديث ولا يضر ذلك أن ضعفه من لا اختصاص له بمعرفة علم الحديث، وأظن أن في القرآن الكريم آية تؤكد معنى الحديث .

الحويني : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) ... .

الشيخ : هذه أو غيرها نعم، فلذلك هذا عبارة عن اتباع هوى.

الحويني : (( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ )) .

الشيخ : (( بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ )) .

الحويني : شيخنا هناك رجل كان يعمل في كوفير

الشيخ : يعمل

الحويني : كوفير نسائي فجمع ثروة طائلة بنى بها عمارة

الشيخ : ما شاء الله

الحويني : واشترى محلات ونحو ذلك ولما علم بالحكم الشرعي ترك الكوافير لكن ..

الشيخ : لم يترك آثارها.

الحويني : لم يترك آثارها. يعني كان هو في مستنقع فخرج ولم ينظف نفسه، فهو الآن فاتح محل ذهب

الشيخ : ذهب

الحويني : يريد أن يسلم الكوافير لفتح محل الذهب لكن بأموال ..

الشيخ : هي، هي.

الحويني : هي، هي، فهو تزوج أيضا بهذه الأموال وأصدق امرأته ذهبا. فالسؤال هنا هل الذهب الذي أصدقه لامرأته من ذلك المال كما هو وإلا صار حلالا، لأنه صار ملكا للزوجة؟. هذا السؤال.

الشيخ : إذا كان هذا هو السؤال فهذا المهر للزوجة حلال، لأنه انتقل إليها بطريق شرعي، كطريق الإرث مثلا، ولكني أرى بأن الرجل لم يُزَكِ نفسه بعد، أولا لأنه لم يخرج عن المال الحرام وثانيا لأنه دخل في البيع المحرم، وهو الذهب أيضا فكأنه كان في مشكلة فوقع في مشكلة أخرى.

الحويني : لا يجوز ؟.

الشيخ : لا يجوز لأن تعاطي بيع الذهب بالديون محرم ... للوقوع في الربا ولا شك، خاصة بسبب ارتفاع العملات الورقية وهبوطها، ثم بيع الذهب بأكثر من قيمته إذا كان مصنوعا، هذه مشاكل معروفة عند كل الصوّاغ وتجار الذهب. لذلك فهو ينصح كما ترك المهنة السابقة أن يترك المهنة اللاحقة، وأن يخرج عن المال الحرام كله، وأن يكتفي إن كان عنده ولو قليل من المال الحلال، ثم ربنا عز وجل كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكرناه في مناسبة الكلام على حديث: ( لاتصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم )، ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ). هذه نصيحتي لهذا الرجل .

الحويني : هناك سؤال آخر؛ رجل ممثل أو مغني ففي أثناء فترة غنائه أو تمثيله جمع ثروة طائلة بنى منها عمارة ضخمة، ويأخذ قدرا من الناس إجارات ثم إنه تاب. فهنا سؤالان.  السؤال الأول: ريع الشرائط للأداء العلني هذا بعدما تاب هل يجوز له أن ينتفع به بدل أن يخدمها أهل الصالونات، وهذه الأشياء فهل يأخذها وإن أخذها يتصدق بها أم ينتفع بها؟. هذا السؤال الأول.

الشيخ : أما عندي فلا يجوز ذلك، بأي وجه من الوجوه والجواب عن هذا السؤال الثاني يؤخذ من الجواب عن السؤال الأول، لأنهما يلتقيان في الاشتراك في المال الحرام، لكن لا يعدم هذا الإنسان من أن يجد من يفتيه من المتفقهة في العصر الحاضر الذين أيضا، يلتمسون الرخص ويدفعون الحجج والبيِّنات الشرعية لبعض الدعاوى الباطلة، فإذا ما عزم الأمر واشتد الحكم كتحريم التكسب بالغناء وآلات الطرب، قالوا لا يوجد نص قاطع في التحريم فيجوز، وقد وقع أن أفتوا أحد البريطانيين الذين أسلموا فقد كان مكسبه من قبل من هذا المال الحرام فأجازوا له أن يستمر بعد إسلامه على تعاطيه مهنة الغناء والاكتساب منه بدعوى أنه ليس هناك دليل قاطع، وهم يعلمون أن الأدلة القطعية لا تشترط في الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية باتفاق الفقهاء يكتفى فيها بالظن الغالب، فلأمر ما كان من المتفق عليه بين علماء المذاهب الأربعة وغيرهم أنه يجوز الاستدلال على أمر ما بالقياس، وهو الدليل الرابع والأضعف من هذه الأدلة الأربعة لأنه قائم على الرأي، والرأي معرض للصواب وللخطأ، فإذا كان الأمر متفقا عليه بين العلماء أن الأحكام الشرعية ليس من الضروري أن يكون الدليل فيه قطعي الثبوت قطعي الدلالة، بل يكفي أن يكون ظني الثبوت ظني الدلالة، وقد جاءت هناك أحاديث في تحريم آلات الطرب، إن لم نقل إنها قد وصلت في مجموعها إلى مرتبة الحديث المتواتر معنًى فهو على الأقل من الأحاديث المشهورة بالصحة في تحريم آلات الطرب، مع ذلك أباحوا لذلك المسلم بعد إسلامه أن يتعاطى مهنة الضرب على المعازف والأوتار، مع علمهم بأن هناك بعض الأحاديث وفي صحيح البخاري لكنها ليست قطعية الثبوت، فنحن نقول: لا يجوز لأي مسلم كان قد اكتسب مالا حراما، بوسيلة من الوسائل المحرمة كالغناء بالآلات أو بالصوت الماجن فحرام عليه أن يظل يكتسب بسبب هذه المهنة مالا حراما، وإذا كانت توبته نصوحا فعليه أن يخرج من ذاك المال كله ويصرفه في المرافق العامة التي لا يستفيد منها شخص معين، وأن يجدد طلبه للرزق بطريق حلال مباح.  

الحويني : السؤال الثاني: بالنسبة للعمارة التي بناها من المال الحرام، الإيجار الذي يتقاضاه من السكان.

الشيخ : هو؛ هو.

الحويني : حلال.

الشيخ : حرام، وهل يستقيم الظل والعود أعوج، حرام.

الحويني : ثم هذا ألا يشبه ذهب المرأة، إن هذا الرجل أجر الشقة ودفع فيها أموالا؟.

الشيخ : كيف وأين الشبه، انتقل المال الحرام من شخص إلى شخص آخر بطريق شرعي، هذا شيء، أما هنا الدار لا تزال له. فهو ينتفع من ريعها، فلا شبه بين الأمرين إطلاقا.

الحويني : على أساس عفوا

الشيخ : تفضل

الحويني : على اساس أن الدار وإن لم تنتقل، لكن هذه إجارة، يعني الشقة صارت ملكا لهذا المستأجر.

الشيخ : لكن ثمرة ماذا ؟، الإيجار ثمرة ماذا؟، أليس ثمرة ما جناه بالمال الحرام. لا يستويان مثلا أبدا، فهو حرام.

الشيخ : نعم.

الحويني : رجل سافر في سيارة أجرة، فسائق السيارة عمل حادثا، فقتل هذا الرجل الذي يركب بجانب السائق، طبعا، فرضوا عليه تأمين هذا الميت يعني شركة التأمين تدفع لأولاد هذا الرجل الذي مات، حوالي عشرين ألف جنيه، هل يحل لهم أن يأخذوا هذا المال؟

الشيخ : لا هم يأخذون من القاتل خطأً الدية الشرعية، إن حصلت لهم، أما أن يأخذوا المال من الشركة -شركة التأمين- فهو مال قمار، لا يجوز.

الحويني : فإذا كان الرجل لا يستطيع أن يدفع الدية؟.

الشيخ : الحكم هو، هو. لكن حينما يكون المسلمون مسلمين حقا، فهم يتعاونون معه لا سيما عصبته من أهله فعليهم أن يجمعوا ما يبريء ذمته ويدفع الدية التي يوجبها الشارع الحكيم عليهم، فعدم وجود مثل هذه الدية لا يبرر أخذ المال الحرام. نعم.

الحويني : جزاك الله خيرا .

الحويني : هل الصلاة في أي مكان من مكة يعدل الصلاة في المسجد الحرام؟.

الشيخ : لا أعتقد هذا، وهي مسألة خلافية، وأنا أفهم من قرينة ذكر المسجد الحرام مع المسجد النبوي، أن المقصود ليس هو المسجد الحرام بالمعنى العام، وإنما المقصود به المسجد الذي يصلى فيه وهو مسجد مكة وليس مكة كلها. نعم.

الحويني : يعني هم يحتجون يقولون في الآية: (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )) ؛ يقولون أسري به من بيت أم هانئ وليس مسجدا.

الشيخ : وأنا أجبت عن هذا آنفا، قلت: الذي أراه أن الفضيلة تختص بالمسجد وليس بمكة كلها، بقرينة ذكر المسجد مع مسجد الرسول عليه السلام. حيث قال في الحديث المعروف: ( صلاة في مسجدي هذا تفضل ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام )، فَقَرْنُ المسجد الحرام مع المساجد ومع مسجد الرسول عليه السلام، يكون هذا قرينة لكون المراد جزء من مكة وهو مسجد مكة، أما الآية فالجواب عنها سهل، لأنه قد لا يكون بيت أم هانئ - مثلا - من المسجد المكي نفسه وإنما يكون بجواره، فبحكم المجاورة قيل أو جاء قولة تعالى في الآية: (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) ؛  لأن الأسلوب العربي أن يعطى حكم المُجَاوِر حكم المُجاوَر. في عندك شيء تفضل.

الحلبي : يا شيخ فيه رواية في الحديث نفسه فيها ومسجد الكعبة.

الشيخ : هذا هو جواب حاسم، لكن تذكر الرواية.

الحلبي : الآن لا أذكر الرواية ولكن وقفت عليها.

الشيخ : جزاك الله خيرا. نعم .

الحويني : نحن نعلم أن الرجل إذا مات انتقل ماله إلى الورثة حلالا، فإذا كان الولد أو الأولاد يعلمون أن الوالد كان لِصًّا أو يسرق الأموال، وعرفوا المصدر الذي أخذ منه الوالد هذه الأموال هل يلزمهم أن يرجعوا هذه الأموال لأصحابها، أم يصير حلالا لهم؟.

الشيخ : لا، مادام أنهم قد عرفوا أن هذا المال أولا: حرام، وعرفوا المكان الذي استحلَّ منه فلا شك أنه يجب عليهم أن يعيدوه إلى صاحبه، فإن إعادته إلى صاحبه أولى من وفاء ديْن الميت، وإعادته إلى الدائن. نعم.

الحويني : وإن كان  مجهول، يعني معروف أن يقنص من كل مكان، لكن غير معروف من أين أخذه؟.

الشيخ :  فحينئذ كما قلنا آنفا بالنسبة لمهر المرأة الحرام، فانتقل بطريق الإرث إلى الورثة فهو لهم حلال، لكن إذا عرفوا مورده ومصدره، فعليهم أن يعيدوه.

الحويني : ففي سؤال استدراكا على العطور، يقول هناك عطور جميلة من شركات غربية وبها مادة الكحول، هل يجوز للمسلم التعطر بها خاصة وأن العطور الزيتية غالبا غالية الثمن لا يستطيع كثير من الناس شراؤها؟.

الشيخ : ليس في هذا السؤال شيء جديد في الموضوع سوى أن السائل يشكو من غلاء العطور الزيتية -يضحك الشيخ والحضور-!، أما الجواب فقد سبق إن كان فيها نسبة من الكحول كبيرة فحرام بيعها وشراؤها والتطيب بها. نعم .

الحويني : السؤال: هل الإنسان الذي لم يطف بالبيت الحرام يوم النحر، هل يرجع محرما كما سبق، أما ماذا يعمل مع ذكر الدليل ؟.

الشيخ : لا بد من الرجوع كما جاء في الحديث الذي كنا ذكرناه في رسالة مناسك الحج والعمرة، والحديث قوي بمجموع طرقه أن من أمسى ولم يطف طواف الإفاضة عاد محرما كما كان من قبل، فهذا لا بد منه ولذلك فالمحرم بين أحد أمرين إما أن يعجل بطواف الإفاضة ليستمتع بالحِل الذي تمتع به بعد رمي الجمرة - جمرة العقبة -. وأما إذا كان قد نوى ألا يطوف إلا في اليوم الثاني أو الثالث، فحينئذ لا يستمتع بالحل الذي استمتع به من رمى وعزم على أن يطوف قبل المساء. هذا أمر لا بد منه وإن كان أكثر الناس عنه غافلون وكثير ممن عرف النص عنه مجانبون له لأن الناس عبيد لما اعتادوا عليه والعياذ بالله.

سائل آخر : هل يكون محرما يا شيخ.

الشيخ : هذا بارد

سائل آخر : هل يكون محرما يا شيخ.

الشيخ : أن قلت: يظل في إحرامه حتى يطوف. نعم .

الحويني : بالنسبة لتجديد العمرة هل يجوز للإنسان أن يكرر أكثر من عمرة مثل أن يخرج إلى التنعيم ويرجع؟.

الشيخ : لا ما كان هذا من عمل السلف، وفي معرفتي، إن كثيرا من الناس يعكسون الحكم الشرعي وهم يعلمون قول الله عزوجل: ((  فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )) . فهم لا يريدون أن يقدموا بين يدي الحج عمرة لكي لا يتكلَّفوا ثمن الهدي أو إذا كانوا فقراء فهم لا يريدون أن يتكلَّفوا الصيام، صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع، ولذلك فكثير من هؤلاء الناس الأشحَّاء على أنفسهم بطاعة ربهم تبارك وتعالى، ينوون حج الإفراد وقد خطَّطوا لأنفسهم أن يتداركوا ما فاتهم من عمرة الحج بين يدي الحج أن يأتوا بالعمرة بعد الحج لأنهم في هذه الحالة ينجون من وجوب أحد الأمرين السابقين ذكرا ألا وهو الهدي أو صيام عشرة أيام وهذا احتيال على هذا الحكم الشرعي. لذلك نحن لا نرى جواز الاعتمار ممن تمتع بالعمرة إلى الحج بعد الحج بأن يخرج إلى التنعيم، لأن الخروج بعد الحج إلى التنعيم إنما هي سنة سنَّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها التي كانت قد خرجت من المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم معتمرة عمرة الحج، ولكنها لما نزلت في سرف مكانٍ قريب من مكة جاءها العادة - عادة النساء - فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم ووجدها تبكي، قال لها : ( مالك أنفست؟ )، قالت: " نعم يا رسول الله "، قال عليه الصلاة والسلام: ( هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، فاصنعي ما يصنع الحاج غير ألَّا تطوفي ولا تصلي )، فبسبب طروء الحيض عليها لم تتمكن من إتمام عمرتها التي هي أو هو من أمر الله في قوله: (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )) . ولذلك فلما طهرت في عرفات وأدت المناسك كلّها وأفاضت وطافت طواف الإفاضة، وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم بعد طواف الوداع، أعلن الرجوع إلى المدينة، دخل عليها وإذا هي تبكي أيضا، قال: ( مالكِ؟ )، قالت: " مالي! يعود الناس بحج وعمرة، وأعود أنا بحج دون عمرة "، " يعود الناس " في رواية أخرى " بنسكين وأعود أنا بنسك واحد ". فكان عليه الصلاة والسلام كما هو معلوم بالنسبة للأمة كلِّها كان رفيقا بأهله رحيما، فأمر أخاها عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق أن يركبها خلفه وأن يخرج بها إلى التنعيم لتأتي بالعمرة بديل العمرة العملية التي فاتتها من قبل ولذلك أنا أقول الخروج إلى التنعيم بعد الحج لأداء العمرة فهي عمرة الحائض فمن أصاب من النساء ما أصاب عائشة من عدم تمكنها من الإتيان بعمرة الحج فلها أن تفعل كما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنها، أما النساء الطاهرات واللاتي أتين بالعمرة بين يدي الحج أو كان بإمكانهن أن يأتين بذلك ولكنهن اقتصرن على الحج المفرد لسبب من الأسباب التي ذكرتها آنفا ثم يريدون أن يتداركوا ما فاتهن من العمرة بين يدي الحج بأن يعتمرن من التنعيم فهذه التسوية بين الطاهرات والحائضات وهذا لا يجوز، فإذا كان الأمر كذلك فأَوْلَى ثم أولى أن لا يجوز ذلك للرجال وعلى الرجال كلهم أن يعتمروا بين يدي الحج لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعلها بوحي من الله تعالى شريعة مستمرة إلى يوم القيامة حين قال: ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة )، وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، ولذلك فلا نتصور أن المسلم يضطر إلى أن يأتي بحجة مفردة عن العمرة إلا في ظروف ضيقة جدا جدا كظرف الحائض التي تحيض قبل أن تتمكن من طواف القدوم، لهذا يجب أنه يراعى هذا الحكم الشرعي الأبدي، العمرة جزء من الحج دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. نعم .

الحويني : طيب بالنسبة للمعتمر يعني كم من الوقت لو أراد أن يجدد العمرة؟.

الشيخ : ليس هناك وقت محدد شرعا ولكن ينبغي أن نلاحظ عدم الوقوع في التنطع وفي التكلف الذي ينبغي أن يبتعد عنه المسلم لقوله عليه السلام: ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المُتَنَطِعون )، ونهيه عليه الصلاة والسلام عن التكلف ونحو ذلك من المعاني، أما أن نضع حَدًّا وليس لنا ذلك وكل إنسان كما قال رب الأنام (( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) ،  (( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )) ، وهكذا

الشيخ : نعم.

الحويني : هل يجوز للحاج أن يذهب إلى بيته في مكة ويستريح بها بعض الوقت ثم يعود إلى منى قبل الغروب؟.

الشيخ : لا نرى في ذلك ما يمنع ولو أن الرسول عليه السلام ثبت أنه كان يخرج من منى ويصلي الظهر في مكة فهذا الخروج الأصل فيه الجواز، ما دام أنه يبيت في منى كما جاء في السؤال .

الشيخ : نعم .

الحويني : ما هو الحد الأدنى الذي يحصل به الوقوف بعرفة من حيث ابتداء اليوم وانتهائه، وكذا مدة الوقوف عليها؟.

الشيخ : الحديث في ذلك صريح ألا وهو قوله عليه السلام : ( ساعة من ليل أو نهار )، كما جاء في الحديث الصحيح والرسول عليه السلام يتكلم به وهو في مزدلفة قال: ( من صلَّى صلاتنا هذه معنا في جمع - يعني صلاة الفجر- وكان قد وقف قبل ذلك في عرفة ساعة من ليل أو نهار فقد قضى تفثه وتم حجه )، إذن ساعة من ليل أو نهار، لكننا لا نرى للحاج أن يتقصَّد مخالفة السنة العملية فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تعلمون جميعا إنما صعد إلى عرفة بعد أن صلى صلاة الظهر والعصر جمع تقديم في مسجد نمرة وهي ليست من عرفة، بعد ذلك صعد عرفات وظل على عرفات حتى غربت الشمس، فلا نرى للمسلم أن يتقصَّد مخالفة هذه السنة ما أمكنه ذلك وما وجد إليه سبيلا. ولكن هذا من حيث تمام السنة على الأقل أو القيام بالواجب الذي يقتضيه عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )، فهو بين مخلٍّ بالسنة أو تارك للواجب، إذا لم يقض نصف النهار بعد الظهر في عرفة، أما حجه فصحيح كما قال عليه السلام: ( من صلَّى صلاتنا هذه معنا في جمع وكان قد وقف قبل ذلك في عرفة ساعة من ليل أو نهار فقد قضى تفثه وتم حجه )، فحجه صحيح ولكنه إذا وقف ساعة من ليل أو نهار خالف السنة العملية التي يمكن أن تكون من الواجبات. نعم.

سائل آخر : هل يمكن أن يستدل بحديث عروة بن مضرس الذي ذكرته آنفا على ركنية الوقوف بعرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى صلاتنا هذه في جمع ووقف بعرفة )، فقام بين الوقوف بعرفة وبينما الصلاة في المزدلفة هل يستدل بهذا الحديث على ركنية الوقوف في الجمع؟.

الشيخ : لا إنما يستدل بالحديث على ركنية صلاة الفجر في مزدلفة أما الوقوف في المزدلفة أو بالأصح البيات في المزدلفة فهو واجب، لكن هذا الواجب لا يتم إلا بأداء صلاة الفجر هناك، لأن الصلاة هناك هو الركن، فالحديث صريح في ذلك. نعم.

الحويني : بالنسبة للمسألة الماضية، قد يقول قائل لو تعارضت السنة القولية مع السنة العملية فتقدم السنة القولية، السنة القولية في قول النبي عليه الصلاة والسلام أباح له أن يقف ولو ساعة، وكانت السنة العملية أنه وقف طول اليوم فقد يقول القائل الأرجح هنا السنة القولية، فحينئذ مسألة المخالفة غير واردة؟.

الشيخ : لا ؛ هذا خطأٌ في تطبيق القاعدة الفقهية الصحيحة، القاعدة الفقهية الصحيحة التي ندندن حولها في كثير من الأحيان لإزالة بعض الإشكالات عن بعض الأحاديث، إذا تعارض قوله صلى الله عليه وآله وسلم مع فعله قُدِّم قوله على فعله، هذا عند التعارض وأين التعارض إذا دخل الجزء في الكل؟، فالجزء ساعة من نهار هذا هو الركن، والرسول جاء بالركن وزيادة، فأين التعارض هنا؟، التعارض إنما يكون فيما إذا ادُّعِي من جهة أن الركن هو ساعة من ليل أو نهار وأيضا قيام الرسول عليه السلام، وقوفه في عرفة من بعد صلاة الظهر إلى غروب الشمس هو ركن، فنقول حينئذ إذا تعارض قوله وفعله قُدِّم القول على الفعل، لكن وقوف الرسول عليه السلام في عرفة لا يعطي الركنية، أكثر ما يعطي الوجوب، أو الفرضية التي لا يلزمنا -إيه- الركنية، لأنه من الثابت في علم أصول الفقه: كل ما كان ركنا فهو فرض، كل ما كان شرطا فهو فرض، وليس كل ما كان فرضا هو ركن أو شرط، لا .. الركن أو الشرط آكَد من الفرض. فإذن لا تناقض هنا بين قوله صلى الله عليه وسلم ساعة من ليل أو نهار وبين وقوفه صلى الله عليه وسلم بعد الظهر إلى غروب الشمس، لا تعارض إطلاقا ولذلك تطريق هذا الآية في مسألتنا هذه خطأٌ فقهي .

نعم .

الحويني : حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " من ترك نسكاً فليهرق دماً " ما صحة هذا الحديث ؟. وهل له حكم الرفع ؟. وما المقصود بقوله نسكا ؟.

الشيخ : أما الصحة إذا أردنا بالحديث ما جاء في بيانك أنه حديث موقوف فهو صحيح الإسناد رواية عن ابن عباس موقوفا عليه, وإذا كان موقوفا فحينئذ ينبغي أن ننظر هل يوجد هناك في المرفوع ما يخالفه ولو في بعض أجزائه لنصل بعد ذلك إلى أن نتبنى هذا الموقوف أو أن لا نتبناه . لقد وجدنا في صحيح البخاري وغيره قصة ذلك الأعرابي الذي رآه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يلبي بالعمرة وقد لبس جبة متضمخاً بالطيب فقال له عليه الصلاة والسلام :( انزع عنك جبتك هذه واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك )، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بدم مع أن كثيراً من علماء اليوم يفرضون مثل هذا الدم على مثل هذا الإخلال وهو أن يلبس ثيابه العادية أو أن يتطيب بالطيب بعد إحرامه, فلما وجدنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لَـمَّا يوجب شيئًا مما يوحي به أثر ابن عباس قلنا نحن في حلٍّ من أن نأخذ بهذا الأثر ما دام أن حديث البخاري يُشعرنا بأنه لا يلزم الجاهل أو المخالف لنسك من مناسك الحج شيء من الدم، وبخاصة أنني قد لاحظت عملياً في الحجَجَ التي كتب الله لي أن أحجها في كثير من السنوات الماضيات, أنه قلَّما يخلو حاج إلا ويرجع وهو مثقل بالدماء، لأن قلَّ من ينجو من ارتكاب بعض الأخطاء التي يدان بسببها لأن يكلف بأن يفدي دماً . لذلك نقول أثر ابن عباس هذا لسنا مكلفين بالعمل به  نعم .

الحويني : ما هو الدليل على أن ..