About the article
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 480
الشيخ : ... الّتي يترتّب من ورائها مفاسد كثيرة إذا ما أهملت أو لم يهتمّ بها و هي كما ذكرنا مرارا و تكرارا من قوله عليه السّلام في آخر الحديث ( و من تشبّه بقوم فهو منهم ) و الّذي يزيد في النّفس أسا و حزنا أنّ بعض الجماعات الإسلاميّة اليوم ليس فقط لا يقيمون وزنا لمثل هذه القواعد الشّرعيّة الهامّة بل يزيدون على ذلك قولا و هو أنّهم يقولون هذه قشور و يجب أن نشتغل باللّباب , هذه في الحقيقة من أكبر المصائب الّتي حلّت في كثير من الشّباب في العصر الحاضر لأنّه لو كان هذا التّمييز أو هذا التّفريق بين القشر و اللّبّ لو كان شرعا لتطلّب علماء في الشّرع ليميّزوا بين الأمرين و يصنّفوهما كما فعل الفقهاء حينما ميّزوا الفرض عن السّنّة , هذا عند عموم الفقهاء و الحنفيّة بخاصّة ميّزوا بين الفرض و الواجب . فهذا التّمييز بين الفرض و السّنّة بلا شكّ يحتاج إلى علم بالشّريعة بكتابها و بسنّة نبيّها صلّى الله عليه و آله و سلّم فكان يمكن بالنّسبة للعلماء لو كان حقّا أنّ في الإسلام قشورا إضافة على اللّبّ , فمن الّذي يستطيع أن يميّز بين القشر و اللّبّ ؟ هم العلماء فمن الّذي يقول يجب أن لا نشتغل اليوم بالقشور و علينا باللّبّ هم الجّهّال .
السائل : هم القشور .
الشيخ : ... هم القشور , لذلك يترتّب من وراء هذا هدم للإسلام لأنّنا سنقول أنت تقول الشّيء الفلاني قشر فما أدراك ؟ لعلّه لبّ , ثمّ ما تسمّيه لبّا ما يدريك لعلّه قشر و كلّ من الصّنفين المعارضين للبّ و القشر كلاهما اليوم واقع فكثير من المسائل الاعتقاديّة حينما تثار يثورون و يقولون دعونا الآن من المسائل الخلافيّة و أيّ مسألة ليست من المسائل الخلافيّة ؟ إذا إيش فائدة التّفصيل هذا ؟ إذا تحدّثنا عن اللّبّ قيل دعونا من هذا , هذا يفرّق الصّفّ و يفرّق الجمع و إذا تحدّثنا فيما يسمّونه بالقشر قالوا هذه قشور لا نريدها لهذا الزّمان , مع أنّ الله عزّ و جلّ كما كان حكيما في خلقه لكلّ ما خلق كذلك كان حكيما في كلّ ما شرع فحينما خلق البشر خلق الذّكر و الأنثى , وحينما خلق كثيرا إن لم نقل كلّ لأنّي لست متخصّصا في الزّراعة لمّا خلق الفواكه و خلق الحبوب خلق لها قشرا و لبّا , هل كان هذا الخلق من الله تبارك و تعالى عبثا ؟ حاشاه . فإذا كان قد جعل في الشّرع على حدّ تعبير أولئك النّاس لبّا و قشرا ما كان هذا الخلق أيضا عبثا و إنّما لحكمة و كما أنّ الحكمة في الخلق الأوّل أي في الفواكه و الحبوب و نحو ذلك واضحة جدّا فلولا القشر لفسد اللّبّ فكذلك تماما في الشّرع و لذلك مشيرا إلى هذه الحقيقة جاءت أحاديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم منها في الحديث القدسي ( و لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به و بصره الّذي يبصر به ... ) و هكذا , و في الحديث الآخر قال عليه الصّلاة و السّلام ( أوّل ما يحاسب العبد يوم القيامة الصّلاة , فإن تمّت فقد أفلح و أنجح و إن نقص فقد خاب و خسر ) في حديث آخر قال عليه السّلام ( و إن نقصت قال الله عزّ و جلّ لملائكته انظروا هل لعبدي من تطوّع فتتمّوا له به فريضته ) إذا التّطوّع لا يجوز للمسلم أن يستغني عنه هذا التّطوّع الّذي يسمّيه أولئك النّاس بالقشر لأنّ في ذلك خسارة للبّ و إضاعة له .
الشيخ : ... و نحن إذا تذكّرنا أنّ (( إنّ الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشّرّ جزوعا و إذا مسّه الخير منوعا إلاّ المصلّين )) لكن هؤلاء المصلّين كما جاء في الحديث الآخر الصّحيح لا تخلو صلاتهم من نقص إمّا كمّا و إمّا كيفا , إمّا كمّا و إمّا كيفا , إمّا أن يضيّع شيئا من فرائضها أن يؤدّيها في أوقاتها و إمّا أن يحافظ عليها و يؤدّيها في أوقاتها و لكن ينقص من كيفيّتها فكلا النّقصين لا يخلو منه البشر بعامّة أمّا الأفراد منهم فيختلفون إذا كان و أرجو أن أكون دقيقا في قولي إذا كان و لم أقل إن كان , إذا كان في هؤلاء البشر من يحافظ على أداء الصّلوات في أوقاتها و لا يضيّع صلاة من صلواتها مطلقا فلا يخلو منهم جميعا أن يضيّعوا شيئا من صفاتها و كيفيّاتها , إذا كان الأمر كذلك يأتي هنا قوله عليه الصّلاة و السّلام ( إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة و ما يكتب له منها إلاّ عشرها , تسعها , ثمنها , سبعها , سدسها , خمسها , ربعها , نصفها ) نصفها أين ذهب النّصف الثّاني وراء الزّرع , وراء الضّرع , وراء التّجارة , وراء الهندسة إلى آخره و هذا لابدّ منه لأنّه بشر و ربّنا عزّ و جلّ حينما وصف المؤمنين كان من أوّل صفاتهم أن قال (( قد أفلح المؤمنون الّذين هم في صلاتهم خاشعون )) فمن منّا يستطيع أن يحكم على نفسه اليوم بأنّه في صلاته يحصّل الأجر كاملا بالمائة مائة ؟ لا أحد . من منّا يستطيع أن يقول عن نفسه اليوم إنّه خاشع في صلاته خاشع صفة لازمة أمّا خاشع بمعنى خشع فهذا لا يخلو إن شاء الله فرد منّا أن يخشع في صلاة ما و في يوم ما أمّا أن يكون صفة لازمة له فهو خاشع في صلاته فهذا كما كانوا يقولون قديما " أندر من الكبريت الأحمر " فإذا كانت هذه طبيعة الإنسان بعامّة أنّ صلاته تكون ناقصة فبما يستدرك هذا النّقص ؟ بصلوات النّوافل و لاشكّ أنّ هذه الصّلوات ستكون كالفرائض أي فيها نقص لكن ما يكون فيها من كمال يضمّ إلى النّقص الّذي حصل في الفرض و من هنا يتبيّن لكم أهميّة قوله عليه السّلام حينما يقول الله عزّ و جلّ للملائكة ( انظروا هل لعبدي من تطوّع فتتمّوا له به فريضته ) إذا المقصود من هذا أخيرا هو أنّه يجب على المسلم أن يكون دأبه دأب ذلك الأعرابي الّذي قال ( و الله يا رسول الله لا أزيد عليهنّ و لا أنقص ) ذلك لأنّ ذلك الاعرابي أوّلا كان الفطرة و ثانيا شهد له الرّسول عليه الصّلاة و السّلام بقوله ( أفلح الرّجل إن صدق ) , ( دخل الجنّة إن صدق ) أمّا نحن اليوم فليس عندنا مثل هذه الشّهادة ليقال فينا كما قيل لذلك الأعرابي أو كما قيل لحاطب بن بلتعة ( و ما يدريك لعلّ الله عزّ و جلّ قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فإنّي قد غفرت لكم ) لسنا نحن هناك و لذلك فعلينا أن نهتمّ على حدّ تعبير أولئك و أعوذ بالله من تعبيرهم و لا أقول من أولئك يجب أن نهتمّ باللّباب و القشور لأنّ القشر لم يشرع عبثا كما أنّه لم يخلق عبثا إنّما للمحافظة على اللّبّ (( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع و هو شهيد )) .
السائل : حديث ( لا يدخل الجنّة صاحب مكس ) أوّلا صحّة الحديث , ثانيا موضوع المكس كلّه و الإشارة على الجمارك الّتي تؤخذ الآن بأنّها مكوس و أصل المكس و إن كان بينطبق على المكوس المأخوذة منّنا .
الشيخ : أمّا الحديث فإسناده ضعيف . لكن هناك في ذمّ المكس ما يغنينا عن الحديث الضّعيف , تذكرون معي حديث الغامديّة الّتي زنت فرجمها النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و لعلّ بعض النّاس أساؤوا القول فيها فقال عليه الصّلاة و السّلام ( لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم ) كما في رواية و في رواية أخرى ( لو تابها صاحب مكس لغفر له ) ففي هذا الحديث ذمّ الماكس , طبعا المكس هي الضّريبة و المكوس هي الضّرائب و لا يشرع في الإسلام حينما يكون إسلاما مطبّقا و نظاما محكما ليس نظاما اسما ليس مقرونا بالعمل , حينذاك سيجد المسلمون في شريعتهم ما يغنيهم عن ضرائبهم و مكوسهم و لكن مع الأسف الشّديد صدق في عامّة حكّام المسلمين و لا أخصّ الحكّام فقط بالذّكر بل أعمّ معهم المحكومين إنّهم أعرضوا عن الحكم بما شرع الله و لولا ذاك كان في شرع الله عزّ و جلّ ما يغنيهم عن ما يعرف اليوم بالنّظم و القوانين الغربيّة . منذ بضعة أيّام قليلة كنّا في جمع و جاءت المناسبة للتّحدّث عن البدعة و هي كما تعلمون إن شاء الله جميعا كلّها ضلالة بنصّ حديث النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم فجرّنا البحث فيها إلى لفت النّظر إلى أنّ هناك للبدعة خاصّة أصولا يجب أن يعرفها كلّ طالب علم , كما يجب أن يعرف أصول الفقه و أنّ عدم الجمع بين هذين الأصولين أصول الفقه و أصول البدعة يجعل الفقيه الأوّل يتعرّض للخطأ إن لم أقل للخطر . و كذلك العكس من كان عالما بأصول البدعة و لم يكن عالما بأصول الفقه كذلك يكون كالأوّل يقع في الخطأ إن لم أقل في الخطر . و البحث ذاك كان طويلا و لا أريد ان أشغل هذه الجلسة بإعادة ذلك البحث .
الشيخ : ولكنّي أريد أن أتوصّل إلى أنّني تحدّثت عن ما يعرف عند الفقهاء بالمصالح المرسلة و أقول متحفّظا حينما أقول الفقهاء فلا أعني عامّتهم لأنّ المسألة فيها اختلاف من أشهر الفقهاء الّذين يقولون بالأخذ بالمصالح المرسلة هم المالكيّة ثمّ يتلوهم الحنابلة و الشّاهد أنّ هذه المصالح المرسلة هي قاعدة في الشّريعة هامّة جدّا لأنّها تساعد على استخراج أحكام جديدة لحوادث حديثة , لكن و هنا الشّاهد من لم يضبط قاعدة الأصولين المذكورين آنفا أصول الفقه و أصول البدعة ربّما وقع أيضا في الخطأ أو الخطر . المصلحة المرسلة هي تشمل الحوادث و الأسباب الّتي تجدّ مع الزّمن و يمكن أن يتوصّل بها المسلم و بخاصّة الحاكم لتحقيق مصالح للمسلمين فهل هذه الوسائل الّتي يتحقّق بها مصالح المسلمين هي تدخل بعامّة أي كلّها في قاعدة المصالح المرسلة ؟ الجواب لا . لابدّ من التّفصيل , وصل بنا الكلام إلى أنّ المصالح المرسلة و هي الأسباب الحادثة الّتي يمكن أن يوصل بها أو بشيء منها إلى فائدة و مصلحة للأمّة أنّ هذه القاعدة و هي المصالح المرسلة لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها بل لابدّ من التّفصيل و هو كالتّالي أوّلا يجب النّظر في هذا السّبب كالحادث هل كان المقتضي بالأخذ به موجودا في عهده صلّى الله عليه و سلّم أم لا ؟ فإن كان موجودا و يظهر أنّه لو طبّق حصل منه فائدة و مع ذلك فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يأخذ بهذا السّبب حينذاك لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا به بدعوى أنّ فيه مصلحة للأمّة و هذا أمر واضح لأنّه لو كانت هذه المصلحة شرعيّة كان قد جاء بها من نزل عليه الشّرع كاملا كما قال عليه الصّلاة و السّلام ( ماتركت شيئا يقرّبكم إلى الله إلاّ و أمرتكم به ) الحديث .
الشيخ : و مثاله من الأمثلة المعروفة في كتب الفقه و مثال آخر نذكره ممّا حدث في زمننا هذا . أمّا ما هو معروف في كتب الفقه و منبّه عليه أنّه لا يشرع للسّبب الّذي ذكرته آنفا و هو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ما أخذ به لا و هو الأذان لغير الصّلوات الخمس , صلاة العيدين مثلا تعلمون جميعا أنّه لا يؤذّن لها و لو أنّنا أردنا أن نحكّم تلك العقول الّتي جعلت الإسلام لبّا و قشرا لقالت إنّ فيه فائدة , الأذان يوم العيد فيه فائدة لأنّ النّاس يكونون عادة غافلين عن هذا الوقت و بخاصّة أولئك النّاس الّذين يهرعون أو يهرعون إلى زيارة القبور في الصّباح الباكر يحملون معهم الأغصان الخضراء بزعمهم فينتهي الكثير منهم عن أداء فريضة صلاة العيد , فلو أنّه كان هناك أذان لنبّهوا أحسن تنبيه فماذا كان موقف الفقهاء ؟ جميعهم تجاه هذا الأذان لقد أجمعوا و الحمد لله على قلّ ما يجمع على مثله ألا و هو أنّه بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النّار , وليس الأذان لم يكن مشروعا في ذلك العهد الأوّل و في العهود التّالية حتّى اليوم لاتّفاق الفقهاء على بدعيّة الأذان و لكن لم يكن أيضا في العهد الأوّل الأنور ما يقوم مقام الأذان و هو كلمة الصّلاة , الصّلاة جامعة أيضا هذا لم يكن في عهد الرّسول عليه السّلام .
الشيخ : و مثل صلاة العيدين بل و أهمّ منها حيث يكون النّاس إمّا في غفلتهم و انغماسهم في أعمالهم و دنياهم أو ... .
السائل : السّلام عليكم .
الشيخ : و عليكم السّلام و رحمة الله , كذلك الأذان لبعض الصّلوات الّتي تشرع لمناسبة يكون النّاس فيها في غفلتهم يعمهون , إمّا أن يكونوا في بيعهم و شرائهم و تجارتهم أو يكونون غارقين في نومهم أعني بذلك صلاة الكسوف و الخسوف , إذا كسفت الشّمس في النّهار فقلّ من ينتبه لهذا الكسوف إذا خسفت القمر أو خسف القمر كما هو نصّ القرآن الكريم في اللّيل فأكثر النّاس نائمون فلو كان الدّين بالرّأي و بالعقل لكان هنا وقت تشريع ما تقتضيه المصلحة المرسلة لإيقاظ النّاس لصلاة الخسوف و تنبيه النّاس من غفلتهم في النّهار ليتوجّهوا إلى المسجد و يصلّون صلاة الكسوف أو الخسوف .
الشيخ : مع ذلك حتّى اليوم لا أحد و الحمد لله من علماء المسلمين يرى شرعيّة الأذان لهذه الصّلوات , ما هو السّبب ؟ السّبب هو ما ذكرته آنفا كان المقتضي لتشريع هذه الوسيلة ألا و هي وسيلة الأذان قائما في عهده عليه الصّلاة و السّلام و مع ذلك فما سنّ ذلك للمسلمين , فتسنينا حينئذ هو ابتداع في الدّين . هذا القسم الأوّل من المصلحة المرسلة أنّه لا يشرع الأخذ بهذه الممصلحة ما دام أنّ المقتضي للأخذ بما يحقّقها كان قائما في عهده عليه الصّلاة و السّلام . أمّا إذا لم يكن المقتضي قائما في عهده صلّى الله عليه و سلّم فهنا قد يتبادر إلى الذّهن أنّ الأخذ بها أصبح مشروعا و ليس الأمر أيضا على هذا الإطلاق بل على التّفصيل التّالي : هذا السّبب أو كانت هذه الوسيلة الّتي إذا أخذ بها في زمن ما و حقّقت مصلحة للأمّة كان الموجب للأخذ بها هو تقصير المسلمين في القيام بشريعة الله و لو في بعض جوانبها فحينئذ يكون الأخذ بهذه الوسيلة أيضا كالوسيلة الأولى بدعة ضلالة . فلم يبق إلاّ القسم الثّاني و هو الثّالث و هو أن لا يكون الدّافع على الأخذ بهذه الوسيلة هو تقصير المسلمين ... .
السائل : الحمد لله .
الشيخ : يرحمك الله , يشرع الأخذ بهذه الوسيلة ما دام أنّها تحقّق مصلحة شرعيّة .
سائل آخر : السّلام عليكم .
الشيخ : و عليكم السّلام و رحمة الله و بركاته . أهلا وسهلا .
الشيخ : تذكّرت شيئا أنسيته و ما أنتسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره قلت في تضاعيف كلامي أنّي سأضرب للحالة الأولى مثلين اثنين مثل قديم عالجه العلماء و هو الأذان لصلاة العيدين و مثل حادث فأنسيت أن أّذكر المثل الحادث و هو عملي في زمننا اليوم , حيث تعلمون أنّ أكثر المساجد مدّت فيها خطوط بدعوى تسوية الصّفوف هذا الخطّ مثال أيضا واقعي للوسيلة الّتي تحقّق مصلحة . فهل هذه من القسم الأوّل ؟ أم الثّاني ؟ أم الثّالث ؟ أنا أقول وضع الخطّ في المساجد بعامّة هو كالأذان لصلاة العيدين و صلاة الإستسقاء و الكسوف و الخسوف لا يشرع , و السّبب أنّ مدّ الخطّ أمر ميسّر و لا يتخصّص بهذا الزّمن لأنّه ليس كاستعمال السّيارة و الطيّارة ممّا أخذ من العلماء جهود سنين طويلة حتّى وصلوا إليها , فلا يجوز مدّ الخطّ في المسجد لهذا السّبب أوّلا أنّ الرّسول ما شرعه و كان ميسّرا له تسنينه , ثانيا إنّ الاعتماد على الخطوط و الخيوط الممدودة في المساجد سواء كانت خطّا من خيط أو خطّا منسوجا في البساط فهو على كلّ حال خطّ . لو كان هذا مشروعا لأخذ بالوسيلة البدهيّة و هو مدّ الخيوط كما يفعلون في أكثر المساجد فهذا لا يشرع لما ذكرته آنفا في الأذان لهذه الصّلوات و لكن هناك شيء آخر و مهمّ جدّا و هو أنّ تمرين النّاس و تعويدهم على أن يسوّوا الصّفوف على الخطّ معنى ذلك أنّهم إذا صلّوا في مكان ليس فيه خطّ اضطربت صفوفهم و لم تستو و نحن نعلم يقينا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم كان يهتمّ كثيرا و كثيرا جدّا في الأمر بتسوية الصّفوف و يبني على تنفيذ مثل هذا الأمر صلاح قلوب الأمّة و هذا أمر عظيم جدّا حيث كان عليه الصّلاة و السّلام ممّا يقوله حينما يأمرهم بتسوية الصّفوف ( لتسونّ صفوفكم أو لا يخالفنّ الله بين وجوهكم ) و لا شكّ أنّ أولئك المأمورين من أصحاب النّبيّ الكريم كانوا يتجاوبون مع الأمر الصّادر منه عليه الصّلاة و السّلام و يسوّون صفوفهم فكيف كانوا يسوّون صفوفهم ؟ على الخطّ ؟ على الخيط ؟ لا . كانوا يسوّون صفوفهم على خطّ وهميّ هم يحقّقونه و يجعلونه حقيقة واقعة فيستوي صفّهم و لو كما كان على الخيط إن سمحتم بهذا التّعبير , تسمحون يا أستاذ بهذا التّعبير ؟ أو ما كنت معنا ؟
أبو مالك : لا معكم معكم يا شيخ .
الشيخ : تسمح بهذا التّعبير ؟
أبو مالك : أي نعم .
الشيخ : لماذا ؟ لأنّهم كانوا يهتمّون بتنفيذ أمر الرّسول عليه السّلام و رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ما يسّر لهم هذا الأمر الصّعب تحقيقه فعلا كما يفعل اليوم بعض الأئمّة أئمّة المساجد أو بعض المسؤولين في وزارة الأوقاف ما أدري من المسؤول حقيقة عن هذه البدعة لأنّ هذه البدعة يجب أن تكون بدعة ضلالة بإجماع الأمّة بما فيهم أولئك الّذين يقسمون البدعة إلى أقسام خمسة لأنّ هؤلاء قد قالوا في هذه البدعة الضّلالة أنّها هي الّتي تخالف السّنّة و لاشكّ أنّ مدّ هذا الخطّ يخالف السّنّة بدليل أنّنا إذا خرجنا إلى العراء لنصلّي صلاة العيدين حسب السّنّة الّتي كان يخرج فيها إلى الصّحراء أو لنصلّي صلاة الإستسقاء , تجد الصّفوف يعني شيء ممّا يزعج الفؤاد تماما لا يحسن النّاس تسوية صفوفهم إطلاقا و بخاصّة إذا كان الصّفّ طويلا مديدا على عرض السّاحة الّتي اجتمعوا فيها للصّلاة لا يحسنون لماذا ؟ لأنّهم لم يتدرّبوا على تسوية الصّفّ في المسجد ذي الجدران الأربعة الّذي يكون طوله مثلا عشر أمتار أو عشرين مترا أو أكثر أو أقلّ و لذلك فتكون تمرين النّاس على تسوية الصّفّ على الخيط صدّ لهم على أن يعتادوا على هذه التّسوية دون التّسوية الّتي كان يعتادها أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم يوم كان يأمرهم بالحديث السّابق و بين مثل قوله عليه الصّلاة و السّلام ( سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة ) أو كما في بعض الرّوايات ( من حسن الصّلاة ) إذا مدّ الخطّ اليوم صحيح يحقّق مصلحة لهؤلاء المصطفّين في المسجد و لكن المصلحة الكبرى تضيع بها و لذلك لا تشرع هذه الوسيلة و إن كانت تحقّق مصلحة , أعود لأضرب مثلا للوسيلة الّتي يحسن أن نجعلها للنّوع الثّاني من المصالح المرسلة و هي الّتي وجد السّبب و لكن الدّافع إلى إيجاده هو تقصير المسلمين في القيام ببعض أحكام الدّين مثاله و هنا الشاهد .
الشيخ : أين أبو محمّد ؟ جزاك الله خير طوّلت بالك علينا كثير لأنّ بعد المقدّمة كلّها جاء الجواب عن سؤالك .
الحلبي : نسينا السّؤال شيخنا .
الشيخ : فهنا يأتي البحث في الضّرائب و في المكوس فأقول الآن ماهو المسوّغ لتشريع إذا صحّ التّعبير أيضا و لنقل إذا تقنين و فرض ضرائب على الأمّة ماهو الدّافع هو حاجة الدّولة في أن يكون في خزينتها مالا وفيرا لتقوم بمصالح الأمّة علما كما نقول دائما و أبدا و كما قلنا في تلك الجلسة الّتي أشرنا لكم إليها آنفا و ما تحدّثنا بما وقع فيها من التّفصيل حول البدعة و إنّما تسلسلت في الكلام حتّى وصلت إلى هذه النّقطة و هي المصالح المرسلة فنقول إنّ هذه الضّرائب توضع لمصلحة الأمّة فعلا و إن كان في هذه المصالح مفاسد لابدّ من التّنبيه عليها فإنّ كثيرا من هذه الأموال الّتي تجمع باسم الضّرائب و باسم تحقيق مصلحة للأمّة تصرف فيما فيه مضرّة للأمّة لكن لا ينبغي أن نشتطّ في الحمل على هذا الصّرف فلابدّ أنّ قسما كبيرا من هذه الضّرائب تصرف فعلا لمصلحة الأمّة كتعبيد الطّرق و تمديد الجسور و نحو ذلك , لكن ما هو السّبب الّذي يدفع الحكومات الإسلاميّة اليوم على فرض الضرائب ؟ السّبب هو إهمالهم للقيام بكثير من الأحكام الشّرعيّة . أوّل ما يتبادر للذّهن أنّ الحكومات الإسلاميّة كلّها أو على الأقلّ جلّها لم تجعل نظام الزّكاة نظاما مفروضا في حكمهم و نظامهم و بذلك خسرت الخزينة الملايين المملينة من الأموال الّتي كان باستطاعتها أن تجمعها بطريقة شرعيّة فإذا خسرت الدّولة هنا و لاشكّ أموالا كثيرة , كيف يعوّضون هذه الخسارة ؟ بفرض ما ليس فرضا بل و ما لا يكون جائزا في الإسلام ألا و هي المكوس . و هناك سبب آخر و مهمّ جدّا جدّا لكنّه لا يبدو لكثير من أذهان النّاس أنّه واضح و أنّ له صلة وثقى بما نحن في صدده أنّه من الأسباب الشّرعيّة لتكثير مال الدّولة ليس كنظام الزّكاة لكنّه في اعتقادي قد يكون أعظم من نظام الزّكاة في بعض الأزمان و يقينا هو أعظم من نظام الزّكاة لو طبّق في هذا الزّمان ما هو ؟ الجهاد في سبيل الله أقول أنّ هذه الوسيلة لا ترتبط بداهة في الذّهن أنّ لها صلة بهذا الموضوع لكنّي أذكّركم بحديث أوّل الجلسة طرقت موضوع التّشبّه و الجلوس على هذه المقاعد الّتي تجعل الإنسان يتكبّر و هو لا يعرف التّكبّر فيجلس هكذا متعنترا إذا صحّ التّعبير أيضا فالمقصود ذكرت لكم في أوّل الجلسة بمناسبة التّشبّه و النّهي عنه و من تشبّه بقوم فهو منهم هذا طرف من الحديث الّتي جاءت المناسبة الآن لأتلوه على مسامعكم بكماله و تمامه قال عليه الصّلاة و السّلام ( بعثت بين يدي السّاعة بالسّيف حتّى يعبد الله وحده لا شريك له و جعل رزقي تحت ظلّ رمحي ) هل هذا الرّزق يعنيه عليه السّلام هو رزقه هو ؟ لا هو يعني رزق أمّته ( و جعل رزقي تحت ظلّ رمحي و جعل الذلّ و الصّغار على من خالف أمري و من تشبّه بقوم فهو منهم ) , ( بعثت بين يدي السّاعة بالسّيف حتّى يعبد الله وحده لا شريك له و جعل رزقي تحت ظلّ رمحي و جعل الذلّ و الصّغار على من خالف أمري و من تشبّه بقوم فهو منهم ) , ( و جعل الذّلّ و الصّغار على من خالف أمري ) بما ؟ جاء بيان ذلك في قوله تعالى (( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون الله و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون )) ( و جعل رزقي تحت ظلّ رمحي و جعل الذّلّ و الصّغار على من خالف أمري ) لأنّهم إمّا أن يكونوا أهل ذمّة فهم يدفعون الجزية عن يد و هم صاغرون و هذا من الأسباب القويّة لإملاء خزينة الدّولة بالمال الحلال لا بالمكوس المحرّمة و إن كانوا أهل حرب فذلك أغنى للمسلمين لأنّهم سيكسبون أموالهم و يسترقّون رجالهم و نسائهم و صبيانهم و كلّ هذه المكاسب بكلّ أنواعها هي مال للمسلمين يغنون بذلك ولهذا لعلّكم قرأتم في بعض التّواريخ أنّه حصل في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و أرضاه ما كاد يتحقّق في زمنه نبوءة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه يأتي زمان يخرج الغنيّ بزكاته فلا يجد من يأخذه لأنّ المسلمين صاروا كلّهم أغنياء , إذا هذا مثال للسّبب الّذي يؤخذ به و يحقّق مصلحة إسلاميّة لكن الّذي دفع إلى الأخذ بهذا السّبب في الوقت الّذي يحقّق مصلحة إسلاميّة و هي غنى الدّولة هو سببه تقصير المسلمين في تطبيق شريعة ربّ العالمين أمّا السّبب عن النّوع الثّالث ... .
سائل آخر : النّوع الثّاني من البدعة .
الشيخ : من البدعة أيضا الغير مشروعة لأنّها مخالفة للسّنّة أمّا السّبب الثّالث الّذي وجد المقتضي و ليسوا مسؤولين عنه أي لم يكن السّبب هو تقصيرهم في تطبيق جوانب من دينهم فهو الّذي يبحثه الإمام الشّاطبي رحمه الله في كتابه العظيم الاعتصام لأنّه يتحدّث هناك بتفصيل عن المصلحة المرسلة فيذكر أنّ من المصالح المرسلة أنّ الكفّار إذا هاجموا ديار المسلمين و لم يكن في خزينة الدّولة من المال المجموع بالطّرق المشروعة ما يكفي لردّ اعتداء هؤلاء الكفّار فحينئذ يجوز للحاكم المسلم أن نفرض فريضة على أغنياء المسلمين و ليس على فقرائهم و هذه أيضا فارقة عظيمة بين الضّريبة الّتي يفرضها الحاكم المسلم حينما يوجد السّبب الشّرعي لفرضها و بين المكوس الّتي تفرض اليوم فهي لا تميّز بين غنيّ و فقير ففي هذه الحالة حالة غزو الكفّار لبعض البلاد الإسلاميّة يجب على الحاكم أن يجمع من أموال أغنياء المسلمين ما به يتقوّى على ردّ اعتداء المعتدين هذا ما يتعلّق عن الجواب عن المكوس .
السائل : حابّين نسمع وجهة نظرك فيما يتعلّق بموضوع الرّكاز .
الشيخ : فيما يتعلّق بموضوع ؟
السائل : الرّكاز .
الشيخ : الرّكاز .
السائل : نعم , بالنّسبة لما يقال بأنّه حينما يكون عند دولة مال أو نفط أو ثروة تكون هذه لعامّة المسلمين ما عدى نسبة معيّنة , حبيّن رأيك في انطباق هذا الكلام على العصر الحالي , معظمهما لا تطبّق الإسلام كنظام حكم و شعوبها أيضا هي شعوب مسلمة كأفراد و لكن ليست دول إسلاميّة فهل ينطبق الحكم العامّ على هذا الموضوع كيف يكون الحكم في العصر الحالي ؟
الشيخ : أظنّ البحث السّابق يصلح جوابا لمثل هذا السّؤال لأنّني لا أجد فيه شيئا جديدا إلاّ ما يتعلّق بتفسير الرّكاز وأنا سأتولّى تفسير الرّكاز لكن الّذي طرح السّؤال بأيّ معنى طرحه للرّكاز , لعلّه هناك ما ينبغي أن أتكلّم بشيء آخر غير تفسير الرّكاز .
السائل : بالذّات الثّروات الّتي تحت الأرض يعني .
الشيخ : بعامّة يعني .
السائل : نعم . و بخصوص النّفط بصفته الشّيء الأكبر في الوقت الحاضر .
الشيخ : يقول الرّسول عليه الصّلاة و السّلام ( و في الرّكاز الخمس ) و هو الطّرف الأخير من حديث أخرجه الشّيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( العجماء جبارو البئر جبار و المعدن جبار و في الرّكاز الخمس ) و المهمّ بطبيعة الواقع الكلام على هذه الفقرة الأخيرة و لكنّي سقت الحديث بتمامه لفائدتين اثنتين الأولى فائدة عامّة لعلّ بعض الحاضرين يكون هذا الحديث يطرق سمعه لأوّل مرّة و هو قوله عليه السّلام ( العجماء جبار و البئر جبار و المعدن جبار و في الرّكاز الخمس ) و الفائدة الثّانية هي أنّ في الفقرة الّتي قبل الأخيرة و هي قوله عليه السّلام ( و المعدن جبار ) ما يساعدنا على الفهم الصّحيح للرّكاز لأنّ العلماء اختلفوا في تفسير الرّكاز على قولين اثنين القول الأوّل و هو الصّحيح الّذي لا ريب فيه أنّه دفين الجاهليّة الرّكاز هو دفين الجاهليّة أي كنز مدفون قبل الإسلام أمّا الكنز الّذي دفن بعد الإسلام فليس ركازا و بالتّالي فالمعدن الّذي خلقه الله عزّ و جلّ في الأرض مهما كان ثمينا فضّة أو ذهبا أو بلاتينا هذا ليس ركازا هذا معدن و لذلك لمّا قال عليه السّلام ( و المعدن جبار ) فلو أراد بقوله عليه السّلام ( و في الرّكاز الخمس ) كان يقول و فيه الخمس لكنّه لم يرد المعنى الثّاني و هو الّذي يقوله أبو حنيفة و من تبعه الرّكاز هو المعدن المدفون بخلق الله في الأرض هذا التّفسير خطّأه علماء الفقه و بخاصّة الحجازيّين منهم و أهل اللّغة قاطبة مجمعون على أنّ الرّكاز هو دفين الجاهليّة و على ذلك فإذا استحصل أو عثر مسلم على ركاز فقد فرض فيه الشّارع الحكيم الخمس كما فرض على الزّكاة بالمائة اثنين و نصف كما لا يجوز من أجل هذا قلت أنّ الجواب عن هذا السّؤال يؤخذ من البحث السّابق لا يجوز للحاكم أن يأخذ في الزّكاة أكثر ممّا فرض الله ما يجوز أن يأخذ بالمائة خمسة بدل بالمائة اثنين و نصف ما يجوز أن يأخذ بدل من أربعين رأس من الغنم عشرين رأس من الغنم يأخذ رأس و هكذا لأنّه هذا تغيير لحكم الله فإذا قال عليه الصّلاة و السّلام ( و في الرّكاز الخمس ) فهو كقوله في الفضّة ربع العشر في الزّرع المزروع بعلا العشر و في المسقي سقيا نصف العشر كلّ هذه حدود تدخل في عموم قوله تعالى (( و تلك حدود الله فلا تعتدوها )) أمّا المعادن الّتي تستحصل بأتعاب يقوم بها العامل فهذه ليس عليها أيّ زكاة و إنّما إذا توفّر لديه مال و حال عليه الحول و قد بلغ النّصاب فحينئذ يجري عليه أحكام الزّكاة فإذا عرفنا هذا التّفصيل عدنا إلى البحث السّابق في المصلحة المرسلة فإذا جدّ هناك عدوان على المسلمين و لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لصدّه فيأخذ قلنا آنفا من أغنياء المسلمين ما يتناسب مع غناهم فإذا فرضنا رجلا حديث عهد بالعثور على ركاز فيجوز للحاكم أن يأخذ منه أكثر من الخمس لهذا الأمر العارض أمّا أن يجعل نظاما عامّا و قانونا مستمرّا فيعود البحث إلى القسم الأوّل و الثّاني من المصالح المرسلة هذا جوابي عن هذا السّؤال و لعلّه يكفي ؟
السائل : إذا النّفط لا يدخل في هذا ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : إذا النّفط لا يدخل إلاّ بهذا القدر ؟
الشيخ : أي نعم .