شكاوى إلى زوجي العزيز

شكاوى إلى زوجي العزيز

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد: فإليك – زوجي العزيز – أخط هذه الرسالة المفتوحة.. علَّها تلامس إحساسك، وتوقظك من غفلة طالما حرمتني من الاستمتاع بالسعادة في حياتنا الزوجية..

وهذه الرسالة ليست توبيخًا ولا تأنيبًا بقدر ما هي تذكير يساهم بكلماته الحانية في تحقيق التواصل الواجب بيننا.. نتدارك به الأخطاء.. ونصحح به المسار.. ونجدد به العهد على احترام العشرة الزوجية التي أمر الله جل وعلا بها في كتابه فقال: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{.

ولأنني أخذت العهد على كتمان سرك وصون عرضك فإنني لا أرى أن أبث شكواي إلا إلى الله ثم إليك.. فأما شكواي إلى الله.. فلكي يصلح أمرك.. وينبهك إلى عيوبك لتظل عونًا لي على ديني ودنياي.. فلست أشكوه بالدعاء عليك.. بل بالدعاء لك.. تأسيًا بقول الله جل وعلا: }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{.

وأما للشكاوى إليك.. فلأني أظن بك خيرًا.. وأعلم أنك إذا ذُكِّرتَ ذكرتَ.. وأعلم أيضًا أنك مؤمن بالله وأن الذكرى تنفع المؤمنين.

ولست في هذه الرسالة أحصي عليك عيوبك.. أو أعدد لك ذنوبك.. فلست ملكًا ترتجى منه العصمة.. وليس تذكيرك بالله بدعة أو تهمة.. فكلنا نخطئ.. وكل ابن آدم خطاء.. وخير الخطائين التوابون..

وإليك يا زوجي العزيز ما أراه يؤلمني من أقوالك وأعمالك.. وأتمنى من الله أن تقلع عن ذلك.. فما تعودت أن أرى منك إلا الخير.. وما أسعدني إذا كنت كذلك:

* لماذا تكره نقدي؟

فكلما أبديت إليك رأيًا ناصحًا.. أعرضت ونهرت وغضبت، وصار نصحي لك أو شكواي من خلقك.. مشكلة تؤرق راحتك.. وتبدل أحوالك.. فلا أراك بعدها إلا متجهمًا ساخطًا.. أوليس التناصح بيننا أصل من أصول التعاون على البر والتقوى، وقد قال عز وجل: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{.

وإذا تأملت في عشرة رسول الله r لنسائه.. وتأملت سيرتهن.. وجدت منهن من يراجعنه في الكلام.. وكذلك زوجات أصحابه رضوان الله عليهم.. ولم يكن ذلك يشكل ما يشكل مشكلة تتكدر معها الحياة.. فكيف بالتناصح والتشاور في الأمور..

ولو أن البيوت أقيمت على دعامة التناصح والتشاور ومعالجة الأخطاء في جلسات ودية هادئة لعمها الصلاح.. ولسادها الهدوء والنجاح.

إن كثيرًا من الأزواج يخطئون حينما يلغون دور الزوجة في صناعة الحياة الزوجية.. بالنصيحة والتعاون على الخير؛ فهذا رسول الله r قال له بعض أصحابه: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال رسول الله r: «أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه». ولهذا كانت المرأة الصالحة ركنًا من أركان السعادة لا تتم إلا بها.. لما لها من دور في إصلاح الزوج؛ فهي له مرآته التي تقوم بها ذاته.. ويرى فيها نفسه.

* وإلا فأنت طالق:

فهذه العبارة.. جعلتها كالسيف مسلطًا على عنقي.. ترددها على أتفه الأمور.. ولا ترى في إطلاقها بأسًا، وهي يهتز لها عرش الرحمن.. ففيها إيذان بخراب البيوت.. وتحطيم الأسر..

وإذا كان ميثاق الزواج ميثاقًا غليظًا كما قال تعالى: }وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا{، فعساك توقر عظمته.. وتحترم هيبته.. فلا تجعل من مشكلات الأيام التي لا يخلو منها بيت ذريعة لشتات الشمل.. وتدمير العشرة.

ألم تسمع إلى قول الرسول r: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره». [رواه مسلم].

فلست – كما تريدني – ملكًا.. كما أنك لست ملكًا.. لذا فإنك معرض كما أني معرضة للخطأ.. والحكيم من ينظر إلى المحاسن بعين الرضى.. وإلى المساوئ بعين الغض والعفو والنصح.. ألم تسمع قول الشاعر حين قال:


ومن لم يغمض عينه عن صديقه

    


    

 

    


    

وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتبُ

ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة

    


    

 

    


    

يجدها ولا يسلم له الدهر صاحبُ


    
    
    
    

وفي الحديث السابق لمن تأمل: «الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل وكل من بينك وبينه علاقة واتصال وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة؛ بتذكر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن تدون الصحبة والاتصال، وتتسم الراحة وتحصل لك».

[الوسائل المفيدة – لشيخ عبد الرحمن السعدي ص22]

هذا.. إذا كان يصدر مني ما يسوؤك.. كيف وكلمة الطلاق على لسانك.. دون أن يصدر مني ما تكره!

فلتراع شعور من تعاشر.. فإن خير الناس خيرهم لأزواجهم.. ولا خير فيمن تلاعب بالطلاق.

* ويجعل من يشاء عقيما:

فإني لطالما رأيت في عينين تجهمًا.. أقرأ فيها لومًا يقرعني لأني لا أنجب الولد.. ولطالما عانيت من تلك النظرات.. وذلك اللوم.. وكأني المسؤولة عن الإنجاب.. فكيف تحملني كلماتك ولومك ونظراتك مسؤولية ذلك والأمر كله بيد الله؟! }يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا{.

فواهبُ الذكر والأنثى هو الله.. وليس للإنسان في ذلك من حيلة.. بل الواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يكون حاله كحال أهل الجاهلية: }وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ{.

فليتك تدرك أن من تمام الإيمان الرضى بالأقدار.. وأن الإنجاب هو محض قدر الله ليس لأحد فيه من عمل.

* أين الحنان والمودة؟

فإني لطالما افتقدتهما فيك.. فافتقدت بافتقادهما ملح الحياة.. وحلاوة العشرة.. وسكينة الحياة الزوجية.. فأنت تدرك أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تثمر السعادة إلا بالمودة المتبادلة بين الزوجين.. كما قال تعالى: }وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{. فأين مودتك لي؟! أين هي في كلماتك.. ونظراتك.. وسكناتك.. فأنا لم أعد أرى في كلماتك إلا ما يؤذيني.. وفي صمتك إلا ما يخيفني.. وفي نظراتك إلا ما يشعرني بالوحدة والقلق.. وقد علمت أن الكلمة الطيبة صدقة.. وأنه لا ينبغي لك أن تحقر من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه منبسط طلق.. فإذا كان هذا مع عموم الناس فكيف مع أهله؟! فلا شك أنه أحب إلى الله، وأدعى لحصول المودة بين الزوجين.

إن بيتًا لا تسود فيه مودة متبادلة بين الزوجين.. بيت لا تدخله السعادة.. ولا تأتيه السكينة.. فهذه فطرة الله التي فطر عليها الحياة.. فأين أنت من الفطرة..

إذا كان الخلق الحسن بينك وبين الناس واجبًا فهو في بيتك أوجب.. وإذا كانت معاني الرحمة مع الناس مؤكدة فهي مع أهلك أوكد.. وليس أحد أولى بودك وإخلاصك أكثر من أهلك.. ولهذا قال رسول الله r: «خيركم خيركم لأهله».

ولو نظرنا إلى حياة رسول الله r مع أزواجه لرأينا أنها مثال الملاطفة والمؤانسة؛ فلقد كان يؤانسهن ويمازحهن ويعمر نفوسهن بالكلمة الحلوة، والنظرة الحانية، والتصرف الودود، ويحتمل منهن أخطاءهن.

إن تجاهل حاجة الزوجة إلى العاطفة العذبة التي تفيض بها الكلمة الطيبة يجعلها تحمل بين جوانبها حجرًا مكان القلب.. مما يعكر على الزوج حياته.. لأننا نعيش بالمعاني لا بالأجساد فقط.. وليس في الحجارة من المعاني شيء.

إن ربتة كتف حانية مع الزوج، مع ابتسامة مشرقة مقرونة بكلمة طيبة تذيب تعب الزوجة، وتنعش فؤادها المشرئب للعطف والحنان، فهل لك أن تنتبه إلى نفسك وتتأسى بسيدنا رسول الله r الذي يقول الله تبارك وتعالى فيه: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{.

اشكر زوجتك على صحن الطعام اللذيذ الذي قد أعدته لك بيدها.. اشكرها بابتسامة ونظرة وعطف وحنان.. أثن عليها وتحدث عن محاسنها وجمالها، والنساء يعجبهن الثناء ويؤثر فيهن.. وإذا كان الكذب محظورًا فقد أباح لك الإسلام طرفًا منه في علاقتك الزوجية عندما يكون ذلك سببًا لعميق المودة وتحقيق التفاهم». [عودة الحجاب 2/417].

* كم أبقيت للبيت من وقتك؟

فنادرًا ما أظفر بلقياك.. وكأنني آخر من عليك لقاؤه.. قد خصصت جل وقتك لعملك وأقربائك وأصدقائك وسفرك.. تبكر في الخروج.. ولا تعود إلا متأخرًا بعدما يدب يأس الانتظار في قلبي وقلب أبنائك..

وحتى إذا أتيحت لك فرصة عيد أو عطلة.. قضيت فراغها خارج بيتك دونما رعاية لحقوق أهلك وأبنائك.

أين أنت من قول الرسول r: «فإن لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، فصم وأفطر، وصلِّ ونم». [جزء من حديث رواه أحمد].

ألا فعد إلينا.. فبيتك أحوج إلى رأيك.. وتوجيهك، وقوامتك؛ فهو الرعية.. وأنت راعيه.. وكل راع مسؤول عن رعيته كما قال الرسول r: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عنهم». [رواه البخاري ومسلم].

ولا تحرم أبناءك منك في حياتك فيصدق عليهم قول الشاعر:

ليس اليتيم من انتهى أبواه

    


    

 

    


    

من هَمِّ الحياة وخلَّفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له

    


    

 

    


    

أمًّا تخلت أو أبًا مشغولاً


    
    
    
    

* لا تستسلم للشك:

فقد أصبحت غيرتُك جحيمًا لا يطاق.. وأصبحت ظنونك وشكوكك تبعث الإحباط والهم والأحزان.. تتهمني بنظراتك.. وتجرمني بأسئلتك.. وتريبني بتصرفاتك.. حتى أصبحت أشك في نفسي.. لفرط غيرتك وكثرة سوء ظنك..

نعم إن من صلاح الزوج ورجولته غيرته على أهله.. وهي في الرجال صفة كمال.. لكنها إذا تجاوزت حدها.. وأصبحت ظنًا سيئًا انقلبت إلى صفة نقص.. وجعلت الزوج مصابًا بهوس الوسواس.. قال تعالى: }إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ{، وقال تعالى: }وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{.

فعالج ظنك.. باعتماد اليقين.. قال الله تعالى: }إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا{.. وإذا كان كذلك فلا تبن عليه شيئًا.


* إن لي عليك حق العشرة:

فالعشرة بالمعروف بين الزوجين لا تقتصر على النفقة والسكن.. بل هي أشمل من ذلك بكثير؛ فهي تشمل كل معاني التقدير والاحترام والمودة والرحمة والحنان وحسن الخلق، والمشاركة العاطفية في الأفراح والمسرات، والبشاشة وحسن الكلام والاستماع وكف الأذى.. وبذل الجهل في كل وقت وحين؛ لإضفاء روح المودة على الحياة الزوجية.

قال ابن كثير: «}وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{: أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تجد ذلك منها فافعل أنت مثله، كما قال تعالى: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ{.

وقال رحمه الله أيضًا: «وكان من أخلاق النبي r أنه جميل العشرة دائم البِشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، ويضع على كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك r وقد قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{»
[تفسير القرآن العظيم 1/477].

ومن مضامين العشرة بالمعروف حق المرأة في الفراش.. فهو جزء لا يتجزأ من حقها الواجب على الزوج وجوبًا أوكد من حقها في النفقة.

* لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:

فطاعتي لك وإن كانت واجبة علي فهي إذا كانت في معصية الله لا تجوز.. وإنني ألحظ منك رغبات تطلبها وهي مخالفات شرعية لا يرضى بها الله؛ فمن ذلك: تود أن أتشبه بالكافرات في اللباس لأجل الزينة والتجمل.. وأنا أرى أن من العشرة بالمعروف أن تتزين الزوجة لزوجها.. لكن دونما وقوع فيما حرم الله.. وأرى أن التشبه بالكافرات حرام لقوله r: «من تشبَّه بقوم فهو منهم».

* أسراري أمانة:

فلا تفشها للآخرين؛ فإن إفشاء أسرار الزوجية من شر الأعمال الموعود عليها صاحبها بالعقاب، كما قال رسول الله r: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». [رواه مسلم].

قال النووي رحمه الله: «في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه».

وأخيرًا: أذكرك بقول الرسول r: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا». [رواه البخاري ومسلم].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.