عقيدة الثالوث من الألف إلى الياء

في الحوار الإسلامي المسيحي تبرز مشكلة شائكة حول عقيدة التثليث، ففي حين يعرض المسلم الأدلة الكافية على التوحيد، يجد أن المسيحي يدعي أنه موحد بالله الذي لا إله غيره ولكن له ثلاثة أقانيم، ثم تزداد المشكلة سوءا عندما يجد المحاور المسلم أن كل مسيحي له عقيدة مختلفة حول الثالوث وتصورات متفرقة، وهكذا فعند دحض أي تصور يجد أنه يقول له أنه لا يؤمن بهذا التصور بل تصوره عن الثالوث مختلف، وهكذا يقدم المسيحي للمسلم في كل موضع تفسير مختلف أو يتنقل بين عدة تفسيرات متناقضة معتقدا أن تفسيره هو التفسير المتفق عليه بين جميع الكنائس والقساوسة. فيجعل المسيح في تفسير ما أنه ابن الله (فاصلاً إياه عن الله)، ثم يجعله كلمة الله (جاعلاً إياه صفة لله)، ثم يجعله عقل الله (جاعلاً إياه جزءاً من الله)، ثم يجعله الله (موحداً إياه بالله)، ثم يجعله إله (مساوياً له بالله)، ثم يجعله إنسان (لينفي به عن الله صفات النقائص من صلب وموت)، ثم يجعله إنساناً وإلهاً (جاعلاً له طبيعة ناسوتية ولاهوتية). وهكذا لا توجد قاعدة ثابتة للحوار ويتحول الحوار الإسلامي المسيحي لحوار سفسطائي بدلا من أن يكون حوار بناء يهدف للوصول إلى الحق. ولهذا فإن موضوع هذا الكتاب هو الغوص بالمسيحي داخل عقيدة التثليث لكي يفهما هو أولا ثم يرى هل يؤمن حقاً بإله واحد لا إله غيره أم أنه يؤمن بثلاثة آلهة وأنه قد وقع في أكبر ذنب، الذنب الذي حذرت منه جميع الأنبياء، وهو الشرك بالله. ويستعرض الكتاب تاريخ المسيحية من التوحيد وحتى وصولها للتثليث، وكيف أنها عقيدة مستحدثة، وكيف أن تلك العقيدة تسببت في ظهور مشكلة كبيرة وهي الخلاف حول طبيعة المسيح، هل كان إلهاً أم إنساناً أم إلهاً وإنساناً في ذات الوقت؟ وما علاقة لاهوته بناسوته؟ هل اتحدا أم امتزجا أم انفصلا؟ ومن الذي صلب ومات، اللاهوت أم الناسوت؟  ثم يوضح الكتاب كيف أثرت الفلسفة على العقيدة المسيحية وأضرت بها كثيراً فأدخلت فيها عقائد فلسفية مستحدثة، ثم يستعرض الكتاب أدلة أتباع مذهب التثليث ويدحضها.

عقيدة الثالوث من الألف إلى الياء

 

تأليف

أحمد الأمير

 

 

الفهرس

 

المقدمة

الفصل الأول: "عقيدة الثالوث" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

الفصل الثاني: نبذة عن تاريخ عقيدة الثالوث

الفصل الثالث: العقيدة المسيحية من التوحيد إلى التثليث

الفصل الرابع: طبيعة المسيح وعلاقة اللاهوت بالناسوت

الفصل الخامس: الفلسفة وعقيدة الصلب والفداء

الفصل السادس: أدلة أتباع مذهب التثليث

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل محمداً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وفضّل صحابته ومنحهم فضلاً كبيراً، فصلي اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة وسلاماً متتابعاً كثيراً.

أما بعد:

عزيزي القارئ، إن من أكثر النقاط المحورية في الحوار الإسلامي المسيحي هي عقيدة الثالوث، ففي حين يعرض المسلم على المسيحي الأدلة الكافية أن الله عز وجل واحد وأن دعوة جميع الأنبياء والرسل ومن ضمنهم المسيح كانت التوحيد، يجد أن المسيحي يؤكد له أنه يؤمن بإله واحد لا إله غيره ولكنه إله واحد ذو ثلاثة أقانيم (الآب، الابن، الروح القدس)، ثم يؤكد له أنهم ليسوا بثلاثة آلهة بل إله واحد ذو ثلاثة أقانيم. وفي النهاية قد يغادر كل من المسلم والمسيحي غير مقتنعين بكلام بعضهم البعض ويستمر كل منهما في الإيمان بعقيدته.

وفي الواقع فإن الإشكال هو أن المسيحي قد تربى على هذه العقيدة وعلى تكرار هذا الكلام الذي سمعه عنها دون أن يدخل في حقيقة هذه العقيدة وتفاصيلها الداخلية، ولهذا فإن موضوع هذا الكتاب هو الغوص بالمسيحي داخل عقيدة التثليث لكي يفهما هو أولا ثم يرى هل يؤمن حقاً بإله واحد لا إله غيره أم أنه يؤمن بثلاثة آلهة وأنه قد وقع في أكبر ذنب، الذنب الذي حذرت منه جميع الأنبياء، وهو الشرك بالله.

ويستعرض الكتاب تاريخ المسيحية من التوحيد وحتى وصولها للتثليث، وكيف أنها عقيدة مستحدثة، وكيف أن تلك العقيدة تسببت في ظهور مشكلة كبيرة وهي الخلاف حول طبيعة المسيح، هل كان إلهاً أم إنساناً أم إلهاً وإنساناً في ذات الوقت؟ وما علاقة لاهوته بناسوته؟ هل اتحدا أم امتزجا أم انفصلا؟ ومن الذي صلب ومات، اللاهوت أم الناسوت؟  ثم يوضح الكتاب كيف أثرت الفلسفة على العقيدة المسيحية وأضرت بها كثيراً فأدخلت فيها عقائد فلسفية مستحدثة، ثم يستعرض الكتاب أدلة أتباع مذهب التثليث ويدحضها.

 

المؤلف.،

الفصل الأول

"عقيدة الثالوث" كدليل على ألوهية المسيح عليه السلام

تمهيد:

تنص عقيدة الثالوث على أن: "الآب إله والأبن إله والروح القدس إله، والآب ليس هو الابن والابن ليس هو الروح القدس، ولكنهم جميعاً يكونون إله واحد، وأن هذا الثالوث مساو في الأزلية والجوهر والدرجة.". 

المشكلة الرئيسية هي عدم فهم المسيحيين لحقيقة الثالوث، ولهذا لهم عدة تصورات مختلفة عن الثالوث، وإذا سألت عدة قساوسة عن الثالوث لوجدت أن لكل قسيس تفسير مختلف عن الآخرين، رغم اعتقاده أن تفسيره هو التفسير المتفق عليه بين جميع الكنائس والقساوسة. 

أما المشكلة أثناء الحوار الإسلامي المسيحي، هو أنه إذا عرض أحد المناظرين المسلمين نقد عقيدة الثالوث، تفاجأ بالمناظر المسيحي يقدم له في كل موضع تفسير مختلف أو يتنقل بين عدة تفسيرات متناقضة. 

فيجعل المسيح في تفسير ما أنه ابن الله (فاصلاً إياه عن الله)، ثم يجعله كلمة الله (جاعلاً إياه صفة لله)، ثم يجعله عقل الله (جاعلاً إياه جزءاً من الله)، ثم يجعله الله (موحداً إياه بالله)، ثم يجعله إله (مساوياً له بالله)، ثم يجعله إنسان (لينفي به عن الله صفات النقائص من صلب وموت)، ثم يجعله إنساناً وإلهاً (جاعلاً له طبيعة ناسوتية ولاهوتية).

وهكذا لا توجد قاعدة ثابتة للحوار ويتحول الحوار الإسلامي المسيحي لحوار سفسطائي بدلا من أن يكون حوار بناء يهدف للوصول إلى الحق.

ولهذا وجب علينا تنبيه المسيحيين عامة إلى أن يفكروا جيداً في ما هي عقيدتهم الحقيقية في المسيح عليه السلام وفي عقيدة الثالوث. 

ولهذا سوف نذكر جميع التصورات عن المسيح حتى يتضح للمسيحيين عدم إجماعهم على طبيعة المسيح ولا على عقيدة الثالوث.

 

 

الفصل الثاني

نبذة عن تاريخ عقيدة الثالوث

في إحدى محاضراته يقول عالم اللاهوت الدكتور بارت إيرمان عن تاريخ عقيدة التثليث:

" إذا قرأت بعناية قصة الميلاد العذراوي والمذكورة في كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا، فستجد أنه ليس هناك أي إشارة إلى أن يسوع كان موجودًا قبل الولادة العذراويةفي كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا ليس الأمر أن كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا، بل المسيح قد تجسد من خلال مريم العذراء. فيسوع أتى إلى الوجود من خلال مريم العذراء عندما جعلها الله تحمل، هذا هو المذكور في إنجيل متى وإنجيل لوقا.

ولكن عندما فكر الناس في الأمر أكثر، اعتقدوا أنه لابد أنه كان ابن الله منذ الأزل، وهكذا بدأوا في تطوير وجهة نظر مختلفة، ليست وجهة نظر تأليه الإنسانبأن الإنسان أصبح كائناً إلهياً، بل بدأوا في تطوير وجهة نظر عن تجسد الإله (أي أن الإله أصبح إنساناً). 

كلمة تجسد تعني أن شيئًا ما قد جاء ودخل في جسد، ووجهة نظر التجسد تلك هي وجهة النظر القائلة بأن المسيح جاء إلى العالم وكان موجودًا من قبل في العالم السماوي، أي أن المسيح الذي كان كائنًا إلهيًا أصبح كائناً إنسانًياً.

ووجهة النظر تلك لم تكن وجهة نظر مرقس، أو متى أو لوقا، إنما هي وجهة نظر إنجيل يوحنا.

في إنجيل يوحنا، لم يولد المسيح من عذراء، في بداية إنجيل يوحنا نقرأ: "في البدء كان الكلمة والكلمة عند الله وكان الكلمة إله.". كان في البدء عند الله ، كل الأشياء خلقت من خلاله، وبدونه لم يأتي شيء للوجود من الأشياء الموجودة، ففيه كانت الحياة، وحياته كانت حياة البشر، وصارت الكلمة جسدًا وحل بيننا.

كلمة صار جسدًا هي يسوع المسيح. يتفهم إنجيل يوحنا أن المسيح كان كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا وأصبح إنسانًا، وهذه هي فكرة تجسد الإله في علم اللاهوت المسيحي والمقابلة لفكرة تأليه الإنسان في علم اللاهوت المسيحي.

إليك مجموعة مسيحية مبكرة أخرى، بمجرد أن بدأ المسيحيون يفكرون على نطاق أوسع في أن يسوع كان كائنًا إلهيًا موجودًا مسبقًا، بدأوا في الجدال في أي معنى كان إلهًا، وإذا كان كائنًا إلهيًا، فكيف يكون إنسانًا؟ أم هو كان فقط إنساناً؟ وإن كان هو كائناً إلهًياً والله أيضاً كائنًا إلهيًا، فحينئذ لديك إلهان!

أليس هكذا لديك إلهان، أم لديك إله واحد فقط؟ لا، ليس لدينا سوى إله واحد.

هل يسوع إله؟ نعم. هل الآب إله؟ نعم. إذن لديك إلهان! لا، لدينا إله واحد.

وهكذا يستمر الجدال.

كان هناك أناس يعتقدون أن المسيح في الواقع هو الله لأنه كان إلهًا كاملاً، فهو كان الله الذي بدا في صورة إنسان. 

لا يمكن أن يكون الله حقًاً إنسانًا، تماما مثل الإنسان لا يمكن أن يكون حقاً صخرة. فالكل مختلف.

الدوسيتية:

هناك وجهة نظر واسمها "دوسيتية[1]" وهي مشتقة من الكلمة اليونانية "ذوكين[2]" (بمد الياء) وتعني "يظهر" أو "يبدو". كان هناك مسيحيون في القرن الثاني والثالث الميلادي يقولون أن المسيح هو الله وأنه فقط بدا على أنه إنسان. يجب أن أقول إن معظم طلابي يعتقدون ذلك على الأرجح. أعتقد أن معظم طلابي يعتقدون أنه بما أن المسيح هو الله فلا يمكن حقًا أن يكون إنسانًا، ولذا فهو كان كلي القدرة وكلي المعرفة عندما كان رضيعًاً.

لذلك، أتعرف، عندما كان يسوع يبلغ من العمر أسبوعين كان بإمكانه التحدث باللغة السواحيلية إذا أراد ذلك. لأنه هو الله، يمكنه فعل أي شيء، أليس كذلك؟ 

حسنًا، فقد اختفى هذا الرأي، لأن اللاهوتيين المسيحيين قالوا إنه إذا لم يكن المسيح بشراً، فلن يستطيع أن يموت من أجل خطايا العالم. إذا لم يكن لديه دم حقًا، فلن يتمكن من إراقة دمه. فالخلاص يتطلب ليس فقط أن يكون إلهيًا فحسب، بل أن يكون أيضًا بشريًا. وهكذا اختفت هذه النظرة الدوسيتية.

الإنفصالية[3]:

هناك مسيحيون آخرون، في القرن الثاني والثالث الميلادي، أي أني أتحدث عن مائة أو مائتي عام بعد الأناجيل، وقبل ظهور آريوس، قالوا أنه في الواقع فإن المسيح هو إنسان وإله، وأنه كان هناك رجل بار جدا اسمه يسوع، والذي في مرحلة ما من حياته، أي وقت معموديته (من يوحنا المعمدان)، دخل فيه كائن إلهي من السماء، فالمسيح الكائنً الإلهي دخل في جسد يسوع الإنسان، بحيث يكون يسوع المسيح هو إنسان وإله في نفس الوقت، لأنه فيه جانب بشري وفيه جانب إلهي، وبالتالي فإن هناك اثنان منه. وبعد ذلك عندما مات الرجل يسوع، صعد المسيح إلى السماء.

أسمي هذا "الانفصالية" كوجهة نظر لأنها تفصل بين يسوع والمسيح، وقد أعلنت وجهة النظر تلك على أنها بدعة، لأنه إذا لم يكن يسوع إنسانًا تماماً وإذا لم يكن هو إله تمامًا، في نفس الوقت، فعندها أنت لا تتعامل مع شخص واحد، إنما تتعامل مع شخصين، لكن يسوع المسيح هو شخص واحد وليس شخصين، فالله واحد، والمسيح واحد، والكنيسة واحدة، وهناك إيمان واحد، ورب واحد، ومعمودية واحدة، وأي أنه هناك واحد وليس اثنانفي النهاية انتهى هذا الرأي بالخسارة.

الشكلية[4]:

هناك وجهة نظر مثيرة أكثر للاهتمام من بعض النواحي، هي وجهة نظر أطلق عليها العلماء اسم "الشكلية". كانت ولفترة طويلة هي الرأي السائد في المسيحية، حتى معارضيها أنفسهم قالوا إن معظم الناس كانوا يؤمنون بوجهة النظر تلك. حتى قادة كنيسة روما كانوا يؤمنون بوجهة النظر تلك، في نهاية القرن الثاني. 

يطلق عليها اسم "الشكلية" لأنها تقول أن "الله موجود في ثلاثة أنماط أو صور". 

الآن، تمامًا مثلي أنا شخصياً، بارت إيرمان، أنا في نفس الوقت، أنا ابن لوالدي، أنا أخ لأختي، وأنا أب لأولادي. أنا ابن وأخ وأب في نفس الوقت. والله هكذا، الله ثلاثة أشخاص، أب وابن وروح قدس، ولكن هناك واحد فقط، وليس ثلاثة منه. أنا لست ثلاثة أشخاص مختلفين، أنا شخص واحد، أنا ابن وأخ وأب. الله ثلاثة أشخاص، أب وابن وروح القدس. لذا فوجهة النظر هذه تسمى "الشكلية" لأن الله موجود في ثلاثة أنماط للوجود. انتهى هذا الرأي بالخسارة أيضًا، على الرغم من أنه كان وقتها شائعًا للغاية وربما لا يزال الناس اليوم يحتفظون ببعض وجهات النظر مثل هذه، ولكنها انتهت بالخسارة.

انتهت بالخسارة لأن الأب والابن بالتأكيد مختلفان عن بعضهما البعض. إذا كنت أبًا لابن، فلا يمكنك أن تكون الابن الذي أنت والده. يجب أن يكونوا مختلفين. أيضاً، فعندما كان يسوع على الأرض كان يصلي أحيانًا إلى الله الأب، لم يكن يتحدث مع نفسه فقط. وهكذا انتهت وجهة النظر تلك باعتبارها إشكالية (تتسبب في مشاكل). كانت وجهة النظر هذه "الشكلية" شائعة في روما على وجه الخصوص، وكانت وجهة نظر أساقفة روما، الأشخاص الذين أصبحوا البابا فيما بعد.

وفي النهاية تم دحرها للوراء من قبل الأشخاص الذين تمسكوا بوجهة نظر مختلفة، "الثالوث".

الثالوث:

في سياق الجدل حول "الشكلية"، ابتكر ترتليانوس، أحد آباء الكنيسة، مصطلح "الثالوث". يشير "الثالوث" إلى الأشخاص الثلاثة الذين هم أشخاص منفصلة عن بعضها، الأشخاص الذين هم كلهم الله.

يجب أن أقول إن آريوس كان مؤمناً بعقيدة الثالوث، فاعتقد أريوس أن الله هو الآب والابن والروح القدس، لكنه اعتقد أن الابن والروح القدس أدنى درجة من الله الآب، لأنه لا يمكن أن يكون هناك اثنان قادران على كل شيء، لأنه إذا كان هناك اثنان قادران على كل شيء، فلا واحد منهم هو القادر على كل شيء، وبالتالي فواحد فقط هو القادر على كل شيء.

بالمناسبة، كان هذا رأي ترتليانوس أيضًا الذي ابتكر مصطلح "ثالوث" ، فقد اعتقد أن الابن كان تابعًا لله الأب[5]، ولكن في النهاية اختفى هذا الرأي.

في النهاية تم استبدال هذا الرأي بالرأي القائل بأن هناك ثالوثًا من ثلاثة كائنات هم كلهم الله، فهم الله بالتساوي، وهم متساوون في القوة، وهم متساوون في المعرفة، وهم متساوون في الأبدية، لقد كانوا جميعًا موجودين إلى الأبد، وهناك ثلاثة منهم، الآب والابن والروح، ومع ذلك هناك إله واحد فقط، إله واحد يظهر في ثلاثة أقانيم

حسنًا، لكن إذا كان هناك ثلاثة منهم، فهناك إذن ثلاثة آلهة، أليس كذلك؟ لا، هناك واحد فقط. حسنًاً! هناك واحد، ليس هناك ثلاثة، أليس كذلك؟ الآن هناك ثلاثة. 

حسنًا، هذا الكلام لا معنى له. وإذا كان له أي معنى لما كان الثالوث لغزا. الثالوث هو لغز، مما يعني أنك لا تستطيع فهمه، وإذا كنت تعتقد أنك تفهمه، فأنت تسيء فهمه!

أصبحت هذه هي وجهة النظر التقليدية للمسيحية. وجميع وجهات النظر الأربعة، الدوسيتية، والانفصالية، والشكلية، والثالوث، كلها عبارة عن أعمال منطقية لوجهة النظر القائلة بأن المسيح هو الله. بينما الله هو الله.

لديهم منطق مختلف يقودهم، لكن الأربعة كلها لها مغزى.

فقط واحدة من تلك الآراء هي التي انتهى بها المطاف أن تصبح وجهة النظر الأرثوذكسية، القائلة بأن هناك ثلاثة أشخاص كلهم هم الله.

مقصدي هو أن معتقد المسيحيين الأوائل لم يكن هذا، فلن تجد هذه العقيدة "الثالوث" في العهد الجديد.

هذه العقيدة هي عقيدة متأخرة تطورت من وجهات نظر سابقة. المسيحيون الأوائل آمنوا أن يسوع عند قيامته قد رُفع ليجلس عن يمين الله، واعتقدوا أن الله بالتالي قد جعله كائنًا إلهيًا. ولكن بعد مرور 300 عام أصبحوا يقولون إن يسوع كان دائمًا موجودًا، وأنه كان دائمًا شريكًا في الأبدية مع الأب، كان شريكاً في المعرفة مع الأب، وأنه في الواقع هو الله القدير نفسه، خالق كل شيء.".

(انتهى كلام الدكتور بارت إيرمان)

 

 

الفصل الثالث

العقيدة المسيحية من التوحيد إلى التثليث

عقيدة التثليث هي عقيدة مستحدثة: 

فجميع الأنبياء ومن عهد أدم عليه السلام لم يذكروا شيئاً عن هذا الثالوث، فلم يُصلّوا باسم الأب والابن والروح القدس، ولم تذكر تلك العبارة لا في العهد القديم ولا في الأناجيل الأربعة، وفي الواقع فإن عقيدة التثليث هي مخالفة لتعاليم الأنبياء، ولا يستوعبها العقل البشري، فجميع القساوسة الداعمين لعقيدة التثليث يعترفون بأن استيعابها هو فوق قدرات العقل البشري وأنها حقيقة يجب الإيمان بها كما هي رغم عدم القدرة على فهمها!

المسيحيون في القرون الأولى لم يكونوا مثلثة:

في العصور المسيحية المبكرة انقسم المسيحيون في طوائف أو مذاهب كبيرة، وهي:

أ) مذهب التوحيد:

كان هذا المذهب شائعاً في القرن الأول والثاني، وليست لدينا معلومات كثيرة عن هذا المذهب بسبب ما تعرض له من اضطهاد، فقد تم اضطهاده أولا من كل من اليهود والرومان الوثنيين الذين اضطهدوا أتباع المسيح عليه السلام، ثم تم اضطهاده من أتباع مذهب التثليث بعد أن أصبحت الإمبراطورية الرومانية مسيحية ونصرت أتباع مذهب التثليث على أتباع مذهب التوحيد وعلى أتباع مذهب التبعية في مجمع نيقية، فتم حرق جميع كتبهم واضطهاد جميع أتباعهم. 

وبالنسبة لأتباع مذهب التوحيد فهم أولئك الذين كانوا من بني إسرائيل وآمنوا بالمسيح عليه السلام كنبي مرسل، فهم آمنوا أنه المسيح المنتظر لبني إسرائيل، وأنه ليس له حظ في الألوهية، وهكذا اعتبروا أنفسهم إسرائيل الحقة، واستمروا على اتباع شريعة موسى ووصاياه، فكان كتابهم المقدس هو أسفار بني إسرائيل المقدسة، وأيضا آمنوا بأحد "الأناجيل المسيحية اليهودية"، ويطلق حالياً على أتباع هذا المذهب اسم "اليهود المسيحيين" أو "المسيحيين اليهود".

ويندرج تحت هذا المذهب العديد من الطوائف والتي كانت في الواقع بلا اسم يميزها عن غيرها، وكان الذي أطلق عليهم تلك التسميات المعروفة اليوم هم أتباع مذهب التثليث لكي يوحوا لنا بأنهم كانوا عبارة عن فرق ضآلة ضد المسيحية الحقة. 

فمن تلك الطوائف المندرجة تحت هذا المذهب هي طائفة "الإبيونيين" (أي الفقراء)، وكتابهم المقدس كان أسفار بني إسرائيل المقدسة (أو ما يطلق عليه حالياً "العهد القديم")، كما آمنوا أيضا بأحد "الأناجيل المسيحية اليهودية"، وقد قيل أنه كان إنجيل متى ولكن بدون الفصلين الأولين الذين تناولا ميلاد المسيح عليه السلام (أي مثل إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا الذين لم يتناولا ميلاد المسيح عليه السلام)، وقيل أنهم كانوا يؤمنوا بإنجيل العبرانيين.

وقد كانت تلك الفرقة تؤمن بالمسيح على أنه نبي مرسل وليس إله أو ابن الله، وكانت تلك الفرقة تعادي بشدة فرقة "البولسيين[6]" أي أتباع بولس الرسول، وكفروا بولس الرسول وقالوا عنه أنه مرتد عن المسيحية واليهودية، لأنه أبطل وصايا الشريعة الموسوية ووصايا المسيح على حد سواء، فهو ألغى الختان والحفاظ على قدسية السبت والأعياد وغير ذلك، وقالوا أنه فهم إنجيل المسيح وعلاقته بأسفار بني إسرائيل المقدسة بشكل مغلوط.

ب) مذهب التثنية:

آمن أتباع هذا المذهب بألوهية الآب وألوهية الابن ولكن أنكروا ألوهية الروح القدس، وهكذا آمنوا بوجود أقنومين فقط لله، ونادوا بأن الروح القدس هو عمل إلهي منتشر في الكون وليس بأقنوم، بل هو مخلوق يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبة أسمى منهم. ومن أتباع هذا المذهب هو بطريرك القسطنطينية مقدونيوس[7]

ج) مذهب التبعية أو التراتبية[8]

ليست لدينا معلومات عن أتباع هذا المذهب إلا من كتابات أتباع التثليث، ولكن الذي وصلنا عنهم هو أنهم كانوا وسط بين التوحيد والتثليث، فآمنوا بالآب والابن والروح القدس ولكن وفق مبدأ التبعية، أي أن الابن والروح القدس يتبعان الله الآب في الطبيعة والوجود أو الكيان، فكان هناك وقت كان فيه الآب ولم يكن فيه الابن أو الروح القدس، والآب هو أعظم من الابن والروح القدس، والابن هو أعظم من الروح القدس، والأب يأمر الابن والروح القدس، وهما لا يأمرانه بل يفعلان إرادته فقط. ومن أتباع هذا المذهب هو أريوس، وأوريجانوس، وترتليانوس، وأبوليناريوس[9].

د) مذهب التثليث:

انقسم هذا المذهب للعديد من الطوائف، فرغم أنهم جميعاً يؤمنون بالثالوث المقدس إلا أن كل طائفة فسرت الثالوث بشكل مختلف، مما جعل كل طائفة تكفر الطوائف الأخرى وتصفهم بالمهرطقين. 

١- ثلاثة مظاهر لله:

فمنهم على سبيل المثال من فسر الثالوث بأنه ثلاثة مظاهر لله، أي أن الله له أقنوم واحد فقط ولكن له ثلاثة مظاهر، فهو حين خلق الخلق وأعطي الناموس لبني إسرائيل كان بصفته الآب، وحين صار إنساناً وخلّص الخلق كان بصفته الابن، وحين قدس الخلق وحلً على الرسل كان بصفته الروح القدس. ومن أتباع هذا المذهب هو بابا روما أوسابيوس[10]، وسابليوس[11].

وهذا التفسير إنما هو تجديف، لأن معنى كلامهم أن الله -حاشاه- عندما ظهر في صورة الابن كان قد نزل من فوق سبع سماوات تاركاً عرشه وتاركاً تدبير الكون ليولد -حاشاه- من أحشاء عذراء.

٢- موجود بذاته، عاقل بكلمته، حي بروحه:

ومنهم من فسر الثالوث أن الله موجود بذاته الذي هو الآب، ناطق وعاقل بكلمته الذي هو الابن، وحي بروحه الذي هو الروح القدس. وضربوا مثالاِ لشرح هذا الثالوث، فقالوا مثل الإنسان له ذات وعقل وروح، ولكنه ليس ثلاثة أشخاص، بل شخص واحد.

ورغم أن أولئك الذين فسروا الثالوث بتلك الطريقة يؤكدون أنهم يؤمنون بالثالوث المقدس وأن الله له ثلاثة أقانيم، إلا أنهم بهذا الذي قالوه قد وقعوا دون أن يدروا في ما يسمونه هم بالهرطقة، فهم جعلوا الآب والابن والروح القدس عبارة عن صفات للذات الإلهية ذات الأقنوم الواحد، فجعلوا الاب هو الوجود، والابن هو العقل أو الكلام، والروح القدس هو الحياة. 

وإن قالوا: "لا لم نقصد هذا"، فهم إذن قد جعلوا الأقانيم الثلاثة عبارة عن ثلاثة أجزاء لله، فهم هكذا قد قسموا الإله لثلاثة أقسام مستقلة.

وإن قالوا: "لا لم نقصد هذا، فالأقانيم لم نقصد بها لا صفات لله ولا أجزاء لله"، فهم لا يفهمون ما يقولون أصلا، لأن المثال الذي ضربوه بأن الإنسان له ذات وعقل وروح، هو مثال فاشل، لأنهم هكذا يناقضون قولهم بأنفسهم، فالإنسان شخص واحد وله ذات وعقل وروح، ولكن لم يقل أحد أن ذات الإنسان هي إنسان كامل، وعقل الإنسان هو إنسان كامل، وروح الإنسان هي إنسان كامل، ولكن الثلاثة ليسوا ثلاثة أشخاص بل إنسان واحد. ولم يقل أحد أن ذات الإنسان مساو لعقل الإنسان مساو لروح الإنسان. 

فهم لم ينتبهوا أن الذات والعقل والروح هي مكونات للإنسان، فإن قالوا أن الله له ثلاثة مكونات هي الذات والعقل والروح، فهم بهذا ناقضوا قولهم أن الذات إله، والعقل إله، والروح إله، لأن قولهم مثل أن يكون ذات الإنسان إنسان، وعقله إنسان، وروحه إنسان. وهذا ضرب من الجنون. وهؤلاء الذين يؤمنون بذلك الثالوث على تلك الصفة، هم مثل من يقول هذه الوردة إنما هي في الواقع ثعبان، أو أن هذه الوردة الحمراء إنما لونها أصفر، هذا التناقض غير مقبول، ولم يجعل الله دينه درباً من دروب الفلسفة السفسطائية، بل يسر الدين للناس، عالمهم وجاهلهم، حتى يعرف الكل ربه ويعبد ربه باطمئنان في قلبه دون شكوك وارتياب.

٣- ثلاثة أقانيم حقيقية مستقلة ومتحدة:

ومنهم من قال بأن الله له ثلاثة أقانيم لكل واحد منها كينونة حقيقية، فالكينونة أو الجوهر ليست قاصرة على الآب وحده، فالآب له كينونة جقيقية ولكن الآب هو الأصل في الكينونة بالنسبة للابن والروح القدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الأزلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلي. وكذلك العقل ليس قاصراً على الابن وحده، لأن الآب له صفة العقل، والابن له صفة العقل، والروح القدس له صفة العقل، وكذلك الحياة ليست قاصرة على الروح القدس وحده، لأن الآب له صفة الحياة، والابن له صفة الحياة، والروح القدس له صفة الحياة، لأن تلك الصفات هي من صفات الجوهر الإلهي، وقد قال القديس أثناسيوس: "إن صفات الآب هي بعينها صفات الابن إلا صفة واحدة وهي أن الآب آب والابن ابن، ثم لماذا تكون صفات الآب هي بعينها صفات الابن، إلا لكون الابن هو من الآب وحاملاً لذات جوهر الآب!". 

وهكذا فإن من قالوا بهذا التفسير للثالوث قد وقعوا دون أن يدروا في تأليه ثلاثة آلهة، فهم يعترفوا بوجود ثلاثة كائنات سماوية هي الآب والابن والروح القدس، لكل منهم كينونة حقيقية أو وجود حقيقي مستقل، ولكل منهم صفات الإله الكاملة. 

وإذا قلت لهم هل أنتم تؤمنون بثلاثة آلهة، أي أنكم قد وقعتم في شرك تعدد الآلهة؟ أجابوا: "لا، بل نؤمن بإله واحد". وردهم هذا هو السفسطائية في حد ذاتها، للأسباب الآتية:

١- إن قلت لهم: أنتم تقولون إذن أنكم تؤمنون بإله واحد، وهذا يعني أن كل من الآب والابن والروح القدس هم إله واحد وليسوا ثلاثة آلهة، فسيردوا ويقولون أنهم يؤمنون بأن الآب إله والابن إله والروح القدس إله ولكن الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي. ولكن ردهم هذا لا يعقل لأنه إما أن تقولوا أنهم ثلاثة آلهة أو أنهم إله واحد، ولا يمكنكم بأي منطق أن تقولوا أن الثلاثة هم واحد.

٢- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هم إله واحد، أي أنهم عبارة عن ثلاثة مظاهر للإله الواحد، فهو ظهر كالآب وظهر كالابن وظهر كالروح القدس؟ فسيردوا عليك لا، هم ليسوا مظاهر للإله الواحد وإنما هم ثلاثة آلهة، لكل منهم كينونة حقيقية مستقلة ولكل منهم صفات الإله الكاملة، ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٣- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هي صفات للإله الواحد، فالله موجود بذاته الذي هو الآب وناطق بكلمته الذي هو الابن وحي بروحه الذي هو الروح القدس؟ فسيردوا عليك لا، الثلاثة آلهة ليست ثلاثة صفات بل هم ثلاثة آلهة ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٤- إن قلت لهم: هل تقصدون أن الثلاثة آلهة هي أجزاء من الإله الواحد أو تفرعات له؟ فسيردوا عليك لا، الثلاثة آلهة ليست ثلاثة أجزاء أو تفرعات بل هم ثلاثة آلهة ولكنهم الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم جميعاً من نفس الجوهر الإلهي.

٥- إن قلت لهم: إذن أنتم تؤمنون أن الثلاثة آلهة هم إله واحد لأنهم من نفس الجوهر الإلهي، أليس كذلك؟ فسيردوا هنا بنعم. ولكن استمر في سؤالهم وقل: وهل تعرفون ما معنى كلمة "الجوهر"؟ فسيقولوا نعم الجوهر هنا هو الطبيعة، أي أن الثلاثة آلهة هم من نفس الجوهر الإلهي والطبيعة الإلهية. ولكن استمر في سؤالهم وقل: فإذا قلت لكم ما هو الجوهر الذي أتكون أنا وأبي وأخي منه؟ فسيردوا بأنه الجوهر الإنساني أو الطبيعة الإنسانية. استمر في سؤالهم وقل: هل يعني أنني وأبي وأخي من نفس الجوهر الإنساني أو الطبيعة الإنسانية أننا نحن الثلاثة شخص واحد؟ فهنا انظر ان ردوا عليك أصلاً.

هم لم ينتبهوا لحقيقة واضحة وهي أن الجوهر الإلهي ليس معناه إله واحد، فمثلا آمن اليونانيون القدماء بوجود اثنا عشر إلهاً، وإيمانهم بهم نبع من اعتقادهم بأنهم جميعاً من نفس الجوهر، الجوهر الإلهي، فكلهم آلهة بسبب اشتراكهم في الجوهر الإلهي. بل وقد تسببت عقيدة التثليث هذه في ظاهرة حديثة في اليونان حالياً وهي عودة الكثير من اليونانيين لعبادة الاثنا عشر إلهاً، لأنه بالنسبة لهم لا يوجد فرق بين أن تقول أن الله له ثلاثة أقانيم أو له اثنا عشر أقنوماً! 

الخلاصة:

وهكذا فإن عقيدة أتباع مذهب التثليث هي أن الألوهية عبارة عن شركة، اشترك فيها ثلاثة كائنات سماوية من نفس الجوهر الإلهي، فكيف يقولون بعد ذلك أنهم يؤمنون بإله واحد فقط؟ 

وفي الواقع فإن أكثر المسيحيين العاديين في عصرنا هذا لا يعرفون حقيقة إيمانهم بالثالوث، فهم يؤمنون به وفق تصورات شخصية ومفاهيم مغلوطة، ولو صرحوا بكيفية إيمانهم بالثالوث لوجدوا أنفسهم ضمن الطوائف التي كفرتها الكنائس المثلثة.

أمثلة فاشلة لوصف التثليث:

يحاول بعض القساوسة شرح التثليث لعامة المسيحيين بأمثلة توضيحية، ولكن تلك الأمثلة هي خاطئة، لأن عقيدة التثليث أولا لا أساس لها، فأنت تحاول أنت تعطي مثال لشيء غير موجود أصلاً. أما بالنسبة للأمثلة فهي كلها فاشلة فلا يصدقها إلا الأطفال. وحتى لا نستعرض جميعها هنا، فنحب أن نؤكد على القارئ الكريم أنه عند سماعه لأي مثال عن التثليث، فليفكر أولا، هل هو مثال صحيح عن ثلاثة أقانيم أو ثلاثة آلهة هي نفسها في ذات الوقت إله واحد، أم أن المثال هو لثلاثة أشياء كمكونات أو أجزاء لشيء واحد أو صفات لشيء واحد! 

فمثلا يضرب القساوسة مثال شعلة النار، تستطيع أن تأخذ منها شعلة نار أخرى دون أن ينقص هذا من الشعلة الأولى شيء. ولكن هذا مثال مخادع، لأن النار لا يؤخذ منها، فشعلة النار الأولى هي عبارة عن قطعة من الخشب تم إحراقها، وتستمر النار في الوجود طالما قطعة الخشب مازالت تحترق ولم تحترق كاملة، أما الشعلة الثانية فهو في الواقع أنت أتيت بقطعة خشب ثانية ثم أحرقتها بالنار الأولى، وليس أنك أخذت نار من نار، بل أنت بإحراق قطعة الخشب الثانية خلقت نار جديدة معتمدة على قطعة الخشب الجديدة وتستمد وجودها منها.

سؤال حول مفهوم "الكلمة":

 إن من أكثر الأمور الشائكة أيضاً هو عدم وضوح معنى "ابن الله" أو "كلمة الله" عند أكثر المسيحيين. وهذه الضبابية في فهم هذا المعنى تسببت في عدم القدرة على الوصول للحقيقة.

فمثلا "ابن الله" هل المقصود به ابن بالتبني، أم انبثاق من الآب، أم ابن حقيقي؟ ان الكنيسة تنفي أن يكون المسيح هو ابن بالتبني، وتنفي أن يكون انبثاق من الآب، لأن الذي انبثق من الآب وفق عقيدتهم هو الروح القدس، أما الابن فقد ولد من الآب، ليست ولادة جسدية كمفهوم البشر عن الولادة والابن الجسدي، بل مثل الكلمة التي تخرج من العقل، فالابن وفق عقيدتهم هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل. 

وهذا كلام سفسطائي، لأنهم أصلاً لم يفهموا تلك المصطلحات التي يقولونها. فالفكرة التي تخرج من العقل أو الكلمة التي تخرج من النفس، لا يمكن مساواتها بالشخص الذي خرجت منه، فهل كلمتك أنت هي أنت؟ هل كلمتك هي عقلك ونفسك؟ وإن قالوا أن الكلمة ولدت من الآب، ولكن ليست ولادة جسدية، فنقول اشرحوا إذن كيف ولد؟ هل تقصدون أنه انبثق؟ هل تقصدون أنه تولد عنه مثلما تتولد الحرارة من الشمس؟ فتَوَلُد الحرارة من الشمس أو انبعاثها من الشمس لا يجعلها شمساً.

قول أخير: وأخيراً أقول لكل من آمن بالثالوث وشرحه بالأمثلة المادية، إن الدين قائم على التأدب مع الله وعلى تعظيم الله وعدم التقول عليه بدون علم، وأنتم قد ذهبتم بعيداً جداً في الحديث عن الذات الإلهية وأفتيتم بدون علم، وشرحتم ما لا تعرفونه ولا تفهمونه، بل واختلفتم فيما بينكم في مذاهب وطوائف يفتي كل منها عن جهل، بل وتحاولون خلق أدلة لا وجود لها، لم ينزل الله بها من سلطان.

يقول الله عز وجل: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[12]

ويقول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) }[13].

 

 

 

الفصل الرابع

طبيعة المسيح وعلاقة اللاهوت بالناسوت

والان وبسبب ابتداع عقيدة التثليث وعقيدة ألوهية المسيح ظهرت مشكلة أخرى كبيرة، وهي أنه إن كان المسيح هو الله، فكيف تم ضرب وصلب وقتل الإله؟ وكيف أن الإله كان يصلي ويصوم ويدعوا ويتعبد؟ وكيف ولدت العذراء إلهاً؟ ولهذا تم ابتداع فكرة أخرى وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، وليس طبيعة واحدة إلهية فقط أو ناسوتية فقط.

ولكن نتج عن هذا أيضاً مشكلة أخرى، وهي ما هي العلاقة بين الطبيعة اللاهوتية للمسيح بطبيعته الناسوتية؟ وكيف اتحدتا الطبيعتان؟ وهل امتزجتا أو انفصلتا أم اتحدتا دون امتزاج أو انفصال؟

وهكذا نشأت مذاهب مختلفة حول طبيعة السيد المسيح، ومنها:

١- المونوفيزية (الطبيعة الوحيدة): وهي أنه للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، ولكن بعد التجسد قد امتزجتا وأصبحتا طبيعة واحدة لاهوتية فقط، حيث تلاشى وذاب الناسوت في اللاهوت كما تذوب نقطة الخل في المحيط. ومن أتباع هذا المذهب هو أوطاخي[14] والذي كان رئيس دير في القسطنطينية يضم أكثر من ٣٠٠ راهب.

٢- الميافيزية (الطبيعة الواحدة): وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، قد اتحدتا في طبيعة واحدة، هي طبيعة الكلمة المتجسد، ولا يمكن فصلهما أو مزجهما أو تحويرهما، وهذه العقيدة هي عقيدة الكنائس الأرثوذكسية المشرقية.

٣- الديوفيزية (الطبيعتان): وهي أن للسيد المسيح طبيعتان، لاهوتية وناسوتية، موجدتان فيه ولكن دون أن يمتزجا أو يتغيرا أو ينفصلا.

وهناك مذاهب أخرى اختلفت حول طبيعتي المسيح، ومنها البيلكانيون[15] والتي يرجع اسمها لأسقف أنطاكية بولس السمساطي[16]، الذي قال بأن المسيح هو ابن الله بالتبني وأن العذراء ولدت يسوع الإنسان ثم حل عليه كلمة الله فصار إلهاً، وهكذا فإن المسيح هو إنسان تأله وليس إله تأنس، وعند الصلب فارقه كلمة الله، فمات الناسوت وحده.

وهناك مذهب النسطورية[17] التي يرجع اسمها لبطريرك القسطنطينية نسطور[18]، الذي قال أن العذراء لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب، وأن حلول اللاهوت لم يكن اتحاداً أقنومياً وإنما حلولاً بمعنى المصاحبة، فلا يوجد اتحاد بين الطبيعتين الناسوتية واللاهوتية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهية، أي أن المسيح كان فيه أقنومان متميزان، أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء، وإنما يتم تسميتها بأم يسوع، فالعذراء لا يمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق، وما يولد من الجسد إنما هو جسد.

وهناك مذاهب أخرى كثيرة، ولكن لا يسعنا ذكرها جميعها. وجميع تلك المذاهب أطلق عليها لقب هرطقات من طرف المذهبين الذين نادا بأن للمسيح طبيعتان لاهوتية وناسوتية دون امتزاج أو انفصال بينهما، وهما مذهبا الميافيزية والديوفيزية.

ونحب أن نشير إلى أن جميع المذاهب التي أطلق عليها لقب هرطقات، إنما هي في الواقع مذاهب كبيرة ترأسها أساقفة وبطاركة كبار وباباوات، وكان لهم كنائس وأتباع كثر في العديد من الدول.

فمثلا البطريرك نسطور والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة إنطاكية اللاهوتية، حاربه في مذهبه حول طبيعة المسيح بابا الإسكندرية كيرُلُّس الأول[19] والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ففي انطاكية كان اللاهوتيون والمفسّرون أكثر ميلاً إلى النظرة الارسطوطالية، ومهتمّين بالحقائق الملموسة والمرئية، ويعتمدون على التفسير الحرفي للكتاب المقدّس باللجوء إلى المعلومات التاريخية والتحليل العقلي والمقارنة بين اقوال الكتاب المقدّس، والنظريات الفلسفية. ففي إقرارهم بألوهية المسيح كانوا ينظرون إلى حياته الإنسانية الأرضية. امّا مدرسة الإسكندرية، فكانت أكثر ميلاً إلى الأفلاطونية وإلى التفسير التأويلي الرمزي للحقائق. فالأمر الذي كان يشدّ اهتمام اساتذة الإسكندرية في المسيح كان لاهوته أكثر من ناسوته. وكان هذا الاختلاف في الأسلوب المدرسي يزداد حدّة بسبب النعرة العنصرية والتنافس على الكراسي الأسقفية.

ونود أن نذكر أيضاً أن كلا المذهبين الميافيزية والديوفيزية قد اختلفا اختلافاً شديداً حول طبيعة المسيح وكان هذا سبباً في انقسام الكنائس عام ٤٥١م، في مجمع خلقيدونية، والذي أصبحت بعده الكنائس إما خلقيدونية (أي وافقت على قرارات مجمع خلقيدونية وأن المسيح له طبيعتان لاهوتية وبشرية دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنيسة الكاثوليكية وكنائس الروم الأرثوذكس في اليونان وروسيا ورومانيا والصرب والمجر والقدس ثم انضمت لهم أيضا الكنائس البروتستانتية، أو غير خلقيدونية (أي رفضت قرارات المجمع وآمنت أن المسيح له طبيعة واحدة هي "طبيعة الكلمة المتجسد" والتي تكونت من اتحاد الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة البشرية في طبيعة واحدة دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنائس القبطية والسريانية والأرمينية والأثيوبية والهندية. وقد تم اضطهاد الكنائس التي رفضت قرارات المجمع أشد الاضطهاد.

الفصل الخامس

الفلسفة وعقيدة الصلب والفداء

لقد أضرت الفلسفة بالدين المسيحي كثيراً، وذهبت بالمسيحيين بعيداً عن العقيدة الصحيحة لدين الله وأدخلت الكنيسة في أروقة الفلاسفة والسفسطائيين، ونحن هنا لا نتحدث عن الفلسفة التي هي بمعناها الأصلي تعني الحكمة، فشريعة الله مبنية على الحكمة، ولكن أيضاً لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية أنها فلسفة، وإنما نحن نتحدث هنا عن الفلسفة التي دخلت في الإلهيات والعقائد والغيبيات بلا برهان شرعي، فدين الله الصحيح قدم لنا الأدلة العقلية والإيمانية التي تثبت أنه دين الله، وأوضح لنا العقيدة الصحيحة التي يجب أن نتبعها دون أن نزيد فيها أو ننقص منها، فالعقيدة الصحيحة هي التي نتلقاها ممن أرسلهم الله لنا من الأنبياء والرسل، ولا يمكن أن نقرر نحن ما هي العقيدة في مؤتمرات ومجامع، بحيث تكون العقيدة خاضعة للتصويت، وخاضعة لأهواء البشر ومصالحهم ولمعاييرهم اللاهوتية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولهذا قيل "عندما دخلت المسيحية للإمبراطورية الرومانية، لم تصبح الإمبراطورية الرومانية مسيحية، وإنما أصبحت المسيحية رومانية.". 

فمثلاً عقيدة "الثيوطوكوس" ومعناها حاملة الإله، تم إقرار تلك التسمية في مجمع أفسس عام ٤٣١م، بعد صراع وخلاف بين القساوسة، فقد اعترض عليها بطريرك القسطنطينية نسطور والكنائس التابعة له، فقال أن العذراء هي أم يسوع وليست أم الله أو حاملة الإله. 

وبما أن العقيدة الصحيحة لدين الله هي توقيفية، بمعنى أنه لا يجب أن نزيد عليها أو ننقص منها، فكيف لم تذكر الأناجيل الأربعة عقيدة "الثيوطوكوس"، وتركت البشر بفلسفاتهم المختلفة أن يقرروا فيها؟

وأيضا بالنسبة لطبيعة السيد المسيح عليه السلام، فبعد أن كان المسيحيون الأوائل يؤمنون أنه رسول الله (انظر مرقس إصحاح ٨ عدد ٢٧)، بدأت الفلسفة تتدخل وتستنبط من الأناجيل والرسائل حتى كونت عقيدة الثالوث المقدس وتأليه المسيح عليه السلام، ولكن ظهرت من ذلك مشكلة أخرى وهي كيف أنه إله ولكن ضرب وصلب ومات؟ فتمادت الفلسفة في طبيعة المسيح فكونت عقيدة الطبيعتين، بأن له طبيعة لاهوتية وأخرى ناسوتية، ولكن ظهرت من ذلك مشكلة أخرى وهي لماذا يصلب ويموت المسيح طالما أنه ابن الله، فتمادت الفلسفة في تحديد الغرض من صلبه وموته بأنه لخلاص البشر وتكفير عنهم الخطيئة الأصلية. 

وهكذا فإن العقائد المسيحية هي عقائد غامضة، تكونت في شكلها النهائي بعد صراع كبير وطويل بين أباء الكنيسة الأوائل، أي أن عقائد المسيحية لم تكن واضحة أصلاً ولعدة قرون لدى أباء الكنيسة الأوائل واحتاجت لعقد مجامع مسكونية حتى يتم أخذ قرار فيها.

فلسفة عقيدة الصلب والفداء:

فلسفة عقيدة الصلب والفداء هي باختصار أنك قد أخطأت في حقي، ولكي أسامحك أرسلت لك ابني لكي يبصق عليه أبناءك ويسخروا منه ويضربوه ويعذبوه ويصلبوه ويقتلوه وذلك حتى أستطيع أن أسامحك! وكان بعض أبناءك شريرون فهم من قاموا بصلبه، والبعض الآخر هم من آمنوا أني أرسلت ابني لكي تقتلوه في بيتكم حتى أستطيع سماحكم عن خطأكم في حقي!

الخطيئة الأصلية وعدم القدرة على غفرانها:

الخطيئة الأصلية هي أن أدم عليه السلام عصى أمر الله بعدم الأكل من شجرة معينة في الجنة، فأخرجه الله من الجنة بسبب عصيانه، وتلك القصة واردة في الكتاب المقدس وأيضاً في القرآن الكريم ولكن باختلافات. وفي حين أن القرآن يقول أن الله عز وجل قد ألهم برحمته أدم كلمات للتوبة والاستغفار، وهكذا غفر له، فهو الغفور الرحيم، تخبرنا الكنيسة أن الله لم يستطع -حاشاه- أن يغفر هذا الذنب لأدم وأنه جعل هذا الذنب متوارث تتوارثه جميع الأجيال القادمة من نسل أدم وإلى يوم القيامة، وأنه لكي يغفر هذا الذنب يجب أن يرسل ابنه الوحيد لكي يموت على الصليب ويفدي البشر بدمه المراق.

المصلوب ليس ابن الله بمفهومنا نحن وإنما هو الله نفسه:

يعتقد الكثير من عامة المسيحيين أن الله قد أرسل ابنه الوحيد لكي يصلب ويموت فيفدينا نحن عن الخطيئة التي فعلها أدم، وهكذا مات ابن الله ثم قهر الموت وقام من الأموات وصعد للسماء وجلس عن يمين الله. ولكل مسيحي تصور خاص به عن مفهوم كلمة "ابن الله"، بل وفي أعياد القيامة عند عرض أفلام عن صلب المسيح، تجد المسيحيين تذرف أعينهم بالدمع عند مشاهدة مشهد الصلب والآلام، ودموعهم تلك توضح مدى حبهم للمسيح ومدى تأثرهم بمشاهد الآلام التي تعرض لها. 

ولكن في الواقع فإن مفهوم كلمة "ابن الله" في علم اللاهوت المسيحي ليس هو المفهوم الذي يفهمه عامة المسيحيين، مثل أن يكون ابن الله مثل ابن شخص مننا نحن البشر، بل مفهوم ابن الله يعني الله نفسه، فالابن هو أقنوم من أقانيم الله، وله صفات القدرة والقوة والجبروت مثله مثل الآب والروح القدس. ولكن الأمر يزيد تعقيداً شديداً في تحديد ماهية المصلوب، هل هو الله الذي صلب، أم هو أقنوم ابن الله، أم هو يسوع الإنسان الذي صلب؟ سنجيب على هذا في النقطة التالية بإذن الله تعالى.

مسرحية الصلب والفداء:

أغلب أباء الكنيسة المبكرة كانوا فلاسفة أو متأثرين جدا بالفلسفة اليونانية، مثل القديس يوستينوس الشهيد الذي كان فيلسوفاً ثم اعتنق المسيحية، ولهذا تدخلت سريعاً الفلسفة لحل تلك المعضلة المذكورة آنفاً، فقررت شيئاً لم يذكر في أي مكان في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وهو أن المسيح له طبيعتين، لاهوتية وناسوتية، اتحدتا في شخص يسوع المسيح ولكنهما غير ممتزجتين ولا منفصلتين ولا متحورتين، يعني لم تتحول الطبيعة الناسوتية للاهوتية، ولم تتحول الطبيعة اللاهوتية لناسوتية. 

ولكن أيضاً يبقى السؤال: من الذي صلب، هل هي الطبيعة الإنسانية أم الطبيعة اللاهوتية؟

تجيب الكنيسة بالآتي:

١- أقنوم الابن أو الكلمة قد تجسد في جسد بشري، وهكذا أصبح هذا الجسد هو جسد الله، ولكن ليس معنى هذا أن هذا الجسد بلا روح بشرية وأن روح الابن قد تجسدت فيه، بل هذا الجسد البشري فيه روح إنسانية أيضا. أي أن اللاهوت قد تجسد في روح وجسد يسوع المسيح.

٢- عن التجسد قال أثناسيوس الرسولي: " لقد جاء كلمة الله في شخصه الخاص "، وقال كيرلس الكبير: " إن الله الكلمة لم يتخذ شخصًا من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا محييًا بروح عاقل، وجعل هذا الناسوت خاصًا به جدًا، أي جعله في اتحاد طبيعي مع لاهوته. ".

٣- عند الصلب كان الألم واقع على الجسد البشري وليس على اللاهوت، لأن اللاهوت لا يتأثر بالألم، ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم كان متحداً باللاهوت.

٤- عند الموت لم يمت اللاهوت، لأن الله لا يموت، ولكن الذي مات كان هو الناسوت، بمعنى أن الروح الإنسانية للمسيح خرجت من جسده الإنساني، أما اللاهوت فلم ينل منه الموت، ولكن عند لحظة الموت وأيضاً بعد الموت ظل اللاهوت متحداً بالناسوت، فظل متحداً بجسده الميت، وبروحه الإنسانية التي خرجت من جسده. بعبارة أخرى انفصلت الروح الإنسانية عن الجسد الإنساني ولكن لم ينفصل اللاهوت عن أياً منهما رغم انفصالهما.

ولكن يرد على هذا بالآتي:

١- عبارة أن أقنوم الابن تجسد في شخص بشري له جسد بشري وروح بشرية، تنفي فكرة تجسد الإله، لأن هناك فرق كبير بين التجسد وبين الحلول، فمثلاً لو تجسدت روح شريرة في جسد خروف، فإن هذا يعني أن الروح الموجودة داخل هذا الخروف هي الروح الشريرة، والجسد هو جسد خروف بلا روح، وعلى هذا فهما شخص واحد، أي روح شريرة في جسد خروف.

أما إذا حلت روح شريرة في شخص خروف له روح وجسد خاصين به، فهذا معناه أن الخروف فيه روح خروف وله جسد خروف، ولكن حلت فيه روح شريرة فسيطرت على روح الخروف وجسده، ولا يمكن في تلك الحالة أن نقول أن الخروف هو الروح الشريرة أو اتحد الخروف مع الروح الشريرة فأصبحا شخص واحد. 

انظر إنجيل متى الإصحاح ٨ العدد ٢٨: ٢٨ ثُمَّ وَصَلَ يَسُوعُ إلَى مَنْطِقَةِ الجَدرِيِّينَ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ، فَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ مَسكُونَانِبِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ. وَكَانَ الرَّجُلَانْ خَطِرَينِ، لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَجْرُؤُ عَلَى السَّفَرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ. ٢٩ فَصَرَخَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا ابْنَ اللهِ؟ هَلْ أتَيْتَ هُنَا لِتُعَذِّبَنَا قَبْلَ الوَقْتِ المُحَدَّدِ؟» ٣٠ وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهُمْ. ٣١ فَتَوَسَّلَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيْهِ وَقَالَتْ: «إنْ أخَرَجْتَنَا، أرسِلْنَا إلَى قَطِيعِ الخَنَازِيرِ.» ٣٢ فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا.» فَخَرَجَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلَينِ، وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. حِينَئِذٍ اندَفَعَ كُلُّ القَطِيعِ مِنْ أعْلَى حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ، وَغَرِقَتِ الخَنَازِيرُ فِي المَاءِ.".

٢- اعتراف الكنيسة أن الذي تألم هو الإنسان والذي مات هو أيضاً الإنسان، فإن هذا هو ضد فكرة الخلاص والفداء، لأن الإنسان هو شخص محدود والله هو غير محدود، ولفداء خطيئة كل البشر -وفق ادعاء الكنيسة- يجب أن يراق دم ابن الله والذي هو غير محدود، ولكن الذي قالته الكنيسة يشبه أن أقول لك: سوف أضربك بالعصا، ثم تختبئ أنت داخل سيارة، ثم أضرب أنا السيارة بالعصا، فكل الضرب لم يصل إليك ولم تتأثر به.

٣- قول الكنيسة بأن الناسوت هو من نال منه الصلب والموت، ولكن بما أن اللاهوت متحد معه فهكذا حدث الخلاص والفداء، هو قول سفسطائي عجيب، فهي تنفي أن يكون اللاهوت قد تأثر بالآلام أو بالموت، ثم تقول أنه طالما أنه متحد مع الناسوت فإنه هكذا قد حدث الخلاص والفداء! وتقول أيضاً أن الجسد البشري بعد الاتحاد بين الطبيعتين أصبح جسد الله والدم البشري أصبح دم الله، وهكذا فإن من افتدى البشر على الصليب هو الله. سفر أعمال الرسل الإصحاح ٢٠ العدد ٢٨: ٢٨ لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اشتَرَاهَا بِدَمِهِ.".

ولكن هذا هو قول سفسطائي، لأن التجسد والاتحاد معناه أن كل ما يقع على الناسوت يقع على اللاهوت، فهما قد أصبحا شخصاً واحداً، فلو قلت أن الجسد البشري تألم، فهذا معناه أن جسد الله قد تألم، أي أن الله هو من تألم، فإن قلت "لا من تألم هو الناسوت وليس اللاهوت"، فسأقول لك "أنت قلت أن الناسوت متحد مع اللاهوت في شخص واحد، إذن هذا الناسوت هو ناسوت الله". بمعنى آخر، أنا مثلاً لي جسد وروح وعقل، فإن ضربني شخص على ظهري، فلا يمكن أن أقول أنه قد ضرب جسدي البشري ولم يصل هذا الضرب لروحي، فهذا كلام سفسطائي، لأن روحي متحدة مع جسدي، فمن ضرب جسدي قد ضرب نفسي كلها، سواء جسد أو روح أو عقل، لأنه ضربني أنا في شخصي أنا.

وهكذا فإن التألم الذي شعر به جسد المسيح أثناء الصلب والإهانة التي لحقت به قبل الصلب كل هذا يصل للاهوت لأن اللاهوت اتحد مع الناسوت، فضلاً عن أن الفكرة من البداية هي أن يصلب ابن الله وليس شخص بشري عادي.

٤- قول الكنيسة أن اللاهوت لم يفارق الناسوت ولا لحظة، لا قبل الصلب ولا أثناء الصلب ولا بعد الموت ولا داخل القبر، حيث ظل دائما اللاهوت متصلا ومتحداً بالناسوت، فظل اللاهوت متحداً بالجسد الميت، وبالروح التي خرجت من هذا الجسد، هذا القول يؤكد أن شخص المسيح هو شخص الله، فالجسد فيحالة اتحاد دائمة مع اللاهوت، والروح الإنسانية في حالة اتحاد دائمة مع اللاهوت، إذن هذه الروح البشرية والجسد البشري أصبحت لاهوت. فإن قالت الكنيسة: "لا، لم تمتزجا الطبيعتان"، فسأقول أن هذا كلام سفسطائي، فكلمة اتحدتا معناها امتزجتا. والقول بأنهما لم تمتزجا، معناه أن من صلب هو شخص بشري عادي حل فيه أقنوم الابن، وهكذا تكون ألغيت فكرة الفداء التي تحتاج أن يكون الفداء من شخص غير محدود.

مثال على هذا، كثيراً ما يذكر في الكتاب المقدس عبارة: "وحلت فيه الروح القدس" (انظر كورنثوس ١ الإصحاح ٦ العدد ١٩) وهذه العبارة لا تعني أن الروح القدس مع الشخص البشري الذي حل فيه قد أصبحا شخصاً واحداً، بل هذا يعني أن الروح القدس اتحدت مع روح هذا الشخص حتى ينطق بما هو صحيح.

٥- ما ذكره كيرلس الكبير أن " الله الكلمة لم يتخذ شخصًا من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا محييًا بروح عاقل " معناه أن الله الكلمة أتى بطبيعته الإلهية ولكن في طبيعة بشرية، وهذا أيضاً كلام سفسطائي، لأنه عندما ذكر العهد القديم ظهور الله لإبراهيم في هيئة بشرية، فهذا معناه أن هذه الهيئة البشرية هي أيضاً مقدسة وإلهية، لأن من ظهر فيها هو الله، ولهذا يذكر الكتاب المقدس أن إبراهيم سجد لتلك الهيئة البشرية ووجهة الخطاب نحو تلك الهيئة البشرية ولم يرفع رأسه نحو السماء ليخاطب الله. وهكذا فإن كلام كيرلس يعني أن الضرب والصلب والإهانة التي لحقت بالمسيح لا يمكن أن نقول أنها نالت من الطبيعة الناسوتية دون الطبيعة اللاهوتية، لأن الطبيعتان اتحدتا في شخص يسوع المسيح. مثال آخر، وهو أنني قد اتسخت إذا اتسخ بنطالي، وإذا بصقت أنت على قميصي فإنك بهذا قد بصقت علي أنا، وكل هذا محال على الله عز وجل، فله العزة والجبروت والعظمة والقدسية والجلال والكمال، ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفواً أحد.

هل ورث المسيح ذنب الخطيئة الأصلية أيضا؟

مشكلة أخرى ظهرت من عقيدة الصلب والفداء وفكرة الخطيئة الأصلية، وهي طالما أن السيد المسيح هو إنسان فهل ورث الخطيئة الأصلية؟ 

هذا موضوع لم يذكر له حل في الكتاب المقدس، ولكن اللجوء ثانية للفلسفة هو الحل، فتم اختراع فكرة جديدة وهي، أن الروح القدس قد طهَّر وقَدَّس مستودع  (رحم) العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئًا من الخطيئة الأصلية، وكون من دمائها جسدًا اتحد به ابن الله الوحيد. وقد تم هذا الاتحاد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء.

ولكن نرد على هذا الكلام الفلسفي: "أن هذا الكلام هو كلام سفسطائي وتلاعب بالألفاظ والمفاهيم ولا وجود له داخل الأناجيل الأربعة فمن أين جاءوا به؟ فما علاقة مستودع العذراء بالخطيئة الأصلية؟ فهم قالوا أن الروح القدس كون من دمائها جسداً اتحد به ابن الله، فكيف لم يحمل هذا الجسد الخطيئة الأصلية إذ كان متكوناً من دم العذراء وهي حاملة للخطيئة الأصلية؟ هل العبرة بمستودع العذراء وليس دمها؟ فلماذا لم يقدس دمها أيضاً؟ ولماذا لم يقدس مستودع حواء فيأتوا البشر بدون أن يرثوا الخطيئة الأصلية؟ فإن قالوا أن البشر الذين جاءوا من رحم حواء هم من صلب أدم ولهذا ورثوا الخطيئة الأصلية، فنرد عليهم ولماذا لم يخلق الله مباشرة في رحم العذراء بشراً أخرين ليسوا من صلب أدم وهكذا لا تنتقل الخطيئة الأصلية؟". في الواقع فإن كل تلك المفاهيم هي مفاهيم فلسفية وكلما استمروا فيها وتمادوا فيها فإنهم يقعون في مشاكل أكبر.

لماذا لم يصلب أدم؟

إذا كان صاحب الخطيئة الأصلية هو أدم، فلماذا لم يصلب هو وينتهي الأمر، وهكذا يكون قد كفر عن خطيئته هو قبل أن تتوارثها الأجيال القادمة.

أيضا بالنسبة لمسألة توارث الأجيال للخطيئة الأصلية هي فكرة ساذجة جداً، لأن الله العادل لا يأخذ نفساً بذنب نفس أخرى، فالله لا يعاقب الأبناء بذنب الأباء. فهذا غير موجود لا في قانون إلهي ولا في قانون بشري، بل هذا ظلم واضح مستحيل على الله العادل العظيم الغفور الرحيم.

وعندما تسأل الكنيسة لماذا ورثت الأجيال ذنب أبوهم أدم، فإن رد الكنيسة غير منطقي ولا يدخل حتى عقل الأطفال، وهو أن جميع البشر كانوا داخل جسد أدم، وهكذا فهم قطعة منه، وهكذا حملوا ذنبه أيضاً. ولعلنا نسأل، لو وجد قديس وله أبناء ولكنهم فاجرون، هل سيدخلون الجنة لأنهم سيرثون ورع أبيهم وعمله الصالح؟ كل شخص مربوط بعمله، إن كان الشخص صالحاً فعمله يعود عليه ولا يرثه أبناءه، وإن كان فاجراً فجزاء فجوره يقع عليه ولا يقع على أبناءه.

سفر حزقيال الإصحاح ١٨ العدد ١٩ يذكر قول الرب: " ١٩ فَلِمَاذَا أيُّهَا النَّاسُ تَسألُونَ لِمَاذَا لَا يُعَانِي الِابْنُ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ أبُوهُ؟ كَانَ الِابْنُ عَادِلًا وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَأطَاعَ شَرَائِعِي وَعَمِلَ بِهَا، وَلِذَا فَهُوَ بَريءٌ وَسَيَحيَا. ٢٠ الإنْسَانُ الَّذِي يُخطِئُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ. لَا يُعَاقَبُ الِابْنُ بِسَبَبِ خَطَايَا أبيهِ، كَمَا لَا يُعَاقَبُ الأبُ بِسَبَبِ خَطَايَا ابْنِهِ. الإنْسَانُ الصَّالِحُ مَسْؤُولٌ عَنْ صَلَاحِهِ، وَالإنْسَانُ الشِّرِّيرُ مَسْؤُولٌ عَنْ شَرِّهِ. ".

الخطيئة الأصلية ذنب واحد دمر البشرية، فما بال الذنوب الكبيرة من يصلب لأجلها؟

جميع أوامر الله يجب توقيرها وتعظيمها، لأن الأمر يعظم بعظم الآمر، وأمر الله لأدم بعدم الأكل من تلك الشجرة، ليس لأنها شجرة المعرفة أو الخلود أو ما إلى ذلك، بل من أجل "افعل" و "لا تفعل"، أي: الالتزام بأوامر الله والبعد عن نواهيه، ولكن عندما وسوس الشيطان لأدم ولزوجته بالأكل من تلك الشجرة حتى يوقعهما في عصيان أمر الله بسبب حسده عليهم، وعصى أدم وزوجته أمر الله، عندها أنزل الله أدم وزوجته والشيطان للأرض، قال تعالى: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) }[20].

ولكن وفقاً للكتاب المقدس، فإنه وحتى يغفر الله ذلك الذنب كان يجب أن يرسل ابنه ليموت على الصليب، ولكن إن كانت كفارة الأكل من تلك الشجرة هو أن يموت ابن الله صلباً، فماذا عن كبائر الذنوب كالشرك والكفر والقتل، فإن أكبر الذنوب هو الشرك بالله، وقد حرم الله هذا الذنب بشدة في العهد القديم وأيضاً في القرآن الكريم، ويذكر لنا العهد القديم أن بنو إسرائيل كانوا على مر العصور يقعون في عبادة الأصنام والإشراك بالله، ويذكر أيضاً أن الله عز وجل قد عاقبهم أحياناً بالسبي وتسلط الأعداء عليهم وغير ذلك، ويذكر أيضا أنه عندما تابوا وندموا غفر لهم. وعلى هذا فإن فكرة أن كفارة الأكل من الشجرة هو أن يصلب ويموت ابن الله هي فكرة غير منطقية ولا عقلانية ولا إيمانية حتى! فتلك الفكرة تصور الله عز وجل بأنه -حاشاه- عاجز عن الغفران، ومحب للانتقام -حاشاه-، وظالم لابنه الذي هو بعيد كل البعد عن ذلك الذنب!

مفهوم المسيح في اليهودية يناقض فكرة الصلب والفداء:

المسيح في اليهودية هو الرسول والملك الذي وعدهم به الله والذي سوف يجلس على عرش داود وسيملك على شعبه، ولا توجد أي إشارة في العهد القديم لعقيدة الصلب والفداء وأن أقنوم الابن سيأتي ليصلب ويخلص العالم.

 

 

الفصل السادس

أدلة أتباع مذهب التثليث

١- صيغة الجمع في العهد القديم:

يستشهد بعض القساوسة بكلمات وردت في العهد القديم، مثل ما ورد في سفر التكوين أن اسم الله "إلوهيم" والذي هو بصيغة الجمع، أيضاً "لنصنع الإنسان على صورتنا"، وهنا أيضا تحدث بصيغة الجمع، ولكن أغفل هؤلاء القساوسة أن صيغة الجمع في الكثير من اللغات إنما هي صيغة التوقير والتعظيم. ولهذا نجد في القرآن الكريم آيات تتحدث عن الله عز وجل بصيغة الجمع، ولا يفهم أي مسلم أن ذلك دليل على التثليث وإنما يفهمه جيداً أنه دليل على التعظيم. وقد تحاورت ذات مرة مع قسيس أوروبي كان يريد إثبات لي أن عقيدة التثليث موجودة في القرآن الكريم، فسألني "لماذا توجد آيات في القرآن تتحدث عن الله بصيغة الجمع؟" فقلت له: "تماما مثل ما في لغتك الأم من استخدام صيغة الجمع عند التحدث لشخص مفرد بغرض الاحترام والتوقير"، فسكت.

٢- قدوس، قدوس، قدوس:

كثيراً ما سمعت من قساوسة هذه العبارة كدليل على الثالوث، وهي في سفر إشعياء الإصحاح ٦ العدد ١: ١ وَفِي سَنَةِ وَفَاةِ الْمَلِكِ عُزِّيَّا، شَاهَدْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى عَرْشٍ مُرْتَفِعٍ سَامٍ، وَقَدِ امْتَلأَ الْهَيْكَلُ مِنْ أَهْدَابِهِ، ٢ وَأَحَاطَ بِهِ مَلائِكَةُ السَّرَافِيمِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، أَخْفَى وَجْهَهُ بِجَنَاحَيْنِ، وَغَطَّى قَدَمَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ، وَيَطِيرُ بِالْجَنَاحَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ. ٣ وَنَادَى أَحَدُهُمُ الآخَرَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». ". وصدقاً فإنني عندما أرى مثل هذه العبارة تستخدم كدليل فإنني أشعر بالشفقة على من يقولها، فهل تكرار تسبيح الرب يجعل من الرب ثلاثة أرباب؟ فالمسلمين بعد كل صلاة يسبحون الله ٣٣ مرة، ويحمدونه ٣٣ مرة، ويكبرونه ٣٣ مرة، بل وفي الدعاء يتضرعون إلى الله مكررين اسمه حتى يعلنون خشوعهم له عز وجل، فهل يمكن أن يكون ذلك دليل على وجود أرباب متعددة؟ وهل فهم بنو إسرائيل وأنبيائهم جميعاً أن "قدوس، قدوس، قدوس" تعني وجود ثلاثة أرباب؟ ألم يرى من يستشهد بهذا النص أن بعد كلمة قدوس مكتوب الرب القدير؟ يعني رب واحد وليس ثلاثة أرباب.

٣- صيغة التعميد بالثالوث:

يستشهد القساوسة بنص إنجيل متى الإصحاح ٢٨ العدد ١٩: " ١٩ فَاذْهَبُوا إِذَنْ، وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ "، ولكن موثوقية هذا النص هي محل خلاف شديد بين القساوسة، فمنهم من يتشدد في إثبات موثوقيته مستشهدا بمخطوطات ترجع للقرن الرابع، وتحديداً بعد مجمع نيقية، مثل النسخة السينائية والفاتيكانية (رغم أنه يقول أيضاً أن تلك النسخ بها أخطاء لأنها تعارض العهد الجديد الحالي الذي بين يديه في العديد من الأماكن)، ومنهم من يؤكد أنه نص دخيل على إنجيل متى وأنه لم يوجد في النسخة الأصلية لإنجيل متي والتي كانت قبل مجمع نيقية، ويستشهدون باقتباس يوسابيوس القيصري بنفس العدد ١٩ من إنجيل متى في كتابه تاريخ الكنيسة الكتاب الثالث الفصل الخامس[21]: "١٩ اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا كل الأُمَمِ بِاسْمي"، وهذا الاقتباس قد كتبه يوسابيوس مرات عديدة في كتبه وليس مرة واحدة، وكما ترى فهو لم يكتب "وعمدوهم" وإنما كتب "وتلمذوا كل الأمم" ولم يقل "باسم الآب والابن والروح القدس" بل قال فقط "باسمي". 

يمكن للقارئ الكريم البحث في هذا الموضوع حول الخلاف في موثوقية هذا العدد في إنجيل متى، فهو موضوع يطول شرحه، ولكن الخلاصة أنه لا يمكن بناء عقيدة أساسية في المسيحية مثل عقيدة الثالوث على نص مختلف في موثوقيته. 

وهدفي من ذكر هذا النص وذكر الخلاف حول موثوقيته هو ألا يأخذ القارئ الكريم الكثير من المواضيع أو العقائد وكأنها من المسلمات التي لا لبس فيها أو لا خلاف عليها، وإنما يجب عليه التأكد دائما من مصداقية كل عقيدة يؤمن بها. 

أيضا فإن النص وحتى إن كان موجودا في النسخة الأصلية فهو لا يؤسس لألوهية المسيح، فهو يتحدث عن صيغة التعميد، ومن الشواهد التي تؤكد أنه نص دخيل على إنجيل متى، أن صيغة التعميد الواردة في العهد الجديد والتي أكدها بولس وبطرس كانت دائما باسم المسيح فقط، انظر أعمال الرسل الإصحاح ١٩ العدد ٣: " ٣ فَسَأَلَ: «إِذَنْ عَلَى أَيِّ أَسَاسٍ قَدْ تَعَمَّدْتُمْ؟» أَجَابُوا: «عَلَى أَسَاسِ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا!» ٤ فَقَالَ بُولُسُ: «كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، وَيَدْعُو الشَّعْبَ إِلَى الإِيمَانِ بِالآتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِيَسُوعَ». ٥ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. "، انظر أيضا أعمال الرسل الإصحاح ٨ العدد ١٤: ١٤ وَسَمِعَ الرُّسُلُ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ أَهْلَ السَّامِرَةِ قَبِلُوا كَلِمَةَ اللهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا. ١٥ فَصَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، ١٦ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، إِلّا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَعَمَّدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. "، انظر أيضا أعمال الرسل الإصحاح ٢ العدد ٣٨: ٣٨ أَجَابَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا، وَلْيَتَعَمَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَيَغْفِرَ اللهُ خَطَايَاكُمْ وَتَنَالُوا هِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ "، انظر أيضا غلاطية الإصحاح ٣ العدد ٢٦: ٢٦ فَإِنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. ٢٧ لأَنَّكُمْ، جَمِيعَ الَّذِينَ تَعَمَّدْتُمْ فِي الْمَسِيحِ، قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. ".

أيضا فإن من أقوى الأدلة أن هذا النص " وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " هو نص دخيل ولم يقله المسيح عليه السلام، هو أن إنجيل متى قد ذكر تلك العبارة في حوار المسيح عليه السلام مع تلاميذه بعد حادثة القيامة المزعومة، ولكن إن نظرنا في نفس الحوار ولكن وفقاً لإنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١٥: ١٥ وَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَبَشِّرُوا الْخَلِيقَةَ كُلَّهَا بِالإِنْجِيلِ: ١٦ مَنْ آمَنَ وَتَعَمَّدَ، خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَسَوْفَ يُدَانُ. ". أيضاً نفس الحوار ورد في إنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ٤٦: "٤٦ وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَدْ كُتِبَ، وَهكَذَا كَانَ لابُدَّ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ وَيَقُومَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، ٤٧ وَأَنْ يُبَشَّرَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَغُفْرَانِ الْخَطَايَا فِي جَمِيعِ الأُمَمِ انْطِلاقاً مِنْ أُورُشَلِيمَ. ٤٨ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ.» ". أيضا نفس الحوار  ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ٢١: ٢١ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «سَلامٌ لَكُمْ. كَمَا أَنَّ الآبَ أَرْسَلَنِي، أُرْسِلُكُمْ أَنَا». ٢٢ قَالَ هَذَا وَنَفَخَ فِيهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. ٢٣ مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُمْ غُفِرَتْ لَهُمْ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُمْ، أُمْسِكَتْ!» ".

وقد يقول قائل أن المسيح عليه السلام قد يكون قد قال كل هذا ولكن كل إنجيل نقل جزء من حواره مع التلاميذ، فأقول له أنك بهذا الشكل تصنع إنجيل خامس هو "الإنجيل وفق روايتك أنت"، فالحوار في كل إنجيل يتناقض مع الأناجيل الأخرى، بل ولو قرأت قصة القيامة من الأموات والمذكورة في الأناجيل لوجدت تناقضات كبيرة فيما بينهم، بل وأكثر القصص المذكورة في الأناجيل الأربعة إذا قرأتها وقارنت فيما بينهم كما وردت في الأربعة أناجيل فستجد اختلافات وتناقضات كثيرة وكبيرة. 

٤- وهؤلاء الثلاثة هم واحد:

يستشهد القساوسة بنص رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧: ٧ فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد. ".

في الواقع فإن هذا العدد لم يُذكر في أي من المخطوطات اليونانية القديمة، وإنما هو كان عبارة عن تعليق كتب في الهامش الجانبي للصفحة في ترجمة لاتينية تعود للقرن الخامس الميلادي، ولكن مع مرور الوقت استحسنت الكنيسة الكاثوليكية إضافة هذا العدد داخل الكتاب المقدس وإضفاء عليه صفة القدسية حتى تقنع الناس بعقيدة التثليث.

وفي عام ١٥٠٢م كلف الكاردينال فرانسيسكو خيمينيز دي سيسنيروس[22] فريقًا من المترجمين الإسبان بتجميع الكتاب المقدس بأربع لغات وهي اليونانية والعبرية والأرامية واللاتينية، بحيث تكون كل صفحة بها الأربع لغات في أربع أعمدة متوازية، وذلك لإنشاء ما يعرف ب "الكتاب المقدس متعدد اللغات"[23]. وكان إيراسموس[24] هو المسؤول عن الطبعة اليونانية، والتي تعد أول طبعة للكتاب المقدس باللغة اليونانية، ولقد صدرت الطبعة اليونانية الأولى والثانية لإيراسموس بدون أن تحتوي على هذه العبارة الواردة في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧، ولكن قامت الكنيسة الكاثوليكية بالضغط على إيراسموس لكي يضيفها في الطبعة الثالثة، ولكنه رفض ذلك قائلاً أنه لم يجد تلك العبارة مذكورة في أي من المخطوطات اليونانية، ولكن بعد استمرار الضغط عليه من الكنيسة الكاثوليكية اضطر للموافقة، وهكذا صدرت الطبعة الثالثة محتوية على تلك العبارة! 

وبما أن نسخة الملك جيمس قد اعتمدت على ترجمة إنجليزية كانت قد اعتمدت على الطبعة الثالثة لإيراسموس، لهذا نجد أن تلك العبارة موجودة أيضا في نسخة الملك جيمس. أما في الترجمة الألمانية التي قام بها مارتن لوثر، والتي اعتمدت على الطبعة الثانية لإيراسموس، نجد أن تلك العبارة غير موجودة!

ومازالت تلك العبارة موجودة حالياً في الكثير من إصدارات الكتاب المقدس حول العالم رغم علم الكنيسة أنها عبارة مزورة لا أساس لها في أي من المخطوطات القديمة! وهناك إصدارات كثيرة حذفت تلك العبارة لعلمها أنها مزورة، مثل النسخة القياسية المنقحة (RSV) فكتبت:

7 And the Spirit is the witness, because the Spirit is the truth. 8 There are three witnesses, the Spirit, the water, and the blood; and these three agree.”

وترجمته بالعربية هي: ٧ والروح هو الشاهد، لأن الروح هو الحق. ٨ هناك ثلاثة شهود، وهم الروح، والماء، والدم، وهؤلاء الثلاثة متفقون. ".

٥- نصوص تؤكد على وجود الروح القدس:

نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث عن وجود "الروح القدس" لا يمكن الاستدلال بها على عقيدة الثالوث ولا على تأليه المسيح والروح القدس، فلو قرأناها لن نفهم منها أنها تأله الروح القدس أو تتحدث عن ثالوث مقدس وأن الله له ثلاثة أقانيم -حاشاه-. 

علماً أن المسلمين يؤمنون أيضا بوجود روح القدس، يقول الله تعالى: { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }[25]، والمقصود بروح القدس هو الملاك جبريل عليه السلام، فهو رسول الله للأنبياء والرسل يبلغهم رسالاته ويؤيدهم بنصره، وقد أرسله الله تعالى لمريم أم المسيح عليهما السلام. 

يقول الله تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) }[26]، ويقول تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) }[27]، ويقول تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102) }[28]، ويقول تعالى: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ }[29].

وفي الحديث الشريف دعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت عندما رد على المشركين هجاءهم: " يا حَسَّانُ ! أَجِبْ عن رسولِ اللهِ ، اللهم أَيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ "[30].

ولكن قد يرد أحد القساوسة بنصين في غاية الأهمية بأن جبريل ليس هو الروح القدس، وقد وردا في إنجيل متى وإنجيل لوقا، إنجيل متى الإصحاح ١ العدد ١٨: ١٨ أَمَّا يَسُوعُ الْمَسِيحُ فَقَدْ تَمَّتْ وِلادَتُهُ هكَذَا: كَانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ؛ وَقَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا مَعاً، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ١٩ وَإِذْ كَانَ يُوسُفُ خَطِيبُهَا رَجُلاً صَالِحاً، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُشَهِّرَ بِها، قَرَّرَ أَنْ يَتْرُكَهَا سِرّاً. ٢٠ وَبَيْنَمَا كَانَ يُفَكِّرُ فِي الأَمْرِ، إِذَا مَلاكٌ مِنَ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ يَقُولُ: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ! لَا تَخَفْ أَنْ تَأْتِيَ بِمَرْيَمَ عَرُوسِكَ إِلَى بَيْتِكَ، لأَنَّ الَّذِي هِيَ حُبْلَى بِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ٢١ فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». ٢٢ حَدَثَ هَذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِلِسَانِ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: ٢٣ «هَا إِنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْبَلُ، وَتَلِدُ ابْناً، وَيُدْعَى عِمَّانُوئِيلَ!» أَيِ «اللهُ مَعَنَا». ".

إنجيل لوقا الإصحاح ١ العدد ٣٠: ٣٠ فَقَالَ لَهَا الْمَلاكُ: «لا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، فَإِنَّكِ قَدْ نِلْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ! ٣١ وَها أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. ٣٢ إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ ... ٣٤ فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاكِ: «كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا، وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» ٣٥فَأَجَابَهَا الْمَلاكُ: «الرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُدْرَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لِذلِكَ أَيْضاً فَالْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. ".

ولكن هذين النصين قد أثارا مسألة هامة جداً، وهي هل المسيح هو ابن الله أم ابن الروح القدس؟ فانظر في النص يقول "حبلى من الروح القدس"، "إنما هو من الروح القدس"، "الروح القدس يحل عليك"، فإن كانت حبلى من الروح القدس فكان بالأحرى أن يسمى الروح القدس بالآب، ولهذا فلماذا يسمى الآب بالآب إن لم يكن هو الآب؟ وإن قلت أن الروح القدس إنما هو روح الآب، فهكذا قد ألغيت أقنوم الروح القدس وجعلت الروح القدس جزء من الآب وجعلت الروح القدس والآب أقنوم واحد، وإن قلت لا ليسا أقنوم واحد وإنما أقنومين وأن المسيح عليه السلام مولود من الآب ولكن دور الروح القدس هنا يقتصر على إيصال الابن لرحم مريم عليها السلام، فعندها أنت تقر أن دور الروح القدس هو أنه رسول من عند الله ينفذ أمر من عند الله وليس هو الله نفسه. والذي ذكره القرآن الكريم هو أن روح القدس هو رسول الله الملاك جبريل عليه السلام. 

أيضا إن قلت أن المسيح هو ابن الله فسوف أفهم ماذا تقصد (رغم أنني لا أوافقك الرأي)، وإن قلت أن المسيح هو ابن الله الأزلي والغير مخلوق وأنه كائن سماوي وأنه أحد الأقانيم الثلاثة لله فأيضا سأفهم ماذا تقصد (رغم أنني لا أوافقك الرأي)، ولكن إن قلت لي " إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ " فعندها سأقول لك أني لا أفهم بأي لغة تتحدث، لأن الكلام هنا قد فاق العقل البشري وفاق كل ما يتعلق بالمنطق السليم، لأنه وببساطة أين هو الكائن السماوي الأزلي الغير مخلوق والذي تدعوه أنت بالابن؟ إن قلت لي أن الابن تجسد في هيئة جنين في بطن العذراء فسوف أفهم تلك اللغة، ولكن هنا أنت لا تتحدث عن تجسد الابن، وإنما أنت ألغيت وجود الابن أصلاً وتتحدث عن عملية خلق الابن في رحم العذراء عليها السلام، مما ينفي عنه صفة الألوهية والأزلية، فالنص لا يقول "وحل في رحمها الابن" أو "وتجسد الابن في رحمها" وإنما يقول "وجدت حبلى من الروح القدس"، ويقول أيضا "الروح القدس يحل عليك وقدرة العلي تظللك"، فهنا تحدث عن كائنين سماويين (أقنومين) ولم يذكر أين هو الكائن السماوي الثالث والأزلي (أقنوم الابن)! وإن قلت أن المولود إنما هو الناسوت، قلت لك وأين هو اللاهوت؟ ألم تقل أن المسيح إنسان كامل وإله كامل؟ ألم تقل أن له طبيعتين، ناسوتية ولاهوتية؟ فالطفل الذي سيولد نعم أفهمك أن هذا هو الناسوت، ولكن أنت لم تذكر أين هو اللاهوت في تلك اللحظة! لماذا يحتاج لاهوت الابن أن يوصله الروح القدس لرحم العذراء؟ ألم يستطع أن ينزل في رحمها وحده؟ وإن قلت أن الروح القدس والابن إنما هما الله نفسه، فسأقول لك أليست عقيدتك تنص أن الآب ليس هو الابن والابن ليس هو الروح القدس ولكنهم جميعا الله؟ فإن قلت أن العذراء وجدت حبلى من الروح القدس، فسأقول لا يمكن أن تكون حبلى بالروح القدس من الروح القدس، ولا يمكن أن تكون حبلى بالله -حاشاه- من الله -حاشاه-. 

إن عقيدة الثالوث تعتمد على السفسطائية، فلا علاقة لها بعقل أو إيمان، هي عقيدة تطلب فيها الكنائس من المسيحيين الاعتقاد بها حتى وإن فاقت قدراتهم العقلية، وهكذا فلماذا لا يؤمنون بأديان الهنود الحمر أو أي أديان تطلب من الناس الإيمان بها دون إعمال العقل؟

وأحب أن أعلق على مسألة أن النصين السابق ذكرهما قد فرقا بين الروح القدس وملاك الرب، وعليه فكيف يكون روح القدس هو الملك جبريل عليه السلام؟ والرد على ذلك:

أولا: الأناجيل ليست مصدر موثوق بحيث تأخذ منه الكلمات بدقة وتقف على كل حرف وكلمة فيها، وهذا سوف نوضحه بإذن الله تعالى عندما سنورد العديد من التناقضات بين الأناجيل الأربعة في ذكر نفس القصص، وعليه فإن عبارة أنها حبلت من الروح القدس، قد توضح أصلها ومعناها عند قراءة القرآن الكريم، قال الله تعالى: { وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ }[31]، أي واذكر - أيها الرسول - قصة مريم عليها السلام التي صانت فرجها من الزنى، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ فيها فحملت بعيسى عليه السلام، وكانت هي وابنها عيسى علامة للناس على قدرة الله، وأنه لا يعجزه شيء حيث خلقه من غير أب.

ثانيآً: الأناجيل الأربعة ليست وحياً من عند الله، فالنص الذي ذكرناه من لوقا الإصحاح ١ العدد ٣٠، لو نظرت فيما مكتوب قبله في نفس الإصحاح، لقرأت الآتي: ١ لَمَّا كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى تَدْوِينِ قِصَّةٍ فِي الأَحْدَاثِ الَّتِي تَمَّتْ بَيْنَنَا، ٢ كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنَ الْبَدَايَةِ شُهُودَ عَيَانٍ، ثُمَّ صَارُوا خُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، ٣ رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً، بَعْدَمَا تَفَحَّصْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ تَفَحُّصاً دَقِيقاً، أَنْ أَكْتُبَهَا إِلَيْكَ مُرَتَّبَةً يَا صَاحِبَ السُّمُوِّ ثَاوُفِيلُسَ ٤لِتَتَأَكَّدَ لَكَ صِحَّةُ الْكَلامِ الَّذِي تَلَقَّيْتَهُ. "

إذن إنجيل لوقا نفسه يعترف أنه عبارة عن رسالة كتبها كاتبها بدافع شخصي وليس لها علاقة بأي وحي من الروح القدس كما تدعي الكنيسة.

٦- الروح القدس هو روح الله والمسيح:

في حين يقول المسيحيون أنهم يؤمنون بإله واحد وأن ديانتهم هي ديانة توحيدية، نسمع في أحد عظات البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والتي كانت حول الروح القدس الآتي: 

"من هو الروح القدس؟ الروح القدس هو روح الله القدوس، وهو روح المسيح، وهو روح الحق، وهو روح المعزي أو البارقليط، وهو الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس أقنوم الحياة، نقول الله حي بروحه ... الروح القدس مذكور في العهد القديم، في أول إصحاح في الكتاب المقدس ستجدوا (سفر التكوين الإصحاح ١ العدد ١): ١ فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، ٢ وَإِذْ كَانَتِ الأَرْضُ مُشَوَّشَةً وَمُقْفِرَةً وَتَكْتَنِفُ الظُّلْمَةُ وَجْهَ الْمِيَاهِ، وَإِذْ كَانَ رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ. "، فروح الله هو الذي أعطى الحياة للكون كله ... أنا أريد أن أحدثكم قليلاً عن الروح القدس لأن أناس كثر يصلون لله الآب وأناس كثر يصلون للابن ويندر أن توجد صلة بين الناس وبين الروح القدس، ولهذا يجب أن تعرفوا أهمية الروح القدس لكي تكون لكم علاقة به.".

ولكن نعلق على ما ذكره بالآتي:

أولا: أليس هكذا قد اعترف البابا شنودة أن المسيحيين قد قصروا في عبادتهم للروح القدس وأنهم يصلون فقط للآب والابن، أليس هذا يعني أن الديانة المسيحية لا تؤمن بإله واحد وإنما بثلاثة آلهة؟ ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم: { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }[32]، ألم يقل الله تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[33].

بل والعجيب أن امرأة مسيحية كانت قد سمعت محاضرة الأنبا شنودة، وبعد ذلك بفترة اتصلت على برنامج تليفزيوني فيه قسيس آخر كبير، وسألته: "هل يجب أن نصلي للآب، ثم نصلى للابن، ثم نصلي للروح القدس؟".

فأجابها بأن الصلاة الواحدة تصلهم جميعاً، مثل الثلاثة أسلاك للكهرباء الواصلين بمقبس واحد، إذا ضغطت على المقبس فإن الكهرباء ستصل للثلاثة أسلاك في نفس الوقت. 

وكلامه هذا يناقض كلام البابا شنودة! 

بل وكلامه هذا نفسه خاطئ ومثاله خاطئ لأنه أراد تشبيه الصلاة بالكهرباء التي ستصل للثلاثة آلهة في نفس الوقت، فهو هكذا نفى أنه يؤمن بإله واحد، بل يؤمن بثلاثة آلهة، ستصلهم الصلاة في نفس الوقت، فهو شبه الأقانيم بثلاثة أسلاك مستقلة حتى وإن ارتبطت واتصلت بمقبس واحد، فهذا لا يجعل منها سلك واحد، بل هم ثلاثة أسلاك مستقلة حتى وان اتحدت وترابطت.

ثانياً: بالنسبة لكلمة "روح الله يرفرف على سطح المياه" فهل كل أنبياء العهد القديم كانوا على باطل فلم يفهم منهم أحد كلمة "روح الله" بأنها أقنوم ثالث؟ فالثالوث لا يوجد في دين بني إسرائيل وإنما يوجد فقط في الديانة المسيحية وأقر في القرن الرابع بعد خلق العديد من الحجج الواهية لإثباته. وإن كنت تقول أن "روح الله" تعني "أقنوم الروح القدس"، فما بالك بكلمة "عبد الله"، "ملاك الرب"، "رسول الله"، "ملكوت الله"، "جنة الله"، "نعيم الله"، "بيت الله"، فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم، ولو قلنا "عظمة الله"، "إرادة الله"، "علم الله" فنحن هنا نتحدث عن صفات الله تعالى، أما بالنسبة للروح فليست من صفات الله تعالى وإنما هي خلق من مخلوقات الله تعالى، وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء، وليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه. 

وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح"[34] في المسألة السابعة عشرة، "هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟":

"فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له. ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ }[35].".

 

 

 

تم بحمد الله وتوفيقه.،

 

 

[1] Δοκητισμός – Docetism.

[2] δοκεῖν (dokeĩn)

[3] Separation.

[4] Modalism.

[5] هذا ما يعرف بمذهب "التبعية".

[6] Paulians.

[7] Macedonius I of Constantinople.

[8] Subordinationism.

[9] Apollinaris of Laodicea

[10] Pope Eusebius

[11] Sabellius

[12] سورة آل عمران الآية ٧٨

[13] سورة البقرة الآية ١٦٨-١٦٩

[14] Eutyches 380-456.

[15] Paulicians - Paulicianism.

[16] Paul of Samosata 200-275.

[17] Nestorianism.

[18] Nestorius 386-450.

[19] Cyril of Alexandria 376-444.

[20] سورة البقرة الآية ٣٥-٣٨

[21] Church History (Book III), Chapter 5. The Last Siege of the Jews after Christ. “Go and make disciples of all the nations in my name.”.

[22] Francisco Jiménez de Cisneros.

[23] Complutensian Polyglot Bible.

[24] Desiderius Erasmus.

[25] سورة البقرة الآية ٨٧

[26] سورة مريم الآية ١٦-٢١

[27] سورة الشعراء الآية ١٩٢-١٩٤

[28] سورة النحل الآية ١٠٢

[29] سورة المائدة الآية ١١٠

[30] صحيح الجامع

[31] سورة الأنبياء الآية ٩١

[32] سورة الإسراء الآية ٤٢

[33] سورة المؤمنون الآية ٩١

[34] كتاب الروح صفحة ١٤٤

[35] سورة الجاثية الآية ١٣

عقيدة الثالوث من الألف إلى الياء

Download

About the book

Author :

Ahmed Al-Amir

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Comparative Religions