تلخيص كتاب لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير

هذا الكتاب عبارة عن بحوث في القرآن وعلومه , حاول فيها المؤلف دراسة تاريخ القرآن الكريم , والتعريف بإعجازه وقراءاته وعلومه , وبأهم مناهج التفسير , مع التعريف ببعض الكتب المهمة التي تمثل هذه المناهج.

موضوع البحث

تلخيص كتاب لمحات في علوم القرآن
واتجاهات التفسير

 

 

تأليف
الدكتور محمد بن لطفي الصباغ

تلخيص
أحمد محمد بوقرين
طالب ماجستير – قسم أصول الدين
بالجامعة الأمريكية المفتوحة

مقدمة المؤلف
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , و اشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .

أما بعد :
فهذه بحوث في القرآن و علومه , حاولت فيها دراسة تاريخ القرآن الكريم , و التعريف بإعجازه و قراءاته و علومه , و بأهم مناهج التفسير , مع التعريف ببعض الكتب المهمة التي تمثل هذه المناهج , بإيجاز شديد يمكنني من إعطاء فكرة واضحة عن أبرز معالم هذه الموضوعات المهمة .

وقد سميت هذا الكتاب " لمحات في علوم القرآن و اتجاهات التفسير "
وقسمته قسمين :

القسم الأول : في القرآن و علومه و يتألف من ثلاثة أبواب وهي :
الباب الأول : في القرآن : و فيه سبعة فصول
الباب الثاني : في تاريخ القرآن : و فيه أربعة فصول
الباب الثالث : في علوم القرآن : و فيه ثلاثة فصول

القسم الثاني : في التفسير و اتجاهاته , و يتألف من ثلاثة أبواب , و هي :
الباب الأول : في أصول التفسير
الباب الثاني : في تاريخ التفسير , و فيه أربعة فصول
الباب الثالث : في مناهج التفسير , و فيه ستة فصول

وأسأل الله أن يسدد خطانا على طريق الحق و أن يجعلنا ممن يعيش وفق أحكام القرآن الكريم , و ممن يجاهد بالغالي و الرخيص ليحكم القرآن و يسود حياتنا في جوانبها جميعا .

القسم الأول
القرآن و علومه

في تعريف القرآن ووصفه و دوره في ماضينا و مستقبلنا :
تعريف القرآن الكريم  :
القرآن هو كلام الله المعجز , ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , المكتوب في المصاحف , المنقول عنه بالتواتر , المتعبد بتلاوته .
ويقتضي هذا التعريف شرح بعض الأمور :
فقولنا " كلام الله " خرج بهذا كلام الجن و البشر و الملائكة .
وقولنا " المعجز " خرج بهذا القيد كلام الله الذي عبر عنه الرسول بلفظه .
وقولنا " المنزل على محمد " خرج بهذا ما نزل على الأنبياء السابقين .
وقولنا  " المكتوب في المصاحف  , المنقول بالتواتر , المتعبد بتلاوته " خرجت الأحاديث القدسية و الأحاديث النبوية و الآيات التي نسخت تلاوتها فلم تعد مكتوبة في المصحف .

•    خلود القرآن :
القرآن الكريم باقٍ ما بقيت الدنيا , يتحدى كل عوامل الإفناء و الفناء , و ذلك بحفظ الله له قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون "

•    دور القرآن في حفظ لغتنا العربية و الإبقاء على أمتنا :
بقي القرآن الكريم الحارس الأمين الذي حفظ على هذه الأمة كيانها و مقومات وجودها و ذاتيتها و حمى لغتها من الضياع رغم ما مرت به الأمة خلال تاريخها الطويل من أيام قاسية و نكبات سود أهلكت الحرث و النسل .

•    القرآن أساس الإصلاح و سبب النهضة و المجد و هو دستور المسلمين :
كان القرآن الكريم و لا يزال المشعل الوقاد و المنار المضيء , ينير للأجيال الطريق نحو المجد و الرفعة و السعادة و قيادة الدنيا إلى الخير و الحق  و يسلك بها طريق الرشاد فكانت فيه الأسس الفكرية و الاجتماعية و السياسية و الروحية و الخلقية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي .
ففي هذا الكتاب العظيم العقيدة الصحيحة السليمة و فيه أسس النظام الروحي و أسس النظام الأخلاقي و أسس النظام الاجتماعي و أسس النظام الاقتصادي و السياسي الذي تقوم عليه دولة الإسلام معتمدة على الشورى و العدل و المساواة و إحقاق الحق و إبطال الباطل .

 
الفص الثاني
في أسماء القرآن الكريم

لهذا الكتاب العظيم أسماء مشهورة هي : القرآن و الكتاب و الفرقان .
وقد أورد أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة (1) المتوفي سنة 494 هـ في كتابه البرهان في مشكلات القرآن " كما نقل ذلك السيوطي – خمسة و خمسين اسماً (2) .

القرآن :
و ينطق بهذه الكلمة على وجهين : مهموزة و غير مهموزة .

1. القرآن مهموزة : مصدر على وزن فعلان و فعل هذا المصدر هو (قرأ)
ولكلمة قرآن معنيين :
أحدهما : مصدري , بمعنى القراءة كما في قوله تعالى : " إن علينا جمعه و قرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " (3) .
و الآخر : علم شخص على ذلك الكتاب الكريم كما في قوله تعالى : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " (4) .

2. القرآن غير مهموزة :
وهناك ثلاث تخريجات لهذه الكلمة :
أحدها : أن تكون مسهلة من ( القرآن )
ثانيها : أن ليست مأخوذة من شيء وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه .
ثالثها : أنها مشتقة من ( قرن ) لاقتران السور و الآيات و الحروف فيه و بهذا قال الأشعري رحمه الله .

الكتاب :
هو اسم أخر للقرآن ورد في عدد من الآيات الكريمة كما في قوله تعالى : " ذلك الكتاب لا ريب فيه " (5) .
وكلمة ( الكتاب ) مصدر ( كتب يكتب ) .

الفرقان :
أما الفرقان فهو اسم للقرآن أبضا , و هو مصدر أطلق على القرآن فأضحى علما .
وقد استعمل بهذا المعنى العَلَمي في قوله تعالى : " تبارك الذي نزل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرا " (6) .

 
الفصل الثالث
في الوحي
الوحي في اللغة :
قال ابن فارس في مقاييس اللغة :
الواو و الحاء و الحرف المعتل أصل يدل على إلقاء علم في إخفاء إلى غيرك , فالوحي الإشارة , و الوحي الكتاب و الرسالة , و كل ما ألقيته إلى غيرك حتى كلمة فهو وحي كيف كان .
إذن فمعنى الوحي في اللغة : الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوحى إليه . بحيث يخفى على غيره (7) و يدخل تحت ذلك أنواع عديدة من الإعلام و منها :
-    الإلهام الغريزي كالوحي إلى النمل .
-    ومنها إلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة الطاهر الروح كالوحي إلى أم موسى .
-    و منها وسوسة الشيطان كما تأتي كلمة ( الوحي ) بمعنى الأمر .

الوحي في الشرع :
هو تكليم الله سبحانه واحدا من عباده بطريقة من طرق الوحي .
وصور الوحي :
1.    أن يكون بالرؤيا الصادقة .
2.    أن يكون بإلهام النبي في حالة اليقظة و إلقاء المعنى في قلبه من غير أن يرى الملك .
3.    أن يكون بتكليم النبي من وراء حجاب و بشكل مباشر ويسمع النبي الكلام .
4.    ويكون بتكليم النبي بواسطة جبريل عليه السلام .

الخلاصة :
وخلاصة ما يمكن أن نذكره في ظاهرة الوحي ما يلي :
1.    أنها حالة غير اختيارية .
2.    وهي عارض غير عادي .
3.    وهي قوة خارجية لأنها لا تتصل بنفس النبي صلى الله عليه و سلم إلا حينا بعد حين .
4.    وهي قوة عالمة لأنها توحي إليه علما .
5.    وهي قوة أعلى من قوة النبي صلى الله عليه و سلم لأنها تحدث في نفسه و بدنه تلك الآثار العظيمة .
6.    وهي قوة خيرة معصومة لأنها لا توحي إلا بالحق ولا تأمر إلا بالرشد . (8)

 

 

 
الفصل الرابع
تنجيم القرآن
معنى التنجيم :
التنجيم في اللغة هو التفريق . يقال نجم المال تنجيما : إذا أداه نجوما .
وتنجيم القرآن أي نزوله مفرقا على دفعات .

مدة التنجيم :
نزل القرآن منجما في مدة ثلاث و عشرين سنة .

كمية النازل في كل نجم :
كانت كمية الآيات تتفاوت في النزول , فأحيانا كانت آية واحدة و أحيانا بعض ىية و أحيانا كانت تنزل على النبي صلى الله عليه و سلم الآيتين و الخمس و العشر و أحيانا تنزل سورة كاملة كما في سورة الفاتحة و الكوثر و المرسلات و غيرها .

حِكم التنجيم و أسراره :
1.    تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه و سلم .
2.    تسهيل حفظه .
3.    موالاة الحجة بعد الحجة .
4.    فضح المنافقين و المشركين .
5.    التذكير و التأثير في النفس .
6.    رعاية المجتمع الإسلامي و الأخذ بيده في الحياة الجديدة على ضوء هداية الله عز و جل .
7.    إثبات الإعجاز .

 
الفصل الخامس
في الآية و السورة
( أ ) الآية :
الآية في اللغة :  تأتي الآية في اللغة على عدة معانٍ هي :

1.    المعجزة و منه قوله تعالى : " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " (9)
2.    العلامة الظاهرة و منه قوله تعالى : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " (10)
3.    الأمر العجيب و منه قوله تعالى : " و جعلنا ابن مريم و أمه آية " (11)
4.    العبرة و منه قوله تعالى : " إن في ذلك لآية " (12)
5.    البرهان و الدليل و منه قوله تعالى : " و من آياته خلق السموات و الأرض" (13)
6.    تأتي بمعنى الجماعة : و منه قولهم : خرج القوم بآياتهم أي بجماعاتهم  قال برج بن مسهر الطائي . (14)

اشتقاقها :
أقرب الأقوال إلى الصواب أنها مشتقة من ( التأييًَ ) بمعنى التثبت و الإقامة على الشيء .
جمعها :
آي , و آيات و أياء .

الآية في القرآن :
هي طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها و عما بعدها , و لها مبدأ و مقطع و هي مندرجة في سورة و معرفتها توقيفية على القول الراجح .

كيف تعرف الآيات :
القول الراجح أن معرفتها لا يكون إلا بخبر من النبي صلى الله عليه و سلم .

(ب) السورة :
قال ابن فارس : السين و الواو و الراء أصل واحد يدل على علو و ارتفاع (15)
جمعها : سُور و سورات .

السورة في القرآن :
هي طائفة من آيات القرآن مسماة باسم خاص , و لها فاتحة و خاتمة , و أقلها ثلاث آيات .

من سمى آيات القرآن :
ذهب السيوطي إلى أنها مسماة بتوقيف من النبي صلى الله عليه و سلم . هذا و قد يكون للسورة اسمان فأكثر , و الغالب أن لها اسماً واحداً .

 
الفصل السادس
في ترتيب سور القرآن و آياته

1.    ترتيب آيات القرآن :
أما ترتيب الآيات في السورة الواحدة فقد كان في عهده صلى الله عليه و سلم و بإشارة منه و بهذا فإن ترتيب الآيات توقيفي كما جاءت بذلك الأحاديث .

2.    ترتيب سور القرآن :
أما ترتيب السور فأمر مختلف فيه فبعضهم يقول أنه توقيفي و بعضهم يقول أنه اجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم , قال الباقلاني : ( يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه و سلم قد رتب سوره , و أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده . و لم يتول ذلك بنفسه , و هذا الثاني أقرب ) (16) .

 
الفصل السابع
في إعجاز القرآن
الإعجاز :
كان القرآن معجزا للعرب ذوي الفصاحة و البلاغة , تحداهم فلم يقدر أحد  منهم على معارضته , حتى دخلوا في دين الله تعالى و من أشهر الذين دخلوا في الإسلام بسبب إعجابهم بإعجاز القرآن : عمر بن الخطاب و أسيد بن حضير و سعد بن معاذ و غيرهم .

مدار الإعجاز :
لقد كان الإعجاز هو أسلوب القرآن و نظمه و بيانه و لم يكن لشيء خارج عن ذلك .

القول بالصرفة :
زعم النظام و هو من أئمة المعتزلة في العصر العباسي أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته , و كان مقدورا لهم , وقد أنكر هذا القول جمهرة علماء اللغة و الدين , و تولوا الرد عليه منذ أيام الجاحظ ثم القاضي عبد الجبار المعتزلي حتى العصر الحاضر .
قال ابن كثير : " و أما من زعم من المتكلمين أن الإعجاز إنما هو من صرف دواعي الكفرة عن معارضته مع إمكان ذلك أو سلب قدرتهم على ذلك فقول باطل " (17)

تلخيص :
نلخص بعض الأمور التي لابد من معرفتها في موضوع الإعجاز :
1.    قليل القرآن و كثيره في شأن الإعجاز سواء .
2.    الإعجاز في أسلوب القرآن و نظمه و بيانه , و خصائصه الفنية مباينة للمعهود من خصائص البيان البشري .
3.    هذا التحدي مستمر إلى يوم القيامة و موجه إلى الثقلين أيضاً .

ترجمة القرآن :
الحق في هذه المسألة التي كثر الأخذ و الرد فيها أن نقرر أن ترجمة القرآن أمر مستحيل لأن أي نص بليغ تتعذر ترجمته في أي لغة من لغات العالم فما القول بالكلام الإلهي المعجز  , و أما تفسير معاني آياته بغير اللغة العربية فأمر لا مانع منه , بل إنه واجب و لكنه لا يسمى قرآنا بحال من الأحوال .

 

 

 
الباب الثاني
تاريخ جمع القرآن

الفص الأول :
-    كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه و سلم :
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أميا لا يقرأ ولا يكتب و كان حريصا على حفظ ما ينزل عليه حرصا جعله يسابق الملك و يعجل بتلاوة ما أنزل عليه و يحرك به لسانه و شفتيه وكان صلى الله عليه و سلم يخشى أن ينسى شيئا من القرآن حتى تعهد الله سبحان و تعالى له بعدم نسيان شيء منه و كان صلى الله عليه و سلم إذا ما انتهى الوحي تلا الآيات التي نزلت و أمر كتبة الوحي بكتابتها بين يديه فيكتبوها , و كانوا يكتبون على الرقاع و العسب و اللخاف و العظام .
وكتاب الوحي عديدون عدهم الحافظ العراقي إلى اثنين و أربعين كاتبا و من أشهرهم الخلفاء الأربعة و معاوية بن أبي سفيان و زيد بن ثابت  و أبي بن كعب .
والمؤكد المقطوع به أن القرآن كتب كله في عهده صلى الله عليه و سلم لكنه لم يكن مجموعا في موضع واحد .

الفصل الثاني :
-    كتابته في عهد أبي بكر :
كان جمع القرآن الكريم في موضع واحد في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه و ذلك بعد معركة اليمامة و قد قتل فيها عدد كبير من القراء فأمر أبوبكر زيد بن ثابت بجمع القرآن من العسب و اللخاف و صدور الرجال .

الفص الثالث :
-    نسخ المصاحف أيام عثمان رضي الله عنه :
بعد أن وقع خلافا بين المسلمين في قراءتهم للقرآن لاختلاف الحروف و اللهجات قرر عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحف واحد درءا للفتنة و المفسدة و عمل منه خمسة نسخ أرسل بها إلى مكة و الشام و البصرة و الكوفة و احتفظ بنسخة منها لأهل المدينة .

الفرق بين جمع أبي بكر و عثمان :

•    كان جمع أبي بكر للقرآن خشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في مصحف واحد مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه و سلم .
•    وكان جمع عثمان رضي الله عنه حسما لخلاف ذر قرنه في صفوف المسلمين و جمعا للمسلمين على نسخة موحدة من المصحف و ذلك بسبب اختلافهم في وجوه القراءة .


 
الفصل الرابع
كتابة المصاحف و تطورها

الإملاء العثماني :
الإملاء العثماني الذي كتبت به اللجنة إملاء خاص بعصر الصحابة رضوان الله عليهم , و هو يختلف عن إملائنا , فهو خال من النقط و الشكل و الزخرفة .

-    تطور هذه الكتابة :
إن موضوع رسم المصحف علم قائم بذاته و قد ألفت فيه المؤلفات قديما و حديثا .
فمن المؤلفين القدامى أبو حاتم السجستاني المتوفى سنة 248 هـ و الذي ألف كتابه " رسم القرآن " و من المؤلفين المحدثين الشيخ علي محمد الصباغ صاحب كتاب " سمير الطالبين في رسم و ضبط الكتاب المبين " هذا و قد تطورت كتابة المصحف إلى تطور تناول منها الإعجام و الشكل أما هيكل حروف الكلمة فقد بقي على حالته الأولى .

-    كتابة المصحف و الرسم العثماني :
هناك أراء ثلاثة في كتابة المصاحف :
1.    تحريم مخالفة مصحف عثمان في حرف , ووجوب كتابته على الكتبة الأولى .
2.    جواز مخالفته .
3.    وجوب كتابته بالإملاء الشائع عند الناس و لا سيما للعمة و الطلبة الصغار .

و الرأي الأول هو رأي الكثرة من العلماء و من القائلين به الإمام مالك رحمه الله .
و الرأي الثاني فقد قال به جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله .
و الرأي الثالث فإن أشهر القائلين به الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله ووافقه من المعاصرين العلامة أحمد مصطفى المراغي و هو الرأي الذي ذهب إليه الدكتور محمد لطفي الصباغ في كتابه هذا الذي نحن بصدد تلخيصه .


 
الباب الثالث
علوم القرآن

علوم القرآن هي المباحث التي تتعلق بالقرآن و جوانب منه , ويبدو أن عددا من الأئمة المتقدمين ألفوا كتبا في موضوعات تتصل بالقرآن , و ذكر بعضها ابن النديم في " الفهرست " (18) .
 ثم جمعت هذه المباحث تحت عنوان " علوم القرآن " ثم لم يلبث أن أصبح هذا العنوان عَلَمَا على عِلم بذاته , أرادوه أن يكون نظيرا لعلم المصطلح أو علوم الحديث .
فمن أقدم المؤلفين في هذا الفن :
سعيد بن جبير المتوفى سنة95 هـ .
بن جرير الطبري المتوفى سنة 31 هـ .
أبو حاتم السجستاني المتوفى سنة 248 هـ .
الأصمعي المتوفى سنة 214 هـ .
و الإمام الشافعي المتوفى سنة 204 هـ .
وأخيرا جاء السيوطي المتوفى سنة 91 هـ  صاحب كتاب " الإتقان في علوم القرآن"
وللمعاصرين من العلماء كتب عدة في علوم القرآن منها الموجز و منها فوق ذلك
 و منها الجيد و منها ما دون ذلك .

 
الفصل الأول :   المكي و المدني :
تعريف المكي و المدني :
القول الصحيح الراحج أن المكي ما نزل من القرآن قبل الهجرة و المدني ما نزل بعدها .
•    خصائص المكي :
1.    يعالج موضوع بناء العقيدة وموضوعه الأساسي حقيقة الألوهية و العبودية و العلاقة بينهما .
2.    يجادل المشركين و يبين خطأهم الواضح .
3.    يكثر من عرض قصص المكذبين .
4.    يغلب على آياته القصر وتكثر فيه كلمة " كلا " التي فيها زجر .
خصائص المدني :
1.    يعالج بناء المجتمع المسلم .
2.    يفضح المنافقين و يكشف مؤامراتهم .
3.    مجادلة أهل الكتاب و مناقشة لأرائهم الخاطئة .
4.    فيه ذكر لأحكام الجهاد و الحرب و السلم و الهدنة و غيرها .


 
الفصل الثاني
المحكم و المتشابه

ذكر القرآن الكريم نفسه أن منه آيات محكمات و منه متشابهات قال تعالى :
" هو الذي أنزل عليك آيات محكمات هن أم الكتاب و أُخر متشابهات " (19)

المحكم و المتشابه :
•    المحكم لغة ً: هو اسم مفعول من أحكم أي أتقن يقال بناءٌ محكم أي متين.
•    المتشابه لغةً : اسم فاعل من تشابه أي أشبه بعضه بعضا .
•    المحكم شرعا : ما عرف المراد منه إما بالظهور أو بالتأويل .
•    المتشابه شرعا : ما تعذر ذلك و استأثر الله بعلمه , كقيام الساعة و الحروف المقطعة في أوائل السور (20) .

أنواع المحكم :
•    هناك آيات واضحات جدا يستطيع فهمها الناس العاديون الذين عرفوا العربية ووعوها .
•    آيات لا يفهمها إلا العلماء الواقفون على أسرار العربية وقواعد الاستنباط وأصول الفقه .
أنواع المتشابه :
1.    ما أصابه الغموض بسبب اللفظ .
2.    ما أصابه الغموض من جهة المعنى .
3.    ما أصابه الغموض من جهة اللفظ و المعنى جميعا .

فوائد المتشابه :
أولا : فوائد المتشابه الذي يمكن علمه :
1.    حث العلماء على النظر و البحث .
2.    ظهور التفاضل و تفاوت الدرجات بين الخلق .
3.    الحول على الثواب الأكبر .
4.    تحصيل العلوم الكثيرة .

ثانيا : فوائد المتشابه الذي لا يمكن علمه :
1.    ابتلاء العباد بالوقوف عنده و التوقف فيه و التفويض و التسليم .
2.    إقامة الحجة على العرب البلغاء .

 

 
الفصل الثالث
القراءات
تعريفها :
 في اللغة : جمع قراءة و هي مصدر قرأ .
في الاصطلاح : علم بكيفية أداء كلمات القرآن من تخفيف و تشديد و غيرها .

•    شروط القراءة الصحيحة :
1.    موافقتها لرسم المصحف الإمام .
2.    نقلها بالتواتر .
3.    موافقتها لوجه من وجوه العربية .

القراءات وحي :
و القراءات وحي تلقاه النبي صلى الله عليه و سلم من جبريل و قرأه الرسول على الصحابة الكرام و نقلت عنه بالتواتر و من المعلوم أن الصحابة قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنهم من أخذ منه بطريقة ما , و منهم من أخذ منه بطريقة أخرى , ثم تفرقوا في البلاد و هو على هذا الحال فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم و أخذ تابعي التابعين عنهم و هلم جرا ... حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء الذين سجلوا هذه القراءات .

ملاحظات :
1.    لا خلاف بين المسلمين في أن القراءات المشهورة الصحيحة لا يمكن أن تتناقض .
2.    القراءات الصحيحة الثابتة كثيرة و ليست محصورة بالقراءات السبع .
3.    القراءات كلها من الحرف الذي وصل إلينا ولكن كثيرا من القراءات الصحيحة لم تستوعبه القراءات السبع أو العشر .

حِكم تعدد القراءات :
1.    التخفيف و التيسير على هذه الأمة في قراءة القرآن .
2.    شرح الألفاظ .
3.    بيان الأحكام .

القراء العشرة و رواتهم :

1.    نافع المكي و راوياه هما : قالون وورش .
2.    ابن كثير المكي و راوياه هما : قنبل و البزي .
3.    أبو عمر البصري و راوياه هما : الدوري و السوسي .
4.    عبد الله الشامي و راوياه هما : ابن ذكوان وابن عمار .
5.    عاصم الكوفي وراوياه هما : شعبة و حفص .
6.    حمزة الكوفي و راوياه هما : خلف و خلاد .
7.    علي الكسائي و راوياه هما : الدوري و الليث .
8.    أبو جعفر القعقاع و راوياه هما : ابن وردان و سليمان بن حجار .
9.    يعقوب ابن إسحاق و راوياه هما : رويس و عبد المؤمن الدؤلي .
10.    خلف البزار و راوياه هما : الوراق و إدريس ابن عبد الكريم .

وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ...
 
الفهرس

أولا : فهرس الآيات :

(3)    الآية 17 من سورة القيامة .
(4)    الآية 9 من سورة الإسراء .
(5)    الآية 2 من سورة البقرة .
(9) الآية 211 من سورة البقرة .
(10) الآية 248 من سورة البقرة .
(11) الآية 50 من سورة المؤمنون .
(12) الآية 49 من سورة آل عمران .
(13) الآية 22 من سورة الروم .
(19) الآية 7 من سورة آل عمران .

ثانيا : فهرس المراجع :

(1)    ترجمة أبو المعالي في " وفيات الأعيان " لأبن خلكان 3/258 .
(2)    الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/50 .
(7)    " الكليات " لأبي البقاء 5/3 .
(8)    " ظلال القرآن " 25/53 المجلد السابع .
(14) شاعر جاهلي أقام في نجد و ذكر الزركلي أنه توفي نحو 30 قبل الهجرة .
(15) " معجم مقاييس اللغة " 3/115 .
(16) " الإتقان " 1/61 .
(17) " الفهرست " ص 56 إلى 64 .
(20) تفسير القرطبي 4/ 10 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 
 القسم الثاني من كتاب
" لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير "
(اتجاهات التفسير)
 
سيكون الكلام في هذا القسم من الكتاب في أبواب ثلاثة :

الباب الأول : أصول التفسير .
الباب الثاني : تاريخ التفسير .
الباب الثالث : اتجاهات التفسير .

التفسير :

-    التفسير في اللغة : يعني الإيضاح و التبيين . ووزنه تفعيل من الفسر، وهو البيان
والكشف . قال الله تعالى " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا" .

-     التفسير في الاصطلاح : هو علم يفهم به كتاب الله وذلك ببيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه .

وقالوا في تعريفه : هو علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية ، وبحب ما تقتضيه القواعد العربية .

والغرض منه : معرفة معاني النظم .
وفائدته : حصول القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على وجه الصحة .
وموضوعه : كلام الله سبحانه الذي هو منبع كل حكمة ومعدن كل فضيلة .
وغايته : التوصل إلى فهم معاني القرآن واستنباط حكمه ليفاز به إلى السعادة الدنيوية
والأخروية.

(التفسير و التأويل)

اختلف العلماء في تحديد معناهما :

فقال قوم : إنهما بمعنى واحد . وقال آخرون : التفسير أعم من التأويل لأنه يستعمل في الكتب الإلهية وغيرها ، و أما التأويل فأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية
 تقول : فسرت الكلمة الورادة في بيت الشعر , ولا تقول أولت ذلك.

وقالوا : أكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ و المفردات ، أما التأويل فأكثر ما يستعمل في المعاني و الجمل .


 
(الباب الأول)
أصول التفسير

أصول التفسير مبحث مهم تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين وفي كتب أصول الفقه . ومن أشهر الذين أفردوه من المتقدمين ابن تيمية في رسالة خاصة طبعت بعنوان " مقدمة في أصول التفسير " وافرده بالتأليف من المتأخرين العلامة الشيخ عبد الحميد الفراهي من علماء الهند و ترك رسالة عنوانها " التكميل في أصول التأويل " .
و البحث في أصول التفسير ما زال متسعا ً لمزيد من الدراسة و التأليف . وسنلمس هذا المبحث لمسات تتناول النقاط الثلاث الآتية :

(أ): العلوم التي لابد من تحصيلها ليتسنى لنا أن نفسر القرآن.
(ب) :الشروط الواجب توفرها في المفسر .
(ج) : أهم قواعد أصول التفسير.

أولا ً : العلوم التي يحتاج إليها المفسر :

1.    اللغة و الاشتقاق :
لأننا باللغة نعرف معاني المفردات ، وفهم حقائق الألفاظ المفردة يكون باستقصاء المعاني التي دلت عليها هذه الكلمة في آيات القرآن .

2.    النحو و الصرف :
لأن المعنى يتوقف في أحيان كثيرة على معرفة الإعراب ، ويقع الذين يجهلون هذين العلمين
ويتصدون للتفسير في أغلاط شنيعة .

3.    الأدب و علوم البلاغة :
ذلك لأن مراعاة ما يقتضيه الإعجاز أمر لازم في التفسير ، فلا بد من إشارة إلى نواحي الجمال الفني في الآية وتحليلها .

4.    علوم القرآن :
ذلك لأن معرفة هذه العلوم من أهم الأدوات التي لا بد منها لعملية التفسير . فمعرفة أسباب النزول تساعد كثيرا ً على فهم الآيات الفهم الصحيح الدقيق . وكذلك معرفة المكي و المدني تعين في إدراك معاني الآيات , وكذلك هو الحال في معرفة الناسخ
والمنسوخ فإنه لها أهميتها القصوى في تفسير الآيات التي تقرر حكمين مختلفين في موضوع واحد . وكذلك فالمحكم و المتشابه من الأمور الأساسية في التفسير ، حتى نتخلص من عناء الدخول في متاهات المتشابه ، و لنصرف جهدنا وطاقاتنا في تفسير المحكم .
5.    علوم أصول الدين والتوحيد :
وذلك لأن هذا الكتاب الكريم  يتضمن نظرة جديدة إلى الكون و الحياة و الإنسان متمثلة في العقيدة الإسلامية ، فإدراك أصول هذه العقيدة يساعد مساعدة تامة في شرح الآيات الكريمة المتعلقة بذلك .

6.    علم أصول القه :
لأننا بواسطة هذا العلم نستطيع أن نعرف استنباط الأحكام من النص ، ووجه الاستدلال على الأحكام .

7.    الحديث النبوي والفقه والسيرة :
أما الحديث ففيه تفسير لعدد من آيات القرآن ، إذ كانت مهمة النبي صلى الله عليه و سلم الأولى تبيان ما نزل إليه ، وفيه تفصيل للمجمل وبيان للمبهم .
وأما الفقه الإسلامي فإنه يعرض الأحكام الإسلامية التي ذكرها القرآن مبوبة مجموعة ، فيساعد استحضارها على تصور دقيق لمعاني آيات الأحكام .

8.    علوم أخرى :
كالعلوم الاجتماعية و العقلية و الكونية وما يتصل بالثقافة العامة ، فالتاريخ و الجغرافيا و الاجتماع ولعم النفس و الفلك ... كل هذه العوم مما يساعد على تفسير القرآن تفسيرا ً يتصل بحياة الناس.

ثانيا ً : الشروط التي يشترطها العلماء في المفسر :

ونستطيع أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام :
1.    شروط علمية :
تتلخص بإتقان المفسر قدرا ً جيدا ً من العلوم التي ذكرت آنفا ً .

2.    شروط عقلية :
وهي أن يكون المفسر موهوبا ً ذا قدرات عقلية ممتازة ، قوي الاستدلال حسن الاستنباط ، قادرا ً على الترجيح إن تعارضت الأدلة ، عارفا ً اختلاف الأقوال على حقيقته .

3.    شروط دينية وخلقية :
وهي أن يكون صحيح العقيدة ، مؤديا ً للواجبات الدينية ، ملتزما ً الآداب والأخلاق الإسلامية التي دعا إليها الإسلام وأن يكون محررا ً من سلطان الهوى ، شديد الخشية لله تعالى .

قواعد أصول التفسير :

سنقتصر هنا على الإشارة إلى أهمها ، لأن محل ذكرها كتب أصول التفسير ذاتها.
من أهم الأصول التي يجب مراعاتها أن تكون خطوات التفسير متدرجة كما يلي :

1.    أن يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن ، فما أجمل في موضع فإنه قد فصل في موضع أخر، وما أختصر منه في مكان فإنه قد بسط في مكان أخر.

2.    أن يطلب التفسير من السنة؛ فإنها شارحة للقرآن موضحة له، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تصدر منه عن طريق الله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)، وذكر الله السنة مبينة للكتاب : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ) ، يعنى السنة . قال الشافعي رضي الله عنه : (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن) ، وأمثلة هذا في القرآن كثيرة ، جمعها صاحب الإتقان مرتبة مع السور في آخر فصل في كتابه كتفسير السبيل بالزاد والراحلة ، وتفسير الظلم بالشرك ، وتفسير الحساب اليسير بالعرض.

3.    فإذا لم يجد التفسير من السنة رجع إلى أقوال الصحابة ؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزاله ، ولما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح.

4.    فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين ، كمجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس ، وعطاء بن أبي رباح،و الحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين، ومن التابعين، من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح، ولهذا قال أحمد: ( ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي، والملاحم، والتفسير) ؛ يعني بهذا التفسير الذي لا يعتمد على الروايات الصحيحة في النقل.

5.    ومن القواعد ما ذكره ابن القيم في كتابه " بدائع الفوائد " ومن ذلك قوله :
 ( وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ، ورفع الجناح ، والإذن ، و العفو ، وإن شئت فافعل و إن شئت فلا تفعل ، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع وما يتعلق بها من الأفعال نحو : " ومن أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا ً" ونحو " وبالنجم هم يهتدون " ومن السكوت عن التحريم ).

( الباب الثاني )
تاريخ التفسير

سنلم في هذا الباب إلمامه سريعة بتاريخ التفسير ، ونستعرض نشوءه أيام النبي صلى الله عليه وسلم ونموه في عهد الصحابة والتابعين ، ثم نتحدث عن توسعه فيما بعد ذلك حتى ننتهي في استعراضنا إلى العصر الحديث ، وسنقسم كلامنا حول تاريخ التفسير إلى أربعة فصول .

( الفصل الأول )

التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :

القرآن كتاب عربي مبين ، نزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليبلغه قومه الفصحاء البلغاء ، فلم يستغلق فهمه بالإجمال على معظمهم ، إذا استثنينا ما تشابه منه.
فهمه العرب ، وكان سببا ً في دخول عدد كبير منهم في الإسلام ، ولكن معاني القرآن لا تحد ولا يحاط بها ، ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الخلق فهما ً لهذا الكتاب كان من مهماته الأساسية أن يبين للناس ما نزل إليهم .

والقرآن يحوي نظرة إلى الحياة و الإنسان جديدة على العرب ، ومن أجل ذلك فهم محتاجون إلى مزيد من الرشح و البيان لها حتى يقفوا عليها ، و يعوها حق الوعي ، لا سيما وأن في القرآن المجمل ، و العام ، والمشكل ، وفيه مفردات لا يفهما بعضهم  ، فقد كان بعض الصحابة يكتفي بالمعنى الإجمالي لآيات القرآن ويؤخذ بسحرها وجمالها .

إذن فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتفاوتون في فهم القرآن تبعا ً لما يأتي :
1.    تبعا ً لمواهبهم .
2.    تبعا ً لإطلاعهم على لغتهم وأدبها و لهجاتها .
3.    تبعا ً لمعرفتهم أسباب النزول .

وهكذا فإذن كثيرا ً من مواضع القرآن كانت تثير بعض الأسئلة عند بعض الصحابة فيوجهون بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته . وكان يسأل بعضهم بعضا ً عن معاني مفردات القرآن الغامضة والآيات بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

 ( الفصل الثاني )

التفسير في عهد الصحابة :

كانت مادة التفسير في عهد الصحابة رضوان الله عليهم قائمة على ما يأتي من الأمور التالية :

1.    تفسير القرآن بالقرآن .
2.    ما كان يحفظه الصحابة من تفسيرات النبي صلى الله عليه وسلم.
3.    ما كانوا يستنبطونه من الآيات: وكان يعتمد ذلك على قوة فهمهم وإدراكهم.
4.    ما كانوا يسمعونه من أنباء أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام.

 
أشهر الصحابة في التفسير :

1.    عبد الله بن عباس.
2.    عبد الله بن مسعود.
3.    علي بن أبي طالب.
4.    أبي بن كعب.
5.    أبوبكر الصديق.
6.    عمر بن الخطاب.
7.    عثمان بن عفان.
8.    زيد بن ثابت.
9.    أبو موسى الأشعري.
10.    عبد الله بن الزبير.

وأهم هؤلاء في التفسير الأربعة الأوائل ، وقد تم ترتيبهم حسب أهميتهم في التفسير وكثرة ممارستهم له ، فأوسع الصحابة اشتغالا ً بالتفسير هو عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما.

قيمة تفسير الصحابة :

ننظر في التفسير المنقول عن الصحابة :
1.    فإن كان مرفوعا ً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث ، له حكم الحديث أي يكون حجة إن صح سنده.

2.    وإن لم يكن مرفوعا ً ننظر فيه فإن كان متعلقا ً بأسباب النزول أو بما لا يكون من قبيل الرأي والاجتهاد أعطي حكم المرفوع وكان حجة إن صح سنده.

3.    أما إذا كان من قبيل الاجتهاد والاستنباط أو ليس متعلقا ً بأسباب النزول كان موقوفا ً على الصحابي .

ويتحصل من ذلك أن التفسير المروي عن الصحابي إن كان متعلقا ً بأسباب النزول أو بما لا يمكن أن يكون من قبيل الرأي و الاجتهاد كان ملزما ً ، وكذاك إن كان تفسيرا ً يعتمد على اللغة التي هم أدرى الناس بها فهو ملزم أيضا ً.
أما الشيء الذي ليس داخلا ً فيما ذكرناه فهو بشكل عام غير ملزم . وينظر إلى كل رأي على حدة.  

 ( الفصل الثالث )

التفسير في عهد التابعين :

جاء التابعون فنقلوا روايات التفسير عن الصحابة ، وزادوا فيها ما استنبطوه بأنفسهم ، وما زال التفسير يتضخم في عهدهم حتى اجتمع منه الشيء الكثير.
ولكن هذه الأقوال في التفسير لم تكن مجموعة ولا مرتبة بشكل منظم وفق ترتيب المصحف ، بل كانت تروى منثورة تفسيرا ص لآيات متفرقة بين روايات لا علاقة لها بالتفسير ، أي إن التفسير كان مختلطا ً بالحديث غير مميز عنه.
وكان التابعون من أهل كل قطر يعنون برواية ما سمعوه وما ورد من التفسير عن الصحابي الذي يقيم في بلدهم.فاختص المكيون برواية ما ورد من التفسير عن ابن عباس , و اختص المدنيون برواية ما ورد من التفسير عن أبي بن كعب. واختص الكوفيون برواية ما ورد من التفسير عن ابن مسعود. وهذه المدارس الثلاث أهم مدارس التفسير في عهد التابعين.

قيمة التفسير التابعين:

اختلف العلماء في الأخذ بأقوال التابعين في التفسير ، فمنهم من ذهب على الأخذ بأقوالهم . ومنهم من لم ير ذلك.
يروى عن أبي حنيفة أنه قال : " ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس و العين ، وما جاء عن الصحابة تخيرنا ، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال " .
وهذا القول يدل على أننا غير ملزمين بأخذ أقوال التابعين فهم رجال ونحن رجال .
أما القول الذي يلزم بالأخذ بما ورد عن التابعين فهو موضع نظر .. نعم إذا اجمع التابعون على رأي فعندئذ ٍ يتوجب الأخذ به لأن إجماعهم يدل على وجود نص ملزم و الله أعلم .


( الفصل الرابع )

تاريخ التفسير فيما بعد التابعين :

هذا الفصل يتناول موضوع تاريخ التفسير خلال اثني عشر قرنا ً ، أي منذ منتصف القرن الثاني الهجري حتى العصر الحاضر ، وليس ذلك مما يتسع له وقت الدراسة ولا منهجها ، ومن أجل ذلك ، فسنقتصر على ذكر خطوط عريضة في غاية الإيجاز.

إن تفسير القرآن الكريم لم يتوقف عند مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، ولن يتوقف كذلك ما دام هناك عقل يتفكر، وقلب يتذكر.
ويمكننا القول بداية - على ضوء ما تقدم في هذا الصدد - إن تفسير القرآن الكريم مر بمراحل بارزة، حاصل القول فيها كالآتي:

كان تفسير القرآن في بداية الأمر مقصورًا على التناقل عن طريق الرواية فحسب، إذ كان الصحابة رضوان الله عليهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيره لبعض الآيات والسور القرآنية...وكان التابعون كذلك يروون عن الصحابة ما كان عندهم من تفسير منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما اجتهدوا في تفسيره... وواضح من هذا أن التفسير في هذه المرحلة كان يقوم على المشافهة والرواية فحسب .
ثم مع بدء مرحلة التدوين عمومًا - والتي يؤرَّخ لها عادة مع بداية النصف الثاني من القرن الهجري الثاني - والبدء بتدوين الحديث خصوصًا، بدأ التفسير يدوَّن ضمن كتب الحديث خاصة، إذ كان يُفرد له باب مستقل ضمن الأبواب التي تشتمل عليها المدونات الحديثة .
ومع انتشار التدوين، واستقلال كثير من العلوم، أخذ تدوين التفسير يستقل شيئًا فشيئًا، فبرزت بعض التفاسير المدونة التي فسرت القرآن الكريم تفسيراً كاملاً، وبالسند فيما كان مسنداً. وليس من السهل في هذا السياق معرفة أول من دوَّن تفسير القرآن كاملاً مرتباً...
وبعد مرحلة التدوين بالإسناد، جاءت مرحلة التدوين لكن مع اختصار الأسانيد، إذ اقتصر التدوين في التفسير على نقل الأقوال التفسيرية دون إسنادها إلى قائليها، الأمر الذي ترتب عليه ظهور ظاهرتي الوضع، والنقل عن الروايات الإسرائيلية، وربما كان لنا وقفة في مقال لاحق - حسب ما تيسر - على هاتين الظاهرتين .
وبعد تدوين كثير من العلوم وانتشارها؛ كعلم الكلام، وعلوم العربية، وعلم الفلسفة، بدأ التفسير ينحو منحًا جديدًا، إذ دخل في مرحلة التفسير العقلي، التي بدأت بترجيح بعض الأقوال على بعض، اعتمادًا على اللغة العربية، والسياقات القرآنية، واتخذ هذا المنحا من التفسير أشكالاً مختلفة ما بين مقبول ومرفوض .

لقد كان من ملامح هذه المرحلة تنوع التفاسير، وَفْقَ تنوع الاختصاصات العلمية؛ وهكذا وجدنا بعض التفاسير يغلب عليها الجانب اللغوي على غيره من الجوانب، وبعضها الآخر يغلب عليه الجانب الفلسفي، وقسم ثالث يطغي فيه الجانب الفقهي على ما سواه...وهكذا في باقي الاختصاصات .

وعلى الرغم من كل هذا التطور والتغير، لا يمكن القول إن التفسير بالمأثور لم يعد له وجود، بل إن الصحيح والواقع أن هذا التوسع في التفسير العقلي - إن صح التعبير - لم يلغِ التفسير بالمأثور، بل أصبح كل منهما موازيًا للآخر ومكملاً له .
وإضافة لما تقدم ذكره، كان من ملامح هذه المرحلة بدء الكتابة بعلوم القرآن كموضوعات مستقلة؛ كمجاز القرآن، ومفردات القرآن، والناسخ والمنسوخ في القرآن، وأسباب النـزول، وأحكام القرآن، وما أشبه ذلك من موضوعات قرآنية، فصَّلت كُتب علوم القرآن القول فيها .

لكن يلاحظ أن سعة تلك الجهود التفسيرية دفعت من جاء بعدُ إلى العكوف على الاختصار
أو التعليق أو التتبع لجهود السابقين، وانحسرت جهود التأليف والإبداع، وترافق ذلك مع ما سمِّي في التاريخ الإسلامي بمرحلة الانحطاط والتقليد والركون إلى جهود من سبق، وسادت مقولة: ليس بالإمكان أفضل مما كان !!

وبدخول عصر النهضة الحديثة، وصعود ما أُطلق عليه ظاهرة "الصحوة الإسلامية" وما شهده هذا العصر من تطورات على الأصعدة كافة، بدأت تظهر العديد من الجهود الإبداعية في مجال تفسير القرآن الكريم؛ فكان من ملامح هذه المرحلة ظهور التفسير الموضوعي للقرآن، أي تفسير القرآن الكريم حساب موضوعات معينة، كموضوع الأخلاق، وموضوع العلم، ما أشبه ذلك .
وكان من ملامح هذه المرحلة كذلك ظهور التفسير العلمي للقرآن الكريم .
ولا ريب أن هذا التنوع والتعدد في الجهود المبذولة لتفسير القرآن الكريم أمر محمود ومشروع، ما دام مضبوطًا بضوابط الشرع وموجهاته؛ وهو في حد ذاته دليل على إعجاز هذا الكتاب، ودليل - من ثَمَّ - على خلوده وتجدد عطائه بتجدد الفكر الذي يتعامل معه ويتوجه إليه .

 
( الباب الثالث )

اتجاهات التفسير

ظهرت اتجاهات متعددة في التفسير . وغرضنا في هذا الباب بحث أهم هذه الاتجاهات ودراسة خصائصها . وسنخص بالذكر و الدراسة في كل اتجاه كتابا ً هاما ً من كتب التفسير يمثل هذا الاتجاه.

والاتجاهات التي سنفرد لكل واحد منها باب فهي الاتجاه اللغوي . و التفسير بالأثر ، والتفسير بالرأي ، والتفسير العلمي ، و التفسير الإصلاحي ، و سنشير بعد ذلك في فصل واحد إلى اتجاهات أخرى مثل التفسير الموضوعي و الفقهي و الإشاري . وليس من شك في أن أهم هذه المدارس التفسيرية مدرستان قامتا منذ وقت مبكر هما مدرسة التفسير بالمأثور
ومدرسة التفسير بالرأي.
 
 ( الفصل الأول )

الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن :

إن هذا الاتجاه من أقدم الاتجاهات التي وجدت في التفسير ،  وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما يلي :
 
1.    القسم الأول : ما يتعلق بمفردات اللغة هو ما عرف بغريب القرآن ، مثل كتاب (غريب القرآن) لأبن قتيبة.

2.    القسم الثاني : ما يتعلق بالنحو و القضايا الإعرابية. مثل كتاب (معاني القرآن) للفراء وكتاب ( البحر المحيط ) لأبي حيان.

3.    القسم الثالث : ما يتعلق بالبلاغة و الأساليب البيانية. مثل كتاب (الكشاف ) للزمخشري ، و كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب.

ولعل هذا الاتجاه بأقسامه هذه من أهم الاتجاهات التي تعني دارسي العربية في دراستهم للتفسير لاتصالها بدراستهم الاختصاصية.


 ( الفصل الثاني )

التفسير بالمأثور
التفسير بالمأثور اتجاه من أهم اتجاهات التفسير وأجدرها بالعناية ، وهو أقدم هذه الاتجاهات.
والمقصود به : أن تفسر الآية من آيات القرآن الكريم بما يلي :
1.    بما جاء في القرآن نفسه في موضع آخر ورد فيه معنى هذه الآية .
2.    وبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير.
3.    وبما نقل عن الصحابة والعدول من التابعين مما يتصل بشرح الآية .


هل تفسير الصحابة و التابعين من المأثور؟؟ :

اختلف العلماء في عد تفسير الصحابة والتابعين من المأثور ، فمنهم من عده مأثورا ً ، ومنهم من لم يعده كذلك . غير أن معظم كتب التفسير بالمأثور تورد منه الكثير.
ولعل الرأي الصحيح هو أن ما جاء عن الصحابة و التابعين العدول فيما ليس من باب الاجتهاد
والاستنباط وإنما هو متوقف على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم يعد من التفسير بالمأثور ، وهو ملزم إن صح سنده.
وأما الأقوال المنقولة عنهم مما يتصل بالاجتهاد والاستنباط فليست من التفسير بالمأثور.

متى يقبل التفسير بالمأثور ؟؟

إن التفسير بالمأثور – فيما عدا التفسير بالقرآن بطبيعة الحال – يقبل إن صح سنده هذا الأثر المفسر للآية ، ويلزمنا الأخذ به.
وأما إذا كان سنده واهيا ً فلا شك في رده . فإن علينا لنحكم على أثر بالقبول أو الرد أن ننظر في رجال سنده لنعرف درجته.


 
( الفصل الثالث )

التفسير بالرأي :

قام خلاف شديد بين العلماء في مسألة التفسير بالرأي فمنعه البعض و أجازه البعض أما المانعون فقد ذهبوا إلى حظره وتحريمه ، و استدلوا على ذلك بأدلة أهمها :
1.    قالوا إن التفسير بالرأي قول على الله بغير علم ، وهو غير جائز.

2.    واستدلوا بالآية الكريمة " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" وفهموا من الآية أن البيان للرسول ، وليس لغيره إلا أن ينقل قوله بعد تحري ما صح.

3.    واستدلوا بالحديث : " اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم . فمن كذب علي متعمدا ً فليتبوأ مقعده من النار ، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .

4.    واستدلوا بامتناع كثير من الصحابة و السلف من القول في تفسير القرآن ، كأبي بكر رضي الله عنه وسعيد بن المسيب و الشعبي و الأصمعي .

وأما المجيزون فقد ناقشوا هذه الأدلة وبينوا أنها لا تنطبق عليهم كما يأتي :

1.    قالوا ليس في التفسير بالاجتهاد قول على الله بغير علم . و إنما هو استخدام العقل في فهم كتاب الله العظيم واحتجوا بالحديث المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ عندنا بعثه لليمن فقال معاذ : اجتهد رأيي . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره و قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله.

2.    وأجابوا عن الاستدلال بالآية " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" بأن في الذي ورد بيانه عنه صلى الله عليه وسلم كفاية عن كل تفسير ، وأما الذي لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم بيانه ففيه مجال لأن يعمل أهل العلم الأكفاء تفكيرهم فيه ويقفوا على أسراره.

والقول الحق في هذه المسألة و الله أعلم أن التفسير بالرأي ضمن الحدود التي قررها العلماء من التمكن و القدرة و العلم يعتبر جائز ويجب قبوله و إقراره ، وهو الشيء الطبيعي الذي يقتضيه التفاعل نع كتاب الله عز و جل واستنطاقه في شؤوننا المعاصرة. و من أهم كتب التفسير بالرأي تفسير الرازي و تفسير النسفي وتفسير البيضاوي.

( الفصل الرابع )

التفسير العلمي

من مدارس التفسير التي شاعت في هذا العصر ما يدعى " التفسير العلمي" وللتفسير العلمي جذور في ثقافتنا التفسيرية القديمة ، ونستطيع أن نعد الغزالي في " الإحياء" و " جواهر القرآن" و " القسطاس المستقيم" و " الرازي في " مفاتيح الغيب" من أوائل الباحثين فيه وقد سار في هذا السبيل السيوطي حيث عقد بابا ً في " الإتقان" تحدث فيه عن العلوم المستنبطة من القرآن.

ولكننا في مطلع القرن الهجري الرابع عشر نرى هذا اللون من التفسير قد راج ونما ، وتوسعت أرجاؤه وتعددت ، وتخصص فيه بعض المؤلفين .

التفسير العلمي هو تحكيم مصطلحات العلوم في فهم الآية ، و الربط بين الآيات الكريمة
ومكتشفات العلوم التجريبية و الفلكية و الفلسفية. ومن أبرز من ألفوا في هذا المجال هو الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره .

والحق أن هذا الاتجاه من التفسير غير سديد ، وذلك لأن العلم في تغير مستمر وفي تبدل دائم فهو لا يثبت على حال على الإطلاق , فقد تظهر حقيقة علمية اليوم يأتي من يبطلها ويثبت ضدها غدا , فكيف يمكن لنا أن نحكم نظريات و فرضيات علمية غير ثابتة و غير مستقرة في كتاب الله عز و جل الذي لا يأته الباطل من بين يديه و لا من خلفه , إن القرآن الكريم أكبر وأجل من كل تلك العلوم  والنظريات والتجارب.


 
( الفصل الخامس )

المنحى الإصلاحي الاجتماعي في التفسير :

كان العالم الإسلامي في القرون المتأخرة ينطوي على كثير من عوامل الضعف و التخلف , وكان الجهل بأحكام الإسلام ومفاهيمه من جهة ، واستحكام العادات المحلية من جهة أخرى ، من أبرز ما يميز الوضع الاجتماعي و الفكري لهذا العالم.
ونستطيع أن نلخص واقع العالم الإسلامي في القرون الأخيرة : الثاني عشر و الثالث عشر
والرابع عشر بما يأتي :

1.    كانت العادات و التقاليد القومية و المحلية لها قدسية في نفوس الجماهير.

2.    كانت البدع و الخرافات وبعض الطقوس الدخيلة تلبي ثوب الدين ، وتخفي وراءه حقيقتها ، وتحجب بمساوئها عظمة الإسلام وعدالته ورفعته.

3.    كان للعامة و الغوغاء سلطان كبير ، فلا يجرؤ العلماء على مخالفتهم.

4.    أكثر علماء المسلمين يقفون من الحضارة الغربية موقفا ً سلبيا ً لا يقتربون منها ولا يأخذون من علومها شيئا ً.

5.    تقاسمت دول أوروبا العالم الإسلامي , وأعدت مخططات ومحاولات لإبعاد المسلمين عن دينهم.

وأصبح العالم الإسلامي يتطلع إلى اتجاه يروم الإصلاح ، حتى كان جمال الدين الأفغاني الذي قام بحركة فكرية هامة ، تصدع بصوت عامر بالإيمان ، ومعتز بالقرآن ، ويدعوا إلى معالجة الفساد الاجتماعي ، وذلك بالرجوع إلى الإسلام الحق ، فكان من ذلك الاتجاه إلى إصلاح المجتمع من خلال تفسير آيات القرآن الكريم ، وقام عدد من العلماء بحمل هذه المهمة مهمة التفسير الإصلاحي الاجتماعي للقرآن منهم الأفغاني ومحمد عبده و السيد محمد رشيد رضا رحمهم الله جميعا ً.

( الفصل السادس )

اتجاهات أخرى في التفسير :

تم ذكر في الفصول السابقة أهم اتجاهات التفسير ، وهناك اتجاهات أخرى سنكتفي بالإشارة إليها وهي :

1.    التفسير الموضوعي :
وهذا اللون من التفسير يتناول موضوعا ً واحدا ً في القرآن ، يعمد المفسر فيه إلى ذكر الآيات المتعلقة بهذا الموضوع ، ويشرحها ويفصل القول فيها ، ككتب أحاكم القرآن التي جمع مؤلفوها الآيات المتصلة بالأحكام ، وهي عديدة أهمها للجصاص ولأبن العربي وككتب " مجاز القرآن" وهي عديدة أهمها للشريف الرضي و العز بن عبد السلام. ككتاب " التبيان في أقسام القرآن" لأبن القيم وككتاب " الإنسان في القرآن" لعباس محمود العقاد.

2.    التفسير الإشاري :
 وهو التفسير الذي يعتمد الإشارة و يستنبط من الكلمة أو الجملة استنباطات كثيرة ، وقد برع المتصوفة في هذا التفسير.

3.    التفسير الفقهي :
وهو التفسير الذي يولي موضوع الأحكام الفقهية عناية خاصة ، ويمكن أن نعد كتاب القرطبي وكتاب الخطيب الشربيني من الأمثلة عليه.

4.    التفسير الفلسفي :
وتفاسير الفرق الضالة المنحرفة و ما إلى ذلك.

 

تلخيص كتاب لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير

Um bókina

Höfundur :

محمد بن لطفي الصباغ

Útgefandi :

www.islamland.com

Flokkur :

About Quran & Hadith