Мақала туралы

Автор :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Күні :

Thu, Sep 18 2014

Санат :

Fatwa (Q&A)

Жүктеу

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 188

الشيخ : إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) .

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) .

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) .

أما بعد: فالواجب على كل مسلم أن يعبد الله تبارك وتعالى على العلم النافع والعمل الصالح، ولعلكم جميعاً أو أكثركم يعلم أن العلم النافع لا يكون إلا إذا كان مستقىً ومستنبطاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ما جاءنا عن السلف الصالح ؛ لأنهم هم القوم لا يشقى جليسهم، وقد جاء الأمر باتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح في غير ما حديث واحد، فلعلنا نقتصر على التذكير منها بحديث واحد؛ ألا وهو حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! أوصنا، قال : أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ) في هذا الحديث -كما سمعتم- الأمر بشيء زائد على الكتاب والسنة، وذلك اتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ وما ذاك إلا لأن الخلفاء الراشدين تلقوا العلم والكتاب والسنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة دون واسطة ما، وفهموا هذه السنة والقرآن الكريم كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك فينبغي على كل طالب للعلم ألا ينسى هذا الأمر النبوي الكريم في اتباع الخلفاء الراشدين، ويلحق بهم من كان من أهل العلم من الصحابة الآخرين.

فإذا كان الأمر كذلك؛ فعلينا أن نكون دعوتنا وأن يكون علمنا مستنبطاً من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

العلــــم قال الله قال رسـولــــه  *****  قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهـة  ****  بين الرسول وبين رأي فقيهِ

كلا ولا جحد الصفات ونفيهـــا *****  حذراً من التعطيل والتشبيه

هذا ما يتعلق بالعلم النافع الذي يجب أن يكون هدفَ كل طالب علم، وليس أن يكون هدفه طلب العلم التقليدي القائم على التعصب المذهبي فهذا حنفي! وذاك مالكي! والثالث شافعي! والرابع حنبلي! هؤلاء الأئمة -لا شك ولا ريب- أننا نجلهم ونقدرهم حق قدرهم، ولذلك فنحن نتبع سبيلهم الذي انطلقوا وساروا عليه، وما هو إلا سبيل السلف الصالح كما ذكرنا آنفاً، ولكننا لا نتعصب لواحد منهم على الآخر، هذا هو العلم النافع، أي: المستقى من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .

أما العمل فيجب أن يكون المسلم فيه مخلصاً لله عز وجل، لا يبتغي من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، لا يبتغي من وراء ذلك أجراً ولا ظهوراً ولا وظيفة، ولا ما شابه ذلك، وإنما يعمل العمل الصالح لله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل في القرآن الكريم: (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ? قال علماء التفسير والفقه في هذه الجملة الأخيرة من الآية الكريمة: (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))؛ قالوا : " لا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان موافقاً للسنة، ولا يكون مقبولاً عند الله ولو كان موافقاً للسنة إلا إذا كان خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى ".

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدا، فحسبنا بين يدي هذه الأسئلة، هذه الكلمة الوجيزة، فهي تتلخص بأنه يجب على كل مسلم أن يحسن طلب العلم على ضوء الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، وأن لا يبتغي من أعماله الصالحة إلا وجه الله تبارك وتعالى، هذا ما يسر الله عز وجل بناءً على هذا الطلب. تفضل.

السائل : بسم الله الرحمن الرحيم كيف يرقي المسلم نفسه في مجال الدعوة إلى الله عز وجل ؟.

الشيخ : الحقيقة كان في نفسي آنفاً لما ألقيت تلك الكلمة الوجيزة في العلم النافع والعمل الصالح، أن أتحدث عن شيء يتعلق بالدعوة، فجاء هذا السؤال الآن ليفتح لي الطريق للخوض فيما كنت فكرت فيه ثم لم أفعل. أما كيف يُرقي الإنسان نفسه في سبيل الدعوة.؟ فذلك بلا شك يحتاج إلى أمرين اثنين فيما يبدو لي :

الأمر الأول : أن تظل علاقته مع أهل العلم سواءً من كان منهم حياً في كتابه أو كان حياً في دعوته، أعني : أن يكون ذا صلة قصوى بكتب أهل العلم الذين عُرِفوا باستقامتهم في عقيدتهم، فلا ينقطع عن المراجعة والمطالعة والاستزادة من علمهم؛ لأن ذلك يساعده على أن يترقى وعلى أن ينطلق في دعوته إلى الله تبارك وتعالى.

والشيء الثاني : أن يكثر صلته بأهل العلم الأحياء منهم، وبخاصة من كان منهم معروفاً عقيدته الصالحة، وأخلاقه الكريمة الطيبة؛ لأننا نعلم أن القدوة الحسنة لها أثر كبير جداً في الناس المقتدين بهم، إذا كان الرجل أو العالم أو الشيخ المقتدى به فيه شيء من الانحراف الفكري أو الخلقي، فلا يَبعد أن يؤثر ذلك الشخص أو الشيخ في الذين يتصلون بهم أو يتلقون العلم عنهم.

ومعلوم أحاديث كثيرة معروفة عن الرسول عليه السلام فيها الحض على مصاحبة الصالحين ومرافقتهم، كمثل قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ) فوصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  في هذا الحديث بأن نصاحب المسلم التقي؛ ما ذلك إلا لأن عدوى الصالح تسري بالخير إلى المصاحب له، ولذلك جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله : ( مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك؛ إما أن يحذيك -أي: يعطيك-، وإما أن تشتري منه، وإما أن تشم منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كمثل الحداد؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة كريهة )، ولذلك فمن كان يريد الانطلاق والترقي في سبيل الدعوة فلا بد من أن يحافظ على هذين الأمرين :

الأمر الأول : أن يكون كثير الصلة بكتب أهل العلم الماضيين المعروفين بالعلم النافع والعقيدة الصحيحة.

وإذا تيسر له أيضاً في مجتمعه الذي يعيش فيه بعض أهل العلم والصلاح، فعليه أيضاً أن يتصل بهم ما أمكنه ذلك، حتى يتأثر بمسراهم، ويستفيد من أخلاقهم ومن سلوكهم، هذا الذي يبدو لي جوابا عن هذا السؤال.

السائل : ما علاج ظاهرة الفتور أو الضعف الإيماني لدى بعض الدعاة.؟.

الشيخ : هذا في الحقيقة يعود إلى شيء سبق أن أشرت إليه، وهو علة العلل في هذا العصر في كثير من الدعاة؛ ألا وهو : عدم الإخلاص في الدعوة.

هناك ظاهرة تلفت نظر المفكر الذي يحاول أن يتعرف على ما يصيب المسلمين من أدواء، وأن يقدم في حدود ما يعلم وما عنده من علم من الدواء، الظاهرة هي أن كلمة الدعوة أصبحت اليوم مهنة، وأصبحت يتبناها كل من يشعر بنفسه شيئاً من العلم، وهو ليس -كما يقال- : في العير ولا النفير، في العلم.

وذلك كما ترون من زاوية أخرى أن كلمة ( السلفية ) الآن أصبحت متبناة من كثير من المسلمين، الذين قد يكون بعضهم على الأقل كان يظهر عِداءه الشديد لهذه الدعوة، فلما انتشرت هذه الدعوة وأخذت يعني مكانها اللائق بها في العالم الإسلامي، فأخذ أكثر الناس من الدعاة ولو لم يكونوا لهم أي صلة بالدعوة السلفية الصحيحة يَدَّعون السلفية، ومن هنا يدخل في هذا المنهج العلمي السلفي من ليس له صلة مطلقاً بهذا المنهج.

ولذلك فأنا أعتقد أن السبب هو فقدان الإخلاص في الدعوة؛ لأني أعتقد -كما أشرت آنفاً، لعله في السؤال الأول- أن الداعية حقاً يجب أن يكون وثيق الصلة ومستمر الصلة بالعلماء أمواتاً وأحياءً؛ ذلك لكي ينمي في نفسه الفقه والفهم للعلم وأسلوب الدعوة إلى هذا العلم الصحيح.

وهذا بلا شك يحتاج إلى جهود جبارة وإلى صبر على الدعوة، وهذا لا يستطيعه في الواقع إلا من كان مخلصاً لله عز وجل كل الإخلاص، فانصراف بعض من ينتمون إلى الدعوة عن القيام بحقها وبواجبها، فهو دليل على أنهم لم يكونوا مخلصين في الدعوة، وإلا لماذا هذا التأخر في ذلك والانصراف عن مقتضيات الدعوة ولوازمها ؟! هذا باعتقادي هو سبب ما جاء في هذا السؤال.

وباختصار : هو عدم الإخلاص، وهذا ليس له علاج إلا اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وتذكيرهم ممن له قدم راسخة في العلم بهذا الواجب الذي يجب عليهم أن يتمسكوا به، وأن يموتوا عليه، وإلا كان عملهم هباءً منثوراً.

السائل : ممكن أسأل في نفس السؤال.؟ يا شيخ! المقصود ليس فقط الفتور عن الدعوة نفسها، عن إيمان الشخص نفسه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، بعد أن يكون في بداية تدينه وبداية التوبة يكون متحمساً، وكثير الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ومجتهداً في أداء العبادات، بعد ذلك يجد عزوفاً وانغماساً في الدنيا، أو اللهو أو في تجارة معينة، أو مع النساء. مثلا.

الشيخ : هذا لا نستطيع أن نجيب عليه؛ لأن الأسباب كبيرة، وهو المثبطات عن الاستمرار في السبيل القويم، وفساد الأجواء التي يعيش فيها هؤلاء الناس، وآنفاً ذكرت قوله عليه السلام : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء ... ) ومما يتعلق بهذا أن المجتمع الفاسد له تأثير كبير جداً في الأفراد الذين يعيشون فيه، ولذلك جاءت أحاديث كثيرة تحض المسلم بأن يكون مع الصالحين -كما ذكرنا آنفاً- بعض الأحاديث في ذلك , لكن أذكر شيئاً آخر، منها قوله عليه السلام : ( أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين ) أو كما قال عليه السلام، وقوله أيضاً في الحديث الآخر : ( من جامع المشرك فهو مثله ).

الشيخ : وأوضح من ذلك تبياناً لأثر البيئة الفاسدة للناس المقيمين فيها، الحديث المعروف صحته برواية الشيخين البخاري ومسلم له، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب، فجاء إليه وقال : أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة.؟ قال : لا، قتلت تسعة وتسعين نفساً ولك توبة! لا توبة لك ، فقتله وأتم به المائة ) ولكنه فيما يبدو من تمام القصة كان مخلصاً في قصده للتوبة، ولذلك فقد استمر يسأل عن أعلم أهل الأرض حتى دُلَّ على عالم، هو من قبل سأل نفس السؤال، لكن الدالَّ كان جاهلاً، فبدلاً من أن يدله على عالم دله على راهب، والراهب كناية عن عبادته مع جهله، وظهر جهله هذا في جوابه، حيث قال له: لا توبة لك، فقتله.

أما في المرة الثانية فقد كان حظه طيباً حيث دُلَّ على عالم فأتاه ، فقال له : ( أنا قتلت مائة نفس، وأريد أن أتوب إلى الله عز وجل، فهل لي من توبة.؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة.؟ ولكنك بأرض سوءٍ -هنا الشاهد- ولكنك بأرض سوءٍ فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها ) فانطلق يمشي إليها؛ لأنه كان مخلصاً في السؤال، وكان مستسلماً لجواب العالم، فلما أفهمه العالم بأنك ما شقيت هذه الشقوة حتى قتلت مائة نفس بغير حق إلا لأنك تعيش في جو موبوء فاسد، فاخرج من هذه البلدة إلى البلدة الصالح أهلها، وعينها له، فانطلق يمشي .

( وفي الطريق جاءه الموت، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل يدعي بأنه من حقه أن يتولى نزع روحه، فأرسل الله إليهم حكماً أن قيسوا ما بينه وبين كل من القريتين؛ القرية التي خرج منها والتي خرج قاصداً إليها ، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بمقدار ميل الإنسان في مشيته، فتولته ملائكة الرحمة ).

الشاهد من هذا الحديث : أن ذلك العالم حقاً قد عرف سبب شقاوة هذا الإنسان وإقدامه على قتل مائة نفس، وهو لأنه كان يعيش في جو فاسد.

فهذا الحديث وما سبق ذكره يدل على أن المسلم يجب أن يحيط نفسه ببيئة صالحة، وبرفقاء صالحين، وأن يبتعد عن رفقاء السوء وعن البيئة السيئة حتى لا يتأثر بها. فهذا هو السبب في انحراف بعض الناس، سواءً كانوا من الدعاة أو من عامتهم.

السائل : بسم الله الرحمن الرحيم ما رأي فضيلتكم في أوضاع الدعوة السلفية عموماً، وفي الكويت ومصر والسعودية خصوصاً.؟.

الشيخ : أنا أقول : إن الدعوة السلفية الآن -مع الأسف- في اضطراب، وأعزو السبب في ذلك إلى تسرع كثير من الشباب المسلم إلى ادعاء العلم، فهو يتجرأ على الإفتاء وعلى التحريم والتحليل قبل أن يعرف بعضهم -كما سمعنا كثيراً- لا يحسن أن يقرأ آية من القرآن، ولو أنها أمامه في المصحف الكريم، فضلاً عن أنه كثيراً ما يلحن في قراءة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فيصدق فيه المثل المعروف في بعض البلاد : " إنه تزبب قبل أن يتحصرم " يعني الحصرم تعرفون ما أدري مستعملة هذه الكلمة عندكم؟، هو العنب حينما يبدأ يصير حباً أخضر، وهذا حصرم، والحصرم يكون حامضاً جداً، فهو قبل أن يتحصرم جعل نفسه كالزبيب، يعني : كالعنب الذي نضج وصُيِّرَ زبيباً، ولذلك فركوب كثير من هؤلاء الناس رؤوسهم وتسرعهم في ادعاء العلم والكتابة، وهم بعد ما مشوا إلى منتصف طريق العلم، هو الذي جعل الآن الذين ينتمون للدعوة السلفية الآن -مع الأسف- شيعاً وأحزاباً.

ولذلك فالعلاج أيضا ليس له علاج إلا بأن يتقي هؤلاء المسلمون ربهم عز وجل، وأن يعرفوا أنه ليس لكل من بدأ في طلب العلم أن يتصدر في الإفتاء في التحريم والتحليل، وفي تصحيح الحديث وتضعيفه، إلا بعد عمر طويل، يتمرس في هذا العمر على معرفة كيف يكون الإفتاء، وكيف يكون الاستنباط من الكتاب ومن السنة.

وفي هذا الصدد لا بد من أن يتقيد هؤلاء الدعاة أو السلفيون بالقيد الثابث، الذي سبق أن ذكرته في أثناء الكلام عن العلم النافع والعمل الصالح، فقد قلنا : بأن العلم النافع يجب أن يكون على منهج السلف الصالح ، فحينما يحيد كثير من الدعاة الإسلاميين اليوم عن التقيد بهذا القيد الثابت، الذي أشار إليه الإمام ابن القيم رحمه الله في شعره السابق حين قال :

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة .

فعدم الالتفات إلى ما كان عليه السلف الصالح يعود بالناس بعد أن اتفقوا إلى الفُرقة التي تُبَاعِدُ بينهم، كما باعدت من قبل بين كثير من المسلمين، فجعلتهم شيعاً وأحزاباً : (( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ))  .

هذا رأيي في هذا الواقع، وعليهم إذا كانوا مخلصين -كما نرجو- أن يتمسكوا بالمبادئ العلمية الصحيحة، وألا يتجرأ من لم يكن قد وصل إلى مرتبة العلم وصولاً صحيحاً أن يتورع عن ذلك، وأن يكل العلم إلى عالمه.

ويعجبني في هذا الصدد بعض الروايات التي وردت في كتب الحديث , أظن أنها عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله، وهو من كبار علماء السلف الصالح , قال : " لقد أدركت في هذا المسجد -ولعله يشير إلى مسجد المدينة المنورة - كذا عددا من الصحابة ـ نسيت أنا العدد ـ فكان أحدهم إذا سُئل " قلت شيئا .؟

السائل : قلت سبعين .

الشيخ : سبعين ربما يكون كذلك , المهم : " لقد أدركت في هذا المسجد سبعين من الصحابة كان أحدهم إذا سُئل عن مسألة أو استفتي عن فتوى، يتمنى أن يتولى ذلك غيره من علماء الصحابة الحاضرين ".

والسبب في ذلك هو أنهم يخشون أن يقعوا في خطأ، فيُوقعون غيرهم في الخطأ، فيتمنى أحدهم ألا يتحمل هذه المسئولية ويتحملها غيره.

أما الآن فالظاهرة معاكسة تماماً مع الأسف الشديد، وذلك يعود إلى سبب واضح، وأنا أذكره دائماً وأبداً، هو أن التفتح الذي نشعر به الآن للكتاب والسنة والدعوة السلفية هو أمر حادث، ولم يمض على هذا التفتح الذي يسمونه بالصحوة، لم يمض زمن طويل حتى يجني هؤلاء الناس ثمرة هذه الدعوة وهذه الصحوة وهذا التفتح في أنفسهم، أي : أن يتربوا على أساس الكتاب والسنة، ثم هم بالتالي يفيضون بهذه التربية الصحيحة القائمة على الكتاب والسنة , يفيضون بها على غيرهم ممن حولهم الأدنى فالأدنى، فالسبب أن هذه الدعوة لم يظهر أثرها؛ لأنها حديثة العهد بهذا العصر الذي نحن نعيش فيه؛ ولذلك نجد الظاهرة المعاكسة لما ذكرناه آنفاً، مما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أولئك الصحابة الذين كانوا يتورعون عن أن يُسألوا، ويتمنون أن يُسأل غيرهم، وما كانوا يجيبون عن السؤال إلا لعلمهم بأنه لا يجوز لهم أن يكتموا العلم، لكن في قرارة قلوبهم كانوا يتمنون أن يتولى ذلك غيرهم.

أما الآن فتجد في كثير من المجتمعات السلفية -فضلاً عن غيرها- يُسأل أحد من يظن فيه أنه أكثر من الحاضرين علماً، وإذا بك تجد فلاناً بدأ يتكلم وهو غير مسئول، وفلاناً بدأ يتكلم وهو غير مسئول، ما الذي يدفع هؤلاء.؟ هو حب الظهور، هو الأنانية، أنا هنا، أي : أنا عندي علم، وما شاء الله عليه! هذا على ماذا يدل.؟ يدل على أننا لم نترب التربية السلفية، نحن نشأنا على العلم السلفي، وكل بحسب اجتهاده وسعيه إلى هذا العلم، أما التربية فما حصلناها بعدُ كمجتمع إسلامي سلفي، ولذلك فهذه الجماعات وهذه التكتلات وهذه الأحزاب، في كل حزب نجد مثل هذا التفرق وما سببه إلا عدم التربية الإسلامية الصحيحة.

... منذ أكثر من عشرين سنة أقول: علاج هذه الأمة ليعود إليها مجدها، ولتتحقق لها دولتها، فليس لذلك سبيلٌ إلا البدء بما ألخصه بكلمتين اثنتين : بالتصفية والتربية، خلافاً لجماعات كثيرة يسعون إلى إقامة الدولة المسلمة -بزعمهم- بوضع أيديهم على الحكم؛ سواءً كان ذلك بطريق سلمي كما يقولون : بالانتخابات، أو كان ذلك بطريق دموي، كانقلابات عسكرية وثورات دموية، ونحو ذلك، نقول : هذا ليس هو السبيل لإقامة دولة الإسلام على أرض الإسلام، وإنما السبيل هو سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم , الذي دعا في مكة -كما تعلمون- ثلاث عشرة سنة، ثم أتم الدعوة في المدينة ، فهناك بدأ بعد أن استصفى له ممن اتبعه وآمن به رجالاً لا تأخذهم في الله لومة لائم، فبدأ بوضع أسس الدولة المسلمة.

والتاريخ -كما يقولون- يعيد نفسه، فلا سبيل أبداً، وأنا على يقين مما أقول، والتجربة الواقعية منذ نحو قريب من قرن من الزمان تدل على أنه لا مجال إطلاقاً، لتحقيق نهضة إسلامية صحيحة، ومن ورائها إقامة الدولة المسلمة إلا بتحقيق هذين الهدفين : وهو التصفية : وهو كناية عن العلم الصحيح، والتربية : وهو أن يكون الإنسان مربىً على هذا العلم الصحيح على الكتاب والسنة.

نحن الآن في صحوة علمية ولكننا لسنا في صحوة تربوية، لذلك نجد كثيراً من الأفراد من بعض الدعاة يستفاد منه العلم، لكن لا يستفاد منه الخُلُق، لماذا.؟ لأنه هو نشَّأ نفسه على العلم، ولكنه لم يكن في بيئة صالحة رُبِّيَ فيها منذ نعومة أظفاره؛ ولذلك فهو يحيا ويعيش وهو يحمل الأخلاق التي ورثها من ذاك المجتمع الذي عاش فيه ووجد فيه، وهو مجتمع بلا شك ما هو مجتمع إسلامي، لكنه استطاع بشخصه أو بدلالة بعض أهل العلم أن ينحو منحىً علمياً صحيحاً، لكن هذا العلم ما ظهر أثره في خلقه في سلوكه في أعماله، فهذه الظاهرة التي نحن الآن في صدد الكلام عنها سببها هو: أننا لم ننضج علمياً إلا أفراداً قليلين.

وثانيا : الأفراد أكثر من ذلك لم يربوا تربية إسلامية صحيحة، ولذلك فتجد كثيراً من المبتدئين في طلب العلم يَنْصِب نفسه رئيساً , رئيس جماعة أو رئيس حزبٍ، وهنا تأتي حكمة قديمة لتعبر عن أثر هذا الظهور، وهي التي تقول : " حب الظهور يقطع الظهور".

فهذا أسبابه يعود إذن إلى عدم التربية الصحيحة على هذا العلم الصحيح. نعم .

السائل : ظهرت في بعض الدول العربية جماعة يدعون أنهم أتباع سيد قطب ، وأنهم هم السلفيون حقاً، فما رأيكم.؟

الشيخ : رأيي أن المشكلة هي هي ، وجوابي عليها :

" والدعاوي ما لم تقيموا عليـها بينات فأبناؤها أدعياءُ ".

نحن نعتقد أن سيد قطب -رحمه الله- لم يكن سلفي المنهج في عامة حياته، ولكن ظهر له اتجاهٌ قوي إلى المنهج السلفي في آخر حياته وهو يعيش في سجنه، فالسلفية ليست مجرد دعوى، السلفية تتطلب معرفة بالكتاب والسنة الصحيحة والآثار السلفية، نحن نعلم من هؤلاء وأمثالهم الذين يدعون أن دعوتهم قائمة على الكتاب والسنة؛ هم لا يعرفون أصول فهم الكتاب أولاً، وهذه الأصول معروفة من كلام ابن تيمية في رسالته في أصول الفقه، وكلمات أئمة التفسير كـابن جرير وابن كثير وغيرهم؛ أن القرآن يفسر بالقرآن، وإلا فبالحديث، وإلا فبأقوال الصحابة، ومن دونهم من السلف الصالح ، فالذين يدعون السلفية لا يسلكون سبيل تفسير القرآن هذا السبيل العلمي المتفق عليه بين علماء المسلمين.

السائل : هذا موجود عند القطبيين ؟.

الشيخ : طبعا موجود؛ ولذلك تجد في تفسير سيد قطب بعض التفاسير التي تنحو منحى الخلفيين الذين يخالفون السلف الصالح .

ثم أريد أن أقول : إن هؤلاء لا يُعْنَوْنَ بتمييز السنة الصحيحة من الضعيفة؛ فضلاً عن أنهم لا يعنون بتتبع الآثار عن الصحابة والسلف الصالح ؛ لأن هذه الآثار هي التي تعين العالم على فهم الكتاب والسنة كما أشرنا آنفاً إليه.

من أين تأتيهم السلفية إذا كانوا هم بعيدين عن فهم الأصل الأول للإسلام وهو القرآن على الأصول العلمية الصحيحة، وبعيدين عن تمييز الصحيح من الضعيف من الحديث، وأبعد من ذلك عن أن يتتبعوا آثار السلف الصالح حتى يهتدوا بهديها ويستنيروا بنورها .

إذاً: القضية ليست مجرد ادعاء، ولماذا هؤلاء يدعون أنهم سلفيون.؟ للأمر الذي ذكرته في بعض أجوبتي السابقة؛ أن الدعوة السلفية الآن -والفضل لله عز وجل- غطَّت الساحة الإسلامية تقريباً، وظهر لأكثر من كان يعاديها -ولو في الجملة- أن هذه الدعوة هي دعوة الحق؛ ولذلك فهم ينتمون إليها ولو كانوا في عملهم بعيدين كل البعد عنها. تفضل .

السائل : بسم الله الرحمن الرحيم : هل الرسل يأتون صغائر الذنوب.؟.

الشيخ : أنا أعتقد قبل الإجابة مباشرة عن هذا السؤال، بأنه سؤال كما يقال اليوم : غير ذي موضوع ؛ لأن الأمر لا يتعلق بمنهج لنا، وبإصلاح عقائدنا وأعمالنا، وإنما هو أمر يتعلق بمن تقدم النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء والرسل، فما أجد أن مثل هذا السؤال ينبغي الاهتمام بتوجيهه، ولكن لا بد من الإجابة عنه؛ حتى نبين ما عندنا من علم في هذه المسألة.

نحن نعتقد أن العصمة المقطوع بها للأنبياء أو الرسل.؟ إنما هي:

أولاً : العصمة في تبليغ الدعوة.

وثانياً : العصمة عن الوقوع في الذنوب الكبائر وهم يعلمونها.

أما أن يقعوا في صغيرة من الصغائر التي لا يترتب من ورائها إلا انتفاء الكمال المطلق؛ فهذا لا بأس من أن يقع شيء من ذلك من الأنبياء والرسل، وذلك ليبقى مستقراً في قلوب المؤمنين أن الكمال المطلق لله رب العالمين وحده لا شريك له.

والقرآن في إثبات هذه الحقيقة فيه كثير من النصوص والأدلة في غير ما نبي أو رسول، فقصة آدم عليه السلام في نهي رب العالمين إياه عن أكل الشجرة، وقول رب العالمين: (( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )) ، وقول أيضاً القرآن الكريم بالنسبة لنبينا عليه الصلاة والسلام: (( عَبَسَ وَتَوَلَّى )) ، وقوله: (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ )) ، هذا كله يدل على أن النبي ممكن أن يتعرض لما لا يليق بمقام نبوته من هذه الصغائر، لكن هل هذا يعيبهم.؟ الجواب: لا؛ لأن هذا مقتضى البشرية.

كما نقول: هل يعيب النبي والرسول أن يتعرض لما يتعرض له الناس عامةً من مثل السهو والنسيان.؟ نقول: لا؛ لا مانع من أن يتعرض أحد الرسل والأنبياء لمثل هذا؛ لأنه لا يمس مقام الدعوة التي أرسل بها إلى الناس كافة.

فقوله عليه السلام فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما صلى بهم صلاة الظهر خمس ركعات، فلما سلم قالوا له : صليت خمساً، فسجد سجدتي السهو، ثم قال عليه السلام : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني ) فلا يضر مقام النبوة والرسالة أن يقع منهم مما الأكمل ألا يقع، لكن الكمال المطلق لله عز وجل، الأكمل ألا ينسى الرسول عليه السلام، لكن حكمة الله عز وجل اقتضت أن ينسى الرسول، لكن هذا النسيان لا يمس الدعوة؛ لأنه لا ينسى ما يتعلق بالدعوة، ولذلك يشير ربنا عز وجل إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: (( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )) ، إلا ما شاء من أن تنسى آية قد بلغتها الناس، أي : أديت الرسالة، وبلغت الأمانة، فممكن أن يعرض للرسول السلام بعد هذا التبليغ الواجب عليه أن ينسى شيئاً مما بلغه، كما جاء في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل المسجد يوماً فسمع رجلاً يتلو القرآن، فقال : ( رحم الله فلاناً، لقد ذكرني آية كنت أُنسيتها )؛ فنسيان الرسول عليه السلام لمثل هذه الآية لا يضره فيما يتعلق بدعوته؛ لأنه قد بلغها، ولذلك استطاع ذلك الرجل أن يقرأها، فلما قرأها الرجل تذكرها الرسول عليه السلام، فمثل هذا النسيان لا يضره.

كذلك وقوع بعض الأنبياء والرسل في شيء من الصغائر لا يضرهم؛ لأنه لا ينفر المدعوين عن دعوته، بخلاف الوقوع في الكبائر، ولذلك فهم منزهون عنها دون الصغائر.

السائل : هل هناك صفة الحَجُز لله عز وجل أخذا من حديث الرحم.؟.

الشيخ : لا نستطيع أن نتكلم في هذا الحديث بأكثر مما جاء فيه، فنقول له : إن الله عز وجل قد أخبر بذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم , ومجال التأويل واسع، لكننا نسلم تسليماً ولا نتأول.

السائل : هل هناك دليلٌ من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة ما ينفي أو يثبت مماسة الرب عز وجل لعرشه.؟

الشيخ : لا يوجد دليل في ذلك إطلاقاً، وإثبات مثل هذه الأمور ونفيها في اعتقادي خروج عن منهج السلف الصالح ؛ لأن كلا من الإثبات والنفي يترتب منه محظور، أما الإثبات فقد يلزم منه محظورات :

أحدهما : نسبة شيء إلى الله عز وجل لم يثبت في الكتاب ولا في السنة، وهذا لا يجوز.

والشيء الآخر : أننا إذا أثبتنا أو ادعينا شيئاً من ذلك؛ فتحنا طريقاً للمعطلين المؤولين لنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بصفات الرب تبارك وتعالى، فتحنا لهم طريقاً ليتهمونا بالتجسيم؛ لأنهم يفسرون هذه الأمور التي قد يدعيها بعض من سبقنا، يفسرونها على ظاهرها التي تليق بالبشر ولا تليق بالله عز وجل؛ ولذلك فلا يجوز إثبات مثل هذه الأمور.

كما أنه لا يجوز نفيها؛ لأنه قد يلزم من نفيها نفي ما جاء في الكتاب والسنة، من ذلك مثلاً : أن الله عز وجل ليس حالاً في المخلوقات، أي : ليس كما يقول المعطلة والقائلون بوحدة الوجود، أن الله عز وجل في كل مكان، وأن الله عز وجل موجود في كل الوجود، وغلا الصوفية في تصريحهم بهذه الضلالة حينما قال قائلهم في شعر لا أذكره الآن: أن مثل رب العالمين ومخلوقاته كمثل الماء والثلج، هل يمكن فصل الماء عن الثلج حين كونه ثلجاً.؟ الجواب: لا.

كذلك عندهم رب العالمين -تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً- إنه حالٌّ في المخلوقات، والعقيدة السلفية : أن الله عز وجل غنيٌ عن العالمين، وهو ليس بحاجة إلى العرش وإلى الجلوس عليه والتمكن منه، وقد صرح بذلك بعض العلماء المعتدلين من الماتريدية ، أقول: المعتدلين؛ لأن الماتريدية كـالأشاعرة في كثير من الأمور المخالفة لعقيدة السلف الصالح ، أما هذا البعض الذي أشير إليه فقد قال مثبتاً لصفة علو الله على عرشه، دون إيهام أنه بحاجة إليه، فقال :

ورب العرش فوق العرش لكن ***  بلا وصف التمكن واتصال

لأن وصف رب العالمين بهذا الوصف معناه أنه بحاجة إلى العرش، ( وكان الله ولا شيء معه ) كما نعلم من حديث عمران بن حصين ، ثم خلق العرش والسماوات كما جاء التصريح بذلك في السنة.

فإذاً باختصار : لا يوجد في الكتاب ولا في السنة شيءٌ يثبت هذا الذي جاء في السؤال أو ينفيه، فلا نقر ولا ننفي. نعم .

السائل : ابن القيم في الوابل الصيب يقرر فناء نار عصاة الموحدين، وبقاء نار المشركين، فهل له قولان في المسألة.؟

الشيخ : نعم؛ ذلك مما كنت فصلته في مقدمتي لكتاب : " رفع الأستار عن بطلان قول من قال بفناء النار " فهو في كتابه : " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " فهو هناك يبحث هذا البحث بصورة مفصلة، وشيخ الإسلام ابن تيمية كذلك -وقد نشرنا بعض المصورات- يقولان بفناء النار مطلقاً، لكن قول ابن القيم في الوابل الصيب هو كأنه ارتداد من ذلك القول إلى ما هو صوابه، فنار المشركين لا تفنى؛ لأن الله يقول: (( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا )) ، فنار المشركين وعذابهم فيها إلى أبد الآبدين ولا نهاية لذلك، وهذه كلمة لا ينبغي أن يغتر بها المسلمون الذين يقدرون علم الشيخين ابن تيمية وابن قيم الجوزية وبخاصة حينما وجدنا هذه الكلمة التي تدفع الإشكال والشبهة من أنه يفرق بين نار العصاة وبين نار المشركين، فنار العصاة هي التي تفنى، أما نار المشركين فهي تبقى كما يبقى نعيم المؤمنين.

السائل: إذاً : هذا القول الصواب أن نار العصاة الموحدين تفنى.؟ .

الشيخ: طبعا نعم، ولابد؛ لأنه لا يخلد في النار موحد أبداً.

السائل : ما حكم سؤال الجن عن أمور الغيب النسبي.؟.

الشيخ : لا نرى التوجه إلى الجن في أسئلة تتعلق بأمور غيبية؛ لأن ذلك من بواعث ضلال البشر، والله عز وجل ذكر في القرآن الكريم شيئاً من ضلال المشركين السابقين، حيث قال رب العالمين تبارك وتعالى حكاية عن الجن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمنوا به، فقد كان من قولهم: (( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ))  .

فالاستعانة بالجن في معرفة الغيب هو كما يقول بعض المتقدمين حينما يستنكر استغاثة المخلوق بالمخلوق : إنه كاستغاثة السجين بالسجين، فاستعانة البشر بالجن على معرفة الغيب، هذا كاستعانة البشر بالبشر، فإن الجنسين من الإنس والجن يشتركان في عدم معرفة الغيب.

أما حينما يكون المقصود بالغيب هو أمر واقع ولكنه غائبٌ عن البشر بسبب أن طاقاتهم وقدراتهم محدودة، وطاقات الجن أوسع، فكذلك نقول: لا ينبغي؛ لأن الأمر مع الاستمرار في الاستعانة بهم سيتوسع، ويتسع الخرق على الراقع، فيقع الناس في الإشراك بالله عز وجل في شرك الصفات؛ لأنكم تعلمون جميعاً أن الله عز وجل واحدٌ في ذاته , واحدٌ في عبادته , واحدٌ في صفاته، فلا يشاركه أحد من المخلوقات مطلقاً في معرفة الغيب، كما قال تبارك وتعالى: (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )) ، فالأنبياء والرسل أنفسهم لا يعلمون الغيب، ولكن الله عز وجل بطريق الإيحاء إليهم يعلمهم عن بعض المغيبات، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؛ لذلك فطريق معرفة الغيب هذا طريق مسدود؛ سواء كان من الغيب الذي لم يقع أو من الغيب الذي وقع، وهو غير داخل في طوق البشر، فالاستعانة بالجن في هذا النوع فهو بلا شك مزلة وضلالة، وقد يؤدي -كما قلت آنفاً- إلى الإشراك بالله عز وجل.

ولعلَّ من الشواهد الحديثة ما بلغنا عن بلدكم خاصة الكويت : أن هناك شيخاً يدعي العلم بالغيب، وأنه من ذلك أنه أمر أتباعه بأن يهاجروا من الكويت إلى الأردن هنا، وأنه سيقع في الأردن يمكن يقول ثلج أو برد شديد، ولذلك أمرهم بأن يدثروا أو يشتروا البطانيات وأشياء، وبالعكس أنه ستكون هناك في الكويت -لا سمح الله- نار شديدة، أو ما شابه ذلك من الدعاوى الباطلة هل من شيء من ذلك عندكم.؟

السائل : جاءتنا أخبار من ذلك -يا شيخ- أنه في سوريا أن الشيخ كان في سوريا واحد، وواحد في مصر من الصوفية .

الشيخ: لكن أتباعهم موجودين هنا ويقولون في الكويت شيخهم  .

السائل : صحيح؛ لهم أتباع موزعون رحلوا من الكويت كذا ، ويوم الأحد الماضي أعلنوا في الجرائد أنهم كانوا البارحة ينتظرون الجميع، وكان الشيخ موجوداً في سوريا وآخر في مصر أعلنوا لأتباعهم أن القيامة ستقوم؛ فكلهم خرجوا من المدارس -وهذه حقيقة- فأفراد منهم باعوا أراضيهم ورحلوا.

الشيخ : جاء كثيرون إلى هنا.

السائل : مقر شيخ الطريقة في الكويت فريد حمدان ، وابنه وأخوه هنا. الذي كتبت الصحف يوم الاثنين أن الشيخ موجود في سوريا والآخر في مصر.

الشيخ : يجوز على كل حال أن يكون هناك تنقلات أو تفضيلات.

الشاهد؛ أن فتح باب الاتصال بالجن يورث البشر في الوقوع في الضلال المنهي عنه. نعم .

السائل : ما الفهم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التعبيد لغير الله عز وجل ؟.

الشيخ : ليس في هذا الكلام الذي صح عن الرسول عليه السلام، ليس فيه أي تعارض بينه وبين نهيه أو أمره المستفاد منه النهي عن التعبيد لغير الله؛ ذلك لأنه هو ينتسب إلى جده عبد المطلب ، حيث أن هذا هو اسمه العلم المعروف به عند الناس، فهو لم ينشئ اسماً عَبَّدَ فيه شخصاً إلى غير الله عز وجل، وإنما عَرَّف الناس بأنه ابن عبد المطلب ، فهو لا يستطيع أن يعرّف الناس بانتسابه إلى عبد المطلب بتغيير اسمه .

يعني أنا أضرب لكم مثلاً : كثير من الشيعة -كما تعلمون- يسمون بعبد الحسين وعبد الحسن، ونحو ذلك، فنحن نقول : قال عبد الحسين في كتابه المراجعات كذا وكذا، ونحن الذين نقرر في كتبنا بأنه لا يجوز التعبيد لغير الله تبارك وتعالى، فلا يتبادر لذهن من يقرأ قولي: قال عبد الحسين في كتاب كذا، أنني عبَّدت إنساناً لغير الله عز وجل؛ لأنه كما يقول العلماء: ناقل الكفر أو حاكي الكفر ليس بكافر، فإذاً: هذا الحديث: ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) لا يتعارض مطلقاً مع المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحرم التعبيد لغير الله عز وجل، فهو ناقل وليس بمؤسس. نعم.

السائل : ما الفهم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أبردتم إليَّ بريداً فابعثوه حسن الوجه ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .؟ وما الحكمة من اختيار الوجه الحسن.؟ وهل لذلك علاقة بالتفاؤل أو التشاؤم ؟.

الشيخ : نعم. كون الرسول الذي يرسل بريداً وحض الرسول عليه السلام أن يكون حسن الوجه هو من باب التفاؤل، وليس معنى ذلك تفضيل من كان حسن الوجه عند الله عز وجل على من كان قبيحه، وإنما هذا من باب التفاؤل، وكما قيل : " تفاءلوا بالخير تجدوه ".

والتفاؤل أمر مرغوب فيه، بخلاف التشاؤم فهو من هذا القبيل، ولا يعني تفضيل حسن الوجه على قبيحه؛ لأن التفاضل عند الله تبارك وتعالى إنما يكون بالعلم النافع والعمل الصالح، وهذا معنى قوله تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) .

وما نطيل الآن لنخرج عن السؤال، اختصار هذا جواب السؤال.