تعاليم الإسلام..وكيفية حَلّ المشاكل القديمة والمعاصرة

توجيهات وتعاليم إسلامية كانت سببا في الرِقِيّ والتقدم والتحضر

تعاليم الإسلام
وكيفية حَلّ المشاكل القديمة والمعاصرة

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ [النحل: 90]


توجيهات وتعاليم إسلامية
كانت سببا في الرِقِيّ والتقدم والتحضر

 

                                                                    إعداد
                                                                  محمد السيد محمد

 

 


مقدمة
      الحمد لله رب العالمين، فاطر السماوات والأرض، جاعل الظلمات والنور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد النبي خاتم الأنبياء والمرسلين، وصل اللهم وسلم وبارك على أزواجه وآل بيته الأخيار الأطهار وأصحابه الكرام، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره  إلى يوم الدين.
 لقد أرسل الله تبارك وتعالى خاتم أنبيائه ورسله محمدا  بالإسلام دينا متضمنا العقائد الصافية والعبادات الهادية والتشاريع القويمة، مشتملا على التعاليم السامية والتوجيهات الرشيدة، داعيا إلى الأخلاق الكريمة والمعاملات الحكيمة، آمرا بكل معروف وناهيا عن كل منكر، داعيا إلى العلم والتعلّم والنهوض بالبشرية فى كافة نواحي الحياة.
ولقد عمل المسلمون الأوائل بجدية على تنفيذ تعاليم الإسلام إرضاء لله سبحانه وتعالى فكانت سببا فى رِقيّهم وتقدمهم وتحضّرهم، وانتشار دعوة الإسلام (منذ قرابة 1400 عام) في شتى بقاع الأرض (آسيا- إفريقيا- أوروبا) في غضون سنوات قليلة ودخول الناس في دين الله أفواجا، وقد كان لعلماء المسلمين آنذاك بل وإلى زماننا المعاصر إسهامات جليلة واختراعات واكتشافات مضيئة في مختلف المجالات العلمية، مشهودة لها من أهل التخصص في هذه العلوم.
- وما نودّ أن نُلْقِيَ الضوء عليه في هذا البحث الموجز الذي يكشف عنه عنوانه "تعاليم الإسلام..وكيفية حَلِّ المشاكل القديمة والمعاصرة" هو ما يوضحه هذان التساؤلان، على النحو التالي:
- كيف أدّت المبادئ الموافقة لتوجيهات وتعاليم الإسلام السامية إلى نهضة الكثير من الدول العاملة على إحراز التقدم، بل وإلى رِقيّها وتقدمها وتحضّرها؟، وذلك من خلال ذكر صور من هذه التوجيهات والتعاليم.
- ماذا بعد النهضة والتقدم، والرِّقِىّ والتَّحَضُّر؟ أو بمعنى أدقّ ما الذي ينقص الدول العاملة على إحراز التقدّم وتحتاج إليه بعد ذلك كلّه لتُتَوّج به هذا التقدم وتحلّ من خلاله مشاكلها المعاصرة؟
وأسأل الله )تبارك وتعالى( أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن ينميها لنا، وأن يشرح لدعوتنا صدور عباده وأن يجعلها حسن سبب فى هداية خَلْقِه إليه، فهو )سبحانه وتعالى( ولىّ ذلك والقادر عليه.
 
*******

 

 


 
مفهوم الإسلام
إن الإسلام يعنى: الاستسلام والخضوع التام (عقلا وقلبا وروحا وجسدا) لله سبحانه وتعالى والامتثال لأوامره.
ونتسائل: هل لعبد مخلوق  خلقه الله تبارك وتعالى من عَدَم (من لا شيء) فَصَوَّره فى أفضل صورة وأحسن تقويم إلا أن يعرف لإلهه وخالقه قدره ويعترف بعظيم منه وفضله، فيصير مستسلما خاضعا ممتثلًا له؟!!
فيمتثل العبد بعقله: فيؤمن بوجود الإله الذى خلقه وهو الله تبارك وتعالى، ويؤمن بوحدانيته وعظيم قدرته وتفرّده فى ألوهيته فلا يشرك به شيئا، ولا يعتقد فى إلهه وخالقه إلا ما يليق بعظمته فلا يعتقد فيه إلا كل ما هو عظيم وجليل دون أدنى ذمّ أو نَقْص أو تقليل.
فالإنسان سوف يجد نفسه مفطورا على أن يتطلع بقلبه وعقله إلى كل ما هو أرقى وأسمى وأرفع فى إلهه وخالقه من صفات الكمال والعظمة والإجلال دون أدنى ذمّ أو نقصان، وأن يضعه فى أفضل تصَوُّر يمكن أن يقبله قلبه وعقله من صفات الكمال والعظمة، لا سيما وأن الآثار الدالة على عظيم قدرته وبديع خلقه وجميل صَنْعَتِه (فى خلق الإنسان والسماء والأرض والجبال والبحار والأنهار والحيوان والنبات..) أكثر من أن تحصى، وهذا هو ما تقبله وتتفق معه الفطرة النقية والروح الزكية والعقل الرشيد.
 ومثال ذلك: أنه إذا ما كان هناك شخص ذا جاه وسـلطان يُمتدح بحسـن خلقه وجميل صفاته -افتراضًا- فإننا سوف نصل بعقولنا وتصوراتنا إلى وضع هذا الشخص في أحسن تصور ممكن وأفضل منزلة.
 وكذلك إذا ما تم وصْف بِناء ما بعلوه وشموخه، وجماله، وحُسْن أساسه وصفاته -افتراضًا- فإننا سوف نصل بعقولنا وتصوراتنا إلى وضع هذا المبنى في أحسن تصور يمكن تخيُّله.
 فإذا كان ما أشرنا إليه من حسن التصوّر هو في شأن عبد مخلوق أو في شأن ما هو مصنوع موجود، فما بالنا بالإله الخالق الواجد؟!
أفلا نصل بهذه النعمة العظيمة التي وهبنا الله تبارك وتعالى إياها -نِعْمة العقل- إلى الإيمان بوجوده ووحدانيته وجميل صفاته وعظيم قدرته وتفرّده فى ألوهيته؟!
ويمتثل العبد بقلبه وروحه: حبَّا لإلهه وخالقه، وتعظيما وإجلالا وتقديرا له سبحانه وتعالى.
ويمتثل العبد بجسده:  مطيعا لأوامر إلهه وخالقه ومجتنبا نواهيه.
ويكون ذلك الامتثال من العبد المخلوق حبَّا فى إلهه وخالقه ورغبة فى رضاه جل وعلا وأملا فى الفوز بجنته بما فيها من نعيم عظيم دائم مقيم، وخوفا من غضبه جل وعلا وأملا فى النجاة من ناره بما فيها من عذاب شديد أليم، حيث إن الحياة الدنيا الفانية بما فيها مِن سَرَّاء (ما يكون سببا فى سرور الإنسان) وضرّاء (ما يكون سببا فى ضرر الإنسان) إنما هى دار امتحان لحياة أخرى باقية ( لحياة في الجنة بما فيها من نعيم مقيم أو حياة في النار بما فيها من عذاب أليم).
مع التنويه إلى: أن الله تبارك وتعالى يقبل عباده جميعا ويفرح بهم ويغفر لهم ذنوبهم وتقصيرهم إذا تابوا إليه وآمنوا به واعترفوا بوحدانيته (وحدانيته فى ألوهيته) وأطاعوه ولم يشركوا به شيئا.
وأيضا،فإن الإسلام يعنى: السَّلام والأمْن والاطمئنان، حيث إن كلمة (الإسلام) مُشتقة من المصدر (سلم) والذى يُشْتَق منه أيضا كلمة (السلام)، والتى تعنى: الأمن والأمان والاطمئنان.
فـ(الإسلام): هو دين السلام الذى يَسَع الجميع، فينعمون جميعا تحت مظلته بالسلام والأمن والأمان وعدم الجور والظلم والطغيان.
وبـ(الإسلام) يَنْعم الإنسان بالسلام النفسى الداخلى وهو السلام الحقيقي، حيث يصير سالما فى معتقده بالله سبحانه وتعالى آمنا بحُسْن اعتقاده فيه، فتطمئنّ نفسه ويسْكُن فُؤاده -قلبه- وتَسْتَقيم جوارحه فى ضوء ما جاء به الإسلام من توجيهات وتعاليم سامية، فالله تعالى يقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(28) [الرعد:28].
                                                                      
*******

 

 

 

 

 

 

 


دعوة الإسلام
لقد جاء الإسلام داعيا إلى كل ما يمكن أن تقبله وتتفق معه الفطرة النقية والروح الزكية والعقل السويّ، حيث جاء:.
•    داعيا إلى المعتقد النقيّ دون أدنى شوائب أو عكرات تثير العقل وتزعجه وتُعْجزه عن تفهّمها وتقبّلها، داعيا إلى المعتقد
الصافى الذى يقبله العقل الرشيد دون قهر أو إعنات له لفرض تصور معين يعجز عن قبوله.
•    داعيا إلى العبادات الهادية التى بها تسمو وترتقي النفس البشرية.
•    داعيا إلى التشاريع القويمة والمعاملات الحكيمة والتعاليم السامية التي بها تستقيم حياة البشر أجمعين.
•    داعيا إلى العلم والتعلّم وإلى ما تنهض به البشرية فى كافة مجالات الحياة.
•    داعيا إلى السلام ومقوماته والأخذ بأسبابه وعدم التطرف والإرهاب والوفاء بالعهود والمواثيق.
•    داعيا إلى كل خير وإلى كل طريق يهدى إلى البِرِّ، ناهيا عن كل شرّ وعن كل طريق يؤدي إليه.
•    داعيا إلى العدل والإحسان وصِلَة الأرحام، ناهيا عن الظلم والجوْر والفواحش والمنكرات.
يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) [سورة النحل:90].

*******

 

 

 

 

 

 

 


الإسلام ونور الاعتقاد
لقد جاء الإسلام بالعقيدة الصافية التي استنارت بها العقول واهتدت بها إلى معرفة خالقها وبارئها معرفة جليّة واضحة تليق بجلالته وعظمته، فلقد دعا الإسلام إلى:-
•    الإيمان بالله سبحانه وتعالى الخالق الواجد وبصفاته الحسنى والإيمان بوحدانية ألوهيته وعدم الإشراك به شيئا.
إن كل مولود يولد على فطرة الإيمان بخالقه وواجِده والإيمان بوحدانية ألوهيته، ودليل ذلك أنه إذا جِيء بمولود وتُرِك إلى أن يصير واعيا مُدركا دون أي تأثير خارجيّ عليه في معتقده فسوف نجد:
 (1) أنّ فِطْرَتَه التي فطره الله تعالى عليها تميل إلى الإيمان بخالقها وواجدها، ومن ثم تقوده إلى الاعتقاد بوجود إله واحد فقط، إله قوى عظيم قادر على خلقه وخلق جميع المخلوقات، فنجده (الإنسان الذي صار واعيا مدركا) وقت اضطراره وحاجته يناديه قائلا: يا إلهي، ياربّي، يا خالِقي (إشارة إلى الإفراد في الألوهية وليس التثنية أو الجمع والتعدد): اهدني- يسّر لي أمري- اقض لي حاجتي- لا تتركني...، ولن نجده يقول يا آلهتي أو يا أربابي أو يا من خلقتموني (كإشارة إلى الجمع)، مما يدلل على أن الخالق والواجد إنما هو إله واحد فقط وهو الله تبارك وتعالى.
(2) أنه سوف يتطلع فؤاده وتشتاق نفسه إلى الخضوع والامتثال لأوامر إله واحد حكيم قدير وإلّا فأين يذهب ذلك العبد كمخلوق ضعيف حين تتعدد الآلهة وتتضارب أوامرهم وتختلف توجيهاتهم؟! فلمن يخضع ويمتثل؟! وإذا خضع وامتثل لأحدهم (أحد الآلهة) ونال رضاه فإنه سوف يكون قد عصى غيره أو آخرين غيره وصار مستحقا لغضبهم عليه وعقابهم له، مما يؤكد أيضا على أن الخالق والواجد إنما هو إله واحد فقط وهو الله تبارك وتعالى.
مثال للتوضيح: إذا كان هناك عبد مملوك لشخص واحد فقط، ويقوم ذلك العبد بطاعته وتنفيذ أوامر وتعليمات محددة دون أدنى تخبط، فهل يستوي حاله ويستقيم أمره إذا تم بَيْعه لأكثر من شخص (شخصين أو ثلاثة أو ...) وهو يحاول جاهدا أن يقوم بطاعتهم جميعا وتنفيذ أوامرهم؟! بالطبع: لا.
لأنه في حالته الأولى (عندما يكون مملوكا لشخص واحد فقط ) سوف يجد نفسه صافي الذهن مستريح البال والنفس فائزا برضا سيّده عليه مُنعّما بمكافئته له، ولكن في حالته الثانية (عندما يكون مملوكا لأكثر من شخص ) فسوف يجد نفسه شارد الذّهن مُشتتا مهموم النفس خاسرا لرضا أسياده عليه معذّبا بمعاقبتهم له لأنه مع اختلاف وتضارب أوامر أسياده سوف يجد نفسه مضطرا لطاعة أحدهم وتنفيذ أوامره مع عصيان الآخرين وتجاهل أوامرهم تارة ثم طاعة شخص آخر وتنفيذ أوامره مع عصيان الآخرين وتجاهل أوامرهم تارة أخرى في محاولة منه لإرضاء الجميع ولكنه في النهاية بالنسبة لأسياده جميعا يكون مُقَصِّرا عاصيا مستحقا لغضبهم جميعا عليه وعقابهم له.
(3) وسوف يجد عقله متفكرا في إجابة منطقية لـ(أربع) تساؤلات مهمة على النحو التالي:
من الذي خلقني وأوجدني؟ وما هي صفاته؟ ولماذا خلقني وأوجدني؟ وما الحكمة من ذلك؟
وسرعان ما يجد أن فطرته وما تطلّع إليه فؤاده واشتاقت إليه نفسه وما توصّل إليه عقله بعد تفكّر وتعقّل قادوه إلى إجابة التساؤل الأول: من الذي خلقني وأوجدني؟، وهي: أنه لا بد وأنّ من خلقه وأوجده هو إله قويّ عظيم، لأنه يستحيل عقلا أن يعتقد الإنسان بوجود شيء من دون أن يكون له واجد، فكل موجود لا بد له من واجد وكل مصنوع لا بد له من صانع وكل مخلوق لا بد أن يكون له خالق، ومن ثم يؤمن بوجود إلهه وخالقه وإن كان لا يراه ولكنّ الآثار والشواهد الدالة على وجوده أكثر من أن تحصى، ومثال ذلك:
أن الإنسان لا يرى روحه ولكنه يؤمن بوجود هذه الروح لوجود آثارها من حياة، وكذلك فإنه لا يرى عقله ولكنه يؤمن بوجوده لوجود آثاره من قدرة على التفكّر والتدبّر، وكذلك لا يرى الجاذبية ولكنه يؤمن بوجودها لوجود آثارها من قوة جذب...إلى غير ذلك.
وأيضا فسوف يجد الإنسان أن فطرته وما تطلّع إليه فؤاده واشتاقت إليه نفسه وما توصّل إليه عقله بعد تفكّر وتعقّل قادوه إلى إجابة جزء كبير ومهم من التساؤل الثاني، وهى: أن هذا الإله الخالق لا بد وأن يكون إله واحد فقط وليس اثنين أو أكثر، وذلك للأسباب الآتية:
1- أن الإنسان عندما تسائل: من الذي خلقه وأوجده؟ ومن الذي خلق جميع هذه المخلوقات وأوجدها؟ وكانت الإجابة المنطقية بأنّ من خلقه وأوجده وخلق جميع هذه المخلوقات وأوجدها لابد وأنه إله قويّ عظيم يوصف بقدرته على الخَلْق والإيجاد، فإنه سوف يقوم بتكرار هذا التساؤل بشكل مختلف على النحو التالي: ومن الذي خلق هذا الإله وأوجده؟ وبفرض أن الإجابة كانت: لا بد وأنه إله آخر يُوصَف بالقوة والعظمة، فإنه سوف يجد نفسه مضطرا إلى تكرار ذلك التساؤل بشكل غير متناهي وبنفس الكيفية: ومن الذي خلق هذا الإله وأوجده؟ وبالتالي سوف تتكرر الإجابة نفسها دون الوصول إلى إجابة جذرية صحيحة وذلك لأن الإجابة من البداية كانت خاطئة غير منطقية.
ومن ثم تكون الإجابة النموذجية على هذا التساؤل: أنه لا يوجد خالق وواجد لهذا الإله الخالق الواجد الذي خلق هذا الإنسان وأوجد هذا الكون بما فيه من مخلوقات وموجودات، ومن ثم فلا يوجد سوى إله واحد فقط يوصَف بعظيم قوته وطلاقة قدرته على الخلق والإيجاد من العدم، وهذه هى الإجابة المنطقية النموذجية التي لا يقبل العقل الرشيد المُتفكّر سواها.
2- بافتراض وجود أكثر من إله ومن ثم وجود إرادة مستقلة لكل إله، وبافتراض أن أحدهم أراد فعل شيء وأراد غيره فعل نقيض هذا الشيء (كأن يريد أحدهم تحريك شيء ما ويريد الآخر عدم تحريكه) فما الذي يحدث حينئذ؟
والإجابة على ذلك التساؤل (الذي كان نتيجة للافتراض الوهمي) لا تخرج من 3 احتمالات على النحو التالي:
أ- إما أن يحدث ما أراده كل منهما، وذلك زعم باطل لاستحالته عقلا حيث لا يمكن تحريك الجسم وعدم تحريكه في نفس الوقت.
ب- وإما أن يعجز كل منهما عن تنفيذ ما أراد، وذلك زعم باطل أيضا لاستحالة وجود صفة العجز في الإله الخالق الواجد القادر على فعل كل شيء.
ج- وإما أن يحدث مُراد أحدهما فقط ولا يحدث مُراد الآخر، فيكون حينئذ هو الإله الحقيقي الخالق والقادر على فعل كل شيء وما سواه ليس بإله على الإطلاق.
وبتكرار هذا الافتراض يتبين: أنه لا يوجد سوى إله واحد حقيقي، وهو الإله الخالق الواجد لكل شيء والقادر على فعل ما يريد.   
3- أنه إذا كان هناك أكثر من إله لظهر عُلوّ بعضهم على بعض تارة وعُلوّ وانتصار البعض الآخر تارة أخرى ولفسدت السماوات والأرض ومن ثم تدمير الكون بما فيه من مخلوقات وموجودات بما في ذلك من حياة للبشرية قاطبة.
 وبما أن ذلك كله ليس بحادث، إذن فليس هناك سوى إله واحد فقط وهو الإله القوي العظيم القادر المتحكّم في كل شيء، وهو الله سبحانه وتعالى.
ونموذج ما أشرنا إليه: أنه إذا كانت هناك فرصة للفوز بحُكْم ومُلْك دولة ما فإننا سوف نجد المنازعات والحروب (بما في ذلك من قتل وهلاك ودمار) إثر محاولة وصول كل من المتنازعين والمتحاربين إلى الحُكْم والمُلك منفردا، ولا يبدأ الاستقرار إلا بعد وصول أحد المتنازعين والمتحاربين إلى الحُكْم منفردا واستقرار مُلكه.
أيضا، ماذا إذا كان هناك أكثر من رئيس لدولة واحدة؟ هل سوف يستقيم أمر هذه الدولة؟
بالطبع: لا، فلا شك بأنه سوف تحدث المنازعات بينهم، بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من ضياع وهلاك لمقدرات تلك الدولة وعدم تقدمها، ومن ثم فإننا نجد اتفاق الدول على أن يتزعم كل منها شخص واحد فقط يكون ملكا عليها أو رئيسا لها، وكذلك الأمر بالنسبة لهذا الكون بما فيه من مخلوقات وموجودات فإن الخالق والواجد له إنما هو إله واحد فقط.
- واستكمالا للإجابة على التساؤلات السابقة بما في ذلك التساؤل الثاني: ما هي صفات الإله الخالق  الواجد؟ والذي يعمل العقل على التفكر في إجابته، نجد أن: الإسلام قد جاء بالإجابة المنطقية التي بها يصفو ذهنه ويستقر فكره، حيث إن الإسلام يدعوا إلى الإيمان بحسن صفات الإله الخالق الواجد وجمالها وعظمتها، وأن هذه الصفات كلها صفات حسن وكمال وإجلال لا يعتريها أي نقصان (وليس ذلك إلا للإله الخالق الواجد، وهو الله سبحانه وتعالى)، وأن من صفات الله سبحانه تعالى:
- صفة (الأزلية): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، لا يغفل ولا ينام فهو الحيّ الذي لا يموت، فلا يفنيه فناء مكان أو انتهاء زمان فهو سبحانه وتعالى خالق المكان والزمان وهو الواجد لهما.
- صفة (القدرة): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى هو القدير صاحب القدرة المطلقة، وأنه سبحانه وتعالى هو القادر على فعل كل شيء، فإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، والآثار الدالة على طلاقة قدرة الإله الخالق أكثر من أن تحصى (من خلْق بديع للكون بما فيه من موجودات ومخلوقات متضمنة للإنسان بما فيه من إبداع في الخِلقة من روح وعقل وقلب وأنظمة داخلية معقدة...إلى غير ذلك).
صفة (العِلم): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى هو العليم وأن علمه واسع كامل محيط بكل شيء من مكان وزمان (ماضي- حاضر- مستقبل) فهو سبحانه وتعالى الخالق والواجد لكل شيء من العدم.
صفة (الحكمة): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى هو الحكيم، وأن حكمته بالغة كاملة.
صفة (الإرادة): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء وما يريد وذلك في إطار فضله وعدله تبعا لسعة علمه وكمال حكمته.
صفة (المغفرة والرحمة والكرم): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى يحب المغفرة والرحمة والكرم فيغفر لعباده ذنوبهم وتقصيرهم إذا تابوا إليه وآمنو به وامتثلوا اوامره، ويشملهم برحمته، ويكرمهم برضاه عليهم ودخولهم جنته بما فيها من نعيم عظيم دائم مقيم.
صفة (الحقّ والعدل): ويقصد بها أن الله سبحانه وتعالى يحب الحقّ والعدل فلا يظلم عباده شيئا، فلا يتحمل أحد خطأ غيره وإن كان أبيه أو أمه، فكل إنسان مسئول عن نفسه، فمن يعمل مثقال ذرة من خير فسوف يجد أجرها وثوابها يوم القيامة (اليوم الذي يُبعث الناس فيه بعد موتهم لمحاسبتهم على أعمالهم في الدنيا وموافاتهم أجورهم عليها) ومن يعمل مثقال ذرة من شر فسوف يُحاسب عليها.
صفة (السلام): فالله سبحانه وتعالى يحب السلام وهو من يأمر عباده بتحقيقه في الأرض والأخذ بأسبابه وينهاهم عن الظلم والطغيان ومن ثم يكون السلام والأمان، ولعلنا ندرك الحكمة في أن التحية في الإسلام هي السلام، بمعنى أن يقول المُحيي (السلام عليكم) ويُرَدّ عليه بقول (وعليكم السلام) فيكون الشعور بالأمن والاطمئنان.
ولقد جاء الإسلام مُبَيّنا أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في كماله وجماله وجلاله وفي عظمته وقوته وفي طلاقة قدرته وسعة علمه وكمال حكمته...إلى غير ذلك من صفات الله الحسنى.
- ولقد جاء الإسلام داعيا إلى تنزيه الإله الخالق الواجد عن ما لا يليق به من صفات معيبة ومذمومة، وتنزيهه (سبحانه وتعالى) عن ما لا يليق به من أفعال البشر (التي يحتاجون إليها) وغيرهم من المخلوقات الأخرى من مأكل ومشرب (وما يتبع ذلك من ذهاب للخلاء لقضاء الحاجة) ونوم وراحة وزواج وتناسل...، فهو سبحانه وتعالى الخالق للبشر وغيرهم من المخلوقات الأخرى وهو سبحانه وتعالى الواجد لتلك الصفات فيهم من احتياج للمأكل والمشرب وقضاء الحاجة والنوم والراحة واحتياج للتزاوج والتناسل واحتياج للولد...إلى غير ذلك، ولكنه سبحانه وتعالى غنيّ عن مثل ذلك كله فهو الإله الخالق الواجد.
- ولقد جاء الإسلام داعيا إلى تنزيه الإله الخالق عن صفة العنصرية، وأنه سبحانه وتعالى ليس إلها لأفراد وجماعات دون آخرين أو لأمّة دون غيرها من الأمم أو لشعب دون غيره من الشعوب، بل إنه تبارك وتعالى هو إله العالمين، يقبلهم جميعا (إذا أقبلوا عليه وآمنوا به وامتثلوا له) ويتوب عليهم ويغفر لهم ويفتح لهم أبواب رحمته بل ويدخلهم جنّته ويرضى عنهم، فهو جلّ وعلا الإله الحقّ العَدْل الذي لا يظلم أحدا من عباده شيئا، فالكلّ عند الله تعالى سواء وليس لأحد على الآخر فَضْل إلا بإيمانه بإلهه وخالقه وتقواه له وعمله الصالح الذي يبتغي به التقرّب إليه ورضاه عليه.
- ولقد جاء الإسلام داعيا إلى تنزيه الإله الخالق عن صفة الاحتياج للولد ومن ثم تنزيهه سبحانه وتعالى عن اتخاذه صاحبة أو زوجة (لتأدية وظيفة الإنجاب)، فهو الإله الخالق الذي لم يولد من شيء وليس قبله شيء، وكما أنه سبحانه وتعالى لم يُولد من أحد فإنه سبحانه وتعالى ليس بحاجة لأن يلد أحدا ولا يليق في حقه مثل ذلك فهو الواجد لكل شيء من عدم (من لا شيء).
فلا يمكن قبول الادّعاء القائل باتخاذ الإله ولدا أو ما شابه بزعم أن ذلك الولد (المخلوق الضعيف الذي قد وُلِد من فرْج أمّه وصار رضيعا في حاجة إلى الرضاعة والاحتضان والرعاية...إلى غير ذلك، ثم بعد ذلك يموت ويُدفن كغيره من البشر) هو إحدى طبائع وصور الإله الذي خلقه وخلق كل شيء، فلا يمكن لعقل رشيد قبول مثل تلك الافتراءات وإلا لقاد ذلك إلى عديد من التساؤلات التي يستحيل الإجابة عليها نظرا لأن تلك التساؤلات قد بُنيت على تخيّلات وتوهّمات لا أساس لها، ونموذج ذلك:
ما الذي يمنع آنذاك أن يكون للإله الخالق طبيعة وصورة أخرى مع ولد آخر أو طبائع وصور أخرى مع أولاد آخرين من البشر أو غيرهم من المخلوقات الأخرى (كالملائكة - الذين هم أشرف في الخِلقة من البشر- أو الجنّ...أو غيرهم من المخلوقات الأخرى التى لا علم لنا بها) بزعم أن ذلك الولد الآخر أو الأولاد الآخرين هم أيضا إحدى طبائع وصور الإله الخالق (الذي خلقهم وخلق كل شيء)؟!
وهل يمكن أن تلتقي الطبيعة البشرية مع الطبيعة الحيوانية؟! هل يمكن قبول تزاوج إنسان من بقرة أو غير ذلك (من الحيوانات بمختلف أنواعها) ليُولد ما نصفه إنسان ونصفه الآخر بقرة (أو غير ذلك من الحيوانات الأخرى) ومن ثم تكون الطبيعة الحيوانية هي إحدى طبائع وصور الإنسان؟! هل يمكن لنفس زكية قبول مثل ذلك؟!
بالطبع: لا، فإن ذلك يُعدّ انحطاطا أخلاقيا وتقليلا من قدر البشر الذين كرّمهم الإله الخالق تبارك وتعالى، فالبشر أشرف قدرا وأرفع منزلة من الحيوانات وذلك على الرغم من أنهم جميعا من مخلوقات الإله الخالق جل وعلا.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للطبيعة البشرية والطبيعة الحيوانية على الرغم من أن كلاهما من المخلوقات، فما بالنا إذا كان الأمر متعلقا بالإله الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق البشر وغيرهم من حيوانات ومخلوقات أخرى! فهل يمكن لنفس زكية قبول ادّعاء التقاء الطبيعة الإلهية (الإله الخالق) مع الطبيعة البشرية (المخلوق الضعيف الذي خلقه الله تعالى من عدم -كما في أول الخَلْق- والذي يقوم بتأدية وظيفة الإنجاب، المخلوق الذي يُولد من يولد من فَرْج أمِّه ويصير رضيعا في حاجة إلى الاحتضان والرعاية والذي سوف يئول به الأمر لأن يموت ويدفن بعد ذلك كغيره من المخلوقات الأخرى) لتكون الطبيعة البشرية هي إحدى طبائع وصور الإله الخالق؟!  
بالطبع: لا، فإن ذلك يُعدّ ذَمَّا في الإله الخالق وانتقاصا منه وتقليلا من قدره، فهو سبحانه وتعالى الخالق للبشر وغيرهم من المخلوقات الأخرى.
ومن ثم فقد جاء الإسلام داعيا إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد الأحد (الذي لا يتجزأ) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له مكافئا أو مماثلا أو مشابها.
- ولقد جاء الإسلام داعيا إلى تعظيم صفات الإله الخالق سبحانه وتعالى وعدم التقليل منه من خلال وصفه أو تصويره في شكل أحجار وتماثيل، إذ أنه كيف يُعقل بعد أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من عدم أن يقوم ذلك الإنسان بتصنيع تماثيل مختلفة يصور فيها إلهه وخالقه بأشكال مختلفة (على الرغم من عدم رؤية الإنسان لخالقه)، ثم يقوم إنسان آخر بتصوير إلهه وخالقه في أشكال وصور أخرى..إلى غير ذلك؟!
فالإله الخالق أجل وأعظم من أي صورة يمكن أن يصوره فيها مخلوق من مخلوقاته.
أيضا، فإننا نجد أن مثل تلك الصور والتماثيل على اختلاف أشكالها وصورها وأحجامها تكون سببا في أن تميل النفس البشرية إلى تعظيمها (لا سيما إذا كانت كبيرة الحجم، رهيبة المنظر) ثم عبادتها (وذلك بمرور الزمن، وشواهد ذلك في عديد من البلدان كثيرة) وصَرْف الدعاء لها من دون الله تعالى وهو الإله الحقّ المُستحق للحبّ والتعظيم والعبادة وحده دون سواه، فالله سبحانه وتعالى هو الإله الخالق الواجد وما سواه مخلوق ومصنوع.
ومن ثم تظهر حكمة الإسلام في النهي عن تصوير الإله الخالق وتمثيله في شكل أحجار وتماثيل، ومن ثم القيام بتعظيمه وتبجيله جل وعلا حقّ التعظيم والتبجيل.
- واستكمالا لإجابة التساؤلات التي أشرنا إليها، ومنها إجابة التساؤل الثالث: لماذا خلق الله تعالى الإنسان وأوجده؟ والذي أيضا يعمل العقل على التفكر في إجابته، نجد أن: الإسلام قد جاء موضحا أن الله تبارك وتعالى (وهو الإله الخالق) قد خلق الإنسان لعبادته وطاعته مُسترشدا بتعليماته وتوجيهاته فيمتثل لأوامره ويجتنب نواهيه ويُطبق شريعته، وذلك في امتحان واختبار منه سبحانه وتعالى لهذا الإنسان طوال فترة حياته ابتداء من سنّ بلوغه ورشده وتَمْييزه (وهو السنّ الذي يصير فيه الإنسان قادرا على الزواج والإنجاب) وحتى مماته.
وهذا الاختبار ينقسم إلى جزأين يمكن توضيحهما في إيجاز على النحو التالي:
الجزء الأول (الاختبار الأول، وهو الجزء الأكبر من الاختبار): هل سيؤمن الإنسان بإلهه وخالقه فيعترف بوجوده ونعمه عليه ولا يشرك في ألوهيته شيئا، أم أنه سيكون منكرا لإلهه وخالقه جاحدا لنعمه عليه مشركا غيره في ألوهيته؟
وهذا الجزء الأول من الاختبار هو بمثابة الأساس الذي يُبنى عليه الاختبار الثاني، فإذا اجتازه الإنسان ناجحا فيه (وذلك بالإيمان بالإله الخالق الواجد والاعتراف بوجوده ونعمه عليه غير مشرك في ألوهيته شيئا) يصير مؤهلا لاجتياز الاختبار الثاني، وإذا لم يجتازه فلا ينفعه نجاحه في اجتياز الاختبار الثاني.  
الجزء الثاني (الاختبار الثاني): هل سيعبد الإنسان إلهه وخالقه (الذي آمن به وأقرّ بوحدانيته في ألوهيته واعترف بنعمه عليه) ويطيعه بالكيفية التي أرادها منه مُعظّما أوامره أم أنه سيكون متكاسلا في عبادته وطاعته له متناسيا نعمه عليه مُستهينا بما أمره به؟ هل سيكون شاكرا لإلهه وخالقه على ما مَنَّ عليه ورزقه به من نِعَم ويكون صابرا غير قانت على ما قدّره الله تعالى عليه (تبعا لحكمته جل وعلا البالغة) من ابتلاءات ومِحَن أم أنه سيكون غافلا عن شُكْر إلهه وخالقه متناسيا نعمه عليه ويكون قانتا غير صابر على ما قدّره الله تعالى عليه (تبعا لحكمته جل وعلا البالغة) من ابتلاءات ومِحَن؟
وهذا الجزء من الاختبار (الاختبار الثاني) إذا نجح الإنسان في اجتيازه (بعبادته لإلهه وخالقه وطاعته بالكيفية التي أرادها منه وبشكره على نعمه وصبره وعدم قنوته على ما قدّره عليه من ابتلاءات ومِحن) بالإضافة إلى نجاحه في اجتياز الاختبار الأول فإنه يصير (بفضل من الله تبارك وتعالى) أهْلًا للفوز بمغفرة الله تبارك وتعالى له وبالجائزة الكبرى التي أعدّها سبحانه وتعالى لمن يجتهد وينجح في هذا الاختبار، وهي الجنّة بما فيها من نعيم عظيم دائم مُقيم (بما في ذلك من التَّنَعُّم والتَّلذُّذ برؤية الإله الخالق جلّ وعلا الذي ليس كمثله شيء) بالإضافة إلى رضوانه تبارك تعالى عليه أبدا، فمن يدخلها (الجنّة التي خلقها الله تبارك وتعالى) يُنَعَّم فلا يشقى أبدا ويحيا فلا يموت أبدا.
وإذا لم ينجح الإنسان في الاختبار (الاختبار الأول والثاني) فإنه يصير (بعدل من الله سبحانه وتعالى) مُستحقا لغضب الله جلّ وعلا عليه والحِرمان من جنّته ودخول ناره (النار التي خلقها الله جلّ وعلا) بما فيها من عذاب أليم شديد.
مدّة الاختبار: طوال فترة حياة الإنسان ابتداء من سنّ بلوغه ورشده وتَمْييزه (وهو السنّ الذي يصير فيه قادرا على الزواج والإنجاب) وحتى مماته.    
مستوى الاختبار: إن الله تبارك وتعالى لا يُكَلّف نفسا إلا وُسعها وطاقتها، فلا يَشُقّ على عباده ولا يُكلّفهم ما لا طاقة لهم به، لذلك فإن هذا الاختبار الذي وضعه الله سبحانه وتعالى هو في مستوى خَلْقه المُكلّفين (البالغين العاقلين) جميعا.
- نموذج من الاختبار (لتوضيح كيفيته): قد يخلق الله تعالى إنسانا صحيحا مُعافًا في بدنه ويرزقه مالا فيصير غنيّا، وقد يخلق سبحانه وتعالى إنسانا آخرا مريضا أو مُعاقا (كأن يكون فاقدا ليديه أو رجليه أو أحد أعضاء جسده) ويرزقه اليسير من المال فيكون فقيرا، ومن ثم يكون الاختبار الخاص بالإنسان الأول (الإنسان الصحيح الغنيّ) بعد إيمانه بإلهه وخالقه ووحدانية ألوهيته من نوع الشُّكْر، بمعنى هل سيكون شاكرا لإلهه وخالقه على هذه النّعَم مؤدّيا حقه فيها؟ كأن يساعد المرضى والمعاقين ويعطف على الفقراء والمحتاجين ويعطيهم من المال الذي رزقه الله تعالى إيّاه مُحْتَسِبا أجره وثوابه عند إلهه وخالقه ومؤمنا بعظيم حكمته في ما قدّره جل وعلا له ويقوم بتنفيذ أوامر إلهه وخالقه بما في إمكانيته، فإذا كان كذلك فإنه يكون مُجتازا للاختبار ناجحا فيه، فيكون أهلا للفَوْز بجنّة إلهه وخالقه (بما فيها من نعيم عظيم أبديّ) وبرضاه عليه.
 أم أنه (الإنسان الصحيح الغنيّ) سيكون على نقيض (عكْس) ما أشرنا إليه؟
ويكون الاختبار الخاص بالإنسان الثاني (الإنسان المريض المُعاق الفقير) بعد إيمانه بإلهه وخالقه ووحدانية ألوهيته من نوع الصَّبْر، بمعنى: هل سيصبر على ما قدّره الله تعالى عليه من ابتلاء ومِحْنة (كالمرض والإعاقة والفقر...إلى غير ذلك) ويكون راضيا غير قانت محْتسبا أجره وثوابه عند إلهه وخالقه ومؤمنا بعظيم حكمته في ما قدّره جل وعلا عليه ومُقِرّا بما مَنَّ عليه من نِعَم أخرى، ويقوم بتنفيذ أوامر إلهه وخالقه بقَدْر طاقته وبما في استطاعته (فالله تبارك وتعالى لا يشّق على خَلْقه ولا يأمرهم بما لايستطيعونه) في تلك الفترة القصيرة من الحياة الدنيا التي يعيشها ومن ثم يكون مُجتازا للاختبار ناجحا فيه، فيكون أهلا للفَوْز بجنّة إلهه وخالقه (بما فيها من نعيم عظيم أبديّ) وبرضاه عليه؟ أم أنه سيكون على نقيض ذلك؟
نموذج آخر من الاختبار (لتوضيح كيفيته): نجد أن الله تعالى قد حَرَّم على الإنسان ما يسوءه ويُسَبِّب له الضرر وأحَلّ له جميع الطيبات التي تنفعه، ومثال ذلك: أن الله سبحانه وتعالى عندما نهى الإنسان عن أكل لحم الخنزير لما يسببه من أمراض (قد تم اكتشافها حديثا) فإنه تبارك وتعالى قد أحلّ له سائر الطيبات من لحوم الإبل والأبقار والأغنام والماعز..وكثير من الطيور، وعندما نهى الله سبحانه وتعالى الإنسان عن شُرْب الخمور والكحوليات لما فيها من ذهاب للعقول وما ينتج عن ذلك من سوء خُلُق وجرائم ومنكرات وتصرّفات بهيمية (كتصرفات الحيوانات) فإنه تبارك وتعالى قد أحلّ له سائر الطيبات من المشروبات الأخرى النافعة لجسم الإنسان والتي تحافظ عليه كالألبان ونواتج مختلف أنواع الفاكهة من مشروبات..وغير ذلك من المشروبات الأخرى، وعلى غِرار ذلك (وعلى نحو ذلك، وبهذه الكَيْفِية) يكون الاختبار الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى للإنسان حيث يكون في مستوى طاقته وفي إطار ما يُفيده وينفعه وما هو صالح له.
فهل يستجيب الإنسان لإلهه وخالقه سبحانه وتعالى فيقوم بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، أم أنه سيستجيب لهوى نفسه مخالفا لأوامر إلهه وخالقه سبحانه وتعالى متغافلا عنها غير معظم إياها؟
- تنويه مهم: إن الله سبحانه وتعالى يعلم نتيجة هذا الاختبار الذي وضعه للإنسان من قبل أن تتضح نتائجه، فهو سبحانه وتعالى الخالق لهذا الإنسان والواجد له من عدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم به من نفسه التي بين جنبيه والعليم بما سوف يُقْدِم عليه من تفكير واعتقاد وتصرفات وأفعال وطاعة أو عصيان، والخبير بكل شيء، فهو الإله الخالق الذي ليس كمثله شيء.
ونستوقف هنا مع تساؤلين مهمين، وهما:
- بما أن الله (سبحانه وتعالى) يعلم منذ البداية بنتيجة هذا الاختبار وبما سوف يُقْدم عليه الإنسان من اعتقاد وتصرفات وأفعال وطاعة أو عصيان، فلماذا لم يُدخل من هو مّستحقا لعذابه النّارَ مباشرة، وكذلك لماذا لم يُدْخل الله (تبارك وتعالى) من هو أهلا لنعيمه الجَنّةَ مباشرة بدون هذا الاختبار؟
 - وما الحكمة من أن يضع الله تعالى هذا الاختبار للإنسان؟
 والإجابة على هذين التساؤلين هي:
أولا (إجابة التساؤل الأول): أنه إذا أُدْخِل مَنْ هو مُسْتَحِقّ للعذاب النّار مباشرة فسوف نجِده يقول لماذا أُدْخِلْت النار؟ وما هو ذَنْبي؟ وما الدليل على أنني إذا كنت قد امْتُحِنت من الله تعالى وصِرْت مُخْتَبَرًا منه بأنني كنت سأكون مُكذَّبا به عاصيا له؟
ولتوضيح ذلك: بافتراض وجود أَب لديه ابن في إحدى مراحله التعليمية، وذلك الابن لا يهتم بدراسته ولا مذاكرته على الرغم مِن كثرة نصائح والده له بالمذاكرة وتحذيره بمعاقبته له في حالة عدم نجاحه في الامتحان، وذلك مع عِلْم (الابْن) بأنه سوف يُمْتحن في نهاية العام، والأب يعلم أن ابنه غير مهتم بدراسته ولا بمذاكرته ومن ثم فإنه يكاد يكون مُسْتَيقنا وعالما بعدم نجاح ابنه في الامتحان وذلك لتقصير الابْن في المذاكرة وعدم اهتمامه بالامتحان أو نصائح وتحذير والده، وعلى الرغم من ذلك فإن الأب يُمْهل ابْنه ويظلّ واعظا ناصحا له ولا يُعاقبه إلا بعد ظهور نتيجتة بعدم نجاحه في الامتحان لتكون حُجّة عليه، لأنه إذا عاقب الوالد ابْنه قبل امتحانه وظهور نتيجة امتحانه فلربّما يقول الابْن إنني أعي كل ما درسته بالمدرسة وحافظ له ولا أحتاج للمذاكرة (كذِبا) ومن ثم يقول: فلماذا تُعاقبني؟
ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى، فعلى الرغم من أنه جلّ وعلا يكون على عِلْمٍ كامل بحال خَلْقه وبما سوف يُقْدِمون عليه من اعتقاد وأفعال (لأنه سبحانه وتعالى له الكمال المطلق في صفاته الحُسْنى، فعِلْمَه جلّ وعلا واسع محيط) ولكنه مِن كمال حِكْمته يُمْهِلهم ويُرغّبهم ويُحَذّرهم (من خلال إرسال أنبيائه ورسله إليهم) حيث يُخْبرهم بمحبّته لهم ورضاه عليهم في حال إيمانهم به وبوحدانيته في ألوهيته وعبادتهم وطاعتهم له ويَعِدهم جنّته (بما فيها من نعيم عظيم دائم) ويُرغّبهم فيها، وأيضا يُحَذرهم من غَضَبِه عليهم وعذابه لهم في حال تكْذيبهم به وإنكارهم لوجوده وإشراكهم أحدا غيره في ألوهيته وعِصْيانهم له، ومِن ثم لا يكون لأحد من خَلْقه حُجّة عليه يوم القيامة (يوم الحساب).   
ولقد أوضح الإسلام أن الله سبحانه وتعالى هو الحقّ والعَدْل الذي لا يظلم عباده شيئا، وأنّ له سبحانه وتعالى الحُجّة البالغة على جميع خَلْقِه وليس لأحد حُجّة عليه، ومن ثم اقتضت حِكْمة الله تعالى أن يكون هناك يوم للحساب والسؤال عن ما قد اعتقدوه في الإله الخالق جل وعلا وعن ما قدّموه من أفعال وأعمال في الحياة الدنيا (التي تُعَد امتحانا واختبارا لجميع البشر)، وأن تكون أفْعال الَبشَر (الإنس) وأعمالهم شاهدةً لهم أو عليهم يوم القيامة (يوم البعث والحساب)، ليس ذلك فحسْب بل إن جلودهم وأيديهم وأرجلهم تكون شاهدة عليهم بما قدّموه من أفعال وأعمال فلا يكون لأحد منهم حُجّة على الله تعالى.
 وأيضا سوف نجد أن مَنْ يدخلون الجَنّة بعد امتحانهم واختبارهم يستشعرون عظيم فضل الله تعالى عليهم لهدايتهم إليه والإيمان به وإعانتهم على عبادته وطاعته (فبدون هداية الله تبارك وتعالى ومعونته وتوفيقه لا يستطيع الإنسان فِعْل شيء) وتوفيقهم في اجتياز هذا الاختبار ونجاحهم فيه، فتزداد محبّتهم وشكْرهم له.
ثانيا (إجابة التساؤل الثاني): ولقد شاء الله تعالى الحكيم العليم أن يضع هذا الاختبار كمقياس للإنسان (من حيث: الإيمان به سبحانه وتعالى وبوحدانيته في ألوهيته وعبادته وطاعته أو التكذيب به والإشراك في ألوهيته وعصيانه) وكتحديد لمستوى اجتهاده في عبادته وطاعته له، ومن ثم فقد خلق الله تبارك وتعالى الجنّة التي أعدها لعباده المؤمنين العابدين الطائعين (بما فيها من نعيم عظيم دائم) مُنقسمةً إلى درجات ومنازل عالية (وذلك مع عِظَم النعيم فيها جميعا) ليدخُلَها ويرتقيها الإنسان المؤمن بإلهه وخالقه وبوحدانيته في ألوهيته بقَدْر اجتهاده في تعظيم وحُبّ وعبادة إلهه وخالقه وبِحَسب مسارعته في طاعته له وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وأيضا فقد خلق الله تعالى النار مُجَزّأة إلى دركات وأقسام ليدْخُلها ويُعذَّب فيها الإنسان المُكَذّب بإلهه وخالقه والُمشرك به بقَدْر تكْذيبه وعِصْيانه له.
ونموذج ما أشرنا إليه: ما نراه في هذه الحياة الدنيا التي نعيشها من امتحانات واختبارات كمقياس للممتحنين والمختبرين ولمستوى كفاءاتهم (تبعا لاجتهاداتهم)، وبذلك يتم تحديد ما يناسبهم من جامعات بما فيها من كُلّيات وتخصصات داخل الكُلّية الواحدة ومن ثم الوظائف التي يعملون بها بعد ذلك، وعلى الرغم من ارتفاع مكانتها جميعا وكامل التقدير لها إلا أنه توجد جامعات وكلّيات وتخصصات ووظائف... لها الأفضلية عن غيرها حيث تُعَدّ في المرتبة الأولى (من حيث علوّ المكانة ورِفعة المَنزِلة) ثم تليها جامعات وكلّيات وتخصصات ووظائف أخرى...وهكذا.
- واستكمالا لإجابة التساؤلات التي أشرنا إليها آنفا، ومنها التساؤل الرابع: ما الحِكْمة من خَلْق الإله الخالق للإنسان ووَضْعِه في هذا الاختبار الذي أشرنا إليه آنفا؟ والذي يحتاج العقل إلى إجابه عليه، نوضح:
أولا: أن الإسلام قد جاء مُبيّنا أن الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم الخبير وأن ما يشاءه ويفعله إنما هو في إطار فضْله وعدله وتبعا لسعة علمه وكمال حكمته.
ثانيا: لقد شاء الله تبارك وتعالى (الحكيم العليم) أن يخلق الملائكة (كإحدى مخلوقاته جل وعلا) قبل خلْق الإنسان وأن يفطرَهم على عبادته وطاعته وعدم معصيته، ولم يجعل لهم حرية الاختيار في طاعته أو معصيته، فهم مجبولون ومُجْبَرون على تنفيذ أوامره وعدم عصيانه شيئا، فكان من حكمة الله تعالى أن يخلق خلقا جديدا من نوع آخر وبكيفية جديدة حيث يأمرهم بعبادته وطاعته ويجعل لهم حرية الإرادة في الاختيار بين الإيمان به وبوحدانية ألوهيته أو إنكار ألوهيته والإشراك به، ويجعل لهم حرية الإرادة في الاختيار بين طاعته أو معصيته، وحرية الاجتهاد والمُسارعة في التّقَرُّب إليه وتعظيمه ومَحَبَّتِه وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه للفوز بمغفرته ورضاه عليهم أو نقيض ذلك، ومن ثم كان خَلْق الله تبارك وتعالى للجنّة بدرجاتها ومنازلها العالية وخَلْقِه جلّ وعلا للنار بدركاتها وأقسامها السُفلية المنخفضة.
وبعد أن تبيَّن لنا عظيم دعوة الإسلام فيما يتعلّق بالإله الخالق جلَّ وعلا نودّ أن نقف وقفة يسيرة مع تساؤل قد يطرأ على العقل ومن ثم يحتاج إلى إجابة علية، وهو:
 ما هو مصير الإنسان الذي يموت ولم تَصِله دعوة الإسلام في الدار الآخرة (يوم القيامة) وكذلك الإنسان الغير عاقل (المجنون) الذي لا يَعِي دعوة الإسلام وأيضا الطفل الرضيع ونحوه؟
والإجابة على هذا التساؤل، هي: أنَّ مَن لم تَصِله دعوة الإسلام وكذلك غير العاقل الذي لا يَعِي دعوة الإسلام يمتحنه الإله الخالق جل وعلا ويختبره يوم القيامة بما يُناسبه ويتوافق مع قُدْرته واستطاعته (وهو سبحانه وتعالى أعلم بنتيجة هذا الاختبار) حتى لا يكون لأحد مِن خَلْقِه حُجّة عليه، وأيضا حتى يَسْري عليهم ما كان على غيرهم من بني جنسهم من امتحان واختبار، وذلك لأن سائر خَلْقَ الله تعالى وعباده من الإنس قد تم امتحانهم واختبارهم (في الحياة الدنيا) ومن ثم لا يظلم أحدا من عباده شيئا، فيكون ذلك من كمال عَدْله جلّ وعلا، فالله سبحانه وتعالى هو الحقّ والعَدْل.
وأما مَن وصلت إليه دعْوة الإسلام بمفهومها الحقيقيّ الصحيح وكان يتمتع بسلامة عقله فتكون قد قامت عليه الحُجّة ولا عذر له عند الله تعالى.
وأما بالنسبة للطفل الرضيع وما شابهه من أطفال فإن الله تبارك وتعالى يُدخلهم جنّته ودار نعيمه وكرامته بدون امتحان أو اختبار، وذلك بفضله وكرمه تبارك وتعالى.  
ونستوقف هنا مع تساؤل مهم وأخير في هذه النقطة، وهو:
 قد يقول الإنسان: لو سألني الله عزّ وجلّ قبل أن يخلقني لاخترت أن أكون مفطورا على الإيمان به سبحانهه وتعالى وعدم الإشراك في ألوهيته شيئا وأن أكون مَجْبولا مُجْبرا على طاعته وعدم عصيانه ومن ثم لا أخضع لهذا الامتحان والاختبار خشية عدم اجتيازه وعدم النجاح فيه، فلماذا لم يسألني الله تعالى ويترك لي حرية الاختيار؟
والإجابة على هذا التساؤل هي:
في البداية نوضح: أن الإسلام قد جاء مُبَيّنا أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى قد خلق هذا الكون بما فيه من مخلوقات وموجودات، وأن هذا الكون بما فيه من مخلوقات وموجودات (سماء، أرض، جبال، بحار، أنهار، أشجار...) يعبد إلهه وخالقه (وهو الله سبحانه وتعالى) ويسبح بحمده بكيفية غير معروفة للبشر، فعلى سبيل المثال: قد يكون دوران الإلكترونات حول النواة داخل الذرة الواحدة والتي تتكوّن منها المادة على اختلاف أشكالها صورة من صور التسبيح والعبادة للإله الخالق جل وعلا وذلك شبيها بعبادة المسلمين للإله الخالق جل وعلا أثناء طوافهم حول الكعبة المشرفة بالمسجد الحرام (وهو أول مسجد تم بنائه في الأرض لعبادة الله تعالى وحده) مُسبّحين بحمد الله تعالى وحده ومُنزّهينه ومُعظّمينه، شاكرين له فضله.       
ولقد بَيّن الإسلام أن الله تعالى وهو الإله الخالق الواجد القدير قد سأل كل إنْسان وهو في عالم الذرّ يوم أن كان ما يزال نُطْفة في صُلْب أبيه آدم عليه السلام (أول من خلقه الله تعالى من البشر) بكيفية مُعيّنة يعلمها سبحانه وتعالى (بمشيئة الله تعالى سوف نشير في نقطة لاحقة إلى الحقيقة العلمية التي قد تمّ اكشافها حديثا وموافقتها لِما أخبر به الإسلام منْ أنّ كل إنسان كان نُطفة في صُلْب أبيه آدم) وخَيّره بين أن يكون كغيره من المخلوقات االمفطورة على الإيمان به (سبحانه وتعالى) وعدم الإشراك في ألوهيته شيئا وأن يكون مَجْبولا مُجْبرا على طاعته وعدم عصيانه (فلا يُمْتحن ولا يُخْتبر ومِنْ ثم لا يدخل جنّة أو نارا) أو أن يكون مُخَيّرا في اختبار له بين الإيمان به سبحانه وتعالى وعدم الإشراك في ألوهيته شيئا وطاعته وتنفيذ أوامره (ومِنْ ثم يدخل الجنّة بما فيها من نعيم عظيم دائم كمكافئة له إذا نجح في اجتياز هذا الاختبار) وبين التكذيب بألوهيته والإشراك به وعصيانه وعدم تنفيذ أوامره (ومِنْ ثم يصير مُسْتَحقا للعذاب إذا لم ينجح في اجتياز هذا الاختبار، كعقوبة له على تقصيره وتفريطه في حقّ إلهه وخالقه من كفر وتكذيب بألوهيته ووحدانيته وإنكار وجحود لنعمه وعدم تعظيم له ولأوامره) ويكون له حرية الإرادة في الاختيار لأحد الأمرين وعدم الإجبار على شيء.
ولأن الإنسان كان متطلّعا إلى النعيم ومتشتاقة نفسه إليه فقد كان راغِبا في الجنّة (بما فيها من نعيم عظيم دائم) طامِعا في أن يُخَلّد فيها ومن ثم كان اختياره أن يكون مُخَيّرا (على نحْو ما ذكرنا آنفا) دون تَقْدير منه للمسئولية التي سوف تئول إليه حيث إنه سوف يصير مطلوبا منه ألا يُغَرّ وينخدع بالحياة الدنيا وزينتها الفانية وألّا تشْغَله عن طاعة إلهه وخالقه وتنفيذ أوامره .  
- وقد يقول الإنسان أنه لا يذكر ذلك السؤال، وذلك أمر طبيعي حيث إن الإنسان سُمّي بذلك الاسم (إنسان) لكثرة نسيانه حيث إنه بمرور الوقت ينْسى وتقِلّ قدرته على التذكر فما بالنا بحَدَث منذ زمن بعيد لا سيما وأن حكمة الله تعالى ومشيئته قد اقتضت مَحْو ذاكرة الإنسان بخصوص ذلك الحَدَث كونه ما زال في هذا الامتحان والاختبار، ولكن بما أن الله تعالى قد أخبر بذلك على لسان خاتم أنبيائه ورسله محمدا  (الذي جاء بالإسلام دينا وأيّده ربّه تبارك وتعالى بالمعجزات والخوارق لتكون شاهدة على نبوته ورسالته وصدق ما أخبر به) فيجب علينا الإيمان والتصديق به.
ولتقريب الصورة، فليسأل كل إنسان نَفسه هذا السؤال مرّة أخرى: إذا كان له الاختيار من جديد، فهل يُفضّل أن يكون مفطورا ومجْبولا على تسبيح وعبادة إلهه وخالقه بشكل وبكيفية معيّنه ومن ثم لا يُمْتحن ولا يُخْتبر ولا يدخل جنّة أو نارا أو أنه يفضّل أن يكون مُمْتحنا من الله تعالى على أن تكون له الجنّة بما فيها من نعيم عظيم دائم إذا كان نجح في اجتياز هذا الامتحان ويصير مستحقا لعقابه إذا كان مُقصّرا غير مجتاز له؟
ولكن حتى يكون الإنسان صادقا مع نفسه عليه أن يجعل ذلك السؤال في غير وقت ضِيقه وتضجّره من هموم ومتاعب الدنيا التي يعيشها، في وقت صفاء لذهنه ليكون مستقرّا في إجابته.
ومن ثم فسوف يجد الإنسان أنه مُجِيبا على نَفْسه باختيار ما هو عليه الآن من امتحان واختبار أملا في الفوز بالجنّة ونعيمها وطمعا في الخلود فيها، لا سيما وأن الامتحان والاختبار ليس بالشكل الذي يُعْجِزَه عن اجتيازه والنجاح فيه بل إنه (الامتحان والاختبار) في مستوى الجميع، فالله تبارك وتعالى لا يُكلّف نفسا إلا وسعها وطاقتها.
ومن ثم نقول صدق ما أخبر به الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (القرآن الكريم) على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين محمد .    
وأيضا إذا سَأل الإنسان نفسه، هل يُفضّل أن يكون مخلوقا في صورة أخرى غير صورته البشرية التي هو عليها الآن كغيره من المخلوقات والموجودات (كأن يكون جزءا من جماد كحجر أو جبل ...أو غير ذلك) مفطورا ومجْبولا على تسبيح وعبادة إلهه وخالقه بشكل وبكيفية معيّنه وإلى وقت ينتهي فيه تبعا لما قدّره الله تعالى عليه (حيث إنه ليس لأحد فضل على الله تعالى في أن يخلق أيّا من مخلوقاته ابتداءً، ومن ثم فليس لأحد أن يعترض على إنهائه وإفنائه لأيّ من مخلوقاته) ومن ثم لا يُمْتحن ولا يُخْتبر ولا يدخل جنّة أو نارا أو أنه يفضّل أن يكون في صورته البشرية (كإنسان متمتع بما أكرمه الله تعالى من نعم كعقل وقلب وروح وحواس...) مُمْتحنا ومُختبرا من الله تعالى على أن تكون له الجنّة بما فيها من نعيم عظيم دائم إذا كان ناجحا في اجتياز هذا الامتحان والاختبار ويصير مستحقا لعقابه إذا كان مُقصّرا غير مجتاز له؟
لكانت إجابته باختيار ما هو عليه الآن من صورة بشرية وامتحان واختبار من الله تعالى، وذلك لما أشرنا إليه آنفا.
ومن يسير ما أشرنا إليه يتبين مصداقية ما جاء به الإسلام من دعوة إلى الإيمان بالإله الخالق الواجد (وهو الله سبحانه وتعالى) والإيمان بأحديته (أي: أنه سبحانه وتعالى أحَدٌ لا يتجزأ إلى طبائع أو صور، فلم يَلِدْ ولم يُولَد) ووحدانيته في ألوهيته وتوافقها مع ما تقبله الفطرة النقية وتتطلع وتشتاق إليه النفوس الزكية ومع ما يقبله العقل الرشيد المتفكر.
•    ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بالملائكة الكرام كإحدى مخلوقات الله تعالى العظيمة.
فلقد خلق الله تعالى الملائكة وفَطَرَها وجَبَلَها على عبادته وطاعته وتنفيذ أوامره فلا يعصونه شيئا، حيث لم يجعل الله تعالى لها حرية الاختيار في طاعته أو معصيته، ومن هذه الملائكة مَنْ هو مُوَكّل بالوَحْي، بمعنى أن منها من هو مُكَلّف بتَلَقّي التكليفات والأوامر والنواهي والتوجيهات والتعاليم من الإله الخالق جلّ وعلا وإيصالها إلى من قد اختارهم الله تبارك وتعالى من البشر ليكونوا أنبيائه ورسله فَيُبَلّغوا ما يُوحَى إليهم (من خلال ما يتلَقّوْنه من الملائكة من تكليفات وتوجيهات وتعاليم) إلى لناس ليعملوا بها.  
•    ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بالكتب السماوية.
وهي الكتب التي تتضمن ما ينزل به مَنْ هو مُوَكّل بالوَحْي من الملائكة (جِبْريل عليه السلام) مِن تكليفات وأوامر ونواهي وتوجيهات وتعاليم، وآخر هذه الكتب السماوية هو القرآن الكريم (الذي حَفِظَه الله تبارك وتعالى) مُتضمنا لما يشهد بصدقه وقُدْسِيَته حيث احْتِوائه وتَضَمُّنِه للعقيدة النقية في الإله الخالق سبحانه وتعالى (والتي قد أشرنا إلى اليسير منها في إيجاز) والدعوة الصافية والعبادات الهادية (التي تهدي إلى سُمُوّ النفس وارتقائها وتزكيتها وتطهرها من الصفات الرذيلة) والتشاريع القويمة والتعاليم السامية والتوجيهات الرشيدة التي بها تستقيم حياة البشرية على منهاج ربّها (الإله الخالق جل وعلا) وتَحُلّ بها جميع مشاكلها، مع جمال أسلوبه ونَظْمِه وعظيم بلاغته ودِقَّة ألفاظه وشُمولها وروعتها بشَكْل يُعْجِز البشر عن الإتيان ولو بسورة من مِثله (من مثل سُوَرِه)، وذلك بالإضافة إلى الحقائق العلمية المبُهرة (في شتى المجالات العلمية) التي أخبر بها وأشار إليها في آياته الكريمات منذ أكثر من 1400 عام في وقت لم يكن لأحد أدنى معرفة بها والتي لم تُكْتَشف إلا حديثا لتكون شاهدة على أن هذا الكتاب (القرآن الكريم) المُتَضَمِّن لها هو كتاب الإله الخالق تبارك وتعالى.
ومن ثم يكون حِفْظه (من الله تعالى) في إطاره الربّاني إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة مع ضياع وتحريف غيره من الكتب السابقة دليل على أنه كتاب الله تعالى الذي قد خُتِمت به جميع الكتب السماوية السابقة.
•    ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بأنبياء الله تعالى ورسله وتوقيرهم.
وهم من اختارهم الله تبارك وتعالى من خَلْقِه (من البشر) لتبليغ دعوته ورسالته ولتعريف الناس بإلههم وخالقهم ودعوتهم إلى الإيمان به وبوحدانية ألوهيته وتوْجِيههم إلى عبادته بالكيفية التي أرادها منهم (بما اقتضت به كمال حِكْمته ومشيئته) من خلال تنفيذ تعاليمه وأوامره.
ومن ثم فإنه يلزم الجميع الإيمان بخاتم أنبياء الله تعالى ورسله وهو نَبِيُّ الإسلام محمد  والتصديق بدعوته ورسالته، وذلك لما تبيّن من شواهد نبوتة وبراهين رسالتة، ونموذج ذلك:
- العقيدة النقية والدعوة الصافية التي جاء بها نَبِيُّ الإسلام محمد  والتي تقبلها الفطرة النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة (التي قد أشرنا إليها آنفا).
- أخلاقه  الحميدة  وصفاته الكريمة بما في ذلك من حلاوة منطقه وعذوبة حديثه وجمال حاله وكمال صفات خِلْقَتة وجمالها، ونَسَبِه  الشريف (حيث كان  أشرف العرب نسبا) ليكون ذلك دليلا على اصطفاء الله تعالى له للنبوة والرسالة.
- زُهْده  وعُزوفه عن زينة الدنيا ومفاتنها ومسارعته  في عبادة الإله الخالق وحده وإلى ما كان يدعو إليه من سُبل الخير والفضيلة و مكارم الأخلاق وصلة الأرحام واشتغال قلبه على الدوام بذكر الله تعالى.
- رحمته  بالإنسان ورأفته بكافة مخلوقات الله تعالى وبركته  على كل من التصق به بسبب من الأسباب.
- تأييد الله سبحانه وتعالى له  باستجابة دعاءه، ليكون ذلك دليلا على صدق دعوته .
- تأييد الله سبحانه وتعالى له  بالمُعجزات والخوارق التي يعجز عن أن يأتي بها سوى أنبياء الله تعالى ورسله لتكون شاهدة على صدق دعوته  ومصداقية رسالته بما في ذلك المعجزة الكبرى (التي تعهّد الله تبارك وتعالى بحفظها إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة) وهي: الكتاب السماوي الخاتم لجميع الكتب السابقة، وهو القرآن الكريم محتفظا بنصّه الإلهي وإشراقاته النورانية، متحديا ببلاغته وروعة معانيه ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيها وسمو أهدافه ومراميه للعرب وغيرهم في كل مكان وزمان بأن يأتوا ولو بسورة واحدة (من سطر واحد) من مثله ولكنهم عجزوا وفشلوا، ومتضمنا (القرآن الكريم) للحقائق العلمية المبهرة التي أخبر بها منذ أكثر من (1400) عام والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بها، ثم يأتي العلم الحديث ليشهد بصحتها ومصداقيتها لتكون برهانا على أن القرآن الكريم إنما هو وحي من عند الله تعالى وأن محمدا  هو خاتم أنبيائه ورسله.
- عِصْمة الله تعالى له  إلى أنْ بَلّغ دعوته وانتشرت رسالته وذلك على الرغم من كثرة محاولات أعداء الإسلام لقتله والنيل منه، فلقد أُوحِي إلى النبي محمد  وهو في سن الأربعين من عمره، وتُوفّى  في سن الـ (63) من عمره، أي أن مدة رسالته  كانت (23) عاما فقط، وهي مدة تعادل مدة حُكم كثير من الرؤساء والأمراء، ولكنه استطاع من خلالها اقتلاع جذور الشرك والأوثان وعبادة غير الله تعالى وأن يغرس الإيمان والتوحيد في القلوب و ويرسخ عبادة الله جل وعلا وحده عبادة نقية صافية لا إشراك فيها شيئا، إضافة إلى اقتلاع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، ليكون ذلك شاهدا على تأييد الله تعالى له  ولدعوته ورسالته.
ونستوقف هنا مع تساؤل قد يتساءله سائل، كالتالي: أليس من الممكن أن نعبد الله تعالى بأن نتحلّى بالأخلاق الحميدة ونتواصى بما صار متعارفا عليه بين الناس بأنه خير ومعروف وننتهي عن ما صار متعارفا عليه بين الناس بأنه شر ومنكر، وذلك دون الحاجة للأنبياء والرسل؟
 والجواب،هو: أن الحياة كلها لله تعالى وهِبَة وفضل منه تبارك وتعالى على الإنسان، ومن ثم فيجب أن تكون على نحو ما أراده هو سبحانه وتعالى، وهذا هو ما يُبيّنه أنبياء الله تعالى ورسله للناس.  
وأيضا، إن الناس أهوائها مختلفة وكذلك طبائعها، فإذا كانوا لم يتفقوا على الإيمان بخالقهم ووحدانية ألوهيته (حيث إن منهم المؤمن ومنهم المكذّب) فهل يتفقوا على ما هو خير ومعروف وما هو شرّ ومنكر؟!   
لذلك فإن دعوة أنبياء الله تعالى ورسله دعوة شاملة من حيث الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى ووحدانيته...، والتَذْكير بفضله ونعمه تبارك وتعالى، والأمر بعبادته جل وعلا على نحو ما أراده، وذلك من خلال ما أوحاه الله تعالى إليهم من تعاليم وتوجيهات وأوامر ونواهي، ومن ثم تتوحّد البشرية على الإيمان بإله واحد (وهو الإله الخالق المستحق للعبادة وحده) وعبادته بكيفية واحدة على نحو ما أراده سبحانه وتعالى ووفقا لما اقتضته حكمته ومشيئته.
•    ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان باليوم الآخر.
وهو اليوم الذي يُبْعث فيه الناس بعد مماتهم ليسألهم الله تعالى عن مُعتقداتهم وعن ما قدّموه من أعمال ويُحاسِبَهم عليها، فمن يعمل مثقال ذرة من خير فسوف يجد أجرها وثوابها ومن يعمل مثقال ذرة من شرٍّ فسوف يحاسب عليها.  
ومن حكمة الله تعالى أن جعل هذا اليوم الذي سوف يُحاسَب الناس فيه، إذ أنه لو لم يكن هناك دار آخرة للجزاء لما وُجِد سبب منطقىّ ليتَحَلّي الإنسان بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة (كالصدق والأمانة) إذا ما كان التمسك بها يعارض مصلحته الدنيوية، بمعنى: أن الإنسان يتَحَلّي بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة ويستمسك بها (على الرغم من أنّ التمسك بها قد يعارض مصلحته الدنيوية في بعض الأوقات والمواقف) رغبةً في ثواب الله تعالى وخوفا من عقابه ورجاء مكافئته له في الدار الآخرة.
وأيضا، إذا كان هناك شخص قد تسبّب في قتل الآلاف من البشر، فكيف يُحاسَب على تلك الجرائم وكيف يُقْتصّ لهؤلاء البشر منه إذا لم يكن هناك يوم للبَعْث والحساب؟
فالحياة الدنيا لا يمكن أن تصلح لمحاسبته، إذ أن أقصى عقوبة له في الدنيا (وهي: قتله) ليست إلا قصاصا لحياةٍ بشرية واحدة قد تسبب في قتلها، ومن ثم ماذا عن باقي الأنْفُس البشرية التي لم يؤخذ لها حقّها ولم يُقْتص لها منه؟!
مثال آخر: أنه عندما يُعَرِّض الإنسان نفسه للقتل من أجل إنقاذ حياة إنسان آخر (عند الدفاع عنه) فإن هذا السلوك يُعدّ سلوكا أخلاقيا طيبا ومحمودا، ونتسائل هنا: هل اهتمام الإنسان بأن يكون مُتَحَلّيا ومتصفا بهذا الخُلُق الطيب المحمود وحَسْب كافيا لأن يجعله يُعَرّض نفسه للقتل من أجل إنقاذ شخص آخر؟ بمعنى: هل من المنطقي أن يخسر الإنسان حياته من أجل التَحَلِّي والاتِّصاف بهذا الخُلُق المحمود فحسْب ومن ثم لا يكون هناك مكافأة لهذا العمل الجليل الذي قام به وهذا الخُلُق الكريم الذي تحلّى به، أم أنْ يبذل الإنسان نفسه وحياته احْتسابا لله تعالى وانتظارا لمكافئته له على ما قَدَّم مِن عمل جليل وتحلّى به من خُلُق محمود كريم، وذلك لأن الله تعالى قد حثّ الإنسان على التحلّي بهذا الخُلُق الكريم وغيره من الصفات الطيبة ووعده بمكافئته له يوم القيامة (اليوم الذي يُبْعث الناس فيه للحساب) من أجْر وثواب وفَوْز بالجنة إذا قام بهذا العمل من أجله سبحانه وتعالى وتعظيما لتعاليمه جل وعلا؟
لا شك، وأن الإجابة المنطقية هي: أن يبذل الإنسان نفسه وحياته عملا بما حثّه الله تعالى عليه واحْتسابا الأجر والثواب عنده سبحانه وتعالى وانتظارا لما وعده به من مكافئه له يوم القيامة.
ومما أوضحناه، يتبين لنا الحاجة إلى يومٍ يُمْكن القصاص فيه لكل نَفْس بشرية ممّن قد تسبّب في قتلها وإيذائها (من القتلة والمجرمين) ومُجازاتهم بما يستحقونه من عقاب وعذاب، ويُكَافَأ فيه من عمِل على إنقاذ النفس البشرية عملا بما حثّه الله تعالى عليه واحْتسابا له سبحانه وتعالى،..إلى غير ذلك من نماذج.
وبذلك تتضح لنا حكمة الله تعالى في أن جعل هذا اليوم (اليوم الآخر)  للبعث والحساب والجزاء، ومن ثم يتبيّن مصداقية ما دعا إليه الإسلام من إيمان باليوم الآخر.
•    ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بالقَدَر خيره وشرّه.
ويعني: أن كل ما يحدث في هذا الكون وما يتَعَرّض له الإنسان من خير أو شرّ (كالسرّاء والضرّاء، الغِنى والفقر، الصحّة والمرَض...) إنما هو بتقدير مُسْبَق من الله تعالى (وفقا لكمال حكمته ولما اقتضته مشيئته سبحانه وتعالى) وعلى عِلْم كامل منه سبحانه وتعالى فهو العليم الخبير، ومن ثم لا يَقْنُت الإنسان بسبب ما قد يتعرّض له من سوء وشرّ، ويرضى بما قَسَمَه الله عزّ وجلّ له وقَدَّره عليه.
ومما أشرنا إليه في إيجاز شديد يتبيّن لنا صفاء المعتقد الذي دعا إليه الإسلام وتتفق معه الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، والذي به يستنير الإنسان طريقه إلى إلهه وخالقه سبحانه وتعالى فيسْعَد في دنياه وآخرته.

*******

 


 
الإسلام وتربية النفس وتزكيتها
يقول الله تعالى: وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ(76) [سورة طه: 75- 76]
يقول الله تعالى:  قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) [سورة الشمس: 9]
فلقد حثّ الإسلام على تزَكية النفس ودعا إلى تهذيبها وتطهيرها من العيوب والآفات والرذائل، والسُمُوّ والارتقاء بها إلى مراتب الإحسان، مُبَيّنا أن ذلك هو طريق الفَلَاح والفوز بالدرجات العالية في جنّات النّعيم، وتكون تزكية النفس من خلال استبدال الإنسان صفات الكُفر والتكذيب بالإله الخالق والتكذيب بأنبيائه ورسله وكتبه واليوم الآخر.. والشرك والمعصية بصفات الإيمان بالإله الخالق ووحدانية ألوهيته والإيمان بأنبيائه ورسله وكتبه واليوم الآخر..والطاعة والعبادة، وباستبدال الصفات الرذيلة والأخلاق الذميمة والمعاملات السيئة بالصفات الطيبة والأخلاق الحميدة والمعاملات الكريمة.
                                                                         *******
الإسلام وتكريم الإنسان والحفاظ على حياته
- لقد جاء الإسلام عامِلا على تكريم الإنسان والحفاظ على حياته وذلك من خلال تشريعاته القويمة، فالله تعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..  (70) [سورة الإسراء: 70]، حيث أمر بالحفاظ على ما أنعم الله تعالى به على الإنسان من نِعم عظيمة (كالصحة..) وعلى ما كَرّمه به من نعمة العقل، فنهى عن ما يكون سببا في ذهاب العقول وغيابها وأحَلّ له الطيبات التي تعود عليه بالمنفعة والفائدة وحَرّم عليه الخبائث التي تكون سببا في إيذاءه وضرره.
- ولقد نهى الإسلام عن قتل النفس (بصفة عامة) بغير وجه حقّ وشدّد في التحذير من تلك الجريمة المنكرة، حيث يقول الله تعالى: ..أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا.. (32) [سورة المائدة: 32]، وبَيَّن عِظَم عقوبتها في الدنيا والآخرة.
- ولقد نهى الإسلام عن أن يقتل الإنسان نفسه أو أن يُلقِي بها إلى التهلكة، حيث يقول الله تعالى:
..وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) [سورة النساء: 29]
..وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.. (195) [سورة البقرة: 195]
*******
الإسلام والسّلام والدّعوة إلى توحيد الأمم والشعوب
إن  كلمة (الإسلام) تُشتق من المصدر (سَلَمَ) والتي تُشتق منها أيضا كلمة (السّلام) والتي تعني: الأمن والأمان والاطمئنان.
فلقد جاء الإسلام داعيا إلى السّلام ومقوماته والأخذ بأسبابه وعدم التطرف والإرهاب، والوفاء بالعهود والمواثيق، فالله تعالى يقول:  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة التوبة: 6]
ويقول الله تعالى: لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) [سورة الممتحنة: 8]
ولقد جاء الإسلام داعيا إلى توحيد الأمم والشعوب، فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) [سورة الحجرات: 13]
وبيّن أنه لا فَرْق بين شعب وآخر وأُمّةٍ وأخرى، فالجميع عند الله تعالى سواء لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم، ولا أفضلية لفرْد على الآخر عند الله تعالى إلا بالإيمان والتقوى والعمل الصالح الذي يتضمن حُسْن تعمير الأرض وعدم الإفساد فيها.
ومن ثم فقد وضع الإسلام منهجا لاستقامة البشرية ومن ثم تحقيق السلام، وذلك من خلال الدعوة إلى الإيمان بإله واحد ومن ثم توحيد البشرية (على اختلاف ألسنتها وألوانها) على عبادةٍ وأوامر وتوجيهات واحدة مشتملةً على ما فيه الخير والنفع للبشر جميعا، حيث إن الإسلام قد جاء آمرا بكل معروف يهدي إلى الخير وناهيا عن كل منكر يأخذ إلى الشرّ، وموضحا أن ذلك هو من جملة الاختبار من الله تعالى للإنسان بما في ذلك النهي عن القتل بغير وجه حقّ، وبَيّن أن الإنسان سوف يُحاسَب بعد مماته (يوم القيامة) على إفساده في الأرض وعن قَتْله بغير وجه حقّ، وسوف يُحاسَب أيضا على تقصيره وعدم نَهْيه ومنعه للقتل وغير ذلك من المنكرات والمفسدات إن كان في استطاعته ذلك، وأنه سوف يحصل على الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى ويفوز برضاه عليه ومن ثم الجنة بما فيها من نعيم عظيم إذا اجتهد في نهْيه ومنْعه للمنكرات والمفسدات وإذا اجتهد في نهْيه ومنْعه للقتل، ومن ثم العَمَل على تعمير الأرض ونشر الخير والحق والفضيلة في شتى أنحائها ومجتمعاتها، ومن ثم تكون استقامة البشرية ويكون تحقيق السلام.
حيث إن الإسلام قد بيّن أنَّ مَنْ أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، فالله تعالى يقول: ..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..  (32) [سورة المائدة: 32].

*******
الإسلام وتكريم المرأة
لقد جاء الإسلام مُعَظّما لشأن المرأة ومُشيدا بدورها العظيم في المجتمع وداعيا إلى إكرامها وآمرًا بطيب عشرتها وبحسن معاملتها في جميع مراحل حياتها ابتداء من مرحلة ولادتها وطفولتها (كمولودة وطفلة صغيرة إلى أن تَكْبر وتصير عروسا) ومرورا بمرحلة زواجها (كزوجة) وإلى مرحلة أمومتها (كأُمّ وجَدَّة)، وأكّد على ذلك من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مرارا وتكرارا.
فابتداء من مرحلة الولادة والطفولة (كمولودة وطفلة):     
يقول النبي محمد : "مَنْ وُلِدَت له ابْنَة فلم يَئِدْها ولَم يُهِنْها ولَم يُؤثِر وَلَدَهُ عَلَيْهَا -يعنِي الذَّكَرَ- أدخله اللَّه بها الجنَّة"
[مسند الإمام أحمد]
- يقول النبي محمد : "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاث بنَات أَوْ ثَلَاث أَخَوَات أَوْ ابْنَتَان أَوْ أُخْتَان فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فيهنَّ فَلَه الجَنَّة "[رواه الترمذي]
- يقول النبي محمد : "مَنْ كُنَّ لَهُ ثلاث بنات يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمهنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَت له الجنَّة البَتَّة، قِيلَ: يا رسول اللَّه فإن كانتا اثنتين؟ قَالَ: وإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْن، فرأى بعض القوم أَن لو قالوا له واحدةً لقال واحدة " [رواه الترمذي]
وفي مرحلة إذا ما كانت المرأة زوجة:
فإن الله تعالى يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
[سورة النساء: 19]
ولقد أوصى النبي محمد  بها قائلا: "..فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَا" [صحييح البخاري]
ولقد أوصى النبي محمد  في مرضه الأخير الذي تُوُفّي فيه قائلا: "الصَّلَاة الصَّلَاة اتَّقُوا الله فِي مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم -أي: أزواجكم من النساء-" [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
 ومن ذلك يتبيّن حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة والتشديد على إعطائها كافة حقوقها وإكرامها، حيث قام  بالتوصية بها في وقت مرضه الشديد وقبل وفاته .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي توضّح ذلك.
وفي مرحلة إذا ما كانت المرأة والدةً وأُمَّا:
يقول الله تعالى: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)  
[سورة الإسراء: 23-24]
يقول الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) [سورة لقمان: 14]
 - ولقد جاء رجل إلى رسول الله  فقال: يا رسول الله من أحَقّ النَّاسِ بحُسْن صحابَتي؟ قال:"أُمُّك"، قال ثُمَّ مَنْ؟ قال: "ثُمَّ أُمّك" قَال ثم مَنْ؟ قَالَ: "ثم أُمّك" قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكْ" [صحييح البخاري]
- لقد جاء رجل إلى رسول الله  فقال: يا رسول الله، إني جئت أريد الجهاد معك -أي: أريد أن أكون بجانبك في مواجهة أعدائك الذين يحاربونك-، ولقد أتيْت وإنّ والديّ يبكيان، قال : "فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا -كن بجانبيهما- فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا" [رواه أحمد]
وهذا من رحمة النبي محمد ، حيث أمر الرجل بأن يكون بجانب والديه يرعاهما وذلك لحاجة والديه إليه بدلا من أن يكون بجانبه  في مواجهة أعداءه الذين يحاربونه من المشركين، مبيّنا  عظيم فضل الوالدين لاسيما الأمّ كما تبيّن ذلك من الحديث الذي أشرنا إليه سابقا.
- وأيضا فلقد جاء رجل إلى النبي  فقال : يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال : "هَلْ لَكَ مِنْ أمّ؟-أي: هل والدتك ما زالت موجودة؟-" قال: نعم، قال : "الْزَمْهَا، فَإِنَّ الجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا -أي: في برها وخدمتها وطاعتها-"[رواه أحمد]
- وها هو النبي محمد  عندما ذهب ليزور قبر والدته (حيث قد توفّيَت والدته السيّدة آمنة وهو  في عمر 6 سنوات، وكذلك فإنّ أبوه قد تُوُفِّي وهو  ما يزال جنينا في بطن أمّه، ومن ثم فإنّ مَنْ قام بتربية النبيّ محمد  بعد موْت والديْه هو جَدّه عبد المطّلب) أخذ يبكي (لفقدانه لها) إلى أن بكى أصحابه  من بكائه، وذلك من رأفته ورحمته  واعترافا منه بجميل فضلها عليه.
وغير ما أشرنا إليه الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تبيّين عظيم فضل المرأة ومكانتها العالية في الإسلام، وتدعوا إلى حُسْن إكرامها في مختلف مراحل حياتها.
*******
الإسلام والاهتمام بتربية الأطفال، والحث على الرأفة والرحمة بهم
- لقد عمل الإسلام على الاهتمام بتربية الطفل وتنشأته تنشأة طيبة صالحة قائمة على التحلّي بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة، حيث إنهم نواة المستقبل وثمرته، ونموذج ذلك:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ  يَوْمًا فَقَالَ : "يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُف" [رواه الترمذي]
- ويقول النبي محمد : "من قال لصبيّ: تعال، هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة" [رواه أحمد]
أى أنه لا يجوز الكذب ولو على الصغار من الأطفال حتى وإن كان ذلك على سبيل المداعبة، وذلك حتى يتمّ تربية الطفل وتنشئته تنشأة طيبة قائمة على التحلّي بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة ومنها الصدق والأمانة في القوْل ومن ثم العمل، وعدم اكتساب أي من الصفات الرذيلة كالكذب وغيره.
- وأيضا فلقد حث الإسلام على الرأفة بالأطفال والرحمة بهم، ولقد كان النبي محمد  يحرص على مداعبة الأطفال والاهتمام بهم، ونموذج ذلك أفعال النبي محمد  وأقواله:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان لي أخ يقال له أبو عمير، كان إذا جاءنا رسول الله  قال: "يا أبا عُمَيْر ما فعل النُّغَيْر؟ -كمداعبة وملاطفة له، فالنُغَيْر هو طائر صغير-" [رواه البخاري]
عن أبي هريرة ، قال : دخل عيينة بن حصن على رسول الله  فرآه يقبل الحسن والحسين -أحفاد النبي محمد - فقال : أتُقَبِّلْهُما يا رسول الله؟ قال (عيينة): وإن لي عشرة فما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله : "مَنْ لا يَرْحَم لا يُرْحَم" [رواه أبو يعلى]
يقول النبي محمد : "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا.." [رواه الترمذي]
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي توضّح ذلك.
                                                                       *******
الإسلام والاهتمام بالشباب
لقد اهتم الاسلام بالشباب بشكل كبير، حيث إنه في صلاحهم صلاح للمجتمعات ونهضة للأمم والشعوب، فهم (الشباب) رجال الغد وآباء المستقبل ومن ثم فهم بمثابة العصب للأمّة، ولقد عمل الإسلام على إحسان تربية الشباب وتنشأتهم نشاة طيبة قادرة على تحمّل المسئولية وذلك من خلال النماذج الطيبة للشباب التَقِيّ الصالح التي أشار إليها القرآن الكريم (كما في قصة أصحاب الكهف) وأخبرت بها الأحاديث النبوية الشريفة (كما في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار للمَبِيت فيه فانحدرت صخرة كبيرة فسَدت عليهم الغار)، والتي يؤخذ منها العِظات والعِبَر..إلى غير ذلك، لتكون قدوة طَيِّبة وأُسْوة حسنة يُتأسّى ويُحتذى بها.
*******
الإسلام والرأفة والرحمة بالمخلوقات الأخرى (الحيوان، الطير، الشجر، النبات..)
لقد جاء الإسلام داعيا إلى الرأفة والرحمة بمخلوقات الله تعالى من حيوان وطير ونبات..، والتحذير من إيذائها والإساءة إليها، ونموذج ذلك (بالنسبة للحيوان):
1- لقد أخبر النبي محمد : "أَنَّ رجلا رأى كلبا يأكل الثَّرَى من العطش، فأخذ الرجل خُفَّه (ما يتم ارتداءه في القدم للسَيْر به) فجعل يَغْرِف لهه به هى أرْواه (سقاه وأشبعه)، فشكر الله له فأدخله الجنة" [رواه البخاري]
2- لقد سُئِل النبي محمد : يا رسول الله، وإنّ لنا في البهائم أجرا؟! قال : "في كل كَبِد رَطْبة (أي: في كل حيوان أجر) أجر" [رواه البخاري]، أي أنّ في رحمة أي حيوان أجرا.
3- لقد نهى النبي محمد  عن ركوب الدابّة في غير حاجة لعدم إيذائها، فقال : "اركبوها سالمة ودَعُوها سالمة، ولا تَتَّخذوها كراسِيّ لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرُبّ مركوبة خير من راكبها وأكْثَر ذِكْرا لله تبارك وتعالى منه" [رواه الإمام أحمد]
4- لقد قال النبي محمد : "اتَّقُوا الله في هذه البَهَائِم المعجمَة! (التي لا تتكلم) فاركَبُوها صَالحة وكُلوها صَالحة" [رواه أبو داود]
أي: أدّوا لها حقها من حيث المداومة على سقايتها والمحافظة على إطعامها وألا يُشَقّ عليها، ومن ثم تصير بحالة جيدة فتكون قادرة على تحمّل من يركبها بدون مشقة لها وتصير سمينة صالحة للأكل.
5- ولقد حذّر النبي محمد  من إيذاء الحيوان وبيّن أن ذلك (إيذاء الحيوان) يكون سببا في غضب الله تعالى وعقابه، فقال :"دخَلت امْرأة النار في هِرَّة ربَطَتها، فلم تُطعِمها ولم تدَعْها تأكُل من خَشَاشِ الأرْض" [رواه البخاري]
6- عن جابر رضي الله عنه: أن النبي  مَرّ على حمار قد وُسِم على وجهه (أي: كُوِيَ بالنار لكي يُعَلّم)، فقال :
"لَعَنَ الله مَنْ وَسَمَه" [رواه ابن حبان]  
7- (بالنسبة للطير): لقد حذّر النبي محمد  من إيذاء الطير وقتْلِه في غير حاجة له (كحاجته لأكله)، وبيّن أن هذا التحذير يشمل كل الطير بما في ذلك الطائر الصغير كالعصفور، حيث قال :
"مَنْ قتل عصفورا عَبَثَا عَجَّ إلى الله عز وجلّ يوم القِيامة يقول: يا ربّ، إن فُلانا قَتلني عَبَثَا ولم يقْتُلني لمنْفَعة" [رواه النسائي]
8- (بالنسبة للشجر والنبات):     
يقول الله تعالى :وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56)  [الأعراف:56]
ولقد أوصى النبي محمد  قائلا: "..ولا تَقْطَعُوا نَخْلا ولا شَجَرة ولا تهْدِموا بِنَاء.." [الرحيق المختوم]، وذلك باستثناء الضرورات التي تضطرّ إلى ذلك أو المصالح التي قد تترتّب عليها والتي تُقَدّر بقدرها.
*******
الإسلام والدعوة إلى العلم
لقد جاء الإسلام داعيا إلى العِلْم والتَّعَلُّم وإلى النّهوض بالبشرية في كافة نواحي الحياة، حيث كان أول أَمْر تلقّاه النبي محمد  من ربه هو قوْل الله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) [سورة العلق: 1] للعمل والالتزام به ومن ثم أُمّته  من بعده، وكما هو معلوم فإن القراءة هي سبيل العلم والمعرفة في شتى المجالات.
ليس ذلك فحسب، بل إن الإسلام قد حَثَّ على الاستزادة من العِلْم كما في قول الله تعالى ..وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) [سورة طه: 114]
ولقد أخبر القرآن الكريم وأشارت الأحاديث النبوية الشريفة إلى حقائق علمية مبهرة (في السماء والأرض والجبال والبحار والإنسان والحيوان والطير والنبات) وذلك منذ أكثر من (1400) عام، في وقت لم يكن لأحد أدنى معرفة بها، ثم جاء العلم الحديث بتقنياته المتطورة ليكتشف صحتها ومصداقيتها.
ومن نماذج هذه الحقائق العلمية:
النموذج الأول:
- يقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ..  (172)ْ [الأعراف: 172]
- ويقول النبي محمد :"إنَّ الله أخَذَ الميثَاق مِنْ ظَهْر آدم (عليه السلام) ..فأخْرَج من صُلْبِه كُلَّ ذُرِّيَّة ذَرَأها.." [رواه النسائي]
وتُبَيِّن الآية الكريمة السابقة وكذلك الحديث النبوي الشريف أنّ جميع ذُرِّيَة آدم (الأبُ الأول لجميع البشر ، فهو أول من خلقه الله تعالى من البشر) كانوا في صُلْبه لحظة خَلْقه، ولقد اكتشف العلم الحديث ما يُسمّى بالصِبغيات إضافة إلى اكتشاف دور الصبغي الوراثي في علم الجنين، ومن ثم فقد ثبت للدارسين في عِلْم الأجِنَّة أنَّ خَلْق الإنسان مُقَدَّر (مُحدَّدٌ ومُبَيّن) سَلَفا (سابقا) في نطفتي كل من أبيه وأمِّه وأن هذا التقدير يمتد عبر القرون الغابرة (البعيدة الماضية) ليتَّصِل بالشَّيفَرات الوراثية للآباء والأجداد حتى يصل إلى آدم عليه السلام (الأبُ الأول للبشر)، وهذه الشيفرة الوراثية مُبَرْمَجَة بدقة فائقة ومَطْوية داخل نواة الخلية الحَيَّة من خلايا التكاثر، وهذا يعني: أنّ كلّ فرْد من بني آدم كان موجودا في الشَّيفَرة الوراثية لأبيه آدم لحظة خَلْقِه .ومن ثم يتبيّن توافق ما أشارت إليه هذه الآية القرآنية الكريمة وكذلك الحديث النبوي الشريف (والذان قد تطرقنا للحديث عن مضمون إشارتيْهما في نقطة سابقة) مع ما قد توصّل إليه العلم الحديث من اكتشافات.
النموذج الثاني:
- يقول الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ (37)  [سورة القيامة: 36-37]
معنى " أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ": أيَظُنُّ الإنسان أن يُتْرك مُهْملا من غير أن يُكَلَّف بتنفيذ أوامر من الله تعالى أو أنْ يُتْرك مُهْملا بلا حِساب وبلا مجازاة (من ثواب أو عقاب) على طاعته أو عصيانه لأوامر الله سبحانه وتعالى.
والجواب، هو: أن الإنسان لن يُتْرَك مُهملا من غير أن يُكَلَّف ويُؤمَر بتنفيذ أوامر من الله تعالى ولن يُتْرَك مهملا بلا حِساب وبلا مجازاة (من ثواب أو عقاب) على طاعته أو عصيانه لأوامر الله سبحانه وتعالى، بل إنه سوف يُسأل وسوف يُحاسب ويجازى على كل ما قَدَّم، فمَن يعمل مثقال ذرة من خير فسوف يجد أجرها وثوابها، ومن يعمل مثقال ذرة من شرٍّ فسوف يُحاسَب عليها.
معنى "نُطْفَةً" : أقلّ القليل من الماء الذى يكون سببا فى الإنجاب للرجل والمرأة
معنى "مَنِيٍّ يُمْنَى" : الماء الذي يكون سببا في الإنجاب وتَخَلُّق الجنين.
أي: أنَّ الإنسان كانت بداية تَخَلُّقه من نُطْفة واحدة (ضئيلة جدا في الحجم) مما يتضَمَّنه الماء الذي يكون سببا في الإنجاب، حيث يحتوي هذا الماء على الكثير والكثير من النُّطف (كالحيوانات المنوية التي يحتويها ماء الرجل).
 فالآية القرآنية الكريمة مُطابقة لما أثْبَته العلم الحديث، حيث تُشِير الآية الكريمة إلى أنّ تَخَلُّق الجنين يكون مِن نُطْفة واحدة (حيوان مَنَوِيّ واحد -كما هو الغالب-) مما يحتويها المَنِيّ كما في قَوْل الله تعالى "نُطْفَةً" والذي يُشير إلى الإفراد وليس الجمْع، فلا يكون مِن النُّطَف كلها التي يحتويها المَنِيّ (حيث يحتوي المَنِيّ على ملايين النُّطَف -الحيوانات المنوية-)،     فلم يستخدم القرآن الكريم صيغة الجَمْع (نُطَف) ولكنه استخدم صِيغة المُفْرد "نُطْفَةً" حيث يقوم حيوان مَنَوِيٌ واحد -كما هو الغالب- بتَلْقيح بويضة أنتوية واحدة وهي البُوَيْضَة التي يتم انتخابها واختيارها مِن بين آلاف البُوَيْضات التي يحتويها المِبْيَض وذلك كَيْ يُلَقِّحها الحيوان المَنَوِيّ.
- ومن ثم يتبيّن توافق ما أشارت إليه هذه الآية القرآنية الكريمة مع ما قد توصّل إليه العلم الحديث من اكتشافات، مما يوضَّح دقة ألفاظ القرآن الكريم وبلاغتها ومطابقتها لما أثبته العلم الحديث.
النموذج الثالث:
- يقول الله تعالى:  ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) [سورة السجدة: 8]
معنى "سُلَالَةٍ" : خلاصة صغيرة جدا مَسْلُولة (مُختارة ومُسْتَخْرَجة) من الماء الذي يكون سببا في الإنجاب، وهى النُّطْفة التي أوضَحَتْها الآية السابقة (التي أشرنا إليها آنفا في النموذج الثاني).
ومعنى الآية الكريمة: أنَّ بِداية تَخَلُّق الإنسان كجنين يكون مِن سُلالة (خُلاصة) صغيرة جدا مَسْلُولة (مُخْتارة ومُسْتَخْرَجة) من الماء الذي يكون سببا في الإنجاب.
ولقد أثبت العلم الحديث أنَّ مواصفات النُّطْفة (نُطْفَة الرجل المتمثلة في الحيوان المنويّ) التي يُتَخَلَّقُ منها الجَنِين ويكون منها نَسْل الإنسان مُطابقة تماما لِما أخبر به القرآن الكريم وأشار إليه من خلال استخدام كلمة واحدة وهى قَوْل الله تعالى "سُلَالَةٍ"، وذلك للآتي:
إنَّ كلمة "سُلَالَةٍ" مُشْتقة من (سَلَّ)، ومن ثم فإنَّ تَسْمِية النُّطْفة (نُطْفَة الرجل المُتَمَثِّلة في الحيوان المنويّ) بـ "سُلَالَةٍ" تعني عدة معاني على النحو التالي:
- الجزء الصغير (نُطْفَة الرجل المُتَمَثِّلة في الحيوان المنويّ) من السائل الذي يحتويه ماء التَّخَلُّق (المَنِيّ).
- وأنَّ هذا الجزء الصغير من السائل الذي يحتويه ماء التَّخَلُّق (المَنِيّ) يُشْبه السمكة الطويلة.
- وأنَّ هذا الجزء الصغير من السائل الذي يحتويه ماء التَّخَلُّق (المَنِيّ) يَنْسَلّ ويخرُج منه بِرِفْقٍ.
ولقد اكتشف العلم الحديث:
- أن النُّطْفة التي يُتَخَلَّق منها الجنين عبارة عن جزء صغير جدا (نُطفة واحدة -كما هو الغالب- كما أوْضحَته الآية الكريمة التي أشرنا إليها في النموذج الثاني) من السائل الذي يحتويه ماء التَّخلُّق (المَنِيّ)، وأنَّ شكْل هذا الجزء (الحيوان المنوي) مُشابه للسمكة الطويلة (حيث إنّ الحيوان المنوي يزيد طوله بكثير عن عرْضه)، وأنَّ هذا الجزء (الحيوان المنوي) يخرج بِرِفْق من وَسَط زِحام الحيوانات المنوية الكثيرة جدا عند مَضِيق عُنُقِ الرَّحِم من خلال السباحة في ماء التَّخلُّق (المَنِيّ) من أجْل تَلْقِيح البُوَيْضَة.
وهذا كُلُّه مطابق لما أخبر به القرآن الكريم وأشار إليه منذ أكثر من 1400 عام، حيث أشار إلى هذه الحقائق العلمية المُبْهرة في وقت لم يكن لأحد أدنى معرفة بها، ومن ثم تكون هذه الآيات الكريمات ومضات مبهرات شاهدات بصدق القرآن الكريم وأنه وحيٌ من الله تبارك وتعالى، ومن ثم صدق دعوة النبي محمد  ومصداقية رسالته.
- ولمزيد من الاطلاع على هذه الحقائق العلمية المبهرة التي أخبر بها القرآن الكريم وأشارت إليها الأحاديث النبوية الشريفة منذ أكثر من (1400) عام في وقت لم يكن لأحد أدنى معرفة بها يمكن الرجوع إلى كتاب:
((الإسلام ومكتشفات العلم الحديث كإحدى شواهد ودلائل نبوة ورسالة محمد ، باللغة الإنجليزية..)).
ومن المصادر باللغة العربية:
1- من آيات الإعجاز العلمي (السماء، الأرض، الحيوانات، النباتات) في القرآن الكريم، للدكتور/ زغلول النجار.
2- الأجزاء 1-2-3 للإعجاز العلمي في السنة النبوية للدكتور/ زغلول النجار.
3- موسوعة الإسلام والعلم الحديث، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم- للدكتور/ زغلول النجار.
4- كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة بهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة.
5- إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأغر.
6- الإسلام ومكتشفات العلم الحديث كإحدى شواهد ودلائل نبوة ورسالة محمد ، للأستاذ/ محمد السيد محمد.
                                                                    *******
الإسلام وأُمَّة ﴿ اقْرَأْ ﴾
لقد جاء الإسلام آمرا بالقراءة والمعرفة، ليُخرج الناس من ظلمات الجهل والتَخَبُّط فيه إلى نور العِلم والسَّيْر فى دربه، ومن ثم النهوض والرقىّ بالبشرية في كافّة نواحي الحياة.
وكما أشرنا في النقطة السابقة فإن أول ما أنزله الله تبارك وتعالى من آيات القرآن الكريم على النبي محمد  هو قوله تبارك وتعالى ﴿ اقْرَأْ ﴾، ومن ثم فلقد نهض الإسلام بأمَّة من صفاتها الجهل والتخلّف والأمِّية لتصير أمَّة ﴿ اقْرَأْ ﴾، فتكون أمَّة قارئة متعلمة ينبثق منها شعاع النور والعلم إلى العالم أجمع.
ولقد عمل المسلمون الأوائل على التدقيق في قراءة ودراسة آيات القرآن الكريم عاملين بأول ما نزل من القرآن الكريم وهو قول الله تبارك وتعالى﴿ اقْرَأْ ﴾، ومن ثم استكشاف واستنباط الحقائق العلمية التي أخبر بها وكذلك التي أشارت إليها الأحاديث النبوية الشريفة والعكوف على دراستها، ومن كانت سببا في تقدمهم في شتى المجالات العلمية لا سيما في مجال الفلك.
*******
الإسلام والأديان الأخرى
لقد حرص الإسلام على دعوة أصحاب الأديان الأخرى إلى كلمة الحقّ الموافقة للفِطْرة التي فُطِر الإنسان عليها من الله جل وعلا، وهي: الإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى والإيمان بوحدانية ألوهيته وعدم الإشراك به شيئا، وهي الكلمة التي قد جاء بها الإسلام عاملا على نشرها والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ومن خلال الحوار العقلي المنطقي الرشيد.
- فالله تعالى يقول: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا..  (64) [سورة آل عمران: 64]
- ويقول الله تعالى: ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..  (125) [سورة النحل: 125]
- ولقد بيّن الإسلام أنه لا إكراه لأحد على الدخول في الإسلام، فالله تعالى يقول: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.. (256) [سورة البقرة: 265]
- ويقول الله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [سورة الكافرون: 6]
*******
الإسلام والمعاملة الطيبة لغير المسلم
إن الإسلام هو دين السماحة، ومن ثم فلقد حث الإسلام على المعاملة البارّة الطيبة لغير المسلم (الذي لا يقاتل المسلمين)، حيث إن أساس التعامل في الإسلام هو البِرّ والقسط (العدل) مع الناس جميعا (المسلمين وغير المسلمين).
- فالله تعالى يقول لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)  [سورة الممتحنة: 8]
*******
الأخوة في الإسلام
لقد جاء الإسلام داعيا إلى التَوَحّد والتضامن وإلى التآلف والتوادّ والتراحم، فالله تعالى يقول:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.. (103)  [سورة آل عمران: 103]
- ويقول النبي محمد : "المُسْلِم أَخُو المُسْلِم.." [صحيح البخاري]
- ويقول النبي محمد : "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتَراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجَسَد، إِذا اشْتَكى منه عُضْو: تَدَاعَى له سائرُ الجسَد (أي: دعت أعضاء الجسد بعضها بعضًا للمشاركة في الألم) بالسَّهَرِ والحُمّى" [صحيح البخاري]
لقد كان العرب قبل بعثة النبي محمد  قبائل متناحرة متقاتلة تنشأ بينها العداءات والحروب على أقل وأتفه الأسباب، ولكن بعد بعثة النبي محمد  ودعوته إلى التوحيد (الإيمان بالإله الخالق ووحدانية ألوهيته وطاعته وعبادته) ودخول الناس في دين الإسلام أفواجا صاروا إخوانا مُتحابين مُتعاطفين مُتوادّين حيث يُؤْثِرُ المسلم أخيه المسلم ويُفَضّله على نفسه، فبالإسلام صار المسلمون في شتى بقاع الأرض على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم ومستوى طبقاتهم إخوة لبعض.
 وبمشيئة الله تعالى سوف نُشِير إلى عبادتي (الصلاة والحجّ) وغيرهما من العبادات في الإسلام ونُبَيِّن آثارها وفضلها في إزالة الفوارق وكسْر الحواجز بين جميع الأجناس من البشر على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وطبقاتهم.
                                                                            *******
الإسلام وسماحته في الحروب
لقد كانت حروب المسلمين ضد أعدائهم إمّا صدّا لعدوانهم ودفاعا عن دينهم (الإسلام) ولتأمين الدعوة الإسلامية وإمّا ضد من يُشَوّه صورة الإسلام ويُزَيّف حقيقته ويَحُوُل (يعوق) بينهم وبين الدعوة إليه وتبليغ رسالته (رسالة الإسلام) للناس وتعريفهم بتعاليمه.
ومع ذلك، فإن الإسلام قد نهى المسلمين في حروبهم عن الغَدْر والخيانة وعن قتْل الأطفال والنساء والعَجَزَة والشيوخ (الغير محاربين)، ونهى عن قَتْل من استسلم ومن لا يحمل السلاح (الذي لا يحارب المسلمين)، ونهى عن تخريب الديار وعن قطع الأشجار وعن هدم المدن وعن أي صورةمن صور الإفساد في الأرض.
فالإسلام قائم على الرحمة والسماحة، ومن ثم نرى العدل في المعاملة والإنسانية في القتال.
ونموذج ذلك، أن النبي محمد  قد عفا عن أهل مكة الذين أخرجوه وأخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم وبعد قتالهم له وللمسلمين سنوات طويلة (تزيد عن عشرين سنة) ومحاولاتهم قتله  ومع عدائهم الشديد لدعوة الإسلام، وذلك بعد أن فتح مكّة ودخلها منتصرا متواضعا لله سبحانه وتعالى غير باطش وغير منتقم من أعداءه مقابلا ذلك كله بالعفو الكريم والصفح الجميل، فقال  (لأهل مكة):
"ما تَرونَ أنِّي فاعِلٌ بِكُم ؟"، قالوا: خيرا، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، فقال : "أقُول كَما قال أخِي يوسُف قَالَ: "لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  "[سورة يوسف:92]، اذْهَبوا فأنْتُم الطُّلَقَاء" [رواه البيهقي]
وعندما سمع النبي محمد  يوم فتْح مكّة (بعد أن دخلها المسلمون منتصرون بغير قتال) بمقولة من قال بأن: اليوم يوم الملحمة (أي: يوم المقتلة العظمى الذي يأخذ المسلمون فيه ثأرهم من أعدائهم الذين حاربوهم فوق العشرين سنة وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم) كَذّبها وخَطّأ من قالها، وردّ عليها  قائلا: "اليوْمُ يوْمُ المَرْحَمَة -أي: أن اليوم هو اليوم الذي سوف نسامح فيه من حاربنا وقاتلنا ونعفو ونصفح عنهم-" [عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسّير]
وصدق الله تعالى إذ يقول (في حقّ نبيه محمد ): وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(107( [الأنبياء: 107]
وكما أشرنا في نقطة سابقة، فإن الإسلام لا يكره غير المسلم على الدخول فيه، وإنما يدعوهم لقبوله والعمل بتعاليمه، ويَتْرك لهم الاختيار في الدنيا ثم يكون حسابهم على الله تعالى يوم القيامة.
                                                                      *******
الإسلام والمعاملة الطيبة لأسرى الحروب
إن الإسلام هو دين الرحمة والعدل، ومن ثم فلقد نهى الإسلام عن إيذاء الأسرى وتعذيبهم وحَثَّ على حُسْن معاملتهم، وجعل حَبْس الأسير وسيلة للوصول إلى الأصلح والأنفع حيث إن إمام المسلمين آنذاك له أن يُبادل الأسرى بأسرى مسلمين أو أن يُطلق سراحهم مَنّا (كرما وتَفَضّلا) بلا مقابل (إذا لم يكن هناك أسرى مسلمين)..أو إلى غير ذلك مما قد يحصل به الأصلح والأنفع.
ونموذج ذلك (كما في صحيح مسلم): أن النبي محمد  قد عفا عن (ثمامة بن أثال) بعد أسْره، حيث قال له النبي : "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ -يعني: ماذا تريد أن تقول؟-"، فقال ثمامة: عِنْدِي يا محمد خير إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ (يعني: إن قتلتني فالحق معك لأنني أستحق أن أُقتل)، وإن تُنْعِم تُنْعِم عَلَى شَاكِرٍ(يعني: إن تُنْعم عليّ بالعفو فأنا لا أنسى لك هذا المعروف) وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ  حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، قَالَ لَهُ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟" قَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ (يعني: فُكُّوا أسره وأطلقوا سراحه مَنَّا بلا مقابل)" ، فَانْطَلَقَ (ثُمَامَةُ) إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وكان ذلك نموذج نموذجا من عفو النبي محمد  لأحد الأسرى، مما يبيّن أن الإسلام هو دين الرحمة والسماحة.

*******

 

 


 
الإسلام والعبادات الهادية والأخلاق الكريمة والمعاملات الحكيمة والتشاريع القويمة
- لقد جاء الإسلام بالعبادات الهادية التي بها تزكُو النفس البشرية وتتطهّر من كل ما يشوبها من صفات سلبية رذيلة (كالطبقية والكِبْر والعنصرية..)، وتهتدي بها (العبادات الهادية) إلى الصفات السامية الراقية (كالتواضع والشعور بالآخرين والإحساس بهم والتعاون معهم..) ، ونموذج ذلك من هذه العبادات:
عبادة الصلاة: والتي نرى فيها المساواة بين جميع المسلمين، حيث يكون الرئيس بجانب المرءوس والغني بجانب الفقير والقوي بجانب الضعيف (الكتف بجانب الكتف وبمحاذاة له، والقدم بجانب القدم وبمحاذاة لها) في صفوف متراصة منتظمة مُبْهِجة، حيث يكون إمامهم (الذي يتبعونه) أحفظهم لكتاب الله تعالى (القرآن الكريم) وأكثرهم علما وفقها (تقديرا للعلم)، مؤدّين للصلاة بكيفية واحدة (من قيام وركوع وسجود لله تعالى).
ولقد تم اكتشاف فائدة علمية كبيرة في عبادة السجود بالصلاة عند المسلمين، حيث إن عبادة السجود تكون بوضع الإنسان جبهته ومقدمة رأسه على الأرض لله سبحانه وتعالى تعظيما وإجلالا له، ومن فإن عبادة الله تعالى بهذه الكيفية (السجود) تعمل على نقل الشحنات الكهربية الزائدة عند الإنسان إلى الأرض والتخلص منها، ومن ثم حفظ الإنسان عن الأضرار الناتجة عنها.
ومن ثم يتبين حكمة الإله الخالق جل وعلا في جميل وعظيم تشريعه.
عبادة الزكاة: والتي نرى فيها صورة من صور التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي، حيث يقوم الأغنياء (الذين رزقهم الله تعالى الأموال الكثيرة) بإخراج نسبة من أموالهم (2.5%) بشكل سنوي للفقراء والضعفاء والمحتاجين..، ومن ثم تسود روح الألفة والمودة في المجتمع الإسلامي  شاملا كل من يعيش فيه من المسلمين وغير المسلمين.
ونوضح: أن الزكاة تكون على رأس المال الجامد المعطل (الذي يُدّخر ولا يُستثمر) الذي مرّ عليه عام (هجري) كامل، ومن ثم العمل على تحريكه واستثماره كي يتم دفْع الزكاة من الفائض والربح بدلا من أن تُدفع من رأس المال، ومن ثم العمل على سرعة دوران رأس المال وتشجيع أصحاب الأموال بشكل غير مباشر على استثمار أموالهم في المشروعات المختلفة التي تعمل على توفير فرص العمل وتقليل نسبة البطالة ومن ثم سرعة دوران رأس المال وانتعاش الحياة الاقتصادية.
عبادة الصوم: وتكون بالإمساك عن الطعام والشراب والجِماع من وقت الفجر إلى وقت غروب الشمس لمدة شهر واحد مُعَيَّن (وهو شهر رمضان) في العام كله، حيث يشترك المسلمون في شتى بقاع الأرض في تأدية هذه العبادة في وقت واحد (شهر رمضان، من وقت الفجر إلى وقت غروب الشمس) وبكيفية واحدة.
ويُستحب أن يبدأ الإنسان إفطاره بأكل تمرات وبشرب الماء، حيث لإن هذا من هَدْي النبي محمد  وسُنَّتِه.
وفي هذه العبادة الهادية يستشعر الإنسان بحال أخيه الإنسان الذي لا يملك طعام يومه فيحنو عليه ويساعده ويعطف عليه، ويُدرك عظيم فضل الله تعالى عليه فيؤدي شكره، إضافة إلى الفوائدة العلمية التي تم اكتشافها في هذه العبادة السامية حيث إنه من خلالها (عبادة الصيام) تَتِمُّ راحة الجهاز الهضمي والمساعدة على التخلص من سموم الجسم عن طريق الكبد وخفض تخزين الدهون والتخلّص منها وتقوية الجهاز المناعي والتغلّب على مشاكل الإدمان..إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة لا سيما عند الإفطار على التمر والماء بعد طول صيام وانقطاع عن الأكل والشُرْب، حيث يستفيد جسم الإنسان بما في التَّمْر من عناصر غذائية مهمة فيقوم بامتصاصها بسهولة ويُسْر، وكذلك الماء حيث يعمل أيضا على غَسْل الكِلْيَتَين اللتيْن بجسم الإنسان.
عبادة الحجّ: وتُفرض على الإنسان المُستطيع (من حيث الاستطاعة البدنية والمالية..) مرة واحدة في عمره (وإذا أراد الإنسان أن يحجّ أكثر من مرة تطوعا فيستحبّ له ذلك)، وفي شهر معيّن (شهر ذي الحجة) ووقت معيّن من الشهر وفي مكان محدّد (مكّة)، حيث يجتمع المسلمون كشعوب مختلفة من شتى بقاع الأرض على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وأعمارهم ومستوى طبقاتهم مؤدين مناسك الحجّ وشعائره بكيفية واحدة على نحو ما أراده الله تعالى منهم ، فتزداد قوى الترابط بين الشعوب المختلفة في شتى بقاع الأرض، ومن ثم يكون التوحّد على مستوى الأمم والشعوب.
ومما قد تمَّ اكتشافه حديثا وملاحظته، هو: أن عبادة المسلمين المتمثلة في طوافهم (دورانهم) حول البيت الحرام (الكعبة المُشَرَّفة) سبعة (7) أشواط في مسارات شبه دائرية وفي اتجاه معاكس لعقارب الساعة هي العبادة الوحيد التي تتوافق وتنسجم مع النظام الكوني الذي خلقه الله تعالى، ابتداء من دوران الإلكترونات حول النواة التي تحتويها الذرة وتتكون منها المادة في عدد (7) مستويات من الطاقة (K, L, M, N, O, P, Q) في مسارات شبه دائرية وفي اتجاه معاكس لعقارب الساعة، وكذلك دوران الأرض أيضا حول محورها في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، ودوران الأرض فى نقس الوقت حول الشمس فى مسار فلكى (شبه دائرى) وفي اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة وهو نفس مسار واتجاه طواف المسلمين حول الكعبة...إلى غير ذلك.
- ولقد جاء الإسلام داعيا إلى الأخلاق الحَسنَة الكريمة الرفيعة والمعاملات الطيبة الحكيمة كالصدق والأمانة والرحمة والعدل والجود والكرَم والعفو والتصافح والتسامح..إلى غير ذلك، ونموذج ذلك:
يقول النبي محمد :"إنَّ خِياركُم أحاسِنِكُم أخْلاقا" [صحيح البخاري]
ويقول النبي محمد : "إنّ من أحبّكم إلَيَّ وأقْرَبكُم منّي مَجْلِسا يَوْم القِيامَة أحاسِنكُم أَخْلاقا..."  [صحيح الترمذي]
- ولقد جاء الإسلام بالتشاريع القويمة التي بها يستقيم سلوك الفرد والمجتمع، ومن ثم تنهض البشرية في شتى نواحي الحياة، ونموذج ذلك:
أ- أن الإسلام قد أحلَّ للإنسان كل ما هو طيِّب ونافع من مأكل ومَشْرَب وملبس ومسكن وزواج..إلى غير ذلك، ونهى عن كل مايتسبب في إيذاء الإنسان وضرره من مأكل (كلحوم الخنازير ولحوم المـَيْتَة.. والتي قد اكتشف العلم الحديث خطورتها نظرا لكثرة الأمراض التي تسببها بجسم الإنسان) ومن مَشْرب (كالخمور والكحوليات والمسكرات التي تكون سببا في ذهاب عقل الإنسان ومن ثم تصرفاته البهيمية الغير عقلانية..وما قد يتبع ذلك من انتهاكات واعتداءات، إضافة إلى الكثير من الأمراض الخطيرة التي تسببها بجسم الإنسان)...إلى غير ذلك.
ب- ولقد حرّم الإسلام الخبائث والفواحش والمنكرات (كالقتل والزنى والسرقة والظلم..إلى غير ذلك) وكل ما يؤدي إفساد الفرد والمجتمع.
وغير ما أشرنا إليه الكثير من النماذج التي يتبيَّن منها حِكمة وقوامة التشاريع التي قد جاء بها الإسلام.
  الإسلام ورؤيته في ما يتعرض له الإنسان من ابتلاءات ومِحَن وظواهر كونية، وكيفية التعامل معها
لقد بيّن الإسلام أن ما يتعرض له الإنسان من بلاء (على اختلاف أشكاله) إنما هو:
1-بمثابة التذكِرة والموعظة له، ليدرك حقيقة ضَعْفه (مهما وصل إليه من مستوى متقدم في شتى المجالات العلمية) وافتقاره وحاجته إلى إلهه وخالقه ليحفظه وليرفع عنه ذلك البلاء (من مرض وفقر وضِيق في المعيشة وحوادث..إلى غير ذلك).  
2- وأيضا ليعلم الإنسان حقيقة تلك الدنيا الفانية، وأنها على ما بها من متاع إلا أنه متاع الغرور يوشك أن يزول، حيث إنه لايدوم لأحد، فإما أن ينتهي بموت الإنسان أو ينتهي بتغير حال الإنسان من حال إلى  حال (من صحة إلى مرض وعَجْز أو من قوة إلى ضعف أو من غنى إلى فقر ..وهكذا)، ومن ثم لا ينخدع الإنسان (العاقل المتفكر) بتلك الدنيا الزائلة ومتاعها الفاني، ويكون دائما على صِلة بإلهه وخالقه مؤمنا به ومُتعبدا له ومنفذا أوامره، ومن ثم يعمل لآخرته وهي الحياة الباقية التي يجد فيها الإنسان جزاء ما قدّم وفعل في هذه الحياة الدنيا.
3- وأنّ هذا البلاء (على اختلاف أشكاله) إنما هو من جُمْلة الامتحان والاختبار الذي يمر به الإنسان، بمعنى:
هل يرجع الإنسان إلى إلهه وخالقه فيكون مؤمنا به وراضيا بقضائه وصابرا على ما قدّره سبحانه وتعالى عليه من بلاء ومحتسبا أجر رضاه وصبره عنده جل وعلا؟ أم أنه (الإنسان) سيكون على نقيض (بخلاف) ذلك كله من كفر وشرك وسَخَط على قضاءه وعدم صبر على ما قدّره جل وعلا عليه من بلاء؟
فالله تعالى يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
[البقرة: 156]
وعلى الإنسان أن يعلم أنه لا بد وأن يأتي اليوم الذي يموت فيه، وأنه لن يُخَلَّد في هذه الدنيا مهما كانت صِحَّته وقوته وغناه وسُلطته.. لتبدأ مرحلة جديدة من الحياة الآخرة والتي سوف يُبعث فيها الإنسان ليرى نتيجة اعتقاده وأفعاله.  
وأيضا، على الإنسان أن يعلم أن الحياة الدنيا لا بد وأن تزول في يوم من الأيام لتأتي الحياة الأخرى الباقية التي لا تزول والتي سوف يُحاسب الله تعالى فيها الإنسان، فإما أن يكون جزاؤه الجنة بما فيها من نعيم مقيم وإما أن يكون جزاؤه النار بما فيها من عذاب أليم، فالدنيا ليست سوى مرحلة ينتقل الإنسان من خلالها إلى الدار الآخرة.
كيفية التعامل مع ما يتعرض له الإنسان من ابتلاء:
أولا: أنه على الإنسان أن يكون مؤمنا بإلهه وخالقه سبحانه وتعالى وبوحدانية ألوهيته، ومستيقنا بأنه سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء والقادر على ما يعجز عن فعله البشر من رفْعٍ وكشْفٍ لمختلف أنواع البلاء وإزالته، ومن ثم اللجوء إليه سبحانه وتعالى والدعاء والتَّضَرُّع له ليُزيح عنه ما نزل به من بلاء وليُنَجِّيه منه.
ثانيا: ثم على الإنسان أن يأخذ بكافة الأسباب والوسائل المتاحة لدفْع ذلك البلاء والنجاة منه.
ونختم هذه النقطة ببشرى النبي محمد  للإنسان المؤمن الذي قد صبر على ما تعرّض له من ابتلاءات ومِحَن مُحْتسبا أجر صَبْره عند الله تعالى، حيث بيّن أن الله سبحانه وتعالى سوف يكافئه خيرا يوم القيامة ومن ثم الفوْز بجنته بما فيها من نعيم دائم مقيم، فلقد قال النبي محمد : "عَجَبًا لِأَمْرِ المؤمن إنَّ أمْرَهُ كُلّه خَيْر ، وَلَيْس ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا للمؤمن ؛ إنْ أصَابَتْه سَرَّاء شَكَرَ ؛ فكانَ خَيْراً لَه ، وإنْ أصَابَتْه ضَرَّاء صَبَر ؛ فكان خَيْراً له" [رواه مسلم]       
النبي محمد  وتربيته لأصحابه رضوان الله عليهم على تعاليم الإسلام
صور مشرقة من حياة النبي محمد ، وآثار التمسك بتعاليم الإسلام
لقد قامت دعوة الإسلام على مكارم الأخلاق وترسيخها في النفوس، فيقول النبي محمد :
"إنما بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكارِم الأخْلاق" [ الموطأ للإمام مالك، وصححه الألباني].
يعني محاسن الأخلاق وأسْمَى ما يكون من الأخلاق الحميدة، فبمقدار ما يكون المسلم خلُوقا يكون قُرْبُه من الله تعالى وارتفاع درجته في الجنّة (وذلك بالإضافة إلى التزامه وتمسّكه بتعاليم الإسلام الأخرى).
فلقد صابر النبي محمد كثيرا مواجها الصعاب إلى أن بلّغ رسالة الإسلام وحتى نهض بقومه من فُرْقة واختلاف وتعصُّبٍ وتفاخر وتَقاتُلٍ إلى أمَّة واحدة مجتمعة على تعاليم الإسلام، فأقام  دولة الإسلام في زمن قصير (23 عاما فقط) استطاع فيه تأسيس مجتمع قائما على أسس من الخير والحقّ والفضيلة، فقد كان  حكيما في دعوته حليما في توجيهاته وإرشاداته مستخدما للحوار العقلي المنطقي في الإقناع والرَدْع عن المعاصي والرذائل والأخلاق السيئة، ومن ثم فلقد أحسن النبي محمد  تربية أصحابه على تعاليم الإسلام التي تدعوا إلى الخير والفضيلة وإلى محاسن ومكارم الأخلاق، وها هي بعض الصور الموجزة من حياة النبي محمد  وآثارها في تربية أصحابه الكرام رضوان الله عليهم:
1- يقول أنس بن مالك: "خَدَمْت النبي  عشر سنين فما قال لى أُفّ قَطّ وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله  من أحسن الناس خُلُقا.." [رواه الترمذي].
2- لقد كان النبي  في إحدى أيامه يلبس بُرْدًا نجرانيا -يعني رداء كان يَلْتَحِف به، ونجران: بلد بين الحجاز واليمن- ، وكان طرف هذا البرد غليظا جدًا ، فأقبل أعرابيّ من البدو ناحية النبي ، فجذبه الأعرابيّ من ردائه جذبًا شديدًا، فتأثر عاتق النبي  -المكان الذي يقع ما بين المنكب والعنق- من شدة الجذبة، ثم قال -الأعرابيّ- له في غلظة وسوء أدب : يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فتَبَسّم له النبي الكريم  في حلم وعفو ورحمة، ثم أمر له ببعض المال. [شرحا موجزا للحديث الذي رواه الإمام أحمد]
فبدلا من أن يَبْطِش النبي محمد  بذلك الأعرابي أو أنْ يأمر أصحابه بمعاقبته قام  بالعفو عنه والإحسان إليه، فلم يزده  جهل الجاهلين إلا حلما وعفوا وإحسانا.
3- جاء أعرابيّ -من البدو- إلى النبي محمد  يطلب منه شيئاً -صدقة- فأعطاه  له، ثم قال  له: "هلْ أحْسَنْت إليْك؟" قال الأعرابي: لا ولا أجْمَلْت!. فغضب المسلمون لمقالته وقاموا إليه ليضربوه على سوء أدبه مع النبي ، فأشار  إليهم أنْ كُفُّوا -لا تؤذوه-، ثم قام  فدخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئاً ثم قال له: "أحْسَنْت لَك؟" قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، قال : "إنّك قُلْت ما قُلْت وفي نَفْس أصحابي مِنْ ذلك شيْء فإنْ أحْبَبْت فقُل بين أيْديهم ما قُلت بين يَدَيّ حتى يذهَب ما في صُدُورهم عليْك" قال -الأعرابي-: نعم، فلما جاء من الغد أو العَشِيّ جاء فقال النبي : "إنّ هذا الأعْرَابي قال ما قال فزِدْنَاه فزعَم أنّه رَضِي، أكَذَلك؟"، قال (الأعرابيّ): نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال رسول الله : "مثلِي ومثل هذا مثل رَجُل لَه نَاقَة شَرَدَت فأتْبَعَها النّاس فلم يزِدْها إلا نُفوراً فناداهم صاحبها: خَلُّوا بيني وبين ناقتي فإني أَرْفَق بها منكم وأعلم فَتَوجّه لها بيْن يديْها فأخَذَ لها مِن قمَام الأرض فردّها حتى جَاءت واسْتنَاخت وشَدّ عليها رَحْلَه واسْتوى عليها ..." [الحديث رواه البزار]
ومن ثم يتبيّن عِظم رِفْق النبي محمد  وحلْمه وعفوه وسِعة صدره، وحِكْمته  في تعليم الأعرابيّ وكذلك صحابته الكرام في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف.
4- عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله  أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فَزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي  على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ--ليس عليه سرج ولا أداة- وهو متقلِّد سيفه، فقال : "لَمْ ترَاعُوا ، لَمْ تراعُوا..." [رواه البخاري]
يعني: لقد سمع المسلمون بالمدينة ذات ليلة صوتا أقلقهم وأفزعهم فهبّوا من نومهم مذعورين ومتخوّفين ظنّا منهم أن العدوّ يتربّص بهم ويستعدّ للهجوم عليهم في ظلام الليل، وعندما خرج المسلمون ناحية الصوت لاستكشاف الأمر وجدوا النبي محمد  راجعا إليهم على فرسه بعد أن استطلع الأمر بنفسه مُطَمْئِنا لهم وآمرهم بالرجوع من حيث جاءوا .
ومن ثم يتبيّن عِظَم شجاعة النبي محمد  وإقْدامه وجرأته، حيث لم ينتظر إلى أن يخبره المسلمون بحقيقة الأمر وإنما أقْدم  بنفسه لاستكشاف الأمر ومن ثم طَمْأنة المسلمين.
5- يقول عبد الله بن عامر (رضي الله عنه): دعَتْني أمّي يوما فقالت: ها تعال أعُطيك، فقال لها رسول الله : "وما أرَدْت أنْ تُعطيه؟" قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله : "أمَا إنّكِ لو لم تعطيه شيئا كُتِبت عليكِ كَذِبة" [رواه أحمد].
يعني: أن النبي محمد  يُعلّم الأمّ وكذلك يعلّم أمته من بعده بأنه لا يجوز الكذب بما في ذلك الكَذِب على الأطفال، وذلك حتى لا يتعلّم الأطفال الكَذِب ويعتادونه، ومن ثم تربية الأطفال على الصدق.
6- يقول سَهْل بن سعد رضي الله عنه: أُتِي رسول الله  بشراب فشرب منه، وعن يمينه  غلام (صغير السنّ) وعن يساره أشياخ (كبار السنّ) فقال  للغلام: "أتأذن لي أن أُعْطي هؤلاء؟" فقال الغلام: لا، والله لا أُوثِر (أُفَضّل) بنصيبي منك أحدا، قال (سهل بن سعد): فتلّه (وضعه في يده) رسول الله . [رواه البخاري]
يعني: لقد كان من هدْي النبي محمد  أن يَلِيه من على يمينه ثم من على يساره، ولكنه وجد أن من على يمينه غلام واحد صغير ومن على يساره أشياخ كبار السنّ، فأراد النبي محمد  أن يُقَدّم الشراب أولًا إلى الأشياخ الكبار توقيرا لهم (من حيث كِبَر سنّهم وعددهم)، ولكنّه  في نفس الوقت أراد أن لا يَسْلب الغلام حقّه بأن يأخذ دوره في الشراب (لأن الغلام كان يَلِي النبي محمد  من جِهة اليمين) فأراد  أن يَحُلّ هذا الموقف باستئذان الغلام (تقديرا لحقّه واعترافا منه  به)، ولكن الغلام أراد أن يفوز بالشُرب من موضع أَثَر النبي محمد  وألا يُؤثِر أحدا بنصيبه من موضع أَثَرِ شُرْب النبي محمد ، ومن ثم استجاب النبي محمد  لطلب الغلام إقرارا للحقّ والعَدْل الذي ربّى عليه أصحابه ومن ثم أمته من بعده وإشعارا منه  للغلام بقيمته ومن ثم تعويده على الشجاعة وإبداء رأيه في أدب، فلقد كان  مربيا حكيما.
7- لقد خرج النبي محمد  في إحدى غزواته (حروبه ضد أعداءه من المشركين الذين يحاربون الإسلام) في وقت صائف، وفي أثناء عودته  مع الجيش مَرّ على وادٍ كثير الشجر فتفرق المسلمون يستظلون بظل الشجر، وذهب رسول الله  تحت شجرة وعلّق سيفه عليها ثم نام، فجاءه  أعرابيّ-من البدو- وهو نائم فأخذ سيفه وأخرجه من غمده وشَهَرَه فاستيقظ النبي ، فقال له الأعرابي: تخافني؟ فقال النبي محمد : "لا"، فقال الأعرابيّ: من يمنعك مِنّي؟ فقال له النبي محمد : الله (ثلاثا)، فارتعشت يد الأعرابيّ واضطربت وسقط السيف من يده فأخذه النبي محمد   وقال له: "من يمنعك مِنّي؟" فقال له الأعرابيّ: كن خير آخذ،- يعني: إن كنت أنا قد أسأت فكن أنت خير آخذ ولا تعاملني بمثل ما عاملتك به-، فقال له النبي محمد : "تشهدُ أن لا إله إِلا اللَّه؟" ، قَالَ الأعرابيّ: لا ولكنِّي أعاهدك أنْ لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فعفى عنه النبي محمد  وخلّا سبيله ولم يعاقبه، فرجع الأعرابي إلى قومه فقال:  جئتكم من عند خير الناس، ولم يظاهر أو يناصر أحد على رسول الله بعد ذلك. [شرحا مختصرا لما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث جابر].
ومن ثم يتبيّن عِظَم يقين النبي محمد  بالله سبحانه وتعالى وثقته به وحُسْن توكّله عليه، إضافة إلى جميل حِلْمه  وصفحه وعفوه عن الأعرابيّ الذي جاء يقتله.
8- لقد وقفت أمام المسلمين أثناء حفرهم للخندق (الذي قام المسلمون بحفْره، وذلك للتحصّن به من هجوم المشركين وقت تجَمّع أعداء الإسلام لمحاربة المسلمين) صخرة كبيرة ذات صلابة شديدة حيث لا يمكنهم كسرها بالمَعَاول (ما يُستخدم من مُعدّات للحفر آنذاك)، فشكَوْا ذلك إلى النبي محمد ، فقام النبي محمد  بأخذ المعْول وقال: "بسم الله" ثم قام بضربها ضربة قوية فكسر ثلثها فقال : "الله أكبر" وبَشَّر المسلمين بفتح من الله تعالى لهم في المستقبل وهو فتح بلاد الشام، ثم قام النبي محمد  ثانية بِضَرْبِ الصخرة بقوة فانكسر ثلثها الثاني فقال : "الله أكبر" وبَشَّر المسلمين بفتح ثانٍ من الله تعالى لهم في المستقبل وهو فتح بلاد فارس، ثم قام النبي محمد  للمرة الثالثة بِضَرْبِ الصخرة بقوة فانكسر ثلثها الأخير فقال : "الله أكبر" وبَشَّر المسلمين بفتح ثالثٍ من الله تعالى لهم في المستقبل وهو فتح اليمن. [شرح مختصر للحديث الذي رواه النسائي]
ولقد تحققت جميع نبوءات النبي محمد ، حيث إنه بعد زمن قريب قد دخل الإسلام في هذه البلاد التي أخبر عنها النبي محمد  ودخل أهلها في دين الله أفواجا.
ومن هذه الواقعة يتبيّن لنا عِظَم حُسْن تَوَكّل النبي محمد  على الله تعالى وعظيم ثِقّته به جل وعلا حيث لم يعتمد  على قوته وإنما لجأ إلى إلهه وخالقه (الله سبحانه وتعالى) فبدأ بقول: "بسم الله" خاتما فعله بقول: "الله أكبر"، فلم يَنْسِب الفضل في نجاحه لكَسْر الصخره إلى نفسه وإنما نسبه إلى الله تعالى بقوله "الله أكبر"، فالله تعالى اكبر من أي شيء وبفضله وتوفيقه يمكن النجاح في أي شيء، ومن ثم يكون ذلك درسا طيبا لصحابته الكرام وأمّته من بعده في كيفية التوكّل على الله تعالى واللجوء إليه.
ويتبيّن أيضا من هذه الواقعة كيفية بثّ النبي محمد  روح الأمل والنصر في قلوب أصحابه وقت ضعفهم وقلقهم وخوفهم من هجوم عدوهم، إضافة إلى صدقه  فيما أخبر به ومن ثم مصداقية دعوته ورسالته من الله سبحانه وتعالى.
9- عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله  إذ جاء أعرابيّ -من البدو- فقام يبول في المسجد -وقد كان المسجد مفروشا من الرمل والحصى-، فقال له أصحاب رسول الله : مه مه، فقال رسول الله : "لا تزْرمُوه -يعني لا تقطعوا عليه بوْله-، دَعُوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله  دعاه -أي: طلب الأعرابيّ- فقال له: "إن هذه المساجد لا تَصْلُح لشيء من هذا البَوْل ولا القَذَر، إنما هي لِذِكْر الله والصلاة والقرآن"، ثم أمر  رجلا فجاء بدَلْو من ماء فشَنّه عليه -يعني: أمر بإلقاء الماء على موضع البَوْل من الأرض لتطهيره- . [رواه البخاري]
ومن ثم يتبيّن حِكْمة النبي محمد  في حَلِّه  لهذا الموقف حيث منع الصحابة من استخدام القوة والعنف مع المُخطئ، إضافة إلى رِفْقه  بالأعرابيّ وتعليمه له درسا رقيقا دون تخويف أو ترهيب.
10- لقد جاء رجل إلى النبي محمد  فقال (الرجل): ولدت امرأتي غلاما أسود –وهو حينئذ يُعَرِّض بأن ينفيه، أي يُنكر بنوّته- فقال رسول الله : "هل لكَ مِنْ إبل؟" قال (الرجل): نعم، قال : "هل فيها مِن أورق –أي أسمر أو ما كان لونه كلون الرماد-؟" قال الرجل إن فيها لورقا -أي أسمر أو ما كان لونه كلون الرماد-، قال : "فأنّى أتاها ذلك؟" قال الرجل عسى أن يكون نزعه عِرْق، فقال : "وهذا -يعني الغلام- عسى أن يكون نَزَعَه عِرْق -أي لعل الغلام جاء على مثل صفات واحد من أجداده-" [أخرجه البخاري].
  أي أنّ النبي لم يُرَخِّص للرجل إنكار بُنُوة الغلام لمجرد ظنّ موهوم لاحتمالية حدوث مثل ذلك الأمر.
ومن ثم يتبيّن كيف قام النبي محمد  بمعالجة هذا الموقف الخطير الذي قد يترتب عليه ضياع نَسَب طِفْل بريء وانهيار بيت مسلم وتفكّكّه بكامله وذلك من خلال الحوار العقْلي المنطقيّ الذي قد اقتنع به السائل (الرجل) والموافق لما قد توصّل إليه علم الوراثة الحديث من إمكانية حدوث مثل ذلك، إضافة لعدم وجود أدنى دليل مؤكّد على خيانة المرأة لزوجها، ومن ثم يتبيّن دوْر وحِكْمة النبي محمد  في محافظته على الأسرة واسقرارها ومن ثم استقرار المجتمع.
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من الصور المشرقة لحياة النبي محمد  والتي يتبيّن منها عِظَم تعاليم الإسلام ورِقِيّها وسُمُوّ أهدافها.
- ولقد كانت حياة النبي محمد  بما فيها من صور مُشرقة آثارا إيجابية عظيمة على صحابته الكرام ودور فعّال في تربية وتنشئة جيل فريد قائم على أسس من الخير والفضيلة، ونموذج  ذلك:
لقد كان عبد الرحمن بن عوف أحد صحابة النبي محمد  الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة بعد إسلامهم، وذلك فِرارا بدينهم نتيجة إيذاء وتعذيب المشركين -أهل مكّة الذين حاربوا دعوة الإسلام- لهم، تاركين كلّ ما هو غال وثمين من أموالهم وديارهم ومُضَحّين بها في سبيل الثبات والاستمساك بدين الله تعالى -الإسلام-.
 ومن ثم فقد كان الصحابي عبد الرحمن بن عوف بعد هجرته إلى المدينه فقيرا كغيره من المسلمين المهاجرين حيث لا يملك بيتا أو فائض مال وليس له زوجة، فما كان من سعد بن الربيع -وهو أحد صحابة النبي محمد  بالمدينة، والذين استقبلوا النبي محمد  وأصحابه المهاجرين وآزروهم وناصروهم- إلّا أن قال لعبد الرحمن بن عوف: [خذ نصف مالي لك]، وكان سعد مُتزوجا من امرأتين، فقال لعبد الرحمن بن عوف: [اختر إحدى زوجتي -أجملهما- وانظر إليها فإذا أعجبتك أطلقها فإذا اعتدّت فتزوجها].
أي أن سعدا بن الربيع أراد أن يؤثر أخيه المسلم عبد الرحمن العوف ويُفضّله على نفسه بأن يعطيه نصف ماله ويُزوّجه بأجمل زوجتيه، وذلك عملا بتعاليم الإسلام  وبما ربّاهم عليه النبي محمد  كما في قول الله تعالى:  .. وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر: 9]،ورغبة في الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى عند مساعدته لأخيه المسلم.
ولكن ما كان من الصحابي عبد الرحمن بن عوف الذي تربّى على يدِ النبيّ محمد  وعلى تعاليم الإسلام بما فيها من دعوة إلى العمل والجدّ والاجتهاد وعِزة النفس وألا يكون المرء عالة على غيره من الناس إلّا أن دعا بالخير لأخيه سعد -أخيه في الإسلام- قائلا له: [بارك الله في أهلك ومالك] ليشتغل ويعمل بالتجارة.[القصة بطولها رواها الإمام البخاري]
وكان من بركة الله تعالى على الصحابي عبد الرحمن بن عوف -الذي أبى أن يأكل أو يعيش إلا من عمل وكَسْب يده- أنْ فتح له أبواب فضله ورزقه حتى أصبح من أغنى أغنياء المسلمين، وصار مُنْفِقًا الكثير والكثير من ماله على الفقراء والمحتاجين، عملا بتعاليم الإسلام واقتداءً بهدي نبيه المصطفى محمد .
•    ونختم هذه النقطة بوصف موجز لحال النبي محمد  وصفاته الخِلقية، على النحو التالي:
- موجز لحال النبى محمد r المحمود، ومن ذلك: أنه r كان دائم الفكر، طويل السكوت لا يتكلم فى غير حاجة، ليّن الطبع، لا يغضب لنفسه قطّ (حيث كان غضبه r لله تعالى عندما تُنتهك محارمه)، غالب ضحكه التبسّم، يمازح أصحابه ويداعبهم ولا يقول إلا الحقّ.
- موجز لبعض الصفات الخِلقية للنبى محمد r، ومن هذه الصفات: أنه r كان أزهر اللون، أبيض الوجه مُشرّب بحمرة، في الوجه تدوير كالقمر ليلة البدر، أكحل العينين وليس بأكحل (أي: إذا رأيته ونظرت إليه قلت أنه أكحل العينين من جمالهما الطبيعي وليس هذا بسبب إضافة الكحل) مع اتساعهما ووجود طول فى شقّ العين، في شعر أجفانه r طول يزيد عينيه حلاوة وجمالًا، الحاجبان رقيقان في الطول من غير اتصال بينهما، واسع الجبين، رفيع الأنف، أجمل الناس شفاه، أفلج الثنايا- وهو التباعد الحسَن بين أسنان المقدمة- فإذا تكلم r رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه، كان r إذا سُرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، أسود الشعر مع توسطه بين التجعد والسبوطة، عنقه r كان في صفاء الفضة، صاحب لحية سوداء إلا عدد قليل من الشعرات البيضاء (بعد كِبر سنّه r)، متماسك البدن، ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير ولكنه إلى الطول أقرب، سواء الصدر والبطن (أي أن:بطنه r كصدره في الارتفاع)، واسع الصدر (فلا يغضب لنفسه قط بل كان r غضبه لله سبحانه وتعالى)، أنور المتجرّد: إذا كُشِف شئ من جسده r (مثل الكتف أثناء الحج أو العمرة) رُؤَى كالنور من جمال بياضه،...إلى غير ذلك من الصفات الخِلقية الحسنة للنبى محمد r.

                                                           *******

 

 

توجيهات وتعاليم إسلامية تكون سببا في الرِقِيّ والتقدم والتحضّر
لقد أشرنا في النقاط السابقة إلى بعض من تعاليم الإسلام السامية ومبادئه الرفيعة في صور ومجالات مختلفة، ونودّ أن نلقي الضوء في هذه النقطة على صور من التعاليم السامية للإسلام التي تكون سببا في الرِقِيّ والتقدم والتحضّر، وبمشيئة الله تعالى سوف نوجز حديثنا حول مجال التربية والأخلاق والعلم والعمل، حيث إنه من خلال هذه المجالات تكون النهضة ويكون الرِقِيّ والتقدم والتحضّر.
أولا- صور من التعاليم السامية للإسلام في مجال التربية والأخلاق:
يقول النبي محمد : "كُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مسؤول عنْ رَعِيَّتِه، والرجل رَاعٍ ومسؤول عنْ رَعِيَّتِه، والمرأة رَاعِيَة في بيت زوْجِها ومسؤولة عن رَعِيّتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عنْ رَعِيَّتِه، وكُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤول عنْ رَعِيَّتِه " [صحيح البخاري]
1- التربية على التحلّي بالأخلاق الحميدة والصفات الكريمة، ونموذج ذلك:
الصدق والأمانة وعدم الغِش وإكرام الضيف والإحسان إلى الوالدين وإلى الجيران والعطف على المساكين والمحتاجين...، والتحذير من الصفات الرذيلة كالكذب والغدْر والخصام...إلى غير ذلك.
ومن الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تبيّن ذلك:
- يقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) [النساء:36]
- يقول النبي محمد : "ليْس المؤمِن بالطّعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البَذِيء" [رواه أحمد]
أي: ليس المؤمن بالذي يُكْثر اللعْن، ولا بالذي يطعن في الناس ويقدح فيهم، ولا بالذي هو سيء الخلق وسيئ العمل.
- يقول النبي محمد : "ألا أُنَبِئُكم بأكْبَر الكَبائِر؟ -ثلاثا- قلنا: بلى، قال: الإشْراك بالله، وعُقُوق الوالدين، وقَتْل النَّفْس... وكان متكئاً فجلس، وقال: ألا وقوْلُ الزُّورِ وشَهَادة الزور.." [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "من قال لصبيّ: تعال، هَاك، ثم لَمْ يُعْطِه فهي كَذِبَة" [رواه أحمد]
- يقول النبي محمد : "أدِّ الأمانة إلى من ائْتَمنك، ولا تخُن من خَانك" [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "أربع مَنْ كنّ فيه كان مُنافقا خالِصا، ومن كانت فيه واحدة منهنّ ففيه خصْلة مِنْ النَّفاق حتى يَدَعْها: إذا حدّث كذَب، وإذا اؤْتمن خان، وإذا عاهد غَدر، وإذا خَاصم فَجَر" [رواه البخاري ومسلم]
- لقد مرّ النبي محمد  بالسوق فوجد كومة من الطعام فوضع يده في داخلها فخرجت عليها بلل من ماء, فقال : "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!" فَرَدَّ التاجر: أصابَه المطر يا رسول اللَّه, فقال الرَسُولُ ناصحًا مُوَجِّها: "فَهَلَّا جَعَلْتَ ذَلِكَ ظَاهِرًا يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" [رواه مسلم وأحمد]
- يقول النبي محمد : "أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى وفَرَّج بينهما شيئاً" [ رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "من كان يُؤمِن بالله واليومِ الآخِر فلا يُؤذي جَاره" [رواه مسلم]
- يقول النبي محمد :" من كان يُؤمِن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذي جاره، ومن كان يُؤمِن بالله واليوم الأخر فليُكْرِم ضَيْفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَليَقُل خيرا أو ليَصْمُت"  [رواه البخاري]
2- التربية على الاهتمام بالنظافة والمظهر الحسن الجميل والمحافظة على نظافة الطرق وجمالها
-    يقول النبي محمد :" ..إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ .." [رواه مسلم]
وذلك بأن يحافظ المَرْء على نظافة بدَنِه وثيابه وحُسن مظهره، وكذلك نظافة مسكنه والمكان الذي يعيش ويتواجد فيه بما في ذلك من شوارع وطرق..إلى غير ذلك.
- يقول النبي محمد : "إن الله تعالى طيّب يحبّ الطَيّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جَوَّاد يحب الجُود، فنظّفوا أفْنِيَتكم.." [رواه الترمذي]
- ولقد أمر الإسلام بالوضوء عند أداء فريضة الصلاة والتي تُؤَدَّى (5) مرات يوميا، ويكون ذلك بغسل اليدين ثم المضمضة ثم الاستنشاق ثم غسْل الوجه ثم غسل اليدين ثانية إلى المرفقين ثم مسح الشعر ثم غسل الأذنين ثم غسل الرجلين إلى الكعبين.
- مع التنويه إلى: أن الإسلام قد حثّ على الاقتصاد في الماء المستخدم في الطهارة والوضوء والنظافة وعدم تهديره والإسراف فيه، فلقد مَرَّ النبي محمد على سعد وهو يتوضأ، فقال : " مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟" قَالَ (سعد): أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟،  قَال : " نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ "[رواه أحمد]
ويعني: أنه لا يجوز أن يأخذ من الماء إلا بقدر حاجة التطهّر والوضوء والاغتسال لعدم إضاعة الماء وتهْديره دون الاستفادة منه.
- ولقد حثّ الإسلام على الطهارة والوضوء قبل النوم وبعد الاستيقاظ منه باكرا (استعدادا لأداء فريضة صلاة الفجر).
- ولقد حثّ الإسلام أيضا على الاغتسال، وذلك بأن يغسل الإنسان جسده كاملا ويطهره بالماء الطاهر النظيف، ومن ثم يتبين حرص الإسلام على الطهارة والنظافة الكاملة لجسم الإنسان.
- ولقد حثّ الإسلام على التَعطّر واستخدام العطر ذي الرائحة الطيبة التي تُدخل البهجة والسرور على النفوس، وقد كان النبي محمد  يحب الطِّيب ويقوم باستعماله.
يقول أنس رضي الله عنه" :ما شممت ريحا قَطّ ولا مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله " [رواه أحمد]
- ولقد حثّ الإسلام على الطهارة والنظافة، ومن ذلك: تنظيف الأسنان وتطهير الفمّ أولا بأول، وذلك من خلال السّواك (وهو من شجر الآراك) الذي حثّ عليه النبي محمد  عند كلّ وضوء وقبل كل صلاة وقبل النوْم وبعد الاستيقاظ من النوم (بما في ذلك الاستيقاظ باكرا لأداء فريضة صلاة الفجر)، حيث إنّ السّواك يعمل على تطييب الفمّ وإعطائه رائحة حلوة مستحبة وتطهيره من الرائحة الكريهة وحمايته من الأذى والخَبَث.
- ومن ثم فإن النبي محمد  يقول:" السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ" [رواه النسائي]
أي أنّ الطهارة (ومنها تطهير الفمّ) تكون سببا في إرضاء الله سبحانه وتعالى.
ومن ثم يتبيّن عِظَم اهتمام الإسلام بالنظافة، وأنه هو دين الطهارة.
- ولقد اكتشف العلم الحديث الكثير من الفوائد الطبية الناتجة عن استخدام السواك (الذي هو من شجر الآراك) حيث يحتوي على مادة غنية بالمواد المطهّرة والمنظفة والقاتلة للجراثيم ومن ثم فقد تم استخدامه حديثا كمسحوق لتطهير الفمّ وتنظيفه،.إضافة إلى أنه لا ينتج عن ابتلاع الإنسان لريقه إثر (عقب) استخدام السواك أي ضرر أو أذى على عكس ما نجده في كثير من المستحضرات الحديثة الخاصة بتطهير الفمّ وتنظيفه حيث قد يتسبب ابتلاعها ووصولها لمعدة الإنسان في إيذائه لا سيما الأطفال وصغار السنّ.     .
- لقد حثّ الإسلام على إماطة الأذى عن الطريق.
- يقول النبي محمد : ".. وتُمِيطُ الأذى عن الطريق صَدقة "  [رواه البخاري ومسلم]
- يقول النبي محمد : "بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصْن شَوْك على الطريق فأخّرَه -فجعله جانبا بحيث لايؤذي أحدا- فشكَرَ الله له فغفر له" [رواه مسلم]
3- التربية على التواضع وعدم الكبر.
- يقول الله تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) [لقمان: 18-19]
- يقول النبي محمد : "إن الله أَوْحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يبْغِي أحدٌ على أحد، ولا يفْخَر أحد على أحد" [رواه مسلم]
- يقول النبي محمد :" لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ .." [رواه مسلم]
4- التربية على النظام.
لقد عمل الإسلام على ترسيخ مبدأ النظام في النفوس والتربية عليه وتفعيله، ويتبيّن ذلك من تعاليمه وتوجيهاته وتشريعاته، ونموذج ذلك: عبادة الصلاة (التي يؤديها المسلمون جماعة مع بعضهم البعض في المسجد)، حيث يقف المسلمون بجانب بعضهم البعض في صفوف متساوية ومنتظمة، مؤدّين للصلاة بكيفية واحدة حيث تكون حركاتهم وهيئاتهم واحدة ومنتظمة (من قيام وركوع وسجود لله تعالى)، حيث يقتدون بإمام واحد (أكثرهم حفظا وعلما -تقديرا للعلم-) ويتبعونه.
إلى غير ذلك من العبادات والتوجيهات والتشريعات التي جاء بها الإسلام مُرَسّخا من خلالها لمبدأ النظام ومُفَعّلا له.
5- التربية على حسن اختيار الطعام الطيب النافع واجتناب كل ما هو سيّء وضار.    
- يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
[سورة البقرة: 172]
- ويقول الله تعالى:..وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..  (157) [سورة البقرة: 157]
6- التربية على التحلّي بالآداب الحسنة عند الطعام، ومنها:
أ- غسل اليدين قبل الطعام
ب- الجلوس للطعام وعدم الأكل واقفا أو ماشيا.
ت- أن يكون الجلوس على الركبتين مع ظهور القدمين (وهذه الجِلْسة تتفق تماما مع التقْليد الياباني العريق في الجلوس للطعام) أو بالجلوس على الرِجْل اليسرى مع تنصيب الرجل اليمنى، وكلتا الجلستين تساعد على عدم الإكثار من الطعام ومن ثم عدم الإضرار بمعدة الإنسان.
ث- ذكر اسم الله تعالى بقَوْل (بسم الله) قبل بدء الطعام ودعاء الله تعالى بأن يبارك في هذا الطعام (اللهم بارك لنا في ما رزقتنا..) ثم حمْد الله تعالى وشكره على عظيم نعمه عند الانتهاء من الطعام بقَوْل (الحمد لله..).
- يقول النبي محمد : "إنَّ الله ليَرْضى عن العَبْد يأكل الأكْلَةَ فَيَحْمَده عليها أو يَشْرب الشَرْبَة فَيَحْمَده عليها" [رواه مسلم]
ج- الأكل باليد اليمنى، والبدأ بالطعام الذي بجانبه ثم الذي يليه.
- عن عُمَرَ بنِ أبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قال: قال لي رسولُ اللَّه : "يا غلام سَمِّ اللَّه وكُلْ بِيمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"
[رواه البخاري]
ح- تناوُل الطعام بالقدر الذي ينتفع به جسم الإنسان وعدم ملئ المعدة بالطعام لعدم الإضرار بها.
- يقول النبي محمد : "ما ملأ آدَمِي وعاءً شرًا من بطنه. بِحَسْب ابن آدم لُقَيْمات يُقِمْن به صُلْبه، فإن لم يفعل، فثُلُث لطعامه وثُلُث لشرابه وثُلُث لنفسه" [الترمذي وابن ماجه والنسائي]
خ- عدم الإسراف وتجاوز الحدّ الطبيعيّ المسموح به في المأكل والمشرب، حيث قد يتسبب مأكل الإنسان ومشْربه لأنواع مختلفة من أصناف الطعام والشراب بالوجبة الواحدة (تبعا لما تشتهيه نفسه) في الإضرار به والتعرّض لكثير من الأمراض.
- يقول الله تعالى: ..وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا..  (31) [سورة الأعراف: 31]
د- عدم ترْك باقي طعام في الأطباق التي يؤكل فيها، والمحافظة على أَخْذ القدر المناسب من الطعام الذي يحتاجه الإنسان لتناوله، ومن ثم عدم إهدار الطعام.
- يقول النبي محمد  موجّها: "...فإن آخِر الطعام فيه البَرَكة" [رواه أحمد]
7- التربية على إهداء الجار من الطعام الذي يؤكل منه بقدر استطاعة الإنسان.
- يقول النبي محمد : "إذا طبخت مَرَقًا فأكْثِر ماءه ثم انظر أهل بيْت من جيرانك فأصِبْهم منها بمعروف" [رواه مسلم]
- ويقول النبي محمد : "ليس المؤمن الذي يشْبَع وجاره جائع إلى جَنْبِه" [رواه الحاكم]
8- التربية على الاهتمام بالآخرين والتفكير بهم وعدم الأنانية.    
- يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) [سورة الحج:77]
- يقول النبي محمد : "لا يؤْمِن أحدُكم حتى يُحِب لأخيه ما يحبّه لنفسه" [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "من كان في حَاجَة أخِيه كان الله في حاجَتِه..." [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "من اسْتَطاع مِنكم أن يَنْفَع أخاه فليفْعل" [ رواه مسلم]
المقصود بالأخوة في الحديث: الأخوة في الإيمان، فالله تعالى يقول:  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) [سورة الحجرات: 10]
9- التربية على مراعاة مشاعر الآخرين والاهتمام بالضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السنّ، واحترامهم وتوقيرهم.
- يقول النبي محمد : "ابْغُونِي في ضُعَفَاءَكُمْ.. " [رواه الترمذي]
ويعني: اطلبوا ودّي واحرصوا على رضائي من خلال العمل على مساعدة الضعفاء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على تفقّد أحوالهم وتلبية احتياجاتهم وحِفظ حقوقهم.
ومن ثم يكون الفوز برضا الله تبارك وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يحب من ينفذ تعاليم رسوله ويرضى عليه، وذلك لأنه جل وعلا هو من أرسل رسوله بهذه التعاليم السامية السمحاء ليعمل بها الناس.
- يقول النبي محمد : "أحَبُّ النَّاس إلى الله عز وجل أنْفَعَهم للناس.." [ رواه الطبراني]
- ويقول النبي محمد : "ليس مِنَّا مَنْ لم يَرْحَم صغيرنا، ويُوَقِّر كبيرنا" [رواه الترمذي]
10- التربية على الاندماج في المجتمع وإفشاء روح الحب والتعاون بين الأصحاب والأصدقاء، وذلك من خلال إفشاء تحية السلام بين الجميع.
- يقول النبي محمد : "خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ..".[رواه الترمذي]
- يقول النبي محمد : "إن أوْلَى الناس بالله مَنْ بَدَأهم بالسَّلام" [رواه أبو داود]
أي: أنّ أقرب الناس إلى الله وأحقّهم بمغفرته ورحمته من بدأ بتحيّة الناس وإلقاء تحية السلام عليهم، وذلك بأن يقول لهم:السلام عليكم، أي: الأمن والأمان عليكم، ويكون الردّ على هذه التحيّة بمثلها وذلك بقول: وعليكم السلام، أي: ولكم منّا الأمن والأمان.
- يقول النبي محمد : "يا أيها النّاس: أفْشُوا السَّلام، وأطْعِمُوا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نِيام، تدخلوا الجنة بسلام" [رواه أحمد]
- يقول النبي محمد : "لا تدخلون الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدُلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتم؟ أفْشُوا السَّلام بينكم" [رواه مسلم]
- سأل رجل النَّبِيَّ  فقال: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال : "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" [رواه مسلم]
- يقول النبي محمد : "لا تُحَقِّرَنَّ مِنْ المَعْروف شَيئا ولو أنْ تَلْقَى أخاك بِوَجْهٍ طَلْق -بوجه بشوش مبتسم-" [رواه مسلم]
11- التربية على حب الآخرين وتقديم النصيحة لهم
- يقول النبي محمد : "الدِّينُ النَّصِيحَة.." [رواه مسلم]
أي: أنّ تقديم النصيحة للغيْر هي من تعاليم الإسلام، وتعني حُبّ الخيْر للآخرين وتقديم النُّصح والإرشاد الخالص لهم بما يجْلب لهم النفْع ويصرف عنهم السوء.
12- التربية على حسن معاملة الآخرين.
- يقول النبي محمد : "..وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَن" [رواه الترمذي]
13- التربية على حُسن إكرام الضيف.
- يقول النبي محمد : ".. ومَنْ كان يُؤْمِن بالله واليوم الآخِر فليُكْرِم ضَيْفَه" [رواه البخاري]
14- التربية على الإحسان إلى الجيران وودّهم وزيارتهم ومراعاة حقوقهم.
- يقول النبي محمد : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ " [رواه مسلم]
- يقول النبي محمد : "..وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" [رواه الترمذي]
15- التربية على تقدير الوقت والمحافظة على المواعيد والعهود والمواثيق.
- يقول الله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) [سورة العصر: 1]
ويعني: أن الله سبحانه وتعالى يقسم بـ"العَصْر" وهو الزمان المتضمن للوقت، وذلك لأهميته وقدره في الإسلام، حيث حَثَّ الإسلام على الاستفادة منه وحسن استغلاله واستثماره في كل ما هو نافع ومفيد، وعدم إهداره في غير فائدة.
- يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..  (1) [سورة المائدة: 1]
- يقول الله تعالى: ..وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) [سورة الإسراء: 34]
- يقول النبي محمد : "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" [رواه البخاري]، أي أن المؤمن ليس من صفاته أيٍّ من الكذب أو إخلاف الوعد أو الخيانة.
16- التربية على الصبر والمثابرة والتفاؤل وعدم التشاؤم.
- يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) [سورة آل عمران: 200]
- يقول الله تعالى: ..إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)  [سورة يوسف: 90]
- يقول النبي محمد : "لاَ طِيَرَةَ (لا تشاؤم)، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ"، قَالُوا : وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" [رواه أحمد]
ويعني: أنه لا تشاؤم في الإسلام، وإنما التفاؤل والاستبشار من خلال الكلمة الطيبة الصالحة.
17-التربية على الجِدّية والإتقان في العمل.
- يقول النبي محمد : "إنَّ الله يُحب إذا عَمِل أحَدُكم عَملا أنْ يُتْقِنه" [أخرجه أبو يعلى والطبراني]
18- التربية على العمل الجماعيّ.
- يقول الله تعالى: ..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ..  (2) [سورة المائدة: 2]
- يقول النبي محمد : "إنَّ المؤْمنَ للمُؤمنِ كالبُنْيان يَشُدّ بَعْضُه بعْضا" [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "يَدُ الله مع الجَمَاعة" [رواه الترمذي]
أي: أن الله تعالى يبارك في الجماعة ويوفقهم.
19- التربية على حبّ القراءة والترغيب فيها والحثّ عليها.
- يقول الله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) [سورة العلق: 1]
- يقول الله تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) [سورة العلق: 3]
أ- صور من التعاليم السامية للإسلام في مجال العلم والتعليم والدعوة إليهما والاهتمام بهما، وتَقْدِير أهل العِلْم:
- يقول الله تعالى: ..وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) [سورة طه: 114]
- يقول الله تعالى: ..إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..  (28) [سورة فاطر: 28]
- يقول الله تعالى: ..يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..  (11)  [سورة المجادلة: 11]
ب- صور من التعاليم السامية للإسلام في الحثّ على توقير العلماء
- يقول النبي محمد : "..وفَضْل العَالمِ عَلى العَابد كفَضْل القَمَرِ على سَائر الكَواكِب.." [رواه الترمذي]
- يقول النبي محمد : "أَنْزِلوا النّاس مَنَازِلَهم" [رواه أبو داود]، يعني: اقدروا لهم لهم قدرهم واحفظوا لهم منزلتهم.
رابعا- صورة من التعاليم السامية للإسلام في مجال البيْع والشراء:
يقول الله تعالى وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) [سورة الإسراء: 35]
- يقول النبي محمد : "رَحِمَ الله رجلا سَمْحا -سهلا- إذا باع وإذا اشْتَرى وإذا اقْتَضى -طلب قضاء حقه-" [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "التَّاجر الصَدُوق الأمِين مع النَّبِيين والصِّديقين والشُّهداء" [رواه الترمذي]، أي: أنه في أعلى درجات جنات النعيم.
خامسا- صورة من التعاليم السامية للإسلام في مجال العمل:
أ- الدعوة إلى العمل
- يقول النبي محمد : "مَا أَكَل أَحَدٌ طَعاما قَطّ خَيرًا مِنْ أنْ يأكل مِنْ عَمَلِ يَدِه.. " [رواه البخاري]
- يقول النبي محمد : "لأَنْ يَأخذ أحدُكم حَبْلَه فيأتي بِحِزْمة الحَطَب على ظَهْره فيبيعها فَيَكُفّ الله بها وَجْهَه خيْر له مِنْ أنْ يسْأل النّاس أعْطُوه أوْ مَنَعُوه" [رواه البخاري]
ب- الحثّ على الذهاب إلى العمل باكرا ومن ثم حسن استغلال الوقت والمحافظة عليه وعدم إهداره.
- يقول النبي محمد : "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا -أي: في الصباح الباكر وأول النهار"- [رواه الترمذي]
ت- التربية على التحسين المستمر ومحاولة التغيير للأفضل.
- يقول الله تعالى:..وَأَحْسِنُوا.إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) [سورة البقرة: 195]
- يقول النبي محمد : "إنَّ الله كَتَبَ الإحْسان على كُلّ شَيء.." [رواه مسلم]
ومن الإحسان: الإحسان في العمل، فالمحسن في عمله هو: من يعمل على أن يجيد ويحسن في عمله، ويكون ذلك من خلال اتقان العمل والاهتمام بتنمية المهارات وتطوير الأساليب المستخدمة في العمل.
ث- التربية على البذل والعطاء حتى آخر لحظة في حياة الإنسان.
- يقول النبي محمد : "إنْ قَامَت السّاعة وبِيَدِ أحَدِكُم فَسِيلَة، فإنِ اسْتَطاع ألّا يقُوم حَتّى يَغْرِسها فلْيَفَعل" [رواه أحمد]
أي: أنه إذا جاء الوقت الذي فيه سوف تفنى وتنتهي فيه الحياة الدنيا ومن ثم تفنى وتنتهي حياة الإنسان وما على الأرض من مخلوقات وموجودات (وذلك لمجيء موْعد يوم القيامة، وهو اليوم الذي سوف يُحاسَبُ فيه الإنسان من الله سبحانه تعالى) وكان في يد أحدٌ ما آنذاك شجيرة صغيرة فينبغي عليه أن يقوم بغرسها وزراعتها ما دام أنه في استطاعته ذلك -وذلك على الرغم من عدم إمكانية الاستفادة بها آنذاك-، حيث ينبغي على الإنسان أن يجتهد ويعمل حتى آخر لحظة في حياته مبتغيا في ذلك مكافئة الله سبحانه وتعالى له ورضاه عليه، فالله تبارك وتعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) [سورة الكهف: 30]
ونختم هذه النقطة بالإشارة إلى:
أ- نماذج من التعاليم الإسلامية التي تسمو وترتقي بالعلاقات الاجتماعية وتعمل على تَنْميتها.
1- المبادرة بالتحية والسلام
- يقول النبي محمد : "إنَّ أَوْلَى النّاس بِالله مَنْ بَدَأهُم بالسَّلام" [رواه أبو داود]
- عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأل النبي : أي الإسلام خير؟ قال:  "تُطْعِم الطّعام وتَقرأ السَّلام (تقول تحية السّلام) علَى مَنْ عَرَفْت وعلى مَنْ لم تَعْرف"  [رواه البخاري]
2- الاهتمام بالجيران وزيارتهم وتحيتهم.
- يقول النبي محمد : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ " [رواه مسلم]
3- التهادي من أجل نشر الودّ ولحبّ والألفة بين صفوف المجتمع
 - يقول النبي محمد : "تَهَادُوا تَحَابُّوا"  [رواه البخاري]
4- الأسلوب الحسن في الضَحك والحرص على عدم إصدار صوت عال من خلاله.
- يقول الله تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)  [سورة الأحزاب: 21]
فلقد كان غالب ضَحِك النبي محمد  هو التبسُّم، وكان إذا عظُم سروره (لأمر ما) ضحك في سكينة ووقار من غير صوت عال.   
5- الحثّ على حسن مقابلة الاخرين بوجه بشوش مبتسّم لإدخال البهجة والسرور على قلوبهم.
لقد كان النبي محمد  دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب، كريم النفس.
- يقول عبد الله بن الحارث: "ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله " [رواه الترمذي]
فعلى الرغم من كثرة انشغال النبي محمد  في أمور الدعوة إلى دين الله تعالى (الإسلام) ومع ما كان يعانيه ويقاسية من اضطهاد وحروب من أعداء الإسلام (آنذاك) إلا أنه لم يمنعه  ذلك من أن يعمل على إدخال البهجة والسرور في قلوب أصحابه، حيث كان  معتادا على البِشْرِ والتبسّم في وجوههم وعند ملاقاتهم.  
- ويخبر الصحابيّ جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن حال النبي محمد  كُلّما رآه، فيقول: "..ولا رآني إلا تبسَّمَ () في وجهي" [رواه مسلم]
- يقول النبي محمد : "تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صَدَقَة" [رواه الترمذي]، فالإسلام يجعل جميع من تحت مظلّته أخوة لبعض.
فبالبِشْر والتَّبَسّم يكون الأمل والعمل لغَدٍ ومستقبل أفضل.
ب- التعاليم الإسلامية في كيفية التطهّر لأداء العبادة (الصلاة).
-إن التطهّر وفقا للتعاليم الإسلامية يكون من خلال:
1- غسل اليدين، 2- المضمضة (بإدخال قليل من الماء في الفمّ وتحريكه وإدارته فيه كاملا ثم إخراجه ثانية لتطهير الفمّ من الداخل)، 3- الاستنشاق (بإدخال القليل من الماء إلى داخل الأنف ثم إخراجه مندفعا لتطهير الأنف من الداخل)،       4- غسل اليدين إلى المرفقين، 5- مسح شعر الرأس، 6- غسل الأذُنَيْن، 7- غسل الرجلين إلى الكعبين.
مما سبق يتبيّن عِظَم تعاليم الإسلام السامية ومبادئه الرفيعة في مجال التربية والأخلاق والعلم والعمل.
فبالدعوة إلى التَحَلّي بالأخلاق الحميدة والمعاملات الكريمة وتطهير النفس وتزكيتها، وبالدعوة إلى العلم والمعرفة، وبالدعوة إلى البَذْل في العمل وحُسْن إتقانه تحصل النهضة والتقدم ويكون الرِقِيّ والتحضّر للأمم والشعوب.

*******

 

 

 

 
الإسلام وكيفية حَلِّه للمشاكل الرئيسية (القديمة والمعاصرة)
لقد دعا الإسلام إلى المنهج الربّانيّ القويم الذي به تستقيم حياة البشرية كافة، ومن ثم فقد عمل الإسلام على تقديم الحلول النموذجية لكافة أنواع المشاكل الرئيسة القديمة والمعاصرة، ونموذج ذلك:
1-    مشكلة الرِقّ والعبودية:
لقد جاء الإسلام وقد كانت تجارة الرقيق (العبيد) سائدة في كثير من المجتمعات (إن لم يكن كلها أو أغلبها) ولكنها (تجارة الرقيق) كانت منتشرة بشكل كبير في المجتمع العربي قديما، وقد عمل الإسلام على حلّ هذه المشكلة بحكمة بالغة، فلم يأت الإسلام بالتحريم لها (تجارة الرقيق) مباشرة حيث إن تجارة الرقيق آنذاك تُعدّ مصدرا رئيسيا لدخل الكثير من الناس إضافة إلى كوْنه يُعدّ رأس مال لهم، فكلما زاد عدد الرقيق (العبيد) المملوك لشخص ما كلما زاد رأس ماله حيث يمكنه بَيْعهم مستبدلا إياهم بالمال، والإسلام لم يأت ليحْجِر على الناس أموالهم ويحرمهم منها، ومن ثم فقد تعامل الإسلام مع هذه الظاهرة المنتشرة والعادة المتأصلة بحرص شديد وعناية فائقة وحِكْمة بالغة، وذلك من خلال الآتي:
أ- لقد جعل الإسلام عتْق الرقبة المؤمنة (بأن يُجعل العبد المملوك حُرّا) كفّارة لأنواع عديدة من الذنوب، بمعنى أن الإنسان الذي يقع في مثل هذه الذنوب فيُشترط عليه للتوبة منها أن يَعْتِق رَقَبَة (أن يقوم بتحرير نَفْس مَمْلوكة) إذا كان ذلك في استطاعته وقُدْرته، فإذا كان يملك رقيقا (عبيدا) فإنه يقوم بالإعتاق منهم وإذا لم يكن لديه رقيق ويملك المال فإنه يقوم بشراء أحد الرقيق (العبيد) ويجعله حُرّا، وذلك توْبة من الذنب الذي وقع فيه وفقا لما أمر به الإسلام.
ب- أن الإسلام قد قام بترغيب المسلمين في إعتاق الرقاب (تحرير العبيد) موضحا عظيم أجر الله تبارك وتعالى ومكافئته لمن يسارع في إعتاق الرقاب وتحريرها من العبودية، فلقد قال النبي محمد :
"مَنْ أعْتَق رَقَبَة مُؤمنة أعتَق الله منه بكل عُضْوٍ منه عُضْوا مِن النار.. " [رواه البخاري].
 أي أن الله تبارك وتعالى يكافئه بالنجاة من النار يوم القيامة والفوز بالجنة ونعيمها الدائم المقيم.
ومن ثم فقد قام أصحاب النبي محمد  الذين تَرَبُّوا على تعاليم الإسلام السامية بإعتاق الرقاب التي في أيديهم رغبة في الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى، بل إن من أصحاب النبي محمد  من كان يقوم بشراء العبيد دافعا في ذلك المال الكثير من أجل إعتاقهم وتحريرهم ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى.
ومن ثم فقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة وحلّها بحكمة بالغة.
2- مشكلة الانتحار: لقد عمل الإسلام على حلّ هذه المشكلة من خلال علاج الأسباب المؤدية إليها، حيث إنَّ من أسباب هذه المشكلة:
أ‌-    الشعور بالتقصير والفشل.
لقد قام الإسلام بعلاج ذلك السبب المؤدي إلى انتحار الكثير بأن فتح لهم باب الأمل دائما مغلقا باب اليأس أبدا، حيث بيّن أن اليأس ليس من صفات المؤمنين (الذين آمنوا بالإله الخالق ووحدانية ألوهيته)، فالله تعالى يقول:  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)       [سورة الزمر: 53]

ويقول الله تعالى:... وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) [سورة يوسف: 87]
 فبيّن أن على المؤمن ألا ييأس من رحمة الله تعالى به ومغفرته له على تقصيره إذا رجع إليه تائبا، وألا ييأس من توفيق الله تعالى وتأييده له إذا لجأ إليه واستعان به، ومن ثم عليه أن يأمل دائما في رحمة الله تعالى وتوفيقه وتأييده، وأن يسعى وأن يحاول جاهدا مرة تلو المرة إلى أن يحقق هدفه ونجاحه مُبتغيا في ذلك رضا الله تبارك وتعالى عليه.
ولقد بيّن الإسلام أن حياة الإنسان كلها بما في ذلك عمله وسَعْيه ومحاولاته (وإن باءت بعدم التوفيق) في المضِيّ قدما نحو طريق الخير والنجاح تكون في صالحه وفي ميزان حسناته يوم القيامة،  وذلك عندما يضع الإنسان النيّة الحَسنَة الصالحة فيها مُبتغيا في ذلك رضا الله تبارك وتعالى عليه.
بمعنى: أن الإنسان إذا كانت نيته القلبية صالحة وخالصة لله سبحانه وتعالى ولم يُوفّق في سعْيه ومحاولاته للمُضِيّ قدما في طريق النجاح فإن من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله وإحسانه أنه يجعل كل هذا السَعْي وكل هذه المحاولات (الغير الناجحة) في ميزان حسناته يوم القيامة فيثيبه ويكافئه عليها، ويكون ذلك بسبب نيته الصالحة.
ومن ثم يكون ذلك باعثا على بثّ روح الأمل للسَعْي والاجتهاد في المحاولة مرة تلو المرة (حتى وإن باءت بالفشل) نحو تحقيق النجاح.
ب- ومن أسباب الانتحار: الشعور بعدم الجَدْوى من الحياة.
 ولقد قام الإسلام بعلاج ذلك السبب المؤَدِّي للانتحار بأن بيّن للإنسان الهدف من هذه الحياة التي يحياها والغرض منها وبصّره بأهميتها كوسيلة للفوز بحياة اخرى مُنَعّمة دائمة بعد الممات، فبالإيمان والأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة والمعاملات الكريمة وبحسن تعمير الأرض في الحياة الدنيا القصيرة يكون الفوز بالدرجات العالية في جنات النعيم الدائمة في الآخرة.
ج- ومن أسباب الانتحار: المشاكل النفسية الناتجة عن قِلّة التعامل والودّ بين الأشخاص، وتفضيل العيْش في العالم الافتراضي والخيالي عن العيْش في العالم الحقيقي، حيث يرى أن العالم الافتراضي أفضل وأكثر راحة من العالم الحقيقي.
ولقد قام الإسلام بعلاج هذه المشاكل النفسية والرغبة في العيْش في العالم المثالي النموذجي الذي يجد الإنسان به كل ما يأمل فيه (من حياة كريمة وراحة ورَغد عيْش...) من خلال ما وعد به المؤمنين (الذين آمنوا بالإله الخالق ووحدانية ألوهيته) الصالحين من حياة أخرى دائمة إثر (بعد) الحياة الدنيا القصيرة، حيث يُنَعّم المؤمنون في جنّات الخلود نعيما أبديا كمكافئة من الله تبارك وتعالى لهم على إيمانهم به وعبادتهم وطاعتهم له (بتنفيذ اوامره واجتناب نواهيه)، فالله تعالى يقول:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) [سورة الكهف: 107-108]
ومن طاعة الله تعالى ألا يقوم الإنسان بالانتحار وقتْل نفسه لأي سبب من الأسباب، فالله تعالى يقول:
..وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) [سورة النساء: 29]
"..وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.. (195) [سورة البقرة: 195]
ومن ثم يُصَبّر الإنسان نفسه على تحمّل ما يُعانيه ويقاسيه في تلك الحياة الدنيا القصيرة الفانية بما وعده الله تبارك وتعالى من حياة أخرى طويلة باقية يجد فيها كل ما يرغب ويأمل فيه من حياة كريمة رَغْدَة مُنَعّمة.
3- مشكلة الخمر والمخدرات وما ينتج عنهما من سلبيات ومخاطر ومشكلات:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة وحلِّها من خلال تعاليمه السامية التي توجب وتأمر بالحفاظ على نعمة العقل وتَنهى وتُحَرِّم كل ما يكون سببا في ذهابه وغيابه كالخمر والمخدرات..، ومن ثم تجَنُّب ما ينتج عنهما من سلبيات ومخاطر ومشكلات، حيث إن مما يميز الإنسان عن غيره من كثير من المخلوقات الأخرى نعمة العقل وبدونها نجد أن الإنسان يتصرف كالبهائم والحيوانات، فلا رابط أو تقييد لتصرفاته وأفعاله، بل إنه قد يرتكب أخطر أنواع الجرائم والمنكرات  (مِنْ قتْل وسرقة وزنا واغتصاب واعتداء..) وهو غير مدرك لذلك.
- ومن ثم فقد قال النبي محمد : "لا تَشْرب الخَمْر فإنها مفْتاح كُلّ شَرّ" [رواه بن ماجة]
- ويقول النبي محمد : "لَعَن الله الخَمْر وشَاربها وسَاقِيها وبَائِعها ومُبْتاعها وعَاصِرها ومُعْتَصرها وحَامِلها والمَحْمولة إلَيْه" [رواه أبو داود]
- ويقول النبي محمد : "كُّل شَرابٍ أسْكَر فهو حَرام" [رواه البخاري]
ولقد قام الإسلام بالتشديد على حُرمة الخمور والمخدرات..لخطورة ما ينتج عنهما من آثار سلبية، حيث نهى عن شُرْب أو تعاطي أي شيء يؤدي كثرة تناوله إلى ذهاب وغياب العقل، فلقد قال النبي محمد :
"مَا أسْكَر كَثِيره فَقَلِيله حَرام" [رواه الترمذي].
 ومن الحكمة في ذلك: أن شُرْب وتناول القليل يؤدي إلى شُرْب وتناول الكثير ويكون سببا في إدمانه وصعوبة القدرة على الاستغناء عنه.
وإضافة إلى ما أشرنا إليه، فإن الخمر تؤدي إلى الكثير من الأمراض الخطيرة التي تصيب الإنسان.
ومن ثم فقد عمل الإسلام على إغلاق الباب المؤدي إلى إيذاء النفس وإفساد العقل وانتشار الرذيلة في المجتمع بشكل نهائي.
 فالله تعالى يقول: .. وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ.. (157) [سورة الأعراف: 157].
4- مشكلة البطالة:
لقد عمل الإسلام على حلّ هذه المشكلة من خلال حثّه على استخدام كل ما توفر للإنسان من أسباب للعمل والاجتهاد ومحاولة استغلالها استغلالا أمثلا وإن كانت بسيطة وقليلة، وذلك بعد التوكّل على الله تعالى (القدير الرزاق) والثقة واليقين فيه والاعتماد عليه واللجوء إليه ودعاءه بأن يبارك له في ما تيسّر له من أسباب وييسّرها عليه، فالله تعالى يقول:
 ..وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) [سورة إبراهيم: 12]
ولقد حثّ الإسلام الإنسان على أن يعتمد على نفسه (بعد توكله على الله تعالى القدير الرزّاق) وألا يركن وألا يعتمد على غيره، ونموذج ذلك:
روى أصحاب السنن من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-: " أن رجلا من الأنصار أتى النبي  يسأله (يطلب منه ليعطيه ويساعده) فقال له النبي : "أمَا في بَيْتك شَيء ؟" قال: بلى، حِلْسُ (كساء غليظ) نلبس بعضه ونبسُط بعضه وقَعْب (إناء) نشرب فيه الماء، قال: "ائْتِني بهِما"، فأخذهما رسول الله  وقال: "مَنْ يشْتَري هَذَيْن؟" قال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال : "مَنْ يَزِيد على دِرْهم؟" مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما  إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال : "اشْتَر بأحَدِهما طَعامًا وانْبذه (أعطه) إلى أهْلك، واشْتَر بِالآخَر قَدُوما (فأسا) فائْتِني به.. " فشدّ فيه رسول الله عودا بيده ثم قال: "اذهب فاحتطب وَبِعْ.. ولا أرينًّك خمسة عشرة يوما"، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاءه وقد أصاب دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال : "هذا خَيْرٌ لَك .." [رواه أبو داود].
ومن ذلك الحديث النبوي الشريف يتبيّن كيف عمل النبي محمد  على مساعدة هذا الرجل بطريقة نموذجية فعّالة، حيث قام  بتحويل ذلك الرجل من سائل قد يَظلُّ طلبه من الناس متكررا (نظرا لاحتياجه وعدم عملِه في أي مِهْنة تكون سببا في جَلْب الرزق له) إلى عامل منتج يبيع ويشتري ولا يحتاج إلى مساعدة الناس بعد ذلك، وذلك بعد أن اختار له  مشروعا مناسبا يلائم ظروفه المادية والبدنية والعقلية، ومن ثم لا يكون الرجل عِبْئا على المجتمع بعد ذلك، بل يكون عنصرا فعّالا فيه مفيدا له يقتدي الناس به.
ولقد قال النبي محمد : "لأَنْ يأخُذْ أحَدُكم حَبْلَه فيأتي بِحِزمة الحَطَب على ظَهْره فيبيعها فيَكُفّ الله بها وَجْهَه خَيْر له مِنْ أن يسْأل النَّاس أعْطُوه أو مَنَعُوه" [رواه البخاري].
فمع التوكل على الله تعالى والمداومة على العمل البسيط الذي توفّر للإنسان وإتقانه والجدّية في الأخذ بأسبابه فإن الله تبارك وتعالى يبارك في هذا العمل البسيط وينمّيه ويجعل منه الرزق الطيب الواسع، ليس ذلك فحسب بل إن الله تبارك وتعالى يكافئ هذا الإنسان بأن يحبه ويرضى عنه ويدخله جنته ودار نعيمه بعد مماته (يوم القيامة)، ويوضح ذلك:
ولقد ورد في الأثر أنَّ النبي محمدا  قد صافح رجلا فوجد يدَ الرجل خَشِنة من آثار العمل اليدوي، فقال : "هذه يَدٌ يُحِبّها الله ورسُوله"
ولقد قال النبي محمد :  "التَّاجر الصَدُوق الأمِين مع النَّبِيين والصِّدِّيقين والشُّهَداء (أي أنه في أعلى درجات الجنة)" [رواه الترمذي]
ومن ثم فإنه تبعا لما حثّ عليه الإسلام ورغّب فيه من حُسْن التوكل على الله تبارك وتعالى وحُسْن استخدام واستغلال كل ما توفّر للإنسان من أسباب العمل والاجتهاد يكون (الإسلام) قد قدّم للإنسان الدعْم المعنوي والدّعم الحِسّي ليُقْدِم على العمل وألا يَبْقى عاطلا.
هذا بالإضافة إلى أن الإسلام قد حثّ على التعاون والتضامن والتكافل بشتى صوره بين مختلف طبقات المجتمع للعمل معا على المضيّ قدما في طريق النهضة والرخاء.
5- مشكلة الفقر:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة من خلال:
أ- لقد حث الإسلام على التكافل الاجتماعي وإخراج الصدقات للفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمحتاجين، ورغّب في ذلك بشدة، حيث بيّن أن الله تبارك وتعالى يكافئ على هذا العمل أجرا كبيرا وثوابا عظيما، فالله تعالى يقول:
 إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) [سورة التوبة: 60]
ويقول الله تعالى:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) [سورة البقرة: 262]
ويقول النبي محمد :"أنا وكَافِل اليَتيم في الجَنّة كهَاتَيْن (يعني: في أعلى درجات الجنة) وأشَار بِأصْبَعَيْه (يعني السبابة والوسطى)" [رواه الترمذي]
ويقول النبي محمد : "عَلَى كُلّ مُسْلِم صَدَقة"، قيل: أرأيت إن لم يجد، قال : "يَعْتَمل بِيَدَيْه فينْفع ويتَصَدّق"، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال : "يُعِين ذا الحَاجَة المَلْهوف"، قيل له أرأيت إن لم يجد؟ قال : "يأمُر بالمعْروف أو الخَيْر"، قال: أرأيت إن لم يفعل، قال : "يُمْسِك عَن الشَرّ فإنها صَدَقة" [رواه البخاري]
ب- لقد فرض الإسلام الزكاة على أموال الأغنياء تجاه الفقراء والمحتاجين ورغّب في إخراجها وبَيَّن عظيم أجرها وثوابها عند الله تعالى يوم القيامة، حيث إن الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله سبحانه وتعالى هو المالك للمال ولكل شيء وهو الرازق به عباده، ولذا فإنه سبحانه وتعالى هو من له الحقّ وحده في تنظيم قضية التملّك للمال ولكل شيء وكيفية توزيع الحقوق فيها للفقراء والمحتاجين..إلى غير ذلك من مصارف الزكاة وفقا لكمال حكمته ومشيئته سبحانه وتعالى.
ومن ثم فقد أمر الإسلام الأغنياء الذين بلغت أموالهم قيمة معينة (من ذهب أوفضة أو أوراق مالية أو أنعام وبهائم أوحبوب وثمار ومعادن..) ومرّ عليها وقت معيّن (كما في الذهب والفضة والأوراق النقدية) من غير أن تُسْتَثْمر في أي نشاط نافع للفرد والمجتمع بإخراج نِسْبة مُعَيَّنة منه لتُنْفَق على الفقراء والمساكين والمحتاجين...من خلال مؤسسة مُنَظَّمة مُخْتَصَّة بهذا النشاط، حيث تقوم بتوزيع هذا المال عليهم بِنِسَب مختلفة مناسبة تبعا لضرورة الحاجة وبقدر ما يَسدّ ويقضي حاجة الفقير والمحتاج، واستثمار هذا المال في المشروعات التي يعود عائدها وربحها بالكامل على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
وإذا تم تطبيق هذا النظام الذي وضعه الإسلام لعلاج هذه المشكلة بعناية وإحكام وفاعلية من خلال جهات مُخْتَصة فسوف نجد الآثار الإيجابية له من حيث الحَدّ من هذه المشكلة والتقليل منها بشكل ملحوظ بَيِّن إلى أن يتم علاجها بشكل نهائي، كما حدث قديما في عهد خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز حيث بمرور الوقت والتنظيم الفعّال قد فاض المال ولم يجد فقراء أو محتاجين لتوزيع هذا المال الفائض عليهم، فأمر بتوزيعه على كل من يريد الزواج ويسعى فيه (وذلك اهتماما بالشباب والفتيات وحفاظا على المجتمع بأسره من انتشار الفاحشة والرذيلة).  
6- مشكلة الزنّا (العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة):
إن الزنا من المشاكل التي يترتب عليها مفاسد كبيرة للفرد والمجتمع حيث تتسبَّب في اختلاط الأنساب وضياعها ونشأة العداءات المؤدِّية إلى القتل. ومن ثم عدم استقرار المجتمع، ولذا فقد قام الإسلام بــ:
أ-الترغيب في الزواج الشرعي الذي أحلّه الله تبارك وتعالى والعمل على تَيْسير نفقاته وتكاليفه وعدم المُغالاة في المهور..(إلى غير ذلك من تيسيرٍ لجميع مُعَرْقلات الزواج) تشجيعا وتحفيزا لتكوين الأسرة الطيبة التي من خلالها تكون العلاقة الشرعية (التي أحلّها الله تعالى) بين الرجل والمرأة وتوجيهها في مسارها الصحيح، ومن ثم نشأة الجيل الصالح (العامل على نهضة مجتمعه) والمحافظة على استقرار المجتمع.
ومن أحاديث النبي محمد  التي تُرَغِّب في الزواج الشرعِيّ وإقامة العلاقة الشرعيّة المُحَلّلة بين الرجل وزوجته:
يقول النبي محمد : "..وفي بُضْعِ أحَدِكُم صَدَقة –يعني: أنّ في جماع الرجل لزوجته أجرًا وثوابا من الله تعالى- قالوا (الصحابة): يا رسول الله، أيأتي أحدنا شَهْوته ويكون له فيها أجر؟! قال : "أرَأَيْتُم لَوْ وَضَعَها في حَرَام أكَان عَليْه وِزْر -الجواب: نعم-، فَكَذلك إذا وَضَعها في الحَلال كان لَهُ أجْرًا" [رواه مسلم]
وها هو النبي محمد  يستخدم لغة الحوار العقلي المنطقي للإجابة على السائل، ومن ثم توضيح المعنى وتقريره وترسيخه.
ب- لقد قام الإسلام بِتَجْريم الزنا والنهْي عَنْ الاقتراب منه وعَنْ كل طريق يؤدي إليه، فالله تعالى يقول: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) [سورة الإسراء: 32]
ت- لقد قام الإسلام بالتشديد في عقوبة من يقع في هذه الجريمة المنكرة وكل من يعمل على نشر تلك الرذيلة في المجتمع.
ث- وأيضا، فلقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة وحلّها بحكمة بالغة وذلك من خلال لغة الحوار العقلي المنطقي، حيث يتبيّن ذلك من موقف النبي محمد  مع الشاب الذي جاء طالبا منه أن يُرخّص له في الزنا لعدم قدرته على ترْكه والاستغناء عنه، فعن أبي أمامة قال:
إن فتى شابا أتى النبي  فقال: يارسول الله ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال  "ادْنه -اقترب-" فدنا منه قريبا فجلس، قال : "أَتُحِبّه لأمِّك؟" قال (الشاب): لا والله جعلني الله فدائك، قال : "ولا النَّاس يحبُّونه لأمَّهاتِهم"، قال : "أفَتُحِبّه لابْنَتك؟" قال (الشاب): لا والله يا رسول الله جعلني الله فدائك، قال : "ولا النَّاس يحبُّونه لبنَاتِهم"، قال : " أفَتُحِبّه لأخْتِك؟" قال (الشاب): لا والله جعلني الله فدائك، قال : "ولا النَّاس يحبُّونه لأخَواتِهم"، قال : " أفَتُحِبّه لعَمّتِك؟" قال (الشاب): لا والله جعلني الله فدائك، قال : "ولا النَّاس يحبُّونه لعمّاتهم"، قال :" أفَتُحِبّه لخالَتِك؟" قال (الشاب): لا والله جعلني الله فدائك، قال : "ولا النَّاس يحبُّونه لخَالاتهِم"، ثم وضع النبي  يده عليه فقال: "اللهُمَّ اغْفِر ذَنْبَه وطَهِّر قَلْبَه وحَصِّن فَرْجَه" فلم يكن بعد ذلك الفتى يَلْتَفِت إلى شيء.[رواه الإمام أحمد]
ومن ثم يتبيّن كيف قام النبي محمد  بعلاج هذه المشكلة وحلّها بتلطّف ولين ورِفْق وبحِلْم وحكمة بالغة، وذلك من خلال الحوار العقلي المنطقيّ والحجّة الدامغة والدعوة الطيبة، وذلك ترسيخا للأخلاق الحميدة والمعاملات الكريمة التي جاء بها الإسلام حفاظا على الفرد وحفاظا على استقرار المجتمع والرقيّ به إلى مجتمع فاضل قائما على أُسُسٍ من الخير والحقّ والفضيلة.
7- مشكلة قِلّة ونقْص المواليد الناتجة عن عزوف الشباب والفتيات عن الزواج، ومن ثم نقص القوة البشرية العاملة والمُنْتِجة في كثير من البلدان:
لقد قام الإسلام بعلاج هذه المشكلة من خلال:
أ- أن الإسلام قد عمل على توجيه مسار شهوة الإنسان في مسارها الصحيح ومن ثم خلافة الإنسان بعضه بعضا في عمارة الأرض وذلك من خلال التزاوج والتناسل الشرعي الذي أحلّه الله تبارك وتعالى، فلقد قال النبي محمد :
"يا مَعْشَر الشَّباب ، مَن اسْتَطاع مِنْكم البَّاءَة (المسكن، ويعني: المقدرة على توفيره) فَلْيَتَزَوَّج.." [رواه البخاري]
وقال النبي محمد: "تَنَاكَحُوا تَناسَلُوا تكَاثروا.." [رواه البيهقي]
ب-أن الإسلام قد حثّ على تسهيل أمر الزواج للشباب والفتيات وتيسير نفقاته على مختلف طبقات المجتمع تشجيعا وتحفيزا لإقامة البيت المسلم القائم على تطبيق التعاليم الإسلامية السامية والتوجيهات والمبادئ الرفيعة ومن ثم صلاح الفرد واستقرار وازدهار المجتمع، فلقد قال النبي محمد :
"أعْظَمُ النِّساء بَرَكَة أيْسَرَهُنَّ مَئُونَة (تكلفة)" [رواه أحمد]
ت- لقد فتح الإسلام بابا جديدا للترغيب في الزواج لكل من الشباب والفتيات، ويمكن إيضاح ذلك على النحو التالي:
قد لا يتوفر لكثير من الشباب المال اللازم لتوفير حياة رغدة سهلة، وذلك بسبب أسباب خارجة عن إرادته (مثل قلة فرص العمل المتاحة، انخفاض قيمة المرتبات والأجور وارتفاع تكاليف المعيشة...إلى غير ذلك من أسباب)، ومن ثم فقد قام الإسلام بتقديم إحدى أنواع العلاج لهذه المشكلة وذلك: بأن رغّب في الزواج من الشباب الدَيِّن صاحب الخُلُق الحميد العامل بتعاليم دينه (الإسلام)، ومن ثم فقد حث الإسلام على التغاضي عن كثير من مُعَرْقلات الزواج الخارجة عن إرادة الشباب شرط أن يُصْلح الفرد (الشاب) من نفسه وحاله وخلقه وأن يكون صاحب دِيِن (عاملا بالتعاليم السامية للإسلام) وخلق رفيع (وهذا في متناول واستطاعة جميع الشباب)، فلقد نصح النبي محمد  من وَلِيَ أمور زواج الفتيات قائلا:
"إذا جَاءَكُم مَنْ تَرْضَوْن دِينَه وخُلُقَه فَزَوِّجُوه إلَّا تَفْعلوه تَكُن فِتْنَة في الأرْضِ وفَسَاد كَبِير "[رواه الترمذي]
•    وكذلك الأمر بالنسبة للفتيات، حيث قال النبي محمد :
"الدُّنْيا متَاع وخَيْر مَتَاع الدُّنْيا المَرْأة الصَّالحَة" [رواه مسلم]
ويقول النبي محمد :"تُنْكَحُ المَرْأة لأرْبَع: لِمَالها ولحَسَبِها ولجمالها ولدِينِها، فَاطْفَر بِذَاتِ الدِّين..." [رواه البخاري]
وكما هو معلوم فإن النساء يتفاوتن بالنسبة لهذه الأمور الثلاث (المال والحَسَب والجمال) الخارجة عن إرادتهن حيث إنه ليس في أيديهن شيئا حيال تلك الأمور الثلاث.
ومن ثم فقد فتح الإسلام بابا جديدا رغّب من خلاله الزواج من المرأة التي لا تملك حظا وافرا من الأمور الثلاث التي أشرنا إليها، حيث قال  "فَاطْفَر بِذَاتِ الدِّين".
أي أن النبي محمد  قد أعطى الأفضلية للرأة الصالحة الديّنة العاملة بتعاليم دينها (الإسلام) صاحبة الخُلُق الحميد (وهذا الأمر هو في متناول واستطاعة جميع النساء، حيث يمكن للمرأة أن تعمل على أن تُصْلح من خُلُقها وأن تتحلّى بالأخلاق الحميدة الكريمة).
ومن ثم فقد قام الإسلام بتقديم الحلول النموذجية لعلاج هذه المشكلة وحَلِّها من خلال الدعوة إلى إصلاح الشباب والفتيات والتّحلّي بالأخلاق الحميدة الكريمة ونشر الخير والفضيلة بين صفوف المجتمع.
8-    مشكلة التفكك الأسري:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة بأكثر من وسيلة، ومنها:
أ- أن الإسلام قد عمل على توثيق العلاقة بين الرجل وزوجته وتقليل فرص النزاع والخصام والطلاق بينهما، ومن ثم المحافظة على الكيان الأسري بما في ذلك من محافظة على الأبناء وحُسْن تربيتهم.
ب- لقد بيّن الإسلام عظيم المسئولية التي تقع على كاهل الآباء والأمهات تجاه الأبناء من حيث الالتزام بجميل رعايتهم والمساواة بينهم وحُسْن تنشأتهم والتخطيط لمستقبل واعد لهم.
فلقد قال النبي محمد : "كُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْؤول عَنْ رَعِيَّته والأمِير رَاعٍ، والرجل رَاعٍ على أهَلِ بَيْتِه، والمَرْأة رَاعِيَة على بَيْتِ زَوْجِها وَوَلَدِه، فَكُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْؤول عَنْ رَعِيَّته" [رواه البخاري ومسلم]
- وقال :" فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" [رواه البخاري]
- وقال : "أكْرِمُوا أوْلادَكُم وأحْسِنُوا أدَبَهُم" [رواه ابن ماجة]
- وقال : "حَقُّ الوَلَدِ على الوَالِد أنْ يُعَلِّمه الكِتَابَة ...." [رواه البيهقي]
فالزوج أو الأب راع في بيته، وكذلك الزوجة أو الأمّ راعية في بيتها.
ت- ولقد أمر الإسلام الأبناء بحُسْن معاملة الآباء والأمهات وطيب معاملتهم لهم لعظيم فضلهم (الآباء والأمهات) عليهم، فالله تعالى يقول:
 وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)  [الإسراء: 23-24]
ث- ولقد حثّ الإسلام على حسن معاملة الأبناء (الأخوة والأخوات) لبعضهم البعض وسلامة الصدر وطيب النفس تجاه بعضهم البعض وإزالة الحقد والضغينة من بينهم، ويتبيّن ذلك (كنموذج) من خلال ما قَصَّه القرآن الكريم من قصة طويلة لنبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته (حيث يؤخذ منها الكثير من الدروس المستفادة والعظات والعِبَر لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الأخوة وبعضهم البعض)، ولا شك ان ذلك أيضا يتأتى تبعا وكنتيجة لما ألزم الإسلام به الآباء من مسئولية تجاه حُسْن تربية وتنشأة الأبناء.
ومن خلال العلاقة الطيبة التي نظّمها الإسلام بين الرجل وزوجته وبين الروابط الأسرية التي أنشاها بين الرجل وزوجته وبين الآباء والأبناء وبين الأبناء وبعضهم البعض يكون الكيان الأسري القويّ الغير قابل للتفكك.
9- مشكلة الطلاق:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة من خلال:
أ‌-    أنه (الإسلام) قد حَثَّ الرجل وأمْره بحُسن عشرة زوجته وأداء حقوقها.
فلقد قال النبي محمد :
"خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهْلِه، وأنَا خَيْرُكُم لأهْلِي" [رواه الترمذي]
ب- أن الإسلام قد حَثِّ المرأة وأمرها بحسن عشرة زوجها وأداء حقوقه.
فلقد قال النبي محمد :
"إذا صَلَّت المرأةُ خَمْسَها و صَامَت شَهْرها و حَصَّنَت فَرْجَها وأطَاعَتْ زَوْجَها قِيل لها: ادْخُلي الجنَّة مِنْ أي أبْواب الجَنَّة شِئْت" [رواه بن حبان وصححه الألباني]
ت- أن الإسلام قد نهى عن ظلم الرجل لزوجته في حال كرهه لها، ليس ذلك فحسب بل إن الإسلام قد حثّ الرجل على أن يتمسك بزوجته في حال كرهه لها وكذلك المرأة بأن تبقى مع زوجها في حال كرهها له بأسلوب بديع، فالله تعالى يقول: .. وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19) [النساء: 19]
بمعنى: أنه كوْن أن الإنسان لا يعلم الغيب، فقد يكون الخير في الشيء الذي يكرهه الإنسان.
ث- أن الإسلام قد حثّ على إصلاح ذات البَيْن، وبَيّن أن إصلاح ذات البَيْن لاسيما (خاصة) بين الرجل وزوجته (في حالة نزاعهما وخصومتهما) من أفضل الأعمال التي يُتَقَرّب بها إلى الله تعالى للفوز برضاه وبمكافئته له التي أعدّها له يوم القيامة (الجنّة بما فيها من نعيم دائم مقيم)، فالله تعالى يقول:
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) [النساء: 35]
ويقول الله تعالى:
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) [النساء: 128].
ويقول الله تعالى:
.. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1) [الأنفال: 1]
ويقول النبي محمد :
"ألا أُخْبِركُم بأفْضَل مِنْ دَرْجة الصِّيام والصَّلاة والصِّدق؟ قالوا: بلى! قال: إصْلاحُ ذَاتِ البَيْن.. " [رواه الترمذي]
ومن ثم، فإن الإسلام بذلك يكون قد عمل على تقليل فرص النزاع والخصام والطلاق بين الرجل والمرأة مع تأسيسه لضوابط التعامل الطيّب بين الرجل وزوجته كعلاج لهذه المشكلة.
10- مشكلة العنصرية:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة وحلّها من خلال:
أ- أنه (الإسلام) قد قام بتأصيل وترسيخ مبدأ المساواة بين الجميع من مختلف الأجناس والطبقات وأنه لافضل لأحد على الآخر إلا بإيمانه بالله تعالى وتقواه له وبحُسْن خُلُقه وعمله الصالح، فالله تعالى يقول:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  [الحجرات: 13]
: - ويقول النبي محمد  
"أيُّها النَّاس، ألَا إنَّ ربّكم واحِد، وإنَّ أباكُم واحِد (آدم، الأب الأول لجميع البشر)، ألَا لا فَضْل لِعَرَبِيّ على أعْجَمِيّ، ولا لأعْجَمِيّ على عَرّبِيّ، ولا لأسْوَد على أحْمَر، ولا لأحْمَر على أسْوَد إلا بالتَّقْوى، إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم، ألا هل بلَّغتُ؟، قالوا : بلى يا رسول الله، قال:   فليُبلِّغِ الشَّاهدُ الغائب" [رواه أحمد]
- ويقول النبي محمد: "إنَّ الله لا يَنْظُر إلى أجْسَادِكُم ولا إلى صُوَرِكم ولكِنْ يَنْظُر إلى قُلُوبِكُم" [رواه مسلم]
ب- أن الإسلام قد قام بتشريع العبادات الهادية التي من خلالها نجد أفضل تطبيق لمبدأ المساواة بين مختلف فئات المجتمع وشتى أجناس العالم، ونموذج ذلك:
عبادة الصلاة: حيث يقف الجميع متساوون في صفّ واحد وصفوف متتالية ومتوازية ومتساوية (بعد اكتمال كل صف بالمصلين)، الرئيس بجانب المرؤس والغني بجانب الفقير...مؤتمّين ومقتدين بإمام واحد (أثناء الصلاة)، ومؤدين هيئات واحدة ابتداء من أول هذه العبادة إلى نهايتها.
عبادة الحجّ: حيث يلتقي المسلمون على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم من مختلف أنحاء العالم (تبعا لمَقْدِرَتهم الجسدية والمالية) لتأدية مناسك واحدة، ومن ثم تأصيل مبدأ التَّوَحُّد ونَبْذ التفرقة والعنصرية.
11- مشكلة العنف والإرهاب:
لقد عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة من خلال:
أ‌-    التعاليمه السامية التي جاء بها داعية إلى مكارم الأخلاق وحسْن التعامل مع الآخرين من المسلمين وغير المسلمين.
فالله تعالى يقول: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)  [سورة فصّلت: 34]
- ويقول النبي محمد :    
"إنّ الله رَفِيقٌ يُحبّ الرِّفْق ويُعطي على الرِّفْق ما لا يُعْطي على العُنْف، وما لا يُعْطي على سِوَاه" [رواه مسلم]
- ويقول النبي محمد : "مَنْ أشَار إلى أخِيه بحَدِيدة فإنَّ الملائِكَة تَلْعَنُه وإنْ كان أخَاه لأبيه وأمِّه" [رواه مسلم]
- ويقول النبي محمد : "إنَّ الرِّفْق لا يكون في شَيْء إلا زَانَه ولا يُنْزَع مِنِ شَيْء إلإ شَانه (عابه)" [رواه مسلم]
ب- لقد قام الإسلام بالنهي عن قتْل النفس بغير حق والتشديد في حرمة الدماء، فالله تعالى يقول: ..أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا .. (32) [المائدة: 32]
(وقد أشرنا إلى ذلك في نقطة سابقة).
ت- أن الإسلام قد بيّن أن الدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدة كل البعد عن الغِلْظة أو ما يودي إلى العنف والإرهاب، فالله تعالى يقول:
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل: 125]
ث- أن الإسلام قد بيّن أنه لا إكراه لأحد في أن يدخل دينًا مُعيّنا، ولا إجبار لأحد على أن يعتقد اعتقادا بعينه، فالله تعالى يقول: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ..  (256) [البقرة: 256]
- ويقول الله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ..  (29) [الكهف: 29]
بمعنى أن الإسلام قد بيّن أن محاسبة الإنسان على اعتقاده الخاطئ إنما هو من قِبَل الله تعالى وحده.
ومن ثم يتبيّن أن الإسلام قد عمل على علاج هذه المشكلة من خلال ما جاء به من تعاليم سامية وتوجيهات رفيعة.
12- مشكلة زيادة التضخم:
التضخم هو مشكلة اقتصادية يقصد بها زيادة وارتفاع الأسعار لخِدْمة أو سِلْعة ما، ويكون ذلك نتيجة إحدى سببين، وهما:
أ- زيادة الطلب على خدمة أو سلعة ما يحتاجها الكثير من الناس مع قِلّة وفْرتها ونقْص المعروض منها لمواجهة الطلب، حيث إن المعروض منها لا يكفي لتغْطِيَةِ الطَلَب عليها ومن ثم يبدأ سعرها في الزيادة بفجوة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية، وكلما قَلَّ المعروض منها مع زيادة الطلب عليها يزداد سعرها أكثر فأكثر ولا يستطيع الحصول عليها والاستفادة منها إلا فئة قليلة من الناس وهم أصحاب الأموال.
وقد يكون ذلك بنسبة كبيرة بسبب القوى الاحْتِكَارية في منشآت السوق والأعمال التي تتحكم في المعروض من الخدمات أو السلع والتقليل منه بهدف زيادة الربح.
ولقد نهى الإسلام عن هذا الاحْتِكار وحرَّمه، حيث قال النبي محمد : "مَن احْتَكَر فهو خَاطِئ" [رواه مسلم]، ومعنى (فهو خاطئ): فهو عاصي وآثم.
ففي النظام الإسلامي فإن أسعار السلع تُعَبِّر عن تكلفتها الحقيقية مضافا إليها الربح العادل منها
ب- أو بسبب ارتفاع تكلفة الخدمة أو السلعة بسبب الفائدة الناتجة عن قروض الأموال التي تؤخذ من البنوك أو من أي جهة أخرى والتي تُرَدّ بفائدة وزيادة مالية عن أصل المال الذي تم اقتراضه، وهذه الفائدة المالية التي تُسَبِّب زيادة تكلفة الخدمة أو السلعة والتي سوف يتحملها في النهاية المستهلك سواء قَلَّت أم كَثُرَت تكون عِبْئًا على الفرد والمجتمع.
ويسمى الربح الناتج عن هذه الفوائد الناتجة عن الاقتراض بـ (ربا الديون) والذي قد نهى الإسلام عنه، فالله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (275) [سورة البقرة: 275]
وبيّن النبي محمد  أن الله تعالى قد لعن المُرابين والمتعاونين معهم، حيث قال : "لَعَنَ الله آكل الرِّبا ومُوكله وَكاتبه وشاهِدَيْه، وقال: هم سَوَاء" [رواه مسلم].
أي أن الله تعالى قد حَرَّم الربا وشدَّد في نهيه عنه.
ومن ثم فقد عالج الإسلام هذه المشكلة بتحريم أية فائدة ناتجة عن الاقتراض بصفة عامة سواء قلّت أم كثرت وجعْل الفائدة = صفر، وأجاز (الإسلام) القرض الحسن وهو الذي ليس من وراءه فائدة مرْجُوّة إلا ابْتغاء رضا الله سبحانه وتعالى وحثَّ عليه ورغّب فيه ، ومن ثم العمل على نشر روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.   
وبالإضافة إلى معالجة الإسلام لمشكلة التضخم من خلال تحريم الأسباب المؤدية إليه من احتكار وفوائد مالية ربوية فقد وضع حلّا آخرا لمعالجة تلك المشكلة، وهذا الحلّ هو من خلال أداء فريضة الزكاة التي أشرنا إليها سابقا والتي تعمل على تشجيع أصحاب الأموال بشكل غير مباشر على استثمار أموالهم في المشروعات المختلفة التي تؤدي إلى سرعة دوران رأس المال وانتعاش الحياة الاقتصادية.
كان ما أشرنا إليه نموذجا من المشكلات التي قد تعامل معها الإسلام بحكمة بالغة وعمل على علاجها وتقديم الحلول المثلى لها.
ومما أشرنا إليه يتبيّن المنهج الربّانيّ القويم الذي به جاء به الإسلام لتستقيم حياة البشرية كافة في شتى بقاع الأرض وفي مختلف الأزمنة.

                                                                         *******

 

 

 


                                  
 
ماذا بعد النهضة والتقدم، والرِقيّ والتحضر؟
أو بمعنى أدقّ ما الذي ينقص الدول العاملة على إحراز التقدّم وتحتاج إليه بعد ذلك كلّه لتُتَوّج به هذا التقدم وتحلّ من خلاله مشاكلها المعاصرة؟
إن ما نعنيه في هذه النقطة هو حديثنا عن الشعوب العاملة على إحراز التقدّم ومن ثم كلّ فَرْد على حدى حيث إنه هو المقوّم الأساسي والرئيسي لهذه الدول وبدونه لا تكون هناك مؤسسات ولا تكون هناك دولة، ولذا فإن التساؤل على حقيقته يكون على النحو التالي:
ما الذي يَنْقُص الفَرْد العامل عى إحراز التقدّم والرقيّ ويحتاج إليه ليُكَلِّل به مجهوده ونجاحه وليكون محفوظا له أجره ومُدّخرا له؟
ماذا بعد أن بذل الفرد جهده وأفنى حياته في سبيل رِفْعة وتطور دولته؟ ألا يستحق ذلك التقدير والتكريم؟
الجواب: بلى، ولكن يبقى التساؤل قائما: كيف وقد مضى عمره وفَنِيت (وانتهت) حياته؟
قد يقول قائل: إن التقدير والتكريم يكون من خلال توفير حياة كريمة للفرد في شتى أنحاء دولته، ولكن يُرَدّ على ذلك بأن التكريم بهذه الكيفية ليس كافيا وليس تكريما حقيقيا للإنسان (بصفة عامة) الذي ظل مُجِدّا مجتهدا طوال حياته وكان مُستعدا أتَمّ الاستعداد لأن يظلّ على هذا النحو من الجِدّ والاجتهاد إذا ما طال عمره ودامت حياته حيث إنه تكريم زائل بموت وانتهاء حياة صاحبه إضافة إلى أنه قد يفوت الكثير مثل ذلك التكريم لا سيما وأنّ الكثيرين منهم (وهم الأوائل) الَّذين قد بذلوا وضَحُّوا من أجل قيام دولتهم من جديد بعد معاناتها أثناء فترات الرّكود أو دمارها أثناء فترات الحروب لم يجْنوا ولم يحصدوا ثمرة جهدهم ومجهودهم من حياة مُنَعّمة كريمة إذ لم تكن دولتهم قد وقفت على أقدامها بعد كدولة متقدمة غنية أو قد يفوت الكثير مثل ذلك التكريم نظرا لقلّة دخْله مقارنة بمتطلبات معيشته أو نظرا لمعيشته في منطقة نائية بعيدة عن ما وصلت إليه كثير من المدن من تقدم ورفاهية في المعيشة أو نظرا لتعرضها لكثير من الظواهر الطبيعية المدمّرة كالفيضانات والبراكين والزلازل ..أو إلى غير ذلك، لذا فإن التكريم الحقيقي بالإضافة إلى التكريم في حياة الإنسان لا بد وأن يكون أيضا بعد مماته في حياة طويلة مستمرة لا تنتهي أبدا، فكما أن الإنسان كان مُجِدّا مجتهدا ومستعدا للاستمرار في بَذْله وجِدّه واجتهاده مهما طال عمره ودامت حياته فلا بد وأن يكون التكريم على جِدّه واجتهاده واستعداده للاستمرار في البَذْل والجِدّ والاجتهاد بحيث يكون مأخوذا في الحسبان النوايا القلبية الصالحة الحسنة الجميلة، ومن ثم يكون التكريم على حُسْن العمل مضافا إليه جميل وصلاح النيّة القلبية ويكون حُسْن الجِدّ والاجتهاد برهانا على حسن النوايا القلبية، وهذا من الفضل والحِكمة.
وهذا هو ما يقدّمه الإسلام للفرْد العامل على رِفْعة وتقدّم دولته (أيًّا كان نوعه وجِنْسه)، ولكن شرْط الإقرار والاعتراف والإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى ووحدانية ألوهيته ومن ثم عدم الإشراك به شيئا واتباع تعاليمه وعبادته في هذه الحياة الدنيا القصيرة التي يحياها الإنسان الذي كان على أَتَمِّ الاستعداد للبَذْل والجِدّ والاجتهاد واتباع تعاليم إلهه وخالقه (سبحانه وتعالى) وعبادته وطاعته في حياته الدنيا مهما طالت وإذا لم تنتهي، ومن ثم يكون تكريمه بعد موته من الله (تبارك وتعالى) في حياة مُنَعّمة طويلة باقية مستمرة بحيث لا تنتهي أبدا في جنّته ودار كرامته، وهذا هو وعْد الله تعالى في الإسلام لعباده المؤمنين الصالحين المصلحين.
ولقد أشرنا في النقاط السابقة إلى مفهوم الإسلام ودعوته إلى المعتقد النقي الصافي الذي يتوافق مع الفطرة التي خلق الله تعالى الإنسان عليها والذي به (المعتقد الذي دعا إليه الإسلام) تزكو وتسمو النفس البشرية، والذي يقدم الأجوبة المثالية النموذجية لكل ما يطرأ على العقل من تساؤلات حول قضية خلْق الإنسان وعلاقته بإلهه وخالقه، إضافة إلى ما جاء به الإسلام من تعاليم سامية ومبادئ رفيعة والتي تكون سببا في التقدّم والرِقِي والتحضّر وقت أن يُعمل ويُسْتمسك بها، إضافة إلى ما يتضمنه الإسلام ويقدمه من حلول جذرية ونموذجية لمختلف المشكلات الرئيسة القديمة والمعاصرة.
ومن ثم يكون التكريم الحقيقي من خلال الإسلام واتباع تعاليمه الغَرَّاء والعمل بما جاء به داعيا إليه.
ولذلك، نقول: إن ما ينقص الفرْد العامل على رِفْعة وتقدّم دولته (أيًّا كان نوعه وجِنْسه) في حياته القصيرة الفانية ويحتاج إليه ليُكَلِّل ويُتَوّج به بذْله ومجهوده ونجاحه هو الإسلام، بمعنى أن يكون مؤمنا بالله تعالى ووحدانية ألوهيته مُسْتَسْلما له ومُتّبعا لتعاليمه وأوامره، ومن ثم يُحْفَظ له أَجْر بَذْله وجِدّه واجتهاده الذي قام به في الحياة الدنيا ويُدّخر له بعد مماته في حياة مُنَعّمة طويلة باقية مستمرة لا تنتهي أبدا، وهي الحياة في جنّة الله (تبارك وتعالى) ودار كرامته.
وهذا هو التَتْويج والتكريم الحقيقي الدائم الذي لا يزول.

                                                                         *******

 

 

 

 

 


 
لماذا اختيار الإسلام دينا؟
وللإجابة على هذا التساؤل، نوضح:
•    أنّ الدين عند الله تعالى هو الإسلام، ويعني: الاستسلام والخضوع التام (عقلا وقلبا وروحا وجسدا) لله سبحانه وتعالى والامتثال لأوامره لله سبحانه وتعالى والامتثال لأوامره
فالإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله تعالى خلْقه عليها، فهو دين التوحيد الذي جاء يدعوا إلى الإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى ووحدانية ألوهيته، والذي جاء مُقدّما للأجوبة المنطقية النموذجية لكل ما يتفكر العقل البشري فيه ويتسائل عنه ويحتاج إلى إجابة له، ومن ثم فهو الدين الذي يقبله العقل الراجح الرشيد (وقد بيّنا ذلك في حديثنا عن: الإسلام ونور الاعتقاد).
•    أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يدعوا إلى الإيمان بجميع أنبياء الله تعالى ورسله والرفْع من قدرهم وشانهم وعدم ذمّ أو الانتقاص من أي منهم، ففي حين أننا نجد أن الأديان الأخرى المعاصرة قائمة على الإيمان ببعض الأنبياء والتكذيب بالبعض الآخر تبعا للأهواء والعصبيات (حيث إنه قد لا يؤمن قوْم بنبيّ أو رسول ما لكوْنه من غير بني جنسهم أو من غير بني قبيلتهم..وهكذا، فيكون ذلك سببا لرفْض دعوته ورسالته) فإننا نجد أن الإسلام لا يفرق بين أحد من أنبياء الله تعالى ورسله حيث يُلزَم الإيمان بهم جميعا والرفْع من قَدْرهم والتصديق برسالاتهم وأنّ آخر هذه الرسالات هي رسالة خاتم أنبياء الله تعالى ورسله محمد  الذي جاء بالإسلام دينا.
•    أن الكتاب السماوي الذي جاء به الإسلام (وهو القرآن الكريم) هو الكتاب الوحيد الذي تعهّد الله تبارك وتعالى بحِفْظه من الضياع أو التحريف وذلك لأنه ليس بعد النبي محمد  أي نبي أو رسول آخر ومن ثم فإنه ليس بعد القرآن الكريم أي كتاب سماوي آخر، فهو (القرآن الكريم) الكتاب الذي خُتِمت به جميع الكتب السماوية السابقة والذي قد ظل في إطاره الربّاني محتفظا بإشراقاته النورانية مشتملا على كل ما يحتاجه الإنسان لتستقيم به حياته في الدنيا واخرة، فلقد جاء القرآن الكريم متضمنا:
أ- للمعتقد السليم النقي الصافي الذي لا شائبة فيه ولا عكرات.
ب- ومتضمنا للتشريع القويم الذي به تستقيم حياة البشرية كافة.
ت- ومتضمنا للعبادات الهادية التي بها تزكو النفس البشرية وتتطهّر من الرذائل والخبائث، وتسمو وترتقي إلى أعلى مراتب الإحسان.
ث- ومتضمنا للأخلاق الحميدة والمعاملات الكريمة.
ج- ومتضمنا للتعاليم السامية التي من خلالها يكون الرِقِيّ والتقدم والتحضّر.
ح- ومتضمنا للإشارات العديدة والمتنوعة إلى الكثير من العلوم الكونية في شتى المجات العلمية لتكون هذه الإشارات ومضات مبهرات للمضِيّ قدما في طريق العلم.
خ- ومتضمنا للتوجيهات الرفيعة التي تكون سببا في حلّ مختلف أنواع المشاكل التي يواجهها الإنسان قديما وحديثا.
ولذلك، فإنه يلزم الإيمان بهذا الكتاب السماوي الخاتم (القرآن الكريم) الذي جاء به الإسلام، ومن ثم اختيار الإسلام دينا.
•    وَسَطِية الإسلام: ويتبيّن ذلك مما جاء به الإسلام من اعتدال وتوسّط في المعتقد حيث العقيدة النقية الصافية التي تدعوا إلى إلى الإيمان بالإله الخالق سبحانه وتعالى ووحدانية ألوهيته وتعظيمه وتمجيده وتنزيهه سبحانه وتعالى عن أي صفة ذمّ أو نقْص أو عيْب، والتي تدعوا إلى الإيمان بجميع أنبياء الله تعالى ورسله والرفْع من قدرهم وشانهم (لأنهم هم من قد اختارهم الله تعالى لتبليغ رسالاته).
 وتتبيّن وسطية الإسلام أيضا مما جاء به من اعْتِدال وتوَسّط في التشريع والعبادات فلا يُكَلِّف نَفْسا إلا وُسْعها وطاقتها ولا يشقّ عليها بما لا تستطيع، واعتدال وتوسّط في كل شيء كالمأكل والمشرب والإنفاق وعدم الإسراف...، واعتدال وتوسط في إعطاء الجسد والروح حقهما ومتطلباتهما، ويتبيّن ذلك من تصديق النبي محمد  لقول الصحابي سلمان -الذي تَعَلَّم على يد المبي محمد - لأبي الدرداء " إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حقّ حقه" فقال النبي محمد : " صَدَقَ سَلْمَان" [رواه البخاري، من حديث طويل]
فالإسلام هو الدين الذي يحقق الاعتدال والتوازن بين الدنيا والآخرة فيعطي لكل منهما حقَّه.
ومن ثم فإنه يجب اختيار الإسلام دينا، وذلك لتضافر البراهين والشواهد التي تشهد بأنه هو الدين الحقّ من الله تبارك وتعالى.
ونوضح: أنه على الإنسان (بصفة عامة) أن يبحث عن الحقّ ويتبعه أينما وجده ومتى تحققت شواهد وبراهين مصداقيته، فلا يصِحّ ُلكَوْن أن فكْرا أو معتقدا ما قد ظلّ سائدا في مجتمع ما لفترة طويلة أن يئول الأمر لأن يصير مُسَلّما به من قِبل أفراد هذا المجتمع وأن يظلوا راغِمين أنفسهم علي اعتقاده وعدم الحياد عنه لعدم الرغبة في مخالفة ما نشأ عليه أسلافهم (آبائهم وأجدادهم) لا سيما إذا لم يكن هناك أدنى دليل أو برهان على صحته وإذا ما اتّضح لهم بطلان ذلك الفكر والمعتقد وتبيّن لهم أن الحقّ في فِكْر ومعتقد آخر غيره.
فقبول معتقد أو تَصَوُّر ما لمُجَرّد الاستناد إلى الأوهام والظنون والتخمينات دون أدنى دليل على صِحَّتها لا سيما إذا كانت مُنافية ومُعارضة للمَعْقول ومُبَاهِتَة لضرورياته يُعَدُّ إهانة للعقل البشريّ الذي أكْرَم الله تعالى الإنسان به.
ولذلك، فإننا ندعوا الجميع للتفكّر في الإسلام بطريقة منطقية وحيادية، ومن ثم فسوف يتبيّن لهم شواهد وبراهين مصداقيته، وأنه هو الدين الحقّ من الله تبارك وتعالى، ومن ثم فإنه يلزم اختيار الإسلام دينا.
    
*******

 

 

نتيجة اختيار الإسلام في الآخرة
يقول الله تعالى: وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ(76) [سورة طه: 75-76]
فالله تبارك وتعالى يخبرنا في هذه الآية القرآنية الكريمة بجميل ثوابه وعظيم مكافأته لمن آمن به سبحانه وتعالى وبوحدانية ألوهيته وعمل عملا صالحا، مُخْلِصا له سبحانه وتعالى في نِيِّته مُستسلما له خاضعا ممتثلا لأوامره جلّ وعلا، وهذه المكافأة هي: الدرجات العالية في جنّات الخلود بما فيها من نعيم دائم مقيم لا يفنى ولا يزول.
- ومن وصْف الجنة في الإسلام:
1-    نعيمها دائم، فلا يَقِلّ ولا ينقطع أبدا.
2-    مُضيئة مُزَيَّنة لأهلها (أهل الجنّة)، ليس بها حَرّ أو برد، من يدخلها يسْعد ولا يشقى أبدا.
3-    تُرْبتها شديدة البياض، وترابها المسك الخالص ذو الرائحة الطيبة القوية، وحصباؤها (صِغار أحجارها) اللؤلؤ والياقوت.
4-    قصورها من الذهب والفضة.
5- أنهارها في أجمل صورة وأبهى منظر وذلك مع كثرتها وتَنَوُّعها، فبالجنة أنهار من الماء الصافي وأنهار من اللبن الذي لم يتغير طعمه وأنهار من العسل المُصَفَّى.. إلى غير ذلك.
6- مليئة بالبساتين الخضراء والأشجار النضِرة المثمرة.
يقول النبي محمد : "إنّ في الْجَنّة لشجَرة يسيرُ الرَّاكِب في ظِلِّها مائة سَنَة.." [رواه البخاري].
ويقول النبي محمد : "ما في الْجَنّة شجَرة إلّا وسَاقها مِنْ ذَهَب" [رواه الترمذي].
7- ثمارها طيّبة وكثيرة ومتنوعة، ولا تنقطع في أي من الأوقات أبدا.
8-    بها كل ما لذّ وطاب من مختلف أنواع الطعام (كمختلف أنواع اللحوم..) والشراب.
9-    فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وبها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَر على قلب بشر.
- وإن من وصف أهل الجنة في الإسلام:
1- وجوههم حسنة جميلة، نَضِرة مُضيئة كالقمر ليلة البدر.
2-    طولهم ستون ذراعا.
3- أعمارهم في سنّ الـ33 من العمر، لا يشيبون ولا يهرمون أبدا، حيث يخلّدون في سنّ الشباب أبدا، لا يفنى شبابهم ولا يبلى ثيابهم، فيُنعّمون ولا يموتون فيها أبدا.
4- أصِحّاء، فلا يسقمون ولا يمرضون أبدا.
5- يُنَعّمون برضا الله تبارك وتعالى عليهم وعدم سخطه عليهم أبدا، فلا يصيبهم همّ ولا غمّ ولا ضِيق ولا حزن ولا بؤس قط، فيسعدون ولا يشقون أبدا.
6- يتمتّعون ويتلذّذون برؤية الله تبارك وتعالى (دون إحاطة به جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء).
7- لا تباغض ولا تحاسد بينهم، قلوبهم كقلب الرجل الواحد لا اختلاف بينهم.
8- يأكلون ويشربون كل ما لذّ وطاب.
9- لا يَتْفُلون ولا يَتَمَخَّطون، ولا يبولون ولا يتغوّطون حيث يخرج زيادة مأكلهم ومشربهم في صورة رَشْح من جلودهم رائحته أطْيَب من طِيب المسك.
10- يُعطى الواحد من أهل الجنة قوة مائة رجل.
11- يتزوجون الحور العين (نساء أهل الجنة)، فلو أنَّ امرأة من نساءِ الجنة اطّلعتْ إلى الأرض لأضاءت ما بيْنَهُمَا نورا ولملأت ما بينهما ريحا طيبا من شدة حسنها وجمالها، مع العلم بأن المرأة المسلمة الصالحة يعيد الله تبارك وتعالى خلقها وإنشائها من جديد فتكون أجمل من الحور العين (نساء أهل الجنة)، إضافة إلى أنها تكون مع زوجها في الجنة.  
12- حُسْنهم وجمالهم مُتَجدّد مستمر، حيث إنهم يزدادون حسنا وجمالا دائما أبدا.
13- يُلهمون تسبيح الله سبحانه وتعالى وتحميده كإلهام النَفَس دون أدنى مشقّة أو تعب.
- يقول النبي محمد : "إنّ الله عَزّ وجَلّ يقُول لأهل الْجَنّة: يا أهل الْجَنّة. فيقولون: لبَّيْك ربنا وسَعْدَيْك والخَيْر في يديك. فيقول: هل رَضِيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نَرْضى يا ربنا وقد أعطَيْتَنا ما لم تُعْط أحَدًا مِن خَلْقك؟ فيقول: ألا أُعْطِيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفْضَل مِنْ ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضْواني فلا أسْخَط عَليْكُم بَعْدَه أبَدًا "
[رواه مسلم].
- ويقول النبي محمد : "إِذا دخل أهْل الْجنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟، قَالَ  : فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة" ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ" :لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [رواه مسلم]

*******

 

 

 


كيْفية الدخول في الإسلام
إننا في الحقيقة يمكننا أن نقول: كيْفية الرجوع إلى الإسلام بدلا من قَوْل: كيْفية الدخول فيه، وذلك لأن الإسلام هو دين الفطرة التي خُلِق الإنسان عليها والتي تتفق معها فطرته.
وعلى كل حال، فإن الدخول في الإسلام يكون من خلال الإيمان القلبي بالإله الخالق ووحدانية ألوهيته (وهو الله سبحانه وتعالى) والإيمان بِصِدق دعوة ورسالة خاتم أنبياء الله تعالى ورسله محمد ، ثم النُطْق بهما كشهادتين على هذا النحو:
أشهد أن لا لإله إلا الله  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ومن ثم يصبح المرْء مسلما دون الحاجة إلى أيّ من الطقوس والرسميات، ويصير أخا جديدا (أو أختا جديدة) في الإسلام لجميع المسلمين في شتى أنحاء العالم.

                                                                         *******

 

 

 

 

 

 

 

 

نصيحة للأخِ المسلم والأختِ المسلمة
إنه بعد أن مَنَّ الله تبارك وتعالى على الأخِ المسلم الجديد والأخت المسلمة الجديدة بنعمة الإسلام فإننا نودّ أن نوصيهما بل ونوصي أنفسنا وجميع المسلمين معهم في شتى أنحاء العالم بـ:
1- ضرورة التمسّك بتعاليم الإسلام السامية وتوجيهاته الرفيعة في كل صغير وكبير من حياتنا اليومية إلى أن نلْقى الله تعالى، ومن ثم تكون السعادة في الدنيا والآخرة.
2- ضرورة التأسّي بالنبيّ محمد  في أخلاقه ومعاملاته لنكون صورة مُشَرِّفَة للإسلام في شتى أنحاء العالم، ومن ثم تكون الدعوة العملية للإسلام، فعندما سُئِلَت السيدة عائشة رضي الله عنها (زوج النبي محمد ) عن وصف النبي محمد  قالت: "فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ كَانَ القُرآنَ" [رواه مسلم]
أى أنه  كان مُجَسِّدا للمنهج القرآني ومطبّقا للإسلام بكافّة تعاليمه الراقية من أخلاق حميدة ومعاملات كريمة..إلى غير ذلك.
3- العمل على نشر هذا الدين العظيم (الإسلام) والتصدّي لكل من يحاول تشويه الصورة الحسنة للإسلام، وذلك من خلال نشْر تعاليمه السامية وتوجيهاته الرفيعة عبْر الوسائل التقنيّة الحديثة، مثل:
- إنشاء مواقع على الإنترنت متخصصة فى الدعوة إلى الإسلام باللغات المختلفة.
- إنشاء قنوات فضائية وإذاعات متخصصة فى الدعوة إلى الإسلام، والتَّصَدّى للإعلام الغربى والصهيونى المضاد، والرد على ما يثيرونه من أباطيل لتشويه صورة الإسلام.
- التصدى لمثل تلك المواقع المصممة من أعداء الإسلام على شبكات الإنترنت، والتى تَنْسب نفسها للإسلام (بطريقة غير مباشرة)، وتوعية المسلمين وغيرهم بها.
- طباعة الكتب المتخصصة فى الدعوة إلى الإسلام باللغات المختلفة، وتوزيعها على مراكز الاستشراق والمكتبات العامة والجامعية حول العالم...إلى غير ذلك.
إلى غير ذلك من وسائل دعوية يمكن العمل من خلالها على نشر دعوة الإسلام والتعريف به.
فالله تبارك وتعالى يقول:وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)[سورة فصلت: 33]
وفى الختام، نحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الإسلام التى قد امتن علينا بها، وأن جعلنا موحدين مسلمين ندين بخير دين جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ، ونسأله تبارك وتعالى أن يستعملنا في الدعوة إليه من خلال نشر هذا الدين العظيم (الإسلام) للبشرية كافَّة.
 وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبيك ورسولك الأمين محمد ، وعلى آل بيته الأطهار وأصحابه الأخيار، وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
                                       والحمد لله رب العالمين.
                                                             *******
                                              الفهرس
مقدمة..........................................................................................    1
           مفهوم الإسلام...................................................................................    2
           دعوة الإسلام..................................................................................    4
           الإسلام ونور الاعتقاد...........................................................................    5
           الإسلام وتربية النفس وتزكيتها....................................................................    20
الإسلام وتكريم الإنسان والحفاظ على حياته.......................................................    20
           الإسلام والسّلام والدّعوة إلى توحيد الأمم والشعوب...............................................    20
           الإسلام وتكريم المرأة.............................................................................    21
الإسلام والاهتمام بتربية الأطفال، والحث على الرأفة والرحمة بهم....................................    23
الإسلام والاهتمام بالشباب......................................................................    24
الإسلام والرأفة والرحمة بالمخلوقات الأخرى (الحيوان، الطير، الشجر، النبات..)......................    24
الإسلام والدعوة إلى العلم........................................................................    25
الإسلام وأُمَّة ﴿ اقْرَأْ ﴾..........................................................................    28
           الإسلام والأديان الأخرى.........................................................................    28
           الإسلام والمعاملة الطيبة لغير المسلم................................................................    27
           الأخوة في الإسلام...............................................................................    29
           الإسلام وسماحته في الحروب......................................................................    29
الإسلام والمعاملة الطيبة لأسرى الحروب...........................................................    30
           الإسلام والعبادات الهادية والأخلاق الكريمة والمعاملات الحكيمة والتشاريع القويمة.....................    31
        الإسلام ورؤيته في ما يتعرض له الإنسان من ابتلاءات ومِحَن وظواهر كونية، وكيفية التعامل معها....
      33
          النبي محمد  وتربيته لأصحابه رضوان الله عليهم على تعاليم الإسلام...............................
           صور مشرقة من حياة النبي محمد ، وآثار التمسك بتعاليم الإسلام......... .......................    34
           توجيهات وتعاليم إسلامية تكون سببا في الرِقِيّ والتقدم والتحضّر..............................    39
           الإسلام وكيفية حَلِّه للمشاكل الرئيسية (القديمة والمعاصرة).....................................     48
           ماذا بعد النهضة والتقدم، والرِقيّ والتحضر؟................................................
           أو بمعنى أدقّ ما الذي يَنْقص الدول العاملة على إحراز التقدّم وتحتاج إليه بعد ذلك كلّه لتُتَوّج به
           هذا التقدم وتحلّ من خلاله مشاكلها المعاصرة؟..............................................    60
           لماذا اختيار الإسلام دينا.................................................................    62
           نتيجة اختيار الإسلام في الآخرة..........................................................    64
           كيْفية الدخول في الإسلام...............................................................    66
           نصيحة للأخِ المسلم والأختِ المسلمة......................................................    67
 الفهرس......................................................................................    68


*******