About the article
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 315
الشيخ : اتحفنا ، وجزاك الله خيرا .
أبو مالك : العفو ... إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد ! فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ؛ إخواني بارك الله فيكم وجزاكم خيرا وجعلكم سببا واصلا إليه دائما لتكونوا على طريق الحق به ، فيشتد الحق بكم وتشتدوا بهذا الحق ، وتكونوا إن شاء الله أهلا لحمل هذه الدعوة التي نرجوا أن يؤيدها الله سبحانه وتعالى بنصر من عنده وأن يجعلنا من أنصارها والعاملين على رفع رايتها والدعوة إليها ونشرها في الآفاق ؛ وإنني أعد الحديث في حضرة شيخنا وأستاذنا الشيخ أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني ، أعده فخرا عظيما أولا حيث أنني لم أعتد أن أكون المتحدث السابق عليه بل ولا المتحدث الذي يتحدث بحديث وهو حاضر .
الشيخ : فيك البركة .
أبو مالك : ولكن رغبة شيخي تقدم على رغبة نفسي فلذا أجدني أتحدث إليكم حديث المقل بالبضاعة الذي لا يملك إلا شيئا يزجيه بنصح لنفسه قبل أن يزجيه إليكم ؛ وأما ثانيا فإن في بعض من حديثي تذكيرا لي ولكم بما يجب أن يكون عليه طالب العلم ، أقول إن وجود الشيخ بيننا هو منة عظيمة امتن الله بها علينا ، وهي نعمة لم نقدرها حق قدرها ، وإن كان لنا أو للشيخ حق علينا فلا أقل من أن يكون سعي له في ليل أو نهار لنأخذ عنه من فضل علم أفاء الله به عليه ونحن في أمس الحاجة في هذا البلد وفي غيره من بلاد المسلمين ، لا إلى علم الشيخ كله فإن يؤتى على علم الشيخ كله ، هذا أمر صعب جدا لأنه يحتاج إلى التفرغ الكامل والجلوس إليه في كل الساعات التي يمكن أن يفيد من الشيخ بها في أي وقت من ليل أو نهار ، وإذ أن هذا ليس حاصلا وليس سهلا ، فليس صعبا علينا إذا أن نهتبل مثل هذه الفرص وأن نغتنم مثل هذه المناسبات لنجتمع إليه ونجلس كما كان يجلس التلاميذ الأول مع العلماء السابقين ، ولا أقول هذا مدحا وثناء للشيخ ولا عليه فإنه أهل لكل ثناء ومكرمة ومدحة لا مني وإنما من كل من هو أعلم مني ممن يعرف قدر الشيخ ومكانته ، وهذا يجعلني أنتقل من هذه المقدمة التي لا أعد نفسي قد مدحت الشيخ فيها إلى أمر آخر لابد أن يعرفه جميع طلاب العلم ألا وهو الأدب في التلقي والأخذ عن الشيوخ والعلماء ؛ فنحن نقرأ في تاريخ علماءئنا الذين ارتحلوا في الآفاق وطوفوا فيها ودونوا علمهم ، كان أحدهم يكون قد بلغ من العلم شأوا بعيدا ولكنه يسمع بأن فلانا من أهل العلم وربما يكونون أقل منه درجة وأدنى منه مكانة في العلم في الجهة الفلانية أو في البلد الفلاني فيمم شطر شطره إما ماشيا وإما راكبا على قدر ما تسعفه قدرته المالية فيسير إلى هذا الشيخ ليأخذ عنه ؛ ومن هنا عرف تاريخ هذا العلم الأكابر يأخذون عن الأصاغر فكيف ونحن مع شيخنا وأستاذنا علامة الزمان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن قطرات متناثرة بما تحويه صدورنا من بعض ما تفضل الله به علينا من علم كتابه وعلم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك أنصحكم وأنصح نفسي أن لا نفرط في دقيقة واحدة يمكننا أن نفيد منها من علم الشيخ بارك الله عليه ؛ ولكن لا ننسى أدبا ثانيا وهو أنه لابد أن يكون طالب العلم حسن السؤال وأن يعرف موقع الكلمة التي تصدر عن لسانه أين تقع من قلب الشيخ وعقله ، لا ليستجلب بها رضاه فقط ، فهذا أمر لابد أن يحرص عليه ؛ ولكن ليكون سؤاله مفيدا ولكي يتبين المسئول كيف يجيب على سؤاله ، وقديما قيل " حسن السؤال نصف العلم " وطبعا الجواب هو النصف الآخر ، وحسن السؤال يدل على شيئين في نفس السائل ، أولا يدل على رغبة هذا السائل في العلم وإخلاصه فيه ؛ ثم يدل على أنه متمكن من هذه المسألة أو غير متمكن ولكنه على الأقل متمكن من السؤال الذي يهدي إلى معرفة هذه المسألة أو تلك ؛ لذا لابد أن يكون السائل حسن السؤال ؛ وأما المسألة الثالثة فلابد أن يكون هناك التواضع من طالب العلم مع شيخه ونحن في زمان لم يعد هناك مثل هذا الخلق الذي شاع في طلاب العلم في العهود الغابرة والقرون الماضية ، فترى أن طالب العلم إذا أخذ بعض المسائل اغتنى بها أو ظن نفسه قد اغتنى بها ، ويطير بها طيرانا فرحا ، فلا يكاد ينتهي من عرض هذه المسائل أو إفراغها من عقله بكلمات من فوق لسانه حتى يعود فقيرا مدقعا في مسائل العلم ، يبحث في جوانب نفسه عن مسألة فلا يجدها ؛ إذا أين يجد هذه المسألة أو تلك التي لم يتواضع أمام شيخه وهو يريد أن يسأل عن هذه المسألة أو تلك ، يجدها عند الشيخ الذي ظن نفسه أنه قد ساواه في العلم أو تفوق عليه أو ربما وجد شيئا من شيخه ظن في نفسه أنه أو ظنا سيئا أن شيخه لا يريد أن يفيده في هذه المسألة فيعرض نفسه عن شيخه ، وهذا هو الشر المستطير الذي إذا أصاب طالب العلم فإنها تكون قاصمة الظهر بالنسبة إليه ؛ لذا يجب على طالب العلم أيضا أن يكون متواضعا ، ونحن كما قلت مرارا وتكرارا نحن طلاب العلم الذين نظن أنفسنا أننا ننهل من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، نعم ربما أفدنا علما ولكن ينقصنا هناك شيء آخر وهو حسن الأدب مع الشيخ ؛ لذا حتى يكون طالب العلم يفيد من شيخه لابد أن يجمع بين أمرين : الحرص على طلب العلم ، ثم الأدب مع الشيخ بالتواضع وحسن الإصغاء وحسن النظر والتقدير للشيخ الذي يأخذ عنه ؛ إذن نحن كما قلت مرارا وأذكره مرة ثانية أننا صحيح حصلنا بعض المسائل العلمية ولكننا لم نحصل الأدب المطلوب في أخذ العلم عن الشيوخ ، فما أحوجنا إلى علم الكتاب والسنة ثم إلى أدب أهل الأدب ممن عرفوا بأهل الطريق والوجدانيات الذين نعرفهم نحن في زماننا هذا وهم الصوفيون لكن علمنا لاشك أنه يكمل الأدب أو النقص الذي في أدب أولئك فنكون قد جمعنا بين الأدب الصحيح والعلم الصحيح ، وبذلك يفيد طالب العلم من شيخه هذا إلى أنه يجب أن يكون مخلصا أيضا في طلب العلم ، ثم هناك مسألة رابعة وليأذن لي شيخي بارك الله فيه أن أقولها وهي أنه لابد لطالب العلم الذي يحمل مسألة وقد استوفاها من جميع جوانبها بأدلتها واستقصاها بدقائقها وظاهرها وخفيها وما يمكن أن يحيط بها من قريب أو من بعيد أن ينقل هذه المسألة لذويه وأهله وأبناءه وجيرانه والمسلمين ممن يقدر على الاتصال بهم وإفادتهم بهذه المسائل التي أفادها ؛ فحياة العلم تكون بشيئين تكون بالمذاكرة والمطالعة ، ثم بالبذل والعطاء ؛ هكذا يكون العلم فيكون طالب العلم في نظر نفسه على الأقل أنه يعرف أنه أفاد أو لم يفد ؛ هذه المسائل التي أردت أن أذكركم بها حتى نكون جميعا إن شاء الله على بينة من المسائل العلمية أو من أخلاق طلاب العلم التي يجب أن تتوفر في طالب العلم لنستذكر ماضيا شاع نوره في الآفاق في حاضر أظلم عياذا بالله إلا من بصيص قليل من النور بدأ ينتشر أو يتسرب إلى الآفاق لينتشر كما انتشر في القرون الماضية إن شاء الله ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدع الآن الكلام لشيخنا وأستاذنا جزاه الله خيرا وبارك لنا في عمره وأمد فيه ومتعه بالصحة والعافية وأفاء عليه من نعيمه في الدنيا والآخرة وجعله دائما موضع ثقة ورجاء بعلمه لجميع المسلمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وبعدين يا إخوان رجاء الآن الأسئلة تكون إن شاء الله يعني السؤال الذي ننتقيه ليس معنى هذا أن الشيخ لا يريد الإجابة على السؤال الذي لا يجاب عليه ؛ لأن الأسئلة كثيرة والوقت لا يتسع للإجابة على مثل هذه الكثرة من الأسئلة لذا سنختار أسئلة وربما يكون السؤال الواحد مشتملا على عدة أسئلة أخرى ، من هذه الأسئلة التي وردتنا تفضل شيخنا بارك الله فيك .
الشيخ : قيل البدء والإجابة عن الأسئلة ، أرجوا الله تبارك وتعالى أن ينفع الحاضرين بهذه الموعظة الطيبة والذكرى الحسنة التي أفاض فيها الأستاذ الفاضل أبو مالك شقرة والتي قلما يتاح لمثل هذه المجالس العلمية أن يستمعوا إلى مثلها وأن ينفعني مع الحاضرين جميعا بهذه التذكرة وهذه النصيحة وأن لا أكون من المغترين بما سمعتم من الثناء الذي لا أستحق منه إلا ربما جزءا قليلا ؛ وبهذه المناسبة أنا أذكر أثرا صحيحا كان يتلفظ به الخليفة الراشد الأول ألا وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حينما كان يسمع ثناء في وجهه فيقول " اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " وأستاذنا بارك الله فيه يقول ما يعتقد وقد يكون مغاليا فيما قال ( وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ) ؛ أما أنا فأخشى ما أخشى أن أتأثر بمثل هذا الثناء الذي لا نستحقه ولكني أرجوا أن أكون عند حسن الظن وأن أكون يصدق علي حديث وإن كان هذا الحديث والدين النصيحة يوجب علي إذا ذكرته أن أذكر معه ضعف إسناده وإن كان معناه صحيحا في بعض أحيانه وأحواله ألا وهو الحديث الذي رواه أبو عبد الله الحاكم في مستدركه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه ) فأرجوا أن يكون هذا الثناء سببا لتقوية الإيمان وليس لتضعيفه معترفا أنني لا أستحقه ؛ لكن هو جزاه الله خيرا يعني يقول ما يعتقد وما يرى وأرجوا أن يجعلني ربي كما سمعتم خيرا مما يظنون وأن يغفر لي ما لا يعلمون .
الشيخ : هذه واحدة ، وثانية لقد دندن الأستاذ جزاه الله خيرا حول معنى حديث أفاض فيه في هذا المعنى فأذكركم به لتعديل الكفة إذا صح التعبير ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه )
الشيخ : فكما يجب على الكبير أن يرحم الصغير فيجب على الصغير أن يرحم الكبير ، والكبير يدخل فيه أول ما يدخل كبير السن ثم يدخل فيه من اتصف بالسن هذا الكبير ثم كان عنده شيء من العلم ؛ فحينئذ يجب على الآخرين أن يجمعوا بين توقيره والاعتراف بفضل علمه ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه ) ثم قبل الإجابة عن الأسئلة وهي كما ترون كثيرة والحمد لله ، وهذا مما يضطرنا نحن أن نجتمع مع أمثال هؤلاء العطشى إلى العلم كثيرا وكثيرا جدا ، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا نحن والأستاذ أن نجتمع مع أمثالكم كثيرا وكثيرا .آنفا حينما كان إخواننا جالسين هكذا مبعثرين في هذا المجلس الواسع ـ وأرجوا الله عز وجل أن يملأه بالناس المؤمنين والطالبين للعلم الصحيح ـ خطر في بالي خاطرة ولطالما نبهت على مثلها وهو أنه ينبغي أن يجلسوا بعضهم قريبا من بعض وأن يتضاموا ؛ فسبق أحد إخواننا الحاضرين ملاحظا هذه السنة الطيبة فجاء بالفراش وتقدم به ، فبدأ الناس يتبعونه في هذه السنة الطيبة ؛ فتذكرت بهذه المناسبة الحديث الصحيح الذي يسيء فهمه جماهير الناس وبخاصة في هذا الزمان ،
الشيخ : فخطر في بالي وألقي في نفسي أن أذكر بشيء من هذا المعنى الذي تضمنه الحديث والذي رأيناه الآن وواقعا ملموسا لمس اليد ، أعني بالحديث هو قوله عليه الصلاة واسلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) فلابد أنكم سمعتم كثيرا من الناس يستشهدون بهذا الحديث على أنه يوجد في الإسلام بدعة حسنة طالما يلجأون إلى مثل هذا الاستدلال البدعة الحسنة منصوص زعموا في هذا الحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) فنقول نحن قاطعين جازمين أن هذا الفهم فهم أعجمي باطل لا يلتقي مع المعنى الصحيح من هذا الحديث أولا ؛ ثم مع المناسبة التي ذكر الرسول عليه السلام الحديث فيها ثانيا ، وأذكر أنني في هذا المكان أو في غرفة أخرى كنت طرقت هذا الموضوع قديما ، ولكن لا بأس من الإعادة فكما يقال " في الإعادة فائدة " وأتصور أن هناك بعض إخواننا ممن لم يتح لهم في تلك الجلسة القديمة أن يسمعوا مثل هذه الكلمة ؛ فأقول الحديث المذكور أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : " كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعر وجهه ـ أي تغيرت ملامح وجهه عليه السلام ـ أسا وحزنا على فقر هؤلاء الأعراب فقام عليه الصلاة والسلام في اصحابه خطيبا ثم قال ( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره ، ثم تلا قوله تبارك وتعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ) بعد أن أنهى الرسول عليه السلام خطبته هذه انطلق رجل من الحاضرين إلى داره ليعود إلى المجلس فيضع بين يدي الرسول عليه السلام ما تيسر له من الصدقة ؛ فلما رأى بقية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل صاحبهم هذا الأول قام كل منهم ايضا ينطلق ليعود بما تيسر له من الصدقات ، فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات كأمثال الجبال ، هكذا أي أكوام ؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك تنور وجهه كأنه مذهبة ، تنور وجهه كأنه مذهبة أي كأنه فضة مطلية بالذهب تلألأ ، ثم قال هذا الحديث : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ... ) " فأنتم ترون معي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ بهذا الحديث الشريف بمناسبة قيام الرجل الأول ورجوعه بالصدقة فليس لم يكن هناك في المجلس أمر محدث ، لم يكن معروفا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان بدعة محدثة لم يكن شيء من ذلك إطلاقا وإنما كل ما حدث هو أن الرجل الأول فتح الطريق للآخرين بالصدقة المشروعة من قبل وفي تلك اللحظة ذكرهم الرسول عليه السلام بالآية السابقة وبقوله وبحضه إياهم بقوله ( تصدق رجل بدرهم ، بدينار ، بصاع بره ، بصاع شعيره ) ؛ فإذن تفسير هذا الحديث ( من سن في الإسلام ) بمعنى من ابتدع في الإسلام هذا تفسير خاطئ لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يلتقي أبدا مع ما وقع في ذلك المجلس من قيام الرجل ورجوعه بالصدقة قبل الآخرين ، ثم اتباع الآخرين له على تلك الصدقات التي كانت سببا لكشف الغمة عن أولئك الأعراب ، وكان ذلك سببا مفرحا للرسول عليه السلام حتى تهلل وجهه كأنه مذهبة ؛ فإذن معنى بإيجاز والبحث يتحمل تطويل جدا جدا معنى ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) أي من فتح طريقا إلى سنة مشروعة إلى أمر مشروع فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، هذا هو معنى الحديث وليس معناه أن يبتدع الإنسان احداث عبادة لم تكن معروفة من يوم قال الله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) ليس معنى من سن من ابتدع ، وإنما من فتح طريقا إلى سنة معروفة ؛ وعلى العكس الشطر الثاني من الحديث من فتح طريقا إلى سنة شريرة ، إلى سنة سيئة ( فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) ؛ فالسنة الحسنة لا تعرف إلا بطريق الشرع ، والسنة السيئة لا تعرف إلا بطريق الشرع ؛ فمن فتح طريقا للسنة الحسنة كان له أجرها وأجر من اتبعه عليها إلى يوم القيامة ، ومن فتح طريقا إلى سنة سيئة معروف سيئتها في الشرع فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ من أجل هذا وغيره قال إمام دار الهجرة وبكلمته أختم هذه الكلمة " من ابتدع في الإسلام بدعة ـ أي واحدة ـ يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، اقرأوا قول الله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال مالك فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " وتفضل يا أستاذ .
أبو مالك : فقط هذا الجواب أو هذه المقدمة التي سمعتموها من شيخنا هي جواب في الحقيقة عن عدد من الأسئلة التي كتبها بعض الإخوة وأرادوا الاستفسار عنها ، ففي هذا الجواب غنية واغتناء ولا حاجة لإعادة هذه الأسئلة او ذكرها ؛ و نرجوا جميعا قد أفدنا منها وجزاه الله خيرا .
أبو مالك : السؤال الأول هل الحديث الضعيف إذا وافق الواقع يكون صحيحا كما يقول بعضهم ؟ نرجوا من شيخنا والحقيقة هذا سؤال يطرح كثيرا أن يكون الجواب فيه شيء من التفصيل حتى نتبين مواقع عقولنا ونحن نحدث الناس في الذود عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الأقاويل أو الأحاديث ؟
الشيخ : إذا جاء الحديث بالسند الضعيف الذي لا تقوم به الحجة عند علماء الحديث ولا يجوز أن ينسب بمثله قول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن نعتقد أنه قاله عليه السلام لمجرد أنه طابق الواقع ؛ لأن تحدث جملة ما عن واقعة ما قبل وقوعها بمدة ما سواء كانت قصيرة أو طويلة لا يلزم أن يكون ذلك من باب الإخبار ببعض المغيبات ؛ لأن هناك علما يعرف عند أهل العلم بالممارسة وبالتجربة وبالنظر للحوادث التي يدرسها أهل النظر السليم ، فيستنبطون منها بعض الأمور فيتحدثون عنها كحكمة وليس كخبر عن الرسول عليه السلام ؛ فيقع هذا الحديث الذي تحدثوا به ، ثم قد يكون بعض الرواة أخطأ في رواية هذا الخبر فنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم سهوا وخطئا ، وقد يكون متعمدا من أجل أن يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة علمية غيبية ؛ ولذلك فليس طريقة معرفة صحة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يكون صحيحا في واقعه لأن هذه الصحة قد يقولها أهل العلم وأهل الحكمة ؛ فأنا قلت لكم آنفا بالمناسبة ذاك الحديث ( إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه ) هذا المعنى يصدق أحيانا فيمكن أن يكون الإنسان قاله من عند نفسه واستنباطا من أحاديث الرسول عليه السلام كتلك الأحاديث التي تعرفونها الشيء الكثير الطيب منها والتي تنصب على مدح كثيرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبخاصة منهم الخلفاء الراشدين وبقية العشرة المبشرين بالجنة ؛ ففي الأحاديث الواردة في مدحهم والثناء عليهم ما يجعلنا نقطع بأن هذا المدح لهؤلاء المؤمنين حقا ما كان ليؤثر فيهم وإلا ما كان للرسول عليه السلام أن يحسن الثناء عليهم وهم يفتتنون بمثل هذا الثناء ، وهو القائل عليه الصلاة والسلام ( المدح هو الذبح المدح هو الذبح المدح هو الذبح ، إن كان أحدكم لابد مادحا أخاه فليقل إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا ) فحينما نجد النبي صلى الله عليه وسلم يزكي العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من الصحابة نعلم أن هناك تزكية لا تضر ، وضابط ذلك أن يكون المزكي مؤمنا يخشى الله ويخاف منه كما ترون في تاريخ وفي سيرة هؤلاء الخلفاء الراشدين الذين بشروا بالجنة ، وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لاشك ولاريب ثابتة وسوف تتحقق يقينا ، مع ذلك كان أحدهم يتمنى أن يكون شجرة تعض أو ترمى في الأرض وهكذا لخوفهم من الله تبارك وتعالى على الرغم من سماعهم لمثل هذا الثناء العاطر من نبيهم صلى الله عليه وسلم ؛ فيمكن للإنسان العاقل الحكيم أن يستنبط من أحاديث الرسول عليه السلام ومن بعض الحوادث التي تقع في هذه الأرض جملة يكون معناها صحيحا فيقع خطأ في روايتها عمدا أو سهوا فتنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك فلا يجوز مجرد أن نرى حديثا قال أهل الحديث عنه إنه ضعيف ولا يثبت نسبته إلى الرسول عليه السلام أن نعتقد أن الرسول قد قال ذلك الحديث لأنه طابق الواقع فلا تلازم بين هذا وبين ذاك ؛ فإذن الطريق لمعرفة ما قاله الرسول عليه السلام إنما هو الطريق الذي سار فيه وعليه أهل الحديث ؛ ورب حديث يطابق القرآن لكن مع ذلك لا يقولون قال الرسول عليه السلام كذا وكذا وإنما يقولون هذا الحديث إسناده ضعيف ويشهد له الآية الفلانية إلا إذا كان الحديث جزءا من الآية فحينذاك ولاشك فهو حديث صحيح ولو كان اسناده ضعيفا ؛ أما إذا اختلفت الجملة من حيث الأسلوب العربي عما جاء في القرآن كشاهد لهذه الجملة فلا يجوز أن ننسب هذه الكلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن وجد معناها في القرآن الكريم لما جاء في بعض الألفاظ من أحاديث التحذير عن التقول على الرسول عليه السلام من مثل قوله : ( من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) وأي حديث كما نقول نحن في أي مناسبة أي حديث يتعلق بالتنصيص على إباحة شيء داخل في القرآن الكريم في النص العام فيكون معناه صحيحا ولو كان موضوعا طازجا ، لو كان موضوعا حديثا إذا شهد له القرآن نقول هذا المعنى صحيح لكن لم يثبت نسبة هذه الجملة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لكن القرآن يغنينا عن ذلك ؛ لو قال قائل مثلا " أكل العيش حلال " أو " أكل الخبز حلال " لاشك أن هذا المعنى صحيح ويطابق نصوص من الكتاب والسنة إلى آخره بل يطابق حديثا جاء من طرق كثيرة جدا بعضها مختصرة وبعضها مطول ولم يصح من مجموع تلك الطرق إلا هذه الجملة القصيرة ( أكرموا الخبز ) فإذا قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكرموا الخبز ) نفهم بداهة ، لماذا ؟ لأنه أساس حياة الإنسان وبقاءه ؛ لكن إذا قيل لنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الخبز حلال ، هذا المعنى صحيح لكن هذا ما ثبت عن الرسول عليه السلام ، فنكون قد تقولنا على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وإن كان هذا المعنى الذي تضمنه هذا القول مطابق للقرآن الكريم ولبعض الأحاديث الصحيحة ؛ فإذن المعيار أعود لأكرر في معرفة الحديث الصحيح وجواز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو السند وليس مجرد النظر في المعنى ، فإن النظر إلى المعنى قد يكون المعنى صحيحا ويكون القول المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح ؛ هذا ما عندي جوابا عن هذا السؤال .
السائل : هذا بارك الله فيكم يفضي بنا إلى سؤال ننتزعه أو نشتقه من هذا السؤال ومن الإجابة المستفيضة التي تفضلتم بها .
السائل : وهو بعض الناس يقولون إن من مقاييس صحة الحديث وبخاصة أولئك الذين ليس عندهم من علم الحديث شيء ولم يذوقوا حلاوته ولم يعرفوا طعمه فيقولون بأن الحديث من علامات صحته موافقته للقرآن الكريم في أي موضوع ؛ فإذا لم يوافق صريح القرآن في الشيء الذي عزي أو قيل الحديث فيه فإن الحديث عندئذ لا يكون صحيحا ؛ فالإجابة أيضا هي تتمة للإجابة عن السؤال الأول بارك الله فيك .
الشيخ : الحقيقة أن هذه الكلمة التي حكاها الأستاذ أبو مالك هي معروفة ويدندن حولها الكثير ممن يزعمون أو يزعم فيهم أنهم من الدعاة إلى الإسلام ، وهذا المعنى مع بطلانه قد جاء ذكره في بعض الأحاديث التي لا تصح أسانيدها بإجماع علماء الحديث مثل الحديث الذي يقول : ( إذا جاءكم الحديث عني فأعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فقد قلته وما لم يوافق فلم أقله ) مثل هذا الحديث قد نص بعض العلماء المتقدمين مثل علي ابن المديني وهو من كبار شيوخ الإمام البخاري ومثل ابن عبد البر الحافظ الأندلسي على أنه وضح الزنادقة ؛ ومن الطرائف أن بعض العلماء الأذكياء ، قلنا مع كونه هذا الحديث لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد عرضناه على كتاب الله فوجدناه يأمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) فعرضنا هذا الحديث على كتاب الله فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول كما في الآية الأخرى (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) فإذن نحن أسعد الناس بالعمل بهذا الحديث على أنه حديث غير صحيح ؛ ولبسط الكلام في هذه المسألة كما رغب الأستاذ أبو مالك جزاه الله خيرا نقول إن كان المقصود من هذا الحديث الذي لا يصح إسناده أولا ، إن كان المقصود من موافقة الحديث لكتاب الله هو أن يكون مضمونه موجودا صراحة في القرآن الكريم فحينئذ لسنا بحاجة إلى الحديث سواء كان صحيحا أو غير صحيح ؛ لكن إن كان المقصود أن أي حديث يتضمن حكما لا نجده في كتاب الله عز وجل وإنما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهنا حينئذ الموافقة غير مشروط لما ذكرنا آنفا من أن الله عز وجل قد أمرنا بطاعة الرسول كما أمرنا بطاعته وباتباعه عليه السلام كما أمرنا باتباع كتابه ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدا ؛ فإذن لسنا مكلفين بعرض الحديث على الكتاب لأن القرآن الكريم قد صرح فيه بقوله : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) فلاشك أن بيان الرسول عليه السلام وإن كان لا يخالف القرآن فهو لا يوافقه بالمعنى الذي ذكرناه أولا ، وإلا استغنينا عن الحديث ؛ ولكن حسبنا أن بيان الرسول عليه السلام لا يخالف القرآن لأنه مكلف ببيانه ، فقوله عز وجل : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) يدخل فيه مبادئ وأصول علمية صحيحة متفق عليها بين علماء المسلمين ؛ فللرسول صلى الله عليه وسلم أو بمعنى أدق لحديثه أن يخصص عموم القرآن وأن يقيد مطلقه وأن يبين مجمله ، كل هذا داخل في باب قوله : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) ولذلك فهؤلاء الناس الذين يتمسكون بهذا الحديث الباطل إسناده والذي سمعتم بعض شهادة كبار الحفاظ أنه من وضع الزنادقة الذين يتمسكون بهذا الحديث ، إن كانوا يعنون ما يقولون ففي الواقع أنهم ليسوا من المسلمين إنهم قد خرجوا من دائرة الإسلام ، وأنا أعرف أن الكثيرين منهم لايزالون معنا في دائرة الإسلام ؛ ولكنهم من الضالين لاشك ولاريب في ذلك ، وأقل ما يدل على ضلالهم أنهم في بعض الأمور يقيدون نصوصا من الكتاب والسنة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا مناص لهم من ذلك وإلا خرجوا من دائرة الإسلام ، وفي أحاديث أخرى يقولون نحن نتحاكم إلى القرآن مثلا كثيرا من الناس اليوم لا يأخذون بالأحاديث التي تحرم الموسيقي وآلات الطرب بعامتها ، لماذا ؟ قالوا لا نجد نصا في القرآن الكريم ، أو يتسترون بعبارة طالما قرأناها في بعض الكتابات وهي أنه لا يوجد نص قاطع هكذا ، لا يوجد نص قاطع في تحريم مثلا آلات الطرب ، وهم يعلمون جيدا من كتب علماء الأصول أن الأحكام الشرعية لا يشترط فيها مثل هذا النص الموصوف بأنه نص قاطع ؛ لأنهم جميعا أعني علماء الأصول لا خلاف بينهم بين مذهب وآخر يعتقدون أنه يكفي في الأحكام الشرعية النص الذي يغلب الظن عند العلماء وليس عند الجهال ، يغلب على الظن إما ثبوته بطريق الظن الراجح ، وإما دلالته بطريق الدلالة الراجحة ، يكفي مثل هذا النص أن يثبت حكما شرعيا سواء كان فرضا أو كان سنة أو كان تحريما أو كان تكريها أو نحو ذلك من الأحكام الشرعية ؛ فهم ليتخلصوا من الأحاديث التي وردت في تحريم آلات الطرب يردونها بقولهم لا يوجد نص قاطع مع أن النص الصريح موجود في صحيح البخاري ، ثم يتبعون ذلك بأننا لا نجد مثل هذا التحريم في القرآن الكريم ؛ هذا معناه أن الأحكام الشرعية كلها مبينة في القرآن ولا أحد يقول من المسلمين هذا الكلام وإلا عطل نص القرآن في غير ما آية ، وقد ذكرنا آنفا الآية السابقة (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) وأنا أضرب بهذه المناسبة مثلا واضحا يستطيع أقل الناس علما أن يفهم خطر هؤلاء الناس الذين يلجأون إلى الاعتماد على القرآن فقط حينما تصطدم شهواتهم وأهواؤهم مع بعض الأحاديث الصحيحة كمثل قوله تبارك وتعالى : (( حرمت عليكم الميتة والدم ... )) حرمت عليكم الميتة نص عام يدخل فيه كل ميتة ، ومن ذلك ميتة البحر ؛ فلو سئل أحد هؤلاء الناس الذين يتسترون وراء ما سمعتم من الحديث الباطل أو أنه لا يوجد نص في القرآن الكريم بتحريم الشيء الفلاني إذا سئلوا ما قولكم في السمك الميت في البحر أيجوز أكله أم لا ؟ هنا لا تراهم يركنون إلى الآية : (( حرمت عليكم الميتة )) فعلى مذهبهم وعلى طريقهم المنحرفة عن السنة عليهم أن يقولوا حرام ، لا يجوز أكل السمك الميت لأنه داخل في عموم قوله تعالى : (( حرمت عليكم الميتة )) كذلك الدم المعطوف على الميتة في التحريم لو سئلوا الكبد والطحال ما رأيكم فيه يجوز أكله ؟ ستراهم يجيبون بخلاف منهجهم لا يلجأون إلى الآية ، يقولون يجوز , لماذا ؟ لأن هناك أحاديث كثيرة في إباحة ميتة السمك ، وبعض الأحاديث في إباحة الكبد والطحال ، ومن أصرحها قوله عليه السلام : ( أحلت لنا ميتتان ودمان الحوت والجراد والكبد والطحال ) إذن ما موقف علماء المسلمين قديما وحديثا بالنسبة لهذه الآية التي تحرم بعمومها وشمولها كل ميتة ما موقفهم بالنسبة للحيتان الكبيرة التي ترميها الأمواج على ساحل البحار ثم تموت هل يجوز أكلها ؟ كلهم قديما وحديثا دون أي استثناء يقولون هذا حلال ، ما هو الدليل ؟ هل هو القرآن ؟ لا هو البيان (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) لقد بين الرسول عليه السلام بأن هذه الآية ليست على عمومها وشمولها ؛ فإذن هذا البيان يجب التثبت به بالشرط الأساسي وهو أن يثبت على طريقة علماء الحديث وليس على طريقة أهواء الناس وأذواقهم وأزمانهم ؛ فهذا هو الحق كما قيل
" فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق "
هذا الذي نراه بالنسبة لهذه الملاحظة التي أبداها الأستاذ أبو مالك .
السائل : أيضا يتفرع من هذا الجواب أو من هذا السؤال سؤالا آخر وهو أن كثيرا من الناس وبخاصة الدعاة يقولون عندما يأتي أحدهم ويعرض له تفسير آية من كتاب الله يقول أحدهم بأن كثيرا من خواطر النفس وما يدور في قلب الإنسان الداعية يؤيد تفسيرا معينا قد يفتح الله به عليه من هذه الآية ، وهذا التفسير لا يوجد في كتاب ولا في كتاب الله ما يؤيده ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي شطحات ذوقية وخيالات تمتد بالإنسان إلى الآفاق البعيدة فيجمع له عقله من هنا وهناك بعض تفسير هذه الآية وكأنه يستلهمها استلهاما من تعلمه طريقة من الطرق أو يعني تلقيه عن شيخ من الشيوخ فنريد أيضا الإجابة عن هذا السؤال بارك الله فيك .
الشيخ : قلنا آنفا بأن الله عز وجل ولى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يفسر لهم القرآن الكريم وأن يبين لهم المعاني التي قد يحتاجون إلى توضيحها وبيانها ؛ لأن البيان المذكور في الآية بيان عام (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) لذلك كانت خطة علماء التفسير دائما وأبدا أن خير الطرق في تفسير القرآن الكريم إنما هو أن يفسر القرآن بالقرآن ؛ فإذا كان هناك آية مجملة وآية مفسرة سلطت هذه الآية المفسرة على الآية المجملة وبينت بها ، وإذا لم يكن هناك في القرآن ما يفسر آية نظر في الحديث فأول مرتبة هو تفسير القرآن بالقرآن ؛ والمرتبة الثانية تفسير القرآن بالسنة الصحيحة ؛ ولا شك ان المقصود عند الاطلاق كما تعلمون السنة الصحيحة فإن لم يوجد في السنة الصحيحة ما يبين الآية فيحنئذ نرجع إلى المرتبة الثالثة وهي تفسير الآية بأقوال الصحابة ، وهكذا دواليك إن لم يوجد فتفسير الآية بأقوال التابعين إلى القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ؛ وهنا لابد من الوقوف قليلا عند التفسير الذي ذكرناه من تفسير الصحابة والتابعين وأتباعهم وهو الذي يرمز إليه عند العلماء بالتفسير المأثور ، المأثور أول ما يدخل كلام الرسول ثم الصحابة ثم التابعين ثم أتباعهم ؛ قد يجد طالب العلم ... .