About the article
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 333
الشيخ : فمن كان عنده سؤال يرفع إصبعه؛ حتى ينتقل إلى الشخص الثاني الذي يليه، وهكذا دواليك؛ والأيمنون فالأيمنون؛ هكذا القاعدة الشرعيِّة.
والآن نفتتح الجلسة بخطبة الحاجة، ولو على الوجه المختصر منها؛ فنقول:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أّمَّا بَعدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الكَلامِ كَلاَمُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّم، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. وقبل إصغائي للأسئلة، أرجو أمرين اثنين في هذه الأسئلة: الأمر الأول: أن تكون أسئلة واقعيَّة من صميم الحياة، ولا تكون نظريَّة قد تقع وقد لا تقع والشيء الثاني -ولعله الأخير-: أن يسأل كلُّ فردٍ منكم عمَّا يهمُّه هو، وليس عمَّا يهمُّ غيره؛ لأن المبدأ الإسلامي يقول: اِبدأ بنفسك؛ ثمَّ بمن تعول. والآن من عنده سؤال من هنا؟ تفضل.
السائل : ما الحكمُ الشرعيُّ بمن يقول: " الله كان ولاَ مَكان "؟
الشيخ : الجواب: مثل هذا النفي يرد كثيرًا على ألسنة المتكلمين من علماء الكلامِ نفيًا أو إثباتًا؛ فنفي المكان كإثباتِه، كذلك نفي الجهة بالنسبة لله -عزَّ وجلَّ- كإثباتها، والأمثلة في مثلها كثيرة. والجواب الصحيح: أنَّه لا يجوز إنكار شيء من هذه الألفاظ أو إثباتها إلا بعد أن نتبيَّن المعنى الذي يقصدة المُثبت لهذه الألفاظ أو نافيها. فنعود بعد هذه التوطئة، وبعد هذه المقدمة الوجيزة إلى الإجابة عن السؤال مباشرة؛ فنقول، بناءً على هذه المقدمة نقول: إن كان الذي يقول: " كان الله ولا مكان " إنما يعني تحقيق أنَّ الله عزَّ وجلَّ- هو الأوَّل، وهو أزليٌّ أبديٌّ لا أول له، وأنَّه كما جاء في الحديث الصَّحيح: ( كَانَ اللهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ؛ ثُمَّ خَلَقَ اللهُ الْعَرْشَ ).فقوله عليه السلام في هذا الحديث: ( كَانَ اللهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ )؛ أي: مِن المخلوقات . ومما لا شك فيه أن المكان إنما وُجِدَ بالكونِ؛ أي: بقوله تبارك وتعالى: (( كُنْ فَيَكُونُ ))؛ كما قال في القرآن الكريم: (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )). فإذا كان الله ولا شيء معه؛ ثم قال للعرش: كن؛ فكان؛ فإذن كان الله ولا مكان؛ لأن المكان مشتقٌ من الكون. أمَّا إن كان الذي ينفي هذا المعنى للمكان يعني به ما يُعارض الشَّرع في توهمه من بعض النُّصوص الشرعية المقطوع ثبوتها ودلالتها أنَّها تعني إثبات المكان لله -عزَّ وجلَّ- وقد عرفنا أن المكان كان بعد أن لم يكن، وأنَّ الله غنيٌّ عن العالمين؛ لكن لما جاءت بعض النُّصوص المقطوع ثبوتها، والمقطوع دلالتها، وكل هذه الأدلة تدور حول إثبات العلو للعليِّ الغفَّار؛ فحينئذٍ قد يتوهم بعض النَّاس أننا إذا قلنا بما دلت عليه هذه النصوص القاطعة ثبوتًا ودلالةً أننا أثبتنا لله المكان. وبناءً على هذا التَّوهم؛ أي: بعض النَّاس يتوهمون من إثبات صفة العلو لله -عزَّ وجلَّ- على المخلوقات كلها، يتوهمون من هذا الإثبات أن ذلك يستلزم جعل الله -عزَّ وجلَّ- في مكان. إذن هم يقولون: " كان الله ولا مكان ". هنا نقول: النفي باطلٌ، أمَّا الإثبات السابق؛ فصحيحٌ، وشتَّان بين المعنى الأوَّل: معنى الإثبات، ومعنى النَّفي؛ لأنَّ معنى النَّفي ينفي دلالات قاطعة، ومعنى الإثبات للمكان يثبتُ دلالات قاطعة؛ هي: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- كان ولا شيء معه، فلما خلق الخلق وُجِدَ مكان؛ ولكن الله -عزَّ وجلَّ- غنيٌّ عن المكان، وغنيٌّ عن الزَّمان، ولا يلزم مُطلقًا أن يكون الله -عزَّ وجلَّ- في مكان؛ حينما يُثبِتُ أهل السنة جميعهم لله -عزَّ وجلَّ- صفة العلو التي نشهد بها في كل سجود نسجده؛ فنقول فيه: " سبحان ربي الأعلى ".إذن ثبت بهذا البيان، وبهذا الجواب عن ذاك السُّؤال: أنَّه لا يجوز نفي أو إثبات معنىً للفظٍ لم يرد عن الله ورسوله؛ وإنما هو اصطلاحٌ بين النَّاس، ففي الحالة هذه ننظر إلى مقصد المتكلِّم؛ فإن كان مقصده يوافق الشَّريعة؛ قلنا: لله مكان بهذا المعنى. وإن كان يعني ما يخالف الشَّريعة؛ قلنا: لا، ليس لله مكان بهذا المعنى. كذلك يُقال: بالنسبة للجهة، بالنسبة للجهة التي قد تُنسَب أو قد تُنفَى، تُنسَب لله، أو قد تُنفَى عنه، كذلك نقول نفس الكلام؛ نقول للذي يقول: إن الله ليس فيه جهة، ماذا تعني بهذا النفي؟ أتعني معارضة قول الله -تبارك وتعالى-: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))؟ (( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ )) ؟ (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))؟ (( اِرْحَمُوْا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))؟ والنصوص قاطعة في هذا أيضًا. إن كان الجواب: نعم، أنا أعني نفي الدِّلالات التي دلت عليها هذه النصوص؛ نقول له: أنت مبطلٌ حينما تنفي الجهة بالمعنى الذي أثبته الشَّرع في الآيات وفي الأحاديث.
وإن كان يعني بذلك حينما يقول قائلٌ ما: "إن لله جهة" أنَّه يعني: أنَّ الله ليس في كل مكان مخلوق، كما يقول القائلون بوحدة الوجود من غلاة الصوفيَّة والمعتزلة وأمثالهم؛ يقولون: "الله موجود في كل مكان"؛ هذا الكلام -حينئذٍ- باطل؛ لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أفهمنا بنصوص قاطعة من أدلَّة الكتاب والسُّنة أنَّ له صفة العلو. فإذا أثبتنا صفة العلو، وسمَّوا هذه الصَّفة بأنها جهة لله؛ قلنا: لا بأس؛ لكن من نفى أنَّ لله هذه الصفة ففيه كل البأس. ولكننا مع ذلك سواء فيما يتعلَّق بالمكان إثباتًا ونفيًا، أو ما يتعلَّق بالجهة إثباتًا ونفيًا، أو ما يتعلَّق -وهذا ترونه في بعض كتب علم الكلام إثباتًا ونفيًا -أيضًا- وهي: إثبات الحد لله تعالى أو نفيه؛ كلُّ هذه الألفاظ الثلاثة من المكان والجهة والحد لا نستعمله إطلاقًا لا بمعنى الإثبات، ولا بمعنى النَّفي. نحن لا نستعمله؛ لأنَّ ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السُّنة؛ إلا أنَّنا نتحفَّظُ مع النَّاس الذين قد يستعملون لفظًا من هذه الألفاظ الثلاثة، لا نسارع في الإنكار عليه ابتداءً؛ وإنما نسأله: ماذا تعني؟ فإنْ عنَى معنىً أثبتته الشَّريعة؛ قلنا: أصبت في المعنى، وأخطأت في اللفظ. وإن قصد بمعنى ذلك اللفظ معنىً يخالف الشَّرع؛ نقول له: أخطأت مرتين: المرة الأولى -وهي الأخطر-: أنَّك عنيت بهذا اللفظ معنىً أثبته الشَّرع فنفيته. والشيء الثاني: أنَّك ابتدعت لفظًا استعملته في نفيه عن الله -عزَّ وجلَّ- وذلك يستلزِم نفي ما أثبته في الكتاب وفي السنة.
هذا جواب ذاك السؤال، ولعله واضح إن شاء الله.
السائل : في شيء في صلب الموضوع يعني.
الشيخ : تفضل.
السائل : يقولون: " إن الله كان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان " ويوردون كلمة في معنى ذلك ينسبونها إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
الشيخ : جواب هذا السؤال تمامًا كما سبق إذا قالوا -وهذا الكلام صوفي نعرفه قديمًا-: " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان " إن كانوا يعنون أنَّه الآن على ما عليه كان غنيٌّ عن المكان الكونيّ المخلوق؛ نقول لهم: أصبتم. أما إن كانوا يعنون بهذه العبارة، وهو الذي يقصده هؤلاء: أن الله -عزَّ وجلَّ- ليس له صفة العلو على العرش؛ حيث جاءت في القرآن الكريم بلفظ: (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )). فإذا أرادوا نفي هذا الاستواء الذي جاء التَّصريح به في القرآن؛ نقول: أبطلتم مرتين: المرة الأولى: أنكم قصدتم معنىً يخالف الشريعة. والمعنى الثاني: أنكم ألحقتم بالحديث جملة، لا أصل لها؛ لأن الحديث الذي ذكرناه آنفًا في صحيح البخاري: ( كَانَ اللهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ ). انتهى، نقطة فاصلة قوية جدًّا، الحديث إلى هنا؛ ثمَّ هم زادوا عليه زيادة باطلة سندًا ومعنىً. أما سندًا؛ فلأنها لا وجود لها في شيء من كتب الحديث إطلاقًا، ( وهو الآن على ما عليه كان ) زيادة باطلةٌ سندًا وباطلةٌ -أيضًا- معنىً بالمعنى السلبي. غيره.
الشيخ : تفضل.
السائل : ما الحكم الشَّرعيّ في دخول مجلس الأمَّة؟
الشيخ : مجلس الأمَّة!
السائل : النُّواب، مجلس النُّواب.
الشيخ : آه! أنا فاهم؛ لكن لو ثبتَّ على الاسم الأول لعملنا محاضرة عليه! هذا ليس مجلس الأمَّة، هذا برلمان، هذا مجلس الأمم اللا إسلاميَّة؛ لأنَّه في الأمَّة التي هي أولاً: مسلمة، وهي ثانيًا: تحكم بما أنزل الله؛ فليس فيها مجلس يُسمَّى بمجلس الأمَّة؛ لأن هذه التسمية تتناسب مع النظام الغربي الكافر؛ ولكنَّ هذه التسميَة لا تتماشى أبدًا مع النِّظام المسلم الذي يقول: (( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )) . والآية الأخرى: (( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )).قد يَخفى هذا الكلام المُجمل على بعض النَّاس، فلا بد لنا من تفصيلٍ حوله؛ حينما قال ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في الآية الأولى آمرًا لنبيِّه؛ بقوله: (( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ))؛ ثمَّ لما أخبر عن النِّظام الإسلاميِّ في الأمَّة الإسلاميَّة بالآية الثانية؛ فقال: (( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )) بداهةً يعرف كل مسلم؛ حتى لو لم يكن عالمًا بالمعنى الكامل الصَّحيح، وحسبه أن يكون طالب علم، وأُوتِيَ شيئًا من الوعِيِ، والثقافة الإسلاميَّة؛ فإنَّه سيشارك العلماء في أن يفهم من كل من الآيتين أنَّ أمرُهُم (هُم) وشاورهُم؛ الضمير في كل من الآية، لا تعني الآية كل فردٍ من أفراد المسلمين. أمَّا مجلس الأمَّة -المزعوم-؛ أي: البرلمان؛ فهو يعني كلَّ فردٍ من أفراد المسلمين لا فرق عندهم بين صالحٍ وطالح، وبين عالم وجاهل، نعم هم لهم شروط -يعني- معروفة؛ ولكنها مدنية وليس لها صلة بالأحكام الشرعية مطلقًا. فإذا عرفنا هذه الحقيقة؛ وهي أنَّ الحكم الإسلاميّ لا يُنشيء مجلسًا يجمع كل أفراد الأمة دون تفريقٍ بين العالم والجاهل، والصَّالح والطَّالح؛ حينذاك عرفنا: أولاً: أنَّ التسميَة غير شرعيَّة، وبالأولى معناها غير شرعيّ. وثانيًا: فهِمَ السائل الجواب: أنَّ الدخول في مثل هذا المجلس ليس شرعيًا؛ لأنَّه كما قيل: هل يستقيم الظِّلُّ والعودُ أعوج؟! إذا كان اسم هذا المجلس غير إسلامي؛ فمسمَّاه يا تُرى ماذا سيكون؟! سيكون كما نُسمِّي اليوم الرَّقص والخلاعة: بالفنون الجميلة، ونُسمِّي الرِّبا المحرَّم بنصِّ الكتاب والسُّنة: بالفائدة، ونسمِّي الخمر قديمًا: بالنَّبيذ، وحديثًا: بالمشروبات الروحيِّة. وهذه كما جاء في الحديث الصحيح بالنسبة للخمر: ( يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ). أظنُّ أنني أعطيت جوابك تمامًا. غيـره.
الشيخ : تفضل.
السائل : ما حكم التَّعامل مع البنك الإسلاميِّ بالطَّريقة التي تعرِفونها؟
الشيخ : لا يجوز مثل هذا السُّؤال المطلق والإجابة عليه، وبخاصة أنك قلت: " مثل ما تعرف " فهل أنا أعرف دخائل البنك الإسلامي بتفاصيلها؟ لا! فإذن الصَّواب أن تُحدِّد السُّؤال، ما هي المعاملة التي أنت تسأل عنها، سواء كانت لها علاقة بالبنك الْمُسمَّى بالبنك الإسلامي، أو مسمّىً بالبنك البريطاني، ما مهم الأسماء، المهم المسميات؛ فإذن ما هي المعاملة التي أنت تسأل عنها.
السائل : أقصد إذا أراد شخص أن يأخذ قرض من البنك الإسلامي ليقوم ببناء بيت، يقوم البنك بشراء المواد على أن يُسدِّدها الشَّخص بمبلغ يزيد، ويسمُّونه ربحًا، هذا الذي أقصد.
الشيخ : ايه! نعم، بعد أن أوضحت سؤالك؛ فسيتضح لك -بالتالي- جوابي. وهو أنَّ هذه المعاملة لا ينفرِد بها بنك يُسمَّى بالبنك الإسلاميّ؛ حتى البنوك التي لا تتسمَّى بهذا الاسم؛ بل قد تتبرأ منه، قد تتعامل بنفس هذه المعاملة، فسواءً كانت تصدُر من البنك الإسلاميّ أو غيره فهي معاملة ربويَّة، لا يجوز؛ لأنهم: أولاً: يسمُّونها بغير اسمها: قرضًا حسنًا؛ ليس هذا بالقرض الحسن. القرض الحسن أن يشتري لك بضاعة الدَّار بعشرة آلاف دينارٍ -مثلاً-، ويأخذها منك عشرة آلاف دينار. وهنا حقيقة لابدَّ أن أُذكِّركم بها؛ لكنَّها حقيقة شرعيَّة، وهي حقيقةٌ رائعةٌ جميلةٌ جدًّا؛ إلا أن أكثر النَّاس لا يعلمون. الذي يُقرِض المسلم عشرة آلاف دينار قرضًا حسنًا حقيقةً، ويستلِم منه هذا القرض الحسن بعد حلول الأجَل؛ هو في الحقيقة -وهنا النُّكتة، وأرجو أن تنتبهوا لها- هو يستلم عشرة آلاف زائد خمسة آلاف؛ لكن الخمسة آلاف هذه مضمونة، مضمونة عند ربِّ العالمين ما في البنك. وتوضيح هذا الكلام أنَّه جاء في الأحاديث الصحيحة: ( قرض درهمين مثل صدقة درهم ). فأنت إذا أقرضَت مسلم مائتي دينار؛ كأنما أخرجت من جيبك صدقة لوجه الله مائة دينار. فإذن هذا الذي أقرضك عشرة آلاف لله، وسلمتها له؛ سُجِّل له عند الله خمسة آلاف قرض حسن فعلاً؛ يعني أجر هذا القرض الحسن، هذا الناس عنه الآن غافلون كل الغفلة، والربح الحقيقي هذا هو الربح. لعلكم تعرفون قصة ذلك الصحابي الذي -أظنُّ- أوقف حديقة له؛ وقال له الرسول عليه السَّلام: ( رَبِحَ الْبَيْعُ، رَبِحَ الْبَيْعُ ).
السائل : بَيرُحَاء.
الشيخ : بَيرُحَاء؛ أي: الحديقة. ليش قال له: ( رَبِحَ الْبَيْعُ )؟ لأنَّه أوقفه لله بدون قرش؛ هذا هو الربح الحقيقي. فالتَّاجر المسلم اليوم صحيح يربح أموالاً طائلةً من الناحية الماديَّة؛ لكنَّه أولاً: يخسر بارتكابه المحرمات، وثانيًا: يخسر بخسارته الأجور التي كانت ستتضاعف له فيما لو أقرض المسلمين قرضًا حسنًا. لو جاء شار يريد أن يشتري سيارة -فمن هو- مثلاً عشرة آلاف نقدًا؛ ولكن بالتَّقسيط عشرة آلاف زائد خمسمائة ألف، على حسب ما يتفقوا على ذلك؛ فلو أنَّه باعها عشرة آلاف بالتَّقسيط؛ ماذا ربح هذا الرجل عند الله؟ خمسة آلاف. بالإضافة هو ربِحَ الرِّبحَ الشَّرعيَّ، رَبحَ النَّقد، ما خَسِرَ، رَبِحَ؛ لكن رَبِحَ ربحًا عظيمًا جدًّا هو الرِّبْح الحقيقيّ الذي جاءت الإشارة إليه في حديث: بَيْرُحَاء؛ حيث قال عليه السلام لمن تصدق به: ( رَبِحَ الْبَيْعُ، رَبِحَ الْبَيْعُ ). إذن لا يجوز التعامل مع البنك الإسلامي في هذه الصورة.
السائل : عن نفس الموضوع.
الشيخ : نفس الموضوع؟
السائل : نعم.
الشيخ : تفضل.
السائل : لو أنَّ البنك -يعني- استلم- يعني- نفس الحالة المذكورة-، لو أنَّه اشترى هذه المواد وأصبحت ملكا له، ثمَّ أخذ يبيعها بأرباح هل هذا يخرجه من كونه حرام؟ يعني امتلكها، وأصبحت له.
الشيخ : بالتعبير العسكري في بعض الدُّول العربية: " مكانك راوح! " وعبارة أخرى: " دوبذي، دوبذي " أو " دورة ولفتة "؛ لأنَّه سيأتيك الآن السؤال التوضيحيّ. لو هذا البنك اشترى هذه البضاعة قلنا -مثلاً-: بثمانية آلاف، لو جاءه شخص، وقال له: بعني هذه البضاعة كاش نقدًا، يبيعها بأقل ما عشرة الآف أم لا؟ يبيعها.
السائل : بأكثر طبعًا، إذا امتلكها يريد يبيعها بأكثر.
الشيخ : ما أجبتني! هو اشترها بثمانية آلاف، ويريد أن يبيعها بعشرة آلاف على الطريقة التي ذكرتها أنت.
السائل : بعد أن امتلكها.
الشيخ : امتلكها. نعم، هذه هي الطريقة التي أنت ذكرتها عنه. يريد يبيعها بالدَّين، بالتَّقسيط.
السائل : لا، أنا لا أقصد بالتَّقسيط، يدفع عادي يعني.
الشيخ : لا، هذا كلام خطأ، هذا سؤال ما وارد! التُّجَّار يشتغلون بهذا، لا ينفرد البنك بهذه المعاملة.
السائل : أنا هذا الذي قصدته يعني، لو أنه انفرد بهذه المعاملة التي ذكرت لك.
الشيخ : يا أخي! الله يرضى عليك، هذا السُّؤال ما في داعي له؛ يعني: أي تاجر يشتري بضاعة ويبيعها بكاش بسعر معين، فله أن يبيع بما يشاء؛ لكن المشكلة أنه إذا جاءه إنسان ما في معه فلوس يريد أن يشتريها بالتَّقسِيط، يأخذ منه زيادة وإلا لا؟
السائل : يأخذ!
الشيخ : طيب، فإذن السُّؤال الذي عم تسأل عنه غير
السائل : غير ... .
الشيخ : غير ذي موضوع، ايه. نعم.
الشيخ : تفضل يا أستاذ!
السائل : في نفس الموضوع.
الشيخ : لا، يكفي هذا، حتى نرى عند ماذا الإخوان أسئلة.
السائل : قضية التوفير تبع موظفين الوكالة، يوضع لهم توفير؛ يعني رغم أنوفهم، ويأخذون فوائد عليه من البنوك الأجنبية، فما حكم هذه الفائدة، أخذها؟
الشيخ : ايه! بقى! أنا أرجو أن تتذكر ما قلتُ -آنفًا-: لا تستعملوا كلمة: "الفائدة " استعملوا كلمة: الرِّبا لأنَّ استعمالكم لكملة: "الفائدة" تطغى على الحرمة التي المفروض أن تكون مستقرة في قلوب المسلمين؛ هذه اسمها: " بردغة! " اسمها: " دهان "؛ ولذلك كونوا: أيقاظًا، ولا تكونوا نيامًا، استعملوا الألفاظ الشرعيَّة، ودعوا الألفاظ الكفريَّة. كلمة: فائدة ترجمة عن كلمة أجنبيَّة، ما هما ما عندهم شيء اسمه: حرام! ولذلك قال الله -عزَّ وجلَّ- في القرآن الكريم: (( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )) . الشاهد: قوله -عزَّ وجلَّ- عن أهل الكتاب فضلاً عن من لا كتاب لهم؛ كالشيوعيين، والدهريين وأمثالهم، أهل الكتاب يقول رب العالمين عنهم: (( وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))؛ ولذلك فهم لا يوجد عندهم شيء اسمه: ربا؛ لكن: فائدة! فتأثر المسلمون باستعمالات الغربيين بألفاظهم ومعانيهم وطغت معاملاتهم عليهم؛ فانحرفوا عن دينهم، وأصابهم ما أصاب المسلمين -اليوم- مع الأسف- من الذُّلِّ الْمُجسَّد في فلسطين باليهود. إذن لا تستعملوا لفظة: الفائدة مكان الرِّبا. والجواب: (( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ )) هذا المال الذي اقتطعوه من الموظفين رغم أنوفهم، ثمَّ يعيدون هذا المال المقتطع مع الرِّبا؛ فلك رأس المال، وهذا الرِّبا لا يجوز أن تستفيد أنت به أو غيرك من فرد من أفراد المسلمين؛ وإنَّما يُصرف فيما يُسمِّيه العلماء والفقهاء بالمرافِق العامة؛ يعني في شيء يستفيد منه جماهير النَّاس، لا فرق بين غنيٍّ وفقير، بين صالح وطالح، بين مسلم وكافر، والأمثلة في ذلك كثيرة جدًّا. إن كان مال قليل -مثلاً- فهو سحب ماء في مكان بحاجة إلى ماء، أو تعبيد طريق وعِر لبعض النَّاس خاصة العجزة، و و وإلى آخره. هكذا سبيل المال الحرام، إذا أراد المسلم أن يتخلص منه، فليس له أن يستفيد منه، ولا بقرش واحد؛ وإنما يصرفه في المرافق العامة. تفضل.
السائل : نعلم من الأدلَّة أن الأئمَّة من قريش.
الشيخ : ايه! نعم.
السائل : فهل هذا الأمر يعني وجوب أن يكون الإمام قُرشيًّا، أم يجوز في حالة عدم توفر القرشي أن يكون الإمام غير عربي؛ يعني توفرت فيه شروط الإمامة.
الشيخ : نعم، سؤالك بالأول كان مُحرِجًا؛ ثمَّ استقام على الطَّريقة بعد أن قيَّدته؛ الجواب: كما جاء في السؤال تمامًا؛ لكن مع شيء من التوضيح أو التأكيد أو الدندنة حول هذا الشَّرط الذي تواتر وروده عن النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم؛ ألا وهو قوله: ( الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ). فيجب على المسلمين أن يكون هذا الشَّرط ماثلاً دائمًا بين أعينهم، ولا يجوز لهم أن يجعلوه وراءهم ظهريًّا، كما هو شأن بعض المذاهب، وبخاصة منها بعض الفرق الإسلاميَّة التي خالفت السنة المحمديَّة في عشرات المسائل؛ كالخوارج مثلاً، والإباضيَّة؛ حيث ينكرون هذا الشَّرط أن يكون متحقِّقًا في الخليفة الذي ينبغي أن يُختار لإدارة الحكم الإسلاميّ.
كما أنَّه وُجِد حزبٌ من الأحزاب الإسلاميَّة اليوم ممن ينتمون إلى السنة -والحمد لله- تورَّطوا ونفوا -بسبب جهلهم بالسنة- أن يكون هذا شرطًا ثابتًا. فإذا عرفنا هذا، وتأكدنا من ضرورة وجود هذا الشَّرط أمام أعيننا دائمًا؛ حينذاك نقول: كما دلتنا أحكام الشريعة في غير ما حكمٍ؛ مثلاً: الصلاة صلاة الفريضة من قيام؛ فهو ركنٌ من أركان الصَّلاة، فمن صلَّى مستطيعًا قاعدًا للفريضة؛ فصلاته باطلة. لكنه إذا لم يتمكن، وإذا لم يستطع لا يُقال له: استطع! لأنه سيقول: لا أستطيع! وربُّنا يقول: (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) .إذن نقول له: افعل ما تستطيع؛ كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصَّحيح: ( مَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ )؛ أي: كلَّه. فيما يتعلَّق بالأوامر فيه تحديد: ( مَا اسْتَطَعْتُمْ ). فيما يتعلَّق بالنَّواهي ما فيه تحديد، ما هو السَّر؟ يجب أن تعرفوا السِّر أو الحكمة. حتى ما تقولوا: هل هناك سر في الإسلام أو أسرار؟ الجواب: لا. لكن في كثير من الأحيان ما يُعبَّر بكلمة السر عن الحكمة. ما الحكمة في أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال في الأوامر: ( مَا اسْتَطَعْتُمْ )، وفي النَّواهي أطلق وقال: ( فَاجْتَنِبُوهُ )؟ الحكمة في ذلك: أن الأوامر تحتاج إلى عمل، والعمل يتعلَّق بقدرة الإنسان وطاقته، وقدرته وطاقته محدودة؛ ولذلك قال: (( فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )). أمَّا النَّواهي فهي بعيدة عنك، فإذا أردت -لا سمح الله- أن تأتي شيئًا منها، فينبغي أن تفعل؛ فالله عافاك وقال لك: لا تفعل، لا تفعل؛ إذن لا تفعل شيئًا من النواهي إطلاقًا؛ أما الأوامر فما استطعتم منها. إذا عرفنا هذه القاعدة أولاً، والمثال لها ثانيًا؛ وهو ( صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَصَلِّ جَالِسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ).نعود إلى شروط الخليفة المسلم الرَّاشد؛ فهي كثيرة جدًّا معروفة في كتب الفقه: أولها: أن يكون مُسلمًا؛ فلا يجوز أن يكون غير مُسلمٍ. ثانيًا: أن يكون بالغًا؛ فلا يجوز أن يكون ورِثَ الولاية من أبيه وراثةً، وهو لا يزال يمكن -تقولون أنتم: "في الإنداء" ولا ايش تقولون؟- في السرير يعني .
السائل : آه
الشيخ : هاه؟
السائل : في الكوفلية
الشيخ : كيف؟
السائل : في الكوفلية.
الشيخ : في الكوفلية. لا، إنما يُشترط أن يكون بالغًا. كذلك عدَّ ما شئت من الشُّروط. يأتي أخيرًا: العالم الشجاع المريد إذا عزم يتوكل على الله ولا يبالي والمثال في الخليفة الأول: أبو بكر الصديق؛ حينما عزم على أن يُقاتل أهل الرِّدة. من هذه الشروط: القُرشيَّة. فإذا وجدت هذه الشُّروط التي ذكرناها آنفًا زائد القُرشيَّة؛ لم يجز أن نختار شخصًا آخر توفرت الشُّروط كلها ناقص القُرشيَّة. لا، هذا القرشي هو أولى من ذاك. أما قد نجد رجلين -مثلاً- كلٌّ منهما توفَّرت فيه شروط الخلافة إلاَّ شرطًا واحدًا؛ أحدهما لم يتوفَّر فيه القُرشيَّة، والآخر لم يتوفر فيه العلم؛ ونعني نحن حينما نذكر العلم هو المعرِفة بالكتاب والسنة، ولا نعني بالعلم العلم التقليديّ الذي بيسموه اليوم: "الفقه"، وهذا يتفقه بمذهب الحنفي، أو الشافعي، والمالكي، الحنبلي. لا، العالم ليس فقط الحاكم الأول أي: الخليفة، أي عالم مسلم يريد أن يُفتي الناس، فلا يجوز له أن يُفتي إلا بما قال الله، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن كان ليس كذلك فإذا سُئل يكون حاكيًا. ايش معنى حاكيًا؟ يعني: مُسجِّلة! الحاكي بالزمن القديم، كان فيه صندوق بيسموه: "فوتوغراف"، أو "فونوغراف". تعرفوه هذا؟ فيه لوحة هيك.
السائل : صندوق العجب.
الشيخ : نعم.
السائل : صندوق العجب.
الشيخ : صندوق- يضحك- هذا ما تلاقطه؟ مثل: المسجلة يعني، مثل الكمبيوتر، ماذا تلقطه يلتقط، ويعيده إليك. صواب خطأ، جميل قبيح؛ ما مهم. أيضًا، هذا الذي ليس عالمًا بالكتاب والسنة فهذا لا يجوز أن يُفتي النَّاس إذا سُئل: هذا يجوز ولا لا يجوز؟ حرام ولا حلال؟ صحت صلاة ولا بطلت؟ صح النِّكاح ولا بطل؟ لا ما يجوز أن يقول شيء؛ إلا أن يقول: الشيخ الفلاني، المذهب الفلاني يقول كذا. فهو حكواتي يحكي فقط ليس إلاَّ. ولذلك فإذا كان مركز الحاكم الأول أن يدير شئون الدولة كلها ما شخص جائي يسأل ويفتيه، يمكن يفتيه يخرِّب بيته؛ لكنه هذا سيخرِّب الدولة كلها إذا كان جاهِلاً بالكتاب والسُّنة. فإذا فرضنا -إذن- أنَّ رجلين توفرت في كل منهما شروط الخلافة ناقص واحد. أحدهما ينقصه القُرشيَّة، والآخر الفقه في الكتاب والسنة. آثرنا هذا على ذاك؛ لأن هذا أنفع لإدارة شئون الدولة من ذاك القرشي الجاهل بالكتاب والسنة. وبخاصة، أقول هذا من باب العلم والبيان، وليس لتَبنِّيهِ: إنَّ بعض الفرق الضَّالة، والأحزاب التي تأثرت ببعض آرائهم يعلِّلون قول الرَّسول عليه السَّلام في الحديث السَّابق: ( الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ) أنَّ قبيلة قريش كان لها منزلة خاصة في العرب، في جميع قبائل العرب، يعني كما نقول: أن هذا خليفة على هذه الأمة؛ فقريش هي خليفة على القبائل العربية، فكان لها صولة ولها دولة، فلا يخضعون لأي حاكم يريد أن يحكمهم إلا أن يكون قرشيًّا. هذا تعليل يقوله بعض الناس؛ مثل: ابن خلدون -مثلاً- في التَّاريخ، في مقدمة تاريخه، وغيره؛ لكن هذا التعليل مرفوض، لماذا؟ لأن هناك أولاً: قوله عليه السَّلام كما في صحيح البخاري: ( لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ )، ( لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ )؛ ولذلك فالتَّعليل السَّابق، وإن كان له وجاهة في المنطق؛ ولكنه يتعارَض مع منطق الشَّرع.
الشيخ : وهنا يجب أن نقول: هناك قاعدة موهومة كان رفع أعلامها السوداء أحد كبار علماء الأزهر في زمانه؛ وهو محمد عبده، وتبِعَه في ذلك -مع الأسف- رجل له في نفوسنا قدره ومنزلته؛ وهو: رشيد رضا -رحمه الله-. نصبوا قاعدة باطلة: "إذا تعارض العقل مع النَّقل؛ قُدِّمَ العقل على النَّقل" هذا كلام باطل. إذا تعارض العقل مع النَّقل؛ وجب تقديم النَّقل على العقل لسببين اثنين: أولاً: أنَّه ليس هناك عقل واحد يُمكن أن يُرجع إليه؛ فعقول النَّاس تختلف؛ كاختلاف الأشجار، والأوراق، والأزهار و و إلى آخره، ليس هناك وحدة تجمعها إطلاقًا. فما يكون معقولاً عند زيد يكون غير معقول عند آخر، وناس يتوسطون بين ذلك، بين هذا وهذا إلى آخره؛ ولذلك -لهذا السبب الأول- يجب تقديم النقل على العقل؛ لأنَّه لا مرجع هناك يُسمَّى عقل، فإذا اختلفنا رجعنا إليه. أمَّا النَّقل فمحفوظٌ بحفظ الله -عزَّ وجلَّ- إيَّاه؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )). ثمَّ سخَّر الله -عزَّ وجلَّ- ليحفظ بيان هذا المحفوظ من القرآن الكريم؛ ألا وهم: أئمة الحديث؛ فحفظوا لنا سنَّة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم التي تتولَّى بيان القرآن الكريم الذي جاء ذكره في مثل قوله -عزَّ وجلَّ-: (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )). هذا البيان هو السُّنَّة؛ فالقرآن محفوظ، والسنة -أيضًا- محفوظة؛ فالنَّقل محفوظ والعقل غير محفوظ. ولذلك فمن أبطل الباطل أن نقول: " إذا اختلف العقلُ والنَّقلُ قُدِّم العقلُ على النَّقلُ "؛ هذا كلام باطل. والصَّواب: أنَّه يجب على كل مسلم أن يقدم النَّقل على العقل؛ ولكن ليس كل نقل هو الذي نعنيه؛ وإنَّما هو النقل الثابت عن الرسول عليه السلام؛ وإلا فلعلكم جميعًا تشتركون معي في أنَّكم تعلمون في أنَّ هناك أحاديث موضوعة، وأحاديث ضعيفة ومنكرة منتشرة بين النَّاس سماعًا، وكتابةً، ونشرًا، وإذاعةً؛ فإذن إنما نعني بتقديم النَّقل على العقلِ إنما هو النَّقل الصَّحيح الثَّابت عن الله ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم. إذا كان الأمر كذلك؛ فإذا ثبت أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ ) بطل التعليل السابق؛ لأنَّه تعليلٌ عقليٌّ. هذا هو السبب الأول؛ وهو: النقل يخالف ذلك العقل، ولأنه عقلٌ لشخص واحد معين. السبب الثاني: استمرار العمل من المسلمين بهذا الشرط بضعة قرون؛ حتى في عهد الدولة العثمانية التي كان ملِكُهَا أو لنقل: خليفتها، كان أعجميا تركيًا، كانوا يحاولون أن يتمسكوا بهذا الشرط، ولو شكليًا؛ حيث كانوا يضعون بجانب الملك رجلاً من أهل قريش، قرشي؛ كأن هذا هو الأصل، وهذا نائبٌ عنه، نحن ما يهمنا هذه الشكلية بالطبع؛ لأننا نحارب الشكليات تمامًا؛ لكن حجتنا أولاً: استمرار العمل بهذا الشرط في القرن الأول والثاني والثالث في الدولة الأموية والعباسية، إلى أن انقرضت -مع الأسف- الدولة العباسية؛ ثمَّ جاءت دويلات كثيرة وكثيرة جدًّا؛ لكن هذا محمد الفاتح العثماني سنَّ هذه السنة الشكلية؛ أن يكون بجانب هذا الحاكم العثماني رجل قرشي؛ لأنه ثابت في مذهبهم الحنفي: أنَّ الأئمة من قريش. فإذن هذا دليل ثانٍ يُبطل التعليل السابق، الذي يعود أو تكون حصيلته أنَّ هذا حكمًا، كان حكمًا -كما يقولون اليوم- حُكمًا زمنيًا، أو حُكمًا عصريًا. الحديث واستمرار العمل به يُبطل هذه الدعوى، ولابدَّ في نهاية المطاف في هذا الجواب أن نُذكِّر بقوله تعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )). الشاهد: (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) فإن ادَّعى فرقة من الفرق التي خرجت عن السنة، أو فرد من الأفرد، أو حزبٌ من الأحزاب أنَّ هذا الحديث أولاً: غير صحيح، أو صحيح ولكنه غير متواتر؛ فالرد عليه من ناحيتين: أولاً: هو تواتر، متواتر كما يشهد بذلك أمير المؤمنين في زمانه في الحديث: ابن حجر العسقلاني. ثانيًا: هو حكمٌ شرعيٌّ، ليس عقيدة. العقيدة: هناك رأيٌ، وهو رأيٌ باطل. -ولا تشرب بيدك اليسرى سامحك الله-. هناك رأيٌ وهو رأيٌ باطلٌ يُفرِّقُ بين الأحكام وبين العقيدة، ويشترط في العقيدة أن يكون الحديث متواترًا، ولا يشترط مثل هذا في الحكم؛ فنقول: هذا حكمٌ، وليس عقيدة، يُشترط في الحاكم أن يكون عالمًا؛ هذا حكمٌ، أن يكون قرشيًا؛ هذا حكمٌ، أن يكون مُسلمًا؛ هذا حكمٌ. إلى آخره.إذن يكفينا أن يكون الحديث هنا صحيحًا؛ فكيف بكم وهو صحيح ومتواتر؟! ثانيًا -وأخيرًا-: جرى عليه عمل المسلمين؛ فليحذر المخالِف أن يدخل في وعيد قوله تعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )). في أحد هناك، فيه سؤال؟ لا، هناك. تفضل.
السائل : ما حكم نشيد الرِّجال أمام الرِّجال باستخدام الدُّف؟
الشيخ : أما استعمال الدُّف فهو -بلا شك- يعني- حكمٌ مخالف للشرع باتفاق المذاهب الأربعة وغيرهم؛ لأنَّ الدُّف من آلات الطَّرب، ومن المعازف التي جاء الحديث الصَّحيح في النَّهي عن آلات المعازف كلها؛ كما جاء في صحيح البخاري، من حديث أبي مالك الأشعريِّ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم: ( لَيَكُونَنَّ في أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ). يستحلِّون الحرير، وقبله الخمر، وقبله: الحِرَّ؛ وهو: الفرج الزنا، ( يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، يمسون في لهو ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير ). إذن؛ الدُّف من جملة المعازف المحرَّمة، ولم يبح الشارع الحكيم استعمال شيء من المعازف؛ اللهم إلا الدُّف وفي وقتين لا ثالث لهما: العرسُ، والعيد؛ وليس كل عيد؛ وإنما عيد الفطر، وعيد الأضحى، يجوز استعمال الدُّفِ في العرس وفي العيدين. هذا أولاً. ثانيًا : الدُّف للجنس الذي يُسمَّى اليوم بالجنس اللطيف، ولعلَّه مشتقٌ من تسمية الرَّسول الألطف؛ وهو قوله عليه السَّلام: ( يَا أَنْجَشَة! رِفْقًا بِالْقَوَارِيرِ )؛ لأنَّ القوارير لا تتحمل الضغط والشِّدة، ونحو ذلك. فهذا الجنس؛ أي: النِّساء، القوارير؛ هن التي أجاز الرسول عليه السَّلام لهنَّ الضَّرب على الدُّفِ، وفي الزمنين المذكورين آنفًا. أمَّا الرجال؛ فالرجال يجب أن يكون لهم عملٌ آخر؛ وهو أن يكونوا من الأبطال ومن المجاهدين في سبيل الله، وأن يتقدَّموا النِّساء، وأن لا يتشبَّهوا بهنَّ؛ فإن النِّساء -كما تعلمون جميعًا- إذا خرجن للجهاد في سبيل الله؛ كن في الساق؛ في آخر حرف الجيش؛ يداوين المرضى ويسقين الجرحى، ونحو ذلك. أمَّا الرِّجال فيتقدَّمون النِّساء، ويقارعون الأبطال من الكُّفَّار؛ فإذن الضَّرب بالدُّف يجوز للجنس الواحد وهو النِّساء، وفي الزمنين المذكورين آنفًا. فإذا كان الدُّف فيما يُسمَّى اليوم بالأناشيد الدينيَّة أو الأناشيد الإسلاميَّة؛ فأنا أُذكِّر -والذكرى تنفع المؤمنين-: من مصائب هذا العصر أنَّنا نُسمِّي الأشياء بغير أسمائها الحقيقيَّة؛ لم يقف الأمر -مع الأسف الشديد- فيما أخبر عنه الرسول عليه السلام مما سبقت الإشارة إليه آنفًا؛ لكني لم أذكر الحديث كاملاً؛ ألا وهو قوله عليه السلام: ( لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اِسْمِهَا ). نبأٌ عظيم أخبر به الرَّسول عليه السَّلام قبل أن يقع، وهذا من معجزاته عليه السلام العلمية التي تزيد المؤمن إيمانًا، وتجعل الكافر إذا كان مُخلِصًا أن يؤمن بالله ورسوله؛ لأنَّ هذه الأخبار الغَيْبِيَّة لا يمكن للبشر أن يعرفوها إلا بطريق وحي السَّماء. فلم يقف الأمر الى استحلال الخمر بتسميتها بغير اسمها الحقيقة؛ وإنما توسَّع المسلمون اليوم -كثيرًا -وكثيرًا جدًّا- بتسمية بعض الأشياء بغير أسمائها الحقيقيَّة. فأول ما يخطر في بالي -الآن- من هذه الأسماء: "الاشتراكيَّة الإسلاميَّة"، سمعتم هذا الاسم ولابد؛ لكن كنت أخشى -ولعل هذه الخشية الآن زالت بزوال دولة الشيوعيَّة- كنت أخشى أن نرى كتابًا بعنوان: الشيوعية الإسلامية! كنت أخشى هذا؛ لكن ما دام قُضِيَ على الشيوعيَّة، فلعل الخشية زالت؛ وإن كان محتمل أن تعود الشيوعية بطريقة أو بأخرى. الشَّاهد: الاشتراكيَّة الإسلاميَّة -عياذًا بالله!- وانظروا كيف أن الاسم له حقيقة، وله تأثير فعلاً حينما تقرأ كتابًا مؤلفًا في الاشتراكيَّة الإسلاميَّة تجد هناك أحكامًا غير إسلاميِّة؛ وإنما تأثر الكاتب للكتاب ببعض الأفكار الغربية الشيوعية؛ ثمَّ في حدود ما يعلم من الشَّرعِ أو ما لا يعلم -ولعل هذا أصحَّ تعبيرًا-؛ قال: أن هذا الحكم جائز. مثلاً: من نظام الاشتراكيَّة: مصادرة رؤوس الأموال الضَّخمة، ومصادرة المرافق العامة؛ مثلاً : رجل في أرضه نضح بئرًا .