هل تعلمون ما فعلتم بيوسف

إن نعم الله جل وعلا على عباده لا تعد ولا تحصى , وإن من أجل هذه النعم  أن أرسل الحق سبحانه وتعالى إليهم الأنبياء والمرسلين ,  وأنزل معهم الكتاب والحكمة  فقال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } الأنعام48
فمن البشر من استقبل هذه النعم بنفس راضية ,  وقلوب مطمئنة ,  وأذان واعية  ؛ وقالوا (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ  لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا   بِالْحَقِّ ) الأعراف 43  ومنهم من قال  ( أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ    غَنِيٌّ حَمِيدٌ } التغابن6
  وكما كان استقبال البشر للرسل والأنبياء متفاوتا فكذلك كان استقبالهم  للكتب متفاوتا فمنهم من قال (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } آل عمران 7  ومنهم من قال عنهم الحق سبحانه وتعالى (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ) الأنعام 91 .
وصدق الحق جل وعلا حين قال {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213
ولأن الحق سبحانه وتعالى أخذ على نفسه عهدا أن لا يظلم الناس شيئا فقال جل وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } النساء40 كما أنه جل وعلا  لا يأخذ المخطئ لأول خطأ .
فقال تعالى  {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }فاطر45
ولذا أرسل الحق سبحانه وتعالى إلى الأمم المعاندة رسلا كثيرين  فقال جل  وعلا {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ }المؤمنون44 وما هذا إلا  (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } طه113
 إلا أن هذه الأمم كانت كما قال الحق سبحانه وتعالى (كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى }  النجم52 وصدق فيهم قول ربنا (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } الإسراء60 وبخطيئتهم طُبع على قلوبهم فقال تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155
وكذلك قال الله جل وعلا {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ } الأعراف101  وقال سبحانه وتعالى عنهم أيضا {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } غافر35
 ومنهم من امتدت أيديهم إلى الكتب المنزلة إليهم فقال جل وعلا عنهم  {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }الأنعام93
بل تمادوا في غيهم فـ (شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى21  بل امتدت أيديهم إلى ما هو ابعد من ذلك وفى هذا يخبرنا الحق سبحانه وتعالى  بقوله {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ }المائدة70                            
ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد البشر إلى الخير فأرسل إليهم خير خلقه وافضل رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم استجابة لدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام وفى هذا يقول سبحانه وتعالى على لسان نبي الله إبراهيم حين فرغ من رفع قواعد البيت الحرام فقال {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } البقرة129 وعن هذا يقول صلى الله عليه وسلم  " أنا دعوة أبى إبراهيم , وبشرى أخي عيسى ,  ورؤيا أمي أمنة "
بل وأخبرنا الحق جل وعلا أنه سبحانه وتعالى أخبر جميع الأنبياء بأنه جل وعلا سيرسل رسولا يختم به الرسالات وسيكون مصدقا لما أرسلوا به من قبل ومن  ثم فعليهم أن يؤمنوا به بل ويأمروا أقوامهم أن يؤمنوا به وفى هذا يقول سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81
وحين أكرم الحق سبحانه وتعالى الدنيا ببعثة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم  فأعلمهم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن للعرب خاصة بل إنما هو رحمة للعالمين فقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107وأنه صلى الله عليه وسلم رسول لكل البشر من بعثته إلى قيام الساعة بل والى ما بعدها فقال سبحانه وتعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً *يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً } النساء41/42
ومن ثم قال جل وعلا ليخبر الدنيا بأسرها بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء170وبقوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158 وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33
ولأن  أهل الكتاب هم أصحاب الكتاب الأول ومن المفترض أن لديهم خبر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وفى هذا يقول جل وعلا  {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } المائدة19
 ولأنهم لم يستجيبوا لما جاء به المعصوم صلى الله عليه وسلم  بسهولة ويسر  بل وقفوا لدعوته وللإسلام بالمرصاد , فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يطمئن نبيه  محمد صلى الله عليه وسلم بأن دعوته باقية ودائمة إلى يوم القيامة إن شاء الله .
 ومن ثم فقال جل وعلا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة41
ولكن كانت هناك فئة أعدها الله سبحانه وتعالى لتكون عونا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهداهم لدينه وللإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم  وجعلهم خير خلقه بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ومن عليهم بكرمه سبحانه فقال جل وعلا {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران 164
وقال عنهم صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم "وحمل الأمانة      بعد الصحابة أئمة أجلاء وعلماء كرام وقال عنهم صلى الله عليه وسلم " علماء أمتي كأنبياء  بني إسرائيل "
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " يرسل الله على رأس كل مائة عام من يجدد شباب الإسلام  " والعلماء والمصلحون من امة محمد صلى الله عليه وسلم هم الموكل إليهم هذه المهمة لأن الحق سبحانه وتعالى علم صدق علماء هذه الأمة المباركة فاكتفى جل وعلا بمحمد صلى   الله عليه وسلم وحفظ القرآن الكريم وهداهم إلى صراطه المستقيم فلم يحيدوا عن المنهج قيد أنملة فكانوا متبعين لا مبتدعين ولذا  أثنى الحق سبحانه وتعالى عنهم فقال {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ     رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23

               


            " هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ "

                        إعداد

أ / أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
لدراسات الأديان والمذاهب
محاضر بقناة الأمة الفضائية



                                         الإهداء
إلى العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وزوداً عن حياض الإسلام ونخص بالذكر::
* فضيلة الأستاذ الشيخ / أبو إسلام احمد عبد الله .رئيس قناة  الأمة , فلقد عاونني كثيراً واخذ بيدي إلى الصواب فجزاه الله خيراً .
*وفضيلة الأستاذ الشيخ / وحيد عبد السلام بالى .الداعية الإسلامي ، فلقد قدم لي العديد من الخدمات والتي أسهمت في إخراج أعمالي إلى النور فادعوا الله أن يجعلها في ميزان حسناته وأن يوفقه وينفع به العباد .
* كما أهدى هذا العمل إلى زوجتي وأولادي الذين سهروا معي في إعداد هذا العمل الطيب فكثيراً ما كنت أكلفهم بالبحث عن رقم الآيات أو تخريج الأحاديث النبوية فجزاهم الله خيراً .
* ولا ننسى الإخوة الأخيار الذين دعوا الله أن يوفقني في هذا العمل الطيب فجزي الله الجميع خيراً .   
                                  المؤلف :-
                                        أحمد إسماعيل زيد






                                        المقدمة
إن نعم الله جل وعلا على عباده لا تعد ولا تحصى , وإن من أجل هذه النعم  أن أرسل الحق سبحانه وتعالى إليهم الأنبياء والمرسلين ,  وأنزل معهم الكتاب والحكمة  فقال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } الأنعام48
فمن البشر من استقبل هذه النعم بنفس راضية ,  وقلوب مطمئنة ,  وأذان واعية  ؛ وقالوا (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ  لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا   بِالْحَقِّ ) الأعراف 43  ومنهم من قال  ( أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ    غَنِيٌّ حَمِيدٌ } التغابن6
  وكما كان استقبال البشر للرسل والأنبياء متفاوتا فكذلك كان استقبالهم  للكتب متفاوتا فمنهم من قال (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } آل عمران 7  ومنهم من قال عنهم الحق سبحانه وتعالى (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ) الأنعام 91 .
وصدق الحق جل وعلا حين قال {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213
ولأن الحق سبحانه وتعالى أخذ على نفسه عهدا أن لا يظلم الناس شيئا فقال جل وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } النساء40 كما أنه جل وعلا  لا يأخذ المخطئ لأول خطأ .
فقال تعالى  {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }فاطر45
ولذا أرسل الحق سبحانه وتعالى إلى الأمم المعاندة رسلا كثيرين  فقال جل  وعلا {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ }المؤمنون44 وما هذا إلا  (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } طه113
 إلا أن هذه الأمم كانت كما قال الحق سبحانه وتعالى (كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى }  النجم52 وصدق فيهم قول ربنا (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } الإسراء60 وبخطيئتهم طُبع على قلوبهم فقال تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155
وكذلك قال الله جل وعلا {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ } الأعراف101  وقال سبحانه وتعالى عنهم أيضا {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } غافر35
 ومنهم من امتدت أيديهم إلى الكتب المنزلة إليهم فقال جل وعلا عنهم  {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }الأنعام93
بل تمادوا في غيهم فـ (شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى21  بل امتدت أيديهم إلى ما هو ابعد من ذلك وفى هذا يخبرنا الحق سبحانه وتعالى  بقوله {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ }المائدة70                            
ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد البشر إلى الخير فأرسل إليهم خير خلقه وافضل رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم استجابة لدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام وفى هذا يقول سبحانه وتعالى على لسان نبي الله إبراهيم حين فرغ من رفع قواعد البيت الحرام فقال {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } البقرة129 وعن هذا يقول صلى الله عليه وسلم  " أنا دعوة أبى إبراهيم , وبشرى أخي عيسى ,  ورؤيا أمي أمنة "
بل وأخبرنا الحق جل وعلا أنه سبحانه وتعالى أخبر جميع الأنبياء بأنه جل وعلا سيرسل رسولا يختم به الرسالات وسيكون مصدقا لما أرسلوا به من قبل ومن  ثم فعليهم أن يؤمنوا به بل ويأمروا أقوامهم أن يؤمنوا به وفى هذا يقول سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81
وحين أكرم الحق سبحانه وتعالى الدنيا ببعثة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم  فأعلمهم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن للعرب خاصة بل إنما هو رحمة للعالمين فقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107وأنه صلى الله عليه وسلم رسول لكل البشر من بعثته إلى قيام الساعة بل والى ما بعدها فقال سبحانه وتعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً *يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً } النساء41/42
ومن ثم قال جل وعلا ليخبر الدنيا بأسرها بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء170وبقوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158 وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33
ولأن  أهل الكتاب هم أصحاب الكتاب الأول ومن المفترض أن لديهم خبر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وفى هذا يقول جل وعلا  {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } المائدة19
 ولأنهم لم يستجيبوا لما جاء به المعصوم صلى الله عليه وسلم  بسهولة ويسر  بل وقفوا لدعوته وللإسلام بالمرصاد , فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يطمئن نبيه  محمد صلى الله عليه وسلم بأن دعوته باقية ودائمة إلى يوم القيامة إن شاء الله .
 ومن ثم فقال جل وعلا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة41
ولكن كانت هناك فئة أعدها الله سبحانه وتعالى لتكون عونا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهداهم لدينه وللإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم  وجعلهم خير خلقه بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ومن عليهم بكرمه سبحانه فقال جل وعلا {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران 164
وقال عنهم صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم "وحمل الأمانة      بعد الصحابة أئمة أجلاء وعلماء كرام وقال عنهم صلى الله عليه وسلم " علماء أمتي كأنبياء  بني إسرائيل "
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " يرسل الله على رأس كل مائة عام من يجدد شباب الإسلام  " والعلماء والمصلحون من امة محمد صلى الله عليه وسلم هم الموكل إليهم هذه المهمة لأن الحق سبحانه وتعالى علم صدق علماء هذه الأمة المباركة فاكتفى جل وعلا بمحمد صلى   الله عليه وسلم وحفظ القرآن الكريم وهداهم إلى صراطه المستقيم فلم يحيدوا عن المنهج قيد أنملة فكانوا متبعين لا مبتدعين ولذا  أثنى الحق سبحانه وتعالى عنهم فقال {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ     رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23

                           






                                 { بين يدي الكتاب }
ولأن الحق سبحانه وتعالى أراد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم  أن تتحمل الأمانة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم  ؛  فكانت الآيات تتنزل تبعا للمواقف والأحداث لتربية الأمة على الكتاب والسنة ,  وليكون لنا في هذه الأحداث الدروس والعبر ولذا :
1 :- نزل القرآن الكريم منجما متابعا للأحداث ومجيبا لأسئلة وجهت لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)وتثبيتا للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولصحابته رضوان الله عليهم وفى هذا يقول سبحانه وتعالى  (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) الفرقان 32
 2 :- كان نزول القرآن  الكريم بهذه الطريقة ليعالج الأمور أولا بأول لقوله تعالى (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )سوره الفرقان 33
 3 :-بهذه الطريقة استطاع المؤمنون فهم القرآن آية تلو الأخرى والعمل بها والإيمان بها أيمانا كاملا وعن اقتناع كامل حتى قال تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)البقرة 285 , حتى أصبحت صدور المؤمنين أوعيه للقرآن الكريم.
4:-أراد الحق جلا وعلا أن يزداد المؤمنون إيمانا حين يروا  صدق الحق جل وعلا  فيما اخبرهم به ومن ذلك يوم الخندق حيث أيد الله جل وعلا  رسوله والمؤمنين بجند من عنده وهزم الأحزاب وحده بقدرته , وفي هذا يقول  القرآن الكريم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)سوره الأحزاب 22
* أي حين كشف الله جل وعلا عن المؤمنين الكرب بقدرته وأرسل جنودا وريحا وجنودا لم يروها حينئذ آمن الصحابة بصدق الحق جل وعلا حين قال ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون ) الصافات 171,172,173 .
5:- أراد الحق سبحانه وتعالى بقدرته أن يحي من حي عن بينه وأن يهلك من هلك عن بينه ولو أن الله جل وعلا أرغم المؤمنين وأنزل العبادات والأحكام والأوامر والنواهي وأمروا بالجهاد والهجرة والحج وكل أمور الدين دفعة واحدة ما استطاع الكثيرين منهم   القيام بكل هذه المهام ,  كما  أنه حينئذ لم يترك  الدين مساحه داخل كل مؤمن تسمح باستقرار العقيدة  أولا ثم الدفاع عنها فيما  بعد ،  ولذلك حرص المشرع الحكيم سبحانه وتعالى أن يربى الرجال أولا حتى إذا أصبحوا مؤمنين بحق وعلى استعداد  أن يفدوا هذا الدين بأرواحهم وأموالهم شرع لهم الشرائع وسن لهم الأحكام .
 6:- لقد راعى الحق سبحانه وتعالى حال هذه ألأمه الوليدة التي تتغير من النقيض إلى النقيض ـ أمة تتحول من العصبية القبلية إلى أمه تدعوا إلى السلام والأمان وحسن الجوار . ألأمه التي كانت تئد البنات وتعبد الأصنام تتحول بفضل الله إلى أمة تكرم المرأة وتضعها في مكانتها التي تليق بها حتى قالوا ( النساء شقائق الرجال ) وإلى أمة أمنت بالله الواحد الأحد لا شريك له .                                                                 
7:- أعطى القرآن الكريم للأعداء من الوقت ما يشاءون ليطعنوا في القرآن الكريم أو أن يأتوا بسوره من مثله فلو نزل القرآن جملة واحدة في أخر عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لقال المشركون والأعداء لم نأخذ فرصه لقرأته ومناقشته كما أن نزول القرآن بهذه الطريقة كان سببا في إيمان الكثيرين به والدخول في دين الله أفواجا .                                                                                          
 8:- بهذا أصبح القرآن الكريم في صدر كل مؤمن قولا وعملا .ولم يكن القرآن الكريم مجرد ألفاظ كأشعار العرب السابقين ولكنه أصبح دستورا للحياة ولذا حين سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت  "كان خلقه القرآن .كان قرآنا يمشى في الأرض "
وعن هذا المعنى صاغ احد الشعراء هذه الأبيات فى مدح المعصوم صلى الله عليه وسلم فقال : 
               قــرآنا يمشى في الأرض          وأنوارا هي ذات محمـد
                هــو قرآن هو إسلام هو               إيمـان فيـــه محمد
              ربى نـور لســت تـراه              وضرب المثل بنور محمد
                ما في الكون سوى الرحمن                 ونور الله بقلـب محمد
وهكذا كان  كل الصحابة رضي الله عنهم , لأن لهم في رسول الله أسوة حسنة حتى أثنى عليهم الحق سبحانه وتعالى فقال {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة100
وفى ذلك يقول أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان , وعبد الله بن مسعود , وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل فقالوا : فتعلمننا القرآن والعلم والعمل .  
وكذلك رأينا القرآن الكريم وقد اتصف بصفات لم يحظ بهن كتاب أخر فما من آية إلا ولها من القدر والحكمة والرقى والعظمة ما يثبت أنه حقا {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42
و للقصة في القرآن الكريم هذا القدر وتلك المكانة , ففوق أن لها من الحكم والدروس والعبر ما لا يعد ولا يحصى .  تجد القرآن الكريم يسردها بإسلوب رائع راق , لا يخدش للقارئ حياء , ولا يذكر ألفاظا نابية ,  وتجده يتناول قصة كل نبي من اللحظة الهامة في حياته فما كان له فائدة ودرس مستفاد ذكره الحق سبحانه وتعالى والفترات التي لا فائدة مرجوة من وراءها نجد القرآن الكريم يتخطاها تاركا القارئ يجول بخاطره .
وأوضح دليل على ذلك قصة سيدنا موسى عليه السلام فرغم أنها من أطول القصص التي ذكرت في القرآن الكريم إلا انك لا تجد فيها تفصيل ممل ولا إطناب مخل بل وتجد كل لفظة في موضعها الذى لا يصلح له غيره  بل وكل جملة فيها لحكمة أرادها الحق سبحانه وتعالى ليثبت بها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .
وفى هذا يقول تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32 وصدق الحق جل وعلا حين قال  {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111
 ولكن يظن بعض من ليست لديه دراية بأسرار القرآن الكريم ولا أسرار اللغة العربية ومن ليس لديه  تذوق للغة العربية ؛  أن أحداث القصة في القرآن الكريم يكرر بعضها  بعضا  وهذا غير صحيح :  فهناك قصص جاء بها القرآن الكريم مرة واحدة  لأن الحق سبحانه وتعالى رأى أنه لا فائدة من ذكرها مرة أخرى مثل قصة أصحاب الفيل,  وأصحاب الأخدود  , وأصحاب الكهف,  وذو القرنين .
  أما القصص الأخرى والتي يراها القارئ في أكثر من سورة في القرآن الكريم الحق أنها ليست متكررة بل إنها لقطات للأحداث لا يستطيع العقل البشرى الإلمام بها دفعة واحدة ولذا كان فضلا من عند الله جل وعلا أن راعى مستوى العقل البشرى وعدم مقدرته لاستيعاب الموقف بكل جوانبه فعلى سبيل المثال ولله المثل الأعلى .
  لو أخبرنا أحد الصحفيين  بأن عشرات الألوف من المواطنين احتشدوا أمام   مقر حكومي للمطالبة بعدة أمور. إن كان هذا هو الموجز ؛  فهل نستطيع الإلمام بالتفاصيل جملة واحدة  ؟  من المستحيل . لأننا بحاجة إلى معرفة العدد , و كيف اجتمعوا ؟ ومن وراء اجتماع هذا الحشد ؟   وكيف انتقلوا إلى هناك ؟ و هل سمحت أجهزة الأمن لهم بذلك ؟ وهل اتسع المكان لهم  ؟ وكيف أقاموا به؟  وكيف استقبلهم المسئول ؟  ومن قام بعرض المطالب  ؟ وهل استجاب المسئول لهم ؟ وهل تذمر المواطنون ؟  وهل انصرفوا راشدين ؟ وهل تحققت المطالب  ؟ إلى أخر هذه الأمور.  بالله عليك أي عقل يستطيع الإلمام بكل هذا جملة واحدة ؟
وفوق ذلك من يستطع أن يأتي بها في الوقت المناسب لتؤتى ثمارها المرجوة  ؟ ولذا لم يعترض أهل مكة وهم أهل الفصاحة والبلاغة على القصص التي جاءت في مواضع مختلفة في القرآن الكريم لأنهم رأوا فيها تكملة لبعضها البعض ,  وكذلك لم يعيبوا القصص التي لم تتكرر بل وشهدوا للقرآن الكريم فقالوا "  إن له لحلاوة وان عليه لطلاوة  ؛وإن أعلاه لمثمر ؛وإن أدناه لمغدق ؛ وإنه ليعلو و لا يعلى عليه وما هو بقول البشر.  














                          الباب الأول
               {  يوسف عليه السلام بين حنان أبيه وغدر إخوته  }
تمهيد :-
ومن القصص التي ذكرها القرآن الكريم جملة واحدة (سورة سيدنا يوسف عليه السلام ) فهذه السورة جاء بها القرآن الكريم جملة واحدة لأسباب منها :
1- زعم المشركون أن رب محمد صلى الله عليه وسلم  لا يستطيع أن ينزل سورة دفعة كاملة في سرد واحد فنزلت هذه السورة ونزلت بنظم بديع رائع .                               
2 - مع أن القصة لشخص واحد وهو سيدنا يوسف عليه السلام إلا أن السورة  تناولت معه العديد من الجوانب السياسية كما رأينا في قصر العزيز , وتناولت الجوانب الاقتصادية , و رأينا أخوة يوسف وما حدث منهم , وما حدث لهم  من قحط مما ألجئهم إلى المجئ إلى مصر . ورأينا الجوانب النفسية في سيدنا يعقوب وحنانه إلى ابنه وحزنه  لفقده  , ورأينا النفس الأمارة بالسوء وما حدث من امرأة العزيز وتجرؤها على سيدنا يوسف عليه السلام ,  إلا أن الله جل وعلا حفظه منها .
ورأينا النفوس العجيبة في أخوة سيدنا يوسف عليه السلام  ومكرهم به وإلقائهم إياه في بئر عميق ورأينا شفقة النبوة وسعة الصدر والرحمة من سيدنا يوسف عليه السلام حين عفا عن إخوته , ورأينا كيف كافأ الحق سبحانه نبيه يوسف عليه السلام أن جعله على خزائن الأرض وعلمه من تأويل الأحاديث وحقق له رؤياه ورأينا السورة رغم تناولها للعديد من الموضوعات المختلفة شكلا ومضمونا .
إلا أنها لم تضطرب أو تشعرك بملل أو نشعر بألفاظ جارحة ولكن نشعر بأسلوب راق وأدب جميل  , وتذوق حلاوة منقطعة  النظير وأنت تتنقل من موقف لأخر .
وهذا هو الفارق بيننا نحن المسلمين وبين أهل الكتاب من يهود ونصارى فنحن المسلمين التزمنا بما أمرنا الله جل وعلا به , فما أمرنا به ائتمرنا , وما نهانا عنه انتهينا وما سكت عنه سكتنا ولم نتجاوزه . لأننا لن نكون أذكى وأكثر فهما من الله جل وعلا .
ولذا أثنى سبحانه وتعالى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته فقال جل وعلا{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285
 أما بنوا إسرائيل فتجاوزوا الحدود وظنوا أن بإمكانهم أن يضيفوا إلى ما أنزل الله جل وعلا أو أن بإمكانهم أن يوضحوا ما عجزت كتب أنبيائهم أن توضحه , فكانت الطامة الكبرى  فخرجت  الكتب عن المصداقية وما أراده الله جل وعلا منها  وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى  {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91
ولذا حين اطلعت على قصة سيدنا يوسف عليه السلام في العهد القديم  وجدت بها من المغالطات الكثير ؛ والتي لا يقبلها العقل ولا المنطق فضلا عن الدين , واكتشفت هذه المغالطات حين قارنت ما جاء في العهد القديم وما ذكره القرآن الكريم بخصوص سيدنا يوسف عليه السلام  ولكن قد يقول قائل لماذا تجزم  بأن هذه الأغاليط إنما هي في العهد القديم أم أن الأمر مجرد تعصب للقرآن الكريم ؟
 نقول أنه مع  إيماننا وحبنا للقرآن الكريم وتصديقنا بكل حروفه وآياته وبأنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42 إلا أنني رأيت أن أعقد مقارنة بين ما ذكر عن نبي الله يوسف في القرآن الكريم وفى العهد القديم و سأذكر الآيات كما جاءت في القرآن الكريم والنص كما جاء فى العهد القديم . موضحا ما أراده القرآن الكريم , وما قصده من قام بكتابة قصة سيدنا يوسف فى العهد القديم .
وبالمناسبة أن قصة سيدنا يوسف ذكروها عندهم في العهد القديم كاملة من الإصحاح (السابع والثلاثون إلى التاسع والأربعون ) من سفر التكوين  وقد تخللها بعد الأمور الغير متعلقة بالقصة  والدروس والعبر التي يريدها كل كتاب , ولذا فلن أكرر مع كل فقرة رقم الإصحاحات ولذلك سأكتفي بذكر رقم العدد أو النصوص التي نستشهد بها  .


وبحيادية تامة تاركا لك عزيزي القارئ فى نهاية المطاف أن تحكم وتشهد بنفسك أي الكتابين هو من عند الله العزيز الحكيم .  و قسمت هذا الكتاب إلى أربعة أبواب :
الباب الأول : يوسف عليه السلام بين حنان أبيه وغدر إخوته :وبينت فيه كم كان يحبه أبوه سيدنا يعقوب عليه السلام لعلمه من الله جل وعلا أن ليوسف عليه السلام مستقبلا عظيما كما أوضحت كيف حسده إخوته مما دفعهم للتخلص منه دون شفقة أو رحمة .
 الباب الثاني : يوسف عليه السلام والإبتلات: وذكرت فيه كم عانى يوسف عليه السلام بعد خروجه من البئر ثم ما حدث له فى قصر العزيز من مراودة امرأة العزيز له وصموده وثباته الذى انتهى به إلى السجن .
الباب الثالث : إكرام الله جل وعلا لنبيه يوسف عليه السلام : وبينت فيه كيف أكرم الحق سبحانه سيدنا يوسف عليه السلام بعد المعاناة أن جعله أهلا لتأويل الرؤى والأحلام ومنّ عليه بكرمه أن  أصبح قيما على خزائن أرض مصر . 
الباب الرابع : يوسف عليه السلام وتحقيق رؤيته : وبينت فيه كيف جاء إخوة يوسف إلى مصر وكيف استقبلهم وكيف أتوا جميعا مع أبيهم إلى مصر ,وكيف تحققت الرؤيا التى رآها فى صغره و التى كانت سببا فى هذا الطريق الطويل .     
أولا :  بداية قصة يوسف عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم
 لقد بدأ القرآن الكريم سورة يوسف عليه السلام بقوله تعالى : {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ}  يوسف 1—7
في هذه الآيات الكريمة نرى أن  : -
-- الحق جل وعلا  أخبر أهل مكة : كما أن لغتهم العربية التى بلغوا فيها درجة جعلتهم يقيمون لها أسواقا ويعقدون لها المؤتمرات وبما أن من حروفها ( الألف , واللام , والراء ) فمن هذه الحروف جاء الحق جل وعلا بهذا الكتاب المبين فهل  لهم أن يأتوا بمثل آياته ؟ 
-- ثم أخبرهم الحق سبحانه وتعالى أنه جل وعلا  أنزل هذا القرآن  بلغتهم حتى لا يكون لأحدهم عذر , فلو كان أعجميا لصعب عليهم فهمه , ثم لكون القرآن الكريم نزل بلغتهم   فإنما هو شرف لهم ورفع ذكرهم فى العالمين والى الأبد وفى هذا يقول سبحانه وتعالى {وَإِنَّهُ   لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }الزخرف44
-- ولقد كان من دأب اليهود فى كل زمان ومكان أن  يبثوا  الفرقة بين أبناء البلد الواحد  فلما جاء الإسلام كان من المفترض أن يكونوا أول من آمن به إلا أنهم لم  يكتفوا بالبعد والإعراض , ولكنهم حاولوا أن يثنوا قريش عن الإسلام.
 فتخيل لو أنهم أخبروا قريش من البداية أن هذا هو الدين الحق الذى بُشروا به وكانوا   ينتظرونه ؛ لتغير الحال ولكنهم سرعان ما كانوا يفكرون فى طرق يثنون بها عزيمة أهل مكة فكثيرا ما أخبروا أهل مكة بأمور حدثت في  الماضي كان  لا يعلمها رسول الله صلى الله      عليه وسلم من قبل ليختبروه بها .
  ولكن كان الله جل وعلا ولا يزال من فوقهم محيط .  ومما أخبروا به قريش أن قالوا لهم  اسألوه عن نبي انتقل من الشام إلى مصر فكيف كان ومن هو وماذا حدث له ؟ فانزل الله     جل وعلا قصة سيدنا يوسف فى سورة يوسف ردا عليهم  . 
-- ولقد كان من أهل مكة من يحاول أن يأخذ ببصر قريش بعيدا عن أحاديث الرسول     صلى الله عليه وسلم بأن يحكوا لهم القصص والأساطير ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد         أن يطمئن المعصوم صلى الله عليه وسلم بأنه حقا رسول رب العالمين ؛ فقص عليه قصة      سيدنا يوسف ولكن ليست كقصصهم بل أحسن ما تكون القصص . وسنرى ذلك واضحا ونحن نقارن بعد قليل بين قصة سيدنا يوسف عليه السلام فى القرآن الكريم والعهد القديم . 
* أما قوله تعالى  (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) ليس قدحا فى شخص المعصوم صلى الله عليه وسلم  ولكنه من باب " إياك أعنى واسمعي يا جارة " ومع هذا فإن القرآن الكريم ذكر هذه الحقيقة لأن المعجزة فى كون النبي صلى الله عليه وسلم أمي ولم يقرأ كتاب قط وقد عاش بينهم عمرا قبل الرسالة .
وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى  {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }يونس16 كما أنه صلى الله عليه وسلم  لم يقرأ كتاب       قط فقد قال تعالى عنه صلى الله عليه وسلم  {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48
 ثم يأتيهم بمثل هذه الأخبار والقصص وفى هذا يخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن المعصوم صلى     الله عليه وسلم بقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ    وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الشورى52  
-- وكذلك قومه كانوا لا يعلمون مثل هذه الأمور ولولا أن اليهود بين الحين والأخر يحركوا ساكنهم ظانين أنهم بذلك يستطيعون إعجاز المعصوم صلى الله عليه وسلم  ولكن هيهات     والله حسبه وكفيله فقال تعالى {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } الأنفال62
-- بعد هذه اللفتة الطيبة بدأ القرآن الكريم فى سرد قصة يوسف عليه السلام  ومن دقة  القرآن الكريم أن يبدأ فى الحديث عن أي نبي من اللحظة الهامة في سيرته والتي منها تبدأ الدروس والعبر. وأن يتجاوز عما لا فائدة من ذكره بل ونجد القرآن الكريم ينأى عن الخوض فى أمور    لا فائدة منها كمعرفة كم كان سن  سيدنا يوسف آنذاك أو  ذكر أسماء إخوته أو من          دبر  التخلص منه . 
إذ أن الذي يهمنا فى الأمر هو الحدث وليس الأشخاص ؛ أما إذا كانت هناك فائدة من ذكر الأشخاص وأن عدم ذكرهم قد يخل بالمعنى نجد القرآن الكريم يسارع بذكرهم كما حدث فى قصة نبي الله داود عليه السلام , وطالوت الذي جعله الله ملكا عليهم , وجالوت الطاغية الذي قُتل على يد داود عليه السلام  لأن لهؤلاء قصة ولكل منهم دور لا ينبغي تجاهله :
وفى هذا يقول القرآن الكريم{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن    شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ       قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة249
 ثم عقب سبحانه وتعالى بعد ذلك بقوله جل وعلا  {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251 
 --  أما في قصة سيدنا يوسف عليه السلام  فإن هناك أحداثا يدور حولها أشخاص وأشخاص يدور حولهم أحداث . ومن ثم نجد الحق سبحانه وتعالى يخبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله جل وعلا (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ { 4} يوسف
 في هذه الآية الكريمة عدة أمور غاية فى الروعة والأهمية :
-- إن يوسف عليه السلام يحب والده ويشعر بحب والده  له  لذا  أسر له بهذه الرؤيا والتى رأى أنه ربما فيها ما يزيد من فرح وسعادة  الأب الشيخ الكبير  .
 ثم إن يوسف عليه السلام نادي والده بأحب النداءات فقال( يا أبت) " حقا من شابه أباه فما ظلم "  فهو يذكرنا بأبيه الأكبر إبراهيم عليه السلام حين خاطب أباه بنفس الطريقة رغم  أن  أباه كان على الكفر فقال عنه الحق سبحانه وتعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } مريم41/ 42 
ثم لماذا جاءت الرؤيا مع الكواكب والنجوم نقول : إن الأرواح دائما تسبح فى ملكوت        الله ولأن يوسف عليه السلام كان يعيش فى منطقة يغلب عليها طابع الصحراء والرعي      وجُل وقته كان يقضيه فى الفضاء و يسرح به الخيال فى ملكوت السموات والأرض ؛ فيسأل نفسه من خلق هذه الأفلاك ؟ومن يُجرى هذا السحاب ومن ينزل الأمطار ومن يكور        الليل والنهار إلى أخر هذه الأمور  ومن ثم حين أكرمه الله جل وعلا بالرؤيا جاءت فيما يشغل باله وفكره عليه السلام .
 بالضبط كما حدث للمعصوم محمد صلى الله عليه وسلم حين رأى رؤيا قبيل غزوة أحد  فقال صلى الله عليه وسلم  ‏‏(‏إني قد رأيت والله خيراً، رأيت بقراً يذبح، ورأيت في ذُبَاب سيفي ثُلْماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة‏)‏، وتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة‏.‏
سبحان الله لأن السيف من مقومات الحرب بل هو الأساس فى القتال والدفاع عن النفس ,  والبقرة من الأنعام التي تُذبح لتغذية أفراد الجيش وتقويتهم , أما الدروع فهي أيضا من أدوات الدفاع عن الفارس , ومن ثم جاءت الرؤيا فى المجال الذي  يفكر فيه المعصوم صلى الله عليه وسلم  لأنه كان يتمنى أن تؤمن قريش ولا تجبرهم على هذا اللقاء الدامي الذي تُسل فيه السيوف, وتلبس فيه الدروع , وتذبح الأنعام لتقوية الجيش على ما هم مقدمون عليه .
 فكذلك كانت رؤيا يوسف عليه السلام جاءت من جنس ما يشغل ذهنه وفكره على الدوام . ولما لا وقد قال جل وعلا {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164
 وهنا لفته رائعة لا يأتي بها إلا القرآن الكريم  وهى قول الله سبحانه وتعالى (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ثم (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ  ) فقد يظن البعض أن هذا تكرار , والحقيقة أنه ليس كذلك لأن (رأيت )  الأولى إنما هي الرؤيا للشمس والقمر والكواكب ؛ والمعجزة هنا : كيف اجتمع الشمس والقمر والنجوم فى آن واحد ؟  هذا مما أكرم به الحق سبحانه تعالى نبيه يوسف عليه السلام إذ أن الحق سبحانه وتعالى على كل شئ قدير . 
ثم ذكر القرآن الكريم أنه عليه السلام رأى منهم ما يدل على خشوعهم وخضوعهم  أو ما يدل على سجودهم له وبهذا لا يكون هناك تكرار بل إن عدم ذكر (رَأَيْتُهُمْ ) قد لا يدل على معجزة فإن الجميع قد يرى الشمس والقمر والنجوم فى منامه فما الغريب إذن ؛ المعجز هنا هو رؤيته لهم ساجدين له عليه السلام  , ولما كان هذا الأمر غاية فى الغرابة  فزع سيدنا يوسف عليه السلام  إلى والده الحبيب  ليفسر له هذه الرؤيا .
 وحين قصها على والده فرح وسعد سعادة منقطعة النظير ؛ لأن أقصى ما يتمناه الأب إن كان على قدر ومكانة عالية فإنه يتمنى لابنه نفس منصبه وأكبر ومن ثم فرح سيدنا يعقوب عليه السلام  وسعد أيما سعادة لأن إكرام الله جل وعلا لأحد بنيه بالنبوة فضل ليس بعده فضل ومكانة لا تدانيها مكانة .
  ولكن سرعان ما تذكر سيدنا يعقوب عليه السلام أنه لا شك أن أبنائه الكبار أو على الأقل أحدهم كان يأمل فى مثل هذا الفضل ؛ ولما لا وهم أبناء وأحفاد الأنبياء ولقد رأوا أبيهم وقد أكرمه الله جل وعلا بالنبوة من بعد نبي الله إسحاق الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بالنبوة بعد أبيه نبي الله إبراهيم عليهم جميعا وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم وفى هذا يقول سبحانه وتعالى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }العنكبوت27
لأنه لو كان أبيهم ملكا لبذلوا فى سبيل الملك  ما يمتلكون  وما يستطيعون  ولكنها النبوة فضل الله يؤتيه من يشاء . لأن النبوة هبة من الله جل وعلا وفى هذا يذكر تعالى الهبة مع الأنبياء فيقول تعالى عن هارون وموسي عليهما السلام {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }مريم53
 وعن زكريا ويحي عليهما السلام قال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الأنبياء90وعن داود وسليمان عليهما السلام قال تعالى {وَوَهَبْنَا لداوود سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص30
ومن ثم أدرك سيدنا يعقوب عليه السلام أن أبناءه قد يتحرك الحسد والحقد فى صدرهم فيضمرون لأخيهم الشر ومن ثم فقد يحدث مالا يحمد عقباه وتذكر يعقوب عليه السلام: أن الحسد أهلك إبليس اللعين  ؛ حين حسد آدم عليه السلام على ما وهبه الله جل وعلا إياه , ووصل به الحقد والحسد غايته حتى قال كما حكي  القرآن الكريم  {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62
وإن قيل بأن هذا إبليس , نقول : نعم ؛  ولكن  فما بالكم بأحد ابني آدم عليه السلام الذي حكي عنه القرآن الكريم {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27 ومع هذا أوغر الحقد والحسد صدره على أخيه وكانت الطامة الكبرى{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة30
 وبما أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة حذر يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام  بألا يخبر إخوته  لأنهم لو علموا بهذه الرؤيا وفهموا منها ما فهمه أبوهم لا ضمروا له الشر  ولذا نصحه فــ {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }يوسف5
ثم لأنه نبي من قبل الله جل وعلا أدرك أن ما يخشاه لا محالة واقع ولما لا وقد تنبأ ورقة بن نوفل للمعصوم صلى الله عليه وسلم حين حكي له ما رآه فى الغار  فقال ورقة بن نوفل : ليتنى فيها جذعا " أي شابا جلدا قويا استطيع الدفاع عنك " إذ يخرجك قومك . قال صلى الله عليه وسلم : أو  مخرجي هم ,  قال ورقة بن نوفل: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا وعانده قومه وأخرجوه . فما بالكم بنبي الله يعقوب عليه السلام كما أنه يعلم أن الأنبياء أشد الناس ابتلاء .
كما اخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم حين قال ( أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه )  وبما أن الحق سبحانه وتعالى أكرمه  بهذه الرؤيا إذن فإن مهما يفعل به إخوته فإنهم لن يقتلوه وانه إن شاء الله سيبقى إلى أن يكون  نبيا .
 و الله جل وعلا حائل بينهم وبين ما يودى بحياة يوسف عليه السلام فهو جل وعلا          يحفظ السماء والأرض أفيعيه سبحانه وتعالى حفظ نبيه يوسف عليه السلام ومن ثم طمأنه      أبوه فقال كما حكي القرآن الكريم .
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } يوسف6 بعد هذه المقدمة فإذا بالقرآن الكريم يتناول القصة بالتفصيل فيقول جل وعلا {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }يوسف7 
ثانيا :- العهد القديم
وقبل أن نشرع فى توضيح ما حدث بعد ذلك من القرآن الكريم وما هي الآيات . نعرض أولا ما جاء فى العهد القديم من بداية القصة :  فيا ترى كيف بدأ العهد القديم قصة سيدنا يوسف عليه السلام  وما هي الدروس المستفادة ؟
 النصوص كما جاءت فى العهد القديم
فها هي النصوص كما جاءت فى العهد القديم ( سفر التكوين )نذكرها ثم نبين ما جاء فيها من دروس وعبر :-
(1 وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ غُرْبَةِ أَبِيهِ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 2هذِهِ مَوَالِيدُ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ إِذْ كَانَ ابْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، كَانَ يَرْعَى مَعَ إِخْوَتِهِ الْغَنَمَ وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بِلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ امْرَأَتَيْ أَبِيهِ، وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ. 3وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ابْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصًا مُلَوَّنًا. 4فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ.
5وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْمًا وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ، فَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ. 6فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا هذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ: 7فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَمًا فِي الْحَقْلِ، وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ، فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي». 8فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكًا أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطًا؟»
وَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ. 9ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي». 10وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟» 11فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ. )
أفكار غير مترابطة
-- لقد استهل العهد القديم قصة يوسف عليه السلام بثلاث جمل رغم أنها متتابعة إلا أنها غير مترابطة ولا علاقة لإحداها بالأخرى وهى : (1وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ غُرْبَةِ أَبِيهِ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 2هذِهِ مَوَالِيدُ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ إِذْ كَانَ ابْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، كَانَ يَرْعَى مَعَ إِخْوَتِهِ الْغَنَمَ وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بِلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ امْرَأَتَيْ أَبِيهِ) 
فالجملة الأولى : وسكن يعقوب فى أرض غربة أبيه ,
والجملة الثانية : هذه مواليد يعقوب ,
والجملة الثالثة : يوسف إذ كان ابن سع عشرة سنة كان يرعى .....
* فما علاقة الجُمل بعضها ببعض ؟
ففى الجملة الأولى : ما هي أرض الغربة ؟  وإن كانوا يقصدون بها أرض كنعان  أي فلسطين من أرض الشام  فحسنا ما قالوه ؛ لأن هذا دليل  دامغ ومن كتبهم بأن أرض فلسطين لم تكن لهم يوما ما .
  فقد كان فيها نبي الله إسحاق غريبا وكذلك أبوه نبي الله إبراهيم من قبل والآن يذكرون     نبي الله يعقوب عليهم جميعا وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام .
ونبي الله يعقوب عليه السلام هو المعروف بإسرائيل وكل اليهود والنصارى أبناءه وهم  المعروفون ببني إسرائيل ومن ثم فإن أرض فلسطين ينبغي أن تكون أرض غربة لا أرض مقام والحمد لله أن يعقوب عليه السلام لم يستقربها وانتقل منها إلى مصر التي عاش بها فترة ثم  انتقل إلى جوار  ربه جل وعلا  واستقر بها بنوا إسرائيل إلى أن خرجوا منها مع نبي الله موسى عليه السلام  .
* ثم ماذا عن الجملة الثانية وهذه مواليد يعقوب لم تكن كاملة وغير صحيحة لأنهم إن كانوا يقصدون أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام كان ينبغي أن يذكروا أسماءهم  كما ذكروهم من   قبل وكما ذكروا أبناء نبي الله إسماعيل عليه السلام فقالوا (12وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ. 13وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ، وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ 14وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا 15وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ )
 وإن كانوا يقصدون الحديث عن يوسف عليه السلام كأنه أحد أبناء ومواليد يعقوب عليه السلام كان  ينبغي أن يقولوا ومن مواليد يعقوب فلان وفلان ... أو يقولوا يوسف من أبناء يعقوب الذي حدث له كذا وكذا .....
 *وعن الجملة الثالثة  : ماذا يقصدون بأنه غلام عند بني بلهة وبني زلفة  هل كان خادما أم  ماذا ؟ ثم لماذا يصرون على ذكر أسماء النساء بهذه الطريقة ألا يكفى أن يقال إن يوسف  يعمل أو يرعى مع إخوته  أوليس أبناء تلك المرأتين هم أبناء يعقوب عليه السلام وهو أيضا أبو يوسف عليه السلام فلماذا إذن هذا الإضافات التي لا داعي لها ؟    
-- بنوا إسرائيل وتأصيل النميمة
--  ( وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ. 3وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ابْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصًا مُلَوَّنًا. 4فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ. )
والصقوا صفة ذميمة بنبي الله يوسف عليه السلام فقالوا إنه كان يمشى بين إخوته وأبيه   بالنميمة , وهذا محال فى حق الأنبياء لأن الله جل وعلا رباهم فأحسن تربيتهم  وهداهم        إلى صراطه المستقيم  بل وأمر سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل     الخلق وأكرمهم على الله جل وعلا بقوله تعالى {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } الأنعام 90 
 والأخلاق الكريمة تأبى النميمة والدسيسة والوقيعة بين الناس  حتى قال الشاعر :
       نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا *  ولم يهن بيد التشتيت غالينــا
       ولا يحــول لنا صبغ ولا خلق *  إذ تلـون كالحـرباء شأنينـا
 بل وكان العرب مع عنادهم للإسلام يرفضون أن يؤثر عنهم الكذب ولنا فيما فعله أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه المثل الأعلى في ذلك حين استدعاه هرقل ليسأله عن النبي الذي ظهر فى بلادهم ثم أوقف رفاقه خلفه وقال لهم :  إني سائل صاحبكم عن النبي الذي ظهر ببلادكم فإن كذب فأشيروا إلى ؛  فقال أبو سفيان : والله لو كذبت ما أخبروا عنى ولكنى امرؤ اخشي أن يؤثر عنى الكذب .
 وحين جاء القرآن الكريم شدد على الكذب ونقل الأخبار والمشي بالنميمة بين الناس فقال  تعالى {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }الهمزة1 بل وذم القران الكريم أحد كبار قريش لأنه كان       نماما فقال تعالى {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ }القلم11 وقال صلى الله عليه وسلم  "  لا يدخل الجنة قتات " 
* والأسوأ هو ذكرهم أن  نبي الله يعقوب عليه السلام رضي بما يقوم به ابنه يوسف عليه السلام لدرجة أنه اشترى له قميصا ملونا  ونحن المسلمين نشهد بان نبي الله يوسف وأبيه نبي الله يعقوب عليهما السلام  بريئان من هذه التهمة البشعة ؛  ولكنهم بنوا إسرائيل فهم دائما وأبدا           ( يبغونها عوجا)  .
* وهذا ليس بجديد على بني إسرائيل فقد قالوا عن جدتهم رفقة أم أبيهم يعقوب ما هو أسوا   من ذلك فزعموا أنها نقلت الحوار الذي دار بين نبي الله إسحاق وابنه عيسو حتى على زعمهم أنها تسببت فى ضياع البركة والنبوة من عيسو وظفر بها يعقوب للخطة التي رسمتها له أمه     رفقة  فقالوا:
--  (1وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ عَنِ النَّظَرِ، أَنَّهُ دَعَا عِيسُوَ ابْنَهُ الأَكْبَرَ وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنِي». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «إِنَّنِي قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي. 3فَالآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْدًا، 4وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ، وَأْتِنِي بِهَا لآكُلَ حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
--5 وَكَانَتْ رِفْقَةُ سَامِعَةً إِذْ تَكَلَّمَ إِسْحَاقُ مَعَ عِيسُو ابْنِهِ. فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى الْبَرِّيَّةِ كَيْ يَصْطَادَ صَيْدًا لِيَأْتِيَ بِهِ. 6وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَلمتْ يَعْقُوبَ ابْنِهَا قَائِلةً: «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ يُكَلِّمُ عِيسُوَ أَخَاكَ قَائِلاً: 7ائْتِنِي بِصَيْدٍ وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً لآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ الرَّبِّ قَبْلَ وَفَاتِي.
-- 8فَالآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِقَوْلِي فِي مَا أَنَا آمُرُكَ بِهِ: 9اِذْهَبْ إِلَى الْغَنَمِ وَخُذْ لِي مِنْ هُنَاكَ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى، فَأَصْنَعَهُمَا أَطْعِمَةً لأَبِيكَ كَمَا يُحِبُّ، 10فَتُحْضِرَهَا إِلَى أَبِيكَ لِيَأْكُلَ حَتَّى يُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ».   
 --11فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: «هُوَذَا عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. 12رُبَّمَا يَجُسُّنِي      أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ، وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لاَ بَرَكَةً». 13فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لَعْنَتُكَ عَلَيّ َ يَا ابْنِي. اِسْمَعْ لِقَوْلِي فَقَطْ وَاذْهَبْ خُذْ لِي». 14فَذَهَبَ وَأَخَذَ وَأَحْضَرَ لأُمِّهِ، فَصَنَعَتْ أُمُّهُ أَطْعِمَةً كَمَا كَانَ أَبُوهُ يُحِبُّ. 
-- 15  وَأَخَذَتْ رِفْقَةُ ثِيَابَ عِيسُو ابْنِهَا الأَكْبَرِ الْفَاخِرَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ، 16وَأَلْبَسَتْ يَدَيْهِ وَمَلاَسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ جَدْيَيِ الْمِعْزَى. 17وَأَعْطَتِ الأَطْعِمَةَ وَالْخُبْزَ الَّتِي صَنَعَتْ فِي يَدِ يَعْقُوبَ ابْنِهَا. 
--  18فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هأَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» 19فَقَالَ يَعْقُوبُ لأَبِيهِ:  «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي نَفْسُكَ». 20فَقَالَ إِسْحَاقُ لابْنِهِ: «مَا هذَا الَّذِي أَسْرَعْتَ لِتَجِدَ يَا ابْنِي؟» فَقَالَ: «إِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي». 21فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ابْنِي. أَأَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو أَمْ لاَ؟».
 --  22فَتَقَدَّمَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ، فَجَسَّهُ وَقَالَ: «الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، وَلكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو». 23وَلَمْ يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ عِيسُو أَخِيهِ، فَبَارَكَهُ. 24وَقَالَ: «هَلْ أَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ». 25فَقَالَ: «قَدِّمْ لِي لآكُلَ مِنْ صَيْدِ ابْنِي حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي». فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ، وَأَحْضَرَ لَهُ خَمْرًا فَشَرِبَ. 
-- 26فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «تَقَدَّمْ وَقَبِّلْنِي يَا ابْنِي». 27فَتَقَدَّمَ وَقَبَّلَهُ، فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ، وَقَالَ: «انْظُرْ! رَائِحَةُ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْل قَدْ بَارَكَهُ الرَّبُّ. 28فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ. وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ. 29لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ، وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّدًا لإِخْوَتِكَ، وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ. لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ، وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ».
بهذا استطاعت رفقة فى زعمهم وبسبب النميمة أن تساعد يعقوب عليه السلام على الحصول على البركة والنبوة ولا حول ولا قوة إلا بالله لأنه إن كانوا قد استغلوا عدم مقدرة نبي الله إسحاق على الرؤية وخدعوه !!!!
  فهذا مستحيل لأن الله جل وعلا غالب على أمره وهل تؤتى النبوة بهذه الطريقة النكراء ؟  الشاهد هنا أن النميمة من دأب اليهود وهم الحريصون عليها أما نبي الله يوسف عليه السلام فهو منها براء .
ثم ما علاقة لون القميص فى القصة  إن كان ملونا أو غير ملون  فمثل هذه الأمور إطناب لا ينبغي أن يكون فى مثل هذه القصص التي تتحدث عن أنبياء عظماء ينتظر الأجيال منها الدروس والعبر .
*ثم زعموا أن إخوته ابغضوه لأنه كان يقوم بنقل نميمتهم  وهذا النص فيه إشكال كبير لماذا لأن البغض كما زعموا أن سببه هو قيام يوسف عليه السلام بنقل ما يحدث بينهم من حوار أو أفعال إلى أبيهم  وهذا بالطبع تأباه النفس الأبية وعلى رأسهم نفس نبي الله يوسف عليه السلام .
  وإن أرادوا الخروج من هذا المأزق زاعمين أن يوسف عليه السلام مازال فى مرحلة الطفولة والتي يجوز فيها مثل هذه الأمور وإن الصبي لم يكن مكلفا بعد ,  نقول لهم لا ؛ لأن هذا لا يكون إلا فى مخيلتهم هم ,  فالأنبياء رجال في كل مراحل حياتهم  ولا يصدر منهم ما يخدش الحياء أو أي شئ تأباه النفوس العفيفة على مدى حياتهم منذ أن خلقهم الله جل وعلا إلي أن يلاقوا الله سبحانه وتعالى .
  ولقد شهد الأعداء للأنبياء بذلك : ألم يشهد قوم ثمود وهم من هم فى الضلال والفساد  لنبي الله صالح عليه السلام بالرجولة قبل البعثة فقالوا كما حكي القرآن الكريم {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا }هود 62  بل وقال الحق سبحانه وتعالى عن نبي الله يحي عليه السلام {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12
وشهدت قريش كلها للمعصوم محمد صلى الله عليه وسلم  أنه الصادق الأمين بل حقن الله جل وعلا به دماء قريش يوم أن اختلقوا فى وضع الحجر الأسود فى الكعبة حين أعادوا بناءها  .
 وفى رأي: ما ذكروه ليس من الأخطاء التي وقع فيها إخوة يوسف عليه السلام إنما  هو خطأ وقع فيه كاتبوا العهد القديم والجديد الذين حرصوا على ألا يذكروا نبيا من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم ؛ بخير فما من نبي من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم  إلا ونالوا منه واتهموه . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
 ومن ثم فإن زعمهم بأن إخوة يوسف عليه السلام  ابغضوه لأنه كان يمشي بالنميمة  فهذا ادعاء باطل .والعجيب أنهم حريصون على أن يكرروا كلمة البغض بأي وسيلة فبعدما ذكروا نهم أبغضوه بسبب النميمة عادوا فقالوا أنهم أبغضوه بسبب أن أباه أحبه أكثر منهم و من ثم فلم يكلموه بسلام .
رؤيا يوسف عليه السلام
*ثم ذكروا الأمر الحقيقي الذي تسبب فى بغضهم له ألا وهو الحلم أو الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام ولقد ذكروا رؤييتين رآهما يوسف عليه السلام  ؛ وهذا مع أنه إطناب إلا أننا رأينا من الأمانة أن نذكر كل ما ذكروه لنري رأى العين الفارق بين ما هو من عند الله وبين ما هو من عند بني إسرائيل .
 فالحلم الأول (  5وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْمًا وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ، فَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ. 6فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا هذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ: 7فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَمًا فِي الْحَقْلِ، وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ، فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي». 8فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكًا أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطًا؟» وَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ. )
والعجيب كيف يبغضوه  ولم يكلموه بسلام ثم يحكى لهم مثل هذه الأحلام والتي لا يفهم منها إلا أنه سيعلو عليهم يوما ما أم أنه يود  استفزازهم  والافتخار عليهم وهذا أيضا لا يليق بالعقلاء فضلا عن الأنبياء إذ كيف يرى رجلا بغض قوم له ثم يفاجئ مجالسهم ويخبرهم         بما يزيد من بغضهم وحقدهم عليه .
 كما أن الأنبياء لا يفتخرون على إخوانهم بما منّ الله جل وعلا عليهم به لأنهم يعلمون أن    هذا من فضل الله وأنه لا جهد لهم فيه فقال تعالى للمعصوم صلى الله عليه وسلم وهو من هو   فى الفضل والمكانة {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً }الإسراء86
 وإن قالوا وماذا عن قول المعصوم  محمد صلى الله عليه وسلم حين  قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر.....  نقول نعم قال المعصوم ذلك ومع أنه صلى الله عليه وسلم عقب بعد كل أفضلية بقوله " ولا فخر" إلا أن هناك سبب لهذا الحديث ألا وهو " اجتمع نفر من الصحابة أمام حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم  وجعلوا يشيدون بصفات وفضائل الأنبياء السابقين فقالوا : إن إبراهيم خليل الله ,وموسي كليم الله , وعيسى روح الله  "
 فكأنهم ذكروا تلك المناقب للأنبياء وتمنوا أن يكون نبيهم الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم له نصيب من تلك الفضائل فإذا باللطيف الخبير يخبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بما قالوه وأخبره أن يخرج إليهم مبينا لهم مكانته عند ربه جل وعلا فخرج المعصوم صلى الله عليه وسلم عليهم وقال : قلتم إبراهيم خليل الرحمن وهو كذلك و موسي كليم الله وهو كذلك و عيسى روح الله وهو كذلك .
أما وإني حبيب الله وأنا سيد ولد آدم ولا فخر,  بيدي لواء الحمد يوم القيامة  ولا فخر,  آدم ومن دونه تحت لوائي ولا فخر "
ومارينا في المعصوم صلى الله عليه وسلم  إلا تواضعا عجز البلغاء والفصحاء عن وصفه ويكفيه صلى الله عليه وسلم تزكية الحق سبحانه وتعالى له فقال{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4    ومن ثم فإن ما زعموه على لسان سيدنا يوسف وكأنه كان يستعرض لهم أفضليته ومكانته  عليهم مما من شأنه أن يوغر صدورهم ضده لا أساس له  .
 أما الحلم الثاني :
9ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي». 10وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟» 11فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ.
وللمرة الثانية نجد أن كاتبي العهد القديم لم يراعوا الموقف النفسي بين يوسف وإخوته فرغم ذكرهم بان إخوة يوسف عليه السلام ابغضوه أكثر من مرة إلا أنهم يجعلون يوسف عليه السلام يفرض نفسه عليهم ؛  إما غير مبالي بما يفعلوه معه  أو أنه لا يدرى معنى البغض ولم يدرك     لماذا يعاملونه بتلك القسوة .
 لأنه لم يكتف بالحلم الأول الذي أثار حفيظتهم بل فاجأهم بحلم أخر هو أوضح من الأول   وإن كان كاتبوا العهد القديم قد تجاهلوا أبويه فى الحلم الأول فإذا بهم يتداركوا الأمر فى الحلم الثاني ويذكرون أنه حلم بأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين  .
هل غضب يعقوب من ابنه يوسف عليهما السلام  ؟
يزعم كتبة العهد القديم أن يعقوب عليه السلام جزع من يوسف عليه السلام  ونهره بشدة وإلي هنا ولم يصبر أباه ؛  فإن ما مضى كان ينبئ عن استعباد إخوته له وأنه الأفضل   أما في   هذا الحلم فينبئ بأنه سيصبح أفضل من الجميع بما فيهم أبويه  مما أثار حفيظة والده فلم يصبر على ذلك وانتهره .
 ولكن يا ترى هل  انتهره استهزاء به فإن هذا لا يليق لأن نبي الله يعقوب عليه السلام  مثله مثل الأنبياء يفرح لأي بشر يهديه الله جل وعلا ويرفع درجته فما بالك وان كان ابنه فإن يوسف سيصبح أخوه فى النبوة .
وإن كان انتهره حقدا عليه فهذا أيضا لا يجوز لأنه فى الحقيقة نبي فما يحزنه إذن ؟ وإن لم     يكن نبي فإن الله قد منّ عليه وجعل أحد أبناءه نبي فلا داعي للحقد إذن .
ثم إن كاتبي العهد القديم جعلوا نبي الله يعقوب عليه السلام  من فرط غضبه وحنقه على يوسف عليه السلام  وأحلامه نسى أن أم يوسف " راحيل " قد ماتت وقال "10وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟»
وهنا سؤال
 هل نسى كاتبوا العهد القديم أنهم ذكروا أن أم يوسف عليه السلام  ماتت بعد أن وضعت أخيه بنيامين بلحظات وإنها لم تكن موجودة وقت هذا الحلم ؟  فقد قالوا  16ثُمَّ رَحَلُوا مِنْ بَيْتِ إيل. وَلَمَّا كَانَ مَسَافَةٌ مِنَ الأَرْضِ بَعْدُ حَتَّى يَأْتُوا إِلَى أَفْرَاتَةَ، وَلَدَتْ رَاحِيلُ وَتَعَسَّرَتْ وِلاَدَتُهَا. 17وَحَدَثَ حِينَ تَعسَّرَتْ وِلاَدَتُهِا أَنَّ الْقَابِلَةَ قَالَتِ لَهَا: «لاَ تَخَافِي، لأَنَّ هذَا أَيْضًا ابْنٌ لَكِ». 18وَكَانَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهَا، لأَنَّهَا مَاتَتْ، أَنَّهَا دَعَتِ اسْمَهُ «بَنْ أُونِي». وَأَمَّا أَبُوهُ فَدَعَاهُ «بَنْْيَامِينَ». 19فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ. 20فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا عَلَى قَبْرِهَا، وَهُوَ «عَمُودُ قَبْرِ رَاحِيلَ» إِلَى الْيَوْمِ.
ثم هل قص الحلم أكثر من مرة أي مرة على إخوته ثم مرة أخرى على أبيه وإخوته أم ماذا ؟ لأنهم ذكروا أنه حلم حلما أخر وقصه على إخوته وفى السطر التالي مباشرة قالوا إنه قصه على أبيه وإخوته . 
وإن قالوا بأن أباه انتهره ليدفع عنه كيد إخوته فيها ونعم ؛ ولكن ما بعدها من أحداث يناقض ذلك تماما وقبل أن تعرف على هذه الأحداث نعود للقرآن الكريم لنكمل ما بدأناه من قصة يوسف عليه السلام  .
بعدما تناولنا رؤيا نبي الله يوسف وتنبيه والده نبي الله يعقوب عليه السلام  له  ولنكمل ما بدأناه لنرى كيف تصرف إخوته معه :
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ       قَآئِلٌ  مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ *قَالُواْ       يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ           وَإِنَّا  لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ  عَنْهُ   غَافِلُونَ * قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ *فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ   فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ *قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا  يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ  بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }{ يوسف8- 18}
 في هذه الآيات الكريمة نرى عدة أمور منها  :
أخلاقيات القرآن الكريم :
*الحمد لله أن نرى فى القرآن الكريم  من الأخلاقيات ما يندر أن نراها فى كتاب أخر ؛ فمن  هذه الأخلاقيات نجد القرآن الكريم لم يذكر كلمة البغض والكره كما كررها العهد القديم   أكثر من مرة ولكنه استبدلها بكلمة أفضل  فقال جل وعلا  { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ  إِلَى أَبِينَا }
فهذا يدل على أن نبي الله يعقوب عليه السلام  يحبهم أيضا ولكن حبه ليوسف عليه السلام وأخيه أشد ؛ ولو تروى الإخوة لفهموا الحقيقة :
 ألا وهى أن يوسف عليه السلام  ابنه الأصغر بدليل أن يعقوب عليه السلام شارك معه أخاه بنيامين لصغره كذلك ؛ وقد كانوا يوما ما موضع اهتمام أبيهم يوم أن كانوا فى مثل أعمارهم ؛  أما الآن وقد بلغوا مبلغ الرجال فإنه ينتظر منهم أن يعطفوا على إخوتهم  مقابل ما تلقوه       من عطف قديما .
أما وقد أعمى الحقد والحسد  أعينهم فلم يتروا , فبدلا من الذهاب إلي أبيهم ويسألونه عن سبب تفضيله ليوسف وأخوه  أو يخبروه أنه يحزنهم تفضيلهما عليهم  بالطبع لأجابهم     ولأقنعهم ,  ومن المعروف أنه إذا عرف السبب بطل العجب ,  ولكنهم  تركوا أذهانهم  وقلوبهم للوساوس مما جعلتهم يقولون ( لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا )
صلف بني إسرائيل وحقدهم
ومما دفعهم إلى ذلك هو شعورهم بأنهم عصبة ؛  وهل هلك من هلك إلا من باب الفخر والكبرياء .  لأن كلمة " نحن "  تذكرنا  بما قاله فرعون عن نبي الله موسي عليه السلام كما حكي القرآن الكريم {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }الزخرف52  وقول قارون مفتخرا على أقرانه ورد الحق سبحانه وتعالى عليه فى نفس الآية {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى  عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً  وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }القصص78 
وكما حكي القرآن الكريم عن إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام {قَالَ أَنَا خَيْر  ٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }ص76 ونرى  ونسمع  دائما من  يقول : نحن فوق  الجميع ؛  فمن الجميع إذن ؟
 ثم دفع  الصلف والكبرياء بإخوة يوسف عليه السلام  فاتهموا  أباهم وقالوا {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ومع أنهم بالتأكيد لا  يعنون  أن أباهم لم يكن رشيدا  في تصرفاته نحوهم  إلا أنهم  لم يكن ينبغي لهم  أن يصفوا أباهم بتلك الصفة .
 و غالوا فى أمرهم إلى أن اجتمعوا ودبروا للتخلص منه  فقال احدهم(اقْتُلُواْ يُوسُفَ) ولكنهم أدركوا أن القتل من الخطورة بمكان .
 ولكنها رحمة الله جل وعلا ففكروا فى وسيلة أخرى ألا وهى (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) المهم هو التخلص منه . والعجيب أن سولت لهم أنفسهم أن ما يقومون به هو الصواب شأن الكثير ممن يخطئون وهم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }الكهف104  فقالوا { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ }
وحيل بينهم وبين ما يشتهون
فكيف سولت لهم أنفسهم  أن ما سيقدمون عليه سيسعد أبيهم  ؟ إلا أنهم راؤ  أن إلقاءه  وحيدا في الصحراء قد يعرضه لخطر شديد لا يحمد عقباه ومن ثم فكروا فى طريقة يتخلصون  منه بها وفى نفس الوقت يضمنون بقائه  .
 لأنها رحمة الله جل وعلا الذي يحول بين المرء وقلبه . ولنا في التاريخ والسيرة العطرة     الدروس والعبر ؛ ألم يكن عبد الله بن أريقط المشرك هو قائد الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه أبو بكر الصديق فى هجرته إلى المدينة ورغم أنه يعلم أن قريش رصدت مائة ناقة لمن   يأتي برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه ؟
 وقبلها ألم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعد رحلة الطائف فى جوار رجل مشرك وهو المطعم بن عدى ؟ بل وظل المعصوم صلى الله عليه وسلم يذكرها له حتى قال صلى الله عليه وسلم فى أسرى بدر فيما معناه : لوا أن المطعم بن عدى على حيا لشفعته فى هؤلاء  .
وبعدما أحكم إخوة يوسف عليه السلام الخطة ذهبوا إلى أبيهم فــ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) ظن الإخوة أن الأب قد لا يعلم ما أضمروه لأخيهم      ولا شك أن الله جل وعلا أطلعه على ما دبروه ومع هذا وافقهم  وهذا لا يعنى أنه ليس له  حيلة وإنما رأى أن أمر الله جل وعلا  نافذ و قد يكون فى بعده عن إخوته خير له فربما دبروا الآن أن يضعوه في بئر فيلتقطه بعض المارة   ويصبح على قيد الحياة وإن يكن عبدا فهو خير    له من الموت
ولكنه إن خالفهم وألقى عليه فيدبرون له مكيدة أخرى فقد يقتلوه كما فعل أحد ابني آدم   عليه السلام بأخيه  .
 ومع أن الفاظهم تكاد تقطر دما  وصدق القائل "  يكاد المريب يقول خذوني " لأنه لم يكن هناك داعي لأقوالهم ( مالك لاتأمنا .. وإنا له لناصحون .. وإنا له لحافظون ) فإن كانوا على وفاق مع أبيهم قبل ذلك لما خاف على ولده منهم  ولما قال لهم  { إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ     بِهِ }
 وهذا دليل على شدة حزنه لما سيحدث بابنه العزيز لأنه كان يتمنى أن يتربى فى أحضانه كما تربى هو فى أحضان والده نبي الله إسحاق ولأنه يعلم أن امر  الله جل وعلا كائن لا محالة  فوافقهم ولكن تحت حزن شديد.
 ثم فتح لهم الباب ليأتوا بحجة فقال (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} تماما كما  يفتح الله جل وعلا باب الرحمة لعباده يوم القيامة فيقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }الانفطار6  وفيها  يفتح الحق سبحانه وتعالى الباب لعباده ليقولوا كرمك يارب . وهذا ما حدث من نبي الله  يعقوب عليه السلام  حين قال  (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ... )      وكأنه يشم رائحة الدم تقطر من كلماتهم ولما لا وقد شعرت به زوجة كعب بن الأشرف حين جاءه محمد بن مسلمة  رضي الله عنه ومن معه .... ليتخلصوا منه بناء على طلب المعصوم صلى الله عليه وسلم لأنه آذى الله ورسوله وألب قريش على المسلمين  لأنه من أهل الكتاب وكان أحق من  يؤمن بالإسلام إلا أنه أعان قريش على المسلمين ويكون بهذا قد نقض العهد واستوجب العقاب .
 الشاهد أنه حين ذهب محمد بن مسلمة ووائل بن سلكان فنادياه قالت زوجته إن هذا الصوت يقطر دما و قد كان حديث عهد بزواج  فقال لها إنما هما  أخواي ولو دعي الفتي لطعنه   لأجاب ونزل وقد كانت نهايته تلاحقه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 
وعليه أفلا يعلم  ويدرك  نبي الله يعقوب ما يضمره بنوه ؟   إلا أنهم استحسنوا الفكرة لأنها جاءتهم دون عناء . فـ {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ) وللمرة الثانية يذكرون أنهم عصبة .
ثم طمأن الحق سبحانه وتعالى نبيه يوسف عليه السلام  وقت  أن أدلوه فى البئر فإذا بالحق سبحانه وتعالى يرسل إليه جبريل عليه السلام ليخبره بأن الله جل وعلا سيعينه يوما ما ويعز قدره ومكانته حتى انه ليخبرهم بما فعلوه فقال تعالى تثبيتا له {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } 
تماما كما طمأن الحق سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قبيل غزوة بدر فقد كان يعلم من الله جل وعلا أن الله جل وعلا  ناصره ومعينه  ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بذلك إلا بعد ما رأى الرسول منهم ما اقر  عينه ورضي به عنهم  .
 ساعتها قال لهم كما حكي القرآن الكريم  {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } الأنفال7  
وإن قيل بأن نبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قد بلغ مبلغ الرجال والنبوة نقول  : نعم  ولكن هذا فضل الله ؛ ألم يتكلم عيسى عليه السلام  فى المهد ليبرئ ساحة أمه وحينها أخبرهم بأنه عبد لله واحد أنبيائه اعتبارا بما سيكون إن شاء الله.
 {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } مريم29/ 33 
وقد أكرم الحق سبحانه وتعالى نبي الله يحي فقال جل وعلا {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم 12


الكذب والتحايل
أما إخوة يوسف عليه السلام فبعدما سولت لهم أنفسهم أن يتركوا أخاهم فى البئر  يعانى  الأمرين وحده دون شفقة أو رحمة  ؛ فإذا بالقرآن الكريم يصور حالتهم  لنا  : فذكر أنهم  جاؤا أباهم ليلا حتى لا  تتقابل العيون فتفضح أمرهم  والمعجز حقا لو نظرت إلى الأسلوب الذي       اتبعوه هذه المرة تجده سريعا وحازما وصارما وقاطعا فحين طلبوه أول مرة كانوا يقولون  "مالك لاتأمنا".. "وإنا له لحافظون "..." وإنا له لناصحون"
أما الآن ففي آية واحدة وفى نفس واحد مما يدل على أنهم لم يعطوا أباهم فرصة ليراجعهم فـ{ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا  فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا      وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }
حينها أدرك يعقوب عليه السلام أن ابنه يوسف عليه السلام بدأ طريق العناء والشدة وأن     الله جل وعلا حافظه  ومعينه , كما نجي سبحانه وتعالى جده إبراهيم عليه السلام من النار    فقد ألب الأعداء له ما لم يكن فى الحسبان فأجمع قومه على أن يلقوه فى النار فــ {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }الأنبياء68  
إلا أنها عناية الله الذي بيده مقاليد كل شئ  وإذا قضى فلا راد لقضائه وإن حكم فلا معقب لحكمه فقال جل وعلا {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ } الأنبياء69 وصدق     الحق حين قال {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } الأنبياء70 
فتذكر نبي الله يعقوب عليه السلام أن الله سبحانه وتعالى  لا يضيع أهله وأن إخوته الذين    ظنوا أنهم يحسنون صنعا فسيكون وبال أمرهم عليهم لأن الحق سبحانه وتعالى قال عن أمثالهم {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ  اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43
ولذا رأى سيدنا يعقوب أنه خيرا له ولابنه أن يفوض الأمر لله  جل وعلا  . لأنه  ربما عنفهم فيزداد دافع الغيرة لديهم أو يطلب دليلا أخر على موته فيقتلوه حقا ولذا نظر إليهم  وإلى القميص فلم يجده ممزقا فتأكد أنهم كاذبون لأنه لو كان ذئبا لمزق القميص ولو كان من قتله  لصوصا  لأخذوا القميص ,  إذن ما هي إلا مؤامرة   والله جل وعلا  غالب على أمره .
  فـ { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } يوسف18
المؤامرة من العهد القديم
رأينا كيف تناول القرآن الكريم هذا الموقف فى اسلوب راق مستعملا أهذب الألفاظ وارقها  ورأينا كيف صور لنا القرآن الكريم الأحداث رأى العين بإيجاز رائع دون أن يختل المعني .  فهل تناول العهد القديم هذا الموقف بنفس المنطق وتلك الرؤية  ؟ فهيا بنا نذكر ونتابع ما جاء فى العهد القديم بخصوص ذلك الموقف . -
رأينا في الفقرة السابقة من العهد القديم أن يعقوب عليه السلام انتهر ابنه حين ذكر لهم ما رآه من أحلام  وفصلنا ذلك وقلنا إن كان  قد انتهره ليدفع عنه حقد إخوته فبها ونعم ,  ولكن ما جاء من أحداث كان خلاف تلك الرؤية فذكروا الأتي :
12وَمَضَى إِخْوَتُهُ لِيَرْعَوْا غَنَمَ أَبِيهِمْ عِنْدَ شَكِيمَ. 13فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذَا». 14فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ الْغَنَمِ وَرُدَّ لِي خَبَرًا».
 فَأَرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ فَأَتَى إِلَى شَكِيمَ. 15فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِي الْحَقْلِ. فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ قَائِلاً: «مَاذَا تَطْلُبُ؟» 16فَقَالَ: «أَنَا طَالِبٌ إِخْوَتِي. أَخْبِرْنِي «أَيْنَ يَرْعَوْنَ؟». 17فَقَالَ الرَّجُلُ: «قَدِ ارْتَحَلُوا مِنْ هُنَا، لأَنِّي سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ». فَذَهَبَ يُوسُفُ وَرَاءَ إِخْوَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ.
18فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ، قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ، احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. 19فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. 20فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ».
21فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: «لاَ نَقْتُلُهُ». 22وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ: «لاَ تَسْفِكُوا دَمًا. اِطْرَحُوهُ فِي هذِهِ الْبِئْرِ الَّتِي فِي الْبَرِّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَدًا». لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ. 23فَكَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْ يُوسُفَ قَمِيصَهُ، الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ الَّذِي عَلَيْهِ، 24وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ. وَأَمَّا الْبِئْرُ فَكَانَتْ فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ.


العجب العجاب
يزعم أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام حث ودفع يوسف عليه السلام على النميمة فالعجيب هنا هو إصرار كاتبوا العهد القديم على اتهام سيدنا يعقوب عليه السلام بتسخيره ليوسف عليه السلام  فى نقل أخبار إخوته مع علمه ببغض وكره إخوته له وإن كلفة إزهاق روحه ,  فذكروا انه أصر على إرساله إلى إخوته وحيدا فى صحراء قاحلة موحشة فإن نجي منها فلن ينجو من إخوته لأنهم له كارهون .
  وهذا ما حدث لأنهم قالوا بأن إخوة يوسف ما إن راو أخاهم حتى ظهر ما كان يخفوه   وصدق الحق جل وعلا حين قال{  قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ   قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران 118  
فما إن رأوه حتى " احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. 19فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. 20فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ».
أرأيت كيف تسبب كتبة العهد القديم في اتهام نبي الله يعقوب بأنه ألقى حتف ابنه بنفسه . لأنهم فكروا في قتله وإلقاءه فى أي بئر وما دفعهم إلى ذلك إلا أنهم كرهوا أن يكون أفضلهم يوما ما ,  وإن قلت فقد ذكر القرآن الكريم  أنهم فكروا فى التخلص منه  , نقول : نعم ,  ولكن ما كان ليعقوب عليه السلام ليفرط  في ابنه إلا بعد أن عاهدوه  بالمحافظة عليه وأن يكونوا له من الناصحين  .
ولم يدفعه إلى هلاكه كما يذكر كاتبوا العهد القديم  فلو أن الأمر بيد يعقوب عليه السلام  ما تركه يخرج من البيت .  ثم ذكروا أن احد إخوته رق له وقال لا تقتلوه   وقد استخدموا لفظة  " نطرحه " فى البئر مما يدل على أن الكاتب لا يدرك معنى الألفاظ ؛ فكيف يطرح في بئر ؟
 والطرح إنما يكون بتركه في الصحراء بعيدا عن أعين المارة والطرق الممهدة حتى يهلك من الجوع والعطش أو يلتهمه أحد السباع أو الذئاب الضاربة في الصحراء . أما البئر فلا يتفق   معه إلا الإلقاء فيه ومن فرط حقدهم خلعوا عنه القميص والقوه فى البئر .

أغرب من الخيال
 والى هنا يجب أن يكون الأمر قد انتهى إلا أنهم قالوا في العهد القديم : 25ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامًا. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَانًا وَلاَذَنًا، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ. 26فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ 27تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا». فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ.
28وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ. 29وَرَجَعَ رَأُوبَيْنُ إِلَى الْبِئْرِ، وَإِذَا يُوسُفُ لَيْسَ فِي الْبِئْرِ، فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ. 30ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: «الْوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُودًا، وَأَنَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟».وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال {  فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46
ومع أن جلوسهم لآكل الطعام أمر محير إذ أي رغبة هذه التي يشعرون بها بعد إلقاء أخيهم فى البئر ؟ فلا يدل هذا إلا على قوم تحجرت قلوبهم إذ لا يشعرون أنهم بين أمرين كلاهما مر ؛  بين فقد لأخ وجرح لأب . وماذا بعد فقد الأخ وحزن الأب عليه .  ولكن يبدوا أنهم إنما جلسوا لشئ أخر غير الطعام إذ لا يرضيهم ما حدث فربما خرج أخاهم وذهب خلفهم واخبر أبيه , ساعتها تكون الطامة الكبرى .
 ولذا فقبل أن يفكروا فى التخلص منه تماما رأوا قافلة والعجيب أنهم عرفوا أصحابها فإن قيل بأن هذه القوافل تمر بهم نقول إن كان الأمر كذلك لعرف أصحاب القوافل يوسف عليه السلام  وعادوا به إلي أبيه  . ولكن الأصح أن القافلة التي مرت بالبئر لا تعرفهم وأنهم لم يكونوا عند البئر إلى هذه اللحظة لأن المنطق يقتضى أن لا يلقوا أخاهم فى البئر ثم يجلسوا بجواره لأنه إما أن تأخذهم به شفقة فيخرجوه .
 حينها أيضا لن ينجو لأنهم كانوا سيشكون فى انه سيخبر أباهم بما بدر منهم أو يسمعوا صراخه ونجدته فيرون أن التخلص منه أفضل  إذن فالحكمة تقتضي أن يلقوه فى أخر النهار ويعودوا إلى أبيهم كما حكي القرآن الكريم .
وما يقوله كتاب العهد القديم إنما يذكرني برجل عجوز فى ليلة شديدة البرودة يجمع أبناءه بجواره ويحكى لهم قصة مثيرة  فشرع يباعد بين الأحداث باستخدام مرادفات عديدة لا جدوى منها حتى لا ينتهي منها فى ليلة بل يظل يحكيها لأبنائه طوال ليالي الشتاء ودليل ذلك التخبط الذي نراه بين الحين والأخر.
 فبعدما أخبرونا بأن إخوته القوه فى البئر وجلسوا للطعام وأبصروا قافلة للإسماعيليين  نجدهم يقولون " 26فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ 27تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا».
معنى هذا إما أنهم لم يلقوه بعد  , أو أنهم جلسوا بعد إلقاءه ليبحثوا الأمر؛ هل ما فعلوه يكفى أم أن هناك رأى أخر كما أن النص يثبت أنهم حقا قوم بهت فرأوا أن المال أولى من أخيهم وليس هذا فحسب بل حينها تذكروا أن يبيعوه للحصول على المال  .
ولا أدرى ما فائدة عبارة " أخونا ولحمنا "  فإن كتبة العهد القديم لا يقدرون القراء حق قدرهم ولا يحترمون العقل البشرى المنوط به قراءة هذه النصوص وفهمها إذ لا يخفى على أي قارئ أن هذا تخبط لا يليق بكتاب يجزم أصحابه انه من عند الله العزيز الحكيم  بل واليك ما هو أدهى وأمرّ "
 28وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ. 29وَرَجَعَ رَأُوبَيْنُ إِلَى الْبِئْرِ، وَإِذَا يُوسُفُ لَيْسَ فِي الْبِئْرِ، فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ. 30ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: «الْوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُودًا، وَأَنَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟».
 ما هذا ؟  أليسوا بجوار البئر جالسين للطعام  ؟ لأنه من الطبيعي أنهم فى صحراء فلا بد أن البئر تحت بصرهم وإلا ما استعدوا أن يخرجوا أخيهم ليبيعوه للإسماعيليين  وإذا بهم يقولون اجتازت قافلة مديانين فكان يوسف من نصيبهم فباعوه هم للإسماعيليين .
ثم لماذا مزق رأوبين قميصه ؟ ألم يكن الأمر لديه سواء ؛ فبيعه للإسماعيليين أو لغيرهم لا يختلف . أم أن إخوته كانوا سيتركونه يعود بأخيه لأبيهم ؟ أم أنها عبارة يذكرها كتبة العهد القديم لتتدل على بقايا رحمة لدى إخوة يوسف عليه السلام .
ثم انظر إلى الاسلوب التالي فى عرض الموقف على أبيهم فلم يذكروا ميعاد عودتهم كما لم يظهر عليهم علامات ريب بما قاموا به وكأن ما قاموا به أمر عادى فذكروا الأتي :
31فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسُفَ وَذَبَحُوا تَيْسًا مِنَ الْمِعْزَى وَغَمَسُوا الْقَمِيصَ فِي الدَّمِ. 32وَأَرْسَلُوا الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى أَبِيهِمْ وَقَالُوا: «وَجَدْنَا هذَا. حَقِّقْ أَقَمِيصُ ابْنِكَ هُوَ أَمْ لاَ؟» 33فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ: «قَمِيصُ ابْنِي! وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ، افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاسًا». 34فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ مِسْحًا عَلَى حَقَوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. 35فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحًا إِلَى الْهَاوِيَةِ». وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ " 
مازال لون القميص يحزنهم فما هي فائدة أن يكون القميص ملونا أم غير ملون كأنهم يريدون أن يجذبوا انتباه الأطفال الذين يسمعون هذا الحوار ,ثم هل ظل القميص ملونا بعدما غمسوه فى الدم ثم هل يليق بنبي الله يعقوب عليه السلام أن يمزق ثيابه وان هلكت الدنيا جميعا .
ولذا نحن المسلمين نحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الإسلام والقرآن و أنا أردد مع القرآن الكريم ليل نهار قول الحق سبحانه وتعالى {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الجاثية36                     ومع الشاعر قوله وهو يحمد الله تعالى :
                            فلك المحامد والمدائح كلها * بجوارحي وخواطري وجناني 
فأي الكتابين أولى بالإتباع ؟
لأنه شتان بين ما يقال فى العهد القديم وما جاء في القرآن الكريم بهذا الخصوص  فإنك لو جمعت قل ما ذكر أنفا فى هذه القصة لوجدت القران الكريم جاء به فى اسلوب راق مشوق وأخاذ بل وقدر للأنبياء قدرهم  انظر إلى العبارات الآتية والتي قابلها القرآن الكريم بآية واحدة فقط وأدت دورها بشكل أفضل فقالوا فى العهد القديم
 31فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسُفَ وَذَبَحُوا تَيْسًا مِنَ الْمِعْزَى وَغَمَسُوا الْقَمِيصَ فِي الدَّمِ. 32وَأَرْسَلُوا الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى أَبِيهِمْ وَقَالُوا: «وَجَدْنَا هذَا. حَقِّقْ أَقَمِيصُ ابْنِكَ هُوَ أَمْ لاَ؟» 33فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ: «قَمِيصُ ابْنِي! وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ، افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاسًا». 34فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ مِسْحًا عَلَى حَقَوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. 35فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحًا إِلَى الْهَاوِيَةِ». وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ " 
 وفي القرآن الكريم يقول الحق سبحانه وتعالى {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } يوسف18 فهذا ما علمنا إياه القرآن الكريم وأمنا به بأن الأنبياء قال عنهم سبحانه وتعالى {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ }ص47
  وأنهم يدركون أنهم اشد الناس ابتلاء وإن لم يصبروا فمن يصبر إذن ؟ كما أن لنا فيهم القدوة الحسنة . لأننا لو أخذنا بمنطق العهد القديم وصدقنا جدلا بأن نبي الله يعقوب عليه السلام مزق ثيابه فماذا يفعل الفرد العادي حين يفقد احد أبناءه ؟  ثم لم يقدروا نبي الله  يعقوب عليه السلام حق قدره ويرجع الأمر لله .
 ومن ثم فليس هناك فضل للأنبياء عن غيرهم .ثم ما فائدة عبارة " وبكى عليه أبوه "  بعد تمزيق الثياب والنزول إلى الهاوية لينوح على ابنه ؟ ولعلك مثلى عزيزي القارئ أدركت بعضا من أسرار قول الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في بداية سورة يوسف عليه السلام  "نحن نقص عليك أحسن القصص "
 فقد رأينا المسلمين وقد اقتدوا بالقرآن الكريم فقد قالت الصديقة بنت الصديق حين اتهمها المنافقون " لأجد لي و لا لكم مثالا خير من قول نبي الله يعقوب " فصبر جميل "
 فكان فضل الله عظيما فنزلت الآيات تبرئ ساحتها فى سورة النور فقال جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النور11  إلى قوله سبحانه وتعالى  { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }النور26
 أما إذا نزل بأحد أبناء أهل الكتاب نازلة كالتي نزلت بنبي الله يعقوب عليه السلام فبمن يقتدي وكيف يتصرف ؟ بالطبع لن يجد أمامه إلا ما قاله كتبة العهد القديم عن نبي الله يعقوب وما فعله من تمزيق للثياب وبكاء وعويل  . فأي الكتابين أولى بالإتباع والإيمان إذن ؟
وصدق الحق جل وعلا حين قال " {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }القصص49 ولذا فنحن نناديهم بما ناداهم به الحق سبحانه وتعالى حين قال {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }الأنعام157

                      


















                                      الباب الثاني :    
                      يوسف عليه السلام والإبتلأت
تمهيد :
لو تروى الإنسان وأعطى لفكره وعقله  مساحة في النظر في كون الله جل وعلا الذي خلق ما فى السماوات وما فى  الأرض .وجعل الحق سبحانه وتعالى السماء والأرض طائعة له جل وعلا  {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت11 
 ثم أمرها أن تكون مسخرة لخدمة الإنسان  فقال تعالى {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ }إبراهيم32
فلا الشمس تأبى الشروق ولا الأرض ترفض أن تخرج خيراتها ولا الأوقات تخلفت فسبحان الله القائل {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ }إبراهيم33 وأكد سبحانه وتعالى فى آية أخرى فقال جل وعلا {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }النحل12
ولم تكن اليابسة من الأرض وحدها بل مكن الحق سبحانه وتعالى الإنسان من الماء والبحار وسخرها للإنسان فقال تعالى  {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل14
 وبين الحق سبحانه وتعالى فضله  فى آية أخرى  فقال جل وعلا {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحج65  
وفى الجملة أراد سبحانه وتعالى أن يلفت فكر الإنسان إلى هذا الفضل وتلك النعمة فقال جل وعلا {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13
فكان ينبغي على الإنسان أن يعتبر ؛  فالكون كله مسخر لخدمته , ألم يسال نفسه : ما هو دوره فى الأرض ؟ ألا يجب أن يكون هو الأخر له قوة  أعلى يرد إليه الفضل , وحتى لا يجهد الإنسان نفسه ويذهب بذهنه بعيدا فقال جل وعلا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56  
وحتى لا يخطر ببال الإنسان أن الهو جل وعلا كمن يزعمون السيادة في الدنيا فإن خير العبيد يعود إليهم ,  فالعبد يكدح ويعمل والسيد يجنى ويحصد  , فإذا بالحق جل وعلا يطمئن الإنسان  بقوله سبحانه  {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } الذاريات57
والعجيب أن  إغتر بعض الناس بإمهال الحق سبحانه وتعالى لهم حين قال  {وَقُلِ الْحَقُّ مِن   رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}الكهف 29 فمنهم من قال " سأنزل مثل ما أنزل الله " ومنهم من غرته قوته فــ { قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي  أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الزخرف51 
ومنهم من غره علمه فــ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } القصص78 ومنهم من دعتهم قوتهم إلي الإفتراء  كما حكى القرآن الكريم  {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا         يَجْحَدُونَ } فصلت15
 ووسط هذه الظلمات وهذا الركام المخيف من البغي والغطرسة والكبر تخرج فئة مؤمنة    تنادى بما نادي به القرآن الكريم  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم      لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
لأنهم قالوا { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7 وأعادوا الفضل لله سبحانه وتعالى فقالوا  {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } إبراهيم12
إلا أن الأخريين وقفوا لهم بالمرصاد وحذروهم من بطشهم فصمد المؤمنون كما حكي القرآن الكريم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173
وحاولوا أحاطتهم بكل أنواع البلاء والعذاب ليردوهم عن إيمانهم فقالوا كما قال الرجل المؤمن {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }غافر44  وبذل المغرضون كل ما استطاعوا في سبيل ثنيهم عن إيمانهم فلم يزدادوا إلا نقاءا وقربا من الله      جل وعلا وقالوا {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أََََََََََََََََنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران53 فعلم الحق سبحانه صدق نيتهم وإخلاصهم {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ  وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران148
أشد الناس ابتلاء
ومن هؤلاء الذين أتاهم الله ثواب الدنيا و حسن ثواب الآخرة  نبي الله يوسف عليه السلام فلقد عانى فى الفترة الأولى من حياته مالا يخطر له على بال فهو ابن الأكرمين وسليل الأنبياء و ينتهي به الأمر فى بئر  , فيصبح بين ظلمات شتى ظلمة البئر  , وظلمة الليل , وبعده عن والده, وصدمته فى إخوته ,  ومستقبل لا يعلم مداه إلا الله فقد ينتهي بعد لحظات بوحش كاسر وقد يطول به الأمد حتى يعوضه الله جل وعلا خيرا .
 وإذا به يخرج من بلاء  إلى بلاءات أشد ,  فهيا نتابع قصة نبي الهو يوسف عليه السلام  كما وردت فى القرآن الكريم ونذكر ما جاء  بخصوصها من العهد القديم ليرى ويعلم القارئ أن القرآن الكريم لا يفتري على أهل الكتاب حين أخبر أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه  فقال تعالى  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41   
كما وأنهم بدلوا وغيروا  و اخفوا كثير مما انزل إليهم ونبههم الحق سبحانه الى ذلك فقال جل وعلا  {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } المائدة15 وليس هذا فحسب بل حذرهم جل وعلا فقال {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92  
 والعجيب أنهم رفضوا الإنصياع لأوامر الله جل وعلا {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }البقرة88  فرأيت أن أضع الأحداث كما جاءت من القرآن والعهد القديم تاركا لك عزيزي القارئ فى نهاية المطاف لتحكم وتجيب  بنفسك على سؤال القرآن الكريم { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } مريم73
وصدق الحق جل وعلا حين قال {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }الشرح5  فبعدما كان ينعم يوسف  عليه السلام  بحياة الحرية والهناء فى جوار وأحضان أبيه نبي الله يعقوب عليه السلام يستقى    منه المبادئ والقيم ؛ فإذا به وقد تغيرت الأحوال والظروف إلي النقيض .
 ولكن سبحان الله !! وكأن الله جل وعلا يهيئ له موطنا أخر لنشر الدعوة فيه , وإظهار     رحمة الله وقدرته على خلقه وأنه حقا على كل شئ قدير ؛  فمن يتصور أن حياة صبى التقطته قافلة واشتراه أحد الأثرياء أن يصبح يوما ما  عزيز مصر وصاحب الكلمة فيها بل وأنقذ      الله جل وعلا به مصر  ومن حولها من الأقطار يومئذ  من مجاعة محققة كادت أن نفنيهم لولا رحمة الله .
                   وماذا بعد البئر ؟
فهيا نتابع ما حدث ليوسف عليه السلام بشئ من التفصيل بعدما ألقاه إخوته فى  البئر  :
 أولا : من القرآن الكريم
{وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }يوسف 19/   22
فكلمة (جاءت)  إنما تشير وكأنها على موعد مع يوسف عليه السلام دون أن يدري لأن الرحمة تقتضى أن لا يظل يوسف عليه السلام فترة طويلة فى البئر ولنعلم أن كل شئ بقدر ؛  تماما مثل العبد الصالح الذي وعد الله جل وعلا  نبيه موسى عليه السلام أن يلقاه عند الصخرة  ليقضى الله جل وعلا  أمرا كان مفعولا  {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65 
 و كلمة (وجَاءتْ ) غير  ( مرت )  لأن جاء فى القرآن الكريم تنبئ عن موعد فعلى سبيل المثال قول الحق سبحانه عن موعد موسى عليه السلام { ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى }طه40
وكذلك قول الحق سبحانه وتعالى : {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } الأعراف143
وكذلك حين انتظر نبي الله شعيب عليه السلام نبي الله موسي عليه السلام حين أخبرته بناته   عن قوته وأمانته  فقال الحق سبحانه وتعالى{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }القصص25
أما  " مرت "  فإنما تدل على أن الأمر قد يكون مصادفة كما حدث للرجل  الذي مر على  قرية  مات أهلها حينها بدأ يفكر فكان من أمره  ماحكاه القرآن الكريم بقوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ      مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة259
 نعود إلى نبي الله يوسف والقافلة  رأينا  أن الحق جل وعلا زهدهم  فى الغلام و لم يجذب انتباههم حسن صورته فيحتفظ به أحدهم  ولكن شاء الله جل وعلا ذلك لأنه كان أقصى ما يصل إليه يوسف عليه السلام معهم أن يكون شيخ  قافلة أو كبير خناسين " حاشاه ذلك  " ويبدوا أن الإنسان وقتها لم يكن له قيمة إذ اعتبروا الغلام بضاعة  وألقى الله سبحانه وتعالى فى قلوبهم سرعة التخلص منه خشية أن يعودوا به إلى أوطانهم فيتهم فيه أحدهم .
الله سبحانه وتعالى لا يعجل بعجلة العباد
الشاهد هو  أن الله جل وعلا إذا أراد أمرا فترى الأمور جميعها تسير وفق مراده جل وعلا  وليس أدل على ذلك من قول الصديق يوم حجة الوداع وهو ينظر إلى سهيل بن عمرو الذي كان  لديه إصرار وتشديد عنيد ورفض أن يقر بأن الله هو الرحمن الرحيم أو أن محمد صلى الله    عليه وسلم رسول الله فى يوم الحديبية , فرآه أبو بكر الصديق يوم حجة الوداع بين يدي رسول الله وهو فى غاية الحب والتواضع فقال :
" إن الله لا يعجل بعجلة العباد حتى تصل الأمور إلى ما يراد  فلقد رأيت سهيل بن عمرو  فى حجة الوداع يقدم بُدنه لرسول الله ليذبحها بيده  , ورأيته نادي الحلاق ليحلق لرسول الله وإذا هو يلتقط شعر رسول الله ويضعه على عينه تبركا وأذكر إباءه يوم الحديبية أن يكتب باسم الله الرحمن الرحيم  أو أن يقر بأن محمد رسول الله وأقول الحمد لله الذي أكرمنا الهت بالإسلام وأخرجنا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الظلمات إلى النور" 
كما أن الحق جل وعلا شاء ألا  يفكر أحدهم فى إعادته إلى أبيه فلا شك  أنهم سألوه عن اسمه وأهله ولاشك أيضا أن نبي الله يعقوب يعلم به من حولهم من القرى وهذا الموقف يصدق      فيه قول الشاعر :-
       إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا * ألا تفـارقهم  فـالراحلون هم
فما دام إخوته لا يودون رؤيته أو وجوده بينهم فالراحلون هم ,  باستثناء نبي الله يعقوب عليه السلام فإنه أرغم على البعد عن ولده الحبيب  لأنهم إن أعادوه سيفكر الأولاد فى حيلة أشد وأنكي .وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }الطور48 ولذا باعوه بثمن بخس واشتراه العزيز فى مصر .
عناية الله جل وعلا
إن  من أعظم ما نراه فى القرآن الكريم هو عناية الحق سبحانه وتعالى بأنبيائه ولم يتركهم يواجهون مصاعب الحياة دون مراقبة أو حرص فهو جل وعلا يربى نبيه على أكمل ما تكون التربية فما من نبي إلا ونرى فيه من الأخلاق مالا نراه فى غيره من البشر كما نراهم وقد تعرضوا لعقبات تنؤ بحملها الجبال .وعن هذا يقول الحق سبحانه وتعالى {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
 وكلما ظن الرسل أن الأبواب على وشك الإغلاق فإذا بهم يجدونهم وقد دخلوا إلى باب أرحب وأوسع وأفضل ألا وهو رحمة ربهم العلى القدير وقربهم منه وعن هذا يقول الحق سبحانه وتعالى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا  عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } يوسف110 وكذلك قال المعصوم صلى الله عليه وسلم " إن الله       إذا أحب  عبدا ابتلاه ,  وإن صبر اجتباه  , وإن رضي اصطفاه  "  
كما نتعلم من القرآن الكريم أن هناك أفراد مازالت فيها بقية من الفطرة السليمة فاختارهم  الحق سبحانه فجعلهم سببا فى عناية أنبيائه وسبحان  الله  الذي قال  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ   إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } الأنفال24
فمن كان  يتصور أن يتربى موسى عليه السلام  فى قصر فرعون  فمع شدة  فرعون وقسوته  التي أخبرنا القرآن الكريم  عن جانب منها فقال تعالى عن فرعون قوله {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } الأعراف127
  فإذا بالحق سبحانه وتعالى  يلقى محبة موسى عليه السلام فى قلب  امرأة  فرعون فتقول     كما حكي القرآن الكريم  {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }القصص9
كما أننا  لا ننسى ما عانه وتعرض له نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم من عناد من أهله وظل بمكة ثلاثة عشر عام  تعرض فيها  صلى الله عليه وسلم وأصحابه لشتى أنواع التعذيب والعناد مما قد ينبئ على أن أهل مكة لم يعد فيهم رجاء " على الأقل فى هذه الفترة "  وفى وسط هذا الضيق وتلك الشدة  يفتح الله جل وعلا لنبيه بابا أرحب وأوسع وإذا بالأنصار يقولون " لقد أكرمنا الله بك وأعزنا الله بالإسلام "  وفى هذا يقول تعالى   {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }الأنفال62
وعن يوسف عليه السلام نجد العزيز بعدما اشترى يوسف عليه السلام  لم يدخل به على زوجته وكأنه خادم فيلقى به بين الخدم ويسلمه لكبير الخدم يفعل به  ما يشاء  فيعانى ما يعانيه الخدم من ذل العبودية أو ضيق العيش  ويصبح نسيا منسيا لا قيمة له ولا وزن  .بل امر زوجته أن    تتولى تربيته كما يربى ابناء الملوك  فى قصور الملوك والعظماء .
و شاء الله جل وعلا أن يدخل العزيز منشرح الصدر  فرحا بما منّ الله جل وعلا به عليه  ,  فلك أن تتخيل منتهى الفرحة والإنتشاء وهو يقول لامرأته كما حكى القرآن الكريم {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) 
 فلو جئت بألفاظ المعجم ما وجدت أبلغ من هذا التعبير فهو  حقا يليق بنبي الله يوسف       عليه السلام ؛ وحسنا فعل هذا الرجل  , فسيرد يوسف عليه السلام له هذا الجميل يوما        لا يستطيعه غيره عليه السلام مصداقا لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم " اصنع المعروف فى أهله وفى غير أهله  فإن صادف أهله فهو أهله , وإن لم يصادف أهله فأنت أهله"
 والحمد لله  فهذا المعروف لم يصادف أهله فحسب بل صادف القائمون عليه والآمرون به فقد قال عنهم جل وعلا  {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام 90
وصدق الحق جل وعلا حين قال بعدها  { وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21     
وسائل التمكين في الأرض 
 ولنا مع كلمة  "مكنا " وقفة  فكأن الحق جل وعلا أراد أن يلفت القائمين على أمر الرعية  " أباء كانوا أو معلمين أو قادة " إن رأوا فى أحد رعيتهم مظاهر   نبوغ واستعداد للتفوق فعليهم أن يمكنوه فى الأرض بما منّ الله جل وعلا به عليهم من مال أو جاه أو قوة أو علما  ليبلغوا رسالات ربهم فقال تعالى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41 
ولقد رأينا الحق سبحانه وتعالى وضع الأسس مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكي تكون لنا فيه القدوة الحسنة فقال جل وعلا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى ثلاث آيات فى  سورة الضحي :
الأولي {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى }الضحى6  
الثانية : {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7   
الثالثة :  {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى }الضحى8  
 الفضيلة الأولى :  {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى }الضحى6  إذن فعلى القائمين على الأمور أن يوفروا تلك الوسائل الثلاث لكل داعية لأنه إن وجد الداعية من يؤويه  ويحتضنه فيملأ صدره رحمة وحنانا وأملا  تماما كما فعل عبد المطلب ومن بعده أبو طالب مع المعصوم صلى الله عليه وسلم فرغم أنهم كان لدبهم بنين كثير إلا أن الحق سبحانه وتعالى القي محبة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فى قلوب أهله حتى أصبح أحب إليهم من أبنائهم.
 فنشأ صلى الله عليه وسلم رحب الصدر ,  يحب الجميع ويحبه الجميع ,  وكذلك لا ينبغي أن  ينبذ  الناس من يجدوا فيه رغبة فى العلم والدعوة  فإنه إن أصبح منبوذا من المجتمع فسيصبح معقدا يعانى من أمراض نفسية  فكيف يقوم بصلاح النفوس فيما بعد ,  وفاقد الشئ لا يعطيه.  وبهذا يكون المجتمع قد أخطأ مرتين :
 الأولى : حين ضن بخيراته وعلمه على من لديه استعداد للدعوة .
 الثانية: حين حرموا المجتمع من عالم يأخذ بيديه إلى بر الأمان . 
 وعن الفضيلة الثانية :  {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7   ثم هدى الحق سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  إلى الصراط المستقيم فقد كانت الدنيا وقتها تموج        فى الظلمات فمن البشر من يعكف على أحجار يظن أنها ملاذه الوحيد يناديها في  الضراء والبأساء .
 ومنهم من يسجد للنار يظن أن دخانها هو الذي يرفع الدعاء إلى السماء والعجيب أنهم ضحوا بأبنائهم وأموالهم من أجل هذه الآلهة المكذوبة المزعومة  حتى أهل الكتاب ضلوا وأضلوا الناس عن الصراط المستقيم  فزعموا أن لله جل وعلا (حاشاه )  ولدا فقال عنهم القرآن الكريم           قولهم : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ } {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ } التوبة 30  
 ولم يكتف أهل الكتاب بذلك بل قالوا {إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء }آل عمران 181      وأخفوا العديد من المبادئ التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى على نبييه وعبديه موسي وعيسي عليهما السلام  ولذا قال جل وعلا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }إبراهيم1
ومادام الدين قد اكتمل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  وقال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة 3
  فعلى القائمين على أمر الدعاة أن يوفروا لهم فرصة التعلم على أيدي العلماء المخلصين الربانيين لأن العلم لا ينتهي ولا يرفع أو ينزع من الأرض انتزاعا وإنما ينزع بقبض العلماء     فإن مات العلماء دون أن يتركوا خلفهم أجيالا تحمل الأمانة فيتخذ الناس رؤوسا ضلالا فيضلون الناس وتكون الطامة الكبرى .
 وبهذا يتحمل القائمون على الأمر الوزر لقوله تعالى{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} آل عمران 187 ولقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } البقرة159
وعن الفضيلة الثالثة : {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى }الضحى8   ولأن طريق الدعوة  طويل وشاق  فينبغي أن يتفرغ الداعية للدعوة  ولن يتمكن من ذلك إلا إذا كان لديه          ما يسد به رمقه  ويكفيه مؤنته ومؤنة أهله وإلا لو أصبح الداعية يتكفف الناس وهو يعلم      أن اليد العليا أفضل من اليد السفلى فكيف يعمل  إذن  وهو فى حاجة ماسة إلي طعام وشراب ؟  ولذا رأينا الحق سبحانه وتعالى جعل أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها ترى فى رسول   الله صلى الله عليه وسلم  وهو شاب الأمل فى المحافظة على تجارتها بما فيه من صدق وأمانة .
لأنها كانت مطمع لأهل مكة آنذاك بما لديها من مال وتجارة وذات  ثراء  إلا  أنها رأت فى المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم من تواضع  وأنفة وعزة وقناعة منقطعة النظير ,  فطلبته ليتولى أمر تجارتها وقد كان على قدر المسئولية  وأفضل مما كانت تتخيل ,  فربحت تجارتها وتضاعفت أضعافا كثيرة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعلها تتمنى أن يكون    زوجا لها رغم صغر سنه بالنسبة لها ؛ وسعت فى سبيل الفوز به لأنها رأت فيه ما لم تره في     أهل مكة من صفات يندر أن يأتى الزمان بمثلها .
 وبهذا عمل فى التجارة ولم يصبح عالة على احد ولذا رأيناه صلى الله عليه وسلم حين تقدم لخطبة السيدة خديجة امهرها اثنتي عشر أوقية من ذهب  ثم شاء الله جل وعلا لهما أن يتزوجا فكان نعم الزواج ولعل قائلا يقول أنه صلى الله عليه وسلم الرابح لأنه فاز بهذه السيدة     نقول : نعم ؛ ولكنها ربحت أكثر فبهذه الزيجة  أصبحت " أم المؤمنين "  وواحدة من أربعة نسوة هن أفضل نساء العالمين .
 ولكن كانت هناك حكمة أكثر من ذلك فهي سيدة عاقلة رشيدة  و النبي صلى الله عليه وسلم سينزل عليه الوحي عما  قليل ,  وهذا امر لم تألفه قريش ومن ثم فقد يواجهونه بكل ما لديهم من قوة حتى يكف عن هذه الدعوة  وقد يضيقوا عليه  فهو إذن فى حاجة إلى من يسانده , وإن قيل فأين الله جل وعلا ؟  نقول إن الله جل وعلا قادر على أن يكف بأس الذين كفروا فهو القائل جل وعلا {  وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }النساء84 
ولكن ماذا عن الدعاة الذين سيأتون بعد الرسول  صلى الله عليه وسلم ويتولون أمر الدعوة ؟ فأين القدوة التي يسيرون على هداها أم أنهم كلما يمرون بعقبات يجلسون يندبون حظهم حتى يتدخل العلي القدير فينصرهم فما دور المؤمنين إذن وكيف نميز بين الطيب والخبيث ؟ إذن فلابد أن يعلمهم الدين أنه لابد للداعية من مقومات تأخذ بيديه . ولذا رأينا أبا طالب وهو يساند الرسول بمكانته من قومه وشرفه فيهم .
 وهكذا ينبغي لذوى الوجاهة والمناصب أن يراعوا الدعاة , ورأينا السيدة خديجة رضي الله عنها  تهب الرسول صلى الله عليه وسلم  الصدق والحنان وتعد له بيتا آمنا .
 وهكذا ينبغي على زوجات الدعاة أن يوفرن لأزواجهن هذا البيت الآمن حتى يقوموا بالدعوة على أكمل وجهه ولذا رأينا المعصوم صلى الله عليه وسلم  يقول عن السيدة خديجة رضي الله عنها " آمنت بى حين كفر  بى  الناس وصدقتني حين كذبني الناس ؛ وواستني بمالها حين حرمني الناس ؛ ورزقني الله منها الولد "
ولذا  أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم  على العام الذي مات فيه عمه وماتت فيه زوجته  عام الحزن لأن قريش لم تستطع الاقتراب منه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم إلا بعد موتهما وإن قيل فأين الله جل وعلا ؟
 نقول موجود سبحانه وتعالى  بقدرته واطلاعه ,  فالكون رهن كلمة منه جل وعلا  القائل  {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }النحل40  فلله جل وعلا أمور يبديها ولا يبتديها  ,  فيهيئ سبل الخير  لعباده الصالحين .  بدليل ما  إن كادت الأبواب أن تغلق فى مكة حتى فتح الله جل وعلا لنبيه ولرسالته  أعظم الأبواب فى المدينة المنورة  , فكانوا نعم الأنصار والعون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم  .
كما أن الحق سبحانه وتعالى يترك لعباده مساحة ليروا الله من أنفسهم خيرا وإن انقطعت بهم السبل يتدخل بعظمته وقدرته ألم تذكر قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين دبرت قريش قتله صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30
وكذلك يوم الغار حين قال الصديق رضي الله عنه " والله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا "  فإذا بالمعصوم صلى الله عليه وسلم  يقول " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما "  وفي هذا يقول  سبحانه وتعالى  {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40...
فضل الله جل وعلا
وهذا ما هيئه الحق سبحانه وتعالى لنبيه يوسف عليه السلام  فقال جل وعلا    {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21 إذن كان التمكين للتعليم  ولكن لماذا  ذكر القرآن الكريم  علم تأويل الأحاديث ؟ 
نقول إن للتأويل فضل كبير على يوسف  عليه السلام وعلى تغيير مجرى حياته.  فقد كانت أول رؤيا له سببا فى خروجه من بين أهله  والرؤيا الثانية سببا فى ثقة الساقي به حتى إذا جاء الأمر الأكبر واحتياج البلاد له ولقدره ولعلمه جاءت رؤيا الملك والتي كانت سببا فى نجاته من السجن وسببا فى إعلان برأته وسببا فى إنقاذ البلاد من موت ومجاعة محققة  . فلله الحمد
 ثم لماذا أيضا تأويل الرؤى ؟  نقول إن الحق سبحانه وتعالى يرسل أنبياءه إلى أقوامهم بمعجزة  من جنس ما برعوا ؛ فعلى سبيل المثال برع قوم فرعون فى السحر ؛ وهو خداع العين فتري  الأشياء على غير حقيقتها و يخيل للرأي أن الساحر استطاع أن  يأتى بما لا يستطيعه أحد ,   فينبهر به  ولذا كانت معجزة العصا ففيها لم يسحر موسى عليه السلام  عيون السحرة أو الحاضرين  بل شاء الله جل وعلا أن يدرك السحرة أنفسهم الفارق بين ما يقومون به من خداع وبين الحقيقة التي راؤها ولم تدع مجالا للشك .
 ولذا لأنهم أكثر الناس دراية بهذا الفن لم يملكوا أنفسهم بل خروا ساجدين لله العظيم الذي   أيد نبيه بهذه المعجزة ولذلك أعلنوا إيمانهم بالله سبحانه وتعالى لأنهم أدركوا أن هذا الأمر أعلي بكثير من قدرات موسى عليه السلام أو أي بشر فقال عنهم الحق سبحانه {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }الشعراء46- 48
وهذا لأن الباطل على نوعين :
الأول :  إما باطلا يظن أنه على صواب لأنه لم ير غيره وحين يرى الحق والصدق يؤمن به كما حدث مع السحرة . ولذا اثني الحق سبحانه وتعالى على أهل الجنة لأنهم ما إن جاءتهم الرسل بالبينات حتى تركوا ما بأيديهم وآمنوا بما أنزل الله فقال جل وعلا عنهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الأعراف43
 والنوع الثاني : الباطل عنده أصيل لا يتزعزع بل ويعتقد  أن الحق هو الباطل تماما   كما ظن أبو جهل وهم فى غزوة بدر فوقف قبيل الغزوة بوقت قصير وقال "اللهم اقطعنا    للرحم فأحنه  الغداة " فهو يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي تسبب فى قطع الرحم بين قريش ومن ثم كان يدعو الله أن ينتقم من المتسبب وغره الباطل حتى ظن انه بمنأى عن الدعوة ولم يكن يدرك أنه بهذا إنما استفتح ودعا على نفسه وصدق الحق جل وعلا حين قال{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11
يا لعظمة القرآن الكريم
ولذا لم يكن ليوسف عليه السلام أن يصل إلى تلكم المكانة إلا فى قصر العزيز ولذا جعل الحق سبحانه  وتعالى العزيز يعامله كابن له  والحمد لله انه حين بلغ يوسف مبلغ الشباب كان قد أوتى العلم والحكمة من عند الله العزيز الحكيم  فقال سبحانه وتعالى  {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }يوسف22
 وهنا ملحظ فى منتهى العظمة: فبه يعلم أهل الكتاب أن كتابنا القرآن الكريم حقا من عند الله العزيز الحكيم  وهو انك ترى اللفظ فى مكانة ومن المستحيل أن ترى لفظة زائدة أو  ليست   في غير موضعها ,  ودليل ذلك هذه الآية التي معنا  {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } فهي  عن يوسف عليه السلام 
وهناك في القرآن الكريم آية  عن موسى عليه السلام  قال فيها  جل وعلا {وَلَمَّا بَلَغَ        أَشُدَّهُ  وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } القصص14 نلحظ أن هنا كلمة " استوى " فى شأن موسى عليه السلام ولم نجدها مع نبي الله يوسف عليه السلام  . لماذا ؟ لأنه لاشك الطريق الذي سيسلكه نبي الله يوسف يختلف تماما عن الطريق الذي سيسلكه نبي الله موسى  عليهما السلام  فنبي الله موسى سيتعرض لصعوبات وشدائد لا يتحملها إلا من بلغ أشده واستوى .
 فمن يتحمل المسير من مصر إلى مدين جوعا وعطشا ,  وصحراء قاحلة ومستقبل غامض , وكذلك العمل لدى نبي الله شعيب عليه السلام  ورفع غطاء البئر  والعمل فى مهمة الرعي إلى أخر هذه الأمور الشاقة ,   وكذلك فمن يتحمل الوقوف أمام فرعون وملائه  وهو طاغية من طواغيت الأرض  بل وكان صاحب فضل عليه يوما ما ,  ولذا فإن كلمة استوى لها من الضرورة والعمل ما لم تعمله عند يوسف عليه السلام   فهو ليس فى حاجة  إلى الاستواء فيكفيه أن يبلغ أشده  فى العلم والحكمة  والذكاء والفقه   .
وليس قدحا فى يوسف عليه السلام ؛ فإن بلوغ الكمال فى العقل والجمال والحكمة  يتفقا مع التواضع والرحمة ومعاذ الله أن اقصد الرقة المذمومة وإنما أقصد أن الخشونة والقوة المفرطة تتناقض مع الجمال الذي منحه الحق سبحانه وتعالى ليوسف عليه السلام الم تقل النسوة حين رأينه { حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31
ثانيا : من العهد القديم
  بعد هذه الإطلالة السريعة على تلك الفترة من حياة نبي الله يوسف من القرآن الكريم ورأينا كيف تناولها القرآن الكريم  بدقة وروعة وبلاغة منقطعة النظير دون إطناب ممل أو إيجاز مخل  أو ذكر ألفاظ فى غير محلها  , ورأينا الدروس المستفادة من هذه الحقبة  من إعداد الدعاة وتربيتهم 
بخلاف ما سنرى فى العهد القديم من عبارات لا طائل من وراءها وحتى لا اسقط عليك عزيزي القارئ فكرى ورأى رأيت أن أذكر ما قاله العهد القديم عن تلك الحقبة وأذكرك بما قاله كتبة العهد القديم من قبل حتى نربط الأحداث
  فلقد ذكر لنا كتبة العهد القديم  أن إخوة يوسف حين أبصروا القافلة فكروا فى إخراج أخيهم من البئر ويبيعوه لهم إلا أنهم قالوا أن تجار مديانيون وصلوا البئر قبلهم فأخرجوه وباعوه للإسماعيليين  إلا أن كتبة العهد القديم  اخبرونا بأنهم أي الإسماعيليين ذهبوا به إلى مصر وباعوه هناك  وكان النص كالتالي :
 28وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ."
 الواضح من النص أن الإسماعيليين هم من دفعوا الثمن فهم أحق ببيعه  إلا أنهم قالوا بعدها  ما يدعونا للحيرة ؛ فأنظر إلى النص التالي له مباشرة  :
36وَأَمَّا الْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الشُّرَطِ  1وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ، وَاشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ الشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ. 2وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا، وَكَانَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ الْمِصْرِيِّ.
فى هذا النص ثلاث عبارات غريبة :
الأولى :36وَأَمَّا الْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الشُّرَطِ  .
الثانية 1وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ
الثالثة: وَاشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ الشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ.
فمن ينظر إلى النصوص السابقة يرى تناقض واختلاف واضح :
 ففي الجملة الأولى : ذكروا أن المديانيين هم من باعوه .
وفى الجملة الثانية  : ذكروا أن يوسف انزل إلى مصر ونسوا انه غلام  فهل نزل بمفرده أم معهم وما هي فائدة هذه الجملة إذن .
والجملة الثالثة : ذكروا أن فوطيفار اشترى يوسف من الإسماعيليين  فأي هذه  النصوص صحيح وينبغي إتباعه ؟ اقل ما يقال فى مثل هذا النصوص أنها ليست من عند الله العزيز الحكيم لأنه من المحال أن يخفى على الرب من قام ببيع يوسف عليه السلام  فإن كان الأمر كذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ونحمد الهح على القرآن الكريم الذي بين لنا أن الحق سبحانه وتعالى القائل {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً }مريم94
 أهل الكتاب وتجاهل الأخر
كما أن كتبة العهد القديم نسوا أنهم أخبرونا بأن الذي اشتراه من مصر اعتبر يوسف ولد له ولا شك أن معاملة الابن تختلف شكلا وموضعا عن معاملة الخدم فالابن ينعم بما ينعم به الأب من مكانة ؛ أما الخادم  فعليه السمع والطاعة ثم الخدمة دون تبرم  وليس له ما لسيده من مكانة  , فذكر كتبة العهد القديم أن يوسف كان يقوم على خدمة سيده فقالوا :
3وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. 4فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. 5وَكَانَ مِنْ حِينِ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ، أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ، 6فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ.
 أم نسى هؤلاء أن يوسف عليه السلام  مازال فى مرحلة الصبا فلا يستطيع القيام بكل تلك الأمور,وليس هذا فحسب بل إن كتبة العهد القديم أرادوا أن يرسووا لأبنائهم مبدأ فى منتهى الخطورة ألا وهو أنهم إذا حلوا بمكان فعليهم أن يتجاهلوا أصحاب هذا المكان وان يكونوا هم الآمرون و الناهون فيه حتى لا يصبح لصاحب البيت أو الوطن كلمة حتى على ممتلكاته .
 كما يقولون فى النص السابق : إذ جعلوا الرجل وهو رئيس الشرط لا يعرف شيئا إلا الخبز الذي يأكل ,  ولما لا وقد نفذ الأحفاد ما وصاهم به الأجداد فهم الآن وقد احتلوا فلسطين واستوطنوا بها وإذا بهم يشكلون حكومات وجيوش ويصبحون هم وكأنهم أصحاب البلاد الحقيقيين , بل ويعملون جهدهم على طرد المواطنين أهل البلد . وصدق الحق حين قال{إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }الممتحنة2
ثم ذكروا أن الرب تبارك وتعالى بارك يوسف عليه السلام وبارك فى كل ما لديه؛ فهل أخلاق الأنبياء تسمح لهم أن يتجاهلوا أهل البيت إلى هذه الدرجة وهل باركه الرب لأنه استطاع بحيله أن يستولى على كل البيت والخدم والزرع وكل ما لديه ؟
مباركة الله  جل وعلا لأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم
فهل نسى هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى يبارك فى أنبياءه وفى كل ما لمسته أيديهم ببركة إيمانهم  بالله وإخلاصهم له في العبادة والطاعة ؟ بل وعد الحق سبحانه وتعالى الجميع بتلك البركة وهذا النماء إن ساروا على هدى الأنبياء فقال تعالى  {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة12
إذن فما حدث مع يوسف عليه السلام أمر طبيعي لا كما يراه أهل الكتاب ونلتمس لهم العذر فإن الأجداد لم يذكروا لهم نماذج من فضل الله سبحانه وتعالى على أنبياءه كما حدث معنا نحن المسلمين فقد اخبرنا القران الكريم بالعديد من الفضائل التي من الله جل وعلا بها على أنبياءه بل ولقد حفلت السنة بالعديد من الأحداث التى نرى فيها فضل الله على الأنبياء رأى العين  بل ورأيناه فى السن المبكر للرسول صلى الله عليه وسلم فيروى لنا البخاري أنه حين جاءت المرضعات لكي يأخذن الأطفال من مكة للرضاع رأينا البركة التي حلت على السيدة حليمة السعدية .  فلأنبياء أهل للبركة  كما كان المعصوم صلى الله عليه وسلم
فقد كانت العادة عند الحاضرين من العرب " أي من يسكنوا المدن أو الحضر "  أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث، وزوجها الحارث ابن عبد العرى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة‏.‏
وإخوته صلى الله عليه وسلم هناك من الرضاعة ‏:‏ عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث ‏[‏وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها‏]‏ وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية‏.‏
ورأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنتركها تروى ذلك مفصلًا قال ابن إسحاق ‏:‏ كانت حليمة تحدث ‏:‏ أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء‏.‏ قالت ‏:‏ وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت ‏:‏ فخرجت على أتان لي قمراء، ومعنا شارف لنا، والله ما تَبِضّ ُبقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج.
 فخرجت على أتاني تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها‏:‏ إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول‏:‏ يتيم‏!‏ وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي‏:‏
 والله ، إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه‏.‏ قال ‏:‏ لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة‏.‏ قالت‏:‏ فذهبت إليه وأخذته،وما حملني على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت‏:‏ فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك .
 وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت‏:‏ يقول صاحبي حين أصبحنا‏:‏ تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت‏:‏ فقلت‏:‏ والله إني لأرجو ذلك‏.‏ قالت‏:‏ ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي‏:‏ يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك‏!‏ أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها‏؟‏ فأقول لهن‏:‏ بلى والله ، إنها لهي هي، فيقلن‏:‏
 والله إن لها شأنًا، قالت‏:‏ ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم‏:‏ ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنًا‏.‏ فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا‏.‏ قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها‏:‏ لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت‏:‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا‏.
                   الابتلاء الأكبر
أولا  : من القرآن الكريم
نعود لسيدنا يوسف عليه السلام وما حدث له فى بيت العزيز فلقد حكى القرآن الكريم {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }يوسف23- 29
{وَرَاوَدَتْهُ } إنما تعنى أنها بذلت قبل ذلك العديد من الوسائل لإغرائه فلم ينتبه لها  لأنه نعم العبد ولما لا وهو ابن الأكرمين  وكذلك ينبغي على الآباء أن يراعوا أبناءهم ليكونوا على نفس القدر  والمكانة عملا بقول المعصوم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .... "
ولما كانت نشأة سيدنا يوسف عليه السلام  فى هذا البيت النبوي الكريم كان لديه رصيد    إيماني ورصيد تربوي  من أبائه الأنبياء يجعل الجبال تزول أمامه وهو لا يزول  وكذلك    العظماء  وإن قيل فإن يوسف عليه السلام  نبي وابن أنبياء ولديه من التعليم والوراثة           ما يهيئه لاجتياز تلك العقبات  دون عناء فماذا عن الشباب الآخرين وليسوا من أولاد    الأنبياء  ؟ 
نقول :  إن الله جل وعلا ترك لهم من الدين ما يكفى  إن تمسكوا به اعتصموا من الوقوع     في الرذائل لقوله صلى الله عيه وسلم "  تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتي "  وليس هذا فحسب بل وعد الحق سبحانه وتعالى هؤلاء الشباب بما لا   يخطر لأحدهم على بال ؛  ترى ما هو  ؟ هو قول الحبيب صلى الله عليه وسلم  "
سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله  وذكر منهم " ورجل دعته امرأة ذات منصب  وجمال فقال إني أخاف الله "  و لك أن  تتخيل أن المكافأة تفوق ما  قام به الرجل الصالح   بكثير ولكنها رحمة الله وعطاءاته  التي تفوق الوصف والحصر  فقال سبحانه وتعالى " وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها "
 أرأيت كم  هي غيرة الله جل وعلا على أعراض عباده وكم يعطى لمن يحافظ عليها وكيف يكافئ من ابتعد عن المعصية وراعى الله سبحانه وتعالى فكان الجزاء على خوفه من الله    وصيانته لأعراض الناس أن يرفع الله جل وعلا قدره على رؤؤس الأشهاد بل ويؤمنه من    الفزع الأكبر  ويظله الله جل وعلا بظل عرشه  فى يوم يلجم فيه العرق أهل المحشر  إلجاما  وتقترب فيه الشمس من الرؤوس فيه قال جل وعلا  {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ  تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281


وقال عنه الشاعر :
مثل لقلـبك أيها المـــغرور        *يوم القيامة والسماء تمـور
قد كورت شمس النهار وأضعفت        *حرا على رؤؤس العباد تفـور
وإذ النجوم تبدلت وتغيرت              * بعــد الضياء كـدور
وإذ الجبـــال تقــلعت          * فرايتها مثل السحاب تســير
وإذ الجنين متعلق بأمه خوف           * الحسـاب وقلبه مـذعـور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله فكيف     * المقيم على الذنوب دهـور ؟
 ومن ثم فإن كان لدى سيدنا يوسف عليه السلام  من الإيمان والتربية ما عصمه من الوقوع   في الرذائل فإن لدى المؤمنين من الإيمان بالقرآن والسنة وتوجيهات المعصوم صلى الله عليه وسلم  ما ينبغي أن يكون رادع لهم عند الاقتراب من الفواحش  وبخاصة أن الحق سبحانه وتعالى     قال {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ     إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن    ِ اتَّقَى } النجم32
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم 
 فلما أخفقت جميع محاولات زوجة العزيز فلم تجد بدا من الإفصاح فاستدعته إلى مخدعها وحجرة نومها ولم تأمر الخدم بإغلاق الأبواب بل أغلقتها بنفسها لتطمئن أن الأمر على ما يرام بالنسبة لها وانه ليس هناك ما يعكر صفوها . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
 وإن قيل لماذا دخل يوسف عليه السلام  إلى هناك وهو يعلم من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ؟  نقول إن هذا امر عادى فهو فتاها وبمثابة الابن فهي من قامت على تربيته وكل    يوم يتحرك فى القصر يحمل  هذا  ويحضر ذاك دون حرج  .
 ولكن ليس السؤال كذلك  , بل ينبغي أن يكون ما الذي دفع امرأة العزيز على التفكير في  هذا الأمر  ؟ و هذا يدفعنا أن  نقول للمتشدقين والرافضين  لسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم  أفيقوا  فهذا الموقف يستدعى إلى الذهن على الفور حديث المعصوم ( إياكم والدخول على المغيبات فقال رجل يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ قال :  الحمو الموت  , الحمو الموت " حقا صدق رسول الله .
  فإن دخول من لا يخشى من دخولهم على النساء دون وازع أو محرم أمرا غير محمود العواقب  ولقد رأينا ما حدث من امرأة العزيز , فهب أن الرجل هنا هو أخر غير نبي الله يوسف عليه السلام  لحدثت الكارثة  ولذا قال صلى الله عليه وسلم فى حديث أخر منبها الجميع ومعلما إياهم بأن الشيطان يجري فى ابن آدم مجرى الدم فى العروق فقال صلى الله عليه وسلم  (  ما خلا رجل بامرأة  إلا وكان الشيطان ثالثهما ) 
فلك أن تتخيل رجل وامرأة ومعهما شيطان ولقد أخبرنا الرسول  صلى الله عليه وسلم من قبل  بأن الملائكة لا تكن فى مكان فيه شيطان فما النتيجة المتوقعة ؟  ولذا ينبغي الالتزام بما امر به  صلى الله عليه وسلم وصدق الحق حين قال وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7
        الحياء بين القرآن الكريم والعهد القديم
 و من مظاهر البلاغة فى القرآن الكريم أن جمع الحق سبحانه وتعالى كل ما فعلته المرأة من تهيئه نفسية وجسدية فى (هَيْتَ لَكَ)  دون أن يخدش لأحد حياء فلو  اجتمع الأدباء والشعراء على أن يصفوا الموقف بكلمة واحدة تؤدى المعنى دون أن تخدش الحياء ما استطاعوا  .
ولدينا العديد من الأشعار والقصائد والقصص التي تحمل بين سطورها  ألفاظا  ما انزل الله بها  من سلطان بل إنها تهيج المشاعر  وتؤجج الغرائز  وإن أردت المزيد منها فعليك بما ذكره     العهد القديم وقدمه فى سفر كامل باسم نشيد الإنشاد فهم يزعمون أنه من عند الله ونقسم    بالله الذي لا إله إلا هو بأنه ليس من عند الله جل وعلا ؛ فإن رجلا لديه بقية حياء لا يستطيع  أن يكتب ما كتبوه وحتى لا نكون مفترين ومتحدثين بدون دليل
إليكم بعض الفقرات من نشيد الإنشاد  :-
في الإصحاح الرَّابعُ من نشيد الإنشاد يقولون :  1هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ. 2أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 3شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. 5ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ. 6إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ. 7كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ.
ونص أخر من الإصحاح السَّابعُ  من نشيد الإنشاد    1مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ.        3  ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ! 7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. لِحَبِيبِي السَّائِغَةُ الْمُرَقْرِقَةُ السَّائِحَةُ عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ.     
                                 لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
أما  قول الحق سبحانه على لسان امرأة العزيز ليوسف عليه السلام  " هيئت لك " أدى المعنى وصور لنا الحالة  النفسية والرغبة التي وصلت إليها المرأة  دون إسفاف  أو إخلال بالمعنى فسبحان الله القائل " الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والقائل جل وعلا  {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
ولكن حدث ما لم تتوقعه فــ{ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } يوسف  23 
ألم أقل لك عزيزي القارئ أته قد صدق المعصوم صلى الله عليه وسلم حين قال : اصنع المعروف فى أهله وفى غير أهله فإن صادف أهله فهو أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله "  فلقد رد يوسف عليه السلام الجميل لسيده فى وقت وموقف لا يستطيعه غير ابن الأكرمين فقال لها      { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }

أقول لبنى إسرائيل
وقد يتبادر إلى الذهن أن موقف يوسف عليه السلام إنما هو رد للجميل فحسب  لا حاشا لله فهم الأنبياء أكرمهم الناس أو خذلوهم فلو لم يكرمه العزيز ما تغيرت طباع نبي الله يوسف عليه السلام .
وتلك مناسبة طيبة أقول فيها لبنى إسرائيل : كذلك الأنبياء فصححوا المفاهيم عنهم وابلغوا أبناءكم الحقيقة ولا تقولوا على الله إلا الحق فإنه جل وعلا اختار الأنبياء وجعلهم الأصفياء وائتمنهم على رسالته فهم أطهر وأنقى الخلق على الإطلاق .
ومن ثم فينبغي على أهل الكتاب إعادة النظر فى ما لديهم من مصادر عن الأنبياء وكفى ما مضى حتى يستطيع ابناهم أن يروا الصورة النقية للأنبياء كما  أرادها الحق سبحانه ليكون لهم فيهم القدوة الحسنة  بدلا من الإقتداء بالقتلة والمجرمين  والشواذ وصدق الحق حين قال {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15
وان قالوا بأن يوسف عليه السلام حالة خاصة بين الأنبياء نقول لهم كلا  بل إن الأنبياء      جميعا رباهم الحق جل وعلا وإن تعرضوا جميعا  لما تعرض له نبي الله يوسف لتصرفوا بنفس المنطق  ألم يقرأوا قول قوم ثمود وكانوا من طواغيت الأرض حين  قالوا  لنبي الله صالح كما حكي القرآن الكريم {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }هود62
 ألم يقرأوا  قول ابنتي نبي الله شعيب عن موسي عليه السلام {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26
فلما أبى سيدنا يوسف عليه السلام  وكان وازع الإيمان لديه أقوى نجاه الله جل وعلا . ونحن نؤمن ببراءة نبي الله يوسف عليه السلام , ولكن هل معنى هذا انه بمجرد أن  قالت له "  هيئت لك " أسرع نحو الباب أو وقف متبلدا  ؟ فقد يقال بأنه ليس لديه ما يدفعه نحو النساء  اى أن يكون حصورا , وقتها فالحكمة لا توتي ثمارها  .
لأنه لكي يكون لنا فى هذا الموقف عبرة هو أن يكون لدى يوسف عليه السلام  القوة والشباب والرغبة  ويهيئ الموقف  له على أفضل ما يكون فيعزف عنه رغبة فى الثواب وبعدا عن المعصية   هنا يظهر الإيمان والاستعانة بالله العلى القدير  الذي يمن عليه ويرى انه حقا يستحق أن يُعصم , فتأتى العصمة ويكون التثبيت .
فالله جل وعلا  وحده ناصر من ينصره ومعين من استعان به ,  فالموقف كان يقتضى انه حين  رآها يوسف عليه السلام  على هذا الوضع وهو شاب قوى البنيان حسن الصورة وبلغ أشده من الكمال والجمال والعقل أن يتفاعل مع الموقف إلا أن الرصيد الإيماني والعصمة منعاه من ارتكاب الفاحشة .
فكأن يوسف عليه السلام  قارن بين الرذيلة وبين ما عند الله  فوجد أن ما عند الله خير وأبقى لأنه ما ترك عبد شيئا يريده لوجه  الله جل وعلا  إلا وأبدله الله سبحانه وتعالى  خير منه  فقال تعالى  { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة110
وتذكر نبي الله يوسف انه من ذرية رجال  وآباء  صالحين عهد الله إليهم بحمل الأمانة  قال عنهم الحق سبحانه  {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }الأنعام89 وانه سليل نبي الله إبراهيم خليل الرحمن و نبي الله إسحاق  و نبي الله يعقوب عليهم جميعا وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
  فإن لم ينتبه  واخطأ ابن الأكرمين " لا قدر الله "  ولديه هذا الرصيد الإيماني والوراثي فمن  إذن ؟ وفوق وقبل كل هذا تذكر يوسف انه لا حول لأي إنسان ولا قوة إلا إذا استعان بالله رب العالمين  .
و الله جل وعلا نجاه من إخوته ,  وأنقذه من البئر ,   وجعله فى أفضل مكان يعامل معاملة   أبناء الملوك ,  وكما أنه أعلم الناس بقول الحق سبحانه  {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } الرحمن60 ولأن يوسف عليه السلام  لم يغفل عن ذكر الله جل وعلا لحظة فكل ما سبق من تفكير لم يستغرق ثوان معدودة  ولذا نراه على الفور قال " معاذ الله "
ثم  يبين لنا القرآن الكريم أن الأنبياء وإن كانوا فى أحلك الظروف وأشدها فهم لا ينسون الله جل وعلا بل وينسبون الفضل دائما وأبدا  لله رب العالمين  ويوسف  عليه السلام لا تفوته   هذه الفرصة دون أن يذكر فضل الله جل وعلا  عليه  فهو ليس من اللئام الذي إن أحسنت إليه تمردا  فــ{ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }يوسف23
وعن قوله  " إنه ربي " فقد يقصد أن ينسب الفضل للحق جل وعلا وهذا امر طبيعي كما أوضحنا وإن كان  يقصد العزيز فهذا كرم منه لأنه رباه وأحسن مثواه فأقل ما ينبغي أن     يفعله هو أن يصون عرضه فى غيبته  كما يصونها فى حضوره . وهذا من  روائع القرآن     الكريم فإنه يعطى العقل حقه فى التفكير .
ولما لم ترتدع المراة اتجه يوسف عليه السلام ناحية الأبواب فإذا بها مغلقة فلم يرجع ويقول    ماذا افعل؟  إنها ورطة ولكنه أقدم ناحية الأبواب  يفتحها بابا وراء الأخر ولم تكن حركة أو مشيا  عاديا ,  فيوسف عليه السلام لديه رغبة ملحة فى النجاة من الموقف و للمرأة رغبة   ملحة  في  جذب يوسف عليه السلام  إليها فكانت الحركة سباق فلم تجد أمامها  إلا القميص .
ولك أن تتخيل أن قميص يوسف وهو بمثابة ابن العزيز فلابد أن قميصه من الجودة بمكان    حتى لا يمزقه إلا التنافر الشديد فيوسف عليه السلام يسرع  نحو الباب بكل قوته والمرأة    تجذبه بكل قوتها فلم يتحمل القميص فقُطع.
سبحان الله الذي بين كل ما سبق فى آية  واحدة وفى  تصوير رائع فقال جل وعلا {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ}يوسف 25
{وَاسُتَبَقَا الْبَابَ }وشاء الله جل وعلا أن يصل يوسف عليه السلام  الباب الرئيسي فى الوقت الذي يصل  فيه العزيز إلى القصر  بل ومعه رجل وليس أي رجل بل من أهل زوجته  وحسنا لم يخلع يوسف قميصه ( كما حكي أهل الكتاب فى العهد القديم ) لأن المفاجأة أذهلت العزيز فوقف صامتا جامدا .
و لأنه رأى من ماضي و تاريخ يوسف عليه السلام  ما يجعله يطمئن له ولوجوده فى المنزل دون رقيب ولكن ما حدث الآن يطيش له العقل ؛ الزوجة تتهم  فتاها بل  وتصدر القرار بالعقاب  لتؤكد أنه  أقدم على ارتكاب الخطأ  فقالت {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }يوسف25
ولأن يوسف على حق فإذا به  يدافع عن نفسه فـــ{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } " لك  أن تتخيل لو أن يوسف عليه السلام لا قدر الله اخطأ "  لعل أحدا يقول :  وما الذي دفعه    إلي ذلك ؟ ولكن السؤال الواجب ؛ ولماذا يصمت يوسف عليه السلام  فهل يخفي ما حدث ؟ أم أنه يريد العودة  ؟  "حاشاه ذلك"
 وبما أنه لا يريد هذا ولا ذاك فإذا به يعلنها  بمنتهى الصراحة {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي}  وليكون لنا فيه العبرة فمن تعرض لاتهام أو ظلم  ما  فلا ينبغي أن يصمت فالحق جل وعلا  يقول {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }النساء148   وهنا شاء الله سبحانه وتعالى أن  يكسر الرجل المصاحب للعزيز  حاجز الصمت والدهشة  ويقدم حلا منطقيا  فالقرآن الكريم يقول{  وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }يوسف26 {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ }يوسف27     
مع أننا نجده يقدم صدقها على صدق سيدنا يوسف عليه السلام   إلا   أن   الحق سبحانه وتعالى أراد أن يظهر براءة  نبيه يوسف عليه السلام  وبخاصة أنها الحقيقة {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }يوسف28                      
فلما تبين لهم أن المرأة هي التي أخطأت  القي الله سبحانه وتعالى على العزيز  شيئا من البرد والسلام فإذا به يقول  { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ  عَظِيمٌ }يوسف28 فقد يقول قائل إنه تصرف غريب لا ينبئ عن مرؤءة  ؛ أم  أن هذا هو طبع المترفين  ؟  ولكن الحقيقة :كأن الله  سبحانه وتعالى سلب منه الغيرة حتى يأمن يوسف بادرة العزيز فقد يأمر بنفيه أو  بقتله   وسبحان الله 1لذى يحول بين المرء وقلبه .      
ثانيا : من العهد القديم
رأينا كيف تناول القرآن الكريم هذا الموقف بحكمة منقطعة النظير ورأينا  كيف صور لنا الحالة النفسية ليوسف عليه السلام  وصموده صمود الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه     ورأينا ما حدث من زوجة العزيز والشاهد الذي كان  من أهلها,  وتصرف زوجها, فى اسلوب راق قدر منزله وقائله جل وعلا  ليأخذ كل جيل مسلم من الموقف الدروس والعبر التي ينظم  بها حياته ويعلمها أبناءه  لتكون لهم نورا ونبراسا على طول الزمان  .
ولكن يا ترى هل  تناول العهد القديم هذا الموقف بنفس الحكمة والموعظة الحسنة  ؟ فكثيرا     ما قالوا وزعموا انه من عند الله العزيز الحكيم ونحن نؤمن بأن الله جل وعلا كل شئ عنده بمقدار ,  فلا إطناب ولا ملل ولا حديث يفترى ولا أحداث تذكر فى كتاب مقدس للتسلية  وإنما للعبرة والحكمة وإلا فلا  .
ولقد قام القرآن الكريم بكل هذه المهام وأكثر  , فهيا بنا نتابع العهد القديم   لنري هل أوفى    بما عاهد عليه الله: 
7وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». 8فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. 9لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟». 10وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا.
فى هذه الفقرة عدة أمور غاية فى الغرابة :
أولا : ذكروا أن المرأة كانت تكلم يوسف عليه السلام  وتطلبه يوما فيوم ليضطجع معها ولو كان الأمر كذلك فهذا يدين يوسف عليه السلام وليس في صالحه لأن هذا فيه تلميح أن هناك لقاءات ومواقف بين يوسف وامرأة العزيز كما يقول الشاعر ابتسامة فموعد فلقاء وإلا فما الدرس المستفاد من هذه الفقرة .
ثانيا : ثم إن عبارة اضطجع معي تعطى أكثر من معنى فلقد ذكرت فى  العهد القديم بأكثر من معنى: منها ما يفيد الجماع الغير مشروع والعجيب أنهم ذكروا تلك اللفظة مع الأنبياء فقالوا عن نبي الله داود. 2وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى».
 لأن الجماع المشروع يشيرون إليه بكلمة أخرى وهى " عرف  " فقالوا عن آدم وحواء 1وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». 2ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ، وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي الأَرْضِ.
 وقد تفيد اضطجع معنى أخر وهو الدفن فقالوا عن نبي الله داود 10وَاضْطَجَعَ دَاوُدُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. 11وَكَانَ الزَّمَانُ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ دَاوُدُ عَلَى إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فِي حَبْرُونَ مَلَكَ سَبْعَ سِنِينٍ، وَفِي أُورُشَلِيمَ مَلَكَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 12وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَتَثَبَّتَ مُلْكُهُ جِدًّا.
الموقف كما حكاه العهد القديم
11ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. 12فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. 13وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ، 14أَنَّهَا نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُمْ قَائِلةً: «انْظُرُوا! قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُل عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا! دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. 15وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ».
أولا : علام تدل عبارة " نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ" ؟ لا شك أنها دليل قطعي على أن الذي يتكلم هو أي أحد غير الله سبحانه وتعالى بدليل أن المتحدث يريد أن ببين لمن يحدثهم الوقت الذي تم فيه هذا الأمر.  وهذا دليل على أن الكاتب وهو يكتب هذه العبارة  كان فى وقت الظهيرة مثلا أو  أي وقت ما  , مما جعله يقول " وحدث نحو هذا الوقت "
ثانيا : لقد صور كتبة العهد القديم أن امرأة العزيز ليس وراءها ولا يشغل فكرها إلا كيف توقع يوسف عليه السلام فى شباكها وإن قيل لقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك نقول نعم ولكن ليس بهذه الطريقة  وإنما أوجز القرآن الكريم ما حدث فى كلمات موجزة أدت المعنى وبينت انه كان فى موقف معين محدد وقد تتعرض له  بعض السيدات اللائي يتعرضن لمثل تلك الظروف وقد قيل لامرأة حسيبة من العرب ارتكبت الفاحشة ما أوقعك فى هذا فقالت " طول السواد وقرب الوساد " كما انه لم يستغرق دقائق معدودة ليقطع الطريق على المتشدقين .


أي منطق هذا ؟
 بخلاف العهد القديم الذي يحاول أهله أن يبثوا فى صدور أبناءهم كيف يداعبون وكيف يتغازلون, فهل من المنطق أن يخلع المرء ثوبه إن تعرض لمثل هذا الموقف ؟ لأنه وبدون تفكير إن راءه احد فلاشك  أنه سيدينه. فما ذكروه فى العهد القديم قدم لامرأة العزيز دليل برأتها واتهام يوسف عليه السلام " حاشاه " مما شجعها على أن تصرخ وتنادى أهل البيت .
ثالثا : ولم يكتف كتبة العهد القديم بذلك بل أعادوا ما ذكرته امرأة العزيز من قبل  وأفاضوا فى ذكر أمور لا طائل من وراءها ,  فما الدروس المستفادة إذن ؟  غير أنهم يريدون أن يطبقوا المثل القائل "ضربني وبكى وسبقني واشتكى" والعجيب أنهم صوروا امرأة العزيز وهى حزينة تأسف عما حدث ولم يذكروا ما حدث ليوسف عليه السلام  فهل هرب أم جلس بجوارها بدون ثياب " حاشاه " حتى حضر العزيز أم ماذا حدث لأنهم قالوا :
إطناب لا طائل من ورائه
 إذا يقولون ويعيدون على الأسماع ما قالوه من قبل ألا وهو :16فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. 17فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ قَائِلَةً: «دَخَلَ إِلَيَّ الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. 18وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ».19فَكَانَ لَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلاَمَ امْرَأَتِهِ الَّذِي كَلَّمَتْهُ بِهِ قَائِلَةً: «بِحَسَبِ هذَا الْكَلاَمِ صَنَعَ بِي عَبْدُكَ»، أَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ. 20فَأَخَذَ يُوسُفَ سَيِّدُهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ.
أرأيت كيف أفاضوا فى عرض قضية المرأة رغم أنها ظالمة  ثم ما فائدة عبارة " بمثل هذا الكلام " فكانت تكفى هذه العبارة إلا أنهم جعلوها تعيد الكلام مرة أخرى ,والعجيب أنهم قالوا أن زوجها  "حمى غضبه " أين المرؤة والشهامة والدفاع عن الأعراض ؟ 
 

أهل الكتاب وتهوين أمر الكبائر:-
فهذا شئ يسير بالنسبة لما حدث ؛ نحن تصورنا أن يفعل شيئا أخر وبخاصة أن يوسف عليه السلام وقف صامتا دون تبرير وجهة نظره . أم أنهم يريدون أن يغرسوا فى صدور ابناهم أن هذا شئ يسير .  ودليل ذلك أنهم ذكروا قصة زنا يهوذا ابن نبي الله يعقوب عليه السلام والذي يفتخر بنوا إسرائيل بالانتساب إليه بزوجة ابنه واسمها  ثامار.  ولم يستحي بنوا إسرائيل لا من ذكر القصة ولا من ذكر الأسماء والعجيب أنهم ذكروها في ثنايا ذكرهم قصة سيدنا يوسف وذكروها بإسلوب مستفز مقزز فقالوا :
1وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ أَنَّ يَهُوذَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ إِخْوَتِهِ، وَمَالَ إِلَى رَجُل عَدُلاَّمِيٍّ اسْمُهُ حِيرَةُ. 2وَنَظَرَ يَهُوذَا هُنَاكَ ابْنَةَ رَجُل كَنْعَانِيٍّ اسْمُهُ شُوعٌ، فَأَخَذَهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا، 3فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَا اسْمَهُ «عِيرًا». 4ثُمَّ حَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «أُونَانَ». 5ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَيْضًا ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «شِيلَةَ». وَكَانَ فِي كَزِيبَ حِينَ وَلَدَتْهُ.
6وَأَخَذَ يَهُوذَا زَوْجَةً لِعِيرٍ بِكْرِهِ اسْمُهَا ثَامَارُ. 7وَكَانَ عِيرٌ بِكْرُ يَهُوذَا شِرِّيرًا فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَأَمَاتَهُ الرَّبُّ. 8فَقَالَ يَهُوذَا لأُونَانَ: «ادْخُلْ عَلَى امْرَأَةِ أَخِيكَ وَتَزَوَّجْ بِهَا، وَأَقِمْ نَسْلاً لأَخِيكَ». 9فَعَلِمَ أُونَانُ أَنَّ النَّسْلَ لاَ يَكُونُ لَهُ، فَكَانَ إِذْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ أَخِيهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَى الأَرْضِ، لِكَيْ لاَ يُعْطِيَ نَسْلاً لأَخِيهِ. 10فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَا فَعَلَهُ، فَأَمَاتَهُ أَيْضًا. 11فَقَالَ يَهُوذَا لِثَامَارَ كَنَّتِهِ: «اقْعُدِي أَرْمَلَةً فِي بَيْتِ أَبِيكِ حَتَّى يَكْبُرَ شِيلَةُ ابْنِي». لأَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّهُ يَمُوتُ هُوَ أَيْضًا كَأَخَوَيْهِ». فَمَضَتْ ثَامَارُ وَقَعَدَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا.
12وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ مَاتَتِ ابْنَةُ شُوعٍ امْرَأَةُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَعَزَّى يَهُوذَا فَصَعِدَ إِلَى جُزَّازِ غَنَمِهِ إِلَى تِمْنَةَ، هُوَ وَحِيرَةُ صَاحِبُهُ الْعَدُلاَّمِيُّ. 13فَأُخْبِرَتْ ثَامَارُ وَقِيلَ لَهَا: «هُوَذَا حَمُوكِ صَاعِدٌ إِلَى تِمْنَةَ لِيَجُزَّ غَنَمَهُ». 14فَخَلَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا، وَتَغَطَّتْ بِبُرْقُعٍ وَتَلَفَّفَتْ، وَجَلَسَتْ فِي مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ، لأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبُرَ وَهِيَ لَمْ تُعْطَ لَهُ زَوْجَةً. 15فَنَظَرَهَا يَهُوذَا وَحَسِبَهَا زَانِيَةً، لأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهَا. 16فَمَالَ إِلَيْهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ: «هَاتِي أَدْخُلْ عَلَيْكِ». لأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَنَّتُهُ. فَقَالَتْ: «مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تَدْخُلَ عَلَيَّ؟» 17فَقَالَ: «إِنِّي أُرْسِلُ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْغَنَمِ». فَقَالَتْ: «هَلْ تُعْطِينِي رَهْنًا حَتَّى تُرْسِلَهُ؟». 18فَقَالَ: «مَا الرَّهْنُ الَّذِي أُعْطِيكِ؟» فَقَالَتْ: «خَاتِمُكَ وَعِصَابَتُكَ وَعَصَاكَ الَّتِي فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَحَبِلَتْ مِنْهُ. 19ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ وَخَلَعَتْ عَنْهَا بُرْقُعَهَا وَلَبِسَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا.
20فَأَرْسَلَ يَهُوذَا جَدْيَ الْمِعْزَى بِيَدِ صَاحِبِهِ الْعَدُلاَّمِيِّ لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَجِدْهَا. 21فَسَأَلَ أَهْلَ مَكَانِهَا قَائِلاً: «أَيْنَ الزَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي عَيْنَايِمَ عَلَى الطَّرِيقِ؟» فَقَالُوا: «لَمْ تَكُنْ ههُنَا زَانِيَةٌ». 22فَرَجَعَ إِلَى يَهُوذَا وَقَالَ: «لَمْ أَجِدْهَا. وَأَهْلُ الْمَكَانِ أَيْضًا قَالُوا: لَمْ تَكُنْ ههُنَا زَانِيَةٌ». 23فَقَالَ يَهُوذَا: «لِتَأْخُذْ لِنَفْسِهَا، لِئَلاَّ نَصِيرَ إِهَانَةً. إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ هذَا الْجَدْيَ وَأَنْتَ لَمْ تَجِدْهَا».
24وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، أُخْبِرَ يَهُوذَا وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ زَنَتْ ثَامَارُ كَنَّتُكَ، وَهَا هِيَ حُبْلَى أَيْضًا مِنَ الزِّنَا». فَقَالَ يَهُوذَا: «أَخْرِجُوهَا فَتُحْرَقَ». 25أَمَّا هِيَ فَلَمَّا أُخْرِجَتْ أَرْسَلَتْ إِلَى حَمِيهَا قَائِلَةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي هذِهِ لَهُ أَنَا حُبْلَى!» وَقَالَتْ: «حَقِّقْ لِمَنِ الْخَاتِمُ وَالْعِصَابَةُ وَالْعَصَا هذِهِ». 26فَتَحَقَّقَهَا يَهُوذَا وَقَالَ: «هِيَ أَبَرُّ مِنِّي، لأَنِّي لَمْ أُعْطِهَا لِشِيلَةَ ابْنِي». فَلَمْ يَعُدْ يَعْرِفُهَا أَيْضًا.  أرى أن القصة واضحة وليست بحاجة إلى تعليق وبخاصة أننا لسنا بصددها ولكن كما يقال أن الشئ بالشئ يذكر .
لولا القرآن الكريم:-
كما أنهم لم يذكروا اى دليل على براءة يوسف عليه السلام  أو انه اُخذ إلي السجن ظلما لأنه بهذا يكون قد دخل السجن بسبب ما أراد أن يرتكبه من آثام "حاشاه " ثم هل الغضب فى مثل هذه الأمور ينتهي إلى السجن فحسب .
فجزاء السجن لا يتفق مع الموقف وإلا فإنما يدل على أن هذه الأمور لم يكن لدى كتبة العهد القديم  ما يدعوهم للوقوف عندها بالتوضيح مثل القرآن الكريم الذي بين بوضوح هذا الموقف ولم ينتقل القرآن الكريم للحدث التالي له إلا بعد أن تيقن الجميع من براءة يوسف عليه السلام فلم يترك الأمر غامضا للأفكار والهواجس والشياطين يسبحون فيه كيفما يشاؤن.
 ثم ماذا عن المجتمع والنسوة المجاورين لهم هل مر الحدث عليهم  مرور الكرام أم أنهم كانوا يعيشون منفصلين عن العالم  بل وأين من كانت تشكو إليهم قبل مجئ زوجها ؟
 ألم تعلق النسوة والجيران على الحدث ؟ فلم يقدم لنا كتبة العهد القديم  تصورا عن المجتمع ثم أين يوسف عليه السلام ولما لم يتحدث ويدافع عن نفسه. كما أنهم  لم يذكروا أن يوسف عليه السلام  تذكر الرب جل وعلا فى هذه اللحظة مع أن الله سبحانه وتعالى  بارك له فى كل شئ ألا يستحق جل وعلا  أن يذكره يوسف عليه السلام  أو أن يدعوه ليخلصه مما هو فيه .مع أنهم دائما يذكرون أن الرب معه وباركه وبسط إليه لطفا ونعمه .
21وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ لُطْفًا، وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ السِّجْنِ. 22فَدَفَعَ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ إِلَى يَدِ يُوسُفَ جَمِيعَ الأَسْرَى الَّذِينَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. وَكُلُّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ. 23وَلَمْ يَكُنْ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ يَنْظُرُ شَيْئًا الْبَتَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَهُ، وَمَهْمَا صَنَعَ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ
 وللمرة الثانية أرادوا أن يبينوا لأبنائهم أنهم إذا حلوا بمكان عليهم أن يستحوذوا على ما فيه  وأن يتجاهلوا أهله بكل السبل وأن يجعلوا صاحب المكان لا علم له بما يحدث .فما علاقة أن يدفع رئيس السجن الأسرى إلى يد يوسف عليه السلام ,ألم يكن سجينا مثلهم ؟ وما معنى أن يقوم بأعمالهم وخدمتهم ؟ هل ليكون هو كل شئ ؟ أم ليكون عالما بكل تحركاتهم ؟
ومن المعلوم أن يدور بين من بداخل أي مكان وخاصة السجن حوار وأن يسال كل منهم الأخر عن سبب سجنه فيا ترى هل سالوا يوسف عليه السلام عن سبب سجنه ؟ وبماذا أجابهم ؟ فهل قال الحقيقة أم ظل صامتا ؟ وكيف وثقوا به ؟ إذن لولا القرآن الكريم لظل الناس يظنون فى يوسف الظنونا . فالحمد لله رب العالمين الذي حفظ القرآن الكريم وحفظ فيه سير الأنبياء العظماء ليكون لنا فيهم القدوة الحسنة .
فهيا نعود إلى القرآن الكريم سريعا لنبين ما أخفاه بنوا إسرائيل إما عمدا وإما جهلا وصدق الحق حين قال {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15 صدق ربنا سبحانه وتعالى حين قال {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3

السجن أحب إلى الأنبياء من ......
فهيا بنا نتابع ما حدث لأنه لم بكن يوسف وبيت العزيز وحدهم في الدنيا بل إن هناك مجتمع ولعل المجاورين لهم  سمعوا بما حدث فماذا كان رأيهم وما هي نظرتهم للموقف  وماذا حدث من امرأة العزيز حين تعلم بحديث النسوة أو المجاورين لها ؟
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا        فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ }يوسف30- 32  
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ }يوسف33- 35
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ }فمن أين علمت النسوة ؟ لا شك انه حين جاء العزيز لم يأت بمفرده , ومن ثم فإن من معه لابد أن يكونوا قد نقلوا إلى أسرهم ما حدث .إلا أن القرآن الكريم  ينأ   عن الحديث عما يفهمه القارئ ليعطى القارئ فرصة للتفكير والتصور  .
أما عن " شَغَفَهَا حُبّاً " فإن له أكثر من معنى الأول : ربما أصابتهن الدهشة فتسألن: كيف لامرأة مثلها وفى مكانتها أن تقع فى هذا الأمر؟ و الثاني :  إما أن تكن لديهن رغبة في رؤية هذا الشاب فقلن تلك الكلمة لتصل إلى امرأة العزيز فتستدعيهن إليها في القصر ليرين بأنفسهن هذا الشاب الذي أخذ بلب وقلب امرأة العزيز.
وهذا ما وصل إلى فهم امرأة العزيز ويبدوا أنها كانت على قدر من الدهاء والذكاء{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } يوسف31
فدبرت لهن مكيدة لم تخطر لهن على بال فهي أدرى ببنات جنسها وفيما يفكرن وظهر مكرها  ودهائها في أكثر من موضع. فأعدت لهن متكئا ومجلسا مريحا وأعطت كل واحدة منهن طبقا وسكينا ليقطعن ما سيأتي إليهن من طعام فهن في بيت الأمراء فلابد أن هناك طعاما خاصا يحتاج في أكله إلى أن يقطع إلى قطع صغيرة  وحتى لا ينكرن وجود هذه الآلات الحادة . ولكن كان لامرأة العزيز هدفا أخر أرادت أن تلقنهن درسا غاليا .
 فليس من رأى كمن سمع  فهاهن وبعد قليل سيرين هذا الشاب الجميل صاحب الخلق الكريم الذي آبى أن يستسلم لإغرات امرأة العزيز , فيا ترى كيف سيكون تصرفهن حين تقع أعينهن لأول مرة على رجل بهذا القدر من الجمال  المصحوب بالأدب والأخلاق الرفيعة  وهيبة الأنبياء وعظمتهم ؟    
كما أنها في الأغلب حين استدعت النسوة كان في داخل حجرات القصر و أجلستهن في مكان مغلق حتى لا يشغل بالهن شئ إلا أن يرين طلعة هذا الشاب الكريم وكذلك ليكون انسب للبساط والمتكئات ودليل ذلك أنها قالت {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} فكلمة {اخْرُجْ} تدل على أنها احتجزته داخل القصر ليتشوقن أكثر فأكثر .وكلمة {عَلَيْهِنَّ} تدل على أن طلعة يوسف عليه السلام كإطلال القمر.
 وقد كان فلما خرج يوسف عليه السلام وأطل عليهن فإذا بهن وقد اخذ جماله عليه السلام بقلوبهن وأصبحن في حالة اللاوعى حتى أنهن لم يشعرن بأنفسهن{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فلك أن تتخيل كيف انتصرت امرأة العزيز لنفسها واستطاعت وبالتجربة أن  تسد أفواه النسوة فلن يعدن لمثل هذا الحديث مرة أخرى فهن لمجرد رؤيته مرة واحدة بمكر امرأة العزيز أحدثت لهن عاهة مستديمة لن تنساها النسوة أبدا  .
هيبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم :-
ولقد عبر القرآن الكريم عن الموقف بمنتهى الروعة والدقة فقال جل وعلا {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31
وكلمة {أَكْبَرْنَهُ} من الكلمات الرائعة والتي تحمل في طياتها أعلى معاني الإعجاب والتقدير والاحترام والهيبة ولنقرب المسالة إلى الأذهان نذكر ما قاله أبرهة لعبد المطلب جد المعصوم صلى الله عليه وسلم فيروى ابن هشام :‏ أن أبرهة بن الصباح الحبشى، النائب العام عن النجاشى على اليمن، لما رأي العرب يحجون الكعبة بني كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة‏.‏ ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم ـ عدده ستون ألف جندى ـ إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلا من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلا، وواصل سيره حتى بلغ المُغَمَّس، وهناك عبأ جيشه وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة .
وأرسل سرايا لتأخذ ما تجده في طريقها ليعلم أهل مكة بقدومه فيستسلموا له دون قتال . وكان مما استاقوه  أمامهم مائتي بعير لعبد المطلب جد المعصوم صلى الله عليه وسلم فذهب إليه      فلما رآه أبرهة استعظمه وقام واقفا له إجلالا وإكبارا إلا أن عبد لمطلب رأى أن أبرهة اقل    من أن يحدثه في أمر الكعبة فقال له عبد المطلب : رد على ابلي .
فقال له أبرهة : لقد أكبرتك حين رأيتك وتعلم أنى جئت لهدم بيتكم الذي فيه عزكم  وفخركم وتسألني عن الإبل فقال عبد المطلب قولته المشهورة  : أنا رب الإبل أما البيت فله رب يحميه فقال أبرهة ما كان ليمنعه منى قال عبد المطلب :  أنت وذاك .
 فلما كان في وادي مُحَسِّر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبيناهم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول‏.‏ وكانت الطير أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر ثلاثة أحجار؛ حجر في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمص، لا تصيب منهم أحدًا إلا صارت تتقطع أعضاؤه وهلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض، فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل، وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك‏.‏
{إن كيدهن عظيم }
ونعود لامرأة العزيز فلما تأكد لديها بغريزتها أن النسوة ما قلن ما سبق إلا لأنهن يردن رؤية يوسف عليه السلام هنا ولأمر أراده الله جل وعلا , ألا وهو : أن الحق سبحانه وتعالى قد يجعل العبد يصل بصلفه وغروره إلى الاعتراف بما أقدم عليه ظنا منه أنها الجرأة والقوة .وفى هذا المعنى يقول تعالى {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }الرعد13
 وهذا ما حدث لامرأة العزيز ؛ ففي وسط هذه النشوة الغامرة أسفرت عما بداخلها فـــ{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ }  الله اكبر وهذا هو المراد ليسمع من معها ولتسمع النسوة ومن بالقصر براءة يوسف عليه السلام مما ألصقته به أنفا  ولكنها عقبت بما يدل على أن رغبتها لم تنطفئ بعد وأصرت على أن تنل منه ما تريد فقالت     { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ }يوسف32 سبحان الله  قدمت الحل ليوسف عليه السلام وهى تريد  له الهلاك وهذا لا يستنبطه إلا قليل من الناس ممن منّ الله جل وعلا عليهم بالفهم والقلب السليم .
فعلى الفور اتجه إلى ربه سبحانه وتعالى و{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }يوسف33  وهنا سؤال ما الذي دفع بيوسف عليه السلام أن يدخل النسوة في الأمر؟ والمتوعدة هي امرأة العزيز؟ نقول وهل بعد تقطيع الأيدي من حجة ؟
فلابد أن يوسف عليه السلام رأى منهن مالا يطمئن. فهن إن اجتمعن مع امرأة العزيز فبعدما كانت امرأة واحدة تدبر وتكيد فستجتمع إليها أقرانها ليدبرن ويكدن ليوسف عليه السلام   وهو عليه السلام لم يخلق لهذا اللهو والعبث إنما خلق لرسالة أخرى وقضية أهم ؛ وهى إعلام من حوله من عبدة الأوثان أن للكون رب يدبر أمره , عالم بما فيه , ويُجرى كل شئ بقدر. فما كان ليوسف أن يبلغ تلك الرسالة وهو بين نسوة لا شغل لهن إلا الغمز واللمز .
 ولصدقه في دعائه ورغبته الحقيقية في الابتعاد عنهن صرف عنه الحق جل وعلا كيد النساء     بما فيهن امرأة العزيز وجعل أصحاب الرأي يرون أنه لا حل لهذه القضية إلا بإدخال يوسف عليه السلام السجن مع أنهم متأكدون من برأته بعد الأدلة التي ذكرناه والتي لا تخفى على احد ولابد أنهم فهموها وأدركوها جيدا وأدركوا أن الخطورة ليست من جانب يوسف عليه السلام  وإنما من جانبهم هم فماذا إذن فهل يقومون بعزل نساء المجتمع ويلقين بهن في السجن أم يلقون بيوسف عليه السلام في السجن ؟
براءة يوسف عليه السلام:-
فعلى الأقل هو اخف وطأة ولن يترتب على دخوله السجن مشاكل لهم بخلاف إن ألقوا بالنسوة في السجن ولذا بين القرآن الكريم هذا الموقف{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } يوسف34- 35
أي بعدما تبين لهم أدلة برأته والتي كان ينبغي معها إكرامه والثناء عليه  ومع هذا ادخلوه السجن . يا سبحان الله
 ومن ينظر إلى السياقات السابقة يرى عجبا فيرى القرآن الكريم وقد مر على بعض الأحداث مرور الكرام وأحداثا أخرى وقف عندها بالتفصيل لأن القرآن الكريم وكما قلنا من قبل كل شئ عنده بمقدار فما يفهمه القارئ دون أن يختل المعنى فلا داعي لذكره لان القرآن الكريم يرفض أن يقدم حشوا زائدا لا ضرورة له.
أما إذا كان فيه درس وعبرة فنجد القرآن الكريم يقدمه وبالتوضيح حسما للطامعين وردعا للمضلين  فالحق جل وعلا يعلم أن الأمر لن ينتهي إلا بدخول يوسف عليه السلام السجن لأن هذا أمر بديهي لمن كان له قلب لماذا ؟ لأن العزيز ومن معه أدركوا أن يوسف عليه السلام برئ فقد كان الخطر متوقفا عند امرأة العزيز أما وقد تحركت النسوة فقد يحدث مالا يحمد عقباه فهل نحجب النسوة وفكرهن ؟
فهذا غير مستطاع أم أن نحجب يوسف عليه السلام وهو فرد واحد وهو فى نهاية الأمر إنسان على دين وخلق وسيقدر خطورة الموقف ثم شاء الله جل وعلا أن لا يدخل يوسف السجن وهناك أدنى شبهه ضده .
فرأينا امرأة العزيز سافرة وهى تعبر عن رغبتها على مرأى ومسمع من الجميع ومن ثم لم        تجد امرأة العزيز حرجا فى أن تقول وتعلن عن رغبتها دون حياء فـ{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ } يوسف32
فوجدنا بفضل الله العديد من الأدلة على براءة يوسف عليه السلام
أولا : قول يوسف غليه السلام كما حكى القرآن  {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي }
ثانيا: شهادة الرجل كما أوردها القرآن الكريم { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } يوسف26- 27
ثالثا : واهم من ذلك والذي أراده القرآن الكريم والدرس المستفاد من حضور النسوة هو أن جعل الحق سبحانه وتعالى غرور المراة يدفعها في الاعتراف بأنها هي التي دعت يوسف عليه السلام وانه آبى اشد الإباء فــ{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ }يوسف32الله اكبر حقا إن الله جل وعلا شديد المحال
 أرأيت أن كل شي في القرآن الكريم إنما جاء لحكمة وموعظة ودرس مستفاد ومن ثم حين رأى يوسف عليه السلام أن ما حل بالنسوة أمرا غير محمود العواقب ومن يدرى فكما قطعن أيديهن دون أن يدرين لمجرد رؤيته مرة واحدة فماذا لو طلبن من امرأة العزيز مجاورتها فى القصر حتى لا يحرمن من رؤية هذا الملاك وربما يدبرن مع امرأة العزيز ما يعجز فيما بعد عن إثبات براءته بسهولة وبخاصة إن كيدهن عظيم وليس هذا فحسب بل إنها أعلنتها دون حرج أو حياء بأنه إن ظل يوسف على اعتصامه وتدينه وتمسكه بالمبادئ فسيتعرض للعذاب المهين إما السجن وإما أن يكون من الصاغرين.
 وصدق المعصوم حين قال " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذ لم تستح فأصنع ما شئت " ودون أن تدرى قدمت ليوسف الحل فحين سمع كلمة السجن فبه ونعم ففي السجن سيختلي بربه جل وعلا وسيقابل أناسا مظلومين وآخرين ظالمين فقد يعظ الظالمين ويعلمهم أن السجن قد يطهرهم من الذنوب , ويواسى المظلومين  ويخبرهم بان بالابتلات يرفع الله درجات عباده  فيعلمهم الصبر وان الله جل وعلا يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فالسجن أهون ألف مرة من مصاحبة ومجالسة الأشرار.
 الم ينصح العالم الجليل  الرجل الذي قتل مائة نفس بأن يترك بلده فإنها بلد سوء وأن يذهب إلى بلد كذا فإن بها رجالا صالحين يعبدون الله وقد كانت فاتحة خير عليه فمات الرجل فى الطريق فدخل الجنة بنيته الحسنة ورغبته فى التوبة .
 فالسجن أهون من الاغتراب فقد تغرب يوسف مرة فإلى أين يذهب ثانية ؟ ثم إن هناك مهمة أخرى من اجلها  جاء به الحق جل وعلا إلى مصر ولن يقم بها غيره  فإذا به يقول لربه جل وعلا {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }يوسف33
وسبحان الله القائل وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216لنتعلم العفاف وليصير أصحاب الابتلاءات لقول المعصوم للشباب " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع  فعليه بالصوم فانه له وجاء .
 العفاف من الفطرة السليمة :-
وليس الأنبياء فحسب بل رأينا هند  بنت عتبة وهى من هي في العداوة والانتقام قبل الإسلام  واكبر دليل على قسوتها أنها دبرت لقتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم بل ومزقت جسده وقطعت انفه وأذنه وكادت تأكل كبده فلم تستسيغه  ومع كل هذه العداوة حين من الله جل وعلا عليها بالإسلام يوم فتح مكة واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وغيرها من النسوة العهد فكان مما قال لهن :  أن لا يشركن بالله شيئا ولا يقتلن أولادهن  وحين قال صلى الله عليه وسلم ولا يزنين فقالت هند :أو تزني الحرة ؟
  ونصح الإمام الشافعي الأمة بأبيات رائعة أراد أن ينبه فيها أن الإنسان الذي يعف نفسه عن الفواحش  هو إنسان رابح لأنه عف نفسه وحمى أهله كذلك روحه وجسده من النيران ولم يقدم معصية أو ذنبا يدفع من بعده من أهله  ثمنه فيكون العار والذنب مرتين فقال
       عفوا تعف نساءكم فى المحرم            وتجنبوا مالا يليق بمسلم
       من يزني في بيت بالفى درهم          في بيته يزني بغير الدرهم
       من يزني يزني به ولو بجداره          إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
       إن الزنا دين فان أقرضته          كان الوفي من أهل بيتك فاعلم
      يا هاتكا ستر الرجال وقاطعا       سبيل المودة عشت غير مكرم
      لو كنت حرا من سلالة طاهر      ما كنت هتاك لعرضة مسلم
فماذا حدث لسيدنا يوسف عليه السلام في السجن هذا ما نتعرف عليه فى الباب التالي












                               الباب الثالث
                 سيدنا يوسف عليه السلام في السجن
أولا :- من القرآن الكريم :-
ولعل سائلا يسأل لماذا نقدم هذه الأطروحات من العهد القديم ونحن نتابع الآيات من القرآن الكريم رغم أن الأحداث إلى حد ما متشابهة؟
نقول : لأن القرآن الكريم صدقنا فيما وعدنا به فقد اخبرنا سبحانه وتعالى في بداية قصة يوسف عليه السلام بقوله تعالى " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن "
وحقا وجدناه أحسن القصص ولقد أوفى القرآن الكريم بما وعد به  فجاءت قصة يوسف على أحسن ما تكون القصص ؛ ووجدنا بها العديد من الدروس والعبر  بل ولم نجد موقفا يستحق الدرس والاستفادة إلا ونبه إليه ونوه إليه وعرفنا به ؛ وأي موقف لا جدوى من وراءه إلا ومر به مرور الكرام  حتى لا يشغل بال القارئ وفكره بما لا يسمن ولا يغنى من جوع .
 كما رأينا القرآن الكريم وهو يحترم العقل البشرى فلا إطناب ممل ولا إيجاز مخل فمع الإيجاز نجد الدروس والعبر , بخلاف العهد القديم الذي تناول قصة سيدنا يوسف عليه السلام  بإسلوب غريب عجيب فذكروا أن يوسف عليه السلام كان ينقل النميمة بين أبية وإخوته 
وذكروا في أكثر من موضع أن يوسف عليه السلام  أصبح الأمر الناهي وان بيده كل شئ وأنه عليه السلام  لم يرجع الأمر لله جل وعلا.
 و نجدهم دائما يذكرون أن يوسف عليه السلام استطاع أن يفعل كل شئ بمفرده  دون طلب العون من الله جل وعلا كما وجدناهم لم يهتموا بإثبات براءة يوسف عليه السلام  بل وذكروا أحداثا تدين يوسف عليه السلام  كخلعه لثوبه ووضعه بجانب امرأة العزيز ولم يعلقوا على الموضوع ولم يهتموا بالقصة ولا بالإتهام رغم أن هذا هو لب القصة ورأس ماله كنبي كريم وابن أنبياء كرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
ولن نذهب بعيدا فهيا بنا نتابع القصة من القرآن الكريم والعهد القديم لنرى أي الكتابين  أوفى للأنبياء حقهم وحفظ لهم قدرهم ومكانتهم وجعلهم حقا قدوة يقتدي بهم على مر الأزمان . ففي القرآن الكريم يقول الحق جل وعلا مبينا لنا ما جرى بداخل السجن فقال سبحانه وتعالى :
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ  فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا         طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ          قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ   وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ  أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *      مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ              إِنِ  الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *  يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ    قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }يوسف36-42
{ فليقل خيرا أو ليصمت }
الحمد لله القائل " إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم " لأننا في كل حدث جديد فى القرآن الكريم يعلمنا الحق سبحانه وتعالى آدابا نتأدب بها فمن  هذه الآيات نتعلم  أننا إذا تحدثنا       إما أن نقل خيرا ويستفاد منه أو لنصمت .
 عملا بقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر    فليقل خيرا أو ليصمت " وعملا بقول ابن كثير  "من كرر كلاما له فائدة فقد أضاع وقت المسلمين ومن كرر كلاما لا فائدة منه فقد أضاع المسلمين  "
  ومن ثم وضع القرآن الكريم المبادئ الأولى في هذا المضمار فبدا بنفسه فلا يذكر مالا فائدة   من ذكره , فسنرى الآن كيف ركز القرآن الكريم على الأحداث والمواقف والعبرة والعظة والدرس المستفاد بخلاف العهد القديم  الذي كما أفاض كثيرا في قضية المراة وأعطاها أكثر من فرصة لتعرض قضيتها وحرم يوسف عليه السلام من عرض قضيته  فإذا بهم يفيضون فى عرض قضايا وأمور لا طائل من وراءها . والإعراض عن الأحداث والدروس المستفادة تماما.
ولذا رأينا أن نستعرض ما جاء به القرآن الكريم أولا في هذا الحدث  ونرى كيف تابع القرآن الكريم الأحداث بطريقة تحفظ للأنبياء قدرهم وأن يعينهم على أن يبلغوا رسالات ربهم  فذكر القرآن الكريم .
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ} فرأى كل منهما رؤيا تختلف عن رؤيا صاحبه فقال سبحانه وتعالى عن ذلك { قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ } ويبدوا أنهما رأيا من يوسف عليه السلام  ما يدل على العظمة والتقوى , فطلبا منه تأويل الرؤيا فقالا  {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف36 وهكذا كل الأنبياء يُلقى الحق جل وعلا عليهم من هيبة النبوة ما يجعل الرآى لهم لا يستطيع أن يطيل إليهم النظر أو أن يجرؤ عليهم .
 وكثيرا ما حدث مثل هذا الموقف مع المعصوم صلى الله عليه وسلم إلا انه من تواضعه كان يقول لمن أصابه الذهول  والخشية حين رآه  "هون على نفسك إنما أن ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد "
 وتروى لنا كتب السيرة أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  نزل بأرض فضاء فعلق سيفه ونام تحت شجرة فأخذ أعرابي السيف وقال من يمنعك منى يا محمد ؟  قال صلى الله عليه وسلم " الله "  فسقط السيف من يد الأعرابي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وأنت من يمنعك منى ؟  قال :  كن خير اخذ يا محمد فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه .
الدعوة إلى الله تعالى :-
 وهنا استغل يوسف عليه السلام الفرصة فى الدعوة لله جل وعلا ؛ ومن روعة وعظمة القرآن الكريم أنه أراد أن يعلم الدعاة كيف يمهدوا لقضيتهم وكيف يجذبوا الأنظار لدعوة الناس للإيمان بالله رب العالمين  .
كما فعل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوم الصفا حين نادى قومه وأقام عليهم الحجة  قائلا : لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم  والله ما جربنا عليك كذبا قط . حينها قال صلى الله عليه وسلم  إني رسول الله إليكم جميعا .
 وكذلك فعل يوسف عليه السلام ليجعل الرجلين ينصتا إليه فبين لهما انه بإمكانه أن يخبرهم   عن أي طعام يأتيهما ؛ ويبدو أن يوسف عليه السلام رأى أن هذه قضية تؤرقهم وهذا شئ طبيعي لأنهما كانا في خدمة الملك ؛كما أنهما ظنا أن من حل محلهما يود عدم عودتهم إلى  أماكنهم مرة أخرى وربما  ألقى الشيطان في روعهما أنه قد يدس أحد السم لهما في الطعام ليتخلص منهما .
فأراد يوسف عليه السلام أن يطمئنهما فــ{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } ودل هذا على ذكاء سيدنا يوسف عليه السلام إذ أخر الجواب إلى نهاية الحديث ؛ فلو أخبرهما بما يريدان في أول المطاف لما أنصتا إليه وما تابعاه . 
كما انه استطاع أن يتدرج في القضية بشكل واسلوب رائع فبدأ بما يشغل بالهما أولا ثم       تابع بذكر فضل الله جل وعلا عليه وانه لن يخبرهما من تلقاء نفسه وإنما مما علمه الله جل     وعلا فقال عليه السلام { ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }يوسف37
كما أخبرهما بعد ذلك أنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون " ليس من المنطق أن يوسف عليه السلام يقصد أهله فإن أهله فيهم أبيه نبي الله يعقوب  وإنما يقصد أهل الرآى والكلمة في مصر آنذاك الملك والعزيز  وغيرهما لأنه عاش بينهم فترة من الزمن فربما رأى منهم ما دل على ذلك .
ثم عقب بعد ذلك بقول الله تعالى {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } يوسف38 
وهنا سؤال :-
 يتسأل البعض : لماذا لم يذكر يوسف عليه السلام سيدنا إسماعيل عليه السلام  ؟ لأنهم يزعمون أنها ذريعة يتشبثون بها ليثبتوا عدم الاعتراف بنبي الله إسماعيل عليه السلام ولذا نقول : أن يوسف عليه السلام  قال{ آبَآئِـي}ومعنى ذلك أنه عليه السلام يقصد آباءه نسبا ولذا فلا يستقيم السياق إلا إذا قال{ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} فهؤلاء هم آباءه المباشرون
 فهل هذا يعنى أنهم لا علاقة لهم بنبي الله إسماعيل عليه السلام نقول :  لا ؛   لأن هذا الأمر أكدته أية سابقة لا على لسان يوسف  عليه السلام وحده فحسب بل على لسان كل أبناء     نبي الله يعقوب عليه السلام فقال تعالى حكاية عنهم {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة133
هنا الأمر طبيعي لأن إسحاق عليه السلام والد يعقوب عليه السلام وإسماعيل عليه السلام   أخيه الأكبر والعم صنو الأب والعرف يطلق علي العم أيضا  أب وإبراهيم الأب الأعلى للجميع ولذا كان السياق متناسقا فجاء ذكر الآباء بالترتيب   {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}
 إما السياق  في قصة يوسف وهو قوله آبائي فلا يستقيم السياق إن ذكر سيدنا  إسماعيل عليه السلام  لماذا ؟  لأنه كان سيقول " أبائى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب "  فأول ما يفهم من هذا السياق هو ماذا ؟
 هو أن يعقوب ابن إسحاق وأن إسحاق ابن إسماعيل وهذا غير صحيح سبحان الله الذي أنزل كل شئ بقدر وسبحان الله الذي أنزل القرآن ولم يجعل له عوجا وجعله مكملا بعضه بعضا ومفسرا بعضه بعضا وصدق الحق حين قال عنه {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89
ثم بين أن هذا من فضل الله عليه وعلى الجميع وهذه حقيقة لأن فضل الله جل وعلا على الجميع عظيما فهو القائل جل وعلا مذكرا إيانا بفضله علينا " {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78
ولأنه جل وعلا اعلم بما سيحدث من عبادة وأن منهم من يكون كافر به وجاحد لنعمه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وسؤال أخر يطرح نفسه:-
وهنا سؤال يطرح نفسه لنعلم مدى رحمة الله جل وعلا بعباده ألا وهو : هب أن ملكا من   ملوك الدنيا لديه هذه المقدرة وأن لديه علم مسبق بأحوال رعيته وأنه يعلم الخارج منهم عن  أمره والمدبر لانقلاب ضده ومنهم من يفنى حياته في مساعدة خصومه إلى أخر هذه الفئات  فماذا يفعل بهم ؟
 فأقل ما يقوم به هو أن يحرم من سيقومون ضده بانقلابات وحروب من نعيمه ومن عطاياه   حتى يصبحوا لا حول لهم ولا قوة  ؛ ولن نذهب بعيدا فقد بين القرآن الكريم أن فرعون كان  يقتل الذكور من بنى إسرائيل لمجرد أن أخبره الكهنة بأن ملكه سيزول على احد أبناء بنى إسرائيل .
إذن فالله الحمد والمنة أن انعم على الجميع فلو لم يكن لله جل وعلا إلا هذا لا ستحق الشكر والعبادة عليها الى ابد الآبدين فما بالك ونعمه جل وعلا لا تعد ولا تحصى بل والنعمة  الواحدة يعجز الإنسان أن يدرك منتهاها .
 ولذا قال جل وعلا {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13أما نحن فنقولها وبملئ القلب و الفم     والعقل  والجوارح {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الجاثية36
ونعود لنبي الله يوسف عليه السلام الذي قال  لا صحابه {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }يوسف39 وبين لهم انه أفضل للعالمين أن يتجهوا بقلوبهم لله الواحد الأحد فالأرباب   أرآهم مختلفة ويدمر بعضها بعضا وليس أدل من جهلهم وضعفهم من إدخالهم يوسف عليه السلام  السجن بعدما تحققوا صدقه وبرأته .
فبالله عليك ماذا تفعل إن اتهمت يوما ظلما وزورا وشاء الله جل وعلا أن يقيض لك أكثر      من شاهد ودليل لإثبات برأتك ووقفت أمام القاضي فقال لك : أنت يا بنى كنت متهما     بكذا ولكن تبين لنا برأتك وصدقك وبأقوال الشهود والأوراق والأحداث والكشف الطبي  وكل ما لدينا من أوراق بل وأشخاص وحقائق تثبت برأتك ولذا رأينا أن نحكم عليك    بالسجن بضع سنين فما هو ردك ؟
أما يوسف عليه السلام فسلم الأمر لله جل وعلا ؛ بل وحمد الله جل وعلا  الذي استجاب لدعائه حين قال {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }يوسف33 ولذا وجد الفرصة سانحة له أن يبلغ رسالة ربه سبحانه وتعالى وإن كان أمر الدين لا يهم الرجلين إلا أنه أخبرهما ليكون قد بلغ والتوفيق من الله سبحانه وتعالى .
 بالضبط كما فعل جده إبراهيم عليه السلام حين قال له الحق سبحانه وتعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27 فقال : يارب إلى مدى يبلغ صوتي ؟  قال الحق جل وعلا : عليك الأذان وعلينا البلاغ  وهذا ما ينبغي أن  يقوم به الدعاة في أى زمان ومكان فلا ينبغي أن ينتظروا الأرض الخصبة وإنما عليهم أن يبدأوهم في إعداد التربة الخصبة .
 وهذا  بخلاف العهد القديم والذي لم يهتم الكتبة فيه إلا بإمتلاك الأرض والمواشي إلي أخر هذه المتع الزائلة وصدق الحق حين قال { قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء77
ولم يشغل بالهم الفكر أو الدعوة لله رب العالمين  فلم يتطرقوا إليها من بعيد أو قريب فلم يذكروا أن يوسف عليه السلام استعان بالله جل وعلا أو دعا إلى الإيمان به سبحانه وتعالى
نعود لسيدنا يوسف ورفيقيه , فبدأ يمهد لدعوته فقبل الإعلان عن التوحيد أراد أن يطمأنهم ويجذب أنظارهم إليه فـــ {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يوسف37 
ثم بين لهم أن الفضل في هذا إنما هو لله رب العالمين الذي أنشأه من ذرية طيبة اختصها الحق سبحانه وتعالى بالفضل والدين وفضلها على العالمين فقال {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }
 ثم دعاهم إلى التوحيد، وذمّ عبادةِ ما سوى اللهِ عزَّ وجلّ وصغّر أمر الأوثان، وحقّرها وضعّف  أمرها، فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ      دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ}             أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا         إِلا إِيَّاهُ} أي وحده لا شريك له و {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، أي المستقيم والصراط القويم {وَلَكِنَّ     أَكْثَرَ  النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره .وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال،   لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع    لهما، مما سألا عنه وطلبا منه. ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً}
قالوا: وهو الساقي {وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز ثم قال لهما  {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}. أي وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على كل حالة. ولهذا جاء في الحديث "الرؤيا على رِجْلِ طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت".
وقد روي عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم "أنهما قالا لم نر شيئاً" فقال  لهما: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان}.{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.
يخبر الحق سبحانه و تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعني أذكر أمري وما أنا فيه من السّجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السّعي في الأسباب. ولا ينافي ذلك التوكل على ربِّ الأرباب. وقوله {فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ}،
 أي فأنسي الناجي منهما الشّيْطان، أن يذكر ما وصّاه به يوسف عليه السلام. قاله مجاهد ومُحَمْد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب.
{فَلَبِثَ} يوسف عليه السلام {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} والبضع ما بين الثلاث إلى التسع.    وقيل إلى السبع. وقيل إلى الخمس. وقيل ما دون العشرة. حكاها الثعلبي. ويقال بضع نسوة. وبضعة رجال.
ثم إن لله في هذا الأمر حكم لا يعلمها إلا الله جل وعلا ومنها : هب أن يوسف عليه السلام خرج الآن من السجن فإلى أين سيذهب ؟ أيذهب إلى الملك ؟  بالطبع لا ؛  لأن  وجود     رجل مثل يوسف عليه السلام في القصر بعدما فسر الرؤيا وأعلن عن التوحيد المطلق لله رب     العالمين فقد يفسد على الكهنة حياتهم فيكيدون له حتى يخرجوه من البلدة بأكملها وبخاصة      أنه بمفرده .
 هل يذهب إلى بيت العزيز ؟  بالطبع لا ؛  لأن هناك امرأة العزيز وقريناتها ولعلهن لازلن  ينتظرنه وفي بيتها المأساة الكبرى والتي لا يريدها له الله سبحانه وتعالى .  هل يعود إلى       إخوته ؟ فهذه الأدهى والأمر ؛ لأنهم لن يبقوه على قيد الحياة .
 إذن فالحل الوحيد أن يبقى يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين الى أن تنتهي الظروف وتتهيأ له أحداث تليق باستقباله والتي يصبح الجميع شعبا وملكا  في حاجة ماسة إليه .وكذلك الأنبياء لا يظهرهم الله جل وعلا على العباد في وقت  لا حاجة لهم فيه وإنما يظهرهم في      وقت تشتاق الدنيا لهم فيه بل وتكون  في حاجة ماسة إليهم ليطهروها من رجس العصاة  ولينبروا الدنيا  بما أتاهم الله جل وعلا من نور وحكمة .
  و كأن الله جل وعلا لم يرد ليوسف عليه السلام ليخرج في تلك الآونه حتى يهيئ له مخرجا يليق بمكانته بعد هذه  الابتلاءات امتثالا لقوله تعالى{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً }الإسراء80 لأن ما يريده الحق سبحانه  وتعالى أفضل من مراد العباد فهوا جل وعلا القائل {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك14 والقائل جل وعلا " {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } النحل53
ثانيا : فترة السجن من العهد القديم :-
أرأيت عزيزي القارئ كم خرجنا من الدروس والعبر من تلك الحقبة وهذا مما من الله جل وعلا به علينا فمن المؤكد أن بها من الدروس مالا نستطيع حصره .
فيا ترى كيف تناول العهد القديم تلك الفترة فهل به من الدروس والعبر كما في القرآن الكريم ؟ فنذكر النصوص أولا ثم نعقب عليه فقالوا في سفر التكوين :-
1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ سَاقِيَ مَلِكِ مِصْرَ وَالْخَبَّازَ أَذْنَبَا إِلَى سَيِّدِهِمَا مَلِكِ مِصْرَ. 2فَسَخَطَ فِرْعَوْنُ عَلَى خَصِيَّيْهِ: رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَئِيسِ الْخَبَّازِينَ، 3فَوَضَعَهُمَا فِي حَبْسِ بَيْتِ رَئِيسِ الشُّرَطِ، فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوسُفُ مَحْبُوسًا فِيهِ. 4فَأَقَامَ رَئِيسُ الشُّرَطِ يُوسُفَ عِنْدَهُمَا فَخَدَمَهُمَا. وَكَانَا أَيَّامًا فِي الْحَبْسِ.
5وَحَلُمَا كِلاَهُمَا حُلْمًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ حُلْمَهُ، كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ، سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازُهُ، الْمَحْبُوسَانِ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. 6فَدَخَلَ يُوسُفُ إِلَيْهِمَا فِي الصَّبَاحِ وَنَظَرَهُمَا، وَإِذَا هُمَا مُغْتَمَّانِ. 7فَسَأَلَ خَصِيَّيْ فِرْعَوْنَ اللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي حَبْسِ بَيْتِ سَيِّدِهِ قَائِلاً: «لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا مُكْمَدَّانِ الْيَوْمَ؟» 8فَقَالاَ لَهُ: «حَلُمْنَا حُلْمًا وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ». فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: «أَلَيْسَتْ للهِ التَّعَابِيرُ؟ قُصَّا عَلَيَّ».9فَقَصَّ رَئِيسُ السُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «كُنْتُ فِي حُلْمِي وَإِذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي. 10وَفِي الْكَرْمَةِ ثَلاَثَةُ قُضْبَانٍ، وَهِيَ إِذْ أَفْرَخَتْ طَلَعَ زَهْرُهَا، وَأَنْضَجَتْ عَنَاقِيدُهَا عِنَبًا. 11وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي، فَأَخَذْتُ الْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأْسِ فِرْعَوْنَ، وَأَعْطَيْتُ الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ». 12فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «هذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ الْقُضْبَانِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. 13فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ، فَتُعْطِي كَأْسَ فِرْعَوْنَ فِي يَدِهِ كَالْعَادَةِ الأُولَى حِينَ كُنْتَ سَاقِيَهُ. 14وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ، تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَانًا وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُنِي مِنْ هذَا الْبَيْتِ. 15لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُنَا أَيْضًا لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ».
في هذا النص نلحظ عدة أمور منها :-
أولا :- أمورا لا فائدة ولا جدوى من ذكرها :-
وكعادة الكتبة في العهد القديم أن يذكروا  أمورا لا فائدة ولا جدوى من ذكرها فما      هي الفائدة والدروس المستفادة التي تعود على القارئ من معرفة أن الذين دخلا السجن      كانا خصيين أم لا ؟ ثم ما هو الدرس من معرفة انهما أذنبا إلى الملك  ؟ والعجيب انه مع هذا الإطناب تنقصهم الكثير من الحقائق فلما لم يخبرونا بالذنب الذين ارتكباه أم انهما دخلا السجن ظلما كما حدث لنبي الله يوسف عليه السلام
ثانيا :- يوسف عليه السلام خادم أم مخدوم أم مسجون ؟
يخبر العهد القديم أنهما حين دخلا إلى السجن قام يوسف عليه السلام بخدمتهما  فكيف وقد أخبرونا من قبل أن كل شئ في السجن دفع إليه وأصبح رهن أمره ومشورته ؟
ثالثا :-  ما فائدة أن يجدهما يوسف عليه السلام مغتمين ؟
  وما هو الدرس الذي يريده العهد القديم ؟ فإن قالوا أنه الإحساس بالأخر ؛ فنقول نحن لا ننكر ذلك على يوسف عليه السلام وإنما هو غريب بالنسبة للعهد القديم فلم نعهد منهم مثل هذا الخلق الكريم لأنه مادام لديهم هذا الخلق الكريم لما لم يبحثوا أو يذكروا دليلا واحدا على براءة سيدنا يوسف عليه السلام ليشعرونا أن لديهم إحساسا بالأخر ؟
رابعا :- خطأ تاريخي واضح:-
 ومن فرط الإطناب الذي قام به العهد القديم أنهم خلطوا الأمور ببعضها وأخطأوا في حقيقة تاريخية واضحة ؛  فمرة ذكروا أن لقب الحاكم هو "  الملك  " وأخرى ذكروا أن لقب الحاكم هو " فرعون " والحقيقة أن لقب الحاكم آنذاك كان ملقبا بـ" الملك " وهذه حقيقة تاريخية ما كان ينبغي عليهم نسيانها وخاصة أنها في كتب التاريخ وأنها مضت وهذا أمر لا يخف على الحق سبحانه وتعالى ولذا فإن كان العهد القديم  من عند الله ما اختلط هذا الأمر على الرب جل وعلا
خامسا :- لماذا الإطناب ؟ ثم ما الفائدة من توضيح الحلم أو الرؤيا بهذا التفصيل الممل أم أن يوسف عليه السلام لم يكن ليفهم الرؤيا إلا إذا ذكروها له بهذا التفصيل أين هذا الإطناب مما ذكره القرآن الكريم فى كلمات معدودات فقال جل وعلا " إنى أراني أعصر خمرا "
سادسا :- وأين فضل الله ؟ والغريب أنهم مع هذا الشرح والتوضيح لم يذكروا الله جل وعلا إلا مرة واحدة وهو قوله " أليست لله التعابير " ثم لم يوضحوا ما علاقة هذه العبارة بما تم ؟ فلم يذكر يوسف عليه السلام أن الفضل في تعلمه التأويل إنما هو من عند الله .
ولما لم يستغل يوسف عليه السلام هذه الفرصة ودعا أصحابه إلى الإيمان بالله جل وعلا ولكن هذه عادة العهد القديم والجديد فلم يذكر للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وكأن الأنبياء إنما أرسلوا لأمر أخر وهو حماية بنى إسرائيل  والذود عنهم .
سابعا:-  ثم هل يكذب الأنبياء ؟ بالطبع  لا (حاشاهم ) لأن العهد القديم ذكر على لسان سيدنا يوسف عليه السلام قال للرجل الذي سيخرج عما قريب : لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ،  ألم يذكروا لنا في بداية القصة ما حدث من اخوته ومن القوافل التي مرت وأخذوه وباعوه إلى رئيس الشرط ؟
 أم أن الكذب في دمائهم لا يستطيعون التنصل منه حتى جعلوا نبي الله يعقوب عليه السلام يكذب على أبيه حتى سرق النبوة والبركة التي كان وعد بها أخيه عيسوا وذكروا ذلك وسجلوه في العهد القديم بل وجعلوا بولس يرسى مبدأ في غاية الخطورة فقال " إذا كان مجد الله قد يزداد بكذبي فلماذا تعدونني كخاطئ "
--وإن قيل ؛ ألم يذكر القرآن الكريم  أن يوسف عليه السلام طلب من الرجل نفس المطلب ؟ نقول : نعم ؛ ولكن ليس بالكذب فإليك الآية الكريمة مرة أخرى والنص من العهد القديم :
فالآية الكريمة
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }يوسف42
 أما النص " وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ، تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَانًا وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُنِي مِنْ هذَا الْبَيْتِ. 15لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ،
هذا ما كان من أحد السجينين فماذا عن الأخر ؟ " 16فَلَمَّا رَأَى رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ أَنَّهُ عَبَّرَ جَيِّدًا، قَالَ لِيُوسُفَ: «كُنْتُ أَنَا أَيْضًا فِي حُلْمِي وَإِذَا ثَلاَثَةُ سِلاَلِ حُوَّارَى عَلَى رَأْسِي. 17وَفِي السَّلِّ الأَعْلَى مِنْ جَمِيعِ طَعَامِ فِرْعَوْنَ مِنْ صَنْعَةِ الْخَبَّازِ. وَالطُّيُورُ تَأْكُلُهُ مِنَ السَّلِّ عَنْ رَأْسِي». 18فَأَجَابَ يُوسُفُ وَقَالَ: «هذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ السِّلاَلِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. 19فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ عَنْكَ، وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَتَأْكُلُ الطُّيُورُ لَحْمَكَ عَنْكَ».
20فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، يَوْمِ مِيلاَدِ فِرْعَوْنَ، أَنَّهُ صَنَعَ وَلِيمَةً لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَرَفَعَ رَأْسَ رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَأْسَ رَئِيسِ الْخَبَّازِينَ بَيْنَ عَبِيدِهِ. 21وَرَدَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ إِلَى سَقْيِهِ، فَأَعْطَى الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ. 22وَأَمَّا رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ فَعَلَّقَهُ، كَمَا عَبَّرَ لَهُمَا يُوسُفُ. 23وَلكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ.
-- يا سبحان الله!!!! الأحداث واحدة ولكن شتان بين اسلوب واسلوب فما أوجزه القرآن الكريم في آيات معدودات لم يستطع العهد القديم توضيحه في أكثر من عشرين جملة ومع هذا لم يف هذا الكم الهائل بالمراد ؛ كما أنهم لم يذكروا فضل الله جل وعلا كما بينه القرآن الكربم . 
-- شتان بين الرؤيتين في القرآن الكريم والعهد القديم :
 وكأن العهد القديم أراد أن يرسى مبدأ غريبا ألا وهو طلب المصلحة الشخصية مقابل أي خدمة تقوم بها . وإن قيل ألم يذكر القرآن الكريم ذلك ؟ نقول : نعم ,  ولكن بعد ما قام نبي الله يوسف عليه السلام بواجبه نحو الدين وأخبر رفيقيه وأعلمهم أنه " لا إله إلا الله "
-- فحين أراد الحق سبحانه وتعالى لنبيه يوسف عليه السلام أن يخرج إلى حياة الحرية أعد الله جل وعلا له خروجا يليق بمكانته كنبي كريم وابن أنبياء كرام ؛ فجعل الملك يرى رؤيا هي من الخطورة بمكان ؛ وجعل الملك يصر على معرفة تأويلها وكان من قدر الله جل وعلا أن السجين الذي نجا وخرج من السجن وأصبح ساقيا للملك وحدث له ما اخبره به يوسف عليه السلام ولذا فحين رأى إلحاح الملك في معرفة تأويل الرؤيا تذكر ما  حدث له فسرعان ما طلب منهم أن يمهلوه فترة يسيرة وسيعود إليهم بالتأويل الصادق فقد جرب بنفسه صدق يوسف  عليه السلام
-- ولقد تناول القرآن الكريم والعهد القديم هذه الرؤيا وان كانت الأحداث متقاربة إلا  أنه شتان بين عرض واسلوب القرآن الكريم وأهدافه ودروسه التي أرساها  ومبادئه التي أشار إليها ؛ وبين العهد القديم الذي لم يهتم إلا بعرض الرؤيا وافرد لها مساحة طويلة دون جدوى .
ولا أدرى لما لم يشغل كتبة العهد القديم بالهم بالدروس والعبر ليكون لأبنائهم منها القدوة الحسنة  ؟ أم أنهم لا دراية لهم بها ؟ مما يدل على انه لو كان من عند الله لما خفي على الحق سبحانه جل وعلا أن يرسى المبادئ والقيم لأن الحق سبحانه وتعالى من البداية أخبرنا في القرآن الكريم {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }يوسف3 
وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111

 ولذا رأيت أن اعرض الرؤيتين من القرآن الكريم ومن العهد القديم لنرى أى الكتابين هو حقا من عند الله العزيز الحكيم . 
ونبدأ برؤيا الملك التي أجملها القرآن الكريم في آيات معدودات :-
  {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ *يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ       خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً       فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ    مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ   يَعْصِرُونَ }يوسف43- 49
-- وشاء الله سبحانه وتعالى أن يخرج يوسف عليه السلام مخرج صدق ؛ فرأى الملك الرؤيا التي ذكرنا وطلب ممن حوله من الملأ أصحاب الحل والعقد أن يعبروا له الرؤيا فلم يستطيعوا ,وهنا أدرك من نجى من قبل وتذكر ما حدث له من قبل فذهب إلى يوسف عليه السلام وقص عليه الرؤيا ففسرها له دون مقابل وكذلك الأنبياء العظماء لأن نبي الله يوسف عليه السلام وجد أنها تدل على خطر يقدم على البلاد فلم يقل ما قاله الشاعر  "إذا مت ظمآن فلا نزل القطر " ولكنه سرعان ما فسرها له لعله يدرك قومه فيتداركوا أمرهم .
 وإن قيل : و ماذا عن قول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم " لو كنت مكان آخى يوسف ..." نقول : هذا من تواضع المعصوم صلى الله عليه وسلم فهوا أيضا القائل " اصنع المعروف في أهله وفى غير أهله فإن صادف أهله فهو أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله " 
ولتوضيح الحديث الشريف نذكر ما قاله ابن كثير في هذا فيقول عن المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي قال " لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات السمان والعجاف ولو كنت مكانه ما أجبته حتى اشترط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم إلى الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر " تفسير ابن كثير ج4ص31 ثم فسر له يوسف عليه السلام الرؤيا كما سنوضح بعد قريب إن شاء الله تعالى .هكذا رأينا القرآن الكريم يوجز القصة في ست آيات ولم يختلف المعنى أو يضطرب .
فيا ترى كيف تناول العهد القديم هذا الموقف ؟
1وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ سَنَتَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى حُلْمًا: وَإِذَا هُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ النَّهْرِ، 2وَهُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ طَالِعَةٍ مِنَ النَّهْرِ حَسَنَةِ الْمَنْظَرِ وَسَمِينَةِ اللَّحْمِ، فَارْتَعَتْ فِي رَوْضَةٍ. 3ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ أُخْرَى طَالِعَةٍ وَرَاءَهَا مِنَ النَّهْرِ قَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ وَرَقِيقَةِ اللَّحْمِ، فَوَقَفَتْ بِجَانِبِ الْبَقَرَاتِ الأُولَى عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، 4فَأَكَلَتِ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ وَالرَّقِيقَةُ اللَّحْمِ الْبَقَرَاتِ السَّبْعَ الْحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ وَالسَّمِينَةَ. وَاسْتَيْقَظَ فِرْعَوْنُ.
5ثُمَّ نَامَ فَحَلُمَ ثَانِيَةً: وَهُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ طَالِعَةٍ فِي سَاق وَاحِدٍ سَمِينَةٍ وَحَسَنَةٍ. 6ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ رَقِيقَةٍ وَمَلْفُوحَةٍ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ نَابِتَةٍ وَرَاءَهَا. 7فَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الرَّقِيقَةُ السَّنَابِلَ السَّبْعَ السَّمِينَةَ الْمُمْتَلِئَةَ. وَاسْتَيْقَظَ فِرْعَوْنُ، وَإِذَا هُوَ حُلْمٌ. 8وَكَانَ فِي الصَّبَاحِ أَنَّ نَفْسَهُ انْزَعَجَتْ، فَأَرْسَلَ وَدَعَا جَمِيعَ سَحَرَةِ مِصْرَ وَجَمِيعَ حُكَمَائِهَا. وَقَصَّ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ حُلْمَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُعَبِّرُهُ لِفِرْعَوْنَ.
9ثُمَّ كَلَّمَ رَئِيسُ السُّقَاةِ فِرْعَوْنَ قَائِلاً: «أَنَا أَتَذَكَّرُ الْيَوْمَ خَطَايَايَ. 10فِرْعَوْنُ سَخَطَ عَلَى عَبْدَيْهِ، فَجَعَلَنِي فِي حَبْسِ بَيْتِ رَئِيسِ الشُّرَطِ أَنَا وَرَئِيسَ الْخَبَّازِينَ. 11فَحَلُمْنَا حُلْمًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَا وَهُوَ. حَلُمْنَا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ. 12وَكَانَ هُنَاكَ مَعَنَا غُلاَمٌ عِبْرَانِيٌّ عَبْدٌ لِرَئِيسِ الشُّرَطِ، فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ، فَعَبَّرَ لَنَا حُلْمَيْنَا. عَبَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ حُلْمِهِ. 13وَكَمَا عَبَّرَ لَنَا هكَذَا حَدَثَ. رَدَّنِي أَنَا إِلَى مَقَامِي، وَأَمَّا هُوَ فَعَلَّقَهُ».
14فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا يُوسُفَ، فَأَسْرَعُوا بِهِ مِنَ السِّجْنِ. فَحَلَقَ وَأَبْدَلَ ثِيَابَهُ وَدَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ. 15فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «حَلُمْتُ حُلْمًا وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ. وَأَنَا سَمِعْتُ عَنْكَ قَوْلاً، إِنَّكَ تَسْمَعُ أَحْلاَمًا لِتُعَبِّرَهَا». 16فَأَجَابَ يُوسُفُ فِرْعَوْنَ: «لَيْسَ لِي. اَللهُ يُجِيبُ بِسَلاَمَةٍ فِرْعَوْنَ».
17فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «إِنِّي كُنْتُ فِي حُلْمِي وَاقِفًا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، 18وَهُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ طَالِعَةٍ مِنَ النَّهْرِ سَمِينَةِ اللَّحْمِ وَحَسَنَةَ الصُّورَةِ، فَارْتَعَتْ فِي رَوْضَةٍ. 19ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ أُخْرَى طَالِعَةٍ وَرَاءَهَا مَهْزُولَةً وَقَبِيحَةَ الصُّورَةِ جِدًّا وَرَقِيقَةَ اللَّحْمِ. لَمْ أَنْظُرْ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مِثْلَهَا فِي الْقَبَاحَةِ. 20فَأَكَلَتِ الْبَقَرَاتُ الرَّقِيقَةُ وَالْقَبِيحَةُ الْبَقَرَاتِ السَّبْعَ الأُولَى السَّمِينَةَ. 21فَدَخَلَتْ أَجْوَافَهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي أَجْوَافِهَا، فَكَانَ مَنْظَرُهَا قَبِيحًا كَمَا فِي الأَوَّلِ. وَاسْتَيْقَظْتُ. 22ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حُلْمِي وَهُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ طَالِعَةٌ فِي سَاق وَاحِدٍ مُمْتَلِئَةً وَحَسَنَةً. 23ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ يَابِسَةً رَقِيقَةً مَلْفُوحَةً بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ نَابِتَةٌ وَرَاءَهَا. 24فَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الرَّقِيقَةُ السَّنَابِلَ السَّبْعَ الْحَسَنَةَ. فَقُلْتُ لِلسَّحَرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُخْبِرُنِي».
25فَقَالَ يُوسُفُ لِفِرْعَوْنَ: «حُلْمُ فِرْعَوْنَ وَاحِدٌ. قَدْ أَخْبَرَ اللهُ فِرْعَوْنَ بِمَا هُوَ صَانِعٌ. 26اَلْبَقَرَاتُ السَّبْعُ الْحَسَنَةُ هِيَ سَبْعُ سِنِينَ، وَالسَّنَابِلُ السَّبْعُ الْحَسَنَةُ هِيَ سَبْعُ سِنِينَ. هُوَ حُلْمٌ وَاحِدٌ. 27وَالْبَقَرَاتُ السَّبْعُ الرَّقِيقَةُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي طَلَعَتْ وَرَاءَهَا هِيَ سَبْعُ سِنِينَ، وَالسَّنَابِلُ السَّبْعُ الْفَارِغَةُ الْمَلْفُوحَةُ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ تَكُونُ سَبْعَ سِنِينَ جُوعًا.
28هُوَ الأَمْرُ الَّذِي كَلَّمْتُ بِهِ فِرْعَوْنَ. قَدْ أَظْهَرَ اللهُ لِفِرْعَوْنَ مَا هُوَ صَانِعٌ. 29هُوَذَا سَبْعُ سِنِينَ قَادِمَةٌ شِبَعًا عَظِيمًا فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. 30ثُمَّ تَقُومُ بَعْدَهَا سَبْعُ سِنِينَ جُوعًا، فَيُنْسَى كُلُّ الشِّبَعْ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَيُتْلِفُ الْجُوعُ الأَرْضَ. 31وَلاَ يُعْرَفُ الشِّبَعُ فِي الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ الْجُوعِ بَعْدَهُ، لأَنَّهُ يَكُونُ شَدِيدًا جِدًّا. 32وَأَمَّا عَنْ تَكْرَارِ الْحُلْمِ عَلَى فِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ، فَلأَنَّ الأَمْرَ مُقَرَّرٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ، وَاللهُ مُسْرِعٌ لِيَصْنَعَهُ.
 33«فَالآنَ لِيَنْظُرْ فِرْعَوْنُ رَجُلاً بَصِيرًا وَحَكِيمًا وَيَجْعَلْهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ. 34يَفْعَلْ فِرْعَوْنُ فَيُوَكِّلْ نُظَّارًا عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْخُذْ خُمْسَ غَلَّةِ أَرْضِ مِصْرَ فِي سَبْعِ سِنِي الشِّبَعِ، 35فَيَجْمَعُونَ جَمِيعَ طَعَامِ هذِهِ السِّنِينَ الْجَيِّدَةِ الْقَادِمَةِ، وَيَخْزِنُونَ قَمْحًا تَحْتَ يَدِ فِرْعَوْنَ طَعَامًا فِي الْمُدُنِ وَيَحْفَظُونَهُ. 36فَيَكُونُ الطَّعَامُ ذَخِيرَةً لِلأَرْضِ لِسَبْعِ سِنِي الْجُوعِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَلاَ تَنْقَرِضُ الأَرْضُ بِالْجُوعِ».
هكذا ما أوجزه القرآن الكريم في ست آيات بينات ذكرها العهد القديم في ست وثلاثين جملة  وهذا إطناب ممل لم يدل إلا على رجل يحكى لأبناءه حكاية في ليل شديد البرودة ورغبة منه في إطالة الوقت قدر المستطاع .

ومن الإطناب الذي لا طائل من ورائه أمور عديدة منها
-- لقد ذكروا انه " حدث بعد سنتين من الزمان " فأي سنتين وما هو التاريخ الذي  يؤرخون به ؟
-- ثم هل استدعى كل سحرة مصر وكم استغرق الوقت لجمعهم وهل أتوا جميعا من الجنوب الى الشمال ؟
-- وللمرة الثانية لم يدركوا الخطأ الذي ذكروا من قبل ألا وهو أن لقب الحاكم هنا " فرعون " رغم أنه " الملك " كما أوضحنا من قبل وهو خطأ تاريخي شديد الوضوح  ألم ينتبهوا اليه ؟ أم أن حياتهم تحت خدمة فرعون جعلتهم لا ينسون اسمه أبد الدهر ؟
-- كما ذكروا أن الساقي تذكر ما حدث له مع نبي الله يوسف في السجن من قبل ثم أعادوا ذكر الرؤيا مرة ثانية  فما الفائدة من تكرارها ؟  
-- ذكر كتبة العهد القديم انه بمجرد أن شرج الساقي الأمر لفرعون أمر بإحضاره على الفور  وهذا لم يحدث ولا يليق بنبي الله يوسف عليه السلام لأن نبي الله يوسف عليه السلام ليس ممن يطلبون الدنيا أو رضا الحاكم فما كان له أن يخرج دون التحقق من برأته .
-- كما لم يذكر العهد القديم شيئا عن ما مضى قبل دخول يوسف عليه السلام السجن  فأين امرأة العزيز وأين النسوة ؟ وأين برأة يوسف عليه السلام ؟ فلم يذكروا أن يوسف عليه السلام أصر على إثبات برأته قبل الخروج من السجن ورغم استدعاء الملك له .
-- ولذا كان لزاما علينا نحن المسلمين أن نعرض ما جاء به القرآن الكريم بهذا الخصوص لنبرئ ساحة نبي الله يوسف عملا بقول الحق سبحانه وتعالى {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }آل عمران187 ولنرى الفارق وبين القران الكريم وكيف حفظ للأنبياء مكانتهم وقدرهم بخلاف العهد القديم الذي أدان الأنبياء وأهانهم وقلل من قدرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله . 

فهيا نرى كيف كان تصرف الملك  وكذلك كيف تحدث القران الكريم عن المواقف التالية فقال جل وعلا
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ     حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }   يوسف51- 57
بعدما ذكر القرآن الكريم أن يوسف عليه السلام بذل ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط   ولا طلب الخروج سريعا كما زعم أهل الكتاب ً، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبّر لهم ما كان    من منام الملك الدّال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ     بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني   ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها.
فعبّر لهم. وعلى الخير دلّهم وأرشدهم، إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجَدْبِهم وما يفعلونه من ادّخار حبوب سني الخصب في السبع الأول في سنبله، إلاّ ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل. وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم .
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ  الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ* ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ* وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
-- القرآن الكريم وقدر الأنبياء ومكانتهم :-
لما أحاط الملك علماً بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام عقله ورأيه السُّدِّيد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته، ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرَّسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد انه حبس ظلماً وعدواناً،
وأنه بريء السَّاحة مما نسبوه إليه بهتاناً فــ{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}
 قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إليّ، أي فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد؟
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد و{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}.
فعند ذلك {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي زليخا: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}. أي: ظهر وتبيّن ووضح، والحق أحق أن يتبع {أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} أي فيما يقوله من أنه بريء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلماً وعدواناً وزوراً وبهتاناً.
وقوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب. وقيل إنه من تمام كلام زليخا، أي: إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.
وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم، ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول-.
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخا، وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم
ومن أهل العلم من يرى في تفسير قوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
لما ظهر للملك براءة عرض يوسف عليه السلام، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه قال {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي اجعله من خاصّتي ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلمّا كلمّه وسمع مقاله وتبين حاله :-
{قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي ذو مكانة وأمانة. {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأرض خشية حدوث الخلل فيما بعد مضي سبع سني الخصب، لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الإحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك إنه حفيظ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء ومصالح العباد .
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة . وعند أهل الكتاب أن فرعون عظّم يوسف عليه السلام جدّاً، وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه، وألبسه الحرير وطوّقه الذهب وحمله على مركبه الثاني، ونودي بين يديه، أنت ربُّ ومسلط، وقال له: لست أعظم منك إلا بالكرسي. قالوا: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته، وولاها يوسف. وقيل: إنه مات، زوَّجَهُ امرأتَهُ زليخا، فوجَدها عذراء لأن زوجها كان لا يأتي النساء، فولدت ليوسف عليه السلام رجلين، وهما:
إفرايم، ومنسى. قال: واستوثق ليوسف ملك مصر، وعمل فيهم بالعدل فأحبَّه الرجال والنساء.
وحكي أنَّ يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة، وفي كل ذلك يجاوبه بكل لغة منها، فأعجبه ذلك مع حداثة سنّهِ فالله أعلم.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر، {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي أين شاء حل منها مكرماً محسوداً معظماً.
{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} من أي هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن، مع ما يدّخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل.ولهذا قال: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.ويقال: إن قطفير زوج زليخا كان قد مات فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا فكان وزير صدق.
وذكر مُحَمْد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام والله أعلم. وقد قال بعضهم:
                     لا تيأسَنْ فالله ملّك يوسُفاً ** خزائنَه بعدَ الخلاصِ من ظلمة السِّجن
كيف عالج العهد القديم القضية ؟
والآن هيا بنا نرى كيف عالج العهد القديم القضية فقالوا :
- 37فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ. 38فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلاً فِيهِ رُوحُ اللهِ؟» 39ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «بَعْدَ مَا أَعْلَمَكَ اللهُ كُلَّ هذَا، لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ. 40أَنْتَ تَكُونُ عَلَى بَيْتِي، وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي إِلاَّ إِنَّ الْكُرْسِيَّ أَكُونُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْكَ».
41ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «انْظُرْ، قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ». 42وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ، وَوَضَعَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ، 43وَأَرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الْثَّانِيَةِ، وَنَادَوْا أَمَامَهُ «ارْكَعُوا». وَجَعَلَهُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. 44وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «أَنَا فِرْعَوْنُ. فَبِدُونِكَ لاَ يَرْفَعُ إِنْسَانٌ يَدَهُ وَلاَ رِجْلَهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».
45وَدَعَا فِرْعَوْنُ اسْمَ يُوسُفَ «صَفْنَاتَ فَعْنِيحَ»، وَأَعْطَاهُ أَسْنَاتَ بِنْتَ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ زَوْجَةً. فَخَرَجَ يُوسُفُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ. 46وَكَانَ يُوسُفُ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً لَمَّا وَقَفَ قُدَّامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَخَرَجَ يُوسُفُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَاجْتَازَ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ.
47وَأَثْمَرَتِ الأَرْضُ فِي سَبْعِ سِنِي الشِّبَعِ بِحُزَمٍ. 48فَجَمَعَ كُلَّ طَعَامِ السَّبْعِ سِنِينَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَجَعَلَ طَعَامًا فِي الْمُدُنِ. طَعَامَ حَقْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِي حَوَالَيْهَا جَعَلَهُ فِيهَا. 49وَخَزَنَ يُوسُفُ قَمْحًا كَرَمْلِ الْبَحْرِ، كَثِيرًا جِدًّا حَتَّى تَرَكَ الْعَدَدَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ.
50وَوُلِدَ لِيُوسُفَ ابْنَانِ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ سَنَةُ الْجُوعِ، وَلَدَتْهُمَا لَهُ أَسْنَاتُ بِنْتُ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ. 51وَدَعَا يُوسُفُ اسْمَ الْبِكْرِ «مَنَسَّى» قَائِلاً: «لأَنَّ اللهَ أَنْسَانِي كُلَّ تَعَبِي وَكُلَّ بَيْتِ أَبِي». 52وَدَعَا اسْمَ الثَّانِى «أَفْرَايِمَ» قَائِلاً: «لأَنَّ اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِرًا فِي أَرْضِ مَذَلَّتِي».
53ثُمَّ كَمِلَتْ سَبْعُ سِنِي الشِّبَعِ الَّذِي كَانَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 54وَابْتَدَأَتْ سَبْعُ سِنِي الْجُوعِ تَأْتِي كَمَا قَالَ يُوسُفُ، فَكَانَ جُوعٌ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ. وَأَمَّا جَمِيعُ أَرْضِ مِصْرَ فَكَانَ فِيهَا خُبْزٌ. 55وَلَمَّا جَاعَتْ جَمِيعُ أَرْضِ مِصْرَ وَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَجْلِ الْخُبْزِ، قَالَ فِرْعَوْنُ لِكُلِّ الْمِصْرِيِّينَ: «اذْهَبُوا إِلَى يُوسُفَ، وَالَّذِي يَقُولُ لَكُمُ افْعَلُوا». 56وَكَانَ الْجُوعُ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَفَتَحَ يُوسُفُ جَمِيعَ مَا فِيهِ طَعَامٌ وَبَاعَ لِلْمِصْرِيِّينَ. وَاشْتَدَّ الْجُوعُ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 57وَجَاءَتْ كُلُّ الأَرْضِ إِلَى مِصْرَ إِلَى يُوسُفَ لِتَشْتَرِيَ قَمْحًا، لأَنَّ الْجُوعَ كَانَ شَدِيدًا فِي كُلِّ الأَرْضِ "
 في هذا النص :
يذكر العهد القديم :-
-- أن  الحاكم جعل يوسف عليه السلام على كل أرض مصر وهذا غير صحيح وإنما جعله على خزائن الأرض بمثابة وزير المالية قي زماننا , والأمر لا يضيرنا في شئ أن يملك سيدنا يوسف الأرض كلها ولكن الذي نريد أن نبينه هنا هو ما يحاول بنوا إسرائيل تأصيله لأبنائهم بأنهم إن نزلوا بأرض ما فعليهم أن يمشوا فيها ويحصوها شبرا بشبركما قالوا أن يوسف اجتاز كل أرض مصر .
-- ثم  ما الفائدة التي تعود على القارئ من ذكر أنواع اللباس بهذا التفصيل  أم كان الأفضل والأهم من هذا هو أن يبذلوا ما استطاعوا من جهد ليظهروا برأة يوسف عليه السلام  .
-كما ذكروا أن يوسف عليه السلام أصبح له كل شئ وهذا هو المراد وهذا ما يريدونه  ليبينوا لأبنائهم بأنه أصبح سيدا حتى على بيت الحاكم وقلت سابقا إن هذا لا يضيرنا ونحن نؤمن بأن مكانة الأنبياء أعلى من أي مكانة أخرى ولكن ليس بهذا التأصيل الغريب
-- وذكروا أن فرعون أخبر يوسف بأن أحدا لا يستطيع أن يرفع قدم أو يمشى إلا بإذن  يوسف عليه السلام فكيف سيتم هذا الأمر وكيف يستطيع يوسف متابعة كل من يضع قدميه أو يرفعها ؟
- ذكروا أن يوسف عليه السلام سمي ابنه إفرايم  لأن الله جعله مثمرا في أرض مذلته فأين المذلة وقد أصبح له كل هذه السلطة وتلك المكانة ؟
- وهل جمع يوسف الطعام من أهل مصر طوال سبع سنين ليبيعه لهم في سنوات الجفاف  والجوع أليس هذا حقا لهم ؟



















                                  الباب الرابع
            زيارات إخوة يوسف عليه السلام لمصر
الزيارة الأولى:-
أولا : من القرآن الكريم :-
{وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ *وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ   ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ *فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ      فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ *قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ *وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ  عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ   أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ *قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ     مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ          وَكِيلٌ }يوسف58-66
في هذه الآيات الكريمة:-
-- يخبر الحق سبحانه وتعالى عن قدوم أخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية        يمتارون طعاماً، وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد.وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية ديناً ودنيا. فلما دخلوا عليه عرفهم         ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
-- وزعم بنوا إسرائيل أنه حين قدم إخوته عليه سجدوا له،والعجيب أنهم بهذا خالفوا ما تنبأ به أباهم يعقوب عليه السلام فيما بعد وأن السجود سيكون لأخيهم يهوذا كما سنبين فيما بعد إن شاء الله فعرفهم وأراد أن لا يعرفوه، وزادوا على يوسف عليه السلام فى العهد القديم فزعموا أنه أغلظ لهم في القول، وقال: أنتم جواسيس، جئتم لتأخذوا خير بلادي.
 فقالوا: معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا، ونحن بنوا أبٍ واحدٍ من كنعان، ونحن اثنا عشر رجلاً، ذهب منّا واحدٌ وصغيرنا عند أبينا. فقال: لا بد أن استعلم أمركم. وعندهم أنه حبسهم ثلاثة أيام، ثم أخرجهم وأحتبس شمعون  عنده ليأتوه بالأخ الآخر .
نعود للقرآن الكريم وقول الله تعالى {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي أعطاهم  من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كلّ إنسان حِمْلَ بعيرٍ لا يزيده عليه ثم {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم.
 فقالوا: كنا إثني عشر رجلاً، فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا، فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم.مبينا لهم عدله قائلا {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي قد أحسنت نزلكم وقِرَاكم، فرغَّبهم ليأتوه به، ثم رهّبهم إن لم يأتوه به فقال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِي} أي فلست أعطيكم ميرة، ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولاً.
فاجتهد في إحضاره معهم، ليبلِّ شوقه منه بالترغيب والترهيب{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن وأكدوا على ذلك بقولهم  {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أي وإنا لقادرون على تحصيله. ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي ما جاؤا به يتعوّضون به عن الميرة، في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم.
 وقيل: خشي أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية. وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الميرة.وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم ؛  يالها من رحمة  ليعلم بنوا إسرائيل ويروا بأعينهم    أن الأنبياء إنما هم رحمة من الله جل وعلا لعباده أرأيت كم آذوه إخوته وكادوا أن يفتكوا به لولا أن الله سلم ثم هو الآن يخشى أن تكون البضاعة التي آتوا بها إليه هي أخر ما عندهم فأشفق بهم وردها لهم .
ثم يذكر الحق سبحانه و تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي بعد عامنا  هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ  رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} أي: أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومَحْلِهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ} بسببه {كَيْلَ بَعِيرٍ}.
وبين الحق سبحانه وتعالى عن الكيل بقوله جل وعلا : {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي في مقابلة     ذهاب ولده الآخر.وكان يعقوب عليه السلام اضنّ شيء بولده بنيامين، لأنه كان يشمّ فيه  رائحة أخيه، ويتسلّى به  عنه، ويتعوض بسببه منه.فلهذا : {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلاّ أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}.
فهوا بهذا يؤكدّ المواثيق، ويقرّر العهود، ويحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حَذَرٌ من قَدَر. ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعثّ الولد العزيزَ، ولكنَّ الأقدار لها أحكام، والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم.  ثم أمرهم أبوهم أن لا يدخلوا المدينة من بابٍ واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة. قيل: أراد أن لا يصيبهم أحد بالعين وذلك لأنّهم كانوا أشكالاً حسنة، وصوراً بديعة. ، ولهذا قال: {وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}
الزيارة الأولى : من العهد القديم :-
هذا باختصار شديد ما كان عن الزيارة الأولى لإخوة يوسف عليه السلام وبداية الزيارة الثانية فيا ترى كيف تناول العهد القديم تلك الزيارة ؟ 
1فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: «لِمَاذَا تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟» 2وَقَالَ «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ. انْزِلُوا إِلَى هُنَاكَ وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هُنَاكَ لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ». 3فَنَزَلَ عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا مِنْ مِصْرَ. 4وَأَمَّا بَنْيَامِينُ أَخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ، لأَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ أَذِيَّةٌ»
5فَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ لِيَشْتَرُوا بَيْنَ الَّذِينَ أَتَوْا، لأَنَّ الْجُوعَ كَانَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 6وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ الْمُسَلَّطَ عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ الْبَائِعَ لِكُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ. فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ. 7وَلَمَّا نَظَرَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، فَتَنَكَّرَ لَهُمْ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟» فَقَالُوا: «مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا». 8وَعَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ9فَتَذَكَّرَ يُوسُفُ الأَحْلاَمَ الَّتِي حَلُمَ عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:
«جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ» 10فَقَالُوا لَهُ: «لاَ يَا سَيِّدِي، بَلْ عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. 11نَحْنُ جَمِيعُنَا بَنُو رَجُل وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ». 12فَقَالَ لَهُمْ: «كَلاَّ! بَلْ لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ». 13فَقَالُوا: «عَبِيدُكَ اثْنَا عَشَرَ أَخًا. نَحْنُ بَنُو رَجُل وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا الصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا الْيَوْمَ، وَالْوَاحِدُ مَفْقُودٌ». 14فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «ذلِكَ مَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ قَائِلاً: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ!
 15بِهذَا تُمْتَحَنُونَ. وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلاَّ بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ الصَّغِيرِ إِلَى هُنَا. 16أَرْسِلُوا مِنْكُمْ وَاحِدًا لِيَجِيءَ بِأَخِيكُمْ، وَأَنْتُمْ تُحْبَسُونَ، فَيُمْتَحَنَ كَلاَمُكُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ صِدْقٌ. وَإِلاَّ فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَجَوَاسِيسُ!». 17فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
18ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: «افْعَلُوا هذَا وَاحْيَوْا. أَنَا خَائِفُ اللهِ. 19إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ فَلْيُحْبَسْ أَخٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي بَيْتِ حَبْسِكُمْ، وَانْطَلِقُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا قَمْحًا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ. 20وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ الصَّغِيرَ إِلَيَّ، فَيَتَحَقَّقَ كَلاَمُكُمْ وَلاَ تَمُوتُوا». فَفَعَلُوا هكَذَا. 21وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هذِهِ الضِّيقَةُ». 22فَأَجَابَهُمْ رَأُوبَيْنُ قَائِلاً: «أَلَمْ أُكَلِّمْكُمْ قَائِلاً: لاَ تَأْثَمُوا بِالْوَلَدِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا؟ فَهُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ». 23وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسُفَ فَاهِمٌ؛ لأَنَّ التُّرْجُمَانَ كَانَ بَيْنَهُمْ. 24فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ شِمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ.
25ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ أَنْ تُمْلأَ أَوْعِيَتُهُمْ قَمْحًا، وَتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ، وَأَنْ يُعْطَوْا زَادًا لِلطَّرِيقِ. فَفُعِلَ لَهُمْ هكَذَا. 26فَحَمَلُوا قَمْحَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَمَضَوْا مِنْ هُنَاكَ. 27فَلَمَّا فَتَحَ أَحَدُهُمْ عِدْلَهُ لِيُعْطِيَ عَلِيقًا لِحِمَارِهِ فِي الْمَنْزِلِ، رَأَى فِضَّتَهُ وَإِذَا هِيَ فِي فَمِ عِدْلِهِ. 28فَقَالَ لإِخْوَتِهِ: «رُدَّتْ فِضَّتِي وَهَا هِيَ فِي عِدْلِي».فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ وَارْتَعَدُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَائِلِينَ: «مَا هذَا الَّذِي صَنَعَهُ اللهُ بِنَا؟».
29فَجَاءُوا إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُمْ قَائِلِينَ: 30«تَكَلَّمَ مَعَنَا الرَّجُلُ سَيِّدُ الأَرْضِ بِجَفَاءٍ، وَحَسِبَنَا جَوَاسِيسَ الأَرْضِ. 31فَقُلْنَا لَهُ: نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَسْنَا جَوَاسِيسَ. 32نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ أَخًا بَنُو أَبِينَا. الْوَاحِدُ مَفْقُودٌ وَالصَّغِيرُ الْيَوْمَ عِنْدَ أَبِينَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 33فَقَالَ لَنَا الرَّجُلُ سَيِّدُ الأَرْضِ: بِهذَا أَعْرِفُ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ. دَعُوا أَخًا وَاحِدًا مِنْكُمْ عِنْدِي، وَخُذُوا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ وَانْطَلِقُوا. 34وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ الصَّغِيرَ إِلَيَّ فَأَعْرِفَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَوَاسِيسَ، بَلْ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ، فَأُعْطِيَكُمْ أَخَاكُمْ وَتَتَّجِرُونَ فِي الأَرْضِ». 35وَإِذْ كَانُوا يُفَرِّغُونَ عِدَالَهُمْ إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ. فَلَمَّا رَأَوْا صُرَرَ فِضَّتِهِمْ هُمْ وَأَبُوهُمْ خَافُوا.
36فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «أَعْدَمْتُمُونِي الأَوْلاَدَ. يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشِمْعُونُ مَفْقُودٌ، وَبَنْيَامِينُ تَأْخُذُونَهُ. صَارَ كُلُّ هذَا عَلَيَّ». 37وَكَلَّمَ رَأُوبَيْنُ أَبَاهُ قَائِلاً: «اقْتُلِ ابْنَيَّ إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ. سَلِّمْهُ بِيَدِي وَأَنَا أَرُدُّهُ إِلَيْكَ». 38فَقَالَ: «لاَ يَنْزِلُ ابْنِي مَعَكُمْ، لأَنَّ أَخَاهُ قَدْ مَاتَ، وَهُوَ وَحْدَهُ بَاق. فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ».  يذكر العهد القديم العديد من الأمور الغريبة والتي لا يقبلها عقل ولا منطق منها :
-- ما هذا الذي يذكره العهد القديم ؟
  هل لا يعلم نبي الله يعقوب عليه السلام أن الأمر لله جل وعلا ( حاشاه ) لأنهم ذكروا على لسانه عليه السلام : 2وَقَالَ «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ. انْزِلُوا إِلَى هُنَاكَ وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هُنَاكَ لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ».لأنه من المستحيل أن يتصف الأنبياء بهذا القنوط وذلك اليأس وهم أولى الناس بالثقة بالله جل وعلا . 
-- هل كلم يوسف عليه السلام إخوته بهذا الجفاء ؟ وهو الذي يضرب به المثل في العفو والصفح الذي هو دائما خلق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم  .
-- ثم لماذا اتهمهم بأنهم جواسيس ؟ ألم يذكروا أنه المتسلط على أرض مصر وأنه الآمر الناهي أيعجزه أن يسيطر عليهم وأن يحاكمهم أو يطردهم إن شاء ؟ ثم ما فائدة ذكرهم أنه بكى بعد هذا الجفاء لأنهم قالوا :" فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى "
-- وهل يليق بنبي الله يوسف عليه السلام أن يقسم بحياة فرعون؟ لأنهم قالوا على لسانه " وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلاَّ بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ الصَّغِيرِ إِلَى هُنَا." والعجيب أنهم أعادوها مرة أخرى بقوله " وَإِلاَّ فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَجَوَاسِيسُ!».
-- وهل وصل الجفاء بيوسف عليه السلام أن يحبس اخوته حتى يجيئوا بأخيهم ولماذا ؟ ثم ذكروا أنه خاف من الله فأى خوف من الله إذن بعد حبسهم وإرهابهم ثلاثة أيام ؟  لأنهم قالوا "17فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.18ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: «افْعَلُوا هذَا وَاحْيَوْا. أَنَا خَائِفُ اللهِ. 19إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ فَلْيُحْبَسْ أَخٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي بَيْتِ حَبْسِكُمْ، ثم هل بيده الموت والحياة لدرجة تجعله يهددهم بقوله "20وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ الصَّغِيرَ إِلَيَّ، فَيَتَحَقَّقَ كَلاَمُكُمْ وَلاَ تَمُوتُوا"
-- يذكر العهد القديم أنه كان هناك ترجمان بين يوسف عليه السلام وبين إخوته فهل نسى لغة أهله حتى يصبح في حاجة إلى من يبين له لغتهم وهى التي نشأ وتربى عليها  .
-- ولماذا قيد أخيه أمام أعينهم وهو الذي يتصف بالرحمة ؟ إلا أن كتبة العهد القديم كيف تمر عليهم مثل هذه القصة ولا يدلون بدلوهم الخبيث فيها فهم   لم يجدوا ما يطعنوا به في نبي الله يوسف عليه السلام فقد شوهوا سيرة الأنبياء العظماء فتارة تركوه دون أن يبرؤا ساحته مما ألصقته به امرأة العزيز وهم الآن يتهمونه بأنه قام بتقييد أخيه و أمام أعين اخوته ؟
-- ثم أى حمير هذه التى تسير من فلسطين إلى مصر؟ وهل تصلح الحمر لهذه الرحلة الطويلة ؟  وإلى السير في الصحراء ؟
-- وماذا عن البضاعة التي ردها لهم يوسف عليه السلام ؟
 تارة يقولون أنهم عثروا عليها في المنزل وتارة يقولون أن أحدهم عثر عليه وعرفها وهم فى الطريق لأنهم قالوا " 25ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ أَنْ تُمْلأَ أَوْعِيَتُهُمْ قَمْحًا، وَتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ، وَأَنْ يُعْطَوْا زَادًا لِلطَّرِيقِ. فَفُعِلَ لَهُمْ هكَذَا. 26فَحَمَلُوا قَمْحَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَمَضَوْا مِنْ هُنَاكَ. 27فَلَمَّا فَتَحَ أَحَدُهُمْ عِدْلَهُ لِيُعْطِيَ عَلِيقًا لِحِمَارِهِ فِي الْمَنْزِلِ، رَأَى فِضَّتَهُ وَإِذَا هِيَ فِي فَمِ عِدْلِهِ. 28فَقَالَ لإِخْوَتِهِ: «رُدَّتْ فِضَّتِي وَهَا هِيَ فِي عِدْلِي».
فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ وَارْتَعَدُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَائِلِينَ: «مَا هذَا الَّذِي صَنَعَهُ اللهُ بِنَا؟». فهذا يعنى أنهم راؤها وارتعدت قلوبهم كما قالوا ولكن ماذا تعني هذه العبارة " 35وَإِذْ كَانُوا يُفَرِّغُونَ عِدَالَهُمْ إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ. فَلَمَّا رَأَوْا صُرَرَ فِضَّتِهِمْ هُمْ وَأَبُوهُمْ خَافُوا."
يزعمون أن نبي الله يعقوب قال "أَعْدَمْتُمُونِي الأَوْلاَدَ."
يذكر العهد القديم انه حين أخبروا أبيهم بما حدث فإذا به يتلفظ بألفاظ لا تليق بنبي أنظر ماذا قال حين أخبروه قال " أَعْدَمْتُمُونِي الأَوْلاَدَ." ثم ما جدوى أن يتوعد يعقوب عليه السلام بقتل ابن راؤبين إن لم يعد بابنه بنيامين ؟
 ثم ماذا عن قوله  38: «لاَ يَنْزِلُ ابْنِي مَعَكُمْ، لأَنَّ أَخَاهُ قَدْ مَاتَ، وَهُوَ وَحْدَهُ بَاق. فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ».  وهل لا يعلم نبي الله يعقوب إلى الآن بأن ابنه يوسف عليه السلام على قيد الحياة  ؟ نعم فهوا لم يعلم الغيب ولكنها نور النبوة بدليل أنه أرسلهم فيما بعد ليبحثوا عن أخيهم يوسف عليه السلام .
 ثم لم يترك العهد القديم للقدر نصيبا فماذا يفعلون إن حدثت لهم كارثة أو أمرا خارجا عن إرادتهم في الطريق ؟ وهنا تضح عظمة القرآن الكريم الذي يضع الأمور في نصابها كما سنرى الآن ونحن نعرض باقي القصة من القرآن الكريم .
الزيارة الثانية من القرآن الكريم:-
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ *وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ    أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ      لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ     أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ *فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ        السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ* قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ               عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ *قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ*قَالُوا   ْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ* قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ*قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ* فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ   قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ* قَالُواْ إِن يَسْرِقْ    فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ    بِمَا تَصِفُونَ* قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ* قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـا إِذاً لَّظَالِمُونَ* فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ* ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ* وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ* قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ*قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ* قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يوسف{67-86}
نلحظ من الآية الكريمة العديد من المحاسن ومنها :
أولا : نبي الله يعقوب عليه السلام بين الحذر والرجاء:-
بينا ما ذكره الحق سبحانه وتعالى وما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} أي: أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومَحْلِهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ} بسببه {كَيْلَ بَعِيرٍ}.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر.
وقلنا بأن يعقوب عليه السلام كان قد اضنّ شيء بولده بنيامين، لأنه كان يشمّ فيه رائحة أخيه، ويتسلّى به عنه، ويتعوض بسببه منه.فلهذا {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}
وهنا كما قلت لك عزيزي القارئ انه بعد أن شدد عليهم ترك القرآن الكريم مجالا للقدر الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فوفق الحق سبحانه وتعالى نبيه يعقوب لهذه المسألة ؛ فقال تعالى على لسان نبي الله يعقوب" إلا أن يحاط بكم " وهذا شأن الحكماء فذكر لهم ذلك : أي إلاّ أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}.
ولهذا قال: {وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}.
وقال تعالى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
وعند أهل الكتاب: أنه بعث معهم هدية إلى العزيز، من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل، وأخذوا الدّراهم الأولى، وعوضاً آخر.
ثانيا : لقاء وحنين ورغبة في إبقاءه أخيه معه:-
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف عليه السلام  وإيوائه إليه وإخباره له سرّاً عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاّه عما كان منهم من الإساءة إليه. ثم هداه الله جل وعلا إلى فكرة رائعة على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته. وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام، عن غرة في متاع بنيامين. ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدهم بأن يعطيهم على ردِّه حِمْل بعير، وضمّنه المنادي لهم،
 فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لهم: فــ{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا له من   السّرقة.{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إلى المسروق منه ولهذا قالوا: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
ولكي تكمل الخطة قال الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} ليكون ذلك أبعد للتهمة، وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي لولا اعترافهم بأنّ جزاءه {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
وذلك لأنّ يوسف عليه السلام كان أعلم منهم، وأتم رأياً، وأقوى عزماً وحزماً، وإنما فعل ما فعل عن أمر الله سبحانه وتعالى له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك، من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه.
ثالثا : إخوة يوسف عليه السلام كما هم :-
فلما عاينوا استخراج الصّواع من حمل بنيامين {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون يوسف عليه السلام . قيل كان قد سرق صنم جدّه، أبي أمه، فكسره. وقيل: كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه، وهو صغير، "منطقة" كانت لإسحاق، ثم استخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندها، وفي حضانتها لمحبتها له. وقيل: كان يأخذ الطّعام من البيت فيطعمه الفقراء. وقيل: غير ذلك. فلهذا {قَالُوا إِنْ يَسْر ِفقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}.
 وقوله {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم سرّاً لا جهراً، حلماً وكرماً وصفحاً وعفواً، فدخلوا معه في الترفق والتعطف، فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ  أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا      إِذاً لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء. هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ   من وجدنا متاعنا عنده.وعند أهل الكتاب: أن يوسف تعرّف إليهم حينئذ وهذا مما أخطأوا فيه ولم يفهموه جيّداً.
رابعا : الصبر الجميل وأنوار النبوة:-
ثم ذكر القرآن الكريم عنهم بقول الله جل وعلا {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ  * وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا   الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}.
وهنا تبدأ الزيارة الثالثة من القرآن الكريم:  فيقول تعالى مخبراً عنهم: إنهم لما استيأسوا من أخذ أخيهم منه خلصُوا يتناجون فيما بينهم، حينها  قال كبيرهم، وهو رؤبين: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ} . لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} أي لا أزال مقيماً ها هنا {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدّرني على ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
ثم قال {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي أخبروه بما رأيتم من الأمر في الظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}. أي فإن هذا الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا، لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
إلا أن  نبي الله يعقوب عليه السلام {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له، ولا {هو} خلقه، وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}.قال ابن إسحاق وغيره: لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتباً على صنيعهم في يوسف، قال لهم ما قال، وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها!.
ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً}. يعني يوسف وبنيامين وروبيل {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي أن الله سبحانه وتعالى العليم بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة {الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة.{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن بنيه { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً،
          كما قال بعضهم:
             نقّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ منَ الهوى ** ما الحبّ إلاّ لِلحبيبِ الأوّلِ
        وقال آخر:
            لَقَدْ لاَمَني عندَ القُبورِ عَلى البُكا ** رَفيقي لتذْرافِ الدّموعِ السّـوافكِ
            فقالَ: أتبكي كلّ قبر رأيـــته ** لقبرٍ ثــوى بينَ اللّوى فالدكادِكِ
            فقلتُ له: إن الأَسى يبعثُ الأسـى ** فَدعْني فهذَا كـلّهُ قبرُ مــالِكِ
وقوله: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} أي من كثرة البكاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف عليه السلام . فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق   {قَالُوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه {تَا للَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ}.
يقولون: لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك، وتضعف قوّتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك.
إلا أنه {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فكأنه يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس، ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل، واعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى، ولهذا قال: {وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.هذا ما كان من القرآن الكريم بإسلوب يسير مبسط يفهمه كل من يقرأه فهيا بنا نرى ما ذكره العهد القديم عن باقي الزيارات
الزيارة الثالثة من العهد القديم :-
1وَكَانَ الْجُوعُ شَدِيدًا فِي الأَرْضِ. 2وَحَدَثَ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَكْلِ الْقَمْحِ الَّذِي جَاءُوا بِهِ مِنْ مِصْرَ، أَنَّ أَبَاهُمْ قَالَ لَهُمُ: «ارْجِعُوا اشْتَرُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ». 3فَكَلَّمَهُ يَهُوذَا قَائِلاً: «إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَيْنَا قَائِلاً: لاَ تَرَوْنَ وَجْهِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ. 4إِنْ كُنْتَ تُرْسِلُ أَخَانَا مَعَنَا، نَنْزِلُ وَنَشْتَرِي لَكَ طَعَامًا، 5وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ لاَ تُرْسِلُهُ لاَ نَنْزِلُ. لأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَنَا: لاَ تَرَوْنَ وَجْهِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ».
6فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «لِمَاذَا أَسَأْتُمْ إِلَيَّ حَتَّى أَخْبَرْتُمُ الرَّجُلَ أَنَّ لَكُمْ أَخًا أَيْضًا؟» 7فَقَالُوا: «إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَ عَنَّا وَعَنْ عَشِيرَتِنَا، قَائِلاً: هَلْ أَبُوكُمْ حَيٌّ بَعْدُ؟ هَلْ لَكُمْ أَخٌ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ بِحَسَبِ هذَا الْكَلاَمِ. هَلْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ: انْزِلُوا بِأَخِيكُمْ؟».8وَقَالَ يَهُوذَا لإِسْرَائِيلَ أَبِيهِ: «أَرْسِلِ الْغُلاَمَ مَعِي لِنَقُومَ وَنَذْهَبَ وَنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ، نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَوْلاَدُنَا جَمِيعًا. 9أَنَا أَضْمَنُهُ. مِنْ يَدِي تَطْلُبُهُ. إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ وَأُوقِفْهُ قُدَّامَكَ، أَصِرْ مُذْنِبًا إِلَيْكَ كُلَّ الأَيَّامِ. 10لأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَتَوَانَ لَكُنَّا قَدْ رَجَعْنَا الآنَ مَرَّتَيْنِ».
11فَقَالَ لَهُمْ إِسْرَائِيلُ أَبُوهُمْ: «إِنْ كَانَ هكَذَا فَافْعَلُوا هذَا: خُذُوا مِنْ أَفْخَرِ جَنَى الأَرْضِ فِي أَوْعِيَتِكُمْ، وَأَنْزِلُوا لِلرَّجُلِ هَدِيَّةً. قَلِيلاً مِنَ الْبَلَسَانِ، وَقَلِيلاً مِنَ الْعَسَلِ، وَكَثِيرَاءَ وَلاَذَنًا وَفُسْتُقًا وَلَوْزًا. 12وَخُذُوا فِضَّةً أُخْرَى فِي أَيَادِيكُمْ. وَالْفِضَّةَ الْمَرْدُودَةَ فِي أَفْوَاهِ عِدَالِكُمْ رُدُّوهَا فِي أَيَادِيكُمْ، لَعَلَّهُ كَانَ سَهْوًا. 13وَخُذُوا أَخَاكُمْ وَقُومُوا ارْجِعُوا إِلَى الرَّجُلِ. 14وَاللهُ الْقَدِيرُ يُعْطِيكُمْ رَحْمَةً أَمَامَ الرَّجُلِ حَتَّى يُطْلِقَ لَكُمْ أَخَاكُمُ الآخَرَ وَبَنْيَامِينَ. وَأَنَا إِذَا عَدِمْتُ الأَوْلاَدَ عَدِمْتُهُمْ».
أتذكر عزيزي القارئ أنهم في الفقرة السابقة ذكروا أن الابن الأكبر هو الذي تكفل بهذا الأمر فقالوا : 37وَكَلَّمَ رَأُوبَيْنُ أَبَاهُ قَائِلاً: «اقْتُلِ ابْنَيَّ إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ. سَلِّمْهُ بِيَدِي وَأَنَا أَرُدُّهُ إِلَيْكَ». أما الآن فيذكرون أن يهوذا هو الذي طلب الولد مع أن العرض الذي قدمه اقل بكثير من الأول فقالوا : .8وَقَالَ يَهُوذَا لإِسْرَائِيلَ أَبِيهِ: «أَرْسِلِ الْغُلاَمَ مَعِي لِنَقُومَ وَنَذْهَبَ وَنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ، نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَوْلاَدُنَا جَمِيعًا. 9أَنَا أَضْمَنُهُ. مِنْ يَدِي تَطْلُبُهُ. إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ وَأُوقِفْهُ قُدَّامَكَ، أَصِرْ مُذْنِبًا إِلَيْكَ كُلَّ الأَيَّامِ. 
وبينوا أن سبب هذا إنما هو الجوع الذي حل بهم فقالوا : 10لأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَتَوَانَ لَكُنَّا قَدْ رَجَعْنَا الآنَ مَرَّتَيْنِ».فهنا اتهم يهوذا أبيه بأنه هو سبب تأخيرهم فلولا ذلك لذهبوا إلى مصر مرتين وأصبح لديهم الخير الكثير ومن ثم لم يتردد نبي الله يعقوب فى زعمهم فى إرسال ابنه معهم  وحال لسانهم يقول إن جلب المال أولى وأهم من الأبناء فليأخذوا أخاهم وليكن ما يكون .
والعجيب هو كذبهم الذي لم يتخلوا عنه ولو لمرة واحدة بالله عليك هل بادرهم يوسف عليه السلام بالسؤال عنهم وعن أهليهم ؟  أم هم الذين حكوا له كل شئ بالتفصيل دون طلب منه عليه السلام ؟ وأذكرك عزيزي القارئ بالنصين :
الأول: -
من الفقرة السابقة الذي قالوا فيه " 8وَعَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ9فَتَذَكَّرَ يُوسُفُ الأَحْلاَمَ الَّتِي حَلُمَ عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ» 10فَقَالُوا لَهُ: «لاَ يَا سَيِّدِي، بَلْ عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. 11نَحْنُ جَمِيعُنَا بَنُو رَجُل وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ». 12فَقَالَ لَهُمْ: «كَلاَّ! بَلْ لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ». 13فَقَالُوا: «عَبِيدُكَ اثْنَا عَشَرَ أَخًا. نَحْنُ بَنُو رَجُل وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا الصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا الْيَوْمَ، وَالْوَاحِدُ مَفْقُودٌ». 14فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «ذلِكَ مَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ قَائِلاً: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! 15بِهذَا تُمْتَحَنُونَ. وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلاَّ بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ الصَّغِيرِ إِلَى هُنَا.
والنص الثانى : -
فى الفقرة التى بين ايدينا  هو قولهم لابيهم : 6فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «لِمَاذَا أَسَأْتُمْ إِلَيَّ حَتَّى أَخْبَرْتُمُ الرَّجُلَ أَنَّ لَكُمْ أَخًا أَيْضًا؟» 7فَقَالُوا: «إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَ عَنَّا وَعَنْ عَشِيرَتِنَا، قَائِلاً: هَلْ أَبُوكُمْ حَيٌّ بَعْدُ؟ هَلْ لَكُمْ أَخٌ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ بِحَسَبِ هذَا الْكَلاَمِ. هَلْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ: انْزِلُوا بِأَخِيكُمْ؟».
ثم ما هي الإساءة التي ستحل بنبي الله يعقوب عليه السلام حين يعلم به ابنه نبي الله يوسف عليه السلام  ؟   
ثم ذكروا أن الجوع قد حل بالأرض وأنهم حزنوا على التأخير فأنى لهم هذه الفضة التى حملوها معهم والهدايا الثمينة والثمار وأجود زروع الأرض؟
وللمرة الثانية يصورون نبي الله يعقوب بعدم ثقته بالله وكم هو قانط  فقالوا في النص السابق "  36فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «أَعْدَمْتُمُونِي الأَوْلاَدَ " وفى هذا النص قالوا أيضا على لسانه " وَأَنَا إِذَا عَدِمْتُ الأَوْلاَدَ عَدِمْتُهُمْ».
على أية حال نكمل القصة من العهد القديم: فبعد موافقة أبيهم قالوا : 15فَأَخَذَ الرِّجَالُ هذِهِ الْهَدِيَّةَ، وَأَخَذُوا ضِعْفَ الْفِضَّةِ فِي أَيَادِيهِمْ، وَبَنْيَامِينَ، وَقَامُوا وَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ وَوَقَفُوا أَمَامَ يُوسُفَ. 16فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ بَنْيَامِينَ مَعَهُمْ، قَالَ لِلَّذِي عَلَى بَيْتِهِ: «أَدْخِلِ الرِّجَالَ إِلَى الْبَيْتِ وَاذْبَحْ ذَبِيحَةً وَهَيِّئْ، لأَنَّ الرِّجَالَ يَأْكُلُونَ مَعِي عَِنْدَ الظُّهْرِ». 17فَفَعَلَ الرَّجُلُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ. وَأَدْخَلَ الرَّجُلُ الرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ.
18فَخَافَ الرِّجَالُ إِذْ أُدْخِلُوا إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ، وَقَالُوا: «لِسَبَبِ الْفِضَّةِ الَّتِي رَجَعَتْ أَوَّلاً فِي عِدَالِنَا نَحْنُ قَدْ أُدْخِلْنَا لِيَهْجِمَ عَلَيْنَا وَيَقَعَ بِنَا وَيَأْخُذَنَا عَبِيدًا وَحَمِيرَنَا». 19فَتَقَدَّمُوا إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي عَلَى بَيْتِ يُوسُفَ، وَكَلَّمُوهُ فِي بَابِ الْبَيْتِ 20وَقَالُوا: «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي، إِنَّنَا قَدْ نَزَلْنَا أَوَّلاً لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. 21وَكَانَ لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ أَنَّنَا فَتَحْنَا عِدَالَنَا، وَإِذَا فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي فَمِ عِدْلِهِ. فِضَّتُنَا بِوَزْنِهَا. فَقَدْ رَدَدْنَاهَا فِي أَيَادِينَا. 22وَأَنْزَلْنَا فِضَّةً أُخْرَى فِي أَيَادِينَا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. لاَ نَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ فِضَّتَنَا فِي عِدَالِنَا».
23فَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمْ، لاَ تَخَافُوا. إِلهُكُمْ وَإِلهُ أَبِيكُمْ أَعْطَاكُمْ كَنْزًا فِي عِدَالِكُمْ. فِضَّتُكُمْ وَصَلَتْ إِلَيَّ». ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيْهِمْ شِمْعُونَ. 24وَأَدْخَلَ الرَّجُلُ الرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَأَعْطَاهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَأَعْطَى عَلِيقًا لِحَمِيرِهِمْ. 25وَهَيَّأُوا الْهَدِيَّةَ إِلَى أَنْ يَجِيءَ يُوسُفُ عَِنْدَ الظُّهْرِ، لأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُمْ هُنَاكَ يَأْكُلُونَ طَعَامًا.


للمرة الثانية يذكرون أن هديتهم كانت مضاعفة فمن أين الهدية ؟ ومن أين أتوا بضعف الفضة والتي ما ردها إليهم يوسف عليه السلام إلا لعلمه من الله جل وعلا أن حالهم يرثى له وأنهم بحاجة ماسة إليها فقد لا يمتلكون غيرها إن أرادوا أن تسير حياتهم من بيع وشراء وانتقال من مكان إلى أخر .
رغم أنهم في النص السابق قالوا أنهم عرفوا بأمر الفضة التي ردها يوسف عليه السلام إليهم وهم في الطريق إلا أنهم الآن اعترفوا بأنهم لم يروا الفضة إلا في المنزل فلو عرفوها فى الطريق لعادوا بها إلى القصر . ثم قالوا وهم يكملون بقية القصة : -
26فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى الْبَيْتِ أَحْضَرُوا إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي فِي أَيَادِيهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ. 27فَسَأَلَ عَنْ سَلاَمَتِهِمْ، وَقَالَ: «أَسَالِمٌ أَبُوكُمُ الشَّيْخُ الَّذِي قُلْتُمْ عَنْهُ؟ أَحَيٌّ هُوَ بَعْدُ؟» 28فَقَالُوا: «عَبْدُكَ أَبُونَا سَالِمٌ. هُوَ حَيٌّ بَعْدُ». وَخَرُّوا وَسَجَدُوا.
29فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ بَنْيَامِينَ أَخَاهُ ابْنَ أُمِّهِ، وَقَالَ: «أَهذَا أَخُوكُمُ الصَّغِيرُ الَّذِي قُلْتُمْ لِي عَنْهُ؟» ثُمَّ قَالَ: «اللهُ يُنْعِمُ عَلَيْكَ يَا ابْنِي». 30وَاسْتَعْجَلَ يُوسُفُ لأَنَّ أَحْشَاءَهُ حَنَّتْ إِلَى أَخِيهِ وَطَلَبَ مَكَانًا لِيَبْكِيَ، فَدَخَلَ الْمَخْدَعَ وَبَكَى هُنَاكَ.
31ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَخَرَجَ وَتَجَلَّدَ، وَقَالَ: «قَدِّمُوا طَعَامًا». 32فَقَدَّمُوا لَهُ وَحْدَهُ، وَلَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَلِلْمِصْرِيِّينَ الآكِلِينَ عِنْدَهُ وَحْدَهُمْ، لأَنَّ الْمِصْرِيِّينَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامًا مَعَ الْعِبْرَانِيِّينَ، لأَنَّهُ رِجْسٌ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ. 33فَجَلَسُوا قُدَّامَهُ: الْبِكْرُ بِحَسَبِ بَكُورِيَّتِهِ، وَالصَّغِيرُ بِحَسَبِ صِغَرِهِ، فَبُهِتَ الرِّجَالُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
 34وَرَفَعَ حِصَصًا مِنْ قُدَّامِهِ إِلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حِصَّةُ بَنْيَامِينَ أَكْثَرَ مِنْ حِصَصِ جَمِيعِهِمْ خَمْسَةَ أَضْعَافٍ. وَشَرِبُوا وَرَوُوا مَعَهُ. 1ثُمَّ أَمَرَ الَّذِي عَلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «امْلأْ عِدَالَ الرِّجَالِ طَعَامًا حَسَبَ مَا يُطِيقُونَ حِمْلَهُ، وَضَعْ فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي فَمِ عِدْلِهِ. 2وَطَاسِي، طَاسَ الْفِضَّةِ، تَضَعُ فِي فَمِ عِدْلِ الصَّغِيرِ، وَثَمَنَ قَمْحِهِ». فَفَعَلَ بِحَسَبِ كَلاَمِ يُوسُفَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ. 3فَلَمَّا أَضَاءَ الصُّبْحُ انْصَرَفَ الرِّجَالُ هُمْ وَحَمِيرُهُمْ. 4وَلَمَّا كَانُوا قَدْ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْتَعِدُوا، قَالَ يُوسُفُ لِلَّذِي عَلَى بَيْتِهِ: «قُمِ اسْعَ وَرَاءَ الرِّجَالِ، وَمَتَى أَدْرَكْتَهُمْ فَقُلْ لَهُمْ: لِمَاذَا جَازَيْتُمْ شَرًّا عِوَضًا عَنْ خَيْرٍ؟ 5أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ سَيِّدِي فِيهِ؟ وَهُوَ يَتَفَاءَلُ بِهِ. أَسَأْتُمْ فِي مَا صَنَعْتُمْ».
من شابه أباه فما ظلم :-
أنظر إلى  الآباء من بنى إسرائيل وكيف يتصرفون إن أرادوا شيئا فهم يذكرون أنهم سجدوا مرتين : مرة عند دخول يوسف عليه السلام عليهم  ومرة حين سألهم عن أبيهم  والعجيب أنهم  يأخذون على القرآن الكريم قول الحق سبحانه وتعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا " وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها زاعمين أن القرآن الكريم جعل مع الله سبحانه وتعالى آلهة أخرى . ونحن لا نرد عليهم فيكفهم هذا النص لأنه إن وافقوا على سجودهم لأخيهم وهو ابن من أبناء آدم عليه السلام فلا حرج إذن أن تسجد الملائكة لأبيهم وأبينا آدم عليه السلام استجابة لأمر الله جل وعلا ولم يكن تعظيما لآدم عليه السلام كم فعلوا هم لأخيهم يوسف عليه السلام .
لماذا طلب يوسف عليه السلام مكانا ليبكى فيه ؟
هل عرف يوسف عليه السلام  اخوته من قبل ولم يتعرف على أخيه الذي طلب رؤيته ؟ ثم  هل استطاع أن يكتم البكاء إلى أن وصل إلى المخدع ؟ولماذا طلب مكانا ليبكى فيه ؟ وهل يبكى الأنبياء في مثل هذه المواقف أم يفرحون ويحمدون الله جل وعلا أن اقترب جمع الشمل ؟ ولكنها عادة بنى إسرائيل فهم إن أرادوا شيئا جعلوه هو راس الأمر كله بل وملاؤا الدنيا ضجيجا وعويلا إلى أن  يمل العالم منهم ويعطهم ما يبكون من اجله فهم أصحاب المبدأ الغريب  " الغاية تبرر الوسيلة ".
ثم منذ متى واكل العبرانيين نجس ورجس عند المصريين أو غيرهم وإنما ذكروا ذلك ليبينوا       لابناءهم أنهم وآباءهم لم يكن لهم قدر عند المصريين ومن ثم فينبغي أن يكن أبناء بنى إسرائيل للمصريين وغيرهم من الحقد والغل قدرا يرد لآبائهم وأجدادهم حقهم .
ويا ترى ما هو حجم معدة أخيهم بنيامين حتى يأكل خمسة أضعاف ما أمامهم من الطعام؟  ثم ذكروا انه  بعد خروجهم من عند نبي الله يوسف عليه السلام  بفترة أرسل إليهم من يبلغهم بأنهم أساؤا اليه حين أخذوا الكأس التي يشرب فيها فيا ترى ماذا حدث لهم ؟ هذا ما نعرفه الآن

فقالوا : -
6فَأَدْرَكَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هذَا الْكَلاَمَ. 7فَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ سَيِّدِي مِثْلَ هذَا الْكَلاَمِ؟ حَاشَا لِعَبِيدِكَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ هذَا الأَمْرِ! 8هُوَذَا الْفِضَّةُ الَّتِي وَجَدْنَا فِي أَفْوَاهِ عِدَالِنَا رَدَدْنَاهَا إِلَيْكَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. فَكَيْفَ نَسْرِقُ مِنْ بَيْتِ سَيِّدِكَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا؟ 9الَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِكَ يَمُوتُ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَكُونُ عَبِيدًا لِسَيِّدِي». 10فَقَالَ: «نَعَمِ، الآنَ بِحَسَبِ كَلاَمِكُمْ هكَذَا يَكُونُ. الَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ يَكُونُ لِي عَبْدًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ». 11فَاسْتَعْجَلُوا وَأَنْزَلُوا كُلُّ وَاحِدٍ عِدْلَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَفَتَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عِدْلَهُ. 12فَفَتَّشَ مُبْتَدِئًا مِنَ الْكَبِيرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الصَّغِيرِ، فَوُجِدَ الطَّاسُ فِي عِدْلِ بَنْيَامِينَ. 13فَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ وَحَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِمَارِهِ وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ.
14فَدَخَلَ يَهُوذَا وَإِخْوَتُهُ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَهُوَ بَعْدُ هُنَاكَ، وَوَقَعُوا أَمَامَهُ عَلَى الأَرْضِ. 15فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «مَا هذَا الْفَِعْلُ الَّذِي فَعَلْتُمْ؟ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَجُلاً مِثْلِي يَتَفَاءَلُ؟» 16فَقَالَ يَهُوذَا: «مَاذَا نَقُولُ لِسَيِّدِي؟ مَاذَا نَتَكَلَّمُ؟ وَبِمَاذَا نَتَبَرَّرُ؟ اللهُ قَدْ وَجَدَ إِثْمَ عَبِيدِكَ. هَا نَحْنُ عَبِيدٌ لِسَيِّدِي، نَحْنُ وَالَّذِي وُجِدَ الطَّاسُ فِي يَدِهِ جَمِيعًا». 17فَقَالَ: «حَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ هذَا! الرَّجُلُ الَّذِي وُجِدَ الطَّاسُ فِي يَدِهِ هُوَ يَكُونُ لِي عَبْدًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاصْعَدُوا بِسَلاَمٍ إِلَى أَبِيكُمْ».
من أين جاء إخوة يوسف بهذا الحكم  ألا وهو " 9الَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِكَ يَمُوتُ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَكُونُ عَبِيدًا لِسَيِّدِي».فهذا حكم غريب يذكرنا بما قالوه  فى العهد القديم فى سفر التكوين عن الحق سبحانه وتعالى انه قال لآدم عليه السلام 15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».
و أكل آدم من الشجرة ولم يمت فقالوا  على لسان الحية "4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا!     
والعجيب هي العبارة التي بعدها : هو تغير الكلام ؛ إما أنه لم يسمع , أم انه لم يصدقهم , أم انه شعر منهم بأنهم إنما يريدوا التخلص ممن يجدون معه هذا الكأس ؟ ولذا " َقَالَ: «نَعَمِ، الآنَ بِحَسَبِ كَلاَمِكُمْ هكَذَا يَكُونُ. الَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ يَكُونُ لِي عَبْدًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ». وهل هذا هو حسب كلامهم ؟!!!!!!!!!   
وما ذنب الثياب ؟
ثم ماذا عن تمزيق الثياب ؟ هل هي حرفة ؟ لأننا بين الحين والأخر نراهم يمزقون ثيابهم فذكروا أن نبي الله يعقوب عليه السلام مزق ثيابه من قبل والآن يذكرون أن أبناءه قاموا بتمزيق ثيابهم رغم أنهم أصبحوا غير مذنبين  ؟ ثم ذكروا حديثا طويلا بين يهوذا ويوسف عليه السلام فقالوا :
18ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَهُوذَا وَقَالَ: «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي. لِيَتَكَلَّمْ عَبْدُكَ كَلِمَةً فِي أُذُنَيْ سَيِّدِي وَلاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَى عَبْدِكَ، لأَنَّكَ مِثْلُ فِرْعَوْنَ. 19سَيِّدِي سَأَلَ عَبِيدَهُ قَائِلاً: هَلْ لَكُمْ أَبٌ أَوْ أَخٌ؟ 20فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: لَنَا أَبٌ شَيْخٌ، وَابْنُ شَيْخُوخَةٍ صَغِيرٌ، مَاتَ أَخُوهُ وَبَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ لأُمِّهِ، وَأَبُوهُ يُحِبُّهُ. 21فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: انْزِلُوا بِهِ إِلَيَّ فَأَجْعَلَ نَظَرِي عَلَيْهِ.
 22فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: لاَ يَقْدِرُ الْغُلاَمُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ، وَإِنْ تَرَكَ أَبَاهُ يَمُوتُ. 23فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: إِنْ لَمْ يَنْزِلْ أَخُوكُمُ الصَّغِيرُ مَعَكُمْ لاَ تَعُودُوا تَنْظُرُونَ وَجْهِي. 24فَكَانَ لَمَّا صَعِدْنَا إِلَى عَبْدِكَ أَبِي أَنَّنَا أَخْبَرْنَاهُ بِكَلاَمِ سَيِّدِي. 25ثُمَّ قَالَ أَبُونَا: ارْجِعُوا اشْتَرُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ. 26فَقُلْنَا: لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْزِلَ، وَإِنَّمَا إِذَا كَانَ أَخُونَا الصَّغِيرُ مَعَنَا نَنْزِلُ، لأَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْظُرَ وَجْهَ الرَّجُلِ وَأَخُونَا الصَّغِيرُ لَيْسَ مَعَنَا.
27فَقَالَ لَنَا عَبْدُكَ أَبِي: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ لِي اثْنَيْنِ، 28فَخَرَجَ الْوَاحِدُ مِنْ عِنْدِي، وَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ قَدِ افْتُرِسَ افْتِرَاسًا، وَلَمْ أَنْظُرْهُ إِلَى الآنَ. 29فَإِذَا أَخَذْتُمْ هذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِ وَجْهِي وَأَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ، تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِشَرّ إِلَى الْهَاوِيَةِ. 30فَالآنَ مَتَى جِئْتُ إِلَى عَبْدِكَ أَبِي، وَالْغُلاَمُ لَيْسَ مَعَنَا، وَنَفْسُهُ مُرْتَبِطَةٌ بِنَفْسِهِ، 31يَكُونُ مَتَى رَأَى أَنَّ الْغُلاَمَ مَفْقُودٌ، أَنَّهُ يَمُوتُ، فَيُنْزِلُ عَبِيدُكَ شَيْبَةَ عَبْدِكَ أَبِينَا بِحُزْنٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ،
32لأَنَّ عَبْدَكَ ضَمِنَ الْغُلاَمَ لأَبِي قَائِلاً: إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ أَصِرْ مُذْنِبًا إِلَى أَبِي كُلَّ الأَيَّامِ. 33فَالآنَ لِيَمْكُثْ عَبْدُكَ عِوَضًا عَنِ الْغُلاَمِ، عَبْدًا لِسَيِّدِي، وَيَصْعَدِ الْغُلاَمُ مَعَ إِخْوَتِهِ. 34لأَنِّي كَيْفَ أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَالْغُلاَمُ لَيْسَ مَعِي؟ لِئَلاَّ أَنْظُرَ الشَّرَّ الَّذِي يُصِيبُ أَبِي».
سبحان الله الذي انزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , فكل ما سبق في هذا النص من جمل وعبارات أجمله القرآن الكريم في كلمات معدودات فقال تعالى " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون " 
الزيارة الرابعة من القرآن الكريم
هيا بنا نعود سريعا إلي القرآن الكريم وهو يتابع زيارات إخوة نبي الله يوسف عليه السلام إلي مصر , فقال تعالى على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام :
يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ* فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ* قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ* قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ* قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ* وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ* قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ*وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين{يوسف- 87- 101}
صدق الحق سبحانه وتعالى حين قال : { إن بعد العسر يسرا }
وصدق الشاعر حين قال :
   قد يجمع الله الشتيتين بعدما ** يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
فقال نبي الله يعقوب عليه السلام لهم محرضاً إياهم على طلب يوسف وأخيه، وأن يبحثوا عن أمرهما فقال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}  أي لا تيئسوا من الفرج بعد الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج  في المضايق إلا القوم الكافرون.‏
تضرع ورجاء :-
سبحان الله : الآن أدرك إخوة يوسف أنه قد مهم وأهلهم الضر وأنهم في حاجة ماسة لمت يمد لهم يد العون ؛ كما يخبر  الحق سبحانه وتعالى  عن رغبتهم فيما لديه من الميرة والصدقة عليهم بردّ أخيهم بنيامين إليهم ولقد صورهم القرآن الكريم باسلوب دقيق فقال جل وعلا {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنّا قيل: كانت دراهم رديئة. وقيل: قليلة. وقيل حب الصنوبر
ثم قالوا{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} قيل: بقبولها، قال السُّدِّي. وقيل: بردّ أخينا إلينا، قاله ابن جُرَيْج. وقال سفيان بن عُيينة: إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير.
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤا به مما لم يبق عندهم سواه، من ضعيف المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلاً: لهم عن أمر ربه وربهم. وقد حسر لهم عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}.
هؤلاء الآباء فما رأيكم ؟
{قَالُوا} وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مراراً عديدة، وهم لا يعرفون أنه هو {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ }.{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي} يعني أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم، وقوله {وَهذَا أَخِي} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا اضمروا لهما من الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال .
 ولهذا قال: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}، أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا، وإيوائه لنا وشدّه معاقد   عزنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ما كان منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا لــ{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي فضلك، وأعطاك ما لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}. أي فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك.


إنها النبوة:-
{قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ثم زادهم على ذلك فقال: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
ومن زعم أن الوقف على قوله {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ}، وابتدأ بقوله {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} فقوله ضعيف، والصحيح الأول.
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عيني أبيه، فإنه يرجع إليه بصره، بعد ما كان ذهب بإذن الله تعالى ، وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات.ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.‏
وبعدها قال تعالى {وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي، قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ *قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
قال عبد الرزاق: أنبأنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، سمعت ابن عبَّاس يقول: {وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ}، قال: لما خرجت العير هاجت ريح، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة    أيام. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به.
وقال الحسن البصري وابن جُرَيْج المكي: كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخاً، وكان له منذ فارقه ثمانون سنة.وقوله {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} أي تقولون: إنما قلت هذا من الفند، وهو الخرف، وكبر السن. قال ابن عبَّاس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: {تُفَنِّدُونِي} تسفّهون. وقال مجاهد أيضاً والحسن : تهرمّون.{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} قال قتادة والسُّدِّي: قالوا له كلمة غليظة.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً} أي بمجرّد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب، فرجع من فوره بصيراً بعد ما كان ضريراً، وقال لبنيه عند ذلك {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف وستقر عيني به وسِيرِيني فيه ومنه ما يسرني.
فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} طلبوا منه أن يستغفر لهم الله عز وجل عما كانوا فعلوا، ونالوا منه ومن أبيه، وما كانوا عزموا عليه. ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقّهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا، ووعدهم  قائلا {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جُرَيْج وغيرهم، أرجأهم إلى وقت السحر. قال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حَدَّثَنا ابن إدريس قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب ابن دثار قال: كان عمر يأتي المسجد فسمع إنساناً يقول: "اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا السَّحر فاغفر لي" قال: فاستمع إلى الصوت، فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسأل عبد الله عن ذلك؟ فقال: إن يعقوب أخّر بنيه إلى السّحر. بقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}. وقد قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
وثبت في "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له".وقد ورد في حديث "أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة".
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ *  وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل: إنها ثمانون سنة، وقيل: ثلاث وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقيل: خمس وثلاثون سنة، قاله قتادة. وقال مُحَمْد بن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة.
قال: وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريباً:-
 -- فإنَّ المرأة راودته، وهو شاب ابن سبع عشرة سنة، فيما قاله غير واحد.
 -- فامتنع فكان في السجن بضع سنين، وهي سبع عند عكرمة وغيره
--  ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع .
--  ثم لما اشتكى الناس الجوع  في السبع البواقي
-- جاء إخوته يمتارون في السنة الأولى وحدهم
--  وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين
--  وفي الثالثة تعرّف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين .
 -- فجاؤا كلهم.{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} اجتمع بهم خصوصاً وحدهما دون اخوته {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}.
-- قيل: هذا من المقدم والمؤخر، تقديره قال ادخلوا مصر وآوى إليه أبويه. وقيل: بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر قال {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. قاله السُّدِّي: ولو قيل: إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضاً، وانه ضمن قوله: ادخلوا بمعنى: اسكنوا مصر، أو أقيموا بها {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} لكان صحيحاً أيضاً.
وعند أهل الكتاب: أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر - وهي أرض بلبيس - خرج يوسف ليلق أباه وإخوته ، وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشّراً بقدومه، وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر، يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم.
 وقد ذكر جماعة من المفسرين، أنه لما بشره بقدوم نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل - أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف عليه السلام ، وتعظيماً لنبي الله "إسرائيل"، وأنه دعا للملك، وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم، فالله أعلم.
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم - فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبو عبيدة عن ابن مسعود - ثلاثة وستين إنساناً.وقال موسى بن عبيدة، عن مُحَمْد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: كانوا ثلاثة وثمانين إنساناً.وقال أبو إسحاق عن مسروق: دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون إنساناً.
قالوا: وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل. وفي نص أهل الكتاب: أنهم كانوا سبعين نفساً وسموهم.
قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} قيل: كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة. وقال بعض المفسرين: أحياها الله تعالى. وقال آخرون: بل كانت خالته "ليا" والخالة بمنزلة الأم.
وقال ابن جرير وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ، فلا يعوّل على نقل أهل الكتاب فيما خالفه، وهذا قوي. والله أعلم.
ورفعهما على العرش، أي أجلسهما معه على سريره {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} أي سجد له الأبوان والأخوة الأحد عشر تعظيماً وتكريماً، وكان هذا مشروعاً لهم، ولم يزل ذلك معمولاً به في سائر الشرائع حتى حرم في ملّتنا.
تَأْوِيلُ الرُؤْي:-
{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ} أي هذا تعبير ما كنت قصصته عليك: من رؤيتي الأحد عشر كوكباً، والشمس والقمر، حين رأيتهم لي ساجدين وأمرتني بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ}. أي بعد الهمِّ والضيق جعلني حاكماً، نافذَ الكلمة، في الديار المصرية حيث شئت {وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ} أي البادية، وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي} أي فيما كان منهم إليّ من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره.
ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} أي: إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه ويسّرها وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدّرها وييسّرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أي بجميع الأمور {الْحَكِيمُ} في خلقه وشرعه وقدره.
بخلاف ما أخبر أهل الكتاب:-
وعند أهل الكتاب أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله، حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء. ثم أطلق لهم أرضهم، وأعتق رقابهم، على أن يعملوا ويكون خمس ما يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك، فصارت سنة أهل مصر بعده.
وحكى الثعلبي: أنه كان لا يشبع في تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان، وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال: فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك. قلت: وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يشبع بطنه عام الرمادة، حتى ذهب الجدب وأتى الخصب.
قال الشافعي: قال رجل من الأعراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة: لقد انجلت عنك، وإنك لابن حرة.
الإسلام أمنية يوسف عليه السلام :-
‏ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع، عرف أن هذه الدار لا يقربها قرار. وأن كل شيء فيها ومن عليها فان. وما بعد التمام إلا النقصان فعند ذلك أثنى على ربّه  بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله. وسأل منه - وهو خير المسؤولين – أن    يتوفاه، أي حين يتوفاه، على الإسلام. وأن يلحقه بعباده الصالحين. وهكذا كما يقال في الدعاء. "اللهم أحينا مسلمين وتوفّنا مسلمين" أي حين تتوفانا.
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى والرفقاء الصالحين، من النبيين والمرسلين كما قال اللهم في الرفيق الأعلى - ثلاثا - ثم قضي.
ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاة على الإسلام منجزاً في صحة بدنه وسلامته، وان ذلك كان سائغاً في ملتهم وشرعتهم. كما روي عن ابن عبَّاس، أنه قال: ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف. فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إلاّ عند الفتن،
كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين" وفي الحديث الآخر "ابن آدم الموت خير لك من الفتنة". وقالت مريم عليها السلام: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور، وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال، وتمنى ذلك البُخَاريّ أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال، ولقي من مخالفيه الأهوال.فأما في حال الرفاهية فلا. 
فقد روى البُخَاريّ ومسلم في "صحيحه"ممن حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت لضرّ نزل به، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً، فلعله يستعتب، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" والمراد بالضر ها هنا ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه لا في دينه. والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك إما عند احتضاره، أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك.
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب: أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة، ثم توفي عليه السلام، وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق. قال السُّدِّي: فَصُبِّره وسيَّره إلى بلاد الشام، فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليهم السلام.
وعند أهل الكتاب: أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة. وعندهم انه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة، ومع هذا قالوا: فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة.
هذا نص كتابهم، وهو غلط إما في النسخة، أو منهم، أو قد اسقطوا الكسر، وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا، فكيف يستعملون هذه الطريقة ها هنا؟
وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
فها هو  يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام.
وقد ذكر أهل الكتاب: أنه أوصى بنيه واحداً واحداً، وأخبرهم بما يكون من أمرهم، وبشّر يهوذا بخروج نبيّ عظيم من نسله، تطيعه الشعوب وهو عيسى بن مريم والله أعلم
وذكروا: أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوماً وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب، ومكث فيه أربعين يوماً ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند  أهله، فأذن له، وخرج معه أكابر مصر وشيوخها، فلمّا وصلوا حبرون دفنوه في المغارة، التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي، وعملوا له عزاء سبعة أيام.
قالوا: ثم رجعوا إلى بلادهم وعزّى إخوة يوسف يوسف في أبيهم، وترققوا له، فأكرمهم وأحسن منقلبهم، فأقاموا ببلاد مصر.ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه، فحنّطوه ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام، فدفنه عند آبائه كما سيأتي.

قالوا:
 فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين.هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضاً. وقال مبارك بن فضالة عن الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة. ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة. وقال غيره : أوصى إلى أخيه يهوذا.
ولكن نقلناها للأمانة:-
وبهذا نكون قد بينا ما قاله العلماء عن الزيارة الأخيرة لإخوة سيدنا يوسف عليه السلام لمصر والتقاءه بابيه سيدنا يعقوب عليه السلام ومعه مقارنة سريعة لما هو موجود عند أهل الكتاب 
ولذا رأيت أن الأمر يقتضى أن نبين ما قالوه عن هذه الفترة من كتابهم وهو العهد القديم ولكن أستميحك عزرا عزيزي القارئ أن تصبر على القراءة لأن ما سيأتي من سرد من العهد القديم  به تفاصيل كان لا داعي لها ولكن نقلناها للأمانة .فقد ذكروا انه حين وقف إخوة           يوسف أمامه :
-- 1فَلَمْ يَسْتَطِعْ يُوسُفُ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ لَدَى جَمِيعِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ فَصَرَخَ: «أَخْرِجُوا كُلَّ إِنْسَانٍ عَنِّي». فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ عِنْدَهُ حِينَ عَرَّفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ بِنَفْسِهِ. 2فَأَطْلَقَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ، فَسَمِعَ الْمِصْرِيُّونَ وَسَمِعَ بَيْتُ فِرْعَوْنَ. 3وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «أَنَا يُوسُفُ. أَحَيٌّ أَبِي بَعْدُ؟» فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِخْوَتُهُ أَنْ يُجِيبُوهُ، لأَنَّهُمُ ارْتَاعُوا مِنْهُ.
-- 4فَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمُوا. فَقَالَ: «أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ. 5وَالآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا، لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ. 6لأَنَّ لِلْجُوعِ فِي الأَرْضِ الآنَ سَنَتَيْنِ. وَخَمْسُ سِنِينَ أَيْضًا لاَ تَكُونُ فِيهَا فَلاَحَةٌ وَلاَ حَصَادٌ. 7فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً. 8فَالآنَ لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ. وَهُوَ قَدْ جَعَلَنِي أَبًا لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّدًا لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ
--. 9أَسْرِعُوا وَاصْعَدُوا إِلَى أَبِي وَقُولُوا لَهُ: هكَذَا يَقُولُ ابْنُكَ يُوسُفُ: قَدْ جَعَلَنِيَ اللهُ سَيِّدًا لِكُلِّ مِصْرَ. اِنْزِلْ إِلَيَّ. لاَ تَقِفْ. 10فَتَسْكُنَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ وَتَكُونَ قَرِيبًا مِنِّي، أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ وَغَنَمُكَ وَبَقَرُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. 11وَأَعُولُكَ هُنَاكَ، لأَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا خَمْسُ سِنِينَ جُوعًا. لِئَلاَّ تَفْتَقِرَ أَنْتَ وَبَيْتُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. 12وَهُوَذَا عُِيُونُكُمْ تَرَى، وَعَيْنَا أَخِي بَنْيَامِينَ، أَنَّ فَمِي هُوَ الَّذِي يُكَلِّمُكُمْ. 13وَتُخْبِرُونَ أَبِي بِكُلِّ مَجْدِي فِي مِصْرَ وَبِكُلِّ مَا رَأَيْتُمْ، وَتَسْتَعْجِلُونَ وَتَنْزِلُونَ بِأَبِي إِلَى هُنَا».
-- 14 ثُمَّ وَقَعَ عَلَى عُنُقِ بَنْيَامِينَ أَخِيهِ وَبَكَى، وَبَكَى بَنْيَامِينُ عَلَى عُنُقِهِ. 15وَقَبَّلَ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ وَبَكَى عَلَيْهِمْ. وَبَعْدَ ذلِكَ تَكَلَّمَ إِخْوَتُهُ مَعَهُ.
-- 16 وَسُمِعَ الْخَبَرُ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ، وَقِيلَ: «جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ». فَحَسُنَ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ. 17فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «قُلْ لإِخْوَتِكَ: افْعَلُوا هذَا: حَمِّلُوا دَوَابَّكُمْ وَانْطَلِقُوا، اذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 18وَخُذُوا أَبَاكُمْ وَبُيُوتَكُمْ وَتَعَالَوْا إِلَيَّ، فَأُعْطِيَكُمْ خَيْرَاتِ أَرْضِ مِصْرَ وَتَأْكُلُوا دَسَمَ الأَرْضِ. 19فَأَنْتَ قَدْ أُمِرْتَ، افْعَلُوا هذَا: خُذُوا لَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ عَجَلاَتٍ لأَوْلاَدِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَاحْمِلُوا أَبَاكُمْ وَتَعَالَوْا. 20وَلاَ تَحْزَنْ عُيُونُكُمْ عَلَى أَثَاثِكُمْ، لأَنَّ خَيْرَاتِ جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ لَكُمْ».
--21 فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هكَذَا. وَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ عَجَلاَتٍ بِحَسَبِ أَمْرِ فِرْعَوْنَ، وَأَعْطَاهُمْ زَادًا لِلطَّرِيقِ. 22وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَلَ ثِيَابٍ، وَأَمَّا بَنْيَامِينُ فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَ مِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَخَمْسَ حُلَلِ ثِيَابٍ. 23وَأَرْسَلَ لأَبِيهِ هكَذَا: عَشَرَةَ حَمِيرٍ حَامِلَةً مِنْ خَيْرَاتِ مِصْرَ، وَعَشَرَ أُتُنٍ حَامِلَةً حِنْطَةً، وَخُبْزًا وَطَعَامًا لأَبِيهِ لأَجْلِ الطَّرِيقِ. 24ثُمَّ صَرَفَ إِخْوَتَهُ فَانْطَلَقُوا، وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَغَاضَبُوا فِي الطَّرِيقِ».



يذكرون أن يوسف عليه السلام صرخ وأمر بخروج كل من لديه السؤال كيف ولما ؟
ثم هل هذا تصرف يليق بالأنبياء وهيبتهم ؟وكذلك يا ترى ما هو موقف سيدنا يوسف عليه السلام الذي أصبح الآمر الناهي في مصرحين رآه المصريون يبكى ويتصرف بهذه الطريقة  النكراء ؟ وهل إلى الآن لم يعرف أن أباه نبي الله يعقوب على قيد الحياة ؟
والعجيب أن كتبة العهد القديم لم يذكروا أن أخيهم يوسف عليه السلام لم يعاتبهم أو على  الأقل يذكرهم بما فعلوه به قديما وبما قالوه عنه الآن ؛ بل شكرهم وهذا ليس عليهم بجديد  فقديما أظهروا امرأة العزيز بمظهر المنكسر المظلوم ؛ ولم يبذلوا جهدا في إظهار براءة نبي الله يوسف عليه السلام .
وهل هم من باعوه فى مصر ؟ وهل نسى كتبة العهد القديم ما قالوه عن ذلك الموقف وحين القوه في البئر ؟
وكيف أصبح  يوسف عليه السلام أبا لفرعون وهل نسي هؤلاء ما قاله فرعون ليوسف في هذا المضمار ؟ فقد قال له  " وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي إِلاَّ إِنَّ الْكُرْسِيَّ أَكُونُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْكَ».
{وما نخفي صدورهم أكبر}
الحقيقة هو حلمهم بما في ارض مصر من خيرات  ويتمنون أن تكون لهم لأنهم قالوا : لأَنَّ خَيْرَاتِ جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ لَكُمْ». فهم بين الحين والأخر يذكرون رغبتهم في امتلاك اى شبر من ارض مصر .
-- الم يزعموا أن الرب جل وعلا وعد نبي الله إبراهيم عليه السلام بامتلاك الأرض من النيل إلى الفرات ؟  فقالوا : 18فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
والعجيب هو علم سيدنا يوسف بأطباع اخوته لم تتغير بعد وان العداء متأصل في نفوسهم  بدليل قولهم : 24ثُمَّ صَرَفَ إِخْوَتَهُ فَانْطَلَقُوا، وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَغَاضَبُوا فِي الطَّرِيقِ».
على أية حال نكمل القصة من العهد القديم :-
-- فبعد خروجهم من مصر قالوا : 25فَصَعِدُوا مِنْ مِصْرَ وَجَاءُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ. 26وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «يُوسُفُ حَيٌّ بَعْدُ، وَهُوَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ». فَجَمَدَ قَلْبُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ. 27ثُمَّ كَلَّمُوهُ بِكُلِّ كَلاَمِ يُوسُفَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ بِهِ، وَأَبْصَرَ الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا يُوسُفُ لِتَحْمِلَهُ. فَعَاشَتْ رُوحُ يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ. 28فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «كَفَى! يُوسُفُ ابْنِي حَيٌّ بَعْدُ. أَذْهَبُ وَأَرَاهُ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
1فَارْتَحَلَ إِسْرَائِيلُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، وَذَبَحَ ذَبَائِحَ لإِلهِ أَبِيهِ إِسْحَاقَ. 2فَكَلَّمَ اللهُ إِسْرَائِيلَ فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَقَالَ: «يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 3فَقَالَ: «أَنَا اللهُ، إِلهُ أَبِيكَ. لاَ تَخَفْ مِنَ النُّزُولِ إِلَى مِصْرَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. 4أَنَا أَنْزِلُ مَعَكَ إِلَى مِصْرَ، وَأَنَا أُصْعِدُكَ أَيْضًا. وَيَضَعُ يُوسُفُ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْكَ».
5فَقَامَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ، وَحَمَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ أَبَاهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِي الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لِحَمْلِهِ. 6وَأَخَذُوا مَوَاشِيَهُمْ وَمُقْتَنَاهُمُ الَّذِي اقْتَنَوْا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ مَعَهُ. 7بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ مَعَهُ، وَبَنَاتُهُ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَكُلُّ نَسْلِهِ، جَاءَ بِهِمْ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ.
8وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ: يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ. بِكْرُ يَعْقُوبَ رَأُوبَيْنُ. 9وَبَنُو رَأُوبَيْنَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي. 10وَبَنُو شِمْعُونَ: يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَأُولُ ابْنُ الْكَنْعَانِيَّةِ. 11وَبَنُو لاَوِي: جِرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. 12وَبَنُو يَهُوذَا: عِيرٌ وَأُونَانُ وَشِيلَةُ وَفَارَصُ وَزَارَحُ.
 وَأَمَّا عِيرٌ وَأُونَانُ فَمَاتَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَكَانَ ابْنَا فَارَصَ: حَصْرُونَ وَحَامُولَ. 13وَبَنُو يَسَّاكَرَ: تُولاَعُ وَفَوَّةُ وَيُوبُ وَشِمْرُونُ. 14وَبَنُو زَبُولُونَ: سَارَدُ وَإِيلُونُ وَيَاحَلْئِيلُ. 15هؤُلاَءِ بَنُو لَيْئَةَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ فِي فَدَّانَ أَرَامَ مَعَ دِينَةَ ابْنَتِهِ. جَمِيعُ نُفُوسِ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ.
16وَبَنُو جَادَ: صِفْيُونُ وَحَجِّي وَشُونِي وَأَصْبُونُ وَعِيرِي وَأَرُودِي وَأَرْئِيلِي. 17وَبَنُو أَشِيرَ: يِمْنَةُ وَيِشْوَةُ وَيِشْوِي وَبَرِيعَةُ، وَسَارَحُ هِيَ أُخْتُهُمْ. وَابْنَا بَرِيعَةَ: حَابِرُ وَمَلْكِيئِيلُ. 18هؤُلاَءِ بَنُو زِلْفَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا لاَبَانُ لِلَيْئَةَ ابْنَتِهِ، فَوَلَدَتْ هؤُلاَءِ لِيَعْقُوبَ، سِتَّ عَشَرَةَ نَفْسًا.
19اِبْنَا رَاحِيلَ امْرَأَةِ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. 20وَوُلِدَ لِيُوسُفَ فِي أَرْضِ مِصْرَ: مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ، اللَّذَانِ وَلَدَتْهُمَا لَهُ أَسْنَاتُ بِنْتُ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونٍ. 21وَبَنُو بَنْيَامِينَ: بَالَعُ وَبَاكَرُ وَأَشْبِيلُ وَجِيرَا وَنَعْمَانُ وَإِيحِي وَرُوشُ وَمُفِّيمُ وَحُفِّيمُ وَأَرْدُ. 22هؤُلاَءِ بَنُو رَاحِيلَ الَّذِينَ وُلِدُوا لِيَعْقُوبَ. جَمِيعُ النُّفُوسِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ. 23وَابْنُ دَانَ: حُوشِيمُ. 24وَبَنُو نَفْتَالِي: يَاحَصْئِيلُ وَجُونِي وَيِصْرُ وَشِلِّيمُ.
25هؤُلاَءِ بَنُو بِلْهَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا لاَبَانُ لِرَاحِيلَ ابْنَتِهِ. فَوَلَدَتْ هؤُلاَءِ لِيَعْقُوبَ. جَمِيعُ الأَنْفُسِ سَبْعٌ26جَمِيعُ النُّفُوسِ لِيَعْقُوبَ الَّتِي أَتَتْ إِلَى مِصْرَ، الْخَارِجَةِ مِنْ صُلْبِهِ، مَا عَدَا نِسَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ، جَمِيعُ النُّفُوسِ سِتٌّ وَسِتُّونَ نَفْسًا. 27وَابْنَا يُوسُفَ اللَّذَانِ وُلِدَا لَهُ فِي مِصْرَ نَفْسَانِ. جَمِيعُ نُفُوسِ بَيْتِ يَعْقُوبَ الَّتِي جَاءَتْ إِلَى مِصْرَ سَبْعُونَ.
يذكر العهد القديم أن نبي الله يعقوب لم يعلم بأن ابنه يوسف عليه السلام على قيد الحياة     فأين أنوار النبوة ؟ أما كان من الأفضل أن يبنوا مثل هذه الأمور وان يبنوا لأولادهم أنوار النبوة وما أنعم الله جل وعلا عليهم بها .حقا يا لعظمة القرآن الكريم الذي أوجز كل ما سبق في آيات معدودات كما أوضحنا من قبل .
نسي كتبة العهد القديم  أنهم قالوا قديما أن الرب جل وعلا أخبر إبراهيم بأن نسله سيكون غريبا في أرض مصر فقد قالوا : "12وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. 13فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. 14ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا، وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ.  "        

وهنا خطأين: -
ثم اخبرنا العهد القديم بأن يوسف عليه السلام وضع يده على عيني أبيه فأبصر: وهنا خطأين الأول:  أنهم لم يخبرونا من فبل انه فقد بصره ؛ والثاني : هو عودة البصر إلى يعقوب عليه السلام  في مصر أما كان من الأولى والأفضل أن يبصر في أرضه وأن يأتي بصيرا إلى ابنه ؟
ثم ما الفائدة التي ستعود على القارئ من ذكر كل أبناء يعقوب في كتاب مقدس ؟ والعجيب أنهم يفيضون في ذكر أمور لا فائدة من وراءها بخلاف أمور كنا نود أن يتحدثوا عنها بالتفصيل فإذا بهم إما يمرون بها مرور الكرام وإما يتجاهلوها وهذا دليل على انه ليس من عند الله .
28فَأَرْسَلَ يَهُوذَا أَمَامَهُ إِلَى يُوسُفَ لِيُرِيَ الطَّرِيقَ أَمَامَهُ إِلَى جَاسَانَ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَاسَانَ. 29فَشَدَّ يُوسُفُ مَرْكَبَتَهُ وَصَعِدَ لاسْتِقْبَالِ إِسْرَائِيلَ أَبِيهِ إِلَى جَاسَانَ. وَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ وَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَبَكَى عَلَى عُنُقِهِ زَمَانًا. 30فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «أَمُوتُ الآنَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ وَجْهَكَ أَنَّكَ حَيٌّ بَعْدُ».
31ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ وَلِبَيْتِ أَبِيهِ: «أَصْعَدُ وَأُخْبِرُ فِرْعَوْنَ وَأَقُولُ لَهُ: إِخْوَتِي وَبَيْتُ أَبِي الَّذِينَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ جَاءُوا إِلَيَّ. 32وَالرِّجَالُ رُعَاةُ غَنَمٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ مَوَاشٍ، وَقَدْ جَاءُوا بِغَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَكُلِّ مَا لَهُمْ. 33فَيَكُونُ إِذَا دَعَاكُمْ فِرْعَوْنُ وَقَالَ: مَا صِنَاعَتُكُمْ؟ 34أَنْ تَقُولُوا: عَبِيدُكَ أَهْلُ مَوَاشٍ مُنْذُ صِبَانَا إِلَى الآنَ، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا جَمِيعًا. لِكَيْ تَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. لأَنَّ كُلَّ رَاعِي غَنَمٍ رِجْسٌ لِلْمِصْرِيِّينَ» 
1فَأَتَى يُوسُفُ وَأَخبَرَ فِرْعَوْنَ وَقَالَ: «أَبِي وَإِخْوَتِي وَغَنَمُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَكُلُّ مَا لَهُمْ جَاءُوا مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهُوَذَا هُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ». 2وَأَخَذَ مِنْ جُمْلَةِ إِخْوَتِهِ خَمْسَةَ رِجَال وَأَوْقَفَهُمْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. 3فَقَالَ فِرْعَوْنُ لإِخْوَتِهِ: «مَا صِنَاعَتُكُمْ؟» فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: «عَبِيدُكَ رُعَاةُ غَنَمٍ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا جَمِيعًا». 4وَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: «جِئْنَا لِنَتَغَرَّبَ فِي الأَرْضِ، إِذْ لَيْسَ لِغَنَمِ عَبِيدِكَ مَرْعًى، لأَنَّ الْجُوعَ شَدِيدٌ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَالآنَ لِيَسْكُنْ عَبِيدُكَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ».
ما فائدة إرسال يهوذا أمامه ؟ هل إلي الآن لم يصدق نبي الله يعقوب عليه السلام أبناءه أم انه اعتاد منهم الكذب ؟ ثم لم يذكروا لنا المدة التي ظل يوسف ويعقوب عليهما السلام يبكيان  لأنهم قالوا : 29فَشَدَّ يُوسُفُ مَرْكَبَتَهُ وَصَعِدَ لاسْتِقْبَالِ إِسْرَائِيلَ أَبِيهِ إِلَى جَاسَانَ. وَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ وَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَبَكَى عَلَى عُنُقِهِ زَمَانًا.
والعجيب أنهم لم يكتفوا بمثل هذه الافتراءات بل أرادوا أن يتهموا نبي الله يوسف عليه السلام ( حاشاه) بالكذب والتحايل فقالوا أن يوسف عليه السلام قال لهم  : 33فَيَكُونُ إِذَا دَعَاكُمْ فِرْعَوْنُ وَقَالَ: مَا صِنَاعَتُكُمْ؟ 34أَنْ تَقُولُوا: عَبِيدُكَ أَهْلُ مَوَاشٍ مُنْذُ صِبَانَا إِلَى الآنَ، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا جَمِيعًا. لِكَيْ تَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. لأَنَّ كُلَّ رَاعِي غَنَمٍ رِجْسٌ لِلْمِصْرِيِّينَ»
والأغرب مما سبق  أنهم اظهروا أنفسهم أبرياء ولم يأبهوا بما قاله لهم يوسف عليه السلام      فقالوا : 1فَأَتَى يُوسُفُ وَأَخبَرَ فِرْعَوْنَ وَقَالَ: «أَبِي وَإِخْوَتِي وَغَنَمُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَكُلُّ مَا لَهُمْ جَاءُوا مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهُوَذَا هُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ». 2وَأَخَذَ مِنْ جُمْلَةِ إِخْوَتِهِ خَمْسَةَ رِجَال وَأَوْقَفَهُمْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. 3فَقَالَ فِرْعَوْنُ لإِخْوَتِهِ: «مَا صِنَاعَتُكُمْ؟» فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: «عَبِيدُكَ رُعَاةُ غَنَمٍ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا جَمِيعًا».
وبعدما اخبر يوسف عليه السلام فرعون عن اخوته قالوا : -5فَكَلَّمَ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ قَائِلاً: «أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ جَاءُوا إِلَيْكَ. 6أَرْضُ مِصْرَ قُدَّامَكَ. فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ أَسْكِنْ أَبَاكَ وَإِخْوَتَكَ، لِيَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَهُمْ ذَوُو قُدْرَةٍ، فَاجْعَلْهُمْ رُؤَسَاءَ مَوَاشٍ عَلَى الَّتِي لِي»
7ثُمَّ أَدْخَلَ يُوسُفُ يَعْقُوبَ أَبَاهُ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ. 8فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: «كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» 9فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَ رَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ». 10وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ.
11فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ. 12وَعَالَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَيْتِ أَبِيهِ بِطَعَامٍ عَلَى حَسَبِ الأَوْلاَدِ.
ألم يذكروا أن يوسف عليه السلام أخبرهم من قبل أنهم إن جاؤا سيسكنون أرض جاسان فقد قالوا على لسانه "  لِكَيْ تَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. لأَنَّ كُلَّ رَاعِي غَنَمٍ رِجْسٌ لِلْمِصْرِيِّينَ» ثم هم الآن يسكنونهم في أرض أخرى فقالوا : 11فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ.
وأين مكانة يوسف عليه السلام ؟ ألم يخبرونا بأنه أصبح سيدا حتى على بيت فرعون ؟  ثم ماذا عن إصرارهم على أن الحاكم حينئذ كان يلقب فرعون وهذا خطأ أوضحناه من قبل ؟
يخبر العهد القديم أن يعقوب عليه السلام أخبر فرعون بعدد سنين تختلف عن عمره الحقيقي لأنهم قالوا من قبل :
 27وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وَتَمَلَّكُوا فِيهَا وَأَثْمَرُوا وَكَثُرُوا جِدًّا. 28وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً. فَكَانَتْ أَيَّامُ يَعْقُوبَ، سِنُو حَيَاتِهِ مِئَةً وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. 29وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفًا وَأَمَانَةً: لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ، 30بَلْ أَضْطَجعُ مَعَ آبَائِي، فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ». فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ».
أما الآن فقالوا : وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ. 8فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: «كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» 9فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً.
ثم ما الفائدة من مباركة يعقوب عليه السلام لفرعون ؟ هل آمن فرعون  بالله رب العالمين بعدها أم ماذا ؟ ثم هل يشتكى الأنبياء لغير الله جل وعلا ؟
نعود إلى المصريين والمجاعة لنرى كيف تعامل العهد القديم مع المشكلة فقالوا :
 13وَلَمْ يَكُنْ خُبْزٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الْجُوعَ كَانَ شَدِيدًا جِدًّا. فَخَوَّرَتْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَرْضُ كَنْعَانَ مِنْ أَجْلِ الْجُوعِ. 14فَجَمَعَ يُوسُفُ كُلَّ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي أَرْضِ كَنْعَانَ بِالْقَمْحِ الَّذِي اشْتَرُوا، وَجَاءَ يُوسُفُ بِالْفِضَّةِ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ. 15فَلَمَّا فَرَغَتِ الْفِضَّةُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَمِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ أَتَى جَمِيعُ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُوسُفَ قَائِلِينَ: «أَعْطِنَا خُبْزًا، فَلِمَاذَا نَمُوتُ قُدَّامَكَ؟ لأَنْ لَيْسَ فِضَّةٌ أَيْضًا».
16فَقَالَ يُوسُفُ: «هَاتُوا مَوَاشِيَكُمْ فَأُعْطِيَكُمْ بِمَوَاشِيكُمْ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِضَّةٌ أَيْضًا». 17فَجَاءُوا بِمَوَاشِيهِمْ إِلَى يُوسُفَ، فَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ خُبْزًا بِالْخَيْلِ وَبِمَوَاشِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَبِالْحَمِيرِ. فَقَاتَهُمْ بِالْخُبْزِ تِلْكَ السَّنَةَ بَدَلَ جَمِيعِ مَوَاشِيهِمْ18وَلَمَّا تَمَّتْ تِلْكَ السَّنَةُ أَتَوْا إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْثَّانِيَةِ وَقَالُوا لَهُ: «لاَ نُخْفِي عَنْ سَيِّدِي أَنَّهُ إِذْ قَدْ فَرَغَتِ الْفِضَّةُ، وَمَوَاشِي الْبَهَائِمِ عَِنْدَ سَيِّدِي، لَمْ يَبْقَ قُدَّامَ سَيِّدِي إِلاَّ أَجْسَادُنَا وَأَرْضُنَا. 19لِمَاذَا نَمُوتُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا جَمِيعًا؟ اِشْتَرِنَا وَأَرْضَنَا بِالْخُبْزِ، فَنَصِيرَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ، وَأَعْطِ بِذَارًا لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ وَلاَ تَصِيرَ أَرْضُنَا قَفْرًا».
20فَاشْتَرَى يُوسُفُ كُلَّ أَرْضِ مِصْرَ لِفِرْعَوْنَ، إِذْ بَاعَ الْمِصْرِيُّونَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقْلَهُ، لأَنَّ الْجُوعَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ. فَصَارَتِ الأَرْضُ لِفِرْعَوْنَ. 21وَأَمَّا الشَّعْبُ فَنَقَلَهُمْ إِلَى الْمُدُنِ مِنْ أَقْصَى حَدِّ مِصْرَ إِلَى أَقْصَاهُ. 22إِلاَّ إِنَّ أَرْضَ الْكَهَنَةِ لَمْ يَشْتَرِهَا، إِذْ كَانَتْ لِلْكَهَنَةِ فَرِيضَةٌ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ، فَأَكَلُوا فَرِيضَتَهُمُ الَّتِي أَعْطَاهُمْ فِرْعَوْنُ، لِذلِكَ لَمْ يَبِيعُوا أَرْضَهُمْ.



سبحان الله !!!!!
ألم يطلب نبي الله يوسف عليه السلام أن يجعلوه على خزائن الأرض فعندنا في القرآن الكريم    أنه أوفى وأكمل ما وكل اليه وقام به على أكمل وجه أما بنوا إسرائيل وكتبة العهد القديم  ذكروا أمورا عجيبة منها : 
أن  أرض مصر أصابها الخور والجوع فكيف ذلك ؟ ثم هل أرض كنعان كانت تابعة لمصر   آنذاك ؟ وهل كان ليوسف عليه السلام سلطانا عليها حتى يجمع منها الفضة كما جمعها من المصريين ؟ والأعجب لماذا يضعها في بيت فرعون ؟
ألم يأخذ يوسف عليه السلام من زروع المصريين ما يسد عنهم احتياجاتهم في تلك الفترة و إلا فأين ذهبت محاصيلهم التي توفرت في السبع سنين الأول ؟
وهل وصل الأمر بيوسف عليه السلام أن يأخذ من المصريين مواشيهم ؟  وماذا فعل بتلك المواشي ؟ وهل وضعها هي الأخرى في بيت فرعون ؟ فما هو اتساع بيت فرعون إذن ؟ يبدوا أن كل أرض مصر هي بيتا لفرعون  .
إن هذا لشئ عجيب:-
 ولما لا وقد ذكروا  ما هو اغرب من ذلك ؛ ألا وهو مساهمة سيدنا يوسف في بيع جميع  المصريين لفرعون مقابل إطعامهم هم وأهليهم لأنهم قالوا " لاَ نُخْفِي عَنْ سَيِّدِي أَنَّهُ إِذْ قَدْ   فَرَغَتِ الْفِضَّةُ، وَمَوَاشِي الْبَهَائِمِ عَِنْدَ سَيِّدِي، لَمْ يَبْقَ قُدَّامَ سَيِّدِي إِلاَّ أَجْسَادُنَا وَأَرْضُنَا. 19لِمَاذَا نَمُوتُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا جَمِيعًا؟ اِشْتَرِنَا وَأَرْضَنَا بِالْخُبْزِ، فَنَصِيرَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ، وَأَعْطِ بِذَارًا لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ وَلاَ تَصِيرَ أَرْضُنَا قَفْرًا».
 والله إن هذا لشئ عجيب لأنه كم تساوى الحياة إذن وقد باعوا أنفسهم وأرضهم ومواشيهم ؟
23فَقَالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: «إِنِّي قَدِ اشْتَرَيْتُكُمُ الْيَوْمَ وَأَرْضَكُمْ لِفِرْعَوْنَ. هُوَذَا لَكُمْ بِذَارٌ فَتَزْرَعُونَ الأَرْضَ. 24وَيَكُونُ عَِنْدَ الْغَلَّةِ أَنَّكُمْ تُعْطُونَ خُمْسًا لِفِرْعَوْنَ، وَالأَرْبَعَةُ الأَجْزَاءُ تَكُونُ لَكُمْ بِذَارًا لِلْحَقْلِ، وَطَعَامًا لَكُمْ وَلِمَنْ فِي بُِيُوتِكُمْ، وَطَعَامًا لأَوْلاَدِكُمْ». 25فَقَالُوا: «أَحْيَيْتَنَا. لَيْتَنَا نَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي فَنَكُونَ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ». 26فَجَعَلَهَا يُوسُفُ فَرْضًا عَلَى أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ: لِفِرْعَوْنَ الْخُمْسُ. إِلاَّ إِنَّ أَرْضَ الْكَهَنَةِ وَحْدَهُمْ لَمْ تَصِرْ لِفِرْعَوْنَ.
27وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وَتَمَلَّكُوا فِيهَا وَأَثْمَرُوا وَكَثُرُوا جِدًّا. 28وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً. فَكَانَتْ أَيَّامُ يَعْقُوبَ، سِنُو حَيَاتِهِ مِئَةً وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. 29وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفًا وَأَمَانَةً: لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ، 30بَلْ أَضْطَجعُ مَعَ آبَائِي، فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ». 
فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ». 31فَقَالَ: «احْلِفْ لِي». فَحَلَفَ لَهُ. فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ السَّرِيرِ1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُ قِيلَ لِيُوسُفَ: «هُوَذَا أَبُوكَ مَرِيضٌ». فَأَخَذَ مَعَهُ ابْنَيْهِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. 2فَأُخْبِرَ يَعْقُوبُ وَقِيلَ لَهُ: «هُوَذَا ابْنُكَ يُوسُفُ قَادِمٌ إِلَيْكَ». فَتَشَدَّدَ إِسْرَائِيلُ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ.
بهذه الطريقة الغريبة وبسبب سيدنا يوسف عليه السلام كما يزعم أهل الكتاب أن فرعون امتلك الشعب وأرضهم ومواشيهم وهذا لا يجوز في حق الأنبياء لأنهم ما بعثوا إلا ليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فكيف ينسبون له ذلك ؟
وماذا عن الأحداث التاريخية ؟
ومما يدل على أن العهد القديم لم يكن من عند الله هو وجود ألفاظ تبين أن كاتبه لم يراعى الأحداث التاريخية مثل ذكرهم أن الحاكم هو فرعون  بل وقولهم : 23فَقَالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: «إِنِّي قَدِ اشْتَرَيْتُكُمُ الْيَوْمَ وَأَرْضَكُمْ لِفِرْعَوْنَ. هُوَذَا لَكُمْ بِذَارٌ فَتَزْرَعُونَ الأَرْضَ. 24وَيَكُونُ عَِنْدَ الْغَلَّةِ أَنَّكُمْ تُعْطُونَ خُمْسًا لِفِرْعَوْنَ، وَالأَرْبَعَةُ الأَجْزَاءُ تَكُونُ لَكُمْ بِذَارًا لِلْحَقْلِ، وَطَعَامًا لَكُمْ وَلِمَنْ فِي بُِيُوتِكُمْ، وَطَعَامًا لأَوْلاَدِكُمْ». 25فَقَالُوا: «أَحْيَيْتَنَا. لَيْتَنَا نَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي فَنَكُونَ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ». 26فَجَعَلَهَا يُوسُفُ فَرْضًا عَلَى أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ: لِفِرْعَوْنَ الْخُمْسُ.  فهل إلى اليوم يستولى فرعون على خمس الناتج من الأرض الزراعية ؟

والعجيب :-
 لماذا طلب سيدنا يعقوب من ابنه يوسف عليهما السلام أن يضع يده تحت فخذه  ؟ فقالوا : 29وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفًا وَأَمَانَةً:
وهل لم يثق يعقوب فى ابنه يوسف عليهما السلام حتى جعله يحلف له : لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ، 30بَلْ أَضْطَجعُ مَعَ آبَائِي، فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ». فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ». 31فَقَالَ: «احْلِفْ لِي». فَحَلَفَ لَهُ."
3وَقَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَارَكَنِي. 4وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ الأُمَمِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ هذِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِكَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. 5وَالآنَ ابْنَاكَ الْمَوْلُودَانِ لَكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، قَبْلَمَا أَتَيْتُ إِلَيْكَ إِلَى مِصْرَ هُمَا لِي. أَفْرَايِمُ وَمَنَسَّى كَرَأُوبَيْنَ وَشِمْعُونَ يَكُونَانِ لِي. 
6وَأَمَّا أَوْلاَدُكَ الَّذِينَ تَلِدُ بَعْدَهُمَا فَيَكُونُونَ لَكَ. عَلَى اسْمِ أَخَوَيْهِمْ يُسَمَّوْنَ فِي نَصِيبِهِمْ. 7وَأَنَا حِينَ جِئْتُ مِنْ فَدَّانَ مَاتَتْ عِنْدِي رَاحِيلُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ فِي الطَّرِيقِ، إِذْ بَقِيَتْ مَسَافَةٌ مِنَ الأَرْضِ حَتَّى آتِيَ إِلَى أَفْرَاتَةَ، فَدَفَنْتُهَا هُنَاكَ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ».
8وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ابْنَيْ يُوسُفَ فَقَالَ: «مَنْ هذَانِ؟». 9فَقَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ: «هُمَا ابْنَايَ اللَّذَانِ أَعْطَانِيَ اللهُ ههُنَا». فَقَالَ: «قَدِّمْهُمَا إِلَيَّ لأُبَارِكَهُمَا». 10وَأَمَّا عَيْنَا إِسْرَائِيلَ فَكَانَتَا قَدْ ثَقُلَتَا مِنَ الشَّيْخُوخَةِ، لاَ يَقْدُِرُ أَنْ يُبْصِرَ، فَقَرَّبَهُمَا إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُمَا وَاحْتَضَنَهُمَا. 11وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنِّي أَرَى وَجْهَكَ، وَهُوَذَا اللهُ قَدْ أَرَانِي نَسْلَكَ أَيْضًا». 12ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا يُوسُفُ مِنْ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَسَجَدَ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ.
13وَأَخَذَ يُوسُفُ الاثْنَيْنِ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ عَنْ يَسَارِ إِسْرَائِيلَ، وَمَنَسَّى بِيَسَارِهِ عَنْ يَمِينِ إِسْرَائِيلَ وَقَرَّبَهُمَا إِلَيْهِ. 14فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَمِينَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ وَهُوَ الصَّغِيرُ، وَيَسَارَهُ عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى. وَضَعَ يَدَيْهِ بِفِطْنَةٍ فَإِنَّ مَنَسَّى كَانَ الْبِكْرَ. 15وَبَارَكَ يُوسُفَ وَقَالَ: «اللهُ الَّذِي سَارَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ، اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هذَا الْيَوْمِ،
 16الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرّ، يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ. وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمُ أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، وَلْيَكْثُرَا كَثِيرًا فِي الأَرْضِ»17فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ أَنَّ أَبَاهُ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ، سَاءَ ذلِكَ فِي عَيْنَيْهِ، فَأَمْسَكَ بِيَدِ أَبِيهِ لِيَنْقُلَهَا عَنْ رَأْسِ أَفْرَايِمَ إِلَى رَأْسِ مَنَسَّى. 18وَقَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ: «لَيْسَ هكَذَا يَا أَبِي، لأَنَّ هذَا هُوَ الْبِكْرُ. ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى رَأْسِهِ».
 19فَأَبَى أَبُوهُ وَقَالَ: «عَلِمْتُ يَا ابْنِي، عَلِمْتُ. هُوَ أَيْضًا يَكُونُ شَعْبًا، وَهُوَ أَيْضًا يَصِيرُ كَبِيرًا. وَلكِنَّ أَخَاهُ الصَّغِيرَ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَنَسْلُهُ يَكُونُ جُمْهُورًا مِنَ الأُمَمِ». 20وَبَارَكَهُمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: «بِكَ يُبَارِكُ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَجْعَلُكَ اللهُ كَأَفْرَايِمَ وَكَمَنَسَّى». فَقَدَّمَ أَفْرَايِمَ عَلَى مَنَسَّى...
21وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «هَا أَنَا أَمُوتُ، وَلكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكُمْ. 22وَأَنَا قَدْ وَهَبْتُ لَكَ سَهْمًا وَاحِدًا فَوْقَ إِخْوَتِكَ، أَخَذْتُهُ مِنْ يَدِ الأَمُورِيِّينَ بِسَيْفِي وَقَوْسِي»
هل نسى كتبة العهد القديم ؟
هل نسى هؤلاء أنهم اخبرونا من فبل  أن راحيل قد ماتت وهى تلد ابنها بنيامين ؟ وان قالوا : بأنها مجرد ذكريات للماضي نقول :نعم ولكن ليس مجالها مطلقا فهي أشبه بجملة اعتراضية لم يكن قبلها أو بعدها ما يرتبط بها .
ثم هل نسي هؤلاء أنهم اخبرونا بان يوسف عليه السلام وبناء على أمر فرعون اسكن أهله في رعمسيس بدلا من جاسان  ؟ فما بالهم الآن يقولون أنهم سكنوا في جاسان ؟ فقالوا :  27 وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وقد قالوا من قبل : 11فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ."
ومع تقديرنا لسيدنا يعقوب عليه السلام فهل يملك مباركة نسل دون الأخر ؟ ثم لم يذكروا أن يوسف عليه السلام اخبر أبويه وإخوته بما انعم الله به عليه وأن هذا تفسير للرؤيا التي رآها وهو صغير .
بهذا تكون قد انتهت قصة يوسف عليه السلام من العهد القديم ونختم الكتاب الآن بتلخيص لأهم الأحداث :-
أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
 -1- هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل، ولد في "فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرة الإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر يعقوب لما ولد له يوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد إبراهيم.
 -2- توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة لإِبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذه الحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.

3-  - كان يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى يوسف -وهو غلام صغير- رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجداً ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.
 -4- حسده إخوته على ولوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة إلقائه في الجب، فمرت قافلة فأرسلت واردها إلى البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به، فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتل عنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته. قالوا: ودخول يوسف إلى مصر يمكن تحديده قريباً من سنة (1600) ق.م في عهد الملك أبابي.
 -5- عشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدة سجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33.
 - 6- أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق.
 -7- كان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف.
أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً.
وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطير تأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه.
وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك.وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف عليه السلام .
 -8- لبث يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين، حتى رأى الملك رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رؤياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف في السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف عليه السلام يستفتيه في الرؤيا، فكان جواب يوسف عليه السلام بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط وجدب. ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وتعم فيه البركة.
 -9- أُعجب الملك بما عبر به يوسف عليه السلام ، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف عليه السلام أراد أن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج ببراءة تامة، فأعاد الملك التحقيق، فاعترفت المرأة بأنها هي التي راودته عن نفسه. عند ذلك خرج يوسف عليه السلام من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ويشبه هذا المنصب منصب (وزارة التموين والتجارة)، وسماه الملك اسماً يألفونه في مصر بحسب لغتهم (صفنات فعنيح)، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر، باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك.
 -10- نظم يوسف عليه السلام أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة، وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط، وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيم حكيم عادل.
 -11- علمت أسرته في أرض الكنعانيين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقه بنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه -سيدنا يعقوب عليه السلام - صار حريصاً عليه بعد أن فقد ولده يوسف عليه السلام ، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهم عن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهم ميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين في المرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك.
 -12- ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعد إلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلام بأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين.
 -13- ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاه بنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحل أخيه بنيامين. ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عن سقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع على قلوبهم، وعادوا إلى يوسف عليه السلام يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضوا عليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض.
 فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهم رأوبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً أفقده بصره. ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف عليه السلام وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاء أن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منها بادرة أسرها يوسف عليه السلام في نفسه، إذ قالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}، يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها.
 -14- وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف عليه السلام بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام.
 -15- قالوا: ولما اجتمع يوسف عليه السلام بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130) سنة، فيكون عمر يوسف عليه السلام يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها بـ (17)سنة. وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفن فيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس على الأرجح.
قالوا: وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة، وبعد مولد إبراهيم بـ (361) سنة. ولكن مثل هذه المدة لا تكفي مطلقاً لأن يتكاثر فيها بنوا إسرائيل إلى المقدار الذي ذكر مؤرخوهم أنهم قد وصلوا إليه أيّام موسى عليه السلام.
   الفوائد والعبر من قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز
ونختم هذا السرد الطيب بما قاله الإمام ابن القيم الجوزية فى الفوائد والعبر من قصة يوسف عليه السلام :-
يقول الإمام ابن القيّم الجوزية رحمه الله : ونختم الجواب بفصل متعلق بعشق الصور وما فيه من المفاسد العاجلة والآجلة وإن كانت أضعاف ما يذكره ذاكر فإنه يفسد القلب بالذات وإذا فسد القلب فسدت الإرادات والأقوال والأعمال وفسد ثغر التوحيد كما تقدم وسنقرره أيضا إن شاء الله تعالى ... والله سبحانه وتعالى إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من الناس وهم اللوطية والنساء فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادته به وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه مع إن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله عليه فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع وكان الداعي ها هنا في غاية القوة وذلك من وجوه :

أحدها : ما ركب الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام ، حتى إن كثيرا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء وهذا لا يذم إذا صادف حلالا ، بل يحمد كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصغار عن ثابت البناني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن " .
الثاني : أن يوسف عليه السلام كان شابا وشهوة الشباب وحدته أقوى .
الثالث : أنه كان عزبا لا زوجة له ولا سرية تكسر قوة الشهوة .
الرابع : أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه .
الخامس : أن المرأة كانت ذات منصب وجمال ، بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها .
السادس : أنها غير ممتنعة ولا آبية ، فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها لما يجد في نفسه من ذلك الخضوع والسؤال لها ، وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحبا ، كما قال الشاعر :
             وزادني كلفا في الحب أن منعت = أحب شيء الى الإنسان ما منعا

فطباع الناس مختلفة فمنهم من يتضاعف حبه عند بذل المرأة ورغبتها ويضمحل عند إبائها وإمتناعها ، وأخبرني بعض القضاة أن إرادته وشهوته تضمحل عند إمتناع امرأته أو سريته وإبائها ، بحيث لا يعاودها ، ومنهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع فيشتد شوقه كلما منع ، ويحصل له من اللذة بالظفر بالضد بعد إمتناعه ونفاره ، واللذة بإدراك المسألة بعد إستصعابها وشدة الحرص على إدراكها .
السابع : أنها طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد ، فكفته مؤنه الطلب وذل الرغبة إليها بل كانت هي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب إليه .
الثامن : أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها ، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له ، فاجتمع داعي الرغبة والرهبة .
التاسع : أنه لا يخشى أن تنمّ عليه هي ولا أحد من جهتها فإنها هي الطالبة والراغبة ، وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء .
العاشر : أنه كان مملوكا لها في الدار ، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه ، وكان الأنس سابقا على الطلب ، وهو من أقوى الدواعي كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب ما حملك على الزنا ؟ قالت : قرب الوساد وملول السواد ، تعني قرب وساد الرجل من وسادتي وطول السواد بيننا .
الحادي عشر : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال ، فأرته إياهن وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه فاستعان هو بالله عليهن فقال ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) .
الثاني عشر : أنها تواعدته بالسجن والصغار وهذا نوع إكراه ، إذ هو تهديد من يغلب على الظن وقوع ما هدد به ، فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار .
الثالث عشر : أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه ، بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف ( أعرض عن هذا ) وللمرأة ( واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع .
وهنا لم يظهر منه غيرة !ّ ومع هذه الدواعي كلها فآثر مرضات الله وخوفه وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنا فقال ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه ، وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين ، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد على الألف فائدة !! لعلنا إن وفق الله أن نفردها في مصنف مستقل ا.هـ [ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي / 282 ـ 284 ] .









                                          الخاتمة
وهكذا رأينا أنه من كان الله جل وعلا مولاه (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وسعد في الدنيا والآخرة  . أما الكافرون  (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) والعجيب أنهم ما ضلوا إلا (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) مع أن ما علموه لا يتعدى (ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
بل زعموا أن بإمكانهم أن يأتوا (مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ) (وغرهم بالله الغرور ) فشرعوا  لأنفسهم ولأبناهم (مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)  وسولت لهم أنفسهم فدونوا ما اختلقوه من أكاذيب وأباطيل في كتب وقالوا زورا وبهتانا أنها ( من عند الله ) فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
 وأصبحت الكتب بما أضافوه فيها وغيروه لا تليق بكتب سماوية من عند الله العزيز الحكيم فخرجت عن القدسية لأنها لا تعرف لله جل وعلا قدرا ولم تجل الأنبياء ولم تحفظ مكانتهم كما أنها لا تعرف للبشر حقوقا.  فعاثوا في الأرض الفساد ( بما أخلفوا الله ما وعدوه )
وما كان الحق سبحانه وتعالى ليذر الناس على ما هم عليه (حتى يميز الخبيث من الطيب )  فرحم الله جل وعلا العالم  وأرسل إليه خير خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  وأنزل  عليه خبر كتبه القرآن الكريم فــ ( لم يجعل له عوجا ) وجعله ( يهدى للتي هي أقوم )
كما أن القرآن الكريم  (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) وأصبح القرآن الكريم ( فيه تبيان كل شئ ) من آمن به  نجا ؛ ومن عمل به أجر ؛ ومن دعا  إليه  هدى  إلى صراط مستقيم . لأن المعصوم صلى الله عليه وسلم قال ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا ؛ كتاب الله وسنتي )
 






                                         المراجع
1-    القرآن الكريم
2-    الجامع لأحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991
3-    مختصر الطبري للإمام محمد بن جرير الطبري
4-    الميزان فى تفسير القرآن
5-    فتح الرحمن فى تفسير القران
6-    تفسير البيضاوي
7-    التفسير الشامل
8-    الكشاف الزمخشري
9-    كتب السنة
10-    البخاري
11-    الموطأ للإمام مالك
12-    المسند للإمام أحمد
13-    سنن الترمذي
14-    سنن أبو داود
15-    سنن ابن ماجة
16-    البداية والنهاية لابن كثير
17-    سير أعلام الحديث
18-    كتاب السنن
19-    شذرات الذهب
20-    علوم الحديث للإمام ابن كثير
21-    سير أعلام النبلاء
22-    فتح الباري-- للبخاري
23-    تهذيب التهذيب--  للحافظ ابن حجر العسقلاني
24-    رياض الصالحين للإمام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر
25-    لسان العرب-- ابن منظور 
26-    معجم الأدباء – ياقوت الحموي
27-    السنن– البيهقي
28-    تحفة المودود-- ابن القيم
29-    الرحيق المختوم – صفي الرحمن المبارك فوري
30-    المستدرك --للحاكم 
31-    الزواجر--- للهيثمى
32-     الفتح  ---الحافظ بن حجر
33-    فتح البارئ --للخطابى
34-     المجموع-- للنووي
35-    الإرواء للألباني
36-    ديوان ألفية محمد – د. -  صلاح القوصي
37-    ديوان هاشم الرفاعي
38-    إظهار الحق – رحمت الله الهندي
39-    هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية
40-    الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح-- ابن تيمية
41-    الصفة على المذاهب الأربعة --عبد الرحمن الحريري
42-    محمد في التوراة والإنجيل والقرآن --- إبراهيم خليل أحمد
43-    محمد فى الكتاب المقدس--- عبد الأحد داود
44-    قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران
45-    بروتوكولات حكماء صهيون ترجمة د / أحمد السقا
46-    تاريخ الأقباط  -- زكى شنودة
47-    زهر الكمام في قصة يوسف عليه السلام// عمر بن إبراهيم الأنصاري الأوسي

48-    سفر  التكوين
49-    سفر الخروج
50-    سفر التثنية
51-    سفر اللاوين
52-    سفر العدد
53-    سفر يشوع
54-    سفر القضاة
55-    سفر صموئيل
56-    سفر الملوك
57-    سفر إشعياء
58-    سفر عزرا
59-    سفر دانيال
60-    سفر عاموس
61-    سفر نشيد الإنشاد
62-    سفر الجامعة
63-    سفر أيوب
64-    المزامير
65-    إنجيل متى
66-    إنجيل يوحنا
67-    إنجيل لوقا
68-    أعمال الرسل
69-    إنجيل برنابا
70-    رسائل بولس إلى أهل غلاطيه
71-    رسائل بولس الى أهل رومية












                     الفهرس
مسلسل    الموضوع    الصفحة
1    الإهداء    2
2    المقدمة    3
4    بين يدي الكتاب     7
5    الباب الأول // يوسف عليه السلام بين حنان أبيه وغدر إخوته      11
6    أولا:بداية قصة يوسف عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم     13
7    ثانيا من العهد القديم    20
8    أفكار غير مترابطة          21 
9    بنوا إسرائيل وتأصيل النميمة    22
10    رؤيا يوسف عليه السلام     26
11    هل غضب يعقوب من ابنه يوسف عليهما السلام  ؟    28
12    أخلاقيات القرآن الكريم     30
13    وحيل بينهم وبين ما يشتهون    31
14     الكذب والتحايل     34
15    المؤامرة من العهد القديم    35
16    فأي الكتابين أولى بالإتباع ؟    39
17      الباب الثاني :   يوسف عليه السلام والإبتلأت     42
18    أشد الناس ابتلاء     44
19    وماذا بعد البئر ؟ أولا : من القرآن الكريم    45
20    وسائل التمكين في الأرض      49
21    يا لعظمة القرآن الكريم                                                   54 
22    أهل الكتاب وتجاهل الأخر     57
23    مباركة الله  جل وعلا لأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم     58
24    الابتلاء الأكبر :أولا  : من القرآن الكريم     60
25    الحياء بين القرآن الكريم والعهد القديم    63
26    أقول لبنى إسرائيل    65
27    أي منطق هذا ؟     71
28    أهل الكتاب وتهوين أمر الكبائر    72
29    لولا القرآن الكريم    73
30    السجن أحب إلى الأنبياء من ......    75
31    إن كيدهن عظيم    78
32    الأدلة على براءة يوسف عليه السلام    80
33    العفاف من الفطرة السليمة    82
34    الباب الثالث  // سيدنا يوسف عليه السلام في السجن    83
35    فليقل خيرا أو ليصمت    84
36    ثانيا : فترة السجن من العهد القديم     91
37    أمورا لا فائدة ولا جدوى من ذكرها    92
38    خطأ تاريخي واضح     93
39    شتان بين الرؤيتين في القرآن الكريم والعهد القديم :    95
40    القرآن الكريم وقدر الأنبياء ومكانتهم       101
41    كيف عالج العهد القديم القضية ؟    103
42    الباب الرابع //  زيارات إخوة يوسف عليه السلام لمصر     106
43    الزيارة الأولى:- أولا : من القرآن الكريم     106
45    الزيارة الأولى : من العهد القديم     108
46    ما هذا الذي يذكره العهد القديم ؟    110
47    لماذا قيد أخيه أمام أعينهم    111
48    وما معنى" أَعْدَمْتُمُونِي الأَوْلاَدَ؟"    112
49    الزيارة الثانية من القرآن الكريم    112
50    أولا : نبي الله يعقوب عليه السلام بين الحذر والرجاء    114
51    لقاء وحنين ورغبة في إبقاءه أخيه معه    114
52    إخوة يوسف عليه السلام كما هم    115
53    الصبر الجميل وأنوار النبوة    116
54    الزيارة الثالثة من القرآن الكريم    116
55    الزيارة الثالثة من العهد القديم    118
56    تكملة القصة من العهد القديم    120
57    من شابه أباه فما ظلم     122
58    لماذا طلب يوسف عليه السلام مكانا ليبكى فيه ؟    122
59    أين جاءوا إخوة يوسف بهذا الحكم ؟    123
60    وما ذنب الثياب ؟    124
61    الزيارة الرابعة من القرآن الكريم    125
62    قد يجمع الله الشتيتين     126
63    تضرع ورجاء     126
64    هؤلاء الآباء فما رأيكم ؟    127
65    إنها النبوة    128
66     تَأْوِيلُ الرُؤْي    131
67    الإسلام أمنية يوسف عليه السلام     132
68    ولكن نقلناها للأمانة    134
69    أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام
147
70     الخاتمة                                           154
71    المراجع      155
72    الفهرس      160



هل تعلمون ما فعلتم بيوسف

Download

About the book

Author :

أحمد إسماعيل زيد

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Biographies & Scholars