Home
About
Contact
Categories
Introducing Islam
Muhammad (PBUH)
Women in Islam
Misconceptions
Scientific Miracles
Jesus (PBUH) in Islam
Comparative Religions
The Existence of God
Why I became a Muslim!
For New Muslim
Purpose of Life
About Quran & Hadith
Fatwa (Q&A)
Morals & Ethics
Doctrine & Sects
The Hereafter
Biographies & Scholars
Transactions & Worship
Major Sins & Acts of Shirk
Jurisprudence
For Children
Arabic and it's science
Languages
English
- English
Arabic
- اللغة العربية
Chinese
- 中文
Russian
- Русский
Deutsch
- Deutsch
French
- Français
Spanish
- Español
Portuguese
- Português
Greek
- Ελληνικά
Italian
- Italiano
Romanian
- Română
Japanese
- 日本語
Turkish
- Türkçe
Hindi
- हिन्दी
Thai
- ไทย
Ukrainian
- Украïнська
Urdu
- اردو
Filipino
- Tagalog
Nepali
- नेपाली
Dutch
- Nederlands
Polish
- Polski
Swedish
- Svenska
Sinhalese
- සිංහල
Bosnian
- Bosanski
Swahili
- Kiswahili
Persian
- فارسى
Albanian
- Shqip
Czech
- Čeština
Korean
- 한국어
Hebrew
- עברית
Bengali
- বাংলা ভাষা
Vietnamese
- tiếng Việt
Malay
- Bahasa Melayu
Danish
- Dansk
Finnish
- suomi
Norwegian
- norsk
Armenian
- Հայերեն
Estonian
- Eesti
Tamil
- தமிழ் மொழி
Telugu
- తెలుగు
Slovak
- Slovenčina
Macedonian
- македонски
Uzbek
- Ўзбек
Bulgarian
- български
hungarian
- magyar
Indonesian
- Indonesian
Icelandic
- íslenska
Georgian
- ქართული
Mongolian
- Mongɣol
Hausa
- Hausa
Latvian
- latviešu
Lithuanian
- lietuvių
Yoruba
- Yoruba
Malayalam - Malabar
- മലയാളം
Burmese
- myanma
Amharic
- አማርኛ
Azerbaijani
- Azərbaycanca
Kurdish
- کوردی
Somali
- Af-Soomaali
Uyghur
- ئۇيغۇر تىلى
Sindhi
- سنڌي
Pashto
- پښتو
Comorian
- Comorian
Tajik
- Тоҷикӣ
Fula
- Fulani - Peul
Flata
- Falatia
Malagasy
- Malagasy
Chechen
- Chechen
N'ko Bambara
- Bamanankan
Brahui
- Brahui
Catalan
- català
Lingala
- Lingala
Kannada
- ಕನ್ನಡ
Maranao Iranon
- Mëranaw
Luganda
- Luganda
Afaan Oromoo
- Oromoo
Tigrinya
- ትግርኛ
Kirghiz - Kyrgyz
- Кыргызча
Turkmani
- Türkmen dili
Khmer Campodian
- ភាសាខ្មែរ
Circassian
- Circassian
Chewa
- Chichewa - Nyanja
Slovenian
- Slovenščina
Avar - Awari
- МагIарул мацI
Kazakh
- Қазақ тілі
Soninke
- Soninke
Tatar
- Татарча
Maldivian
- Maldivi - divehi
Serbian
- Српски
Wolof
- Wolof
Tamazight
- Tamazight
Romani Gipsy
- Romani ćhib
Zulu
- isiZulu
Rohingya
- Ruáingga
Belarusian
- беларуская
Visayan
- Bisayan - Bisaya
Kalagan
- Kalagan
Yakan
- Yakan
Tausug
- Bahasa Sūg
Maguindanao
- Maguindanao
Cham
- Cham
Sepedi
- Sepedi - Sesotho
Samal
- Samal
Papiamento
- Papiamento
Kashmiri
- कॉशुर كأشُر kạ̄šur
Tibetan
- Tibetan
Bashkir
- Башҡорт теле
Kinyarwanda
- Kinyarwanda
Croatian
- hrvatski
Mandar
- Mandar
Afrikanns
- Afrikanns
Afar
- Qafár af
Jola
- Jóola - Diola
Kurmanji
- Kurmancî
Ossetian
- Иронау
Mauritian
- Kreol Morisien
Esperanto
- Esperanto
Igbo
- Asụsụ Igbo
Xhosa
- isiXhosa
Karachay-Balkar
- Къарачай-Малкъ
Kanuri
- Kanuri
Bassa
- Bissa - Mbene
Marathi
- Marāţhī
Gujarati
- Gujarātī
Assamese
- অসমীয়া
Nuer
- Nuer - Naadh
Dinka/Bor
- Dinka/Bor
Shilluk/Chollo
- Shilluk/Dhøg Cøllø
Akan
- Akan/Twi/Fante
Ingush
- ГІалгІай мотт
Shona
- chiShona
Maltese
- Malti
Mossi
- Mõõré
Bambara
- Bamanan
Balochi
- بلوچی
Mandinka
- Mandi'nka kango
Sotho
- Sesotho
Nzema
- Nzima
Fante dialect of Akan
- Fanti
Mouskoun
- Mouskoun
Dagbani
- Dagbanli
Lusoga
- Soga
Luhya
- Luhiya
Gonja
- Gonja
Home
Books
هجر المبتدع
Books
TVs
Radios
Articles
Fatwas
Quran
Videos
Audios
Authors
Apps
Websites
هجر المبتدع
هجر المبتدع
هجر المبتدع
لصاحب الفضيلة العلامة
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد
- سلمه الله تعالى -
قام بتنسيق الرّسالة ونشرها : سلمان بن عبد القادر أبو زيد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنه في حال من انفتاح ما كان يخشاه النبي ﷺ على أمته في قوله عليه الصلاة والسلام: (أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)( ).
وانفتاح العالم بعضه على بعض، حتى كثرت في ديار الإسلام الأخلاط، وداهمت الأعاجم العرب، وكثر فيهم أهل الفرق، يحملون معهم جراثيم المرض العقدي والسلوكي.
وفي وسط من تداعي الأمم كما قال ﷺ: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق...)( ) وأمام هذا: غياب رؤوس أهل العلم حينًا، وقعودهم عن تبصير الأمة في الاعتقاد أحيانًا، وفي حال غفلة سرت إلى مناهج التعليم بضعف التأهيل العقدي، وتثبيت مسلمات الاعتقاد في أفئدة الشباب، وقيام عوامل الصد والصدود عن غرس العقيدة السلفية وتعاهدها في عقول الأمة.
في أسباب تمور بالمسلمين مورًا، يجمعها غايتان :
* الأولى: كسر حاجز (الولاء والبراء) بين المسلم والكافر، وبين السني والبدعي، وهو ما يسمى في التركيب المولَّد باسم: (الحاجز النفسي)، فيكسر تحت شعارات مضللة:(التسامح) (تأليف القلوب) (نبذ: الشذوذ والتطرف والتعصب)، (الإنسانية)( ) ونحوها من الألفاظ ذات البريق، والتي حقيقتها (مؤامرات تخريبية) تجتمع لغاية القضاء على المسلم المتميز وعلى الإسلام.
* الثانية: فُشو (الأمية الدينية) حتى ينفرط العقد وتتمزق الأمة، ويسقط المسلم بلا ثمن في أيديهم وتحت لواء حزبياتهم، إلى غير ذلك مما يعايشه المسلمون في قالب:(أزمة فكرية غثائية حادة) أفقدتهم التوازن في حياتهم، وزلزلت السند الاجتماعي للمسلم (وحدة العقيدة)، كلٌّ بقدر ما علَّ من هذه الأسباب ونهل، فصار الدخل، وثار الدخن وضعفت البصيرة، ووجد أهل الأهواء والبدع مجالًا فسيحًا لنثر بدعهم ونشرها، حتى أصبحت في كف كل لافظ، وذلك من كل أمر تعبدي محدث لا دليل عليه (خارج عن دائرة وقف العبادات على النص ومورده).
فامتدت من المبتدعة الأعناق، وظهر الزيغ، وعاثوا في الأرض الفساد، وتاجرت الأهواء بأقوام بعد أقوام، فكم سمعنا بالآلاف من المسلمين وبالبلد من ديار الإسلام يعتقدون طرقًا ونحلًا محاها الإسلام. إلى آخر ما هنالك من الويلات، التي يتقلب المسلمون في حرارتها، ويتجرعون مرارتها، وإن كان أهل الأهواء في بعض الولايات الإسلامية هم :
مغمورون، مقموعون، وبدعهم مغمورة مقهورة، بل منهم كثير يؤوبون لرشدهم، فحمدًا لله على توفيقه، لكن من ورائهم سرب يحاولون اقتحام العقبة، لكسر الحاجز النفسي وتكثيف الأمية الدينية في ظواهر لا يخفى ظهور بصماتها في ساحة المعاصرة وأمام العين الباصرة.
والشأن هنا في تذكير المسلم بالأسباب الشرعية الواقعية من "المد البدعي، واستشرائه بين المسلمين، والوعاء الشامل لهذه الذكرى": القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، والتبصير في الدين، وتخليص المنطقة الإسلامية من شوائب البدع والخرافات والأهواء والضلالات، وتثبيت قواعد الاعتقاد السلفي المتميز على ضوء الكتاب والسنة في نفوس الأمة.
ومن أبرز معالم التميز العقدي فيها، وبالغ الحفاوة بالسنة والاعتصام بها، وحفظ بيضة الإسلام عما يدنسها:
نصب عامل "الولاء والبراء" فيها، ومنه: إنزال العقوبات الشرعية على المبتدعة، إذا ذكروا فلم يتذكروا، ونهوا فلم ينتهوا، إعمالًا لاستصلاحهم وهدايتهم وأوبتهم بعد غربتهم في مهاوي البدع والضياع، وتشييدًا للحاجز بين السنة والبدعة، وحاجز النفرة بين السني والبدعي، وقمعًا للمبتدعة وبدعهم، وتحجيمًا لهم ولها عن الفساد في الأرض، وتسرب الزيغ في الاعتقاد، ليبقى الظهور للسنن صافية من الكدر، نقية من علائق الأهواء وشوائب البدع، جارية على منهاج النبوة وقفو الأثر، وفي ظهور السنة أعظم دعوة إليها ودلالة عليها، وهذا كله عين النصح للأمة.
فالبصيرة إذًا في العقوبات الشرعية للمبتدع: باب من الفقه الأكبر كبير، وشأنه عظيم، وهو رأس في واجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصل من أصول الاعتقاد بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ولهذا تراه بارز المعالم في كتب الاعتقاد السلفي "اعتقاد أهل السنة والجماعة".
كل هذا تحت سلطان القاعدة العقدية الكبرى (الولاء والبراء)( ) التي مدارها على الحب والبغض في الله تعالى، الذي هو (أصل الدين) وعليه تدور رحى العبودية.
وهذه العقوبات الشرعية التي كان يتعامل بها السلف مع أهل البدع والأهواء، متنوعة ومتعددة في مجالات:
الرواية، والشهادة، والصلاة خلفهم وعليهم، وعدم توليتهم مناصب العدالة كالإمامة والقضاء، والتحذير منهم ومن بدعهم وتعزيرهم بالهجر، إلى آخر ما تراه مرويًا في كتب السنة والاعتقاد، مما حررت مجموعه في "أصول الإسلام لدرء البدع عن الأحكام".
وما في هذه الرسالة هو في خصوص (الزجر بالهجر للمبتدع ديانة)( ) لأهميته في: التميز، والردع، وعموم المطالبة به، ولأنه أصبح في الغالب من (السنن المهجورة)، تحت العوامل المذكورة في صدر هذه المقدمة، لهذا رأيت إفراده بهذه الرسالة إحياءً لهذه السنة، ونشرًا لها بضوابطها الشرعية التي تحفظ للمبتدع كرامته مسلمًا، وتكشف بدعته بوصفه مبتدعًا، ما لم تكن مكفرة كبدعة: القدر( ) والباب، والبهاء... وتحفظ على أهل السنة والجماعة كف بدعته ومداخلتها في صفوفهم، وهذا واجب باتفاق المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بيان وجوب النصح لصالح الإسلام والمسلمين:
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل، فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً اهـ( )
هذا وما سيمر نظرك عليه في هذه الرسالة، فإنه ينتظم في جملته: أحكام الهجر الشرعي للكافر والمبتدع الضال ببدعته والعاصي المجاهر بمعصيته، لكن صار نسج الكلام وجلب الروايات والنقول في "هجر المبتدع"، لأن ضرره أعظم وخطره أشد، كما مر بك في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ويأتي له نظائر إن شاء الله تعالى.
وتجد رؤوس المعتبرات في هذه الرسالة على ما يلي:
1 - مقاصد الإسلام في الهجر.
2 - أنواعه.
3 - شروطه.
4 - صفته.
5 - منزلة هجر المبتدع من الاعتقاد.
6 - الأدلة العلمية من الكتاب والسنة والإجماع.
7 - إعمال الصحابة فمن بعدهم له في مواجهة المبتدع.
8 - ضوابط الهجر في الشرع.
9 - عقوبة من والى المبتدعة.
10 - التحذير من إشاعة البدعة.
فاللهم (ارزقنا هديًا قاصدًا)( ) و(جنِّبنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء).
المبحث الأول : مقاصد الإسلام في الهجر
فوائد الهجر للمبتدع التي قصدها الشرع كثيرة، منها ما يعود إلى الهاجرين القائمين بهذه الوظيفة الشرعية العقدية، ومنها ما يعود إلى المهجور وإلى عامة المسلمين، وإلى حماية السنن من البدع والأهواء، فالهجر الشرعي ومنه (هجر المبتدعة) : عقوبة زجرية متعددة الغايات والمقاصد الشرعية المحمودة، وهي على ما يلي :
1- أن (الزجر بالهجر) عقوبة شرعية للمهجور، فهي من جنس الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وأداء لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقربًا إلى الله تعالى بواجب الحب والبغض فيه سبحانه وتعالى.
2 - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في هذه البدعة وتحذيرهم.
3 - تحجيم انتشار البدعة.
4 - قمع المبتدع وزجره، ليضعف عن نشر بدعته، فإنه إذا حصلت مقاطعته والنفرة منه بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته، وترك تحسيسه ببدعته: فهذا تزكية له، وتنشيط وتغرير بالعامة، إذ العامي مشتق من العمى، فهو بيد من يقوده غالبًا، فلابد إذًا من الحجر على المبتدع استصلاحًا للديانة وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.
وبعد أن نقل الشاطبي رحمه الله تعالى بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال:
(فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر، لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته، وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا، كالضرب والقتل، فصار توقيره صدودًا عن العمل بشرع الإسلام. وإقبالًا على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه.
وأيضًا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام:
* أحدهما: التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.
* والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انتشار الابتداع في كل شيء. وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه ا هـ( )
5 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن. والله أعلم.
المبحث الثاني : أنواع الهجر
وهي ثلاثة :
* الأول : الهجر ديانة، أي: (الهجر لحق الله تعالى) وهو من عمل أهل التقوى، في: هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا.
وهذا النوع من الهجر للفجار على قسمين :
1 - هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة. قال الله تعالى: ﴿ والرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾. وقال تعالى: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾( ) وقال تعالى: ﴿ وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ﴾
وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ).
2 - هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على الفجار كالمبتدع، على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر، حتى يتوب المبتدع ويفيء.
وهذا القسم هو الذي تدور عليه الأبحاث في هذه الرسالة المباركة.
وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.
- تنبيه في هجر الكافر:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي، وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعًا ولا يشرع هجران الكافر، وهو أشد جرمًا منهما لكونهم من أهل التوحيد في الجملة. وأجاب ابن بطال: بأن لله أحكامًا فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه. وأجاب غيره: بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر لاسيما إذا كان حربيًا، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبًا، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها) ا هـ( )
والظاهر ما قاله النووي رحمه الله تعالى من أن للمسلم هجر الكافر من غير تقييد( ) لما هو معلوم من الأصل الشرعي العام من تحريم موالاة الكفار، والتحذير من موادتهم وتعظيم ما يؤدي إلى ذلك، ونصب الأسباب الموصلة إلى ظهور المسلم عليهم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال : (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه أحمد ومسلم وغيرهما. والنصوص في تحريم موالاة الكافرين من الكتاب والسنة وآثار السلف كثيرة مشهورة، والله أعلم( )
* الثاني : الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي (الهجر لحق العبد): وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، بأسانيد في الصحيحين وغيرها( ) وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال، كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث.
ومن الهجر هنا: هجر الوالد لولده، والزوج لزوجته، وقد هجر النبي ﷺ نساءه شهرًا.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال).
وبعد أن بين الخطابي رحمه الله تعالى: أن ما وراء الثلاث على المنع قال : (فأما هجران الوالد ولده والزوج لزوجه، ومن كان في معناهما فلا يضيق أكثر من ثلاث، وقد هجر رسول الله ﷺ نساءه شهرًا). ا هـ( ).
وهذا النوع من الهجر من مباحث الرقاق والآداب.
* النوع الثالث: الهجر قضاء، وهو من العقوبات التعزيزية للمعتدين، وهذا يبحثه الفقهاء في باب التعزيز( ).
المبحث الثالث : شروط الهجر
الهجر الشرعي للفجار من المبتدعين، والفساق (عبادة)، والعبادة لابد من توفر ركنيها:
1 - الإخلاص، وهو ميزان الأعمال في باطنها.
2 - والمتابعة، وهو ميزان الأعمال في ظاهرها.
فلابد من أن يكون الهجر: خالصًا صوابًا، فالهجر لهوى النفس: ينقض الإخلاص، والهجر على خلاف الأمر: ينقض المتابعة. والله أعلم.
المبحث الرابع : صفات الهجر( )
الأصل في الهجر هو الإعراض بالكلية عن المبتدع والبراءة منه.
ومن مفرداته:
1 - عدم مجالسته.
2 - الابتعاد عن مجاورته.
3 - ترك توقيره. ترك مكالمته.
4 - ترك السلام عليه.
5 - ترك التسمية له.
6 - عدم بسط الوجه له مع عدم هجر السلام والكلام.
7 - عدم سماع كلامه وقراءتهم.
8 - عدم مشاورتهم.
وهكذا من الصفات التي يتأدى بها الزجر بالهجر، وتحصل مقاصد الشرع.
المبحث الخامس : منزلة الهجر من الاعتقاد
يؤصل علماء الإسلام (هجر المبتدع ديانة) تحت القاعدة العقدية الكبرى (قاعدة الولاء والبراء)( )
ومفهوم هذه القاعدة الشريفة لدى أهل السنة والجماعة هو: الحب والبغض في الله، فهم يوالون أولياء الرحمن، ويعادون أولياء الشيطان، وكلٍ بحسب ما فيه من الخير والشر.
وفي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره المرء أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه( ).
وعن أبي إمامة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود والضياء( )
يحيى بن معاذ : (حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء)( )
وهذه القاعدة من مسلمات الاعتقاد في الإسلام، لكثرة النصوص عليها من الكتاب والسنة والأثر( ) ومن أولى مقتضياتها التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها البراءة من أهل البدع والأهواء، ومعاداتهم، وزجرهم بالهجر ونحوه، على التأبيد حتى يفيئوا، وهذا موفور في عامة كتب اعتقاد أهل السنة والجماعة( )
وأكتفي بما أصله الإمام أبو إسماعيل الصابوني م سنة 449 هـ رحمه الله تعالى إذ قال : (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الديني، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان قَرّت بالآذان وقرت بالقلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.
ثم ذكر علامات أهل البدع، وعلامات أهل السنة، ثم قال: (واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم…) ا هـ( )
والعقوبة بالهجر للمبتدع إحدى العقوبات الشرعية التي ينزلها أهل السنة بالمبتدعة، حسب البدع والأهواء التي يتلبسون، بها، ومنها ما تقدمت الإشارة إليه والله أعلم.
المبحث السادس : الأدلة من الكتاب والسنة على هجر المبتدع ديانة
هذا التأصيل العقدي: الزجر بالهجر للمبتدع ديانة، مستمد من دلائل: الكتاب، والسنة، والإجماع
وإلى بيان بعض منها :
* أولًا الكتاب العزيز :
ففيه آيات كثيرة في التأكيد على الموالاة في الله، والمعاداة فيه، في سور: البقرة، وآل عمران، والأنعام، والنساء، والمجادلة وغيرها( ) ونقتصر هنا على ذكر أربع آيات من سور: الأنعام، والنساء، وهود، والمجادلة، والتي نص العلماء في تفسيرها على عقوبة المبتدع بالهجر ودلالتها عليه، وذلك باعتبار عموم اللفظ في كل آية، وهذا هو المعتبر دون خصوص السبب، ففي عموم كل آية منها دليل على الهجر والإعراض والاجتناب، والمجالسة، لكل مبتدع محدث في الدين حتى يفيء، وعلى هذا تدل كلمة من تراه من المفسرين وغيرهم.
وهذه من أجل الفوائد في تفسير النصوص من آية أو حديث، إذ يشمل تفسيرها الأمرين :
الأول: ما هي نص فيه.
الثاني: ما يؤخذ منه حكم له وإن لم يكن نصا فيه باعتبار العموم والاستنباط من كتاب الله تعالى وأسرار تنزيله، وكما في حديث الصحيفة المشهور. (أو فهمًا يؤتيه الله رجلا في كتابه).
وهذه قاعدة شريفة فلا يفوتنك الوقوف عليها، وبخاصة لدى الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى، وعنه بل بأبسط في كتاب (حد الإسلام وحقيقة الإيمان)( )
وإلى بيانها :
1 - ومنها قول الله تعالى في سورة الأنعام : 68( ): ﴿ وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وفي هذه الآية دلالة على تحريم مجالسة أهل البدع والأهواء وأهل الكبائر والمعاصي.
قال القرطبي رحمه الله تعالى : ( في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج، وأتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين،. ويصوبوا آرائهم تقية، وذكر الفري عن أبي جعفر محمد بن علي رض الله عنه أنه قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
قال ابن العربي : وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل.
قال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمنا كان أو كافرا،
قال: وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو، وكنائسهم، والبيع ومجالسة الكفار وأهل البدع، وألا تعتقد مودتهم، ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم، ثم ذكر بعض الآثار عن السلف في هجر المبتدعة) ا هـ ( )( )
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: (وفى هذه الآية موعظة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون. كلام الله، ويتلاعبون بكتاب وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون، به شبهة يشبهون بها على العامة، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر. وقد شاهدنا من هذه المجالسة الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها: علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح، مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مدة عمره، ويلقى الله به معتقدًا أنه من الحق، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر) ا هـ( )
2 - ومنها قوله تعالى: النساء 140: ﴿ وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ والْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾
قال القرطبي رحمه الله تعالى ما محصله : (فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر ؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: ﴿إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ﴾ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية..
وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى( )
وروى جويبر عن الضحاك قال : (دخل في هذه الآية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة)( ) وقال القرطبي أيضًا رحمه الله تعالى عند قول الله تعالى : ﴿ وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ، ومضى في النساء، وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال : ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ الآية، ثم بين في سورة النساء، وهي مدنية. عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به فقال: ﴿ وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَاب﴾ الآية، فألحق من جالسهم بهم.
وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم: أحمد بن حنبل والأوزاعي، وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع، قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم)( )
وقال الشوكانى رحمه الله تعالى: (وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب :
دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية كما يقع كثيرًا من أسراء التقليد…)( ).
3 - ومنها قوله تعالى في سورة هود/ 113 : ﴿ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ﴾.
قال القرطبي رحمه الله تعالى : (الصحيح في معنى هذه الآية أنها دالة على هجران أهـل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم أي طرفة بن العبد : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في: آل عمران، والمائدة، وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار، والله أعلم)( ).
4 - ومنها قول الله تعالى : ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم﴾ [ المجادلة : 22].
قال القرطبي رحمه الله تعالى : (استدل مالك رحمه الله تعالى من هذه الآية على معاداة القدرية، وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ ورَسُولَهُ﴾ قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهـل الظلم والعدوان)( ).
ثانيًا ومن السنة النبوية :
وهي كثيرة يترجم لها المحدثون في عدة أبواب:
أ - ففي صحيح البخاري رحمه الله تعالى: باب الهجرة وقول رسول الله ﷺ: ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث )، وباب ما يجوز من الهجران لمن عصى، وباب من لم يسلم على من اقترف ذنبًا، ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي؟ وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلموا على شربة الخمر( ).
ب - وفي سنن أبي داود رحمه الله تعالى: باب مجانبة أهل الأهواء أو بغضهم، وباب ترك السلام على أهل الأهواء( ).
ج - وفي رياض الصالحين للنووي رحمه الله تعالى: باب تحريم الهجر بين المسلمين إلا لبدعة في المهجور أو تظاهر بالفسق( ).
د - وفي شرح السنة للبغوي رحمه الله تعالى: باب مجانبة أهل الأهواء( ).
هـ - وفي الترغيب والترهيب للمنذري رحمة الله تعالى: الترهيب من سب الأشرار وأهل البدع لأن المرء مع من أحب( ).
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم) رواه مسلم في مقدمة صحيحه( ).
قال البغوي رحمه الله تعالى بعده: (قد أخبر النبي لهم عن افتراق هذه الأمة، وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته، وسنة أصحابه رضي الله عنهم، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلًا يتعاطى شيئًا من الأهواء والبدع معتقدًا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيًا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته، ويراجع الحق)( ).
والنهي عن الهجران فوق ثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما كان كذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا) اهـ.
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم). رواه أحمد، والطبراني والحاكم( ).
والأحاديث بمعناه كثيرة عن حذيفة، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو، وعمر، وابن عباس، وغيرهم رواها جميعًا الإمام أحمد في مسنده، وشاركه في رواية بعضها: أبو داود، والترمذي، والحاكم، والطبراني، وغيرهم. والله أعلم..
3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: ﴿هُوَ الَذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ومَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ قالت: قال رسول الله ﷺ : (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) متفق عليه( ).
وابتغاء المتشابه من مآخذ أهل البدع في الاستدلال، وقد حذر النبي ﷺ منهم بقوله: (فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم).
4 - حديث الصحيفة المشهور عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ وفيه: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين...) الحديث متفق عليه( ).
5 - حديث: (سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض)( ) رواه الترمذي.
6 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) رواه مسلم( ).
7 - الأحاديث المتكاثرة في: هجر النبي لأهل المعاصي حتى يتوبوا، ثبت ذلك في وقائع متعددة، رواها عن النبي ﷺ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: كعب بن مالك، وابن عمرو روى حديثين، وعائشة وأنس، وعمار، وعلي، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم رضي الله عنهم( ).
* فهجر النبي ﷺ كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزاة تبوك، واستمر هجرهم خمسين ليلة، حتى آذن رسول الله ﷺ بتوبة الله عليهم (رواه الشيخان وغيرهما).
* وهجر ﷺ زينب بنت جحش رضي الله عنها قريبًا من شهرين لما قالت أنا أعطبى تلك اليهودية تعنى صفية رضي الله عنها. رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها.
* وهجر ﷺ صاحب القبة المشرفة بالإعراض عنه حتى هدمها. رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه.
* وهجر ﷺ عمار بن ياسر رضي الله عنه بتركه ﷺ رد السلام عليه لملابسته الخلوق حتى غسله. رواه أبو داود في سننه والطيالسي كلاهما من حديث عمار رضي الله عنه.
* وهجر ﷺ رجلًا بالإعراض عنه ؛ لأنه كان متخلقًا بخلوق.. رواه البخاري في: الأدب المفرد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
* وهجر النبي ﷺ رجلًا رأى في يده خاتمًا من ذهب حتى طرحه، وكان هجره له بالإعراض عنه. رواه أحمد والبخاري في: الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
ونحوه من حديث أبي سعيد الخدري رضي إلى عنه (رواه النسائي والبخاري في: الأدب المفرد).
* وهجر النبي ﷺ رجلًا بترك رد السلام عليه وذلك لأن عليه ثوبين أحمرين (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
فهذه الأحاديث وما في معناها نص في مشروعية هجر العاصي المجاهر بمعصيته حتى يتوب ويفيء، وعليه: فإن الاستدلال بها على هجر المبتدع هو من باب الأولى في الدلالة على: مشروعية هجره ديانة لاسيما وهو المخصوص بأوصاف: البدعة في الدين، والإحداث والضلال، دون العاصي،
وإلى هذا أشارت تراجم جماعة من المحدثين على هذه الأحاديث وما في معناها كما تقدم في صدر هذه الأدلة
من السنة، والله أعلم.
8 - توظيف الصحابة رضي الله عنهم فَمَن بعدهم لهذه السنة النبوية.
والصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم تقفوا أثر النبي ﷺ في هجر المتلبس بالمعصية المجاهر بها حتى يفيء. ورد ذلك عن جمع غفير منهم( ): عمر، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن المغفل المزني، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وسمرة بن جندب، وشيخ من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم رضي الله عنهم.
وعن سعيد بن جبير، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وأحمد بن حنبل، وزياد بن حدير، ويزيد بن أبي حبيب، وغيرهم رحمهم الله تعالى..
فإلى ذكر بعضها مختصرًا :
* فهجر عمر رضي الله عنه: زياد بن حدير لما رأى عليه طيلسانًا وشاربه عافيةً، إذ سلم زياد فلم يرد عليه عمر السلام حتى خلع الطيلسان وقص شاربه. رواه أبو نعيم في الحلية.
تنبيه: كيف بنا اليوم، ونحن نتهلل بالحفاوة لمن يحلق لحيته ويعفي شاربه ويتشبه بلباسه.
* وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. كان يعتقل أصحاب النرد غدوة ونحوها، وينهى عن السلام عليهم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وترجم له بقوله: باب من لم يسلم على أصحاب النرد.
* وهجر عبد الله عمر رضي الله عنهما رجلًا رآه يخذف بعدما أعلمه أن النبي ﷺ كان ينهي عن الخذف. وقال: والله لا أكلمك أبدًا. رواه الحاكم.
* وهجر عبد الله بن المفضل رضي الله عنه: رجلًا يخذف في نحو قصته.
* وهجر شيخ من أصحاب رسول الله ﷺ: فتى كان يخذف. رواه الدارمي.
* وعبادة بن الصامت رضي الله عنه هجر معاوية رضي الله عنه في مخالفته له في مسألة ربوية وقال عبادة: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، ولما خرج شكاه إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر: لا إمرة لك عليه واحمل الناس على ما قاله فإنه هو الأمر. رواه ابن ماجه.
* ونحو هذه الرواية وقعت لأبي الدرداء مع معاوية رضي الله عنهما. رواها مالك، والشافعي.
* وهجر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلًا رآه يضحك في جنازة، فقال: والله لا أكلمك أبدًا. رواه أحمد في الزهد.
* ثالثًا: الإجماع:
حكاه جماعة منهم: القاضي أبو يعلى، والبغوي، والغزالي.
- قال القاضي أبو يعلى رحمه الله تعالى: (أجمع الصحابة والتابعون على مقاطعة المبتدعين).
- وقال البغوي رحمه الله تعالى بعد حديث كعب بن مالك رضي الله عنه( ): (وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول الله ﷺ خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا من الخروج معه، فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله ﷺ براءتهم، وقد مضت الصحابة والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم).
- وقال الغزالي رحمه الله تعالى: (طرق السلف اختلفت في إظهار البغض مع أهل المعاصي، وكلهم اتفقوا على إظهار البغض للظَّلَمة والمبتدعة، وكل من عصى معصية متعدية إلى غيره).
- وقال ابن عبد البر( ) رحمه الله تعالى : (أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورُب هجر جميل خير من مخالطة
مؤذية).
- وقال أيضًا في الاستدلال من حديث كعب بن مالك وهجر النبي ﷺ له هو والمسلمون( ): (وهذا أصل عند العلماء في مجانبة مَن ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلًا يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا).
المبحث السابع : إعمال الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم
لهذه القاعدة في حياتهم العملية في مواجهة المبتدعة
لما ذَرَّ قرن الفتنة بكسر قفلها، وقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وبدأ المندسون يبدون ما كانوا يضمرون من كيد للإسلام والمسلمين، أخذوا ينفخون في كير الفتنة، وينشرون الهوى وينفثون البدعة، بدع: القدر، والخوارج والرفض، والإرجاء، وهكذا تتوالى، كلما بعد الناس من عهد النبوة وأنوارها، حتى داخلت البدع والمحدثات شعائر التعبد وصارت مفرداتها كحَب منثور في كف كل لاقط.
لما كان الأمر كذلك واجه العلماء رضي الله عنهم فمن بعدهم هذه المحدثات العقدية والعملية، بإيمان مستكمل، وعلم جم، وبصيرة نافذة فأظهروا من أنوار الشريعة الماحية لظلمة الضلال ما اكتسح هذه الأهواء، وقضى على نابتها، وأعملوا فيهم العقوبات الشرعية، حتى قلموهم، وأجهزوا على محدثاتهم في الدين، وكان الزجر بالهجر مما وظفوه رضي الله عنهم في حياتهم العملية ضد البدعة ومبتدعيها تأسيسًا على قاعدة (الولاء والبراء) والحب لله والبغض لله.
ومازال هذا النهج السوي شارعًا في حياة الأمة يعتمدونه في مواجهة المبتدعة، مدونًا بأسانيده في كتب السنة، وهذه جملة من المرويات في هذه الوظيفة الشرعية بخصوصها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم:
* فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أخبره يحيى بن يعمر عن القدرية قال: (إذا رجعت إليهم فقل لهم: ابن عمر يقول لكم: إنه منكم بريء، وأنتم منه براء) رواه مسلم وغيره( )
* وعن مجاهد قال: قيل لابن عمر: إن نجدة يقول كذا وكذا ؛ فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه منه شيء( ).
* عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة، ولكن الشيطان يحدث له بدعًا حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فريضة في الصلاة، والصيام، والحلال والحرام، ويتكلمون في ربهم عز وجل فمَن أدرك ذلك الزمان فليهرب. قيل يا أبا عبد الرحمن: فإلى أين؟!، قال: إلى لا أين، قال: يهرب بقلبه ودينه، لا يجالس أحدًا من أهل البدع)( )
* وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (ما كان شرك قط إلا كان بُدُوّه تكذيب بالقدر ولا أشركت أمة قط إلا كان بدوه تكذيب بالقدر، وإنكم ستبلون بهم أيتها الأمة! فإن لقيتموهم فلا تمكّنوهم ؛ فيدخلوا عليكم الشبهات)( ).
* وعن الفضيل بن عياض قال: (من جلس مع صاحب بدعة فاحذره، ومن جلس مع صاحب البدعة لم يُعطَ الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، آكل مع اليهودي والنصراني أحب إليَّ من أن آكل مع صاحب البدعة)( ).
* وعن الفضيل بن عياض: من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام، واحذروا الدخول على صاحب البدع فإنهم يصدون عن الحق( ).
* وعنه أيضًا: في النهي عن مجالستهم( ).
* وعنه أيضًا: في النهي عن مجالسته ومشاورته( )
* وعنه أيضًا: في النهي عن مجالسته وأنها من علامات النفاق( )
* وعنه أيضًا قال: أدركت خيار الناس، كلهم أصحاب سنة ينهون عن أصحاب البدع( ).
* وعنه آثار أُخر كما في ترجمته من (الحلية لأبي نعيم)( )
* وعن ابن المبارك: وإياك أن تجالس صاحب بدعة( )
* وعن سفيان الثوري رحمه الله تعالى أنه قال: (من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها يعني إلى البدع ). ذكره البربهاري في شرح السنة( ).
* وروى اللالكائي بسنده عن ابن زرعة عن أبيه قال: (لقد رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحِلَق، فكلما جلس إلى حلقة قاموا وتركوه، فإن جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين)( ).
* وعن ابن أي الجوزاء قال: لأن يجاورني قردة وخنازير، أحب إليَّ من أن يجاورني أحد منهم يعني أصحاب الأهواء( ).
* وعن طاوس: جعل إصبعيه في أذنيه لما سمع معتزليًا يتكلم( ).
* وعبد الرزاق: امتنع من سماع إبراهيم بن أبي يحيى المعتزلي، وقال: لأن القلب ضعيف وإن الدين ليس لمن غلب( )
* وعن محمد بن النضر الحارثي: النهي عن الإصغاء إلى كلام المبتدعة( ).
* وعن يونس بن عبيد: لا نجالس سلطانًا ولا صاحب بدعة( ).
* وعن يحيى بن أبي كثير: إذا كنت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره( ).
* وعن إبراهيم بن ميسرة: ومن وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام( ).
* وعبد الله بن عمر السرخسي: هجر ابن المبارك مدة لما أكل عند صاحب بدعة( ).
* وقال سلاَّم: وقال رجل من أصحاب الأهواء لأيوب: أسألك عن كلمة، فولى أيوب وهو يقول: ولا نصف كلمة، مرتين يشير بإصبعيه( ).
* ومثله عن أبي عمران النخعي( ).
* وعن الحسن البصري قوله: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم( ).
* وعن محمد بن سيرين: في عدم سماع قراءتهم( ).
* وعن أبي قلابة: تجالسوهم ولا تخالطوهم فإنه لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويلبّسوا عليكم كثيرًا مما تعرفون( ).
* وعنه أيضًا: ولا تمكّن أهل الأهواء من سمعك( ).
* وأما الإمام أحمد رحمه الله تعالى فالروايات عنه في ذلك من فعله، وقوله، وفتواه بلغت مبلغًا عظيمًا.
* وقال مالك: لا يسلم على أهل الأهواء،
* قال ابن دقيق العيد: يكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم( )
* وقال النووي: وأما المبتدع ومن اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يتب منه فلا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كما قال جماعة من أهل العلم( ).
* وقال أيضًا: السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم ويقصد به المسلم،
* قال ابن العربي: ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة، وبمجلس فيه عدول وظَلمة، وبمجلس فيه محب ومبغض( ).
* وقال الخطابي رحمه الله تعالى : (إن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق( ).
المبحث الثامن : الضوابط الشرعية للهجر
هذا بيان (لميزان الشرع في الهجر) وهو من أهـم أبحاث هذا الواجب الشرعي، وعليه: فإذا علمنا أن الزجر بالهجر للمبتدع حتى يتوب إلى الله تعالى، قد قامت عليه أدلة بخصوصه، وأنه من أولى مفردات قاعدة الشريعة المطردة (الولاء والبراء) أي الحب والبغض في الله تعالى.
وعلمنا أيضًا: أن المقصود بالهجر: زجر المهجور، وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، إلى آخر مقاصد الإسلام من مشروعية الهجر كما تقدم. وأن الهجر الشرعي لحق الله تعالى (عبادة) من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادة لا بد من توفر ركنيها: الإخلاص، والمتابعة، أي بأن يكون الهجر (خالصًا صوابًا) خالصًا لله، صوابًا وفق السنة، وأن (هوى النفس) ينقض ركنية (الإخلاص)، كما أن ركن المتابعة ينقضه (عدم موافقة الهجر للمأمور به).
إذا تقرر جميع ذلك: فليعلم أن الشرع الشريف يزن الواقعات والأحوال الداخلة تحت قاعدته العامة (الولاء والبراء) بميزان قسط، وقسطاس مستقيم، وسطًا عدلًا بين جانبي الإفراط والتفريط، فلا تزيد عن حدها ولا تنقص عنه، فتلتقي العفوية للمبتدع بالهجر مع مقدار بدعته باعتبارات مختلفة، وما يحف بذلك من أحوال تنزل على قاعدة رعاية المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، فنقول إذًا:
الأصل في الشرع هو: هجر المبتدع لكن ليس عامًا في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع. وترك الهجر والإعراض عنه بالكلية، تفريط على أي حال، وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص، والإجماع، وأن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها واختلاف مبتدعها واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة، وهكذا من وجوه الاختلاف والاعتبار التي يرعاها الشرع وميزانها للمسلم الذي به تنضبط
المشروعية هو: مدى تحقق المقاصد الشرعية من الهجر: من الزجر، والتأديب، ورجوع العامة، وتحجيم المبتدع وبدعته وضمان السنة من شائبة البدعة..
هذا محصل الضوابط الشرعية للهجر( ) لكن ليحذر كل مسلم من توظيف (هوى نفسه) وتأمير (حظوظها) على نفسه، فإن هذا هلكة في الحق، وهو شر ممن يترك الهجر عصيانًا لأنه يعصي الله تعالى بترك الهجر الشرعي للمبتدع، وإظهاره ترك الهجر باسم الشرع تحت غطاء وهمي باسم (المصلحة) و (تأليف القلوب) وهكذا، فالتزام الهجر الشرعي للمبتدع بضوابطه الشرعية لا غير. وعلى هذا التأصيل تتنزل كلمات الأئمة كالإمام أحمد وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المسلك الحق في الهجر: (فإن أقوامًا جعلوا ذلك عامًا، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات. وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية، بل تركوها ترك المعرض لا ترك المنتهي الكاره، أو وقعوا فيها، وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره، ولا ينهون عنها غيرهم، ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها، فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابًا أو استحبابًا، فهم بين فعل المنكر أو ترك المنهي عنه، وذلك فعل ما نهوا عنه وترك ما أمروا به، فهذا هذا، ودين الله وسط بين المغالي فيه والجافي عنه، والله سبحانه أعلم)( ).
* فباعتبار اختلاف مرتبة البدعة من الإثم هو من عدة جهات( ):
- من جهة كونها كفرًا أو غير كفر:
- فالمكفرة مثل: البابية، والبهائية، والقاديانية، وغلاة البريلوية.
- وغير المكفرة مثل: عامة البدع في العبادات حقيقية كانت أو إضافية.
* ومن جهة كون صاحبها مستترًا بها أو معلنًا لها، ففرق بين المعلن لبدعته الداعي لها، وبين الكاتم لها لأن الداعية، والمعلن لها، أظهرها فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرًا من المنافقين الذين كان النبي ﷺ يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، هذا وهم في الدرك الأسفل من النار( ).
* ومن جهة كونها حقيقية أو إضافية فالبدعة الحقيقية هي: البدعة التعبدية المحدثة استقلالًا كصلاة الرغائب،
وليست بدعة إضافية، ومثل القول بالقدر، وصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان، وبدعة الموالد، والأعياد الحكومية، وعيد غدير خم لدى الشيعة، وهكذا.
- والبدعة الإضافية: هي الأمر المبتدع مضافاُ إلى ما هو مشروع أصلًا بزيادة أو نقص، مثاله: الدعاء الجماعي بعد الصلاة، فالدعاء مشروع وجعله جماعيًا بدعة مضافة لم يرد بها النص، وبناء العبادات على التوقيف، وسجود الشكر جماعة، واتخاذ التبليغ خلف الإمام سنة راتبة مع عدم الحاجة إليه، وهكذا.
* ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، أي كونها ظاهرة المأخذ فهي بدعة متمحضة كبدع المآتم والموالد، وصلاة الرغائب...
أو بدعة فيها احتمال لاستشباه مأخذها، مثاله: القنوت في صلاتي العشاء والصبح فإنه كان ثم نسخ وبقي المشروع فيها عند النوازل، وشبهة الخلاف لا تصيره مشروعًا راتبًا.
والحقيقة أن هذا الوجه: صوري لا حقيقي إذ البدع مشكلة المأخذ يلحق بها من الإشاعة والتعصب ما يجعلها بينة، والله أعلم( ).
* ومن جهة اجتهاده فيها أو كونه مقلدًا: فالمجتهد مفترع للبدعة، فالزيغ أمكن في قلبه من المقلد، وإن كان كل منهما موزورًا لكن أثم من سن سنة سيئة أعظم وزرًا، والله أعلم( ).
* ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه: أما الإصرار عليها فيجعلها من باب: الدعوة إليها فيكون داعية معلنًا لها، وأما عدم الإصرار فهو من باب كونها: فلتة، وزلة عالم، إذا كانت منه ثم لم يعاودها( ).
* ويختلف باختلاف حال المبتدع وما فيه من خير وشر: (وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة و الجماعة...)( ).
* وفرق بين عالم تشربت نفسه بالبدع، لكنه لم يختلط بعلماء أهل السنة ولم يتلق عنهم، وبين عالم تلقى عن المبتدعة فنالت منه منالًا، ثم خالط أهل السنة وعلماءهم وجاورهم مدة بمثلها يحصل برد اليقين بل يكون عاشرهم عشرات السنين، ثم هو يبقى على مشاربه البدعية يعملها، ويدعو إليها، ويصر عليها، فهذا قامت عليه الحجة أكثر، واستبانت له المحجة فما أبصر. فهو من أعظم خلق الله فجورًا، وغيضًا على أهل السنة.
فالأول في تأليف قلبه وتودده للرجوع إلى السنة مجال، أما الثاني: فلا والله، بل يتعين هجره، ومنابذته وإبعاده، وإنزال العقوبات الشرعية للمبتدعة عليه، وأن يُهجر ميتًا كما هُجر حيًا فلا يصلي أهل الخير عليه، ولا يشيعون جنازته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حق بعض العصاة المظهرين لفجورهم: (وأما إذا أظهر الرجل المنكرات، وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبة، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره، فلا يسلم عليه، ولا يرد عليه السلام، إذا كان الفاعل لذلك متمكنًا من ذلك من غير مفسدة راجحة.
وينبغي لأهل الخير والدين أن يهجروه ميتًا، كما هجروه حيًا، إذا كان في ذلك كف لأمثاله من المجرمين فيتركون تشييع جنازته، كما ترك النبي ﷺ على غير واحد من أهل الجرائم، وكما قيل لسمرة ابن جندب: إن ابنك مات البارحة، فقال: لو مات لم أصل عليه، يعني لأنه أعان على قتل نفسه، فيكون كقاتل نفسه، وقد ترك النبي ﷺ الصلاة على قاتل نفسه. وكذلك هجر الصحابة الثلاثة الذين ظهر ذنبهم في ترك الجهاد الواجب حتى تاب الله عليهم، فإذا أظهر التوبة أظهر له الخير...)( ).
* وفرق في حال المهجور: بين القوي في الدين وبين الضعيف فيه، فإن القوي يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ به الضعيف في الدين كما في قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم( ).
* وكذلك بالنسبة للأماكن: ففرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر بالبصرة، والتنجيم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك.
وهذا على ما أفتى به الأئمة أحمد وغيره بناء على هذا الأصل: رعاية المصالح الشرعية( ).
* (ويختلف باختلاف الهاجرين أنفسهم في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم)( ) فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها، وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر ولا يحصل المقصود الشرعي، لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف، خشية زيادة الشر. وهذا كحال المشروع مع العدو (القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح)( ).
ومن أهم المهمات هنا: إذا كانت الواجبات لدى أهل السنة مثل: التعليم، والجهاد، و الطب، والهندسة، ونحوها متعذر إقامتها إلا بواسطتهم، فإنه يعمل على تحصيل مصلحة الجهاد، ومصلحة التعليم وهكذا، مع الحذر من بدعته، واتقاء الفتنة به وبها ما أمكن، وبقدر الضرورة، فإذا زالت عاد أهل السنة إلى الأصل في الهجر، وأبعد لمبتدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في جوابه المحرر في الهجر المشروع: (.. فإذا لعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس، ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل)( )
هذا وإن الناظر في أحوال المبتدعة من وجه ما هم عليه من الشناعات، وإماتة السنن، والنشاط في غير هدى والنصرة لغير حق، وأنهم يفسدون على أهل السنة صفاء الإسلام، رآهم مستحقين لما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في أهل الكلام: (حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام).
(وإذا نظرت إلى المبتدعة بعين القدر، والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتهم، وترفقت بهم، أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأعطوا فهومًا وما أعطوا علومًا، وأعطوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة ﴿ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾)( )
وختامًا: احذر المبتدع، واحذر بدعته، وأعمل الولاء والبراء معه، وتقرب إلى الله بذلك، وبهجره الهجر الشرعي منزلًا له على قواعد الشريعة وأصولها في رعاية المصالح ودفع المفاسد، وإياك ثم إياك من تأمير الهوى هجرًا أو تركًا، والسلام.
المبحث التاسع : عقوبة مَن والى المبتدعة
كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق فالساكت عن الحق شيطان أخرس كما قال أبو علي الدقاق (م سنة 406 هـ) رحمه الله تعالى( ).
وقد شدد الأئمة النكير على من ناقض أصل الاعتقاد فترك هجر المبتدعة، وفي معرض رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على (الاتحادية) قال( ) (ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم،
أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم أو معاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادًا ويصدون عن سبيل الله...(( ).
فرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة آمين، فإن هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية وهو وإن كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية) لكنه ينتظم جميع المبتدعة، فكل من ظاهر مبتدعًا فعظمه أو عظم كتبه، ونشرها بين المسلمين، ونفخ به وبها، وأشاع ما فيها من بدع وضلال، ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلال في الاعتقاد، إن من فعل ذلك فهو مفرط في أمره، واجب قطع شره لئلا يتعدى إلى المسلمين.
وقد ابتلينا بهذا الزمان بأقوام على هذا المنوال يعظمون المبتدعة وينشرون مقالاتهم، ولا يحذرون من سقطاتهم وما هم عليه من الضلال، فاحذر أبا الجهل المبتدع هذا، نعوذ بالله من الشقاء وأهله.
المبحث العاشر : إشاعة البدعة
نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات في الاعتقاد، أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة والمبتدع إذا كان منقمعًا مكسور النفس بكبت بدعته فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع وبدعته ؛ فإنها إذا حركت نمت وظهرت، وهذا أمر جبلت عليه النفوس، ومنه في الخير: أن النفوس تتحرك إلى الحج إذا ذكر الحجاز، وعرصات الوحي، ومواطن التنزيل... وفي الشر: إذا ذكرت النساء والتغزل والتشبيب بهن تحركت النفوس إلى الفواحش. وهذا الكتمان والإعراض من باب المجاهدة والجهاد فكما يكون الحق في الكلام فإنه يكون في السكوت والإعراض، والله أعلم.
Download
PDF
Word
About the book
Author
:
بكر بن عبد الله أبو زيد
Publisher
:
www.islamland.com
Category
:
Morals & Ethics
mute
Update Required
To play the media you will need to either update your browser to a recent version or update your
Flash plugin
.
© Copyright
Islam land أرض الإسلام
. All Rights Reserved 2017