Om artikkelen

Forfatter :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Dato :

Sat, Sep 20 2014

Kategori :

Fatwa (Q&A)

nedlasting

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 340

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .

لمثل هذه المناسبة المذكورة نُذكر عادة بقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينتزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، والحكومات العربية منذ سنين عديدة تحاول الوقوف أمام العدو ، هذا اليهودي الغاصب الذي كان أذل الشعوب على وجه الأرض ، ولكن مع الأسف لم يأخذوا بأسباب النصر ، والتي جمعها ربنا - عزَّ وجلّ - في جملةٍ قصيرةٍ من آياته الكريمة ، هي قوله تعالى : (( إن تنصروا الله ينصركم )) ولذلك حينما ينصرف المريض عن تعاطي العلاج النافع الناجح الناجع فسوف لا يشفى ، فكيف به إذا أخذ داء على داء وهو لا شك أنه في ازديادٍ من المرض ، لقد تنبهت بعض الدول إلى ضرورة الأخذ بأسباب القوة والمنعة ظنًا منهم أن هذه الأسباب هي التي تحقق النصر لهم على عدوهم ، ولكن بسبب ابتعادهم عن دينهم من الناحيتين السابقتين بيانًا ألا وهما الناحية العلمية أو الفقهية والناحية العملية ، ظنوا أن نصرهم على عدوهم سيكون بنفس الوسيلة التي انتصر بها عدوهم عليهم ، ألا وهي القوة المادية فقط ، ولذلك فقد توجهوا بكل هممهم ولو بعد لأيٍ وبعد زمنٍ طويلٍ إلى الأخذ بهذه الأسباب المادية ، ولكنهم لم يصلوا ولن يصلوا إلى الهدف المنشود ، وهو التغلب على عدوهم والانتصار عليهم ، إلا إذا ضموا إلى هذه الأسباب المادية أخذهم بالأسباب الشرعية ، وربما جاز لنا أن نسميها بالأسباب الروحية ، كما يقال في بعض اصطلاحات العصر الحاضر ذلك هو ما ضمنه ربنا - عزَّ وجلّ - في الآية و... نبينا صلوات الله وسلامه عليه في غير ما حديث صحيح ومن ذلك الحديث السابق ألا وهو قوله عليه السلام ( اذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ومن ذلك قوله عليه السلام ( تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت ) ... أحاديث أخرى قد تنص على جزء من جزئيات هذين الحديثين الصحيحين كالحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى آلة حرث فقال عليه الصلاة والسلام ( ما دخل هذا بيت أحدٍ إلا ذل ) ، وهذا مأخوذ من الحديث السابق : ( إذا أخذتم بأذناب البقر ورخيتم الزرع ... ) إلى آخره ، والحديث الثالث هذا الأخير كناية عن التكالب على السعي وراء الكسب المادي ، ولعل من ذلك أيضًا أو من تلك الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام : ( يأتي زمان على أمتي ، لا يُبالي المرء من أي طريقٍ أكل ، أمن الحلال أم من الحرام ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، ولذلك فيجب على جميع المسلمين الحريصين حقًا على أن يعود إليهم مجدهم وعزهم الغابر أن يعودوا إلى الله ، والعودة إلى الله ليس لفظًا ، يُستعمل لإثارة العواطف وتحريك النفوس وإثارتها ، ثم لا شيء بعد ذلك إلا أن تبقى هذه النفوس في أماكنها على طريقة النظام العسكري المعروف في بلاد البلاد " مكانك راوح " في حركة وفي اجتهاد ، ولكن ليس هناك تقدم ، لماذا ؟ لأننا لم نأخذ بسببين اثنين عليهما مدار النصر على أعداء الله تبارك وتعالى ، السبب الأول هو العلم ، والسبب الآخر هو العمل بالعلم ، وكل منهما يحتاج إلى تذكير لأمور هامة جدًا جدًا ، والأمر كما قال تعالى : (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) أما العلم فهو قسمان : علم نافع ، وعلم لا أقول الآن غير نافع ، لا أقول الآن أنه علم ضار ، لكن على الأقل أقول أنه علم غير نافع ، فما هو العلم النافع ؟ لاشك أن الجواب سيكون متفقًا عليه حينما يقدم هذا العلم إلى الناس مجملاً ، كأن يقال العلم النافع هو قال الله ، قال رسول الله ؛ لأن المسلمين لا يختلفون أبدًا ، بأن العلم الشرعي هو ما كان مأخوذًا من الكتاب والسنة ، ولكن هل هذا الإجمال في التعبير وفي لفت نظر الناس اليوم ، يكفي للفت نظر المسلمين إلى أن أسباب النصر محصور في العلم النافع ، ثم العمل بهذا العلم ، هل يكفي أن نقول للناس أن العلم قال الله ، قال رسول الله ؟ وهي كلمة كما قلنا آنفًا لا يختلف فيها إثبات ولا يتنطح فيها أيضًا عنزان ، كما قيل في قديم الزمان .

الشيخ : لكننا إذا دخلنا في التفاصيل ، فهناك سنجد أن المسلمين اليوم مختلفون مع الأسف في هذا العلم النافع ، الذي هو السبب الأول لنصر الله - عزَّ وجلّ - لعباده المؤمنين ، لماذا ؟ لماذا يكون الخلاف في تعريف العلم النافع ؟ ذلك لأنه مضى على المسلمين قرون كثيرة ، وسنين عديدة وهم قد انصرفوا عن كتاب الله وعن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دراسةً وتفقهًا فيهما ، هذا الفقه الذي أراده نبينا صلوات الله وسلامه عليه ، في الحديث الصحيح المتفق عليه : ( من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين ) الفقه في الدين أخذ تعريفًا خاصًا ، وهو أن يتفقه الإنسان على مذهبٍ من المذاهب المتبعة اليوم ، لا أقول الآن المذاهب الأربعة ؛ لأن كلامي ليس محصورًا في المسلمين المعروفين بأهل السنة ، وإنما كلامي ينصب على كل المسلمين الذين تجمعهم شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، حيث يصلون صلاتنا ، ويستقبلون قبلتنا ، ويأكلون ذبائحنا ، كل من فعل ذلك كان منا وكان له ما لنا ، وعليه ما علينا ، هؤلاء المسلمين كافة ، انصرفوا ، لا أعني أيضًا حتى ما يتبادر إلى ذهن البعض ، ما لا أقصده ولا أعنيه ، لا أعني أفراد المسلمين العامة ، وإنما أعني خاصتهم حينما أقول أنهم انصرفوا عن التفقه في كتاب الله ، وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى التفقه في دائرة محدودة جدًا ، ألا وهي دائرة المذهبية الضيقة ، أما أهل السنة فهم يتبعون أئمة أربعة ، أما الآخرون فحدث ولا حرج ، فإنهم يتبعون أئمة آخرين هم بلا شك من أفاضل علماء المسلمين ، ولكن أقوالهم واستنباطاتهم الفقهية لم تصل إلى أتباعهم بالطرق العلمية الصحيحة ، كما وصلت أقوال الأئمة الأربعة إلى أتباعهم من أهل السنة والجماعة . الشاهد : أن خاصة المسلمين ركنوا إلى التقليد المذهبي ، إلا من شاء الله وقليل ما هم ، وهؤلاء بلا شك مما ربنا - عزَّ وجلّ - يمتن ويتفضل على عباده في كل زمانٍ وفي كل مكان أن يقيض للمسلمين كافة أفراد من هؤلاء العلماء الذين يأخذون من المنبعين الصافيين كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن هؤلاء كما جاء في الحديث الصحيح غرباء .

الشيخ : أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا ، فطوبى للغرباء ) ليس كلامنا الآن في هؤلاء الغرباء الذين يتفقهون في كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقلتهم وغربتهم ، وإنما كلامنا في جماهير العلماء الذين قنعوا بتقليد مذهبٍ من المذاهب ، هذا التقليد هل هو العلم الذي نحن في صدد التحدث عنه ؟ الجواب لا ، ذلك أن العلم باتفاق علماء المسلمين ، لا فرق بين مجتهديهم ومتبعيهم ومقلديهم ، أنه العلم بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقول لا فرق في تعريف العلم بهذا بين كل علماء المسلمين ، سواء كانوا مجتهدين أو متبعين أومقلدين ، ومن الأدلة الصريحة في ذلك : ما جاء في كتاب القضاء ، من كتاب الهداية من كتب الحنفية المعتمدة حيث قال : ( ولا يجوز تولية الجاهل على القضاء ) قال الشارح ابن الهُمام - رحمه الله - في كتابه المسمى بـ " فتح القدير " شرحًا لكلمة الجاهل ، قال : " أي المقلد " ، وهذا شيء مهم جدًا ، لا يجوز نصب الجاهل على القضاء ، إلا أن يكون عالمًا ، فمن هو العالم ؟ العارف بالكتاب والسنة ، من هو الجاهل ؟ هو المقلد لمذهب من المذاهب المتبعة للأئمة المجتهدين ، لماذا كان هذا التقليد ليس علمًا ؟ لسببين اثنين : أولهما نقلي ، والآخر عقلي واقعي . أما الأمر النقلي فهو حين قال تعالى في القرآن الكريم : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) فالعلم بالشيء ليس له علاقة بالتقليد لأنه يستلزم القطع بالمعلوم والجزم به ، وبخاصة ما كان متعلقًا بالعقيدة ، وبصورة أخص ما كان منها متعلقًا بأس العقيدة وأصلها ألا وهو التوحيد " لا إله إلا الله " فالعلم إذًا لا يعني إلا المعرفة الجازمة بما جاء عن الله ورسوله ؛ لأن ما سوى ذلك لا يكون عالمًا يكون ظنًا ، والظن قد يخطئ وقد يصيب .

الشيخ : (( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) فلهذا ظل المسلمون مختلفين ، والاختلاف بنص القرآن الكريم وأيضًا يشهد عليه الواقع هو سبب من أسباب الضعف وهو سبب من أسباب التفرق ، فإذا أردنا أن نقضي على هذا السبب الذي أدى إلى التفرق ، وجب علينا أن نعود إلى الكتاب والسنة ، بذلك بشرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ) وإذا كان خاصة المسلمين وفقهاؤهم قنع كل منهم بأن يتعلم الدين على نمطٍ مذهبيٍ محدود ، فماذا يكون حال الأفراد من عامة المسلمين ؟ لاشك أنهم سيكون حالهم كحال فقهائهم من الجمود على التقليد المذهبي .

الشيخ : هنا شبهة : كثيرًا ما تساور بعض النفوس وتظهر في كثير من الأحيان على بعض الألسنة ، هذه الشبهة تقول : أليس كل من الأئمة الأربعة قد اخذ مذهبه من الكتاب والسنة ؟ نقول معهم نعم ، بل نحن أعلم منهم بأنهم حينما أصلوا أصولهم وفرعوا فروعهم إنما كان ذلك اعتمادًا منهم على الكتاب والسنة ، ولكن هؤلاء العلماء كلهم يشهد بأن العلم المنصوص في الكتاب والسنة أو بعبارة أدق العلم الوارد في الكتاب والسنة بعضه صريح ، وبعضه يتطلب استنباطًا وفقهًا خاصًا ، كما جاء في صحيح البخاري : أن أبا جحيفة السوائي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عليًا - رضي الله عنه - قال : " هل خصكم معشر أهل البيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء من العلم " ؟ قال : " لا ، اللهم إلا ما في قِراب سيفي هذا " وأخرج من بيت السيف ورقة مكتوب فيها بعض الأحاديث المتعلقة بالجراحات والقصاص ، ثم قال - وهنا الشاهد - : " وإلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه " فهنا في الفهم قد يقع الخلاف بين الفقهاء الكبار ، وحينئذٍ مثل هذا الخلاف يجب الرجوع به إلى الكتاب والسنة

الشيخ : وأنا لا أذهب بكم بعيدًا ، ولا أكثر على مسامعكم الضرب من الأمثلة الكثيرة ، لكن حسبي مثال واحد ؛ لأنه أولاً : يشترك الجميع في فهمه لسهولته ، وثانيًا : لكثرة ابتلاء الناس به ، ألا وهو مسألة تتعلق بصحة الصلاة أو الوضوء أو بطلانهما ، ألا وهي خروج الدم مثلا من بدن الإنسان ، فهناك في المذاهب المعروفة اليوم لأهل السنة ثلاثة أقوال في مسألة واحدة : القول الأول : أن خروج الدم ينقض الوضوء مهما كان قليلاً . وعلى العكس من ذلك تمامًا لا ينقض الدم مهما كان كثيرًا . ومذهب وسط بين هذا وهذا فصَّل وقال : إن كان كثيرًا نقض ، وإن كان قليلاً لم ينقض . هذه ثلاثة أقوال في مسألة يُبتلى فيها الناس في كل يوم ما شاء الله ، وعلى حسب ... وصنائعهم هل عاد المسلمون في هذه المسألة إلى السنة ؟ التي قال الرسول - عليه السلام - فيها : ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها ، لا يضل ) ، وفي رواية : ( لا يزيغ عنها إلا هالك ) بقيت هذه الأقوال كما هي ، فمن كان حنفيًا يقول ينقض الوضوء مهما كان قليلاً ، ومن كان شافعيًا يقول لا ينقض مهما كان كثيرًا ، ومن كان مالكيًا أو حنبليًا قال بالتفصيل السابق . اليوم إذا أصيب أحد المسلمين بجرحٍ في بدنه ، فعلى ماذا يكون الفتوى ؟ على قال الله ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذا الذي أمرنا بالرجوع إليه عند الاختلاف ، وهذا هو الاختلاف في مسألة بسيطة جدًا ، الجواب : لا ، بل إن الذي قد يُسألون يكون موقفهم أحد موقفين : إما أن يقول للسائل أنت ما مذهبك ؟ فإذا أجابه مذهبي كذا ، أفتاه على مذهبه . والموقف الثاني : أن يقول والله المسألة مختلف فيها ، وذكر الأقوال الثلاثة ، إذا كان دارسًا للفقه الذي يسمى اليوم بـ " الفقه المقارن " يقول أبو حنيفة قال كذا ، والشافعي قال كذا ، والإمامان الآخران قالا كذا ، إذا كان السائل قليلا بصير فِتح يقول طيب يا شيخ ، أنا على ماذا أعمل ؟ هنا لسان حال المسئول : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، لماذا ؟ لأنه فعلاً درس ، قال فلان ، وقال فلان ، وقال فلان ، لكن ما درس العلم الذي هو قال الله ، قال رسول الله ؛ ولذلك فيعيش الخاصة ، فضلاً عن العامة في حيرة ، في حيرة من دينهم ، وفي الغالب يلجأ الناس حينما لا يجدون فتوى صارمة ملزمة سواء بالتحريم أو بالإباحة بالرخصة أو بالعزيمة يعودون حين ذلك فيما يسمى عند الفقهاء المتأخرين بالتلفيق ، فهو يأخذ من كل مذهب أيسره ، ليس هذا هو الدين ، الدين جاء لتهذيب النفوس وليس لإتباع الهوى ، فأنت مثلاً عشت على المذهب الحنفي ، فوجدت والله أن خروج الدم خاصة إذا كنت حدادا أو نجار ، والله فيها صعوبة أو فيها مشكلة ، إذًا أنا أقلد المذهب الشافعي ، أو عشت في المذهب الشافعي وأنت مثلاً قماش بزاز ، تبيع الأقمشة ، والنساء رايحين جايين لعندك ، لما بدكك تقبض الفلوس منها ، شئت أم أبيت يصير في تماس ، المذهب الشافعي يقول انتقض وضوؤك ، إذًا ترجع أنت في هذه المسألة حنفي ، هكذا هو الإسلام الذي جاء لتزكية النفوس ؟! (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )) ، إن الله - عزَّ وجلّ - قد بيّن في الكتاب كل شيء ، وإن كان هذا البيان في أكثر الأحيان يكون بالأسس والقواعد ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي تولى تفصيل ذلك في السنة ، كما قال عزِّ وجلّ : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) إني لأشعر بأنني استطردت كثيرًا ؛ لأني أردت أن أقول ما هو العلم النافع ؟ وما هو العمل الصالح ؟ ولذلك فسوف أحاول أن أكبح من جماح انطلاقي في بحثي لأعود شيئًا قليلاً إلى ... العلم القائم على العلم النافع ، ثم بعد ذلك لعل هناك بعض الأسئلة لبعض الإخوان نجيب عليها بقدر الإمكان فأقول :

الشيخ : قال تعالى في القرآن الكريم مخاطبًا جمهور المسلمين : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) قد يتبادر لأذهان كثير من عامة المسلمين أهل الذكر هم الذين يكثرون ذكر الله ، وبخاصة إذا كانوا من أولئك الذين يذكرون الله على خلاف السنة ، ويعملون ببعض الأحاديث الضعيفة والمنكرة ، كمثل الحديث الذي يلهج به بعض أولئك الناس ، الذين لا يتأدبون مع الله عزَّ وجلّ في ذكرهم ، حيث يرقصون في الذكر ويضطربون ولا يجلسون بتمام الأدب والخشوع ، يحتجون بحديثٍ مروي في بعض الكتب ، ولكنه لا يصح من حيث إسناده ألا وهو قولهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنه مجنون ) يعني أكثروا وبالغوا من ذكر الله ، والاضطراب في هذا الذكر ، حتى يقول الناس فلان مجنون ، تُرى أهكذا كان خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاشا لله - لا أريد أيضا أن أستطرد في هذه النقطة بالذات ، وإنما أردت أن أقول أهل الذكر هم أهل القرآن ، بدليل الآية السابقة المعروفة : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالذكر هنا هو القرآن ، والذكر هناك أيضًا هو القرآن ، (( فاسألوا أهل الذكر )) أي أهل القرآن ، وأهل القرآن كما جاء في الحديث الثابت هم أهل الله ، وخاصته أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، هؤلاء طائفة من الأمة ، والطائفة الأخرى الذين لا يعلمون ، (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ربنا أوجب واجبين على مجموع الأمة ، القسم الأقل منها هُم العلماء بالقرآن وبالسنة ، أوجب عليهم أنهم إذا سُئلوا أن يجيبوا ، وأوجب على جمهور المسلمين الذين يعلمون أن يسألوا أهل العلم ، فمن هُم أهل العلم ؟ نعود لنلخص ما ذكرنا ، هل هو الذي يقول في المسألة قولان ثم يمضي فيدع السائل حيران ؟ أم هو الذي يقول قال الله ، قال رسول الله ؟ هذا هو العلم النافع ، ولذلك فأول أو أساس عودة المسلمين إلى دينهم ليعود إليهم عزهم ومجدهم ، هو رجوعهم إلى العلم النافع ، وهو الكتاب والسنة ، ثم يأتي بعد ذلك العمل الصالح ، لا يمكن معرفة العمل الصالح إلا بالعلم النافع ، فإن كثيرًا من الناس اليوم نراهم يعملون أعمالاً ، وقد يعتبرون أنفسهم أو يظن بعض الناس فيهم إنهم من الدعاة إلى الله ، فهم يفعلون أفعالاً ويأتون أعمالاً ، يظنونها صالحة ، وليس من الصلاح في شيء لماذا ؟ لأنهم لم يتخذوا الوسيلة ألا هو العلم النافع ، لم يتخذوه وسيلة ، ليميزوا العمل الصالح من العمل الطالح ، وأنا أضرب لكم ها هنا مثلاً مختصرًا جدًا ، ثم لعلي أحاول أن أكتفي بما ذكرت

الشيخ : فأقول : هناك الحديث المعروف ، والذي أفتتح به الإمام البخاري صحيحه وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) كثير من الناس يعرفون هذا الحديث لفظا وقد يرونه أيضًا كما رويته لكم آنفًا ، ولكن لا يفهمون معنى الجملة الأولى منه : ( إنما الأعمال بالنيات ) لماذا ؟ لأننا كثيرًا ما نسأل أو بدون سؤال نوجه ، ونقول يا أخي هذا العمل الذي تفعله ، أو هذا الكلام الذي تنطق به ، تتكلم به ، هذا ليس عملاً صالحًا ، ماذا يكون الجواب ؟ يقول لك يا أخي الرسول قال : ( إنما الأعمال بالنيات ) أنا نيتي طيبة ، أنا نيتي صالحة ، فما هو معنى الحديث ؟ هل معنى الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) بالنيات الصالحة ؟ أم معنى

الشيخ : الحديث ؟ إنما الأعمال الصالحة بالنيات الصالحة ، هذا هو المعنى ، وهذا الذي يُفسره ، تمام الحديث ، ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) المقصود هنا الهجرة في سبيل الله ، أي : الخروج للجهاد في سبيل الله ولقاء أعداء الله ، فمن خرج في سبيل الله أي : من خرج للجهاد في سبيل الله ونيته صالحة ، هذا الذي يُثاب ، أما عمله ليس صالحًا ، لكن نيته صالحة فلا يكفي ، كذلك العكس لا يكفي أن يكون عمله صالحًا ، وهذا الذي يفهمه الناس أن يكون عمله صالحًا ، لكن نيته غير صالحة ، فالحديث إذًا يُعطينا شيئين متقابلين كما يشترط في العمل الصالح ، النية الصالحة ، كذلك يُشترط في النية الصالحة العمل الصالح ، فأحدهما لا يغني عن الآخر ، كثير من الناس اليوم تسمعونهم يحلفون بآبائهم ، يقول لك يا أخي أنا نيتي طيبة ، وربما تجد إنسان يأتي القبر ويصلي عنده قبر نبي أو ولي أو صالح أو إلى آخره ، تنهاه عن ذلك يقول أنا ما أقصد عبادته ، ما أقصد يعني التوجه إليه بصلاتي ، إذًا ماذا تقصد ؟ أقصد التوسل به إلى الله ، طيب إتيانك إلى هذا القبر مع كون النية صالحة نسلم بها ، إتيانك هذا فعل ، فهل هو فعل صالح ؟ الجواب لا ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان يقول : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) ومن الصلاة الدعاء ، بل الدعاء هو العبادة كما قال عليه السلام ، وفي الحديث الآخر ، لكن إسناده ضعيف : ( الدعاء مخ العبادة ) فإذًا التوجه بالدعاء إلى القبر كالتوجه إليه بالصلاة ، عملٌ غير صالح ، ولا يشفع لهذا العمل الغير صالح أن النية صالحة ، إن سلمنا بأن النية صالحة ، إذًا لتكون أعمالنا صالحةً يجب أن تكون موافقة للشريعة وإلى هذا أشار ربنا عزَّ وجلّ بقوله في القرآن الكريم : (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) قال علماء التفسير : العمل الصالح ما وافق السنة  (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) أي : إخلاص العبادة لله . وختامًا أقول : حينما يعود المسلمون إلى العلم النافع ثم العمل الصالح فيومئذٍ يكونون قد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي ، وتحقيق إقامة الدولة المسلمة وإلا فدون ذلك ، لا سبيل إلى هذه الإقامة التي يجب علينا أن نقوم بها ، وسيظل المسلمون كما قلنا آنفًا يعملون ويتحركون ولكن على النظام العسكري " مكانك راوح " لا يتقدمون ؛ لأنهم لم يأخذوا بأسباب النجاح ، هذه الأسباب كلها ، يجمعها كلمتان : العلم النافع والعمل الصالح . هاتوا ما عندكم من الأسئلة الآن .

السائل : ... .

الشيخ : حياكم الله

السائل : السلام عليكم .

السائل : لو تُبيّن لنا ما هي أسس الدولة الإسلامية وأركانها وما هو السبيل لإقامتها ؟

الشيخ : أما السبيل فقد أوضحته لك بإيجاز ، أما البقية نؤجلها إلى أن تقوم قائمة الدولة الإسلامية إن شاء الله ، والآن نسأل عن شيء يُهم أفراد المسلمين ، ويساعدهم على الأخذ بالأسباب التي أشرنا إليها آنفًا .

السائل : أستاذنا ، لاشك أن أهم مزايا الدعوة السلفية هي نبذ الجمود والتعصب المذهبي ، لكن نلاحظ في كتابات بعض الأفراد السلفيين يعني وجود ما يشير أنهم على طريقة التقليد ، يعني مثلاً في كتاب صاحب كتاب بدعة التعصب المذهبي نجد في كتابه ما يكرر عبارة قال شيخنا ، قال شيخنا ، ألا يُعتبر هذا نوع من أنواع التقليد ؟ جزاك الله خير .

الشيخ : هذا السؤال مهم جدًا ، طالما نحن تكلمنا حوله ، إيجاب باختصار ، أقول : التقليد لا ينجو منه إنسان ، لا يمكن أن ينجو منه إنسان مهما سما وعلا وكان من كبار العلماء ، الأخ السائل الظاهر ما يدور في باله هذه الحقيقة والذي نحن ننكره وندندن حول الإنكار له ، ليس هو مجرد التقليد هذا الذي لا ينجو منه إنسان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، التقليد الذي ننكره هو أن يتخذ المسلمون التقليد دينًا أن يتدينوا وأن يتقربوا إلى الله بتقليد شخص من الناس معين ، أما إذا كان المسلم من عامة المسلمين كما ذكرنا آنفًا في التعليق على قوله تعالى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) الذين لا يعلمون هم أكثر الناس والآن نضع السائل أمام هذا السؤال ، حينما يأتي رجل من عامة الناس ويسأل عالمًا ليس عالمًا بالمفهوم الذي جعلناه آنفًا مرجوحًا ، وإنما عالمًا بالمعنى الراجح وهو العلم بالكتاب والسنة ، يأتي العامي فيسأل هذا العالم مسالة ما ، فيجيبه وينطلق ماذا نسمي تبني هذا العامي لجواب ذلك العالم ؟ أنت وأنا سوف نسميه تقليدًا هكذا أنا أفترض ، لكن السائل يا ترى يشاركني في هذا ؟ تسميه تقليدًا ؟

السائل : إن لم يكن عن دليل فهو مقلد .

الشيخ : أنا ما قلت عن دليل ، أنت فقط خليك معي ، رجل جاء إلى عالم وسأله عن مسألة وأجابه بما يعلم ؟

السائل : نعم ، مقلد .

الشيخ : مقلد ، يجوز له أن يأخذ بهذا القول أم لا ؟

السائل : هذا يعتمد شيخنا على مرتبته العلمية ، هل هو ..

الشيخ : الله يهديك ، الله يهديك ، أنا أسألك رجل عامي ؟

السائل : لاشك العامي يقلد .

الشيخ : طيب ، لماذا يا أخي ما تمشي معي ؟ أنا أقول إنه القرآن قسم الأمة قسمين : علماء وغير علماء ، هؤلاء العلماء في منهم عامة ، وفي منهم مثقفين ، مثقفين ممكن يكون دكتور في الطب ، لكن هو أجهل من أبي جهل في الفقه مثلاً يعني ، لكن عامة المسلمين لا علم عندهم في الأحكام الشرعية ، يأتي ويقول مثلاً أنا عملت كذا وحكيت كذا ، وزوجتي طلقت أو ما طلقت إلى آخره ، بقول له لا ما طلقت ، بقول له : جزاك الله خير ، تبنى هذا القول وراح يعاشر زوجته كما كان من قبل ، هذا تقليد أم ليس بتقليد ؟

السائل : تقليد ، نعم .

الشيخ : طيب ، هذا جائز وإلا غير جائز ؟

السائل : جائز .

الشيخ : جائز ، إذًا يجب أن نفرق بين تقليد جائز وبين تقليد غير جائز ، وهذا الذي يجب أن نبينه للناس ، عرفنا الآن ما هو التقليد الجائز ، وهو الذي لا يستطيع أن ينجو منه حتى العلماء ، مثلاً كبار الصحابة كانوا يقلد بعضهم بعضًا ، لماذا ؟ لأنهم كانوا يعترفون كما قال رب العالمين : (( وفوق كل ذي علمٍ عليم )) فإذا جاء العامي وسأل رجل من أهل العلم عن مسألة ، وقال له حلال ، حرام ، يجوز ما يجوز ، إلى آخره ، وانطلق يمشي هذا جائز ، ما الذي لا يجوز ؟ إذا سأل وأجيب ، ثم تبيّن له فيما بعد أن هذا الجواب يخالف نصًا في الكتاب أو في السنة ، فيضل يقول لا ، أنا مقلد لفلان ، سواء كان هذا الفلان حيًا أو ميتًا ، المهم أنه هو لا يحيد عن التمسك بقول رجل عالم واحد ، هذا هو الذي نكني عنه بكلمة التدين بالتقليد ، هذا لا يجوز ، فإذا رأيت شخصًا يستفيد من عالم شخصٍ يعتقد أنه على شيء من العلم ، فما الذي يريبك في هذا ؟ أنت تستطيع أو اعلم منك أن يقول قال البخاري كذا ، أو قال مسلم كذا ، قال أبو حنيفة كذا ، قال الشافعي كذا ، ما يستطيع ، لكن العالم مثل النحلة يختار من كل زهرة ما فيه الغذاء النافع ، أما الذي لا يعلم فقد ضرب الإمام الشافعي مثلاً رائعًا لهذا الجاهل الذي هو المقلد ، قال: " مثل المقلد كمثل الحاطب الذي يحتطب الحطب ليلاً ثم يُلقي هذا الحطب على ظهره ، وفيها الأفعى قد تلدغه وهو لا يشعر " ، لماذا ؟ لأنه جماع جمع حطب من هنا وهنا ، وهكذا التقليد ليس علمًا كما شرحنا آنفًا ، لكن هذا لا يعني أن العلماء لا يستفيد بعضهم من بعض ، ولا يثق بعضهم ببعض ، وأنا الحقيقة أستغرب هذا السؤال جدًا ، ومن شخص نعرف أنه معنا على الكتاب والسنة ، لكن الظاهر أنه هو يتصور إنه مجرد انتماء الإنسان إلى الكتاب والسنة ، صار بقى يستطيع أن يجتهد في كل مسألة ، ولا يذكر من علمه هذه المسألة أو تلك .

السائل : ونسأل شيخنا بالنسبة للناس الذين يعيشون في الأرض المحتلة ، صلاح العمل هل يكون في رد الظلم أو الاصطلاح الحاصل الآن وهو الانتفاضة المشاركة فيها أو ترك هذا الأمر ، بالنسبة للمسلمين هناك الكل يريد النجاة إذا كان مسلمًا ، فما موقف المسلم الذي ينبغي أن يكون في هذه المواقف ؟ مواقف الفتن التي نعيشها وخاصة في الأرض المحتلة ؟

الشيخ : ما دام المسلمون أخي كما سمعت آنفًا في قوله عليه السلام ، لما قيل له أهم قليلون ؟ قال : ( لا ، بل أنتم يومئذٍ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) هذا الوصف مع الأسف ينطبق على العالم الإسلامي اليوم ، بدليل واقع إخواننا الفلسطينيين الذين عايشين تحت حكم اليهود ، لا تمتد إليهم يد المساعدة والعون والنصر من الملايين المملينة من المسلمين ، مادام أن الواقع هكذا ، أنا قلت قديمًا قبل الانتفاضة هذه بأن هذه البلاد لو كان أهلها يعيشون على ضوء ما شرحته آنفًا ، العلم النافع والعمل الصالح لنجو بدينهم وتركوا ضعف آبائهم وأجدادهم ، لا يبالون بها شيئًا ولهم أسوة بالمهاجرين والأولين ، لكن ضعف علم المسلمين العلم النافع ، وبالتالي إعراضهم عن العمل الصالح الناتج من جهلهم بالعلم النافع ، يظنون أن بقاءهم تحت حكم هؤلاء اليهود الكفار في بلادهم أقوى لهم سياسة ، إذًا الآيات والأحاديث التي تحض المسلمين على أن يهاجروا من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ما موقعها اليوم ؟ ليس لها في صدور المسلمين اليوم أي مكان ، كنت أقول هذا قبل الانتفاضة ، وبعد الانتفاضة ومضي سنة أو أقل منها أنا صرحت أو أقل منها ، أنا صرحت بأن هذه الانتفاضة مادامت الدول العربية لا تمد يد المساعدة إليها ، بكل شيء بالسلاح والمال والرجال إلى آخره ، فهذا يزيد الشعب الفلسطيني ضعفًا على ضعف ويزيد المستعمر الكافر الغاشم قوة على قوة لذلك ، فأنا منذ أمد بعيد لا أؤيد الانتفاضة

الأذان يؤذن

-الله أكبر الله أكبر- وأقول الأصل كما قلت بالمسلمين أن يهبوا هبة رجل واحد ويدافعوا عن البلاد هذه ، ليست فقط لأنها بلاد مقدسة ، بل بلاد المسلمين كلها يجب الدفاع عنها ، ومن المتفق عليه عند علماء المسلمين ، أن الكفار إذا غزو طرفًا أو إقليمًا من البلاد الإسلامية وجب عليهم كلهم أن ينهضوا لطرد هذا الكافر ، مع الأسف هذا غير موجود اليوم ، والحرب الأفغانية أكبر مثال ، الدول ما أحد تحرك فيها إطلاقًا مع أن الطريق كان مفتوحًا إلى عهد قريب بخلاف فلسطين ، وفلسطين الواقع يؤسف أكثر وأكثر ؛ لأنه لا يتمكن أي إنسان أن يدخل إلى فلسطين ليجاهد في سبيل الله بمعنى الكلمة ؛ لذلك أنا لا أنصح بهذه الانتفاضة

الشيخ : وأنصح أن يوفر الشباب المسلم قوته ليوم الساعة ، حينما يستعدون كما أمر الشارع الحكيم في الآية المعروفة التي يرددها كثير من الناس المربين أو الموجهين أو المرشدين ، دون أن ينتبهوا إلى أن في الآية توجيهًا ضمنيًا ، أعني بها قوله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) ، هذا الإعداد المادي ، غير يمكن تحقيقه بأرض فلسطين هذا أمر بدهي وإلى متى يظل إخواننا المسلمون يقابلون الرصاص والقنابل بالحجارة هذه تعيش سنة سنتين ثلاثة ، وبعدين ؟ لا سمح الله فناء الشعب الفلسطيني ، وخلو الأرض من المسلمين تمامًا ، ولكن في الآية كما أشرتُ آنفًا في لفته آخر ، وهو إذا لاحظنا الخطاب الموجه لمن ؟ وأعدوا معشر المسلمين ما استطعتم من قوة تُرى هؤلاء المسلمين الذين وجه إليهم مثل هذا الخطاب ، هل كانوا يوم وجه إليهم الخطاب ، قد تهيأت نفوسهم للقيام بواجب الجهاد في سبيل الله أم لا ؟ ماذا تظنون ؟ وإلا ما فاهمين كلامي ؟ كلامي واضح ؟ لما ربنا عزَّ وجلّ خاطب المسلمين بقوله : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... )) إلى آخرها ، لم يكن هذا في العهد المكي ، إنما كان هذا في العهد المدني أي يوم علم الله عزَّ وجلّ أن المسلمين قد تهيأوا نفسيًا وربوا أخلاقيًا لينهضوا لقتال الأعداء ، يومئذٍ قال الله عزَّ وجلّ لهم : (( وأعدوا لهم ما استطعتم )) واضح هذا الكلام ؟

السائل : واضح .

الشيخ : الآن هل العالم الإسلامي ككل كما يقولوا اليوم ، ومنه العالم الفلسطيني ، قاموا بهذا الواجب ؟ أنا أقول آسفًا لا ، فإذًا لا مجال للنصر بالحجارة حتى ولو كنا استعددنا الاستعداد الأول ، وهو الاستعداد الروحي ؛ لأنه ينقصنا حين ذاك الاستعداد المادي المذكور صراحةً في هذه الآية ، فإذًا أنا أقول أن المسلمين الآن في كل العالم الإسلامي اعملوا كما قيل في بعض حكم العصر الحاضر : ( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم ) الدولة في الأرض لا تقام إلا إذا أقامها أفراد المسلمين في نفوسهم ، ومثال بسيط جدًا ، ولعله هذا يكون نهاية الجواب عن ذاك السؤال ، إذا مسلم عنده بيت صغير ، هذا البيت الصغير لا يستطيع أن يقيمه على الإسلام ، ترى هل يستطيع أن يُقيم الدولة على وجه الأرض على الإسلام ؟ طبعًا لا ، إذًا حينما يجمع المسلمون أمرهم ، ويقيمون دولة الإسلام في قلوبهم حينئذٍ معنى ذلك استطاعوا أن يقابلوا الأعداء ويجاهدوا في سبيل الله ، وهذا بحث يعني يتفرع منه أشياء كثيرة وكثيرة جدًا ، فاليوم المسلمون مثلا مختلفون أشد الاختلاف دعونا من الأحزاب الشيوعية واللادينية إلى آخره لنأخذ الأحزاب التي تجمعها الإسلام هل هم متفقون أم مختلفون؟ مختلفون مع الأسف هل الاختلاف يكون سبب النصر فيما لو تهيأت لهم أسباب الجهاد في سبيل الله ؟ هل هذا الاختلاف يكون سبب النصر وإلا سبب الخذلان لا سمح الله ؟

السائل : الخذلان .

الشيخ : لذلك العملية كما يقولون عندنا في الشام تريد هز أكتاف يعني بدها عمل بدها جهاد طويل الأمد جدًا ومدارهما على هاتين الكلمتين : العلم النافع والعمل الصالح .

السائل : جزاك الله خيرا

الشيخ : وإياك .

الشيخ : وإياك ، تفضل

السائل : ما رأيكم بالعمل الجماعي الحركي ، إن كان يقوم على منهج السلف الصالح المنظم القائم على التخطيط ؟

الشيخ : نحن لا نؤمن بالتنظيم المعروف اليوم ؛ لأن هذا التنظيم يعني شيئًا لا يمكن المسلمين من القيام بواجبهم الديني ، لا يشك أي مسلم أن التنظيم كلمة عامة ، يمكن أن نوسعها بحيث تشمل عمل سري مثلاً وأن نضيقها بحيث تشمل تنظيم دروس من كل أنواع الدروس التي ينتفع منها المسلمون يوم مثلاً درس في التفسير ، يوم في الحديث ، يوم في الفقه ، يوم في المواعظ ، ويوم في اللغة في النحو والصرف إلى آخره ، مما يساعد المسلمين على أن يتفقهوا في دينهم ، هذا بلا شك تنظيم ، ولا أظن أن هذا النوع من التنظيم حينما يذكر التنظيم في مثل السؤال السابق ، هو المقصود به ، وإنما يقصد به ما هو أوسع من ذلك بكثير وكثير جدًا ، ومن ذلك التحزب والتكتل جماعة ضد جماعة أخرى ، ولكل من الجماعتين منهج ونظام ، ولكل من الجماعتين رئيس يجب أن يُطاع ، ويجب أن تنفذ أوامره ، هذا ليس من الإسلام في شيء أبدًا ؛ لأنه من غير شيء نحن نعيش في فرقة ، فحينما نريد أن نوجد حزبًا جديدًا ، فمعنى ذلك أننا زدنا سببًا جديدًا في توسيع دائرة الفرقة والاختلاف بين المسلمين ، ولذلك نحن لا نؤيد مثل هذا التنظيم إطلاقًا ، وألفت النظر إلى شيء قد لا ينتبه له بعض الناس خاصة إذا كانوا طيبين القلوب والنوايا .

الشيخ : الآن بلا شك في العالم الإسلامي صحوة لم تكن قبل عشرين ثلاثين سنة ، يقينًا ومثلي شيخ وعجوز كبير ، يعرف هذا لم تكن هذه الصحوة من قبل ، واقترن مع هذه الصحوة كلمة الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى منهج السلف الصالح ، ووجدت هذه الدعوة قبولاً عند المئات من الألوف بل الملايين من المسلمين وشعرت كل الطوائف الأخرى والأحزاب الأخرى بأن الدولة الآن من الناحية الفكرية إنما هي للدعوة السلفية ولذلك صارت الدعوة السلفية الآن تُستغل لإقامة أحزاب باسم السلفية ، والسلفية تبرأ من الحزبية ؛ لأنه إيش معنى العمل بما كان عليه السلف الصالح ؟ يعني العمل بالكتاب والسنة وعلى مفهوم السلف الصالح ، هل كانت الحزبية يحياها علماء السلف ؟ لم يكن في علماء السلف المذهبية هذه التي نحن ألمحنا إليها آنفًا ، ويعيشها اليوم الملايين من المسلمين فضلاً عن أن يكون بينهم ، تدين بالتحزب السياسي هذا خلاف الإسلام ، قال تعالى : (( ولا تكونوا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزبٍ بما لديهم فرحون )) . هذا واقع التحزب والتكتل أما إطلاق لفظة السلفية على حزب ما فأنا أراه كإطلاق لفظة الإسلامية على بدعةٍ ما ، فهناك مثلاً البنوك الإسلامية وهناك الأغاني الإسلامية ، وهناك الاشتراكية الإسلامية ، نسيتموها ؟ هناك كتب ألفت في الاشتراكية الإسلامية .

السائل : وصالونات إسلامية

الشيخ : آه نعم ، صالونات إسلامية ، فالمهم الآن تستغل هذه الكلمة لاصطياد الناس الذين يؤمنون بالدعوة السلفية .

الشيخ : الدعوة السلفية لا تتعرف إطلاقًا على أي تحزب ولو قام به أكبر رجل عالم في الدعوة السلفية ، فمجرد ما يدعوا إلى التحزب والتكتل ، معناه أن هذا بدأ الانحراف عن الخط المستقيم وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح حينما كان جالسًا بين أصحابه فخط لهم على الأرض خطًا مستقيمًا وقرأ قوله تعالى : (( وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وخط خطوطًا قصيرة حول الخط المستقيم ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( هذا صراط الله ، وهذه طرق على جانبي الخط المستقيم ، وعلى رأس كل طريق منها شيطان ، يدعوا الناس إليه ) هذه الطرق ليست هي الطرق الصوفية القديمة فقط ، وإنما هي أيضًا هذه الأحزاب الجديدة التي كل منها ، هذه الطرق قديمًا كانت تتبنى أفكار وعقائد ليس لها علاقة بالسياسة ، كالاعتزال والإرجاء ونحو ذلك ، بعضها كانت تتبنى منهجًا سياسيًا كالخوارج مثلاً الذين من دينهم -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا- الخروج على أئمة المسلمين وحكامهم ، فأقول هذه الطرق القصيرة التي أشار إليها الرسول عليه السلام هي تجمع كل الطرق وكل المذاهب وكل المناهج التي لا تمشي على الخط المستقيم ، وتتبنى رأيًا من باب الغاية تبرر الوسيلة كل مسلم ... مثل بعض الآيات التي ذكرناها من النهي عن التفرق وعن التحزب ، لكن الجواب يقولون المصلحة الآن تقتضي ذلك ، نقول المصلحة لا تكون بمخالفة الشريعة ، وبخاصة إذا كانت تؤدي إلى تفريق المسلمين شيعًا وأحزابًا ، (( كل حزبٍ بما لديهم فرحون )) وأنا أعرف بتجربتي بأن الذين يقومون بمثل هذه التكتلات وهذه التحزبات يقولون معترفين بأن الخط العلمي الذي ينهجه السلفيون ، بلا شك هذا خط لا يمكن أحد يخالفهم ، لكن مداه طويل وطويل جدًا ، متى تقوم الدولة المسلمة ؟ ومتى سنقضي على الكفار الذين احتلوا أراضينا ؟ ومتى سنقيم الدولة الإسلامية في بلادنا حيث يُحكم فينا القانون الأجنبي وهكذا ، نحن نقول لسنا مسئولين أولاً : متى يكون ذلك ؟ وثانيًا : الأمور هذه لا يمكن أن تعامل معاملة الأمور الاقتصادية ، فهم مثلاً يضعون سنين معينة حتى يرفعوا مستوى المعيشة أو نوع من العمل عندهم نظامي ، إلى مستوى محدود ، هذه أمور غيبية لا يمكن تحديدها إطلاقًا ، وإنما يجب نحن أن نمشي على الصراط المستقيم ، فإذا وصلنا فبفضل الله عزَّ وجلّ وإذا لم نصل فقد أعذرنا وبينا عذرنا والله عزَّ وجلّ نرجو أن لا يؤاخذنا لأننا سرنا على الطريق المستقيم ، أما هذه الخطوط ، فأرجو أن تلاحظوا معي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير إلى معنى دقيق جدًا ، حينما مد خطًا طويلاً ، وقال : ( وأن هذا صراطي مستقيمًا ) ثم على جانبي هذا الخط الطويل خطوط قصيرة ، لقد عنى ما سمعته أنا بأذني هذه بدمشق منذ أكثر من عشر سنوات قال لي أحد الحزبيين لا شك أن هذا الطريق الذي أنتم سالكوه هو طريق سليم ، لكن هذا روحه طويلة متى تريدون تصلوا ؟ متى تريدون تقيمون الدولة المسلمة ؟ أما نحن فسوف نقيمها ، كيف تكون إقامتها بالهتافات ، بالتكتلات الحزبية ونحو ذلك ، ثم مضى على كثير من هؤلاء سنين طويلة وعلى النظام العسكري السابق " مكانك راوح " هل استفادوا به علمًا صحوا به عقيدة ؟ صحوا به سلوكًا ؟ ! صحوا به عبادة ؟ ! أبدًا ، خمسين سنة ، ثلاثين سنة " مكانك راوح " أما الذين سلكوا على الصراط المستقيم فهم ماشون ومشيته السلحفاء التي يُضرب بها المثل حينما تسابقت مع الأرنب ، وما أدري على وردت في كليلة ودمنة أو أين ؟ وصلت السلحفاء قبل الأرنب ، لماذا ؟ لأنها كانت دؤوبة ، تمشي رويدًا ولكنها وصلت ، بينما الأرنب كان يلتهي بأمور أخرى ، وبهذه المناسبة أنا أذكر بيتين للجاهلي ، الشاعر الذي يُضرب به المثل ، امرؤ القيس ، لما يقول ، والله نحن أولى والله أن نأخذ الحكمة من هذا الجاهلي ، مع إنه نحن مسلمون وذاك كافر ، قال :

        " بكى صاحبي لما رأى الدرب                   دونه وأيقن أن لا حقين بقيصرا "

              " فقلت له لا تبكي عينك إنما    نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا "

هذا رجل جاهلي كان يريد أن ، يصل إلى أن يصير ملك العرب . فقال له لا تحزن ، نحن ماشيين في الطريق ، فإما أن نصل إلى الملك ، وإما أن نموت فنعذر ، والله نحن لازم يكون هذا سبيلنا ، نمشي في طريق الله - عزَّ وجلّ - فإن استطعنا أن نقيم الدولة المسلمة ، أو قبل ذلك المجتمع الإسلامي ، لا تتصوروا أنه يمكن إقامة حكم إسلامي في مجتمع غير إسلامي ، يجب قبل كل شيء إيجاد المجتمع الإسلامي ؛ لأنه هذا الذي يتقبل الحاكم المسلم ، أما المجتمع غير الإسلامي لا يتقبل الحاكم المسلم ؛ لأنه ستقوم عليه ثورات ، ومعاداة كثيرة وكثيرة جدًا ، وواقع العالم العربي اليوم يعني مع الأسف مشهور ومعروف ، مع أنه ليس هناك من قام بنظام إسلامي ، أما لو قام بنظام إسلامي مش دولة واحدة تقوم ضده بتقوم الدولة كلها ، فلذلك فنحن علينا أن نمشي على الخط المستقيم ، فإن شاء الله ربنا يوصلنا إلى الهدف أو نموت فنعذرَ .

السائل : يعني بالنسبة للعمل للإسلام في المرحلة الحالية ، لو كان على سبيل المثال ، هنالك مكان يُعلم به دين الله عزَّ وجلّ عقيدة وشريعة ، فهذا المكان لابد له أن يكون هنالك شيخ ، وهنالك من يرتبون وقد يكون في مكان آخر ، وفي مكان ثاني وثالث ورابع ليعلموا الإسلام إلى الناس

الشيخ : ايوه

السائل : لو كان هنالك مجموعة من الناس أرادوا أن يتعاونوا على البر والتقوى ، واعتبروا تجمعهم هذا ليس هو الأصل الذي هو الإسلام ، ارتباطهم دائمًا بعملهم الأصلي هو الإسلام ، والأخوة بلا إله إلا الله ولكن يتعاونون مع بعضهم البعض يتعاهدون على خدمة الإسلام كما يريد الله عزَّ وجلّ إرجاع المسلمين إلى الكتاب والسنة تمسكهم بشرع الله عزَّ وجلّ الارتفاع بالمسلمين إلى مستوى الإسلام ، إلى مستوى المهمة التي يريدها منهم الإسلام ، وإلى مستوى العالم والعصر فهمًا ودرايةً وفقًا لشريعة الله عزَّ وجلّ وساروا على هذا الطريق لخدمة الإسلام ويدعون إلى يقظة إيمانية شاملة ، وليست يقظة حزبية ضيقة ويعتبرون تجمعهم هذا وسيلة لخدمة الإسلام ولإعلاء كلمة لا إله إلا الله ، فهل هذا من ناحية إسلامية يُعتبر مشروع ؟

الشيخ : إذا تريد كلاما مجملا مثل كلامك ؟ مشروع ، إذا تريد كلاما مجملا مثل كلامك ، أقول لك هذا عمل مشروع ، لكن هذا واقع أم غير واقع ؟

السائل : أنا أقول ... .

الشيخ : لا لا ، ما تقوله أنت أجب عن السؤال ، مثل ما سألتني وأجبتك ، فأنت جاوب عن سؤالي .

السائل : هذا فيه جوانب ، في جهات هذا عندهم واقع ، وجهات ليس عندهم واقع .

الشيخ : كيف ؟

السائل : ناس يتعاونون على طاعة الله عزَّ وجلّ وعلى البر والتقوى ، ويريدون إعلاء كلمة لا إله إلا الله ، ويعتبرون تجمعهم وسيلة وليس أصلاً والأصل هو الإسلام ، فهذا موجود الآن .

الشيخ : أنت بارك الله فيك ، سمعتني آنفًا ، أدندن حول العلم النافع والعمل الصالح ، وأظنك يعني معنا في هذا البيان أليس كذلك ؟