تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا
مصدر الكتاب : موقع جامع الحديث
http://www.alsunnah.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]
الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا
(1/1)
________________________________________
ذكر البكاء من خشية الله وثوابه
(1/2)
________________________________________
1 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن أبان الأصبهاني ، قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي ، قال : حدثنا عبد الله بن خيران ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عيسى بن طلحة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يلج (1) النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد أبدا »
__________
(1) الولوج : الدخول
(1/3)
________________________________________
2 - حدثني ابن أيوب ، قال : حدثنا مصعب بن سلام ، قال : حدثنا محمد بن أبي حميد ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من عبد مؤمن يخرج من عينيه دموع وإن كان مثل رأس الذباب من خشية الله ، ثم تصيب شيئا من حر وجهه ، إلا حرمه الله على النار »
(1/4)
________________________________________
3 - حدثني زيد بن إسماعيل مولى الأنصار ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ، قال : حدثنا محمد بن سمير الرعيني ، عن أبي علي التجيبي ، عن أبي ريحانة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا ترى النار عين بكت من خشية الله ، ولا عين سهرت في سبيل الله »
(1/5)
________________________________________
4 - حدثني أبو جعفر الكندي ، قال : أنبأنا يوسف بن الغرق ، عن أيوب الحبطي ، عن نفيع بن الحارث الهمداني ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، بم أتقي النار ؟ قال : « بدموع عينيك ؛ فإن عينا بكت من خشية الله لا تمسها النار أبدا »
(1/6)
________________________________________
5 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا إبراهيم بن زكريا القرشي ، قال : حدثنا بشر بن إبراهيم ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عين بكت من خشية الله ، لا تمسها النار أبدا »
(1/7)
________________________________________
6 - وحدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا زكريا بن عدي ، عن علي بن فضيل ، عن العلاء بن المسيب ، عن الحسن البصري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة من دم في سبيل الله ، وقطرة دموع قطرت من عين رجل في جوف (1) الليل من خشية الله »
__________
(1) جوف الليل : ثلثه الأخير
(1/8)
________________________________________
7 - حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا صالح المري ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي الجلد ، قال : قرأت في مسألة داود صلى الله عليه وسلم قال : « إلهي ، ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجنتيه (1) ؟ قال : جزاؤه أن أحرم وجهه على لفح النار ، وأن أؤمنه يوم الفزع »
__________
(1) الوجنة : أعلى الخد
(1/9)
________________________________________
8 - حدثني علي بن مسلم ، قال : حدثني عون بن عمارة ، عن أيوب وهو أبو أمية ، عن زياد العنبري ، « أن الله تبارك وتعالى قال : وعزتي ، لا يبكي عبد من خشيتي ، إلا أجرته من نقمتي ، وعزتي ، لا يبكي عبد من خشيتي إلا أبدلته ضحكا في نور قدسي »
(1/10)
________________________________________
9 - حدثنا الحسن بن يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثني أيوب بن عثمان الأزدي ، قال : حدثني أبو بصرة ، عن الحسن ، قال : « إن العينين لتبكيان ، وإن القلب ليشهد عليهما بالكذب ، ولو بكى عبد من خشية الله لرحم من حوله ، ولو كانوا عشرين ألفا »
(1/11)
________________________________________
10 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد التميمي ، عن الحسن ، قال : « بلغنا أن الباكي من خشية الله لا يقطر من دموعه قطرة على الأرض حتى تعتق رقبته من النار ، ولو أن باكيا بكى في ملأ (1) من الملأ لرحموا جميعا ببكائه ، و . . . . له وزن ، إلا البكاء ، فإنه لا يوزن »
__________
(1) الملأ : الجماعة
(1/12)
________________________________________
11 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، قال : حدثنا عتبة بن عبد الله الأصم ، قال : سمعت فرقدا السبخي ، يقول : « بلغنا أن الأعمال كلها توزن ، إلا الدمعة تخرج من عين العبد من خشية الله فإنه ليس لها وزن ولا قدر ؛ وإنه ليطفأ بالدمعة البحور من النار »
(1/13)
________________________________________
12 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو حفص الحبطي ، قال : حدثنا زرعة الأعشى ، عن وهب بن منبه قال : « البكاء من خشية الله تعالى مثاقيل (1) بر ، ليس ثوابه وزنا ، إنما يعطى الباكي من خشية الله ، والصابر على طاعة الله أجرهم بغير حساب »
__________
(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.
(1/14)
________________________________________
13 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن ثور بن أبي الخلال العتكي ، قال : حدثنا سوادة بن أبي الأسود ، قال : سمعت شهر بن حوشب ، يقول : « لو أن عبدا بكى في ملأ (1) من الناس لرحموا ببكائه »
__________
(1) الملأ : الجماعة
(1/15)
________________________________________
14 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا سليمان وهو غير التيمي ، عن عبيدة بن حسان ، عن النضر بن سعيد ، رفعه قال : « ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النار ، فإن فاضت (1) على خده لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، ولو أن عبدا بكى في أمة من الأمم ، لأنجى الله ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار ، وما من عمل إلا له وزن أو ثواب ، إلا الدموع ؛ فإنها تطفئ بحورا من النار »
__________
(1) فاضت عيناه : سال دمعها
(1/16)
________________________________________
15 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، قال : « إن الدمعة لتطفئ البحور من النيران ، فإن سالت على خد باكيها لم ير ذلك الوجه النار ، وما بكى عبد من خشية الله إلا خشعت (1) لذلك جوارحه ، وكان مكتوبا في الملأ الأعلى باسمه واسم أبيه ، منورا قلبه بذكر الله »
__________
(1) الخشوع : الخشية والخضوع والخشوع للجوارح كالخشوع للبدن
(1/17)
________________________________________
16 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي سعيد السراج ، قال : كنا عند الحسن يوما وهو يعظ ، فانتحب رجل من ناحية المجلس ، فقال الحسن : « أيها الباكي اشدد » ، أو قال : « احدد فإنه بلغنا أن الباكي من خشية الله مرحوم يوم القيامة »
(1/18)
________________________________________
17 - حدثني محمد ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، عن جعفر بن سليمان ، قال : وعظ مالك بن دينار يوما فتكلم ، فبكى حوشب ، فضرب مالك بيده على منكبه (1) وقال : « ابك يا أبا بشر ، فإنه بلغني أن العبد لا يزال يبكي حتى يرحمه سيده ، فيعتقه من النار »
__________
(1) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد
(1/19)
________________________________________
18 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا عمران بن خالد الخزاعي ، قال : سمعت فرقدا السبخي ، يقول : قرأت في بعض الكتب : « قل للبكائين من خشية الله : أبشروا فإنكم أول من تنزل عليه الرحمة إذا نزلت »
(1/20)
________________________________________
19 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، عن عثمان بن طليق ، عن أبي ميمون البراد ، قال : قال رجل للحسن : أوصني ، قال : « رطب لسانك بذكر الله ، وند جفونك بالدموع من خشية الله ، فقل من طلبت لديه خيرا فلم تدركه »
(1/21)
________________________________________
20 - حدثني محمد ، قال : حدثني شعيث بن محرز ، قال : حدثني صالح المري ، قال : بلغني عن كعب ، أنه كان يقول : « من بكى خوفا من ذنب غفر له ، ومن بكى اشتياقا إلى الله أباحه النظر إليه تبارك وتعالى ، يراه متى شاء »
(1/22)
________________________________________
21 - حدثني محمد ، قال : حدثنا زكريا بن عدي ، قال : حدثني النضر بن إسماعيل ، قال : حدثني عيسى المعلم ، عن زاذان أبي عمر ، قال : « بلغنا أنه من بكى خوفا من النار أعاذه (1) الله منها ، ومن بكى شوقا إلى الجنة أسكنه الله إياها »
__________
(1) أعاذ : أجار وحمى وحفظ وحصن
(1/23)
________________________________________
22 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن أبى بكير قال : حدثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني ، قال : سمعت يزيد بن أبان الرقاشي ، يقول : « بلغني أنه من بكى على ذنب من ذنوبه نسي حافظاه ذلك الذنب ، ومن فاضت (1) عيناه من خشية الله أعطي الأمان يوم القيامة »
__________
(1) فاضت عيناه : سال دمعها
(1/24)
________________________________________
23 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عمرو بن جرير ، قال : سمعت أبا طالب القاص ، يحدث عن عطية العوفي ، قال : « بلغني أنه من بكى على خطيئته محيت عنه » ، قال عمرو : وحدثني الأشجعي ، عن أبي طالب ، عن عطية ، قال : « وكتبت له حسنة »
(1/25)
________________________________________
24 - حدثني محمد ، قال : حدثنا خالد بن يزيد القرني ، عن خازم بن حسين ، عن مالك بن دينار ، قال : « البكاء على الخطيئة يحط (1) الذنوب ، كما تحط (2) الريح الورق اليابس »
__________
(1) حط : أسقط ومحا
(2) تحط : تُسقط
(1/26)
________________________________________
25 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، قال : سمعت بكر بن مصاد ، يقول : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله ؟ ألا إنه من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه . يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار ؟ ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها ، يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة ؟ ألا إنه من بكى خوفا من ذلك سقي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، يا إخوتاه ألا تبكون ؟ بلى ، فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا ، لعله أن يسقيكموه في حظائر (1) القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا . ثم جعل يبكي حتى غشي عليه
__________
(1) حظيرة القدس : الجنة
(1/27)
________________________________________
26 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن سهل الأردني ، قال : حدثني رشدين بن سعد ، عن بعض أصحابه ، قال : قرأت في بعض الكتب : « قل للمؤيدين من عبادي ، فليجالسوا البكائين من خشيتي ، لعلي أصيبهم برحمتي إذا أنا رحمت البكائين »
(1/28)
________________________________________
27 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن سليم مولى بني ليث ، قال : سمعت هارون بن رئاب ، قال : « بلغني أن البكاء مثاقيل (1) لو وزن بالمثقال الواحد منه مثل جبال الدنيا » ، أو قال : « جبال الأرض رجح البكاء ، وإن الدمعة لتنحدر فتطفئ البحور من النار ، وما بكى عبد لله مخلصا في ملأ (2) من الملأ إلا غفر لهم جميعا ببركة بكائه »
__________
(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.
(2) الملأ : الجماعة
(1/29)
________________________________________
28 - حدثني محمد ، قال : حدثني حسين بن موسى ، قال : حدثنا أبو المغيرة القاص ، قال : قال عمر بن ذر : « ما رأيت باكيا قط (1) إلا خيل إلي أن الرحمة قد تنزلت عليه »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/30)
________________________________________
29 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن حنبل ، قال : حدثنا حجاج ، عن أبي معشر ، قال : رأيت عون بن عبد الله في مجلس أبي حازم يبكي ويمسح وجهه بالدموع ، ويقول : « بلغني أن النار لا تمس موضع الدموع »
(1/31)
________________________________________
30 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عمار بن عثمان ، قال : حدثنا حزم القطعي ، قال سمعت يزيد الرقاشي ، يقول : « بلغنا أن الباكي من خشية الله تهتز له البقاع (1) التي يبكي عليها ، وتغمره الرحمة ما دام باكيا »
__________
(1) البقاع : جمع بقعة وهي القطعة من الأرض
(1/32)
________________________________________
31 - حدثني محمد ، قال : حدثني إسحاق بن منصور ، عن أبي الجودي ، قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : يا أبا الجودي « اغتنم الدمعة تسيلها على خدك لله »
(1/33)
________________________________________
32 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمار بن عثمان ، قال : حدثني حماد بن يحيى الأبح ، قال : سمعت محمد بن واسع ، ورأى رجلا يبكي ، فقال : « بلغنا أن الباكي مرحوم ، فمن استطاع أن يبكي فليبك ، فلمثل ما يقدم عليه فليبك له »
(1/34)
________________________________________
33 - حدثني محمد ، قال : حدثنا مطرف أبو المصعب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال : سمعت أبا حازم ، يقول : « بلغنا أن البكاء من خشية الله مفتاح لرحمته »
(1/35)
________________________________________
34 - وحدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : سمعت ابن السماك يذكر ، عن المفضل بن مهلهل ، قال : « بلغني أن العبد إذا بكى من خشية الله ملئت جوارحه نورا ، واستبشرت ببكائه ، وتداعت بعضها بعضا : ما هذا النور ؟ فيقال لها : هذا غشيكم من نور البكاء »
(1/36)
________________________________________
35 - حدثني محمد ، قال : حدثني إسحاق بن منصور بن حيان الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن صبيح العجلي ، قال : سمعت ابن ذر ، يقول : « بلغني أن الباكي من خشيته يبدل الله مكان كل قطرة أو دمعة تخرج من عينيه أمثال الجبال من النور في قلبه ، ويزاد من قوته للعمل ، ويطفأ بتلك المدامع بحور من نار »
(1/37)
________________________________________
36 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « البكاء من مفاتيح التوبة ؛ ألا ترى أنه يرق فيندم ؟ »
(1/38)
________________________________________
37 - حدثني محمد ، قال : حدثني نوح بن يحيى الزراد ، قال : حدثني قثم العابد ، عن حمزة الأعمى ، قال : ذهبت أمي إلى الحسن ، فقالت : يا أبا سعيد ابني هذا قد أحببت أن يلزمك ، فلعل الله أن ينفعه بك ، قال : فكنت أختلف (1) إليه ، فقال لي يوما : « يا بني أدم الحزن على خير الآخرة ، لعله أن يوصلك إليه ، وابك في ساعات الخلوة ، لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك (2) ، فتكون من الفائزين » . قال : وكنت أدخل عليه منزله وهو يبكي ، وآتيه مع الناس وهو يبكي ، وربما جئت وهو يصلي ، فأسمع بكاءه ونحيبه ، فقلت له يوما : يا أبا سعيد إنك لتكثر من البكاء فبكى ثم قال : « يا بني فما يصنع المؤمن إذا لم يبك ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة ، فإن استطعت أن لا تكون عمرك إلا باكيا فافعل ، لعله يراك على حالة ، فيرحمك بها ، فإذا أنت قد نجوت من النار »
__________
(1) أختلف : أذهب وأتردد
(2) العبرة : الدمعة
(1/39)
________________________________________
38 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد ، عن إسماعيل بن ذكوان ، قال : دخل إياس بن معاوية وأبوه إلى مسجد فيه قاص يقص عليهم ، فلم يبق أحد من القوم إلا بكى ، غير إياس وأبيه ، فلما تفرقوا قال معاوية بن قرة لابنه : أترانا شر أهل هذا المجلس ؟ قال إياس : « إنما هي رقة في القلوب ، فكما تسرع إلى الدمعة ، فكذلك تسرع إليها الفتنة » فقال معاوية : ما أدري ما تقول يا بني غير أنهم قد تعجلوا الرقة ، ورجاء الرحمة
(1/40)
________________________________________
39 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو إسحاق الضرير ، في قنطرة قرة قال : حدثنا عبد ربه أبو كعب ، صاحب الحرير قال : كنا عند معاوية بن قرة ، فذكر شيئا ، فنحب رجل من ناحية المجلس ، فقال له معاوية بن قرة : « أعطاك الله أملك فيما بكيت عليه » ، قال : فارتجت الحلقة بالبكاء
(1/41)
________________________________________
40 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا فهد بن حيان ، قال : حدثنا أشرس الهذلي ، قال : سمعت فرقدا السبخي ، يقول : قرأت في بعض الكتب : « أن العبد إذا بكى من خشية الله تحاتت (1) عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ولو أن عبدا جاء بجبال الأرض ذنوبا وآثاما ، لوسعته الرحمة إذا بكى ، وإن الباكي على الجنة لتشفع له الجنة إلى ربها ، فتقول : يارب ، أدخله الجنة كما بكى علي . وإن النار لتستجير له من ربها ، فتقول : يا رب أجره من النار ، كما استجارك (2) مني ، وبكى خوفا من دخولي »
__________
(1) تحات : تساقط ووقع
(2) استجار اللهَ : استعاذ به والتجأ إليه
(1/42)
________________________________________
41 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الملك بن قريب ، قال : حدثنا غاضرة بن قرهد ، قال : كان فرقد السبخي قد بكى حتى أضر به ذلك البكاء ، وتناثرت أشفاره ، فقيل له في ذلك ، فقال : « بلغني أن كل عين بكت من خشية الله لا يصيبها لفح النار يوم القيامة » ، قال : فكان يبكي ، ويبكي أصحابه
(1/43)
________________________________________
42 - حدثني محمد ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا عمر الأشج ، عن أبي عمران الجوني ، قال : « لكل أعمال البر جزاء ، وفي كلها خير ، إلا الدمعة ، تخرج من عين العبد ، فليس لها كيل ولا وزن ، حتى يطفأ بها بحار من النيران »
(1/44)
________________________________________
43 - حدثني أبي رحمه الله ، وأبو خيثمة ، عن الوليد بن مسلم ، عن ثابت بن سرح أبي سلمة الدوسي ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم ارزقني عينين هطالتين ، تبكيان بذروف الدموع ، وتشفيانني من خشيتك من قبل أن تكون الدموع دما ، والأضراس جمرا »
(1/45)
________________________________________
استدعاء البكاء
(1/46)
________________________________________
44 - حدثني هارون بن عبد الله بن مروان ، قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن عمران أبي يحيى التغلبي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون حتى تصير في وجوههم الجداول (1) ، فتنفد الدموع ، فتقرح العيون ، حتى لو أن السفن أرخيت فيها لجرت »
__________
(1) الجدول : النهر الصغير
(1/47)
________________________________________
45 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن إسحاق الحضرمي ، قال : سمعت صالحا المري ، يقول : « للبكاء دواعي : الفكرة في الذنوب ، فإن أجابت على ذلك القلوب ، وإلا نقلتها إلى تلك الشدائد والأهوال ، فإن أجابت على ذلك ، وإلا فاعوض عليها التقلب بين أطباق النيران قال : ثم صاح وغشي عليه ، فتصايح الناس من نواحي المجلس »
(1/48)
________________________________________
46 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثني حماد بن سلمة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي هريرة ، أن رجلا ، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال : « إن أحببت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين »
(1/49)
________________________________________
47 - حدثنا محمد بن سليمان الأسدي ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، أن رجلا ، قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي فقال : « ادنه (1) من الذكر »
__________
(1) دنا : اقترب
(1/50)
________________________________________
48 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني مهدي بن حفص ، قال : سمعت أبا عبد الرحمن المغازلي ، يقول : « قال رجل ببلاد الشام في بعض تلك السواحل : » لو بكى العابدون على الشفقة حتى لم يبق في أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك (1) دموعا جارية ، وبقيت الأبدان يبسا (2) خالية ، تردد فيها الأرواح إشفاقا ووجلا (3) من يوم تذهل (4) كل مرضعة عما أرضعت ، لكانوا محقوقين بذلك ثم غشي عليه «
__________
(1) الوَدَك : دَسَم اللَّحْمِ ودُهْنُه الذي يُسْتَخْرَج منه.
(2) يبس : جف
(3) الوجل : الخوف والخشية والفزع
(4) الذهول : شغل يورث حزنا ونسيانا ، يقال : ذهل عن كذا وأذهله كذا
(1/51)
________________________________________
49 - حدثني محمد ، قال : حدثني إبراهيم بن بكر الشيباني ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، قال : كان أويس القرني يقف على موضع الحدادين ، فينظر إليهم كيف ينفخون الكير (1) ، ويسمع صوت النار ، فيصرخ ، ثم يسقط ، فيجتمع الناس عليه ، فيقولون : مجنون قال : وكان يأتي مزبلة بالكوفة قديمة ، فيصعد عليها ، فيجلس ، ثم يبكي ، حتى تأتيه الشمس ، فينزل ، فيتبعه الصبيان حتى يأتي المسجد ، فيدخل
__________
(1) الكير : زِقٌّ أو وعاء من جلد أو نحوه يشبه الكيس يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النار لإذكائها
(1/52)
________________________________________
50 - حدثني أبو عقيل الأسدي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد ، عن البختري بن يزيد بن جارية الأنصاري ، « أن رجلا من العباد وقف على كير (1) حداد وقد كشف عنه ، فجعل ينظر إليه ويبكي » ، قال : « ثم شهق شهقة فمات »
__________
(1) الكير : زِقٌّ أو وعاء من جلد أو نحوه يشبه الكيس يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النار لإذكائها
(1/53)
________________________________________
51 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثنا أبو عمر الصفار ، عن مالك بن دينار ، قال : دخلت مع الحسن السوق ، فمر بالعطارين ، فوجد تلك الرائحة ، فبكى ، ثم بكى ، حتى خفت أن يغشى عليه ، ثم قال : يا مالك « والله ما هو إلا حلول القرار من الدارين جميعا : الجنة أو النار ، ليس هناك منزل ثالث ، من أخطأته والله الرحمة صار إلى عذاب الله . قال : ثم جعل يبكي ، فلم يلبث (1) بعد ذلك إلا يسيرا (2) حتى مات »
__________
(1) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة
(2) اليسير : القليل
(1/54)
________________________________________
52 - حدثني أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا عمران بن أبي جميل الدمشقي ، قال : حدثنا شهاب بن خراش ، قال : حدثنا أبو الهيثم ، بياع القصب قال : مررت أنا وسعيد بن جبير على بني الأشعث ، وإذا هم على طنافس ، وعليهم ألوان الخز (1) ، فسلم عليهم ، فجعلوا يقولون له : مرحبا بأبي عبد الله ، ويسلمون عليه : اجلس . فلما ولى (2) عنهم بكى حتى بلغ الكناسة بكاء شديدا ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : إنني ذكرت الجنة ونعيمها وشبابها حين رأيت هؤلاء
__________
(1) الخز : ثياب تنسج من صوف وحرير
(2) وَلّى الشيءُ وتَولّى : إذا ذَهَب هاربا ومُدْبراً، وتَولّى عنه، إذا أعْرَض
(1/55)
________________________________________
53 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني إبراهيم بن مهدي ، قال : سمعت أخا لشعيب بن صفوان ، يذكر عن بعض المشيخة ، عن مولى لعمر بن عبد العزيز ، قال : استيقظ ذات ليلة باكيا ، فلم يزل يبكي حتى استيقظت ، قال : وكنت أبيت معه ، فربما منعني النوم كثرة بكائه قال : فأكثر ليلتئذ (1) البكاء جدا ، فلما أصبح دعاني فقال : « أي بني ليس الخير أن يسمع لك ويطاع ، إنما الخير أن تكون قد عقلت عن ربك ثم أطعته ، يا بني لا تأذن اليوم لأحد علي حتى أصبح ، ويرتفع النهار ، فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس ، ولا يفهمون عني » فقلت : بأبي أنت يا أمير المؤمنين رأيتك الليلة بكيت بكاء ما رأيتك بكيت مثله قال : فبكى ، ثم بكى ، ثم قال : « يا بني إني والله ذكرت الموقف بين يدي الله » ، قال : ثم غشي عليه ، فلم يفق حتى علا النهار ، فما رأيته بعد ذلك مبتسما حتى مات
__________
(1) ليلتئذ : المراد : في تلك الليلة
(1/56)
________________________________________
54 - حدثني محمد ، قال : حدثني يوسف بن الحكم ، قال : حدثني عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك ، قال : بكى عمر بن عبد العزيز ، فبكت فاطمة ، فبكى أهل الدار ، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء ، فلما تجلى (1) عنهم العبر ، قالت فاطمة : بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت ؟ ، قال : ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله : فريق في الجنة ، وفريق في السعير (2) . ثم صرخ وغشي عليه
__________
(1) التجلي : الظهور والانكشاف
(2) السعير : النار شديدة التوقد
(1/57)
________________________________________
55 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، قال : حدثني مسمع بن عاصم ، قال : بت أنا وعبد العزيز بن سلمان ، وكلاب بن جري ، وسلمان الأعرج ، على ساحل من بعض السواحل ، فبكى كلاب حتى خشيت أن يموت ، ثم بكى عبد العزيز لبكائه ، ثم بكى سلمان لبكائهم ، وبكيت والله لبكائهم ، لا أدري ما أبكاهم . فلما كان بعد ، سألت عبد العزيز فقلت : يا أبا محمد ما أبكاك ليلتك ؟ فقال : إني والله نظرت إلى أمواج البحر تموج وتخيل ، فذكرت أطباق النيران وزفراتها ، فذلك الذي أبكاني . ثم سألت كلابا أيضا نحوا مما سألت عبد العزيز ، فوالله لكأنما قصته فقال لي مثل ذلك . ثم سألت سلمان الأعرج نحوا مما سألتهما ، فقال لي : ما كان في القوم شر مني ما كان بكائي إلا لبكائهم ، رحمة لهم مما كانوا يصنعون بأنفسهم
(1/58)
________________________________________
56 - حدثني محمد ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثنا عبد ربه أبو كعب ، عن بكر بن عبد الله المزني : أن أبا موسى « خطب الناس بالبصرة فذكر في خطبته النار ، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر ، وبكى الناس يومئذ بكاء شديدا »
(1/59)
________________________________________
57 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان يعني الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن المغيرة بن سعد بن الأخرم ، عن أبيه ، قال : « كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود فمر بالحدادين وقد أخرجوا حديدة من النار ، فقام ينظر إليها ويبكي »
(1/60)
________________________________________
58 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن إسحاق ، قال : حدثنا النضر بن إسماعيل ، قال : مر الربيع بن أبي راشد برجل به زمانة ، فجلس يحمد الله ويبكي ، فمر به رجل ، فقال : ما يبكيك رحمك الله ؟ قال : ذكرت أهل الجنة وأهل النار ، فشبهت أهل الجنة بأهل العافية ، وأهل البلاء بأهل النار ، فذلك الذي أبكاني
(1/61)
________________________________________
59 - حدثني محمد ، قال : حدثني موسى بن داود ، قال : حدثنا النضر بن إسماعيل ، عن ابن أبي الذباب : « أن طلحة ، وزبيرا ، » مرا بكير حداد ، فوقفا ينظران إليه ويبكيان « قال : » ومرا بأصحاب الفاكهة والرياحين ، فوقفا يبكيان ويسالأن الله الجنة «
(1/62)
________________________________________
60 - قال النضر : وحدثنا الأعمش ، أن الربيع بن خثيم ، « مر في الحدادين ، فنظر في كير (1) ، فصعق (2) »
__________
(1) الكير : زِقٌّ أو وعاء من جلد أو نحوه يشبه الكيس يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النار لإذكائها
(2) صعق : غشي عليه
(1/63)
________________________________________
61 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن بسطام ، قال : حدثنا عبد العزيز بن علي الصراف ، أن حسان بن أبي سنان قدم له سكر من الأهواز ، فربح فيه مالا كثيرا ، فدخل عليه قوم من إخوانه يهنؤونه بذلك ، فوجدوه في ناحية الحجرة يبكي ، فقالوا : يا عبد الله هذه نعمة من الله عليك ، ففيم البكاء ؟ قال : « إني خشيت والله أن يكون ذلك سكرا ، فاستدراجا ، وإني أستغفر الله من نسياني ما ذكرني به ربي ، ومن غفلتنا عن ذلك »
(1/64)
________________________________________
62 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حفص القرشي ، قال : بعث بعض الأمراء إلى عمر بن المنكدر بمال ، فجاء به الرسول ، فوضعه بين يديه ، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ، ثم جاء أبو بكر ، فلما رأى عمر يبكي ، جلس يبكي لبكائه ، ثم جاء محمد ، فجلس يبكي لبكائهما ، فاشتد بكاؤهم جميعا . فبكى الرسول أيضا لبكائهم ، ثم أرسل إلى صاحبه ، فأخبره بذلك ، فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يستعلم علم ذلك البكاء ، فجاء ربيعة ، فذكر ذلك لمحمد ، فقال محمد : سله ، فهو أعلم ببكائه مني . فاستأذن عليه ربيعة ، فقال : يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير لك ؟ قال : إني والله خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي ، فلا يكون للآخرة فيه نصيب ، فذاك الذي أبكاني . قال : فأمر بالمال ، فتصدق به على فقراء أهل المدينة ، فجاء ربيعة ، فأخبر الأمير بذلك ، فبكى وقال : هكذا والله يكون الخير
(1/65)
________________________________________
63 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، قال : كان عمر بن عبد العزيز يوما ساكتا وأصحابه يتحدثون ، فقالوا له : ما لك لا تتكلم يا أمير المؤمنين ؟ قال : « كنت مفكرا في أهل الجنة كيف يتزاورون فيها ، وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها » ثم بكى
(1/66)
________________________________________
أسباب البكاء
(1/67)
________________________________________
64 - حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن سيف بن أبي سيف ، عن ابن لعبد الله بن خازم السلمي ، عن كعب ، قال : « إن العبد لا يبكي حتى يبعث الله إليه ملكا يمسح كبده بجناحه ، فإذا مسح كبده بكى »
(1/68)
________________________________________
65 - حدثني محمد بن أبى بلال ، قال : حدثنا معمر بن سليمان الرقي ، عن أبي المهاجر ، عن مكحول ، قال : « أرق الناس قلوبا أقلهم ذنوبا »
(1/69)
________________________________________
66 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني يوسف بن الحكم ، عن فياض بن محمد ، قال : « كان شيخ ههنا من قريش سريع الدمعة كثيرا ، وكان ما علمته من المتهجدين (1) ، قليل الآثام ، معتزلا للناس . فذكرته يوما لبعض علمائنا فقلت : هذا الشيخ طويل الاجتهاد ، وما أظنه اقترف إثما مذ خمسون عاما أو ما شاء الله ، ثم هو الدهر يبكي فقال لي الرجل : ما ينبغي أن يكون مثله إلا هكذا : ندي العينين دهره . قلت : وكيف ذاك ؟ قال : لأن البدن إذا عري دق ، فكذاك القلب إذا قلت خطاياه سرعت دمعته . قال : فعلمت أن ذاك كما قال »
__________
(1) التهجد : قيام الليل بالصلاة أو القراءة أو الذكر
(1/70)
________________________________________
67 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر السعدي ، قال : قال لي أبو عبد الله البراثي : « لا تندى العين حتى يحترق القلب ، فإذا احترق القلب تلهب (1) شعله ، فهاج إلى الرأس دخانه ، فاستنزل الدموع من الشؤون إلى العين فسجمته »
__________
(1) تلهب : اتَّقد واشتعل
(1/71)
________________________________________
68 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم الراسبي ، عن أبيه ، قال : كان يقال : إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب ، حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى ، والقليل من التذكرة يجزئه (1)
__________
(1) يجزئ : يكفي ويغني ويقضي
(1/72)
________________________________________
69 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، عن مسمع بن عاصم ، قال : « سألت عابدا من أهل البحرين فقلت : ما بال الحزين يجيبه قلبه إذا شاء ، وتهمل عيناه عند كل حركة ؟ فقال : أخبرك عن ذاك : إن الحزين بدا (1) به الحزن ، فجال في بدنه ، فأعطاه كل عضو بقسطه ، ثم رجع إلى القلب والرأس فسكنهما ، فمتى حرك القلب بشيء تحرك ، فهاجت الحرقة مصاعدة ، فاستثارت الدموع من شؤون (2) الرأس حتى تسلمها إلى العين ، فتذريها حينئذ الجفون . ثم خنقته عبرته (3) فقام »
__________
(1) بدا : وضح وظهر
(2) الشئون : أصول ومنابت الشعر
(3) العبرة : الدمعة
(1/73)
________________________________________
70 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن سهل ، قال : قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي « من أكثر لله الصدق نديت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما »
(1/74)
________________________________________
71 - حدثني محمد ، قال : حدثني راهويه أبو سهل ، قال : قلت لسفيان بن عيينة : ألا ترى إلى أبي علي يعني فضيلا لا تكاد تجف له دمعة ؟ فقال سفيان : « إذا قرح القلب نديت العينان . ثم تنفس سفيان نفسا منكرا »
(1/75)
________________________________________
72 - حدثني محمد بن عباد المكي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن عياش ، قال : « البكاء من سبع : البكاء من خشية الله : القطرة منه تكف من النار أمثال البحور ، ورجل فاضت (1) عيناه من خشية الله ، والبكاء من السرور ، والبكاء من الكرب ، والبكاء من السكر ، والبكاء من الخوف ، والبكاء من الألم »
__________
(1) فاضت عيناه : سال دمعها
(1/76)
________________________________________
البكاء عند قراءة القرآن
(1/77)
________________________________________
73 - حدثنا زهير بن حرب ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن أبي حيان ، عن عبد الله ، قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : « اقرأ علي » قال : قلت : أليس تعلمت منك يا رسول الله ؟ قال : « إني أحب أن أسمعه من غيري » ، فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (1) ) فاضت (2) عيناه صلى الله عليه وسلم «
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 41
(2) فاضت عيناه : سال دمعها
(1/78)
________________________________________
74 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني حيي ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لما نزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها بكى أبو بكر الصديق رحمه الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما يبكيك يا أبا بكر ؟ » قال : أبكتني يا رسول الله هذه السورة «
(1/79)
________________________________________
75 - وبإسناده حدثني حيي ، قال : سمعت أبا عبد الرحمن الحبلي ، يذكر : أن عقبة بن عامر وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن فقال له عمر : « اعرض علي سورة براءة » ، فقرأها عليه ، فبكى عمر بكاء شديدا ، ثم قال : « ما كنت أظن أنها أنزلت »
(1/80)
________________________________________
76 - حدثني الحسن بن الصباح ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عثمان بن واقد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه : كان إذا أتى على هذه الآية ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله (1) ) بكى حتى يبل لحيته البكاء ، ويقول : « بلى يا رب »
__________
(1) سورة : الحديد آية رقم : 16
(1/81)
________________________________________
77 - وحدثني الحسن بن الصباح ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن عبد الله بن رباح ، قال : « كان صفوان بن محرز إذا قرأ هذه الآية ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (1) ) بكى ، حتى أقول : قد اندق قضيض زوره »
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 227
(1/82)
________________________________________
78 - حدثني إسحاق بن داود ، قال : حدثنا أبو السري سهل بن محمود ، عن يوسف بن الغرق ، عن الهيثم بن جماز ، قال : قال شميط يعني ابن عجلان : « كل دمع يجري من القرآن فمرحوم عند الله »
(1/83)
________________________________________
79 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد ، قال : سمعت أبي يقول : قال فضل الرقاشي : « ما تلذذ العابدون ، ولا استطارت قلوبهم بشيء كحسن الصوت بالقرآن ، وكل قلب لا يجيب على حسن الصوت بالقرآن فهو قلب ميت » . وقال الفضل : « وأي عين لا تهمل على حسن الصوت إلا عين غافل أو لاه (1) ؟
__________
(1) اللاهي : الغافل
(1/84)
________________________________________
80 - وحدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر البرساني ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، قال : كان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى : « ذكرنا ربنا . فيقرأ عنده »
(1/85)
________________________________________
81 - حدثني محمد ، قال : حدثنا محمد بن جعفر المدائني ، عن أبي معشر ، قال : كان محمد بن قيس « إذا أراد أن يبكي أصحابه ، قرأ آيات قبل أن يتكلم ، وكان من أحسن الناس صوتا ، فإذا قرأ بكى وأبكى ، قال : ثم يتكلم بعد ذلك » قال : وكان محمد بن كعب يتكلم ودموعه سائلة «
(1/86)
________________________________________
82 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يونس بن يحيى أبو نباتة ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، قال : حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة ، « وقرأ عنده رجل ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا (1) ) ، فبكى حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه (2) ، فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرق الناس »
__________
(1) سورة : الفرقان آية رقم : 13
(2) النشيج : صوت معه توجع وبكاء
(1/87)
________________________________________
83 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، أن عمر بن عبد العزيز ، قال لابنه : « اقرأ فقال : ما أقرأ ؟ قال : سورة ق فقرأ ، حتى إذا بلغ : ( وجاءت سكرة الموت بالحق (1) ) بكى ثم قال : اقرأ يا بني . قال : ما أقرأ ؟ قال : سورة ق حتى إذا بلغ ذكر الموت بكى أيضا بكاء شديدا . ففعل ذلك مرارا »
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 19
(1/88)
________________________________________
84 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن زكريا القرشي ، عن معتمر ، قال : « صلى بنا أبي ، فقرأ سورة ق في صلاة الفجر ، فلما انتهى إلى هذه الآية ( : وجاءت سكرة الموت بالحق (1) ) غلبته عبرته (2) ، فلم يستطع أن يجوز (3) ، فركع »
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 19
(2) العبرة : الدمعة
(3) يجوز : يتعدى وينتقل في القراءة
(1/89)
________________________________________
85 - حدثني محمد ، قال : حدثنا الصلت بن حكيم ، قال : « قرأ لنا قارئ بمكة ( وجاءت سكرة الموت بالحق (1) ) ونحن على باب فضيل فجعلنا نسمع نشيجه من العلو »
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 19
(1/90)
________________________________________
86 - حدثني محمد ، قال : حدثني زهدم بن الحارث ، عن سفيان ، قال : كان طلق إذا قرأ بكى وأبكى ، وكان إذا قرأ لم يسمعه أحد إلا بكى من رقته وحسن صوته ، قال : وقالت له أمه : ما أحسن صوتك يابني بالقرآن فليته لا يكون وبالا عليك غدا في القيامة . فبكى حتى غشي عليه
(1/91)
________________________________________
87 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا سعيد بن الفضيل مولى بني زهرة ، قال : حدثني رجل من بني ضبة ، قال : شهدت رجلا قرأ عند عمر بن عبد العزيز ، فلما انتهى إلى هذه الآية ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (1) ) « بكى عمر حتى اشتد بكاؤه ثم ازداد بكاء ، فلم يزل يبكي حتى غشي عليه »
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 27
(1/92)
________________________________________
88 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا شيبان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، قال : قرأ الحارث بن سويد : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (1) ) ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (2) ) ، فبكى ثم قال : « إن عذاب الآخرة لشديد »
__________
(1) سورة : الزلزلة آية رقم : 7
(2) سورة : الزلزلة آية رقم : 8
(1/93)
________________________________________
89 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو عمر الضرير ، قال : حدثنا الحارث بن سعيد ، قال : كنا عند مالك بن دينار وعنده قارئ يقرأ ، فقرأ إذا زلزلت الأرض زلزالها فجعل مالك ينتفض ، وأهل المجلس يبكون ويصرخون ، حتى انتهى إلى هذه الآية : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (1) ) فجعل مالك والله يبكي ويشهق حتى غشي عليه ، فحمل من بين القوم صريعا
__________
(1) سورة : الزلزلة آية رقم : 7
(1/94)
________________________________________
90 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد الله بن نافع المديني ، قال : حدثنا أبو مودود ، قال : بلغني أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا (1) ) فبكى بكاء شديدا حتى سمعها أهل الدار ، فجاءت فاطمة ، فجعلت تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهم ، فجاء عبد الملك ، فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون ، فقال : يا أبه ما يبكيك ؟ قال : « خير يا بني ، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه ، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك ، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار »
__________
(1) سورة : يونس آية رقم : 61
(1/95)
________________________________________
91 - وحدثني محمد ، قال : حدثني زهدم بن الحارث ، عن عبد الله بن رجاء ، عن هشام بن حسان ، قال : انطلقت أنا ومالك بن دينار ، إلى الحسن ، فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ ، فلما بلغ هذه الآية : ( إن عذاب ربك لواقع (1) ) ( ما له من دافع (2) ) بكى الحسن ، وبكى أصحابه ، وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 7
(2) سورة : الطور آية رقم : 8
(1/96)
________________________________________
92 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن عبد العزيز بن سلمان ، قال : قرأ رجل عند أبي ( والطور (1) ) ( وكتاب مسطور (2) ) ، حتى انتهى إلى : ( إن عذاب ربك لواقع (3) ) ( ما له من دافع (4) ) قال : فبكى القوم ، حتى ما كنت أسمع قراءة القارئ
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 1
(2) سورة : الطور آية رقم : 2
(3) سورة : الطور آية رقم : 7
(4) سورة : الطور آية رقم : 8
(1/97)
________________________________________
93 - حدثني محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن الشماس ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن حبيب ، عن مقاتل بن حيان ، قال : صليت خلف عمر بن عبد العزيز ، « فقرأ : ( وقفوهم إنهم مسئولون (1) ) فجعل يكررها لا يستطيع أن يجاوزها (2) ، يعني : من البكاء »
__________
(1) سورة : الصافات آية رقم : 24
(2) يجاوز : يتعدى
(1/98)
________________________________________
94 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمر بن حفص بن غياث ، عن أبيه ، عن الأعمش ، قال : كان أبو صالح مؤذنا ، فأبطأ الإمام ، فأمنا ، فكان لا يكاد يجيزها من الرقة ، يعني من البكاء
(1/99)
________________________________________
95 - وحدثني محمد ، قال : حدثني خالد بن عمرو الأموي ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنزي ، قال : رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة ، ووراءه حبشي يمشي ، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي ، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال : « هكذا رحمكما الله » ، حتى صعد المنبر ، فخطب ، فقرأ : ( إذا الشمس كورت (1) ) ، فقال : « وما شأن الشمس ؟ » ، ( وإذا النجوم انكدرت (2) ) حتى انتهى إلى ( وإذا الجحيم سعرت (3) ) ( وإذا الجنة أزلفت (4) ) فبكى ، وبكى أهل المسجد ، وارتج المسجد بالبكاء ، حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه
__________
(1) سورة : التكوير آية رقم : 1
(2) سورة : التكوير آية رقم : 2
(3) سورة : التكوير آية رقم : 12
(4) سورة : التكوير آية رقم : 13
(1/100)
________________________________________
96 - وحدثني محمد ، قال : حدثني روح بن سلمة الوراق ، قال : حدثني الحكم بن نوح ، قال : « كنت مع ضيغم بعبادان ، فزاره بشر بن منصور ، فقال ضيغم : ويحك يا حكيم انظر لنا بعض أصحابنا ممن يقرأ ، فإن بشرا يعجبه حسن الصوت ، فانطلقت ، فأتيتهم بإنسان فارسي حسن الصوت ، فقالوا لي : لا تقل له يقرأ حتى يهدأ أهل الدير (1) . فلما سكنت الرجل ، وهدأ الناس ، قالوا له : خذ الآن . فجعل والله الفارسي يقرأ ، والقوم يبكون وينتحبون قال : ثم أخذ فجعل ينوح بالفارسية ، فجعلوا والله يصرخون كما تصرخ الثكلى . قال : حتى استيقظ أهل الدير واجتمعوا . فأما بشر فغشي عليه تلك الليلة مرارا قال : وأما أبو مالك فجعل يقوم ويقعد ، حتى ظننت أن عقله قد ذهب قال : فبتنا والله بليلة ، أطيب ليلة ، وألذ عيش فكان بشر يقول لي بعد : ويحك (2) يا حكيم ما فعل الفارسي ؟ ويحك يا حكيم يقتل الناس ذاك الفارسي هكذا عيانا بصوته »
__________
(1) الدير : مكان ينقطع فيه الرهبان للعبادة
(2) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(1/101)
________________________________________
97 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا شيبان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قرأت على عائشة هذه الآيات : ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (1) ) ، فبكت ، وقالت : « رب من ، وقني عذاب السموم »
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 27
(1/102)
________________________________________
98 - حدثني محمد ، قال : حدثني روح بن سلمة الوراق ، قال : حدثني عبد العزيز ، من ولد توبة العنبري ، قال : كنا نجتمع كثيرا ، قال : فبتنا ليلة بعبادان في أول ما اتخذت ، قال : ومعنا ليلتئذ الربيع بن صبيح ، وبكر بن خنيس الكوفي ، وعدة من الفقهاء ، إذ قالوا : قد جاء عبد الواحد بن زيد ، . . له القوم جميعا ، فدخل علينا ، وكان رجل يقرأ ، فدخل عبد الواحد وقد انتهى القارئ إلى هذه الآية : ( يوم تمور السماء مورا (1) ) ( وتسير الجبال سيرا (2) ) ، فصاح : وأي أذان دون ؟ فضج القوم بالبكاء ، وسقط عبد الواحد مغشيا (3) عليه . فقام الربيع وأصحابه ، فأحاطوا به ، فجعلوا يبكون وهو بينهم صريع (4) . فلم يزالوا على ذلك يبكون ، حتى ضربه البرد في السحر (5) ، فأفاق
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 9
(2) سورة : الطور آية رقم : 10
(3) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(4) صريع : قتيل
(5) السحر : الثلث الأخير من الليل
(1/103)
________________________________________
99 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد بن سهل الأردني ، قال : حدثنا سويد بن عبد العزيز ، عن شيبان ، عن الشعبي ، قال : سمع عمر بن الخطاب ، رجلا يقرأ : ( إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع (1) ) ، فجعل يبكي حتى اشتد بكاؤه . ثم خر (2) يضطرب . فقيل له في ذلك فقال : « دعوني ، فإني سمعت قسم حق من ربي »
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 7
(2) خر : سقط وهوى بسرعة
(1/104)
________________________________________
100 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، قال : حدثنا أبو خريم ، قال : قيل للحسن : إن ههنا قوما إذا استمعوا القرآن بكوا حتى تعلو أصواتهم فقال الحسن : « لم يزل الناس على ذلك يبكون عند الذكر وقراءة القرآن »
(1/105)
________________________________________
من وعظ وبكى
(1/106)
________________________________________
101 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثني أيوب بن شبيب الصنعاني ، قال : فيما عرضنا على رباح بن زيد قال : وحدثني عبد الله بن بحير قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول : « لا تنسوا العظيمتين » قلنا : وما العظيمتان ؟ قال : « الجنة والنار » ، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر ، ثم بكى حتى جرى أوائل دموعه جانبي لحيته ، ثم قال : « والذي نفس محمد بيده ، لو تعلمون من علم الآخرة ما أعلم ، لمشيتم إلى الصعيد (1) ، فلحثيتم على رءوسكم التراب »
__________
(1) الصعيد : الأرض الواسعة المستوية
(1/107)
________________________________________
102 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثنا عبد ربه أبو كعب ، عن بكر بن عبد الله المزني : أن أبا موسى ، « خطب الناس بالبصرة ، فذكر في خطبته النار ، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر . قال : وبكى الناس يومئذ بكاء شديدا »
(1/108)
________________________________________
103 - حدثني محمد ، قال : حدثني حاتم بن عبيد الله بن أبي حوثرة ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : « لو أن رجلا ، من أهل النار أخرج إلى الدنيا ، لمات أهل الدنيا من وحشة (1) منظره ، ومن ريحه . قال : ثم بكى عبد الله بكاء شديدا »
__________
(1) الوَحْشَة : وهي ضدّ الأُنْس. والوَحْشة : الخَلْوَة والهَمّ. وقيل الخلاء الذي لا ساكن به.
(1/109)
________________________________________
104 - حدثني محمد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا عباد بن منصور ، قال : سمعت عدي بن أرطاة ، يخطبنا على منبر المدائن ، فجعل يعظنا حتى بكى وأبكى ، فقال : « كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه : يا بني أوصيك أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك لا تصلي بعدها غيرها حتى تموت ، وتعال بني حتى نعمل عمل رجلين كأنهما قد أوقفا على النار ثم سألا الكرة ، ولقد سمعت فلانا - نسي عباد اسمه - ما بيني وبين رسول الله غيره ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » إن لله ملائكة ترعد (1) فرائصهم (2) من مخافته ، ما منهم ملك تقطر دمعة من عينه إلا وقعت ملكا يسبح « قال : » وملائكة سجود منذ خلق الله السماوات والأرض ، لم يرفعوا رءوسهم ، ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ، وصفوف لم ينصرفوا عن مصافهم (3) ، ولا ينصرفون إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة تجلى (4) لهم ربهم ، فنظروا إليه ، تبارك وتعالى ، فقالوا : سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك «
__________
(1) الارتعاد : الرجفة والاضطرب من الخوف
(2) الفَرِيصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر ترتعد عند الفزع
(3) المصاف : جمع مصف وهو الموضع الذي تكون فيه الصفوف
(4) تجلى : ظهر
(1/110)
________________________________________
105 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني ، قال : حدثني أبو زيد ، شيخ بمكة قال : « رأيت عمر بن عبد العزيز يبكي على المنبر ، ما يستطيع أن يتكلم من شدة البكاء »
(1/111)
________________________________________
106 - حدثني محمد ، قال : حدثنا بدل بن المحبر ، قال : حدثنا جسر أبو جعفر ، قال : « رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يصعد المنبر ، وإن لحيته لتقطر دموعا . ثم رأيته بعد أن نزل وإنه لعلى نحو من حاله التي صعد عليها من البكاء »
(1/112)
________________________________________
107 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة ، قال : حدثني الحجاج بن صفوان بن أبي يزيد ، قال : حدثني رجل من أهل المدينة ، عن أبيه : أنه قدم مع محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز ، قال : وكان فيما ذاكرنا به عمر أن قال لمحمد : « يا أبا حمزة ما ضر أخاك بسر بن سعيد التقلل والانقطاع الذي كان فيه ؟ » ، قال : ثم بكى بكاء شديدا ، حتى قلت : الآن يسقط ثم قال : « أما والله لئن كان بسر صبر على القلة والعبادة ، لقد صبر على معرفة وعلم بما صبر عليه »
(1/113)
________________________________________
108 - حدثني محمد ، قال : حدثنا خلف بن تميم ، قال : حدثنا أبو رجاء الهروي ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : رأيت الحجاج يخطب على المنبر ، فسمعته يقول : « يا أيها الناس إنكم غدا موقوفون بين يدي الله ، ومسئولون ، فليتق الله امرؤ ، ولينظر ما يعد لذلك الموقف ؛ فإنه موقف يخسر فيه المبطلون ، وتذهل فيه العقول ، ويرجع الأمر فيه إلى الله ؛ لتجزى كل نفس بما كسبت ، إن الله سريع الحساب ، بادروا (1) آجالكم بأعمالكم ، قبل أن تخترموا دون آمالكم » ثم نحب وهو على المنبر ، فرأيت دموعه تنحدر على لحيته
__________
(1) بادر الشيءَ وله وإليه : عجل إليه واستبق وسارع
(1/114)
________________________________________
109 - حدثني عبد الرحمن بن صالح ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي سعد ، قال : خطبنا الحجاج فقال : « ابن آدم أنت اليوم تأكل ، وغدا تؤكل . ثم تلا : ( كل نفس ذائقة الموت (1) ) ثم بكى ، حتى جعل يتلقى دموعه بعمامته »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 185
(1/115)
________________________________________
110 - قال أبو بكر وأما أبو كريب فقال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي سعد ، قال : سمعت الحجاج ، يخطب يوما وهو على المنبر يقول : « يا ابن آدم بينما أنت في دارك وقرارك ، إذ تسور (1) عليك عبد يدعى ملك الموت ، فوضع يده من جسدك موضعا ، فذل له ، فاختلس (2) روحك ، فأخذه ، فذهب به . ثم قام إليك أهلك ، فغسلوك وكفنوك ، ثم حملوك إلى قبرك فدفنوك ، ثم رجعوا ، فاختصم فيك حبيباك : حبيبك من أهلك ، وحبيبك من مالك فاتق الله ؛ فإنك اليوم تأكل ، وغدا تؤكل » . قال أبو سعد : ثم نعر نعرة ، فظننت أنه الموت به . ثم نظرت إلى عينيه تسكبان ، حتى نظرت إليه يتلقى دموعه بعمامته ، ثم ينزل ، فيفتل قال : وصعد المنبر ، فاستسقى (3) ، وقد استسقى قبل ، قال : فلما كان في ذلك اليوم استسقى ، فلا والله ما نزل عن المنبر حتى مطر . فاستقبل القبلة وصلى ، وسقط رداؤه (4) . قال : وبكى لما أجيب ، ثم أقبل بوجهه فقال : « أيها الناس ، إن العبد يسأل ربه الحاجة ، وطلبها إليه ، ومن أمر ربه أن يجيبه فيها ، فيطول الله عليه ؛ ليكون إذا أعطاها إياه أشد لشكره ، وإني أقسمت عليكم بالله لما صمتم شكرا » ثلاثا ، ثم خرج
__________
(1) تسور : تسلق وصعد السور أو الحائط
(2) اختلس : انتزع
(3) الاستسقاء : طلب نزول المطر بالتوجه إلى الله بالدعاء
(4) الرداء : ما يوضع على أعالي البدن من الثياب
(1/116)
________________________________________
من وعظ فاستمع الموعظة وبكى
(1/117)
________________________________________
111 - حدثني أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا عاصم بن علي ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير : أن أباه كان يقص لابن الزبير ، وابن عمر قاعد ناحية ، فقرأ : ( لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (1) ) فبكى ابن عمر حتى لثق جيبه من دموعه ، وابتلت لحيته
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 42
(1/118)
________________________________________
112 - قال أبو بكر وأما الهيثم بن خارجة فذكر ، عن شهاب بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، قال : « رئي (1) ابن عمر في حلقة عبيد بن عمير وكان من أبلغ الناس يبكي ، حتى بل الحصى بدموعه »
__________
(1) رئي : شوهد
(1/119)
________________________________________
113 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا إسماعيل بن عمر أبو المنذر ، قال : حدثنا معرف بن واصل ، قال : « رأيت أبا وائل شقيق بن سلمة ويده في يد إبراهيم التيمي ، فكلما ذكر إبراهيم ، انتفض شقيق وبكى »
(1/120)
________________________________________
114 - حدثني محمد ، قال : حدثنا منصور بن صقير أبو النضر ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس ، قال : سلم عمر بن عبد العزيز يوما في الظهر ، ثم قال : يا أبا إبراهيم ذكرنا بالجنة والنار . قال : فذكرت ، فما رأيت أحدا من خلق الله أكثر بكاء منه
(1/121)
________________________________________
115 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : دخل على عمر بن عبد العزيز رجل يقال له ابن الأهتم ، فلم يزل يعظه وعمر يبكي ، حتى سقط مغشيا (1) عليه
__________
(1) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(1/122)
________________________________________
116 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الطائي ، قال : حدثنا خالد بن صفوان ، قال : قال له عمر بن عبد العزيز : « ابن الأهتم بيانك (1) حجة عليك ، فأقصر من خطبتك ، وأعد الجواب عند الله بحجتك قال : فبكى ابن الأهتم ، وبكى عمر ، وارتجت الدار بالبكاء ، فما رئي باك في زمن عمر أكثر من ذلك اليوم »
__________
(1) البيان : الفصاحة وسهولة العبارة مع البلاغة في الكلام
(1/123)
________________________________________
117 - حدثني محمد ، قال : حدثنا داود بن المحبر ، عن المبارك بن فضالة ، قال : دخل عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز وهو جالس على سرير ، فحمد الله ، وأثنى (1) عليه ، ثم أخذ في موعظته الطويلة ، فنزل عمر عن سريره حتى استوى بالأرض ، وجثا على ركبتيه ، وابن الأهتم يقول : « وأنت يا عمر وأنت يا عمر من أولاد الملوك ، وأبناء الدنيا الذين ولدوا في النعيم ، وغذوا به ، لا يعرفون غيره » وعمر يبكي ويقول : هيه (2) هيه ابن الأهتم هيه ، فلم يزل يعظه ، وعمر يبكي ، حتى غشي عليه
__________
(1) الثناء : المدح والوصف بالخير
(2) هيه : معناها : طلب الاستزادة من الحديث
(1/124)
________________________________________
118 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن عبيد الله بن موسى ، قال : حدثني موسى بن زيد الحسني ، قال : تكلم رجل عند عبد الله بن الحسن يوما ، فأبكى القوم ، فلما تفرقوا وخرجوا من داره قال عبد الله : « هكذا كان الناس فيما مضى »
(1/125)
________________________________________
119 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، عن عقيبة بن فضالة ، قال : دخلت على سعيد بن دعلج وبين يديه رجل يضرب ، فقلت : أصلح الله الأمير أكلمك بشيء ، ثم شأنك وما تريد . قال : فأمر به ، فأمسك عنه ، فقال : هات كلامك . قال : فهبته والله ، ورهبت منه رهبة شديدة ، ثم قلت : إنه بلغني أصلح الله الأمير أن « العباد يوم القيامة ترعد (1) فرائصهم (2) في الموقف خوفا من شر ما يأتي به المنادي للحساب ، وإن المتكبرين يومئذ لتحت أقدام الخلائق قال : فبكى ، فاشتد بكاؤه ، فأمر بالرجل ، فأطلق . قال : فكنت إذا دخلت عليه بعد ذلك قربني وأكرمني قال : وقال لي يوما وقد دخلت عليه : ويحك (3) يا عقيبة ما ذكرت حديثك إلا أبكاني قال : ثم بكى »
__________
(1) الارتعاد : الرجفة والاضطرب من الخوف
(2) الفَرِيصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر ترتعد عند الفزع
(3) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(1/126)
________________________________________
120 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، قال : حدثنا مضر ، قال : اجتمعنا ليلة على الساحل ومعنا مسلم أبو عبد الله ، فقال رجل من الأزد : ما للمحب سوى إرادة حبه إن المحب بكل بر يضرع قال : « فبكى مسلم حتى خشيت والله أن يموت »
(1/127)
________________________________________
121 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو جعفر الضرير ، قال : قال لي صالح بن عبد الكريم : بكى الباكون للرحمن ليلا وباتوا دمعهم ما يسأمونا (1) بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونا قال : فجعلت أرددها عليه ، فبكى ، حتى قلت : الآن تخرج نفسه
__________
(1) السأم : الملل
(1/128)
________________________________________
122 - حدثني محمد ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، قال : بتنا ذات ليلة عند صاحب لنا ، ومعنا أبو عبد الرحمن ، فجعل بعض قرائنا (1) تلك الليلة يقول : وما لي لا أبكي على الذنب إنني أرى الذنب داء في الجوانح والقلب
__________
(1) القراء : حفظة القرآن ومن يجيدون قراءته
(1/129)
________________________________________
123 - وحدثني أزهر بن مروان الرقاشي ، قال : حدثنا موسى بن المغيرة ، قال : سمعت رياح بن عبيدة الباهلي ، قال : كنت قاعدا عند عمر بن عبد العزيز ، فجاء أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين ، جاءت بي الحاجة ، وانتهيت الغاية (1) ، والله سائلك عني يوم القيامة . قال : « ويحك (2) أعد علي » فأعاد عليه ، فنكس (3) عمر رأسه ، وأرسل دموعه ، حتى ابتلت الأرض ثم رفع رأسه فقال : « ويحك كم أنتم ؟ » قال : أنا وثلاث بنات لي ففرض له على ثلاثمائة ، وفرض لبناته على مائة ، وأعطاه مائة درهم ، وقال له : « هذه المائة أعطيتك من مالي ، ليس من أموال المسلمين اذهب ، فاستنفقها حتى تخرج أعطيات المسلمين فتأخذ معهم »
__________
(1) الغاية : النهاية والآخر
(2) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(3) نكس : خفض رأسه
(1/130)
________________________________________
124 - حدثني عيسى بن عبد الله ، قال : أخبرني فياض بن محمد الرقي ، عن عبيدة بن حسان السنجاري ، أن رجلا من أهل أذربيجان أتى عمر بن عبد العزيز ، فقام بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين اذكر بمقامي هذا مقاما لا يشغل الله عنك فيه كثرة من يخاصم ، يوم تلقاه بلا ثقة من العمل ، ولا براءة من الذنب . فبكى عمر بكاء شديدا ، ثم قال : « ويحك (1) اردد علي كلامك هذا » . فجعل يردده ، وعمر يبكي وينتحب ، ثم قال : « حاجتك » ، قال : إن عامل أذربيجان عدا (2) علي فأخذ مني اثني عشر ألف درهم ، فجعلها في بيت مال المسلمين . فقال عمر : « اكتبوا له الساعة إلى عاملها حتى يرد عليه »
__________
(1) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(2) عدا : هجم واعتدى
(1/131)
________________________________________
البكاء في الصلاة
(1/132)
________________________________________
125 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، قال : حدثنا محمد بن أبي الحارث الثقفي ، قال : « رأيت عمر بن عبد العزيز رفع رأسه من السجود ، فقعد بين السجدتين مقدار عشرين آية ، ثم سجد . فلما رفع رأسه ، نظرت إلى الدموع سائلة على خديه » قال أبو عمرو : قلت لمحمد : أفي التطوع كان ذلك ؟ قال : نعم بمكة «
(1/133)
________________________________________
126 - حدثني محمد ، قال : حدثني أدهم بن زكريا القرشي ، قال : أخبرني شيخ من أهل خراسان ، قال : لما أراد أبو جعفر بيت المقدس ، نزل براهب كان ينزل به عمر بن عبد العزيز إذا أراد بيت المقدس ، فقال : يا راهب ، أخبرني بأعجب شيء رأيته من عمر بن عبد العزيز قال : نعم يا أمير المؤمنين . بينا عمر عندي ذات ليلة على سطح غرفتي هذه وهو من رخام وأنا مستلق (1) على قفاي ، فإذا أنا بماء يقطر من الميزاب (2) على صدري ، فقلت : والله ما عندي ماء ، ولا رشت السماء مطرا . فصعدت ، « فإذا هو ساجد ، وإذا دموع عينيه تنحدر من الميزاب »
__________
(1) استلقى : نام على ظهره
(2) الميزاب : قناة أو أنبوب يجري فيها الماء ويسيل وينقل من مكان إلى مكان
(1/134)
________________________________________
127 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثنا علي بن شبيب ، قال : حدثنا أصحابنا الحجيون ، قالوا : « لما رفع عمر بن عبد العزيز رأسه من السجود خلف المقام ، نظروا إلى موضع سجوده مبتلا من دموع عينيه »
(1/135)
________________________________________
128 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن جعفر بن يحيى ، قال : « رأيت خالدا الزيات قد رفع رأسه من سجدة ، فنظرت إلى الحصى مبتلة من دموع عينيه »
(1/136)
________________________________________
129 - وحدثني محمد ، قال : حدثني موسى بن داود الضبي ، قال : حدثنا الربيع بن صبيح ، عن مكحول ، قال : « رأيت سيدا من ساداتكم دخل الطواف ، فقلت : لأنظرن ما يصنع ، فقلت : من هو ؟ قال : سيد من بيننا ، ودخل ، فقام في الزاوية التي فيها الركن الأسود قدر . . . أربعين آية ، ثم تحول إلى الزاوية التي من ناحية الحجر ، ففعل مثل ذلك ثم تحول إلى الزاوية التي ما يلي الدرجة ، ففعل مثل ذلك . ثم تحول إلى الزاوية التي فيها الركن اليماني ، ففعل مثل ذلك ، ثم قام على الرخامة الحمراء حيال (1) الجزعة ، فصلى ركعتين من أحسن الناس صلاة ، فسمعته يقول وهو ساجد : » اللهم اغفر لي ذنوبي ، وما قدمت ، وما قدمت يداي « ثم بكى حتى بل المرمر
__________
(1) حيال : حذاء وتلقاء
(1/137)
________________________________________
130 - حدثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزراد ، قال : « صليت إلى جنب رياح القيسي ، فكنت أسمع وقع دموعه على البواري مثل الوكف : طق طق »
(1/138)
________________________________________
131 - حدثني محمد بن عبد الله القرشي ، قال : « ربما صليت إلى جنب إسماعيل بن داود . . . ، فأسمع وقع دموعه على بوري المسجد »
(1/139)
________________________________________
132 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، قال : حدثنا صالح المري ، عن عبيد الله بن العيزار ، قال : « ما رأيت الحسن إلا صارا بين عينيه ، عليه كآبة ، كأنه رجل أصيب بمصيبة ، فإن ذكر الآخرة ، أو ذكرت بين يديه ، جاءت عيناه بأربع »
(1/140)
________________________________________
133 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد القرشي ، قال : حدثني عبد الجبار بن النضر السلمي ، قال : حدثني رجل من آل محمد بن سيرين قال : « رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع ، فنظرت إلى موضع سجوده كأنه قد صب فيه الماء ، من كثرة دموعه » .
(1/141)
________________________________________
134 - حدثني محمد ، قال : قال لي قادم الديلمي : أخذ فضيل بن عياض بيدي فقال لي : « ابك على فضيل أيام الدنيا ، فإني رأيت منك ودا رفع رأسه مرة من سجوده في مسجد الكوفة ، فإذا الحصى مبتل . قال : ثم بكى للرحيل حتى رحمته »
(1/142)
________________________________________
135 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن عمر ، قال : أتيت صاحبا لي يقال له عمران بن مسلم ، « فأراني موضعين مبتلين في مسجده ، أحدهما بحذاء (1) الآخر . فقلت : ما هذا ؟ قال : هذا والله من دموع ضيغم البارحة (2) بين المغرب والعشاء وهو راكع »
__________
(1) بحذاء الشيء : بموازاته وجانبه ومحاذاته
(2) البارحة : أقرب ليلة مضت
(1/143)
________________________________________
136 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بدر شجاع بن الوليد قال : حدثنا عمرو بن قيس ، قال : « كان شقيق بن سلمة يدخل المسجد فيصلي ، ثم ينشج كما تنشج المرأة » . قال أبو بدر : وكان محمد بن . . من الخائفين الله ، كان على . . يبكي حتى . . الحصى من دموعه
(1/144)
________________________________________
137 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، قال : « بكيت حتى . . . يقول . . . . دموعه تسايل . ورأيت رجلا . . . . . له جوابا »
(1/145)
________________________________________
البكاء عند النداء على الصلاة
(1/146)
________________________________________
138 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني أبو عبد العزيز ، قال : حدثنا الحارث بن سعيد ، قال : كان أبو عمران الجوني « إذا سمع الأذان ، تغير لونه ، وفاضت عيناه »
(1/147)
________________________________________
139 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو بكر الحميدي ، عن سفيان ، قال : كان منصور بن صفية يبكي في وقت كل صلاة ، فكانوا يرون أنه يذكر الموت والقيامة عند الصلوات
(1/148)
________________________________________
140 - وحدثني محمد ، قال : حدثني روح بن سلمة الوراق ، قال : حدثني مضر القارئ ، عن عبد الواحد بن زيد ، عن يحيى البكاء ، عن الحسن ، قال : « إذا أذن المؤذن لم تبعد دابة بر ولا بحر إلا أصغت واستمعت قال : ثم بكى الحسن بكاء شديدا »
(1/149)
________________________________________
141 - وحدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن عبد الوهاب الحارثي ، قال : كان أبو زكريا النهشلي إذا سمع النداء ، تغير لونه ، وأرسل عينيه فبكى قال : وحدثني رجل ، من بني . . . أنه قال سألته عن ذلك ، فقال : أشبهه بالصريخ يوم العرض . قال : ثم غشي عليه
(1/150)
________________________________________
142 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، قال : كان أبو خالد المؤذن يزيد بن . . « إذا أذن بكى ، وربما صرخ الصرخة في إثر (1) الأذان . فقال له بعض أولياء الأمر : ما الذي يغشاك عند النداء ؟ فبكى ثم قال : إنني لأشبهه بالقيامة . ثم غشي عليه » قال سفيان : وسمعته يقول : لولا ما أؤمل من الفرج والراحة بعد الأذان ، لظننت أن نفسي ستخرج فرقا من الموت
__________
(1) في إثره : بعده
(1/151)
________________________________________
143 - قال سفيان : وذكروا عنه أنه كان يقول إذا فرغ من أذانه : « انقطعت الرغائب دونك ، وكلت الألسن إلا عن ذكرك ، وذهلت عقول أوليائك عن غيرك شوقا واشتياقا ، فأعط القوم إلهي أمنيتهم ، وأجب دعوتهم ، وتفضل علينا وعليهم بجودك يا كريم » قال نحوا من هذا
(1/152)
________________________________________
144 - حدثني محمد ، قال : حدثني قادم الديلمي ، قال : كنا عند فضيل بن عياض وهو في المسجد ، فأذن المؤذن ، فبكى حتى بل الحصى ثم قال : « أشبهه بالنداء ثم بكى »
(1/153)
________________________________________
البكاء عند الطهور
(1/154)
________________________________________
145 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني يحيى بن عبيد الله بن محمد ، قال : حدثني عبد الرحمن بن حفص القرشي ، قال : كان علي بن حسين « إذا توضأ اصفر ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟ فيقول : تدرون بين يدي من أريد أن أقوم ؟ »
(1/155)
________________________________________
146 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثني شيخ من أهل واسط يكنى أبا سعيد ، وكان جارا لمنصور بن زاذان قال : رأيت منصورا توضأ فلما فرغ دمعت عيناه ، ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته فقلت : رحمك الله ما شأنك ؟ قال : « وأي شيء أعظم من شأني ؟ إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم »
(1/156)
________________________________________
147 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن بسطام ، قال : حدثني نعيم بن مورع بن توبة التميمي ، قال : كان عطاء السليمي إذا فرغ من طهوره ارتعد (1) وانتفض ، وبكى بكاء شديدا . فقيل له في ذلك ، فقال : « إني أريد أن أتقدم على أمر عظيم ، إني أريد أن أقوم بين يدي الله »
__________
(1) الارتعاد : الرجفة والاضطرب من الخوف
(1/157)
________________________________________
إخفاء البكاء
(1/158)
________________________________________
148 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، قال : رأيت محمد بن كعب يقص ، فبكى رجل ، فقطع قصصه وقال : « من الباكي ؟ قالوا : مولى بني فلان قال : فكأنه كره ذلك »
(1/159)
________________________________________
149 - حدثني محمد ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، قال : حدثنا أبو معشر ، قال : كان محمد بن كعب القرظي يقص ودموعه تجري على خديه ، « فإن سمع باكيا زجره وقال : ما هذا »
(1/160)
________________________________________
150 - حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : بكى أيوب مرة ، فأخذ بأنفه وقال : « إن هذه الزكمة ربما عرضت » وبكى مرة أخرى ، فاستكنى بكاءه ، فقال : « إن الشيخ إذا كبر مج (1) »
__________
(1) مَج : لَفَظَ الماء ونحوه من فمه وطرحه وألقاه
(1/161)
________________________________________
151 - حدثنا يعقوب بن إسماعيل ، قال : أخبرنا حبان ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا المعتمر ، عن كهمس بن الحسن ، « أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتجاذب فلكزه (1) لكزة » ، أو قال : « لكمه »
__________
(1) اللكز : الضَّرْب بِجُمْع الكف في الصدر
(1/162)
________________________________________
152 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا حبان ، قال : أخبرنا عبد الله ، عن رجل ، عن أبي السيل « أنه كان يتحدث ، أو يقرأ ، فيأتيه البكاء ، فيصرفه إلى الضحك »
(1/163)
________________________________________
153 - حدثني محمد بن عثمان الحجبي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الربيع يعني ابن صبيح قال : وعظ الحسن يوما ، فنحب رجل ، فقال الحسن : « ليسألنك الله يوم القيامة ما أردت بهذا »
(1/164)
________________________________________
154 - حدثني محمد بن علي بن شقيق ، قال : حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، قال : سمعت عصاما الرملي ، : أن الحسن ، حدث يوما ، أو وعظ ، فنحب رجل في مجلسه ، فقال الحسن : « إن كان لله فقد شهرت نفسك ، وإن كان لغير الله هلكت »
(1/165)
________________________________________
155 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : ذكر أيوب يوما شيئا ، فرق ، فالتفت كأنه يتمخط . ثم أقبل علينا فقال : « إن الزكام شديد على الشيخ »
(1/166)
________________________________________
156 - حدثني محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ، عن هريم بن سفيان ، قال : « كان منصور يحدثنا ، فيمسح الدموع مرارا قبل أن يقوم »
(1/167)
________________________________________
157 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى الأصفر ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مسلم ، مولى لآل أبي بكرة قال : « بكى أيوب مرة ، فلم يملك عبرته (1) ، فقام »
__________
(1) العبرة : الدمعة
(1/168)
________________________________________
158 - حدثني محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثنا بسطام بن حريث ، قال : كان أيوب « يرق ، فيستدمع ، فيحب أن يخفي ذلك على أصحابه ، فيمسك على أنفه كأنه رجل مزكوم . فإذا خشي أن تظبه عبرته (1) ، قام »
__________
(1) العبرة : الدمعة
(1/169)
________________________________________
159 - حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : جاء ثابت إلى محمد بن واسع يعوده (1) ، فسلم يحيى البكاء على ثابت فقال : « من أنت ؟ » فقال رجل : هذا أبو مسلم ، هذا يحيى قال : « من أبو مسلم ؟ » قالوا : يحيى البكاء قال : « إن شر أيامكم يوم عرفتم بالبكاء ، ونسبتم إليه »
__________
(1) العيادة : زيارة الغير
(1/170)
________________________________________
160 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، قال : بكى حذيفة في صلاته ، فلما فرغ (1) ، التفت ، فإذا رجل خلفه فقال : « لا تعلمن بهذا أحدا »
__________
(1) فرغ : انتهى
(1/171)
________________________________________
161 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحسن بن الربيع ، قال : كان ابن المبارك « إذا رق ، فخاف أن يظهر ، ذلك منه ، قام ، وربما أخذ في حديث آخر »
(1/172)
________________________________________
162 - حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم ، قال : حدثنا يحيى بن حريث العبدي ، عن يوسف بن عطية ، عن محمد بن واسع ، قال : « لقد أدركت رجالا ، كان الرجل يكون رأسه ورأس امرأته على وساد واحد ، قد بل ما تحت خده من دموعه ، لا تشعر به امرأته . ولقد أدركت رجالا ، كان أحدهم يقوم في الصف فتسيل دموعه على خديه ، لا يشعر به الذي إلى جنبه »
(1/173)
________________________________________
163 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : بكى رجل إلى جنب الحسن ، فقال : « قد كان أحدهم يبكي إلى جنب صاحبه فما يعلم به »
(1/174)
________________________________________
164 - حدثني أبي قال : أخبرنا عبد العزيز القرشي ، قال : أخبرنا عمران بن خالد ، قال : سمعت محمد بن واسع ، قال : « إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة ، ومعه امرأته ، ما تعلم به »
(1/175)
________________________________________
165 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثني عبد الله بن عيسى ، قال : أخبرني أبي قال : كان حسان بن أبي سنان يحضر مسجد مالك بن دينار ، فإذا تكلم مالك « بكى حسان حتى يبل ما بين يديه ، لا يسمع له صوت »
(1/176)
________________________________________
البكاء على الذنوب
(1/177)
________________________________________
166 - حدثني داود بن عمرو بن زهير الضبي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال عقبة بن عامر قلت : يا رسول الله ، ما النجاة ؟ قال : « املك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك »
(1/178)
________________________________________
167 - حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : قال لي أبي : « اتق ربك ، وليسعك بيتك ، واملك عليك لسانك ، وابك من ذكر خطيئتك »
(1/179)
________________________________________
168 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عمار بن عثمان الحلبي ، قال : حدثني مسمع بن عاصم ، قال : انطلقت أنا وعبد العزيز بن سلمان ، إلى ناشرة بن سعيد الحنفي وكان قد بكى حتى أظلمت عيناه فاستأذنا عليه ، فأذن لنا ، فدخلنا عليه ، فسلم عليه عبد العزيز ، فقال له ناشرة : « أبو محمد ؟ » قال : نعم قال : ما جاء بك ؟ قال : « جئنا لتبكي ونبكي معك على ما تقدم من سالف الذنوب » قال : فشهق شهقة خر (1) مغشيا (2) عليه وجلس عبد العزيز يبكي عند رأسه . وتنادى أهله ، فجعلوا يبكون حوله وهو صريع (3) بينهم . فلما رأيت البكاء قد كثر ، انسللت (4) فخرجت
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(2) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(3) صريع : قتيل
(4) الانسلال : الخروج والانسحاب برفق في خفية
(1/180)
________________________________________
169 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثني سلمة بن سعيد ، عن بعض رجاله ، أن زيادا ضحك ذات يوم حتى علا صوته ، ثم قال : أستغفر الله . وبكى بكاء شديدا فقال له جلساؤه بعد ذلك المجلس : ما رأينا أصلح الله الأمير بكاء في إثر (1) ضحك أسرع من بكائك بالأمس قال « إني والله ذكرت ذنبا أذنبته ، كنت به حينئذ مسرورا ، فذكرته ، فبكيت خوفا من عاقبته (2) ثم بكى أيضا »
__________
(1) في إثره : بعده
(2) العاقبة : الخاتمة
(1/181)
________________________________________
170 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن راشد ، قال : حدثني محمد بن الحارث بن عبد ربه القيسي ، وكان قرابة لرياح القيسي قال : كنت أدخل عليه المسجد وهو يبكي ، وأدخل عليه بيته وهو يبكي ، وآتيه في الجبان وهو يبكي فقلت له يوما : أنت دهرك في مأتم ؟ قال : فبكى ، ثم قال : « يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا »
(1/182)
________________________________________
171 - حدثني محمد ، قال : حدثني موسى بن عيسى ، قال : نظر حذيفة المرعشي إلى رجل وهو يبكي فقال : « ما يبكيك يا فتى ؟ » قال : ذكرت ذنوبا سلفت فبكيت . قال : فبكى حذيفة ثم قال : « نعم يا أخي فلمثل الذنوب فليبك » ثم أخذ بيده ، فتنحيا ، فجعلا يبكيان
(1/183)
________________________________________
172 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن موسى ، قال : كنا عند حسن بن صالح يوما ، فذكر شيئا ، فرق ، فبكى رجل ، فارتفع صوته ، وعلا بكاؤه ، فقال رجل من القوم : نعم والله يا أخي فابك هكذا على نفسك ، فما خير من لا يرحم نفسه ؟ قال عبيد الله : فكنت أسمع الحسن بعد ذلك كثيرا يردد هذه الكلمة : « ما خير من لا يرحم نفسه » قال : فظننت أنه أعجب بها حين سمعها يومئذ
(1/184)
________________________________________
173 - حدثني محمد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن قيس بن سليم العنبري ، قال : كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « لا أدري ما صعد اليوم من عملي »
(1/185)
________________________________________
174 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثني زهير السلولي ، قال : كان رجل من بلعنبر قد لهج بالبكاء ، فكان لا تراه إلا باكيا قال : فعاتبه رجل من إخوانه يوما فقال : لم تبكي رحمك الله هذا البكاء الطويل ؟ فبكى ثم قال : بكيت على الذنوب لعظم جرمي (1) وحق لكل من يعصي البكاء فلو كان البكاء يرد همي لأسعدت الدموع معا دماء ثم بكى حتى غشي عليه ، فقام الرجل عنه وتركه
__________
(1) الجرم : الإثم والذنب
(1/186)
________________________________________
175 - وحدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، مولى بني ليث قال : « ذكرنا يوما العفو ، ومعنا حوشب بن مسلم وكان من البكائين عند الذكر فبكى حتى لطى بالأرض ثم رفع رأسه فقال : يا إخوتاه بعد كم ؟ »
(1/187)
________________________________________
176 - وحدثني محمد بن عمر بن علي المقدمي ، وغيره ، عن سعيد بن عامر ، عن خشيش أبى محرز قال : أبو عمران الجوني : « هبك تنجو ، بعد كم تنجو ؟ »
(1/188)
________________________________________
177 - حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن عقبة بن إسحاق ، عن مالك يعني ابن مغول ، عن طلحة يعني ابن مصرف قال : « كان رجل له ذنوب ، فكان له عند كل ذنب منها بكية قال : فقال له غلامه : إن كان هذا دأبك (1) فإني سأقودك أعمى »
__________
(1) الدأب : الشأن والعادة
(1/189)
________________________________________
178 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني مهدي بن حفص ، قال : سمعت أبا عبد الرحمن المغازلي ، يقول : قال رجل ببعض بلاد الشام في بعض السواحل : « لو بكى العابدون على الشفقة حتى لم يبق في أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك (1) دموعا جارية ، وبقيت الأبدان يبسا (2) خالية ، تردد فيها الأرواح إشفاقا ووجلا (3) من يوم تذهل (4) فيه كل مرضعة عما أرضعت ، لكانوا محقوقين بذلك ثم غشي عليه »
__________
(1) الوَدَك : دَسَم اللَّحْمِ ودُهْنُه الذي يُسْتَخْرَج منه.
(2) يبس : جف
(3) الوجل : الخوف والخشية والفزع
(4) الذهول : شغل يورث حزنا ونسيانا ، يقال : ذهل عن كذا وأذهله كذا
(1/190)
________________________________________
179 - حدثني محمد ، قال : حدثني سعيد بن عبد الرحمن النصيبي ، وكان جارا لأبي سليمان دويد اللبان قال : كان أبو سليمان يبكي عامة دهره . قال : وسمعته يوما يقول وكان كثيرا ما يردد هذا الكلام : « بكوا الذنوب قبل محل بكائها ، وفرغوا القلوب إلا من شغل حسابها ، فبحرى إن كنتم كذلك أن تدركوا فوات ما قد فات لشؤم التفريط ، بالإنابة والمراجعة والإخلاص للرب الكريم . وكان يبكي ويقول : وجدناه أكرم مولى لشر عبيد » قال : ثم يبكي ويبكي
(1/191)
________________________________________
180 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عثمان بن زفر التيمي ، قال : حدثني بهيم العجلي ، قال : « ركب معنا البحر فتى من بني مرة من أهل البدو ، فجعل يبكي الليل والنهار . فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا : ارفق بنفسك قليلا فقال : إن أقل ما ينبغي أن يكون لنفسي عندي أن أبكيها ، فأبكي عليها أيام الدنيا ، لعلمي بما يمر عليها في ذلك اليوم غدا قال : فما بقي في المركب أحد إلا بكى »
(1/192)
________________________________________
181 - قال عثمان : وكان بهيم رجلا حزينا ، فكان إذا ذكر هذا البدوي بكى ، وقال : « هذا يبكي على نفسه ويرحمها مما يمر عليها في الموقف ، فكيف بما بعد الموقف إن لم يصن العبد إلى خير ؟ » قال : ويبكي بكاء شديدا إذا ذكره
(1/193)
________________________________________
182 - حدثني محمد ، قال : سمعت أبا جعفر القارئ ، في جوف (1) الليل وهو يبكي ويقول : ابك لذنبك طول الدهر مجتهدا إ ن البكاء معول الأحزان لا تنس ذنبك في النهار وطوله إن الذنوب تحيط بالإنسان ويبكي بكاء شديدا ، ويردد ذلك
__________
(1) جوف الليل : ثلثه الأخير
(1/194)
________________________________________
183 - حدثني محمد ، قال : حدثني زيد الخمري ، قال : حدثني بحر أبو يحيى ، قال : سمعت عابدا ، في بعض السواحل ذات ليلة يبكي ، وإخوانه عنده ، فبكوا ، فقال : « ابكوا بأبي أنتم بكاء من علم أنه غير ناج إلا بطول الحزن والبكاء قال : ثم بكى وقال : من فيض الدمع للدنيا فإنا نسفح الدمع لاقتراف الذنوب قال : فبكى القوم والله بكاء شديدا »
(1/195)
________________________________________
184 - قال محمد : حدثنا فهد بن حيان ، قال : سمعت صالحا المري ، قال : قال يزيد الرقاشي : « إذا أنت لم تبك على ذنبك ، فمن يبكي لك عليه بعدك ؟ » قال : ثم يبكي صالح ويقول : يا إخوتاه ابكو على الذنوب ، فإنها ترين القلوب حتى تنطمس ، فلا يصل إليها من خير الموعظة شيء
(1/196)
________________________________________
من أفسد عينيه البكاء
(1/197)
________________________________________
185 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو إسحاق الضرير ، قال : حدثنا الأسود بن شيبان ، عن قتادة ، قال : « كان زياد بن مطر العدوي قد بكى حتى عمي وبكى ابنه العلاء بن زياد بعده حتى عشي بصره قال : وكان إذا أراد أن يتكلم أو يقرأ ، جهش (1) بالبكاء »
__________
(1) الجَهْش : أن يَفْزَع الإِنسان إلى الإنسان وَيَلْجأ إليه ، وهو مع ذلك يريد البُكاء ، كما يَفْزَع الصَّبِيُّ إلى أمِّه وأبيه
(1/198)
________________________________________
186 - حدثني محمد ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، عن النضر بن إسماعيل ، عن عمر بن ذر ، قال : « قلت لأسيد الضبي : قد أفسد البكاء عينيك قال : فمه (1) قلت : لو قصرت قليلا . قال : ولم ؟ أأتاني أمان من الله من دخول النار ؟ قال : ثم غشي عليه »
__________
(1) فمه : استفهام بمعنى فما أفعل
(1/199)
________________________________________
187 - حدثني محمد ، عن أبي نعيم ، قال : « كان العلاء بن عبد الكريم قد بكى حتى فسدت عينه من كثرة ما يبكي »
(1/200)
________________________________________
188 - حدثني محمد ، قال : حدثني شهاب بن عباد ، قال : « رأيت بهيما أبا بكر العجلي ، وكان قد بكى حتى سقطت أشفاره ، وكان رطب العينين جدا فقلت لابن أخ له : ما شأنه يمس عينيه كثيرا ؟ قال : قد فسدت من كثرة ما يبكي ، فهي تحكه وتضرب عليه »
(1/201)
________________________________________
189 - حدثني محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش ، يقول : بكى منصور حتى جردت عيناه . وكان يقوم الليل ويصوم النهار ، فكانت أمه ترى بكاءه وما يصنع بنفسه ، فتقول له : يا بني لو كنت قتلت قتيلا لما زدت على هذا
(1/202)
________________________________________
190 - حدثني محمد ، عن قبيصة ، قال : « كانت عينا مالك بن مغول رطبة جدا وكان يقال في ذلك الزمان : إنه طويل البكاء قال : وربما رأيته يحدث والدموع على لحيته جارية »
(1/203)
________________________________________
191 - حدثني محمد ، قال : حدثني صدقة بن بكر السعدي ، قال : سمعت كلاب بن جري ، يقول : « رأيت شابا ببيت المقدس قد عمش من طول البكاء ، فقلت له : يا فتى كم تكون العين سليمة على هذا ؟ فبكى ثم قال : كما شاء ربي فلتكن ، وإن شاء سيدي فلتذهب ، فليست بأكرم علي من بدني إنما أبكي رجاء الفرح والسرور في الآخرة ؛ وإن تكن الأخرى فهو والله شقاء الآخرة ، وحزن الأبد ، والأمر الذي كنت أخافه وأحذره على نفسي ، وأني أحتسب على الله غفلتي عن نفسي ، وتقصيري في حظي . ثم غشي عليه »
(1/204)
________________________________________
192 - وحدثني محمد ، قال : حدثني صدقة بن بكر ، قال : سمعت معاذ بن زياد التميمي ، يذكر أن فتى ، من الأزد بكى حتى أطلع بصره فعوتب في ذلك فقال : ألم يرث البكاء أناس صدق فقادهم البكا خير المعاد ؟ ألم يقل الإله : إلي عبدي فكل الخير عندي في المعاد ؟ والله لأبكين دائم الدنيا ، فإذا جاءت الآخرة فعند الله أحتسب مصيبتي في تقصيري
(1/205)
________________________________________
193 - حدثني محمد ، قال : حدثني شاذ بن فياض ، قال : « بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه ، فكانت مفتوحة ، وهو لا يكاد يبصر بها »
(1/206)
________________________________________
194 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، قال : سمعت بشر بن منصور ، يقول : بكى بديل العقيلي حتى قرحت (1) مآقيه ، فكان يعاتب في ذلك ، فيقول : إنما أبكي خوفا من طول العطش يوم القيامة
__________
(1) قَرِح : جُرِح وجف ويبس من أكل اليابس والجلف من الطعام
(1/207)
________________________________________
195 - حدثني محمد ، قال : حدثني زهدم بن الحارث ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن هشام بن حسان ، قال : بكى يزيد الرقاشي أربعين عاما حتى تساقطت أشفاره ، وأظلمت عيناه ، وتغيرت مجاري دموعه
(1/208)
________________________________________
196 - حدثني محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثت أن بديلا العقيلي « بكى حتى ذهب بصره »
(1/209)
________________________________________
197 - حدثني محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : كان هشام بن أبي عبد الله قد أظلم عليه بصره من طول البكاء ، فكنت تراه ينظر إليك فلا يعرفك إلا أن تكلمه
(1/210)
________________________________________
198 - حدثني محمد ، قال : حدثنا موسى بن داود ، عن سلام أبي الأحوص ، قال : « كانت عين منصور قد تقبضت من كثرة البكاء »
(1/211)
________________________________________
199 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا زهير السلولي ، قال : « كان يزيد الرقاشي قد بكى حتى تناثرت أشفاره ، وأحرقت الدموع مجاريها من وجهه »
(1/212)
________________________________________
200 - حدثني محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور الأسدي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مالك بن مغول ، قال : بكى أسيد الضبي حتى عمي ، وكان إذا عوتب على البكاء ، بكى وقال : الآن حين لا أهدأ ؟ وكيف أهدأ وأنا أموت غدا ؟ والله لأبكين ، ثم لأبكين ، ثم لأبكين فإن أدركت بالبكاء خيرا فبمن الله علي وفضله ، وإن تكن الأخرى ، فما بكائي في جنب ما ألقى ؟ قال : وكان ربما بكى حتى يتأذى به جيرانه من كثرة بكائه
(1/213)
________________________________________
201 - حدثني محمد ، قال : حدثني شعيب بن محرز ، قال : حدثني سلامة العابدة ، قالت : « بكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة ، حتى ذهب بصرها »
(1/214)
________________________________________
202 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عمار بن عثمان الحلبي ، قال : حدثني مسمع بن عاصم ، قال : « كان ناشرة بن سعيد الحنفي قد بكى حتى أظلمت عيناه »
(1/215)
________________________________________
203 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد الملك بن قريب ، قال : حدثنا غاضرة بن قرهد ، قال : « كان فرقد السبخي قد بكى حتى أضر ذلك البكاء بعينيه ، وتناثرت أشفاره »
(1/216)
________________________________________
204 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثني بعض أصحابنا ، قال : قال أنس لثابت : « ما أشبه عينيك بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبكى حتى عمش »
(1/217)
________________________________________
205 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا سلم بن قتيبة ، قال : حدثنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم ، قال : « كان سعيد بن جبير يبكي حتى عمش »
(1/218)
________________________________________
206 - حدثني محمد ، قال : حدثنا رستم بن أسامة ، عن معتمر ، عن أبيه ، قال : « بكى يزيد الرقاشي حتى تناثرت أشفاره »
(1/219)
________________________________________
207 - حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثني إسماعيل بن خليل الخزاز ، عن أبي خالد الأحمر ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، قال : « بكى ثابت حتى ذهب بصره أو كاد يذهب . فقيل له : نعالجك على أن لا تبكي . قال : ما خير فيهما إذا لم تبكيا ؟ »
(1/220)
________________________________________
208 - حدثني أحمد ، قال : حدثني أبو ظفر ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : « اشتكى ثابت البناني عينه ، فقال له الطبيب : اضمن لي خصلة تبرأ عينك ، قال : » وما هي ؟ « قال : لا تبك . قال : » وما خير في عين لا تبكي «
(1/221)
________________________________________
من بكى حتى أثرت الدموع في وجهه
(1/222)
________________________________________
209 - حدثنا الحارث أبو عمر ، قال : حدثنا المطلب بن زياد ، قال : حدثنا عبد الله بن عيسى ، قال : « كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء »
(1/223)
________________________________________
210 - حدثني عبد الله بن الصباح بن عبد الله العطار ، مولى بني هاشم قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت شعيب بن درهم أبا زياد ، قال : حدثني أبو رجاء العطاردي ، قال : « كان هذا المكان من ابن عباس مثل الشراك (1) البالي من الدموع »
__________
(1) الشراك : أحد السيور من الجلد والتي تمسك بالنعل على ظهر القدم
(1/224)
________________________________________
211 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثني زهير السلولي ، قال : « كان يزيد الرقاشي قد بكى حتى أحرقت الدموع مجاريها من وجهه »
(1/225)
________________________________________
212 - حدثني محمد ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أسلم ، عن أبيه ، قال : « كان عمر بن عبد العزيز قد بكى حتى أثرت الدموع بوجهه »
(1/226)
________________________________________
213 - حدثني محمد ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، قال : حدثنا موسى بن صالح القريعي من أهل البصرة قال : « رأيت مجاري الدموع في خد عتبة الغلام منسلخة ، ورأيت عليه إزارا (1) وكما »
__________
(1) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن
(1/227)
________________________________________
214 - وحدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، عن عقيبة بن فضالة ، قال : « كانت الدموع قد أثرت بخدي الفضل بن عيسى الرقاشي أثرا بينا ، فكان كالشيء المخدوش ، نديا دهره »
(1/228)
________________________________________
215 - حدثني محمد بن الحارث الخراز ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : سمعت مالك بن دينار ، يقول : « يا إخوتاه والله لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا » قال : وكان قد بكى حتى اسود طريق الدموع في خده
(1/229)
________________________________________
من كان يديم البكاء
(1/230)
________________________________________
216 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق ، عن الربيع بن خثيم ، « أنه كان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه ، ثم يقول : أدركنا أقواما كنا في جنوبهم لصوصا »
(1/231)
________________________________________
217 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يزيد بن أبي حكيم العدني ، قال : حدثني مسلم بن خالد ، قال : أخبرني من رأى عمر بن عبد العزيز « يطوف بالبيت ودموعه سائلة على لحيته »
(1/232)
________________________________________
218 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن حفص ، قال : سمعت مضر ، يقول : « كان شاب في عبد القيس يبكي الليل والنهار ، لا يكاد يفتر (1) ، فقيل له : لو قصرت قليلا قال : ولم أقصر ؟ وقد ندبت إلى الجد والاجتهاد ؟ والله لا أقصر عن الاجتهاد في نجائها أبدا فكان يبكي الليل والنهار »
__________
(1) الفتور : الكسل والضعف
(1/233)
________________________________________
219 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثني رجل من بني تميم : أن حسن بن صالح ، كان يصلي إلى السحر (1) ، ثم يجلس فيبكي في مكانه ، ويجلس علي فيبكي في حجرته . قال : وكانت أمهم تبكي بالليل والنهار قال : فماتت ، ثم مات علي ، ثم مات حسن . قال : فرأيت حسنا في منامي ، فقلت : ما فعلت الوالدة ؟ قال : « بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد » . قلت : فعلي ؟ قال : « وعلي على خير » . قال : قلت : فأنت ؟ قال : فمضى وهو يقول : « وهل نتكل إلا على عفوه ؟ »
__________
(1) السحر : الثلث الأخير من الليل
(1/234)
________________________________________
220 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن معاوية الأزرق النواء ، قال : حدثني بعض أصحابنا ، قال : قيل لعطاء السليمي : ما تشتهي ؟ قال : « أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر على أن أبكي قال : فكان يبكي الليل والنهار ، وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه »
(1/235)
________________________________________
221 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن جعفر بن سليمان ، قال : « دخل رجلان على عطاء السليمي ، فوجداه يبكي ، فقال أحدهما لصاحبه : أما هذا فسيبكي ثلاثة أيام ولياليهن قال : فخرجا وتركاه »
(1/236)
________________________________________
222 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد ، عن معاذ بن زياد ، قال : كان يحيى بن مسلم البكاء قد اعتم بعمامة وأدارها على حلقه ، وجعل لها طرفين . فكان يبكي وينتحب حتى يبل هذا الطرف ، ثم يبكي وينتحب حتى يبل هذا الطرف الآخر ثم يحلها من رأسه ويبكي وينتحب حتى يبل العمامة بأسرها ، ثم يبكي وينتحب حتى يبل أردانه
(1/237)
________________________________________
223 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن إسحاق البجلي ، قال : حدثني أبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري قال : كنا مع محمد بن واسع في جنازة ، فجعلت أنظر إلى دموعه على لحيته ، وهو جالس لا يتكلم بشيء ، فذكرت ذلك ليحيى بن مسلم البكاء ، فبكى وقال : « إن في دون ما كنتم فيه لما يبكي القبور »
(1/238)
________________________________________
224 - حدثني محمد ، قال : حدثني حرمي بن حفص التغلبي ، قال : حدثنا سعيد بن الفضيل القرشي مولى بني زهرة ، قال : كان محمد بن واسع نازلا في العلو ، وكان قوم يسكنون في داره في السفل . قال : فحدثني بعضهم قال : « كان يبكي عامة الليل ، لا يكاد يفتر (1) » قال : « ثم يصبح ، فإنما يكشر في وجوه أصحابه »
__________
(1) الفتور : الكسل والضعف
(1/239)
________________________________________
225 - حدثني أحمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثني عبد الملك بن قريب ، قال : حدثني نسيب لهشام القردوسي قال : قال رجل : دخلنا على محمد بن واسع ، فقالت علجة كانت في داره : « إين كبره بس اباد اركه سود سون ازجها نياز همه بكشت ، معناه : هذا الرجل إذا جاء الليل ، لو كان قتل أهل الدنيا ما زاد »
(1/240)
________________________________________
226 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عمار بن عثمان الحلبي ، قال : حدثني سرار أبو عبيدة ، قال : « بكى عتبة الغلام في مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين ، لا يفتر (1) بكاء من حين يبدأ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم ، لا يكاد أن يسكت عتبة ، فقيل لعبد الواحد : إنا لا نفهم كلامك من بكاء عتبة ، قال : فأصنع ماذا ؟ يبكي عتبة على نفسه وأنهاه أنا ؟ لبئس واعظ قوم أنا »
__________
(1) الفتور : الكسل والضعف
(1/241)
________________________________________
227 - وحدثني محمد ، قال : حدثني سجف بن منظور ، قال : حدثني سليم النحيف ، قال : رمقت (1) عتبة ذات ليلة بساحل البحر ، فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم ، وهو يقول : « إن تعذبني فإني لك محب ، وإن ترحمني فإني لك محب . فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر »
__________
(1) رمق : نظر وتأمل وراقب
(1/242)
________________________________________
228 - حدثني محمد ، قال : حدثني ابن الفضيل بن عياض ، قال : « كان الفضيل قد ألف البكاء ، حتى ربما بكى في نومه حتى يسمعه أهل الدار »
(1/243)
________________________________________
229 - حدثني محمد ، قال : حدثني خلف بن إسماعيل ، قال : حدثنا الربيع بن صبيح ، قال : ما دخلت على الحسن إلا أصبته مستلقيا يبكي
(1/244)
________________________________________
230 - حدثني محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن يونس بن عبيد ، قال : « كنا ندخل على الحسن ، فيبكي حتى نرحمه »
(1/245)
________________________________________
231 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور ، قال : كان الحسن ربما بكى حتى نرق له
(1/246)
________________________________________
232 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو إسحاق الضرير ، قال : حدثني صالح المري ، عن عبيد الله بن العيزار ، قال : « ما رأيت الحسن إلا صارا بين عينيه ، عليه كآبة ، كأنه رجل أصيب بمصيبة ، فإن ذكر الآخرة ، أو ذكرت بين يديه جاءت عيناه بأربع »
(1/247)
________________________________________
233 - حدثني محمد ، قال : حدثني أبو معمر التنوري ، قال : حدثني ربيع أبو محمد ، قال : كان يزيد الرقاشي يبكي حتى يسقط ، ثم يفيق ، فيبكي حتى يسقط ، ثم يفيق ، فيبكي حتى يسقط ، فيحمل مغشيا (1) عليه إلى أهله وكان يقول في كلامه : « إخوتاه ابكوا قبل يوم البكاء ، ونوحوا قبل يوم النياحة (2) ، وتوبوا قبل انقطاع التوبة ، إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم أنه كان نواحا ، فنوحوا معشر الكهول (3) والشباب على أنفسكم » قال : وكان يتكلم والدموع جارية على لحيته وخديه
__________
(1) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(2) النياحة : البكاء بجزع وعويل
(3) الكهل : الشخص الذي جاوز الثلاثين إلى الخمسين وتم عقله وحلمه
(1/248)
________________________________________
234 - حدثني محمد ، قال : حدثني فضيل بن عبد الوهاب ، قال : حدثتني أختي ، وكانت أكبر من محمد قالت : كان لمحمد بن عبد الوهاب صديق من بني تميم ، فربما زاره ، فيبتدئان في البكاء حتى ينادى بصلاة الظهر . قالت : فربما قلت لمحمد : يزورك أخوك فتبكيان ، لا يستمتع أحدكما من صاحبه بحديث ولا مذاكرة ؟ فيقول : ويحك اسكتي ، ليست الدنيا دار سرور ، ولا متعة تدوم ، إنما خيرها لمن اتخذها بلغة إلى الآخرة ، ووالله ، لولا البكاء فإنه راحة للقلوب لظننت أن قلبي سينشق في دار الدنيا من طول غمي ، لكثرة التفريط . قالت : فأبكاني والله
(1/249)
________________________________________
235 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحسن بن الربيع ، عن ابن المبارك ، قال : « كان ابن أبي رواد يتكلم ودموعه تسيل على خده ، وكان وهيب يتكلم والدموع تقطر من عينيه »
(1/250)
________________________________________
236 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : « كان يحيى البكاء قد أدار عمامة وصير لها فضلة يتلقى بها دموعه »
(1/251)
________________________________________
237 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عمار بن عثمان ، قال : حدثنا مسمع بن عاصم ، قال : حدثني يحيى بن دينار أبو همام ، قال : « كان الحسن إذا تكلم شفى النفوس من إسبال الدموع قال : وما قعدت إليه يوما قط إلا بكيت حتى اشتفيت »
(1/252)
________________________________________
238 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمار بن عثمان ، قال : حدثني حصين بن القاسم ، قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : « لو رأيت الحسن إذا أقبل لبكيت لرؤيته من قبل أن يتكلم ومن ذا الذي كان يرى الحسن فلا يبكي ومن كان يقدر يملك نفسه عن البكاء عند رؤيته ؟ ثم بكى عبد الواحد بكاء شديدا »
(1/253)
________________________________________
239 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، عن مالك بن مغول ، قال : « كان رجل يبكي الليل والنهار ، فقالت له أمه : لو كنت قتلت نفسا ثم أتيت أهله لعفوا عنك لما يرون من كثرة بكائك ، قال : فبكى ثم قال : يا أمه إني والله إنما قتلت نفسي فبكت أمه عند ذلك »
(1/254)
________________________________________
240 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، قال : « كان سعيد بن السائب الطائفي لا تكاد تجف له دمعة إنما دموعه جارية دهره إن صلى فهو يبكي ، وإن طاف فهو يبكي ، وإن جلس يقرأ في المصحف فهو يبكي ، وإن لقيته في طريق فهو يبكي » قال سفيان : فحدثوني أن رجلا عاتبه على ذلك ، فبكى ثم قال : إنما ينبغي أن تعذلني وتعاتبني على التقصير والتفريط ، فإنهما قد استوليا علي . قال الرجل : فلما سمعت ذلك منه انصرفت وتركته «
(1/255)
________________________________________
241 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا الهيثم بن عبيد الصيد الصيرفي ، قال : سمعت أبي يقول : « أتيت الحسن سنة ، فما أخطأني يوم آتيه إلا وأنا أرى دموعه تجري على لحيته »
(1/256)
________________________________________
242 - حدثنا أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن خالد القطان ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، قال : حدثني مرجى بن وداع الأسود الراسبي ، عن سهيل بن عبد الله القطعي ، قال : « صلى بنا مالك بن دينار العصر ، فلما سلم عض على إصبعه ، فلم تزل عيناه تدمعان حتى غابت الشمس »
(1/257)
________________________________________
243 - حدثني أبو عبد الله التيمي ، قال : حدثني سويبط بن المثنى بن بكر الضبي ، قال : حدثني شيخ ، لنا قال : كان محمد بن سوقة يزور مسلما النحات ، قال : فكنت ألقى محمد بن سوقة ، فكان كلامه وسلامه : لن يلبث (1) القرناء أن يتفرقوا ليل يكر عليهم ونهار قال : ثم تجيء دموعه
__________
(1) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة
(1/258)
________________________________________
من عوتب على كثرة البكاء فأجاب عن ذلك
(1/259)
________________________________________
244 - حدثني سريج بن يونس ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : قلت ليزيد بن مرثد : ما لي لا أرى عينك تجف ؟ قال : وما مسألتك عنه ؟ قلت : عسى الله أن ينفع به . قال : يا أخي « إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار . والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام (1) لكنت حريا أن لا تجف لي عين »
__________
(1) الحمام : ما يغتسل فيه
(1/260)
________________________________________
245 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا سلمة بن سعيد ، قال : قالوا ليزيد بن أبان الرقاشي : ما تسأم (1) من كثرة البكاء ؟ فبكى ثم قال : « وهل يشبع المرضع من الغذاء ؟ والله لوددت أني أبكي بعد الدموع الدماء ، وبعد الدماء الصديد ، أيام الدنيا ، فإنه بلغنا أن أهل النار يبكون الدماء إذا نفدت الدموع ، حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت فما حق امرئ لا يبكي على نفسه في الدنيا وينوح عليها ؟ » قال : وكان يقول : « ابك يا يزيد على نفسك قبل حين البكاء ، إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان ينوح على نفسه . يا يزيد من يصلي لك بعدك ؟ ومن يصوم يا يزيد ؟ ومن يضرع لك إلى ربك بعدك ؟ ومن يدعو ؟ » فكان يعدد على هذا ونحوه ، ويبكي ويقول : « يا إخوتاه ابكوا أو بكوا أنفسكم ، فإن لم تجدوا بكاء فارحموا كل بكاء »
__________
(1) السأم : الملل
(1/261)
________________________________________
246 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا إسماعيل بن ذكوان ، قال : كان يزيد الرقاشي إن دخل بيته بكى ، وإن شهد جنازة بكى ، وإن جلس إليه إخوانه بكى وأبكاهم . فقال له ابنه يوما : يا أبه كم تبكي ؟ والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا البكاء فقال : ثكلتك أمك يا بني وهل خلقت النار إلا لي ، ولأصحابي ، ولإخواننا من الجن أما تقرأ يا بني : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان (1) ) ؟ أما تقرأ يا بني : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران (2) ) ؟ فجعل يقرأ عليه حتى انتهى إلى : ( يطوفون بينها وبين حميم آن (3) ) قال : فجعل يجول في الدار ويصرخ ويبكي ، حتى غشي عليه فقالت للفتى أمه : يا بني ما أردت إلى هذا من أبيك ؟ فقال : والله إنما أردت أن أهون عليه ، لم أرد أن أزيده حتى يقتل نفسه
__________
(1) سورة :
(2) سورة : الرحمن آية رقم : 35
(3) سورة : الرحمن آية رقم : 44
(1/262)
________________________________________
247 - قال محمد : وحدثنا مجالد بن عبيد الباهلي ، قال : حدثنا عبد النور بن يزيد بن أبان الرقاشي ، قال : كان أبي يبكي ويقول لأصحابه : « ابكوا اليوم قبل الداهية الكبرى ابكوا اليوم قبل أن تبكوا غدا ابكوا اليوم قبل يوم لا يغني فيه البكاء ابكوا على التفريط أيام الدنيا قال : ثم يبكي حتى يرفع صريعا من مجلسه »
(1/263)
________________________________________
248 - حدثني محمد ، قال : حدثني زهدم بن الحارث ، عن سفيان ، قال : كان أمية رجل من أهل الشام يقدم فيصلي هناك مما يلي باب بني سهم ، فينتحب ويبكي حتى يعلو صوته ، وحتى تسيل دموعه على . . قال : فأرسل إليه الأمير أنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك ، وارتفاع صوتك ، فلو أمسكت قليلا . فبكى ثم قال : « إن حزن يوم التيه (1) أورثني دموعا غزارا ، فأنا أستريح إلى ذريها أحيانا » وكان أمية يقول : « ومن أسعد بالطاعة من مطيع ؟ ألا وكل الخير في الطاعة . ألا وإن المطيع لله ملك في الدنيا والآخرة » قال : وكان يدخل الطواف ، فيأخذ في النحيب والبكاء ، وربما سقط مغشيا (2) عليه
__________
(1) التيه : الحيرة والضلال
(2) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(1/264)
________________________________________
249 - وحدثني محمد ، قال : حدثني الفيض بن الفضل البجلي ، قال : حدثني جار لمسعر قال : « بكى مسعر فبكت أمه ، فقال لها مسعر : ما أبكاك يا أمه ؟ قالت : يا بني رأيتك تبكي فبكيت . قال : يا أمه لمثل ما نهجم عليه غدا فليظل البكاء قالت : وما ذاك يا بني ؟ قال : القيامة وما فيها قال : ثم غلبه البكاء ، فقام قال : وكان مسعر يقول : لولا أمي ما فارقت المسجد إلا لما لا بد منه ، قال : وكان إن دخل بكى ، وإن خرج بكى ، وإن صلى بكى ، وإن جلس بكى »
(1/265)
________________________________________
250 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد السلام بن مطهر ، قال : حدثني رجل يكنى أبا حمزة قال : كنت أمشي مع رياح القيسي ، فمر بصبي يبكي ، فوقف عليه يسأله : ما يبكيك يا بني ؟ وجعل الصبي لا يحسن يجيبه ، ولا يرد عليه شيئا ، فبكى ، ثم التفت إلي فقال : يا أبا حمزة ما لأهل النار راحة ولا معول إلا البكاء . وجعل يبكي
(1/266)
________________________________________
251 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمار بن عثمان ، قال : حدثنا محمد بن فروخ ، من ولد أبي نضرة قال : زارني رياح القيسي ، فبكى صبي لنا من الليل ، فبكى رياح لبكائه حتى أصبح . فذاكرته يوما ذلك ، فقال : « ذكرت ببكائه بكاء أهل النار في النار ، ليس لهم نصير » ثم بكى
(1/267)
________________________________________
252 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن يزيد بن خنيس ، قال : « ما رأيت أحدا قط أسرع دمعة من سعيد بن السائب . إنما كان يجزئه أن يحرك ، فترى دموعه كالقطر »
(1/268)
________________________________________
253 - حدثني محمد ، قال : حدثني يوسف بن الحكم الرقي ، عن فياض بن محمد بن سنان القرشي ، قال : جعل زياد الأسود العبد يبكي يوما ، فقال له ميمون بن مهران : كم تبكي ويحك يا زياد ؟ قال : يا أبا أيوب وما لي لا أبكي ؟ والله أبدا لعلي . . . . من البكاء في القيامة غدا قال : فبكى ميمون بن مهران عند ذلك بكاء شديدا
(1/269)
________________________________________
254 - حدثني محمد ، قال : حدثني سجف بن منظور ، قال : حدثنا سرار أبو عبيدة ، قال : قالت لي امرأة عطاء السليمي : عاتب عطاء في كثرة البكاء ، فعاتبته ، فقال لي : « يا سرار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي ؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه ، تمثلت لي نفسي بهم ، فكيف بنفس تغل يدها إلى عنقها ، وتسحب إلى النار ، ألا تصيح وتبكي ؟ وكيف لنفس تعذب ألا تبكي ويحك يا سرار ما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله » قال : فسكت عنه
(1/270)
________________________________________
255 - حدثني محمد ، قال : حدثني سجف بن منظور ، قال : حدثنا سرار العنزي ، قال : « ما رأيت عطاء السليمي قط إلا وعيناه تفيضان وما كنت أشبه عطاء إذا رأيته إلا بالمرأة الثكلى ، وكأن عطاء لم يكن من أهل الدنيا »
(1/271)
________________________________________
256 - حدثني محمد ، قال : حدثني شعيب بن محرز ، قال : حدثني صالح المري ، قال : قلت لعطاء السليمي : ما تشتهي ؟ فبكى ثم قال : « أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رمادا لا تجتمع منه سفة أبدا في الدنيا ولا في الآخرة » قال صالح : فأبكاني والله ، وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر يوم الحساب
(1/272)
________________________________________
257 - حدثني محمد ، قال : حدثني شعيب بن محرز ، قال : حدثني حميد بن سليمان ، قال : حدثني رجل من أهل صنعاء ، عن وهب بن منبه ، أن عابدا لقي عابدا وهو يبكي ، وقد بكى حتى جردت عيناه ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : وما لي لا أبكي ؟ أبكي والله على أن لا أكون لم أزل أبكي
(1/273)
________________________________________
258 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني فريط الوراق ، قال : حدثني نعيم بن مورع التميمي ، قال : حدثت عن ميسرة القيسي ، أنه كان يبكي حتى يغمى عليه ، فيقال له : لو رفقت بنفسك ؟ فيقول : إنما أتيت من الرفق بها ، والله لا أرفق بها أبدا والقيامة أمامها ، حتى أعلم ما لها عند ربها من خير وشر قال : وكان قد عمش من طول البكاء
(1/274)
________________________________________
259 - حدثني محمد ، قال : حدثني زيد الخمري ، قال : حدثني بحر أبو يحيى ، وكان عابدا قال : « رأيت عابدا بعبادان يبكي عامة الليل والنهار . قال : فقلت له : يا أخي كم تبكي ؟ قال : فازداد بكاء ثم قال لي : فما أصنع إذا لم أبك ؟ قال : وغشي عليه »
(1/275)
________________________________________
260 - حدثني محمد ، قال : حدثني زهدم بن الحارث ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : بكى يزيد الرقاشي أربعين عاما لا يكاد ترقأ له دمعه فكان إذا قيل له ذلك قال : « إنما الأسف على أن لا أكون تقدمت في البكاء »
(1/276)
________________________________________
جماع من أخبار البكائين
(1/277)
________________________________________
261 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن وهب ، قال : « رأيت أثرين (1) في الحصى من دموع عبد الله »
__________
(1) الأثر : بقية الشيء وعلامته
(1/278)
________________________________________
262 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن وهب ، أن عبد الله بكى حتى رأيته أخذ بكفه من دموعه ، فقال به هكذا
(1/279)
________________________________________
263 - حدثني محمد ، قال : حدثني روح بن أسلم ، قال : حدثنا صدقة الدقيقي ، عن مالك بن دينار ، قال : « لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا . ولولا أن يقول الناس مجنون لوضعت التراب على رأسي ، ثم نحت على نفسي في الطرق والأحياء ، حتى تأتيني منيتي (1) ، ثم بكى »
__________
(1) المنية : الموت
(1/280)
________________________________________
264 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد بن إسحاق الضبي ، قال : حدثنا العلاء بن ميمون ، عن أفلح مولى محمد بن علي قال : خرجت مع محمد بن علي حاجا ؛ فلما دخل المسجد نظر إلى البيت ، فبكى حتى علا صوته . فقلت : بأبي أنت وأمي الناس ينظرون إليك ، فلو رفقت بصوتك قليلا قال : « ويحك (1) يا أفلح ولم لا أبكي ؟ لعل الله أن ينظر إلي منه برحمة ؛ فأفوز بها غدا عنده » قال : ثم طاف البيت ، ثم جاء حتى ركع عند المقام ، فرفع رأسه من سجوده ، فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه
__________
(1) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(1/281)
________________________________________
265 - حدثني محمد ، قال : حدثني يوسف بن الحكم ، قال : سمعت يعلى بن الأشدق يذكر أن عبد الملك بن مروان ، نظر إلى رجل ساجد ، قد أطال السجود ، فلما رفع رأسه نظر إلى موضع سجوده مبتلا بالدموع فأرصد له رجلا فقال : إذا قضى صلاته فأتني به أختبر عقله . فلما قضى صلاته ، أتاه ، فقال له عبد الملك : رأيت منك منظرا الجنة تدرك بدونه . فصرخ الرجل صرخة أفزع عبد الملك وخر (1) مغشيا (2) عليه ثم أفاق بعد طويل وهو يمسح العرق عن وجهه ويقول : تبا (3) لعاصيك ما احتمل من الآثام لديك قال : فجعل عبد الملك يبكي ، والرجل مول لا يلتفت ، حتى خرج
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(2) الغشي : فقدان الوعي ، والإغماء
(3) تبا : هلاكا وخسرانا
(1/282)
________________________________________
266 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عمر بن حفص بن غياث ، عن أبيه ، قال : كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم ، فذكر رواجف القيامة وزلازلها وأهوالها ، وشدة الأمر يومئذ هناك . قال : واستبكى ابن ذر ، وبكى الناس يومئذ بكاء شديدا . قال : فوثب رجل من بني عجل يقال : له وراد ، فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب ، حتى هدأ . قال : ثم حمل من بين القوم صريعا قال : فجعل ابن ذر يومئذ يبكي ويقول : ليس كلنا قد أتاه الأمان من الله يا وراد غيرك ليس كلنا قد أيقن بالنجاة من النار غيرك . وتالله أيها الناس ما أخو بني عجل بأولى بالخوف من الله منا ومنكم ، وما منا أحد إلا على مثل حاله بين خوف ورجاء . وإنا فيما ندبنا الله إليه من طاعته لمشتركون جميعا ، فما الذي قصر بنا وأسرع به ؟ وكلم (1) قلبه حتى أبكاه فأخرجه إلى ما رأيتم من مخافة الله ؟ وكلنا قد سمع الموعظة ، وفهم التذكرة ، فلم يكن من أحد منا سواه لذلك حركه ، ولم تنبض من أحد منا في ذلك خارجة والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك ، وتراكم الذنوب على قلوبنا ، وما أرانا نؤتى إلا من أنفسنا « قال : ثم بكى ابن ذر ، وقرأ هذه الآية : ( إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده (2) ) » ، قال عمر قال أبي : كنت أرى ورادا العجلي يأتي المسجد مقنع الرأس ، فيعتزل ناحية ، فلا يزال مصليا وداعيا وباكيا كم شاء الله من النهار . ثم يخرج ، ثم يعود فيصلي الظهر فهو كذلك بين صلاة ودعاء وبكاء حتى يصلي العشاء . ثم يخرج لا يكلم أحدا ، ولا يجلس إلى أحد فسألت عنه رجلا من حيه ، ووصفته له ، قلت : شاب من صفته ، من هيئته قال : بخ يا أبا عمر تدري عمن تسأل ؟ ذاك وراد العجلي الذي عاهد الله أن لا يضحك حتى ينظر إلى وجه رب العالمين قال أبي : فكنت إذا رأيته بعد هبته
__________
(1) كلم : جرح وخدش
(2) سورة : إبراهيم آية رقم : 11
(1/283)
________________________________________
267 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمر بن حفص ، قال : حدثني سكين بن مكين ، رجل من بني عجل قال : كانت بيننا وبينه قرابة يعني ورادا فسألت أختا له كانت أصغر منه قال : قلت : كيف كان ليله ؟ قالت : بكاء عامة الليل وتضرع (1) قلت : فما كان طعمه ؟ قالت : قرص في أول الليل ، وقرص في آخره عند السحر (2) قلت : فتحفظين من دعائه شيئا ؟ قالت : نعم ، كان إذا كان ، أو قريب من طلوع الفجر ، سجد ، ثم بكى ، ثم قال : « مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك ، فأعنه عليها بتوفيقك أيها المنان مولاي عبدك يحب اجتناب سخطك ، فأعنه على ذلك بمنك عليه أيها المنان . مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك ، فلا تقطع رجاءه يوم يفرح بخيرك الفائزون » قالت : فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح قالت : وكان قد كل من الاجتهاد ، وتغير لونه جدا
__________
(1) التضرع : التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة
(2) السحر : الثلث الأخير من الليل
(1/284)
________________________________________
268 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمر بن حفص ، قال : حدثني سكين بن مكين ، هذا قال : « لما مات وراد العجلي ، فحملوه إلى حفرته ، نزلوا ليدلوه في حفرته ، فإذا القبر مفروش بالريحان ، فأخذ بعض القوم الذين نزلوا القبر من ذلك الريحان شيئا ، فمكث سبعين يوما طريا لا يتغير ، يغدو (1) الناس ويروحون ينظرون إليه » قال : وكثر الناس في ذلك ، حتى خاف الأمير أن يفتن الناس ، فأرسل إلى الرجل ، فأخذ ذلك الريحان ، وفرق الناس . ففقده الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب «
__________
(1) الغُدُو : السير أول النهار
(1/285)
________________________________________
269 - حدثني محمد ، قال : حدثني مخول ، قال : جاءني بهيم يوما فقال لي : تعلم لي رجلا من جيرانك أو إخوانك يريد الحج ترضاه يرافقني ؟ قلت : نعم فذهبت إلى رجل من الحي له صلاح ودين ، فجمعت بينهما ، وتواطآ على المرافقة . ثم انطلق بهيم إلى أهله ، فلما كان بعد ، أتاني الرجل فقال : يا هذا ، أحب أن تزوي عني صاحبك وتطلب رفيقا غيري . فقلت : ويحك فلم ؟ فوالله ما أعلم في الكوفة له نظيرا في حسن الخلق والاحتمال ، ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا . قال : ويحك حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر (1) ، فهذا ينغص علينا العيش سفرنا كله . قال : قلت : ويحك إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكر ، يرق القلب فيبكي الرجل ، أو ما تبكي أحيانا ؟ قال : بلى ، ولكنه قد بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه . قال : قلت : اصحبه ، فلعلك أن تنتفع به ، قال : أستخير الله . فلما كان اليوم الذي أراد أن يخرجا فيه ، جيء بالإبل ، ووطئ لهما ، فجلس بهيم في ظل حائط ، فوضع يده تحت لحيته ، وجعلت دموعه تسيل على خديه ، ثم على لحيته ، ثم على صدره ، حتى والله رأيت دموعه على الأرض . قال : فقال لي صاحبي : يا مخول ، قد ابتدأ صاحبك ، ليس هذا لي برفيق . قال : قلت : ارفق ، لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق . وسمعها بهيم فقال : والله يا أخي ما هو ذاك ، وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة . قال : وعلا صوته بالنحيب . قال لي صاحبي : والله ما هي بأول عدواتك لي أو بغضك إياي ، أنا ما لي ولبهيم ؟ إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين ذواد بن علبة ، وداود الطائي ، وسلام أبي الأحوص ، حتى يبكي بعضهم إلى بعض ، حتى يشتفوا أو يموتوا جميعا . قال : فلم أزل أرفق به ، وقلت : ويحك لعلها خير سفرة (2) سافرتها . قال : وكان طويل الحج ، رجلا صالحا ، إلا أنه كان رجلا تاجرا موسرا (3) ، مقبلا على شأنه ، لم يكن صاحب حزن ولا بكاء . قال : فقال لي : قد وقعت مرتي هذه ، ولعلها أن تكون خيرا . قال : وكل هذا الكلام لا يعلم به بهيم ، ولو علم بشيء منه ما صحبه . قال : فخرجا جميعا ، حتى حجا ورجعا ، ما يرى كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه . فلما جئت أسلم على جاري قال : جزاك الله يا أخي عني خيرا ، ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر ؛ كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر ، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي ، وهو شيخ ضعيف ، ويطبخ لي ، وأنا مفطر وهو صائم قال : قلت : فكيف كان أمرك معه في الذي كنت تكرهه من طول بكائه ؟ قال : ألفت والله ذلك البكاء ، وسر قلبي ، حتى كنت أساعده عليه ، حتى تأذى بنا أهل الرفقة . قال : ثم والله ألفوا ذلك ، فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا ، وجعل بعضهم يقول لبعض : ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد ؟ قال : فجعلوا والله يبكون ونبكي . قال : ثم خرجت من عنده ، فأتيت بهيما فسلمت عليه ، فقلت : كيف رأيت صاحبك ؟ قال : كخير صاحب ، كثير الذكر ، طويل التلاوة للقرآن ، سريع الدمعة ، محتمل لهفوات الرفيق ؛ فجزاك الله عني خيرا
__________
(1) الفتور : الكسل والضعف
(2) السفرة : ما يوضع فيه الطعام للمسافر
(3) الموسر : الغني وذو المال والسعة
(1/286)
________________________________________
270 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد بن حفص ، قال : حدثنا معاذ بن زياد ، مولى بني سعد قال : لما اتخذت عبادان سكنها نساك ، وكان منهم رجل يقال له بهيم ، فكان يصلي بين أضعاف النخل ، فيصلي ما شاء الله ، ثم يقعد فيحتبي مدة . وكان رجلا حزينا ، فيزفر الزفرة بعد الزفرة ، فكان يسمع زفيره قال : فيقع البعوض على كتفيه وظهره ، فيتأذى بهن فيقول : وأنت تأذى من حسيس بعوضة فالمنايا . . ساكنين . .
(1/287)
________________________________________
271 - حدثني محمد ، قال : حدثني معاوية بن عمرو ، قال : « كان بهيم رجلا طوالا (1) ، شديد الأدمة ، إذا رأيته رأيت رجلا حزينا »
__________
(1) الطوال : الطويل
(1/288)
________________________________________
272 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد العزيز بن يحيى الأويسي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال : خرج عطاء بن يسار ، وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ، ومعهم أصحاب لهم ، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا ، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم ، وبقي عطاء بن يسار قائما في المنزل يصلي . فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة ، فلما رآها ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته ثم قال : ألك حاجة ؟ قالت : نعم . قال : ما هي ؟ قالت : قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي . فقال : إليك عني ، لا تحرقيني ونفسك بالنار . ونظر إلى امرأة جميلة ، فجعلت تراوده عن نفسه ، وتأبى إلا ما تريد قال : فجعل عطاء يبكي ويقول : ويحك إليك عني إليك عني قال : واشتد بكاؤه . فلما نظرت المرأة إليه ، وما داخله من البكاء والجزع ، بكت المرأة لبكائه . فجعل يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي . فبينما هو كذلك ، إذ جاء سليمان من حاجته . فلما نظر إلى عطاء يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي ، جلس يبكي في ناحية البيت لبكائهما لا يدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا ، كلما أتى رجل فرآهم يبكون ، جلس يبكي لبكائهم ، لا يسألونهم عن أمرهم ، حتى كثر البكاء وعلا الصوت . فلما رأت الأعرابية ذلك ، قامت فخرجت . قال : وقام القوم فدخلوا . فلبث (1) سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة . قال : وكان أسن منه . قال : ثم إنهما قدما مصرا لبعض حاجتهما ، فلبثا بها ما شاء الله . فبينا عطاء ذات ليلة نائم ، إذ استيقظ وهو يبكي فقال له سليمان : ما يبكيك أي أخي ؟ قال : فاشتد بكاؤه قال : ما يبكيك يا أخي ؟ قال : رؤيا رأيتها الليلة . قال : وما هي ؟ قال : لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا . قال : وذاك . قال : « رأيت يوسف النبي صلى الله عليه وسلم ، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر . فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال : ما يبكيك أيها الرجل ؟ قلت : بأبي أنت وأمي ، ذكرتك وامرأة العزيز ، وما ابتليت (2) به من أمرها ، وما لقيت من السجن ، وفرقة الشيخ يعقوب صلى الله عليه وسلم ، فبكيت من ذلك ، وجعلت أتعجب منه . فقال صلى الله عليه وسلم : فهلا تعجبت من صاحب المرأة بالأبواء ؟ فعرفت الذي أراد ، فبكيت ، واستيقظت باكيا » قال سليمان : أي أخي وما كان حال تلك المرأة ؟ قال : فقص عليه عطاء القصة فما أخبر سليمان بها أحدا حتى مات عطاء ؛ وحدث بها بعده امرأة من أهله . قال : وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار
__________
(1) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة
(2) الابتلاء : الاختبار والامتخان بالخير أو الشر
(1/289)
________________________________________
273 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني مجالد بن عبيد ، قال : حدثنا إبراهيم بن صبح البراد ، قال : دخلنا على المغيرة أبي محمد ، وكان إذا تكلم بكى وأبكى ، فقال : « يا إخوتاه ابكو وبكوا هذه الأعين والقلوب ، فإن الحزين غدا مسرور ، والباكي ضاحك ، والخائف آمن ، وطويل السغب في الدنيا طويل الشبع في الآخرة ، وطويل الظمأ طويل الري (1) عند الله . ألا فتخيروا واختاروا ، واتقوا أن تغبنوا فتهلكوا » قال : ويبكي ، ويبكي الناس
__________
(1) الري : الشِبع من الماء والشراب
(1/290)
________________________________________
274 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، عن بكر بن مصاد ، قال : دخلنا على أبي محمد المغيرة الخزاز ، وهو في مسجد في بيته ، مستقبل القبلة ، ودموعه جارية على لحيته ، فسلمنا عليه وقلنا : ما يبكيك رحمك الله ؟ قال : « أمل طويل ، وليل قريب أتوقعه ، ما أدري على ماذا . . منه ، على مسرة أو معرة . ثم غشي عليه »
(1/291)
________________________________________
275 - حدثني محمد ، قال : حدثني إبراهيم بن داود ، قال : حدثني هيثم العبدي ، قال : حدثني ابن السماك ، قال : رأيت ابن ذر يبكي من أول الليل إلى آخره ، متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : « إليك أنضيت المطي (1) ، وإليك تجشمت قطع المفاوز ، حتى أنخت بفنائك رجاء كرامتك ، وجزيل ثوابك » قال : ويبكي حتى أصبح
__________
(1) المطي : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
(1/292)
________________________________________
276 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمار بن عثمان ، قال : سمعت بهيما العجلي ، يقول : « وعزتك إلهي ما بكى الباكون إليك فخيبتهم من فضلك ، بل ظن أوليائك بك أحسن الظنون ، ورجاؤهم لك أكثر الرجاء » قال : ثم يبكي حتى يبل لحيته بالدموع
(1/293)
________________________________________
277 - حدثني محمد ، قال : حدثني زيد الخمري ، قال : كنا عند أبي عبد الرحمن المغازلي ، فتكلم ، فبكى بعض من عنده ، فقال أبو عبد الرحمن : دعوه ، فإنما معول المذنبين البكاء والتوبة
(1/294)
________________________________________
278 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود ، قال : سمعت مضر أبا سعيد التادبي ، يقول : « ما تلذذت لذاذة قط ، ولا تنعمت نعيما أكثر عند من بكى حرقة »
(1/295)
________________________________________
279 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا عقيبة بن فضالة ، قال : سمعت أبا عبيدة الخواص ، بعدما كبر وهو آخذ بلحيته يقول : . . . . « إذا ذكر يأخذاه » ويبكي قال : « قد كبرت فأعتقني يا مولاي »
(1/296)
________________________________________
280 - حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني معلى الوراق ، قال : كنا عند مالك بن دينار وهو يتكلم ، فجاء أبوعبيدة الخواص ، فأخرج من كمه حبل ليف جديد ، في طرفه عروتان ، فجعل عروة في عنقه ، وعروة في عنق مالك ، ثم قال : يا مالك « عد أنا بين يدي الله ، ما عسى أن نقول ؟ فبكى القوم جميعا »
(1/297)
________________________________________
281 - حدثني محمد ، قال : حدثني إسحاق بن إبراهيم الضرير ، قال : كان موسى الخياط يبكي حتى يتقطع صوته وتسترخي . . فيسقط . وكان ينوح على نفسه في بكائه ويقول : « أبكي والله قبل طول البكاء ، أبكي والله قبل محل الشقاء ، أبكي والله قبل . . »
(1/298)
________________________________________
282 - حدثني محمد ، قال : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد ، جليس لموسى الخياط قال : كان موسى بن سعيد الخياط يبكي وينوح على نفسه ، ويقول في تعديده : سجوني وسدوني وفي لحدي (1) فدلوني ألبست قباطيا أبليها وتبليني ويبكي . فلما رآني سكت
__________
(1) اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر
(1/299)
________________________________________
283 - حدثني محمد ، قال : حدثني مالك بن ضيغم ، قال : حدثني الحكم بن نوح ، قال : بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره ، لم يسجد فيها سجدة ، ولم يركع فيها ركعة ، ونحن معه في البحر . فلما أصبحنا قلت : يا أبا مالك لقد طالت ليلتك لا مصليا ولا داعيا ؟ فبكى ثم قال : « لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غدا ما لذوا بعيش أبدا ، إني والله لما رأيت الليل وهوله ، وشدة سواده ، ذكرت به الموقف ، وشدة الأمر هناك ، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه ، لا يغني والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا . قال : ثم شهق ، فلم يزل يضطرب ما شاء الله ثم هدأ . قال الحكم : فحمل علي أصحابنا في المركب وقالوا : أنت تعلم أنه لا يحتمل الذكر ، فما تهيجه » قال : فكنت بعد لا أكاد أذكر له شيئا لا يسألني عنه
(1/300)
________________________________________
284 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا سلمة بن سعيد ، قال : رئي للعلاء بن زياد أنه من أهل الجنة : فمكث ثلاثا لا ترقأ له دمعة ، ولا يكتحل بنوم ، ولا يذوق طعاما . فأتاه الحسن فقال : أي أخي أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة ؟ فازداد بكاء على بكائه . فلم يفارقه الحسن حتى أمسى ؛ وكان صائما ، فطعم شيئا
(1/301)
________________________________________
285 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، عن مضر ، عن عبد الواحد بن زيد ، قال : أتى رجل العلاء بن زياد فقال : أتاني آت في منامي فقال : ائت العلاء بن زياد فقل له : كم تبكي فقد غفر لك . فبكى ، ثم قال : « الآن حين لا أهدأ »
(1/302)
________________________________________
286 - حدثني محمد ، قال : حدثني حكيم بن جعفر ، قال : حدثني الحارث بن عبيد ، قال : « كان عبد الواحد بن زيد يجلس إلى جنبي عند مالك . فكنت لا أفهم كثيرا من موعظة مالك لبكاء عبد الواحد »
(1/303)
________________________________________
287 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن عبد العزيز بن سلمان ، قال : « كان مسمع يأتي أبي ، فيجلس إليه ، فلا يفترقان إلا عن مثل المصيبة ، من البكاء والحزن »
(1/304)
________________________________________
288 - حدثني محمد ، قال : حدثني صدقة بن بكر السعدي ، قال : حدثني عبد العزيز بن سلمان العابد ، قال : انطلقت أنا وعبد الواحد بن زيد ، إلى مالك بن دينار ، فوجدناه قد قام من مجلسه ودخل منزله ، وأغلق عليه باب الحجرة . فجلسنا ننتظره ليخرج ، أو نسمع له حركة فنستأذن عليه . فجعل يترنم بشيء لا نفهمه . ثم بكى حتى جعلنا نأوي له من شدة بكائه . ثم جعل يشهق ويتنفس حتى غشي عليه . فقال لي عبد الواحد : « انطلق ، فهذا رجل مشغول بنفسه »
(1/305)
________________________________________
289 - حدثني محمد ، عن أبي عمر الخطابي ، قال : حدثني رجل من أهلهم ، قال : كان عتبة الغلام يبكي حتى تمتلئ راحته (1) بدموع عينيه ، ثم يمسح بها وجهه ورقبته ، ويقول : « إلهي وسيدي ، لا تخزني يوم يقوم الحساب . قال : وكان إذا سمع النداء بكى »
__________
(1) الراحة : الكف
(1/306)
________________________________________
290 - حدثني محمد ، قال : حدثني الفضل بن دكين ، قال : « كان حسن بن صالح إذا نظر إلى جنازة أرسل عينيه بأربع قال : ودخلنا معه مرة نعود (1) مريضا ، فنظرت إليه يبكي حتى جرت دموعه على لحيته »
__________
(1) العيادة : زيارة الغير
(1/307)
________________________________________
291 - حدثني أبو عبد الله التيمي ، قال : حدثني عيسى بن هارون بن أبي شيبة ، عن عم له كان يكثر مجالسة حسن بن صالح قال : سمعت حسن بن صالح ، يقول بعد طلوع الفجر في بيته : « وا أهوالاه فلو كان هولا (1) واحدا لكفى ، ولكنها أهوال شتى (2) » ثم زفر (3)
__________
(1) الهول : الخَوْفُ والرعب والأمْرُ الشَّديدُ .
(2) شتى : مختلفين متفرقين
(3) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه
(1/308)
________________________________________
292 - حدثني أبو عبد الله التيمي ، قال : حدثني خالد بن الصقر السدوسي ، قال : كان أبي خاصا لسفيان الثوري قال أبي : فاستأذنت على سفيان في نحر الظهر ، فأذنت لي امرأة ، فدخلت عليه وهو يقول : ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم (1) ) ثم يقول : بلى يا رب بلى يا رب وينتحب ، وينظر إلى سقف البيت ودموعه تسيل . فمكثت جالسا كم شاء الله ، ثم أقبل إلي ، فجلس معي ، فقال : مذ كم أنت ههنا ؟ ما شعرت بمكانك
__________
(1) سورة : الزخرف آية رقم : 80
(1/309)
________________________________________
293 - حدثني محمد بن إدريس ، قال : قال الضحاك بن مخلد : « رأيت هشام بن حسان إذا ذكرت الجنة أو النبي عليه السلام ، بكى حتى تسيل دموعه . ورأيت ابن عون تدور الدموع في عينيه ولا تخرج »
(1/310)
________________________________________
294 - حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : « رأيت ثابتا البناني يبكي حتى تختلف أضلاعه »
(1/311)
________________________________________
295 - حدثني محمد بن الحارث الخراز ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا مطر الوراق ، قال : بات هرم بن حيان عند حممة ، فبات حممة باكيا حتى أصبح فلما أصبح قال له هرم : يا أخي ما أبكاك الليلة ؟ قال : « ذكرت ليلة صبيحتها تناثر (1) الكواكب قال : وبات حممة عند هرم ليلة أخرى ، فبات هرم بن حيان باكيا حتى أصبح فلما أصبح قال له حممة : يا أخي ما أبكاك الليلة ؟ قال : يا أخي ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله وكانا إذا أصبحا غدوا (2) ، فمرا بأكورة الحدادين كيف ينفخ عليها ، فيقعدان ، ويبكيان ، ويستجيران الله من النار . ثم يأتيان أصحاب الرياحين ، فيقفان ، فيسألان الله الجنة . ثم يدعوان بدعوات ، ويفترقان »
__________
(1) تناثر : تساقط
(2) الغُدُو : السير أول النهار
(1/312)
________________________________________
296 - حدثنا المثنى بن معاذ بن معاذ ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا عاصم الرقاشي ، قال : انطلق عزوان وحممة إلى عامر بن عبد الله ، فوجداه مغلقا عليه بابه ، فسمعاه يبكي . فجلسا ببابه يبكيان لبكائه . ثم أذن لهما ، فرأى أثر البكاء على وجوههما ، فقال : ما أبكاكما ؟ قالا : سمعناك تبكي فبكينا لبكائك . قال : أخبركما ما أبكاني . « إني ذكرت الليلة التي صبيحتها يوم القيامة ، قلت : إنها لتمخض بأمر عظيم »
(1/313)
________________________________________
297 - حدثنا محمد بن أبي بلال ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن مالك بن مغول ، قال : مر رجل بعامر بن عبد قيس وهو جالس في طريق وهو يبكي ، فقال : يا عامر ما يبكيك ؟ قال : « شيء ما أبكاني ، عجبت من ليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة » . وكان إذا أصبح خرج إلى طريق من الطرق ، فإذا رأى الناس قد خرجوا إلى حوائجهم ، والناس يذهبون يمينا وشمالا ، فيقول : « يا رب غدا (1) الغادون في حوائجهم ، وغدوت (2) أسألك المغفرة »
__________
(1) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار
(2) الغدو : التبكير بالخروج أول النهار
(1/314)
________________________________________
298 - حدثني يحيى بن أيوب ، قال : حدثنا عبد الله بن كثير ، قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : « ما كان بدو إنابتك ؟ » ، قال : أردت ضرب غلام لي ، فقال : « يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة »
(1/315)
________________________________________
299 - حدثني أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا موسى بن أيوب ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : أما بعد ، « فإني أذكرك بليلة تمخض بالساعة ، فصباحها القيامة ، يا لها من ليلة ويا له من صباح كان على الكافرين عسيرا »
(1/316)
________________________________________
300 - حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن جنيد ، قال : بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد ، وفي يده بلبلة ، وهو يمص ماءها ، ثم يمجه (1) في الحصى ، ثم تنفس تنفسا شديدا ، ثم بكى حتى رعدت منكباه (2) ، ثم قال : « لو أن بالقلوب حياة ، لو أن بالقلوب صلاحا ، لأبكيتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة . إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ، ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر فيه عورة (3) بادية (4) ، ولا عين باكية من يوم القيامة »
__________
(1) مَج : لَفَظَ الماء ونحوه من فمه وطرحه وألقاه
(2) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد
(3) العورة : العيب والخلل وسوأة الإنسان ، وكل ما يستحيا منه إذا ظهر
(4) بدا : وضح وظهر
(1/317)
________________________________________
بكاء آدم صلى الله عليه وسلم
(1/318)
________________________________________
301 - حدثنا منصور بن بشير ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن ذكوان ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أباكم آدم صلى الله عليه وسلم كان طوالا (1) مثل النخلة السحوق ، ستين ذراعا . وكان طويل الشعر ، مواريا العورة . فلما أصاب الخطيئة بدت (2) له سوأته ، فخرج هاربا في الجنة . فلقيته شجرة ، فأخذت بناصيته ، فأوحى الله إليه : يا آدم أفرارا مني ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء مما جئت به . قال : فأهبطه الله إلى الأرض ، فلما حضرت وفاته ، بعث الله بكفنه وحنوطه (3) من الجنة . فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم ، فقال : خلي بيني وبين رسل ربي ، فما لقيت ما لقيت إلا من قبلك ، وما أصابني ما أصابني إلا فيك . فغسلته الملائكة بالماء والسدر (4) وترا ، وكفنوه في وتر من الثياب ، وألحدوا له ، ودفنوه ، وقالوا : هذه سنة ولد آدم من بعده »
__________
(1) الطوال : الطويل
(2) بدا : وضح وظهر
(3) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة
(4) السدر : شجر النبق يجفف ورقه ويستعمل في التنظيف
(1/319)
________________________________________
302 - حدثنا شجاع بن مخلد ، قال : حدثنا هشيم ، عن عثمان بن سعد ، عن الحسن ، قال : قلت : له : كم كبرت الملائكة عليه ؟ يعني على آدم صلى الله عليه وسلم . قال : « كبروا عليه أربع تكبيرات »
(1/320)
________________________________________
303 - حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا الأسود بن عامر ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن الحسن ، عن عتي ، عن أبي قال « ألحد لآدم صلى الله عليه وسلم »
(1/321)
________________________________________
304 - حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : « لما أكل آدم من الشجرة التي نهي عنها قال الله تبارك وتعالى له : ما حملك على أن عصيتني ؟ قال : رب زينته لي حواء . قال : فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ، ولا تضع (1) إلا كرها . ودميتها في الشهر مرتين . فلما سمعت حواء ذلك رنت . فقال لها : عليك الرنة وعلى بناتك »
__________
(1) تضع : تلد مولودها
(1/322)
________________________________________
305 - حدثنا محمد بن أبي سمينة ، قال : حدثنا إبراهيم بن عمر بن أبي الوزير ، قال : حدثنا مخلد بن حسين ، عن عمرو بن مالك النكري ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، ( ينزع عنهما لباسهما (1) ) قال : « كان لباسهما الظفر (2) . فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما ، وترك الظفر تذكرة »
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 27
(2) الظفر : شيء يشبه ظفر الإصبع في بياضه وصفائه وكثَافته
(1/323)
________________________________________
306 - حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، قال : سمعت النضر بن إسماعيل ، قال : « قال الله : يا آدم عصيتني ، وأطعت إبليس ؟ قال : يا رب ، أقسم لي بك أنه لي ناصح ؛ وظننت أن أحدا لا يقسم بك كاذبا »
(1/324)
________________________________________
307 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا رباح ، أو غيره ، عن فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن ، قال : « بكى آدم حين أهبط من الجنة ثلاثمائة عام ، حتى جرت أودية سرنديب من دموعه »
(1/325)
________________________________________
308 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن مسعر ، عمن حدثه ، عن ابن سابط ، قال : « لو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء آدم حين أهبط من الجنة ، كان بكاء آدم عليه السلام أكثر »
(1/326)
________________________________________
309 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : « نزل آدم بالحجر يمسح به دموعه حين أهبط من الجنة ولم ترقأ عين آدم حين خرج من الجنة حتى رجع إليها »
(1/327)
________________________________________
310 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، قال : حدثت عن وهب بن منبه ، قال : « بكى آدم على الجنة حين أهبط منها ثلاثمائة عام ، لا يرقأ له دمع »
(1/328)
________________________________________
311 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن الهياج بن بسطام ، عن أشرس ، عن وهب ، قال : « بكى آدم على الجنة ثلاثمائة عام ، وما رفع رأسه إلى السماء بعدما أصاب الخطيئة »
(1/329)
________________________________________
312 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : « بكى آدم على خطيئته مائة سنة ، وما رفع رأسه إلى السماء بعد ذلك حياء من ربه »
(1/330)
________________________________________
313 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، قال : حدثنا الحارث بن عبيد الإيادي ، عن ، يزيد الرقاشي ، قال : « بكى آدم لما أهبط من الجنة ثلاثمائة سنة ، لا ترقأ له دمعه . فقال له بعض ولده : قد آذيت من في الأرض بطول بكائك . فقال : أنا أبكي على أصوات الملائكة حول العرش »
(1/331)
________________________________________
314 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جدي يحيى بن إسحاق البجلي قال : حدثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني ، عن يزيد الرقاشي ، قال : « لما طال بكاء آدم على الجنة ، قيل له في ذلك ، فقال : إنما أبكي على جوار ربي في دار تربتها طيبة ، فيها أصوات الملائكة »
(1/332)
________________________________________
315 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن المنكدر ، قال : « مكث آدم في الأرض أربعين سنة ما يبدي (1) عن واضحه ، وما ترقأ له دمعة . فقالت له حواء : قد استوحشنا إلى أصوات الملائكة ، ادع ربك أن يسمعنا أصواتهم قال : مازلت أستحيي من ربي أن أرفع رأسي إلى أديم (2) السماء مما صنعت »
__________
(1) أبدى : أظهر
(2) أديم السماء : ما يظهر من السماء
(1/333)
________________________________________
316 - حدثني محمد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال : « أهبط آدم من الجنة ، فبكى ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء ، ولا يلتفت إلى المرأة ، ولا يضع يده عليها »
(1/334)
________________________________________
317 - حدثني محمد ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : سمعت سفيان « ذكر آدم فقال : يقال إنه بكى على جبل الهند ثلاثمائة عام ، حتى صار في وجهه جدولان ، وما ضحك حتى أتاه الملك فقال : حياك الله وبياك »
(1/335)
________________________________________
318 - حدثني محمد ، قال : حدثني الهيثم بن خارجة ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، قال : « بكى آدم على الجنة ستين عاما »
(1/336)
________________________________________
319 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عمرو بن جرير ، عن بكر بن خنيس ، قال : قال وهب بن منبه : « مكث آدم منكفئا رأسه بعدما هبط من الجنة مائة عام ، لا ينظر إلى السماء ، ولا يرقأ (1) له دمع ، ينادي : إلهي غرتني حواء ، واستزلني إبليس ، واستحوذ علي البلاء (2) ، ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (3) ) فنودي : يا آدم قد غفر لك . فبكى بعد ذلك مائة عام استحياء (4) من ربه »
__________
(1) رقأ : سكن وجف وانقطع بعد جريانه
(2) البلاء : الاخْتِبار بالخير ليتَبَيَّن الشُّكر، وبالشَّر ليظْهر الصَّبْر
(3) سورة : هود آية رقم : 47
(4) استحيا : انقبض وانزوى
(1/337)
________________________________________
320 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا مجاشع بن عمرو التميمي ، قال : حدثنا رشدين بن سعد المهري ، عمن حدثه ، عن وهب بن منبه ، قال : « لما أهبط آدم إلى الأرض مكث لا يرقأ (1) له دموعه ، اطلع الله إليه في اليوم السابع وهو محزون كظيم منكس (2) رأسه ، فأوحى إليه : يا آدم ما هذا الجهد الذي أرى بك ؟ وما هذه البلية التي بك بلاؤها (3) ؟ قال آدم إلهي عظمت مصيبتي ، وأحاطت بي خطيئتي ، وأخرجت من ملكوت ربي ، فصرت في دار الهوان بعد الكرامة ، وفي دار الشقاء بعد السعادة ، وفي دار النصب (4) والعناء بعد الخفض والراحة ، وفي دار البلاء بعد العافية ، وفي دار الزوال والظعن (5) بعد القرار والطمأنينة ، وفي دار الموت والفناء بعد الخلد والبقاء ، فكيف لا أبكي على خطيئتي ؟ وكيف لا تحزن نفسي ؟ أم كيف لي أن أجتبر هذه المصيبة . فأوحي إليه : يا آدم ألم أصطنعك لنفسي ، وأحللتك داري ، واصطفيتك (6) على خلقي ، وخصصتك بكرامتي ، وألقيت عليك محبتي ، وحذرتك سخطي ؟ ألم أخلقك بيدي ، وأنفخ فيك من روحي ، وأسجد لك ملائكتي ؟ ألم تك في بحبوحة كرامتي ، ومنتهى رحمتي ، فعصيت أمري ، ونسيت عهدي (7) ، وتعرضت لسخطي ، وضيعت وصيتي ؟ فكيف تستنكر نقمتي ؟ فوعزتي لو ملأت الأرض رجالا ، كلهم يعبدونني ويسبحونني الليل والنهار ، لا يفترون (8) ، ثم عصوني ، لأنزلتهم منازل العاصين الآثمة الخاطئين قال : فبكى آدم عند ذلك ثلاثمائة عام على جبل الهند ، تجري دموعه في أودية جبالها . قال : فنبتت بتلك المدامع أشجار طيبكم هذا . قال : ثم خرج يؤم (9) البيت العتيق ، فجعل يخطو الخطوة ، فيكون موضع قدميه ذا مساكن وعمران ، وبينهما مفاوز وبراري ، حتى أتى البيت ، فطاف سبوعا (10) ، فبكى حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه . ثم صلى ، فبكى ساجدا حتى فاضت دموعه وجرت على الأرض . فنودي عند ذلك : يا آدم قد رحمت ضعفك ، وقبلت توبتك ، وغفرت ذنبك . فقال : لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فتب علي ، إنك أنت التواب الرحيم ، فاغفر لي فأنت خير الغافرين ، وارحمني فأنت خير الراحمين . قال : فمكث بعد ذلك لا يبدي (11) عن واضحه ، حتى أتاه الملك فقال : حياك الله يا آدم وبياك . قال : فضحك »
__________
(1) رقأ : سكن وجف وانقطع بعد جريانه
(2) نكس : خفض رأسه
(3) البلاء : الاخْتِبار بالخير ليتَبَيَّن الشُّكر، وبالشَّر ليظْهر الصَّبْر
(4) النصب : التعب والمشقة
(5) الظعن : الارتحال والسفر
(6) اصطفى : فضَّل واختار
(7) العهد : الميثاق والذمة والاتفاق الملزم لأطرافه والذي يستوثق به ممن تعاهده
(8) الفتور : الكسل والضعف
(9) أم : أراد وقصد
(10) السبوع : الطواف سبعة أشواط
(11) أبدى : أظهر
(1/338)
________________________________________
321 - حدثني محمد بن أبي حاتم الأزدي ، قال : حدثني سعد بن يونس بن أبي عمرو الشيباني ، عن عمران بن أبي الهذيل ، عن وهب بن منبه ، قال : « أوحى الله إلى آدم يا آدم ما هذه الكآبة (1) التي بوجهك ، والبلية التي قد أحاطت بك قال : خروجي من دار البقاء إلى دار الفناء ، ومن دار النعيم إلى دار الشقاء قال : ثم إن آدم سجد سجدة على جبل الهند مائة عام يبكي ، حتى جرت دموعه في وادي سرنديب فأنبت الله بذلك الوادي من دموع آدم الدارصيني ، والقرنفل ، وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ثم إن جبريل أتاه فقال : يا آدم ارفع رأسك ، فقد غفر لك فرفع رأسه ، ثم أتى البيت ، فطاف به سبوعا (2) ، فما أتمه حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه ثم أتى موضع المقام ، فصلى فيه ركعتين ، وبكى حتى جرت دموعه إلى الأرض » وكان محمد بن الحسين حدثني بهذا الحديث عن محمد بن يحيى ، ثم لقيت محمد بن يحيى فحدثني به
__________
(1) الكآبة : تغيُّر النَّفْس بالانكسار من شدّة الهمِّ والحُزن
(2) السبوع : الطواف سبعة أشواط
(1/339)
________________________________________
322 - حدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الله بن خالد ، عن أبي معشر ، عن المقبري ، وعن طلحة بن عمرو ، عن عطاء « أن آدم قام مائة عام يبكي ، حتى جرى من عينيه واديان ، يقال لأحدهما : أرفد ، والآخر بلجران . سباعهما النمور ، ورضراضهما (1) الدر والياقوت ، وشجرهما الألنجوج وكان تلك المائة عام جلسته جلسة الحزين ، يده تحت خده »
__________
(1) الرَّض : الدَّق الجَرِيشُ والكسر ، والرضاض ضغار الحصى المنكسر
(1/340)
________________________________________
323 - حدثني علي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا عبد الله بن خالد ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، قال : « لما أهبط آدم صفن على قدميه مائة عام يبكي على خطيئته ، حتى تأذت به الملائكة »
(1/341)
________________________________________
324 - حدثني علي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا عبد الله بن خالد ، عن أبي طالب ، خال أبي يوسف قال : « ناداه الله : يا آدم أي جار كنت لك ؟ قال : سيدي نعم الجار كنت لي قال : اخرج من جواري وسلبه تاجه وحليه »
(1/342)
________________________________________
325 - حدثني يعقوب بن إسحاق بن دينار ، قال : حدثنا معاذ العنبري ، عن ابن السماك ، قال : حدثني عمر بن ذر ، عن مجاهد « أن آدم ، لما أكل من الشجرة تساقط عنه جميع زينة الجنة ، فلم يبق عليه شيء من زينتها إلا التاج والإكليل وجعل لا يستتر بشيء من ورق الجنة إلا سقط عنه فالتفت إلى حواء باكيا وقال : استعدي للخروج من جوار الله ، هذا أول شؤم المعصية . قالت : يا آدم ما ظننت أحدا يحلف بالله كاذبا ، وذلك أن إبليس لما قاسمهما على الشجرة ، وانطلق آدم في الجنة هاربا استحياء (1) من رب العالمين ، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها ، ظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس (2) رأسه يقول : العفو العفو . فقال الله : يا آدم فرارا مني ؟ قال : بل حياء منك سيدي . فأوحى الله إلى الملكين : أخرجا آدم وحواء من جواري ، فإنهما قد عصياني . فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه . قال مجاهد فلما أهبط من ملكوت القدس إلى دار الجوع والمسغبة ، بكى على خطيئته مائة سنة . قد رمى برأسه على ركبتيه حتى نبتت الأرض عشبا وأشجارا من دموعه ، حتى يقع الدمع في نقر الجلاهم وأقعيتها . فمر به نسر عظيم قد أجهده العطش ، فشرب من دموع آدم وأنطق الله النسر فقال : يا آدم إني في هذه الأرض قبلك بألفي عام ، وقد بلغت شرق هذه الأرض وغربها ، وشربت من بطون أوديتها ، وغدران جبالها ، وسيف بحارها ، ما شربت ماء أعذب ولا أطيب رائحة من هذا الماء . قال آدم ويحك يا نسر أتعقل ما تقول ؟ من أين تجد عذوبة دمع من عصى ربه ، وجرى على خدين عاصيين ؟ وأي دمع أمر من دمع عاص ؟ ولكن أظن بك أيها النسر أنك تعيرني لأني عصيت ربي ، فأزعجت من دار النعمة إلى دار البؤس والمسكنة . فقال النسر : يا آدم أما ما ذكرت من التعيير ، فما أعيرك ، ولكن هكذا وجدت طعم دموعك . وأي دمع أعذب من دمع عبد عصى ربه ، وذكر ذنبه ، فوجل قلبه ، وخشع جسمه ، وبكى على خطيئته خوفا من ربه »
__________
(1) استحيا : انقبض وانزوى
(2) نكس : خفض رأسه
(1/343)
________________________________________
326 - وحدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن سالم ، قال : سمعت علي بن أبي طلحة ، يقول : « إن أول شيء أكله آدم حين أهبط إلى الأرض الكمثرى . وأنه لما أراد أن يتغوط (1) أخذه من ذلك كما يأخذ المرأة للولادة . فذهب شرقا وغربا ، لا يدري كيف يصنع ، حتى نزل إليه جبريل عليه السلام ، فأقعى (2) له آدم فخرج ذلك منه . فلما وجد ريحه ، مكث يبكي سبعين سنة »
__________
(1) تغوَّط : تبرَّز
(2) الإقْعاء : أن يُلْصِقَ الرجُل ألْيَتَيه بالأرض، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يديه على الأرض كما يُقْعِي الكلْب. وقيل : هو أن يضع ألْيَتَيه على عَقِبَيْه بين السجدتين. والقول الأوّل.
(1/344)
________________________________________
327 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبد الله بن فرج ، عن فتح الموصلي ، قال : « قال آدم لابنه : بني ، كنا نسلا من نسل السماء ، خلقنا كخلقهم ، وغذينا بغذائهم ، فسبانا عدونا إبليس بالخطيئة ، فليس لنا فرج ولا راحة إلا الهم والعناء والنصب ، حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها »
(1/345)
________________________________________
328 - وحدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن الفرج ، عن فتح الموصلي ، قال : قال آدم لابنه : « طال والله حزني على دار خرجت منها ، فلو رأيتها لزهقت نفسك »
(1/346)
________________________________________
بكاء نوح صلى الله عليه وسلم
(1/347)
________________________________________
329 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا وهيب بن الورد ، قال : « لما عاتب الله نوحا في ابنه ، فأنزل عليه : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين (1) ) بكى ثلاثمائة عام ، حتى صار تحت عينيه أمثال الجداول (2) من البكاء »
__________
(1) سورة : هود آية رقم : 46
(2) الجدول : النهر الصغير
(1/348)
________________________________________
330 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو معمر التنوري ، قال : حدثني ربيع أبو محمد ، عن يزيد الرقاشي ، قال : « إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان نواحا »
(1/349)
________________________________________
بكاء داود صلى الله عليه وسلم ونوحه
(1/350)
________________________________________
331 - حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا المطلب بن زياد ، قال : سمعت السدي ، يقول : « إن الشيطان أتى داود صلى الله عليه وسلم وهو في المحراب ، في صورة حمامة من ذهب ، لها جناحان من لؤلؤ ، حتى وقع على باب المحراب . فنظر إليها داود ، فطارد حتى أشرف على تلك المرأة وهي في البستان تغتسل ، فلما رأته أرخت شعرها فجللها . فسأل عنها ، فأخبر أن زوجها غاز . فبعث داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا في وجه كذا فبعثه ، ففتح عليه . فكتب : ابعثه إلى التابوت (1) وكل من بعث إلى ذلك الوجه قتل ولم يرجع . فقتل » قال مطلب : فحدثني ليث بن أبي سليم أو غيره قال : أتاه الملكان في صورة رجلين معتمين ، ففزع منهما ، فقصا عليه الآية في كتاب الله ، فقال لهما داود كذاك ؟ قالا : نعم قال : إذا نضرب هنا . يعني الأنف واللحية والجبين . فقالا : أنت أحق أن تضرب ، وطارا . فعرف داود فخر أربعين صباحا ساجدا ، حتى نبت العشب من دموعه . فأوحى الله إليه : أجائع فأطعمك ، أم مظلوم فأنصرك ؟ قال : فشهق شهقة احترق العشب فأوحى الله إليه : إني قد غفرت لك ، فارفع رأسك . قال : كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل ؟ قال : أغفر له وأطلب إليه يهبك لي قال : الآن علمت أنك قد غفرت لي
__________
(1) التابوت : الصندوق الذي يحفظ فيه المتاع
(1/351)
________________________________________
332 - حدثني فضيل بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء عن سعيد ، عن قتادة ، قال : « خر (1) ساجدا أربعين يوما ، فقال : ارفع رأسك فقد غفرت لك . قال : كيف وأنت الحكم العدل ؟ قال : أقضي له ، وأستوهبه ذنبك ، ثم أثيبه حتى يرضى قال : الآن طابت نفسي ، وعلمت أنك قد غفرت لي قال : وهي أم سليمان »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(1/352)
________________________________________
333 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : « كان داود يصلي في المحراب وحوله ثلاثون ألفا يحرسونه فتسور (1) عليه رجلان المحراب ، ففزع منهما ، فقالا : ( لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق (2) ) إلى قوله : ( وخر راكعا وأناب (3) ) فسجد أربعين ليلة يبكي ، حتى نبت حوله من العشب ما غطى رأسه . فقال : يا رب قرح جبيني ، ولا أرى خطيئتي تذكر . قال : يا داود ، أجائع فتطعم ، أم عطشان فتسقى ، أم عار فتكسى ؟ قال : فنحب نحبة هاج ما حوله . أي : يبس »
__________
(1) تسور : تسلق وصعد
(2) سورة : ص آية رقم : 22
(3) سورة : ص آية رقم : 24
(1/353)
________________________________________
334 - حدثنا إسحاق ، حدثنا سفيان ، عن مسعر ، عمن حدثه ، عن ابن سابط ، قال : « لو عدل بكاء داود ببكاء أهل الأرض بعد آدم ، لعدل بكاء داود صلى الله عليه وسلم ببكاء أهل الأرض »
(1/354)
________________________________________
335 - حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن عطاء الخراساني : « أن داود نقش خطيئته في كفه لكي لا ينساها . وكان إذا رآها اضطربت يداه »
(1/355)
________________________________________
336 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثني صاحب لنا ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا شبل بن عباد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : « سأل داود ربه أن يجعل خطيئته في كفه . فكان لا يتناول طعاما ، ولا شرابا ، ولا يمد يده إلى شيء إلا أبصر خطيئته فأبكاه قال : فكان ربما أتي بالقدح ثلثاه ماء فيهريقه (1) يتناوله ، فينظر إلى خطيئته ، ولا يضعه على شفته حتى يفيض (2) من دموعه »
__________
(1) يهريق : يريق ويسيل ويسكب
(2) يفيض : يسيل ويسكب
(1/356)
________________________________________
337 - حدثني إسحاق ، قال : حدثني صاحب لنا ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن مثل عيني داود صلى الله عليه وسلم كالقربتين تنطفان (1) ماء ، ولقد كانت الدموع خددت في وجهه كأخدود الماء في الأرض »
__________
(1) تنطف : يقطر منها
(1/357)
________________________________________
338 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن يونس بن خباب ، قال : « خر (1) داود أربعين يوما ساجدا ، حتى نبت العشب حوله » قال : يا رب « قرح الجبين ، ورقأ الدمع ، ولا أرى خطيئتي تذكر فقيل له : يا داود أجائع فتطعم ، أم ظمآن فتسقى ، أم مظلوم فتنصر ؟ قال : فنحب نحبة هاج ما هناك قال : فغفر له عند ذلك »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(1/358)
________________________________________
339 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثني صاحب لنا ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا بكار بن عبد الله ، عن وهب بن منبه ، قال : « لم يرفع رأسه ، حتى قال له الملك : أول أمرك ذنب ، وآخره معصية ؟ قال : فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب شرابا إلا مزجه بدموعه ، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه ، ولا يضطجع على فراش إلا أغراه ، أو أعراه شك ابن المبارك بدموعه فانهرم . فكان لا يدفئه لحاف »
(1/359)
________________________________________
340 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبد الصمد بن حسان البرجلاني ، قال : حدثنا السري بن يحيى ، عن سليمان التيمي ، قال : « سجد داود أربعين ليلة ، حتى دبرت جبهته (1) ، ودبرت ركبتاه ، ونبت العشب من دموع عينيه . قال : فأخذ في نحو من الدعاء فقال : يا رب لو شئت حجزتني عن الخطيئة فلما رأى أنه لا يستجاب له ، أخذ في نحو من النياحة (2) . قال : فرحمه الله وقيل له : يا داود ارفع رأسك فقد غفر لك . قال : يا رب كيف تغفر لي وأنت حكم عدل ؟ فقيل له : أستوهب فلانا ظلمك إياه ، فيهبه لي ، فأغفره لك ، ثم أعطيه من قبلي حتى يرضى . فقال : يا رب الآن علمت أنك قد غفرت لي . فرفع رأسه »
__________
(1) الجبهة : ما بين الحاجبين إلى الناصية
(2) النياحة : البكاء بجزع وعويل
(1/360)
________________________________________
341 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عبد الصمد بن حسان ، قال : حدثنا السري بن يحيى ، عن سليمان التيمي ، قال : « ما زال يرعد بعد ذلك حتى فارق الدنيا . وما وصل إلى أنثى بعد ذلك ، وما شرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه »
(1/361)
________________________________________
342 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير ، يقول : « خر (1) داود أربعين ليلة ساجدا يبكي ، فرفع رأسه وما في جبينه لحاذة من لحو »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(1/362)
________________________________________
343 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا إبراهيم بن هارون بن أبي عياش الصنعاني ، عن سليمان أظنه ابن قيمر قال : سمعت وهب بن منبه ، يقول : « كتب داود في كفه : داود الخطاء »
(1/363)
________________________________________
344 - حدثني محمد ، قال : حدثني الحميدي ، عن سفيان ، قال : « كان يقال : إن داود نقش في كفه خطيئته فكان إذا رآها اضطربت يداه وهاجت دموعه » قال الحميدي : وذكر سفيان مرة أخرى فقال : « ضاق صدر داود بالخطيئة حتى نقشها في كفه ، فكان إذا نظر إليها صرخ كما تصرخ الثكلى »
(1/364)
________________________________________
345 - حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد بن سهل الأردني ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن مجاهد ، قال : « نقش داود خطيئته في كفه لكي لا ينساها ، فكان إذا رآها اضطربت كفه »
(1/365)
________________________________________
346 - حدثني محمد ، قال : حدثني أحمد بن سهل ، قال : حدثني أبو قدامة الرملي ، قال : « بلغني أن داود ، قال : نصبت خطيئتي نصب عيني ، لكي لا أغفل عنها فأقع في غيرها »
(1/366)
________________________________________
347 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، عن ابن أبي رواد ، قال : « سجد داود حتى دبرت جبهته وكفاه وركبتاه ، وبكى وهو ساجد حتى نبت العشب من دموع عينيه ، فكان ينادي : يا رب فيقال له : أجائع فتطعم ؟ أم ظمآن فتسقى ؟ أم عار فتكسى ؟ ولا يذكر بخطيئته فكان يزفر الزفرة يهيج (1) العود من العشب ، فيحترق ويحرق ما حوله من العشب »
__________
(1) هاج : ثار
(1/367)
________________________________________
348 - حدثني محمد ، قال : حدثنا المغيرة بن محمد ، قال : حدثنا أبو . . الصنعاني ، عن وهب بن منبه ، قال : « كان داود عليه السلام يبكي حتى يبل ما بين يديه من دموعه ، ويبكي حتى ينبت العشب من دموعه ، ثم يبكي حتى تنقطع قوته »
(1/368)
________________________________________
349 - حدثني محمد ، قال : حدثنا موسى بن عيسى ، قال : حدثني محمد بن شعيب ، عن مجشر بن الحر الحميري ، عن وهب ، قال : « كان داود إذا قام إلى الصلاة ، فرفع صوته ، بكى قائما حتى تجري دموعه إلى الأرض ، ثم يركع ، فيبكي راكعا حتى تسيل دموعه إلى الأرض ، فإذا سجد سجد على . . »
(1/369)
________________________________________
350 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا عمار بن كلثوم اليماني ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، قال : « كان لداود حشية محشوة بالرماد يصلي عليها ، فكان يسجد ، فيبكي حتى يبتل موضع سجوده . ثم تغلبه الدموع ، فتجري حتى تبتل الحشية من تحته وكان ينادي في سجوده : قرح الجبين ، وجفت الدمعة ، وخطيئتي لم تغفر فقيل له : يا داود أظمآن فتسقى ؟ أجائع فتطعم ؟ أعار فتكسى ؟ قال : فازداد بكاء على بكائه ، وأخذ في الأنين عند منقطع (1) النحيب قال : فعند ذلك رحم ، فغفر له »
__________
(1) منقطع الشيء : آخره ومنتهاه
(1/370)
________________________________________
351 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، وغيره ، عن سيار بن حاتم ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت : أن داود حشا سبعة فرش بالرماد ، ثم بكى حتى أنفذ بها دموعه
(1/371)
________________________________________
352 - وحدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الله بن خالد ، عن عمر بن ذر ، عن أبيه قال : « لما تاب الله على داود ، جعل يوما لقضائه ، ويوما لنسائه ، ويوما لبكائه . وأمر بفرش مسوح (1) فقطعت وحشيت له بالرماد ، وكتب خطيئته في كفه لئلا ينساها . فكان إذا استسقى فأخذ . . فنظر إلى خطيئته بكى حتى يملأ إناءه . وخلط طعامه بالرماد ، فكان يجلس يوم بكائه على فرشه ، وينزل إليه أربعة آلاف عابد يبكون معه ، فكان يبكي حتى يبل فراشه ، وتصل دموعه إلى الأرض تحت فرشه »
__________
(1) المسوح : جمع مِسْح ، وهو كساء غليظ من الشعر
(1/372)
________________________________________
353 - حدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا عبد الله بن خالد ، عن أبي سعيد ، « أن داود ، دعا غلاما له يقال له شمعون ، فنزع عنه ثياب الملك ، وألبسه خوذيا ، وربط وسطه بشريط وقال : قدني الآن كما يقاد المريب إلى العقوبة قال : فقاده إلى المحراب فخر ساجدا »
(1/373)
________________________________________
354 - حدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا الوليد ، عن أبي العاتكة ، قال : كان من قول داود : « سبحان خالق النور إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها . وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي . سبحان خالق النور إلهي خرجت أسأل أطباء عبادك أريد أن يداووا خطيئتي ، فكلهم عليك يدلني »
(1/374)
________________________________________
355 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، وغيره قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا ثابت البناني ، عن صفوان بن محرز ، قال : كان لداود يوم يتأوه فيه فيقول : « أوه من عذاب الله أوه من عذاب الله قبل ألا أوه » قال : فذكرها صفوان في مجلسه ذات يوم ، فغلبه البكاء ، فقام
(1/375)
________________________________________
356 - حدثنا إسحاق ، وغيره قال : حدثنا أبو هلال ، عن ثابت البناني ، قال : « كان داود إذا ذكر عذاب الله تخلعت أوصاله (1) ، لا يشدها إلا الأسر ، فإذا ذكر رحمة الله تراجعت »
__________
(1) الأوصال : المفاصل والأعضاء
(1/376)
________________________________________
357 - حدثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا ثابت ، قال : « كان داود يذكر ذنوبه ، فيخاف الله منها خوفا تفرج أعضاؤه من مواضعها . ثم يذكر عائدة الله ورأفته على أهل الذنوب ، فيرجع كل عضو إلى مكانه »
(1/377)
________________________________________
358 - حدثنا خلف بن هشام ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن الجريري ، عن أبي عطاف ، قال : « كان داود إذا أخذ الإناء بيده ليشرب ، بكى حتى يفيض (1) الإناء من دموعه »
__________
(1) يفيض : يسيل
(1/378)
________________________________________
359 - حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : « كان داود صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء ليشرب فما يشرب إلا ثلثه ، أو نصفه ، ثم يذكر خطيئته ، فينتحب النحبة تكاد مفاصله يزول بعضها من بعض ، ثم ما يتمه حتى يملأه من دموعه »
(1/379)
________________________________________
360 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني أبو عمر الصفار ، عن حوشب ، ومالك بن دينار ، عن الحسن ، قال : « لما أصاب داود الخطيئة كثر بكاؤه حتى فسدت فرشه ، فأمر عليه السلام ، فجعل حشو فرشه الرماد . وكان قد أمر صاحب شرابه ألا يأتيه بشرابه إلا نصف الإناء ، فكان إذا أتاه به وضعه علي راحته ثم يذكر خطيئته فيبكي حتى يمتلئ الإناء ويفيض من الدموع فوق الإناء ، ثم يشرب »
(1/380)
________________________________________
361 - حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن إسماعيل بن عبيد ، قال : « كان داود إذا عوتب في كثرة البكاء قال : دعوني أبك قبل يوم البكاء ، قبل احتراق العظام واشتعال اللحى ، قبل أن يؤمر بي ملائكة غلاظ (1) شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون »
__________
(1) غلاظ : أقوياء أشداء فيهم غلظة وحدة
(1/381)
________________________________________
362 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثني مختار أبو عبد الله ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن بعض إخوانه : أن داود كان مما يذكر خطيئته فيضيق بها ، ويخرج من جبال بيت المقدس سائحا ، فيخرج إليه عباد بني إسرائيل من الغيران كأنهم الشنان ، فيقول داود : « إليكم إليكم ، إنما أريد كل خطاء يبكي على خطيئته » قال : فيتبعونه ، ويبكون ببكائه
(1/382)
________________________________________
363 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا فرج بن فضالة ، قال : حدثنا أبو هريرة ، عن صدقة ، عن ابن عباس ، قال : « كانت لداود سجدة في آخر الليل ، يبكي فيها ، فإذا كان ذلك ، لم تبق دابة في بر ولا بحر إلا أنصتن له ، يستمعن صوته ويبكين »
(1/383)
________________________________________
364 - حدثني محمد ، قال : حدثنا الحسين بن موسى ، قال : حدثنا عامر بن يساف ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : « لما أصاب داود الخطيئة ، نفرت (1) الوحش من حوله ، فنادى : إلهي رد علي الوحش كي آنس بها فرد الله عليه الوحش ، فأحطن به ، وأصغين (2) بأسماعهن نحوه . قال : ورفع صوته يقرأ الزبور ، والبكاء على نفسه ، فنادينه : هيهات هيهات يا داود ، ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك »
__________
(1) نفر من المكان : تركه إلى غيره ، والمراد : هربت وتفلتت
(2) أصغى : أحسن الاستماع
(1/384)
________________________________________
365 - حدثني محمد ، قال : حدثنا عمرو بن جرير ، قال : حدثنا بكر بن خنيس ، عن أبي سعيد ، عن وهب بن منبه في قوله : ( يا جبال أوبي معه (1) ) قال : « نوحي معه ، والطير تسعدك على ذلك » فكان إذا نادى بالنياحة (2) أجابته الجبال بصداها ، وعكفت الطير عليه من فوقه ، قال : فصدى الجبال الذي تسمعه من ذاك
__________
(1) سورة : سبأ آية رقم : 10
(2) النياحة : البكاء بجزع وعويل
(1/385)
________________________________________
366 - حدثني محمد ، قال : حدثنا الحسين بن موسى ، قال : حدثنا عباة بن كليب الليثي ، عن أبي إسحاق اليماني ، عن وهب بن منبه ، قال : « كان داود إذا قرأ تصرعت الطير حوله ، ووقفت المياه التي تجري ، لحسن صوته ، وكان يبكي حتى ينبت العشب حوله »
(1/386)
________________________________________
367 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا موسى بن عيسى ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال : « بلغني أن داود كان إذا رفع صوته عكفت الوحوش والسباع حول محرابه (1) ، حتى يموت بعضها هزلا قبل أن يفارقه »
__________
(1) المحراب : الموضع العالي المشرف المنعزل المعد للعبادة
(1/387)
________________________________________
368 - حدثني محمد ، قال : حدثنا موسى بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن شعيب ، عن مجشر بن الحر الحميري ، عن وهب بن منبه قال : « كان داود عليه السلام إذا رفع صوته بالزبور ، لم يسمعه شيء إلا حجل » قال محمد : فقلت لمجشر : ما حجل ؟ قال : كهيئة الرقص
(1/388)
________________________________________
369 - حدثني محمد ، قال : حدثني موسى بن عيسى ، قال : حدثنا المهلب بن عثمان الأزدي ، عن محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، قال : « كان داود إذا رفع صوته بقراءة الزبور ، تركت الطير أوكارها ، ثم عكفت عليه حول محرابه (1) حتى تصرع من قراءته . وكان يبكي حتى تجري دموعه على الأرض ، وكان إذا أتي بالشراب بكى حتى يمزج شرابه بدموعه »
__________
(1) المحراب : الموضع العالي المشرف المنعزل المعد للعبادة
(1/389)
________________________________________
370 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن راشد ، قال : سمعت مضر قال : « كان داود إذا قرأ ، ماتت الوحوش هزلا حول محرابه (1) ، من حسن صوته »
__________
(1) المحراب : الموضع العالي المشرف المنعزل المعد للعبادة
(1/390)
________________________________________
371 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن راشد قال : سمعت قثم ، قال : « كان داود إذا قرأ تركت الطير أوكارها ، وتركت الوحوش أوطانها ، حتى تحيط به قال : فربما موتت هزلا من قراءته »
(1/391)
________________________________________
372 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا عبد الجليل بن عطية ، قال : سمعت شهر بن حوشب يقول : « كان داود يسمى النواح »
(1/392)
________________________________________
373 - حدثني محمد ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، وغيره ، عن سعيد بن إبراهيم الأموي ، عن محمد بن خوات « أن داود لما أطال البكاء على نفسه قيل له : اذهب إلى قبر زوج المرأة ، فاستوهب ما صنعت فأتى القبر ، وأذن الله لصاحب القبر أن يتكلم ، فنادى : يا أوريا أنا داود لك عندي مظلمة . قال : قد غفرتها لك . فانصرف وقد طابت نفسه . فأوحي إليه أن ارجع فبين له الذي صنعت . فرجع ، فأخبره ، فناداه صاحب القبر : يا داود هكذا تفعل الأنبياء ؟ »
(1/393)
________________________________________
374 - حدثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا أبو عمران الجوني ، قال : « قال داود » إلهي أصبح عدوك الشيطان يعيرني ، يقول : يا داود أين كان ربك حين واقعت الخطيئة ؟ «
(1/394)
________________________________________
375 - حدثني محمد ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا معاذ بن زياد التميمي قال : « لما أصاب داود الخطيئة ، جعل يفزع إلى العباد ، فيبكى إليهم في رءوس الجبال ويبكون إليه فأتى على رجل منفردا ، فناداه : أنا داود نبي الله ، صاحب الخطيئة ، أو ما بلغك أيها الرجل ؟ فبكى الرجل بكاء شديدا ، ثم قال : يا داود قد بلغت خطيئتك إلى العظاءة في جحرها ، فكيف لم تبلغ بني إسرائيل ؟ فبكى داود ، وخر (1) ساجدا . فلم يزل يبكي حتى نبت العشب من دموعه »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(1/395)
________________________________________
376 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار : في قوله : ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب (1) ) قال : « إذا كان يوم القيامة ، أمر بمنبر رفيع ، فوضع في الجنة ، ثم نودي : يا داود مجدني بذاك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا قال : فيستفرغ صوت داود جميع نعيم الجنان . فذلك قوله : ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) »
__________
(1) سورة : ص آية رقم : 25
(1/396)
________________________________________
377 - حدثني محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : « لما أصاب داود الخطيئة ، اعتزل (1) النساء ، ولزم العبادة ، حتى سقط »
__________
(1) اعتزل : من العزلة وهي البعد والتنحي والهجر
(1/397)
________________________________________
378 - حدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن السري بن يحيى ، عن سليمان التيمي قال : « لم يجامع داود امرأة بعد الذي كان منه »
(1/398)
________________________________________
379 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثنا مختار أبو عبد الله ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا أبو عمرو يعني الأوزاعي قال : « كان داود إذا بكى نفسه عكفت الوحوش حوله ، حتى يموت بعضها هزلا »
(1/399)
________________________________________
380 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثنا مختار ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا عثمان بن أبي العاتكة قال : كان داود يقول : « رب اغفر للخطائين ، كيما يغفر لداود معهم سبحان خالق النور إلهي أخطأت خطيئة قد خفت أن يجعل حصادها يوم القيامة عذابك ، إن لم تغفرها لي . سبحان خالق النور إلهي خرجت أسأل أطباء عبادك أن يداووا لي خطيئتي ، فكلهم عليك يدلني »
(1/400)
________________________________________
381 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، يذكر عن مجاهد قال : « لما أصاب داود الخطيئة ، خر (1) لله ساجدا أربعين يوما ، حتى نبت من دموع عينيه من البقل (2) ما غطى رأسه ، فنادى : رب قرح الجبين ، وخمدت العين ، وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء فنودي : أجائع فتطعم ؟ أم مريض فتشفى ؟ أم مظلوم فتنصر ؟ قال : فنحب نحبة هاج ما حوله . فعند ذلك تيب (3) عليه . قال : وكانت خطيئته في كفه يقرؤها قال : وكان يؤتى بالإناء ليشرب ، فما يشرب إلا ثلثه ، أو نصفه ، ثم يذكر خطيئته ، فينتحب النحبة ، تكاد مفاصله يزول بعضها من بعض . ثم ما يتمه حتى يملأه من دموعه قال : وكان يقال : إن دمعة داود تعدل دمعة الخلائق ، ودمعة آدم تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(2) البقل : نبات عشبي يتغذى به الإنسان دون أن يصنع ، والمعنى كناية عن كثرة دموعه
(3) تِيب على فلان : قبل الله رجوعه وإنابته وعاد عليه بالمغفرة
(1/401)
________________________________________
382 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا مسعر ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن سابط ، قال : « لو عدل بكاء الخلائق ببكاء داود حين أصاب الخطيئة لعدله ، ولو عدل بكاء الخلائق وبكاء داود ببكاء آدم حين أخرج من الجنة لعدله »
(1/402)
________________________________________
383 - حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم ، قال : حدثنا سعد بن يونس بن أبي عمرو الشيباني ، عن عمران بن أبي الهذيل ، عن وهب بن منبه قال : « لما أصاب داود الخطيئة قال : رب اغفر لي . قال : قد غفرت لك ، وألزمت عارها بني إسرائيل قال : كيف يا رب وأنت الحكم العدل لا تظلم أحدا ؟ أعمل أنا الخطيئة ، وتلزم عارها بغيري فأوحى الله إليه : إنك لما اجترأت (1) علي بالمعصية ، لم يعجلوا عليك بالنكرة »
__________
(1) اجترأ : تشجع وأقدم
(1/403)
________________________________________
384 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، قال : حدثنا عبد الغفور ، عن همام ، عن كعب ، قال : « كان داود يختار مجالسة المساكين على غيرهم ، ويكثر البكاء ، ثم يقول : رب اغفر للمساكين والخطائين كي تغفر لي معهم ، وكان قبل ذلك يدعو على الخطائين »
(1/404)
________________________________________
385 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، قال : حدثنا عبد الغفور ، عن همام ، عن كعب قال : قال داود : « رب لا أنسى خطيئتي ، كي أحزن وأبكي عليها ، وأستغفرك منها »
(1/405)
________________________________________
386 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا موسى بن عيسى ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جريج ، عن عبيد بن عمير قال : « كان داود يردد صوته إذا قرأ ، يريد بذلك أن يبكي ويبكي »
(1/406)
________________________________________
387 - حدثني محمد ، قال : حدثني عمر بن حفص العدني ، قال : حدثنا أصحابنا الصنعانيون ، عن وهب قال : « لما أصاب داود الخطيئة ، جعل يخرج إلى البراري فيبكي وتبكي الوحوش معه . ثم يرجع إلى بني إسرائيل ، فيبكي ، فيبكون معه ، ثم يرجع إلى أهله ، فيبكي ، ويبكون معه ، فلما طال ذلك عليه ، لا يرجع إليه بشيء ، خر (1) ساجدا ، فبكى حتى نبت البقل (2) من دموعه . ثم نحب ، فهاج العود ، فاحترق من زفيره ، فنودي : يا داود أمظلوم فتنصر ؟ أعار فتكسى ؟ أظمآن فتسقى ؟ أجائع فتطعم ؟ قال : لا ، ولكن أوبقتني خطيئتي . قال : فلم يرجع إليه بشيء . فجعل يئن (3) في سجوده عند آخر بكائه ، ثم انقطع صوته ، فكان لا يسمع له إلا شبه الأنين الخفي ، قال : فعند ذلك رحم »
__________
(1) خر : سقط وهوى بسرعة
(2) البقل : نبات عشبي يتغذى به الإنسان دون أن يصنع ، والمعنى كناية عن كثرة دموعه
(3) الأنين : البكاء بصوت فيه حنين وحرقة
(1/407)
________________________________________
388 - حدثني محمد ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، قال : حدثنا عامر بن يساف ، عن رجل من أهل مكة ، عن وهب بن منبه قال : « لم يزل داود يبكي حتى أوت له الوحش ، وعكفت عليه الطير ، فعند ذلك نادي : إلهي قد ضاقت علي الأرض برحبها من عظم ما أتيت إلى نفسي . إلهي قد قرح الجبين ، وحني الصلب (1) ، وغاضت الدموع ، وخطيئتي لم تغفر لي قال : فجعل ينوح على هذا ونحوه . قال : فعند ذلك رحم »
__________
(1) الصلب : الظهر
(1/408)
________________________________________
389 - حدثني محمد ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن عبد ربه صاحب الحرير ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : « مكث داود أربعين يوما ساجدا يبكي على خطيئته ، حتى نبت البقل (1) من دموعه . ثم زفر (2) زفرة (3) فهاج العود . قال : فنودي : أظمآن فتسقى ؟ أجائع فتطعم ؟ أعار فتكسى ؟ قال : فلم يرجع إليه بشيء . فازداد بكاء حتى انقطع صوته ، فكان لا يسمع له إلا كهيئة الأنين . فعند ذلك غفر له »
__________
(1) البقل : نبات عشبي يتغذى به الإنسان دون أن يصنع ، والمعنى كناية عن كثرة دموعه
(2) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه
(3) زفرت النار : سُمِعَ لاتقادها صوت
(1/409)
________________________________________
390 - حدثني محمد قال : حدثنا إبراهيم الطويل قال : حدثنا أحمد بن أبي الحواري الدمشقي قال : حدثنا عبد العزيز بن عمر قال : لما أصاب داود الخطيئة ، نقص حسن صوته . فكان يقول : « بح صوتي في صفاء أصوات الصديقين »
(1/410)
________________________________________
391 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا المغيرة بن محمد قال : حدثنا بكر بن خنيس ، عن أبي عبد الله الشامي قال : لما أصاب داود الخطيئة ، جعل يبكي إلى بني إسرائيل ويبكون إليه ، ثم يخرج إلى البرية ، فيبكي إلى الوحوش وتبكي إليه ، ثم ينوح على نفسه ، فتعكف عليه الطير ، فتبكي لبكائه ثم تضيق به خطيئته ، فيسيح في الجبال ، فينادي : إليك رهبت إلهي من عظيم جرمي (1) . فلا يزال كذلك حتى يمسي ، فيرجع إلى أهله ، فيدخل بيت عبادته ، فلا يزال مصليا ، باكيا ، ساجدا . قال : فأتاه ابن له صغير ، فناداه : يا أبتاه هجم الليل ، وأفطر الصائمون . فقال : يا بني إن أباك ليس كما كان يكون إن أباك قد وقع في أمر عظيم إن أباك عنك وعن عشائك مشغول . قال : فرجع الغلام باكيا إلى أمه ، فجاءت المرأة فقالت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي ، قد جاء الليل ، وحضر فطر الصائم ، ألا نأتيك بطعامك ؟ قال : فناداها من وراء الباب : وما يصنع داود بالطعام بعد ركوب الخطيئة ؟ فلم يزل على هذا ، حتى غفر له
__________
(1) الجرم : الإثم والذنب
(1/411)
________________________________________
392 - حدثني محمد قال : حدثني إبراهيم بن بكر الشيباني قال : حدثنا الهيثم بن جماز البكاء ، عن يزيد الرقاشي ، قال : كان داود إذا بكى تصرعت الطير حوله رحمة له من طول بكائه وكان ينوح على نفسه ، ويجول في البراري ، يقول : إلهي خطيئتي خطيئتي ، لم تقر بي الأرض برحبها ، إلهي إلهي ، خطيئتي خطيئتي فكان يجول ويبكي
(1/412)
________________________________________
393 - حدثني محمد قال : حدثنا إسماعيل بن زياد ، عن عامر بن يساف ، عن مالك بن دينار قال : كان داود إذا ذكر الخطيئة في الليل ، خرج حتى ينظر إلى السماء ، ثم يبكي ويقول : إليك رفعت رأسي يا ساكن السماء ، نظر العبيد إلى أربابها يا عامر السماء . ثم لا يزال يبكي حتى يصبح
(1/413)
________________________________________
394 - حدثني محمد ، قال : حدثني يحيى بن راشد قال : حدثني نعيم بن مورع ، عن رجل من بني تميم ، عن الحسن ، قال : « كان بكاء داود بعدما غفرت له الخطيئة ، أكثر من بكائه قبل المغفرة . فقيل له : أليس قد غفر لك يا نبي الله ؟ قال : فكيف بالحياء من الله ؟ »
(1/414)
________________________________________
395 - حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم قال : حدثنا الحسين بن محمد قال : حدثني عمر ، عن مالك بن دينار قال : كان داود يقول : « أيها الناس النساء شجرة مرة ، فإذا مررن بكم فغضوا أعينكم ، واذكروا معادكم كي لا تقعوا فيما وقع فيه داود الخاطئ سبحان خالق النور . وكان يقول : رب أمد عيني بالدموع ، وجبهتي بالسجود ، وركبتي بالركوع ، وضعفي بالقوة ، حتى أبلغ رضاك عني . سبحان خالق النور »
(1/415)
________________________________________
396 - حدثني محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، قال : سمعت النضر بن شميل ، قال : سمعت الهيثم بن جماز قال : « كان لداود سبعة أفرشة حشوها ليف ، فيقعد عليها كل سبعة أيام مرة ، وحوله ثلاثمائة بكاء ، فيبكي حتى تصل دموعه إلى الأرض »
(1/416)
________________________________________
بكاء يحيى بن زكريا صلى الله على محمد وعليه وسلم
(1/417)
________________________________________
397 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني حاتم بن عبيد بن أبي حوثرة ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمرو قال : كان يحيى بن زكريا يبكي حتى بدت (1) أضراسه ، فقالت له أمه : لو أذنت لي يا بني حتى أتخذ لك قطعتين من لبود ، فأواري بهما أضراسك عن الناظرين فقال : أنت وذاك يا أمه . قال : فاتخذت له قطعتين من لبود ، فألصقتهما على خديه . فكان يبكي ، فتبتقع الدموع ، فتجيء أمه ، فتعصرهما . . . دموعه على ذراعها
__________
(1) بدا : وضح وظهر
(1/418)
________________________________________
398 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير قال : حدثنا سعيد بن شرحبيل الكندي ، قال : حدثنا سعيد بن عطارد ، عن وهيب قال : كان يحيى بن زكريا له خطان في خديه من البكاء . فقال له أبوه زكريا : إني إنما سألت الله ولدا تقر (1) به عيني . فقال : يا أبه إن جبريل أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكاء
__________
(1) قرة العين : هدوء العين وسعادتها ويعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان
(1/419)
________________________________________
399 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر قال : قال : الصبيان ليحيى بن زكريا : انطلق بنا نلعب . قال : « أو للعب خلقتم ؟ فقال الله : ( وآتيناه الحكم صبيا (1) ) »
__________
(1) سورة : مريم آية رقم : 12
(1/420)
________________________________________
400 - حدثني عون بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال : حدثنا علي بن أبي الحر قال : « شبع يحيى بن زكريا ليلة شبعة من خبز شعير ، فنام عن جزئه حتى أصبح . فأوحى الله إليه : يا يحيى وجدت دارا خيرا لك من داري ؟ وجوارا خيرا لك من جواري ؟ وعزتي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعة لذاب جسمك وزهقت نفسك اشتياقا ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة ، لبكيت الصديد بعد الدموع ، وللبست الحديد بعد المسوح (1) »
__________
(1) المسوح : جمع مِسْح ، وهو كساء غليظ من الشعر
(1/421)
________________________________________
401 - حدثنا عبد المتعال بن طالب قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن حميد بن قيس ، عن مجاهد قال : « كان يحيى بن زكريا يأكل العشب . وإن كان ليبكي من خشية الله ما لو كان القار على عينه لخرقه . وكانت الدموع قد اتخذت مجرى في وجهه »
(1/422)
________________________________________
402 - حدثنا هارون بن عبد الله ، عن سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا . . . قال : « بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له يحيى : يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك ؟ قال : هذه الشهوات التي أصيب . . . كل يوم . قال : فهل لي فيها شيء ؟ قال : ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة ، وعن الذكر . قال : فهل . . . قال : لا . قال : لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا . قال : إبليس : ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا »
(1/423)
________________________________________
403 - حدثنا أبو محمد التميمي ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز : « أن يحيى بن زكريا ، كان لا يأكل شيئا مما مس أيدي الناس ، مخافة أن يكون دخله ظلم ، وأنه إنما كان يأكل من نبات الأرض ، ويلبس من . . . وأنه لما حضرته الوفاة ، قال الله لملك الموت : اذهب إلى ذلك الروح الذي في ذلك الجسد الذي لم يعمل خطيئة قط ولم يهم بها ، فاقبضه »
(1/424)
________________________________________
بكاء الملائكة صلى الله عليهم
(1/425)
________________________________________
404 - حدثني الفضل بن جعفر ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، وابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن حميد ، قال : سمعت أنس بن مالك ، عن النبي عليه الصلاة والسلام ، أنه « سأل جبريل : ما لي لا أرى ميكائيل يضحك ؟ قال جبريل : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار »
(1/426)
________________________________________
405 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن مخلد . . بن زيد : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لجبريل : « لا تأتيني إلا وأنت صار بين عينيك ؟ قال : إني لم أضحك منذ خلقت النار »
(1/427)
________________________________________
406 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا بكر العابد ، قال : قلت : لجليس لابن أبي ليلى : أتضحك الملائكة ؟ قال : « ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم »
(1/428)
________________________________________
407 - حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا بكر بن مضر ، قال : حدثنا صخر بن عبد الله ، قال : حدثنا زياد بن أبي حبيب : أنه « بلغه أن من حملة العرش من يجيء من عينيه أمثال الأنهار من البكاء ، فإذا رفع رأسه قال : سبحانك ما تخشى حق خشيتك . قال الله تعالى ذكره : لكن الذين يحلفون باسمي كاذبين لا يعلمون ذلك »
(1/429)
________________________________________
408 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا يحيى . . . . . . ، وخالد بن يزيد ، عن أبي فضالة ، عن أشياخه قال : « إن لله ملائكة لم يضحك أحدهم منذ خلقت النار ، مخافة أن يغضب عليهم فيعذبهم »
(1/430)
________________________________________
409 - حدثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا يوسف . . . ولقمان يعني الحنفي قالا : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لما عرج (1) بي ، فكنت في السماء الرابعة ، سمعت دويا (2) ، فقلت : يا جبريل ما هذا الدوي الذي أسمع ؟ قال : هذا بكاء . . . على أهل الذنوب من أمتك »
__________
(1) العروج : الصعود
(2) الدوي : صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره
(1/431)
________________________________________
410 - حدثني محمد بن عبد المجيد التميمي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما كان ليلة أسري (1) بي ، رأيت جبريل كالحلس البالي ملقى من خشية الله »
__________
(1) الإسراء : السير ليلا
(1/432)
________________________________________
411 - حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم ، قال : حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا دويد العابد ، عن ضرار ، عن يزيد الرقاشي قال : « إن لله ملائكة حول العرش يسمون . . . أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة ، يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله ، فيقول لهم الرب : يا ملائكتي ما الذي يخيفكم وأنتم عندي ؟ فيقولون : يا رب لو أن أهل الأرض اطلعوا وعزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه ، ما أساغوا طعاما ، ولا شرابا ، ولا أنسوا في فرشهم ، ولخرجوا في الصحاري يخورون كما تخور (1) البقر »
__________
(1) الخوار : الصياح
(1/433)
________________________________________
جامع من أخبار البكائين
(1/434)
________________________________________
412 - حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن عمر قال : « رأيت عمر بن الخطاب البكاء ، وهو يصلي ، حتى سمعت خنينه ، من وراء ثلاثة صفوف »
(1/435)
________________________________________
413 - وحدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثنا ابن أبي مليكة ، عن علقمة بن وقاص قال : « صليت خلف عمر بن الخطاب ، فقرأ سورة يوسف ، فكان إذا أتى على ذكر يوسف ، سمعت نشيجه (1) من وراء الصفوف »
__________
(1) النشيج : صوت معه توجع وبكاء
(1/436)
________________________________________
414 - حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر : أن عمر قرأ . . . فسجد ، ثم قال : هذا السجود فأين البكي ، أو البكي ؟
(1/437)
________________________________________
415 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنيه عاصم بن كليب الجرمي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أنه دخل على عمر وبين يديه مال ، فنشج (1) حتى اختلفت أضلاعه ؛ ثم قال : « وددت أني أنجو منه كفافا (2) لا لي ، ولا علي »
__________
(1) نشج : بكى بصوت مرتفع
(2) الكفاف : ما أغنى عن سؤال الناس وحفظ ماء الوجه وسد الحاجة من الرزق
(1/438)
________________________________________
416 - حدثنا سعدويه ، عن سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن زهير بن حيان ، قال حميد : وكان زهير يغشى ابن عباس ويسمع منه ، قال : قال ابن عباس : طلبني عمر ، فأتيته ، فإذا بين يديه نطع (1) عليه الذهب منقور ، فقال : « اذهب فاقسم هذا بين قومك ؛ والله أعلم حين حبس هذا عن نبيه ، وعن أبي بكر ، ألخير أعطاني أم لشر قال : ثم سمعت البكاء ، فإذا صوت عمر يبكي ، ويقول في بكائه : كلا والذي نفسي بيده ، ما حبس الله هذا عن نبيه وعن أبي بكر لشر لهما ، وأعطاه عمر إرادة الخير به »
__________
(1) النطع : بساط من جلد ، والخوان والوعاء
(1/439)
________________________________________
417 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : « لما ورد عمر الشام ، فصنع له طعام لم ير قبله مثله ، فلما . . . قال : هذا . . . في الفقراء المسلمين والذين كانوا . . . الجنة . . . لقد بانوا بونا . . . »
(1/440)
________________________________________
418 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا أبو عميس ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : جاء قوم إلى عمر يشكون الجهد (1) ، فأرسل عينيه بأربع ، ورفع يديه فقال : « اللهم لا تجعل هلكتهم على يدي . وأمر لهم بطعام »
__________
(1) الجُهْد والجَهْد : بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح : المَشَقَّة. وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير
(1/441)
________________________________________
419 - حدثني علي بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو صالح . . . عبد الله بن صالح ، قال : حدثني يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن زياد ، مولى ابن عياش قال : لو رأيتني ودخلت على عمر بن عبد العزيز في ليلة شاتية ، وفي بيته كانون (1) ، وعمر على كتابه ، فجلست أصطلي على الكانون ، فلما فرغ (2) من كتابه ، مشى إلي عمر حتى جلس معي على الكانون ، وهو خليفة ، فقال : « زياد بن أبي زياد ؟ » قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : « قص علي » قلت : ما أنا بقاص قال : « فتكلم » . قال : قلت : زياد ؟ وما له ؟ لا ينفعه من دخل الجنة إذا دخل النار ، ولا يضره غدا من دخل النار إذا دخل الجنة قال : « صدقت والله ، ما ينفعك من دخل الجنة إذا دخلت النار ، ولا يضرك من دخل النار إذا دخلت الجنة » قال : فلقد رأيت عمر يبكي حتى أطفأ الجمر الذي في الكانون
__________
(1) الكانون : الموقد الذي يشعل نارا
(2) فرغ : انتهى
(1/442)
________________________________________
420 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني صالح ، . . . ضرار . . الوليد بن مسلم قال : سمعت رجلا ، يحدث الأوزاعي ، عن جسر بن الحسن ، قال : ذاكرنا عمر بن عبد العزيز شيئا مما كان فيه ، فبكى ، حتى رأينا خلل الدم في الدموع ، فقال الأوزاعي : « قد . . . عن البكاء عن داود فمن دونه ، فما بلغنا أن أحدا صار إلى هذا غير عمر بن عبد العزيز »
(1/443)
________________________________________
421 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثني الهيثم بن جميل ، قال : حدثنا أبو المليح ، عن ميمون بن مهران قال : قرأ عمر بن عبد العزيز ( ألهاكم التكاثر (1) ) ، فبكى ، ثم قال : ( حتى زرتم المقابر (2) ) : ما أرى المقابر إلا زيارة ، ولا بد لمن يزورها أن يرجع إلى الجنة ، أو إلى النار
__________
(1) سورة : التكاثر آية رقم : 1
(2) سورة : التكاثر آية رقم : 2
(1/444)
________________________________________
422 - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، قال : أخبرنا الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن حبيب ، قال : أخبرنا مقاتل بن حيان قال : « صليت خلف عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : ( وقفوهم إنهم مسئولون (1) ) ، فجعل يكررها ، لا يستطيع أن يجاوزها (2) »
__________
(1) سورة : الصافات آية رقم : 24
(2) يجاوز : يتعدى
(1/445)
________________________________________
423 - حدثنا أبو حفص الصفار ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن جسر أبي جعفر ، قال : حدثنا أبو عمران الجوني ، قال : حدثتني أمي ، قالت : ترى هذا السواد الذي في . . . قالت : أثر دموع أبيك ، قلت له : يا أبا عمران وكان أبوه يكنى أبا عمران كم تبكي ؟ قالت : فيقول : « دعيني ، دعيني ، فإني لا أدري بم يختم لي »
(1/446)
________________________________________
424 - حدثنا أبو حفص الصفار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا عنبسة الخواص قال : بلغني أن محمد بن واسع ، « كان يجعل هل أتاك حديث الغاشية وردا (1) يرددها ويبكي »
__________
(1) الورد : الجزء من الليل يكون على المرء أن يصليه ، أو هو النصيب من القرآن أو الذِّكْر، والوِرْدُ أيضا : الماء الذي تَرِدُ عليه.
(1/447)
________________________________________