About the fatwa

Date :

Thu, Feb 05 2015
Question

حكم الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ؟

السؤال: قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء ) ؛ هل الصوم هنا من باب الحث أو من باب الوجوب ؟ أرجو توضيح ذلك . وجزاكم الله خيرا .

Answer
Answer
الجواب :

الحمد لله

أولا :

أمر الله عز وجل عباده بالتعفف عن الزنا والفجور ، وشرع الله الزواج ليعفوا أنفسهم عن الحرام والقذر ، بالحلال والطهر الذي شرعه الله لعباده .

ولما كان في علم الله تعالى أن كثيرا من الناس تتوق نفسه إلى الزواج ، غير أنه يعجز عن مؤنته ، أرشده بالصبر والتعفف إلى أن يجعل الله له فرجا ومخرجا . قال الله تعالى :

( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/32-33 .

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث المذكور في السؤال ، إلى الزواج الذي هو أعظم أسباب العفة ، فضلا عن المصالح العظيمة الأخرى التي تترتب عليه ، من تكثير نسل المسلمين ، وغير ذلك ، وأرشد من عجز عنه إلى إضعاف توقان نفسه ، وكسر شهوتها بالصوم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَطْلُوب مِنْ الصَّوْم فِي الْأَصْل كَسْرُ الشَّهْوَة " انتهى .

واستنبط بعض أهل العلم حكمة أخرى من الأمر بالصوم في هذا الحديث ، إضافة إلى ما ذكر من كسر الشهوة . قال الإمام القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله :

" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لِأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ } ؛ فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لِإِضْعَافِ الصَّوْمِ الْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ ؛ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ ، فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحَيْنِ ، فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى" انتهى .

"فتاوى السبكي" (1/435) .

 

 ثانيا :

الأمر بالصيام في هذا الحديث ليس على الوجوب ، بل هو على الاستحباب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ولا نعلم أحدا قال بوجوبه .

قال ابن بطال رحمه الله :

" ذهب جماعة الفقهاء إلى أن النكاح مندوب إليه مرغب فيه ، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض على الرجل والمرأة ، مرة فى الدهر ... ، واحتجوا بظاهر هذا الحديث ، وحملوا أمره عَلَيْهِ السَّلام بالنكاح على الإيجاب . قالوا : ولكنه أمر لخاص من الناس ، وهم الخائفون على أنفسهم العنت بتركهم النكاح ، فأما من لم يخف العنت ، فهو غير مراد بالحديث ...

واحتج أهل المقالة الأولى بقوله : ( ومن لم يستطع فعليه بالصيام ) ، وإذا كان الصوم الذى هو بدل عن النكاح ليس بواجب فمبدله مثله " . انتهى .

"شرح صحيح البخاري" لابن بطال (7/262) ، ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره . ينظر: فتح الباري (9/110) .

 

والله أعلم .

 

الإسلام سؤال وجواب