كتب الله لأغلبن أنا ورسلي

الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء فمن رحمته جل وعلا انه سبحانه يجيب الأرض والجبال والسموات حين يودون إغراق ابن ادم وإهلاكه يقوله تعالى لو  خلقتموهم لرحمتموهم  ومن مظاهر رحمته العامة انه جل وعلا لم يحرم الكافر من حقه في الحياة فلأنه سبحانه وتعالى أوجده فتكفل سبحانه وتعالى برزقه  وعونه بل ويفقهم ماداموا يأخذون بأسباب الترقي والحضارات وان كانت هذه هي الرحمة العامة بجميع المخلوقات فنحمد سبحانه وتعالى نحن المسلمين علي رحمته الخاصة بنا فنعمه جل وعلا علينا لا تعد ولا تحصى فمنها :

-       نحمده سبحانه وتعالى أن أرسل إلينا خير رسله محمد صلى الله عليه وسلم

-       ونحمده أن انزل علينا خير كتبه القران الكريم بل وتولى جل وعلا حفظه لنا

-       ونحمد جل وعلا أن أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا

-       ونحمد سبحانه على أن جعلنا خير امة أخرجت للناس

-       ونحمده تعالى على أن جعلنا الشهداء على الأمم يوم القيامة

-       ونحمده سبحانه أن جعلنا امة وسطا

-       ونحمده سبحانه أن حفظ لنا الدين فلو تركه لضعفنا لضاع منا كما ضاع من اليهود والنصارى  ولأصبحنا في ظلمات بعضها فوق بعض

-       وفوق كل هذه النعم انه جل وعلا اكتفي برسوله محمد فجعله حاتم الأنبياء فلم يرسل إلينا رسولا بعده وجعل علماءنا يقومون بالدور الذي كان يقوم به الأنبياء في بني إسرائيل

-       والحمد لله أن جعلنا نوقر علماءنا ونجلهم بينما كان  بنوا إسرائيل يقتلون الأنبياء والمصلحين  

-       والحمد لله أن جعل علماءنا يسيرون على نهج رسول الله وعلى الكتاب الله تعالى لا يحيدون عنه قيد أنملة  فما قاله الرسول وصحابته وصل إلينا كما هم دون زيادة أو نقصان

-       والحمد لله أن جعل من علماءنا من يقف على كل كبيرة وصغيرة في الدين فلدينا علم يسمى علم الرجال لم تحظ به امة غيرنا فقام علماءنا بالتدقيق في سير الرجال والصحابة والتابعين وكفل من نقل حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تفسير لآية من كتاب الله تعالى وقاموا بدراسة مستوفاة لتاريخه حتى وقفوا على الصحاح من الناس والصحاح من الأحاديث  

-       ونحمده سبحانه وتعالى أن كتب لامتنا الدوام بينما هلكت  الأمم السابقة ولقد تعرضت امتنا لحروب واضطهادات لم يسبق لها مثيل  ومع هذا ظلت شامخة على مر العصور بفضل الله تعالى وبرحمته

-       ولقد شهدت امتنا اضطرابات وفتن حين شهدت الأمم السابقة معشار هذه الاضطرابات انهارت ولم يعد لها في التاريخ ذكر آو وجود

-       فأين أثار الإغريق ؟ وأين أثار السومريون والأشوريون  ولولا أن الله تعالى هو الذي اخبرنا عن قوم عاد وغيرهم ما ذكرهم احد

-       وحتى لا يكون الكلام مرسلا رأيت أن استعين بالله تعالى ثم بمن كتبوا في تاريخ امتنا وأسجل في هذا الكتاب تاريخ امتنا في عجالة سريعة

-       ومن المقالات التي ساعدتني كثيرا ما كتبه د/ راغب السرجاني  وإخوانه من العلماء الفضلاء جعل الله تعالى ما كتبوه في ميزان حسناتهم

-       وقسمت الكتاب إلى خمس أبواب طبقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استعرض فيه تاريخ الأمة فقال : ستكون فيكم النبوة مادمت أنا فيكم ثم خلافة راشدة ثم ملك عضوض ثم حكم جبري ثم حكم على منهاج النبوة "




بسم الله الرحمن الرحيم
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي}


إعداد  / أ / أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
محاضر بقناة الأمة الفضائية

 

المقدمة
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء فمن رحمته جل وعلا انه سبحانه يجيب الأرض والجبال والسموات حين يودون إغراق ابن ادم وإهلاكه يقوله تعالى لو  خلقتموهم لرحمتموهم  ومن مظاهر رحمته العامة انه جل وعلا لم يحرم الكافر من حقه في الحياة فلأنه سبحانه وتعالى أوجده فتكفل سبحانه وتعالى برزقه  وعونه بل ويفقهم ماداموا يأخذون بأسباب الترقي والحضارات وان كانت هذه هي الرحمة العامة بجميع المخلوقات فنحمد سبحانه وتعالى نحن المسلمين علي رحمته الخاصة بنا فنعمه جل وعلا علينا لا تعد ولا تحصى فمنها :
-    نحمده سبحانه وتعالى أن أرسل إلينا خير رسله محمد صلى الله عليه وسلم
-    ونحمده أن انزل علينا خير كتبه القران الكريم بل وتولى جل وعلا حفظه لنا
-    ونحمد جل وعلا أن أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا
-    ونحمد سبحانه على أن جعلنا خير امة أخرجت للناس
-    ونحمده تعالى على أن جعلنا الشهداء على الأمم يوم القيامة
-    ونحمده سبحانه أن جعلنا امة وسطا
-    ونحمده سبحانه أن حفظ لنا الدين فلو تركه لضعفنا لضاع منا كما ضاع من اليهود والنصارى  ولأصبحنا في ظلمات بعضها فوق بعض
-    وفوق كل هذه النعم انه جل وعلا اكتفي برسوله محمد فجعله حاتم الأنبياء فلم يرسل إلينا رسولا بعده وجعل علماءنا يقومون بالدور الذي كان يقوم به الأنبياء في بني إسرائيل
-    والحمد لله أن جعلنا نوقر علماءنا ونجلهم بينما كان  بنوا إسرائيل يقتلون الأنبياء والمصلحين 
-    والحمد لله أن جعل علماءنا يسيرون على نهج رسول الله وعلى الكتاب الله تعالى لا يحيدون عنه قيد أنملة  فما قاله الرسول وصحابته وصل إلينا كما هم دون زيادة أو نقصان
-    والحمد لله أن جعل من علماءنا من يقف على كل كبيرة وصغيرة في الدين فلدينا علم يسمى علم الرجال لم تحظ به امة غيرنا فقام علماءنا بالتدقيق في سير الرجال والصحابة والتابعين وكفل من نقل حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تفسير لآية من كتاب الله تعالى وقاموا بدراسة مستوفاة لتاريخه حتى وقفوا على الصحاح من الناس والصحاح من الأحاديث 
-    ونحمده سبحانه وتعالى أن كتب لامتنا الدوام بينما هلكت  الأمم السابقة ولقد تعرضت امتنا لحروب واضطهادات لم يسبق لها مثيل  ومع هذا ظلت شامخة على مر العصور بفضل الله تعالى وبرحمته
-    ولقد شهدت امتنا اضطرابات وفتن حين شهدت الأمم السابقة معشار هذه الاضطرابات انهارت ولم يعد لها في التاريخ ذكر آو وجود
-    فأين أثار الإغريق ؟ وأين أثار السومريون والأشوريون  ولولا أن الله تعالى هو الذي اخبرنا عن قوم عاد وغيرهم ما ذكرهم احد
-    وحتى لا يكون الكلام مرسلا رأيت أن استعين بالله تعالى ثم بمن كتبوا في تاريخ امتنا وأسجل في هذا الكتاب تاريخ امتنا في عجالة سريعة
-    ومن المقالات التي ساعدتني كثيرا ما كتبه د/ راغب السرجاني  وإخوانه من العلماء الفضلاء جعل الله تعالى ما كتبوه في ميزان حسناتهم
-    وقسمت الكتاب إلى خمس أبواب طبقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استعرض فيه تاريخ الأمة فقال : ستكون فيكم النبوة مادمت أنا فيكم ثم خلافة راشدة ثم ملك عضوض ثم حكم جبري ثم حكم على منهاج النبوة "






الفهرس

عصر النبوة من ص//  5  إلى ص//89

خلافة راشدة من ص// 90  إلى ص//141

ملك عضوض من ص//142 إلى ص//177

حكم جبري من ص// 178  إلى ص//199

حكم على منهاج النبوة " من ص//  200   إلى ص//220
المراجع// ص221

الباب الأول
عصر النبوة
 محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب،  رسول الله للبشرية ليعيدهم إلى توحيد الله وعبادته، وهو خاتم النبيين والمرسلين،
[1] وهو أشرف المخلوقات وسيّد البشر،
[2] كما نؤمن بأنه صلى الله عليه وسلم  معصوما
[3] عند ذكر اسمه، ينبغي علينا أن نضيف عبارة «صلى الله عليه وسلم» مع إضافة «وآله» و«وصحبه» في بعض الأحيان، لِمَا جاء في القرآن والسنة النبوية مما يحثنا على الصلاة عليه.
[4] اعتبره الكاتب اليهودي مايكل هارت أعظم الشخصيّات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي».
[5] ترك محمد«صلى الله عليه وسلم»  أثرًا كبيرًا في نفوسنا نحن المسلمين، حتى أصبحنا لا نتبع غير منهجه وسنته صلى الله عليه وسلم كما قمنا بحفظ أقواله وأفعاله وصفاته وجمع ذلك في كتب عُرفت بكتب الحديث النبوي.
ولد في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة (هجرته من مكة إلى المدينة)، ما يوافق سنة 570 أو 571 ميلاديًا و52 ق هـ.
[6] ولد يتيم الأب وفقد أمه في سنّ مبكرة فتربى في كنف جده عبد المطلب ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وكان في تلك الفترة يعمل بالرعي ثم بالتجارة. تزوج في سنِّ الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل أولاده باستثناء إبراهيم. كان قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في مكة.
[7] ونؤمن نحن المسلمين بأن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سرًا لثلاث سنوات، قضى بعدهنّ عشر سنوات أُخَر في مكة مجاهرًا بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماة يثرب آنذاك عام 622م وهو في الثالثة والخمسين من عمره بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارضوا دعوته وسعوا إلى قتله، فعاش فيها عشر سنين أُخر داعيًا إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقًا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.
[8] كون النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» شخصية لها تأثير كبير في التاريخ، فإن حياته وأعماله وأفكاره قد تم مناقشتها على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون. كما واهتم المسلمون قديمًا وحديثًا بسيرة النبي محمد«صلى الله عليه وسلم»  باعتبارها المنهج العملي للإسلام، فألف علماء الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته، ودوّنوا كل ما يتعلق بذلك.
القرآن الكريم
يُعتبر القرآن الكريم  مصدرًا أساسيًا لمعرفة سيرة النبي محمد، كونه أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، لأنه يرجع إلى عصر النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»  نفسه. كما يتفق المسلمون كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف الفرق الإسلامية. وإن كان القرآن لم يتناول كل سيرة النبي محمد باستفاضة، إلا أنه ذكر فيه إشارات كثيرة إلى سيرته إما بصريح العبارة، أو بالإشارة، أو بالتضمين،
فذُكر فيه بعضٌ من شمائله، ودلائل نبوته، وأخلاقه وخصائصه، وعن حالته النفسية، وذُكر فيه أيضًا شيئا عن غزواته. فقد ورد في القرآن ما يقارب 280 آية في الغزوات (وهي تساوي نسبة 4,65% من القرآن) جاء بعضها بالإشارة، وبعضها تصريحًا، كغزوات بدر، وأحد، والخندق، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة فمثلاً اشتملت سورة الأحزاب على تفاصيل من سيرة محمد«صلى الله عليه وسلم»   مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.
كتب الحديث
قد شغلت السيرة النبوية حيزًا كبيرًا من كتب الحديث، وكلّ من ألّف في الحديث كان يُخصص أقسامًا وأبوابًا وكتبًا خاصة بما يتعلق بحياة محمد«صلى الله عليه وسلم»  ، ودعوته، ومغازيه، وحتى عن صحابته، غير أن تلك الأقسام لم تكن مرتبة ترتيبًا زمنيًا. ثم إن مقصد مؤلفي هذه الكتب كان منصَبًّا على جمع أقوال محمد«صلى الله عليه وسلم»   وأفعاله وتقريراته وأحكامه،وكانت مشاهد السيرة تأتي في ثناياها ليستدلوا بها على الحكم الشرعي، لذا جاءت بدون تفصيل بل كانت تقتصر على بعض تلك الأخبار وفق منهج أهل الحديث في الرواية.
اتفق علماء المسلمين على أن أشهر وأقدم كتب الحديث التي زخرت بأخبار السيرة النبوية هو موطأ مالك، حيث أورد جملة من الأحاديث تتعلق بسيرة محمد «صلى الله عليه وسلم»  وأوصافه وذكر ما يتعلق بالجهاد.
 وكذلك فعل البخاري في صحيحه، حيث ذكر جوانب من حياة محمد«صلى الله عليه وسلم»   قبل البعثة وبعدها، وخصص كتابًا في المغازي وآخر في الجهاد، كما ذكر كثيرًا من خصائصه، ودلائل معجزاته، بما يوازي عُشْر صحيحه.
 وهكذا فعل مسلم بن الحجاج في صحيحه، حيث اشتمل على جزء كبير من سيرته وفضائله، وجهاده.  وكان كلّ من جاء بعدهم اتبع نفس النهج مع اختلاف في التبويب والترتيب، كأصحاب السنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد بن حنبل.
بدأت كتابة السيرة النبوية والمغازي في مرحلة متأخرة عن كتابة الأحاديث النبوية، وإن كان الصحابة يهتمون بنقل سيرته شفاهًا،فكان أول من اهتم بكتابة السيرة عمومًا هو عروة بن الزبير (توفي 92 هـ) ثم أبان بن عثمان (توفي 105 هـ) ثم وهب بن منبه (توفي 110 هـ) ثم شرحبيل بن سعد (توفي 123 هـ) ثم ابن شهاب الزهري (توفي 124 هـ) والطبري.
وفي الطبقة التي تلي هؤلاء، يأتي محمد بن اسحق (توفي 152 هـ) والذي اتفق الباحثون على أنّ ما كتبه يُعدّ أوثق ما كُتب في السيرة النبوية في ذلك العهد، ولكن كتابه "المغازي" لم يصل إلينا، فقام ابن هشام (توفي 218 هـ) فروى كتاب ابن إسحاق مهذبًا ملخصًا وهو المعروف بكتاب "سيرة ابن هشام".كما اعتمد الطبري (توفي 310 هـ) بشكل أساسي على أخبار رُويت عن ابن إسحاق في الجزء الخاص بالسيرة النبوية من كتابه تاريخ الطبري.
وهناك مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو "المغازي" للواقدي (توفي 207 هـ)، والذي استفاد منه تلميذه ابن سعد البغدادي (توفي 230 هـ) في كتابه المسمى بـ "الطبقات الكبرى".
علم الشمائل المحمدية
تعدّ كتب الشمائل من المصادر الأساسية لمعرفة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي الكتب التي قصد أصحابها العناية بذكر أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم ، وعاداته وفضائله، وسلوكه في الليل والنهار، كما تناولت آدابه وصفاته الخَلْقية والخُلُقية. وموضوع الشمائل المحمدية اهتم به علماء المسلمين منذ القدم.
وكان أحد أغراض كتب الحديث، ثم أفرده المحدّثون في كتب مستقلة، كان في مقدمتهم أبو البختري وهب بن وهب الأسدي (توفي 200 هـ) في مؤلفه "صفة النبي صلى الله عليه وسلم " ثم أبو الحسن علي بن محمد المدائني (توفي 224 هـ) في كتابه "صفة النبي صلى الله عليه وسلم "، ثم كتاب "الشمائل المحمدية" للترمذي (توفي 279 هـ)، ثم داود بن علي الأصبهاني (توفي 270 هـ) في كتابه "الشمائل المحمدية"، ثم إسماعيل القاضي المالكي (توفي 282 هـ) في كتابه "الأخلاق النبوية"، كذلك أبو الحسن أحمد بن فارس اللغوي (توفي 295 هـ) في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ".[22] ثم جاء بعدهم في القرون التالية خلق كثيرٌ، منهم القاضي عياض (توفي 544 هـ) في كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى".
أما كتب الدلائل فهي تلك الكتب التي حوت الحجج والبراهين الدّآلة على صدق وصحّة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى شمول وعموم رسالته، بدلالات واضحة لا جدل فيها،وفيها الأدلة على معجزاته وظهور آياته، والردّ على من أنكرها  وفي كتب السنة النبوية أبواب خُصصت لعلامات النبوة، كما فعل البخاري ومسلم وغيرهما. أما الكتب المخصصة لهذا الشأن فهي كثيرة جدًا أشهرها "دلائل النبوة" للبيهقي.

هناك كذلك أنواع أخرى من المصادر، مثل كتب تفسير القرآن وأسباب النزول، ذلك أن علماء المسلمين يعتمدون بشرح القرآن الكريم بشكل أساسي على تفسيرات القرون الإسلامية الأولى، بما في ذلك الآيات التي تتناول حياة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلتها تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير القرطبي. إضافة إلى كتب التاريخ التي تتناول التاريخ بشكل عام وتتطرق إلى السيرة النبوية كتاريخ الطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها.
خلفية تاريخية
ولكي تعرف فضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الدنيا بوجه عام  نرى كيف وحد الجزيرة العربية وصنع منها نموذجا ينبغي أن يحتذى لأنه من  النّاحية السياسية، كانت شبه الجزيرة العربية مفككة، لا توحّدها دولة ولا تديرها حكومة، وكانت الدول القديمة التي قامت في اليمن ونجد وأطراف العراق والشام قد اندثرت، وطغت البداوة على المدن في الحجاز، فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية.
فكانت مكة تُدار من قبل الملأ في دار الندوة والمدينة المنورة في حالة نزاع دائم بين الأوس والخزرج. أما دولة المناذرة في الحيرة ودولة الغساسنة في الأردن والجولان فقد سمح الفرس والروم للدولتين بالنشوء لتكونا حاجزتين تصدان عنهما غزو القبائل العربية، وتتوليان حماية القوافل التجارية. وقد أسقط الفرس دولة المناذرة سنة 602م قبل البعثة المحمدية بثمانِ سنوات.
ومن النّاحية الاقتصادية، فقد كان بدو العرب يعتمدون على الرعي والتنقل لأماكن الماء، مما يجعلها في حروب مع بعضها للحصول على الموارد. أما في المدن، فكان يقوم فيها النشاط التجاري والزراعي والصناعي،فمكة كان يغلب عليها النشاط التجاري، وتتحكم بطرق التجارة بين اليمن والشام، وقد استفادت مكة من مكانة الكعبة الدينية عند العرب في حماية قوافلها التجارية.
 أما المدينة فكان يغلب عليها الزراعة حيث بساتين النخيل والأعناب والفواكه. واستعمل العرب الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي في التبادل التجاري. أما الصناعة فقد عُرفت المدينة بصياغة الحلي الذهبية والفضية، وصناعة السيوف والرماح والنبال والدروع، كما قامت في المدن العربية حرف الحدادة والصياغة والدباغة، والغزل والنسيج. وكان العرب يعرفون أنواعًا من المعاملات المالية كالقراض والمضاربة والرهن.
من النّاحية الدينية كانت الوثنية تسود شبه جزيرة العرب بشكل غالب، حيث كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام مصنوعة من الحجر والخشب بلغ عددها 360 صنمًا حول الكعبة تعبدها القبائل التي تؤم البيت للحج وتقدم لها القرابين والنذر. كان من أقدمها وأكبرها "مَناة" (لهُذَيْل وخزاعة)، و"الّلات" (لثقيف)، و"العُزَّى" (لقريش مع كثير من القبائل الأخرى). ومع ذلك بقي لديهم شعائر من بقايا دين إبراهيم مثل تعظيم الكعبة، والطواف بها، والحج، والعمرة. وكان هناك أفراد من الموحدين على ملة إبراهيم وإسماعيل كانوا موجودين في مكة عرفوا بالأحناف. تواجدت أيضًا ديانات بشكل محدود مثل اليهودية في اليمن والمدينة، والنصرانية في نجران والحيرة ودومة الجندل وأطراف الشام. كذلك وُجد انتشار محدود للمجوسية قادمًا من بلاد الفرس.
نسب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
هو «أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (وهو الملقب بقريش) بن مالك بن النضر (واسمه قيس) بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، أما ما فوقه ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم.
ولم يكن فرعٌ من قريش إلا كان لمحمد صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة. ونؤمن نحن المسلمين بأن الله قد اصطفى نبيَّهم محمدًا صلى الله عليه وسلم واختاره من أزكى القبائل وأفضل البطون وأطهر الأصلاب .
حيث قال صلى الله عليه وسلم «خرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمّي»
 وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا «إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»
 وقال صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله تعالى خلق الخلق، فجعلني في خير فِرَقِهم، وخير الفرقتين، ثم تخيَّر القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخيَّر البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرُهم نفسًا، وخيرُهم بيتًا»
أسماء آباء وأمهات النبي محمد. صلى الله عليه وسلم
•    أبوه: هو عبد الله بن عبد المطلب، أمّه "فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب". كان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفّهم وأحبّهم إليه،وأصغرهم من بين أولاده، وهو الذبيح، الذي فداه أبوه بمائة من الإبل.
•    أمّه: هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، أمّها "برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب".كانت آمنة تُعد يومئذٍ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا،وكان أبوها سيّد بني زهرة نسبًا وشرفًا
•    أعمامه وعمّاته: هم العباس، وحمزة، والزبير، والمقوَّم، والحارث، والغيداق، وقُثم، وعبد الكعبة، وجَحْل (واسمه المغيرة)، وأبو لهب (واسمه عبد العزَّى)، وأبو طالب (واسمه عبد مناف)، وضرار. وأما عمّاته، فهنّ عاتكة، وأميمة، وأروى، وأم حكيم (وهي البيضاء)، وبرّة، وصفيّة. ولم يسلم منهم إلا حمزة والعباس وصفية، واختُلف في عاتكة وأروى.
•    أخواله وخالاته: لم يكن لمحمد أخوال وخالات إلا "عبد يغوث بن وهب"، وكان محمد صلى الله عليه وسلم يقول عن سعد بن أبي وقاص «هذا خالي فليرني امرؤ خاله»،وذلك لأجل أن سعدًا كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا منهم.
حياته قبل البعثة
ولادته صلى الله عليه وسلم
لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب ثمانية عشرة أو خمسة وعشرين سنة،زوّجه أبوه آمنة بنت وهب من عمّها "وهيب بن عبد مناف" وقد كانت تعيش عنده. فبنى بها عبد الله في مكة فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت آمنة تحدّث أنّها حين حملت به أُتِيَت فقيل لها «إنّك قد حملت بسيّد هذه الأمّة، فإذا وقعَ على الأرض فقولي "أعيذه بالواحد من شرِّ كل حاسد"، ثم سمّيه "محمدًا"».
ثم لم يلبث أبوه عبد الله حتى خرج إلى الشام للتجارة، فمرّ بالمدينة فأقام عندهم مريضًا شهرًا ثم تُوفي عن عمر خمسة وعشرين عامًا، ودُفن في "دار النابغة" (وهو رجل من بني عدي بن النجار) وكانت آمنة يومئذٍ حامل بمحمد لشهرين تاركًا وراءه خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها "بركة" وكنيتها أم أيمن. وبعد أن بقي محمد صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة أشهر كملّاً، وُلد في مكة في شعب أبي طالب، في الدار التي صارت تُعرف بدار "ابن يوسف".وتولّت ولادته "الشِّفاء" أم عبد الرحمن بن عوف.


مكان ولادة النبي محمد في شعب أبي طالب وهي الدار التي اشتراها محمد بن يوسف، أخو الحجاج من ورثة عقيل بن أبي طالب الذي كان أخذها حين هاجر محمد إلى المدينة المنورة. ثم جُعلت الدار مسجدًا هُدِم لاحقًا، ثم بُني على أنقاضه "مكتبة مكة المكرمة" عام 1951م
وقد كان مولده يوم الإثنين، 11بيع الأول، من عام الفيل، بعدما حاول أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، قيل بعده بشهر، وقيل بأربعين يومًا، وقيل بخمسين يومًا (وهو المشهور)، ويوافق ذلك 20 أبريل أو 22 أبريل سنة 571 م على الأصحّ
ويُروى بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد وُلد مختونًا مسرورًا (مقطوع السرّة)، بينما هناك روايات أخرى تؤيد أن عبد المطلب ختنه يوم سابعه وجعل له مأدبة. وكانت أمّه تحدّث أنّها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم، ولمّا وضعته وقع إلى الأرض مستقبل القبلة رافعًا رأسه إلى السماء، مقبوضة أصابع يديه مشيرًا بالسبابة كالمسبّح بها.
— ولقد قال عمه العباس بن عبد المطلب
مِن قَبلها طِبتَ في الظِّلال         وفي مستودِع حيث يُخصَف الوَرَق
ثُم هبطتَ البلاَد لا بشرٌ                 أنت ولا مضغةٌ ولا علق
بل نُطفةٌ تركب السَّفينَ               وقد ألجَم نسرًا وأهله الغرق
تُنقَل من صالب إلى  رَحم                إذا مضى عالم بدا طَبَق
ثم احتوى بيتك المهيمن              من خندف علياء تحتها النطق
وأنتَ لمَّا وُلدتَ أشرقت الـ            أرضُ وضاءت بنورك الأفُق
           فنحن في ذلك الضِّياء وفي            النُّور وسبل الرشاد نخترق
وأنّها رأت حين ولدته كأنّه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام. قالت أمّ عثمان بن أبي العاص «حضرتُ ولادة رسول الله ، فرأيت البيتَ حين وضع قد امتلأ نورًا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننتُ أنها ستقعَ عليّ». وبعدما ولدته أرسلت إلى عبد المطلب تبشّره بحفيده، ففرح به فرحًا شديدًا.
ودخل به الكعبة شاكرًا الله، وقال «ليكوننّ لابني هذا شأن»،واختار له اسم "محمّد" ولم تكن العرب تسمي به آنذاك، إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد وبقرب زمانه وأنه يُبعث في الحجاز فيكون ولدًا لهم. وقد علمت اليهود آنذاك بولادة محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول حسان بن ثابت «والله إني لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به»
نشأته صلى الله عليه وسلم
حادث شق الصدر
كان أوّل من أرضعته بعد رضاعه من أمّه بأسبوع ثويبة مولاة أبي لهب، كان قد أعتقها، فأرضعت محمدًا لأيام بلبن ابن لها يُقال له "مسروح"، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأبا سلمة المخزومي، وقيل بل أرضعتهما معه. ويروي البخاري أنه «لما مات أبو لهب رآه بعض أهله بمنامه، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم (أي لم ألقَ بعدكم خيرًا) غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة».وكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر،وكان يقول لها «يا أُمّه»، وكان إذا نظر إليها قال «هذه بقية أهل بيتي».
كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي، فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبنَ أطفالًا يرضعنهم فكان محمد صلى الله عليه وسلم من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب لتُرضعه مع ابنها "عبد الله" في بادية بني سعد، وزوجها هو "الحارث بن عبد العزى"، وكان لهما ابنتان "أنيسة" و"حذافة" ولقبها الشيماء والتي كانت تحضن محمدًا صلى الله عليه وسلم مع أمّها إذا كان عندهم
وأجمع رواة السِّير أنَّ بادية بني سعد كانت تعاني إذ ذاك سنةً مجدبةً، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى باديتهم عادت منازل حليمة مخضرّة وأغنامها ممتلئة الضرع. عاش محمد صلى الله عليه وسلم معها سنتين حتى الفطام وقد كانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر لزيارتها، فلما انتهت السنتين عادت به حليمة إلى أمّه لتقنعها بتمديد حضانته خوفًا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها من محمد صلى الله عليه وسلم ، فوافقت آمنة. وعندما بلغ سن الرابعة، وقيل الخامسة، حدثت له حادثة شق الصدر فأعادته حليمة إلى أمه.
رَوى مسلم تلك الحادثة فقال: أن رسول الله أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه (جمعه وضم بعضه إلى بعض) ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (مرضعته) فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
تُوفيت أمّه، وهو ابن ست سنوات أثناء عودتهم من زيارة لأخواله من بني عدي بن النجار، بمكان يسمى الأبواء، فحضنته أم أيمن، وحملته إلى جدّه عبد المطلب ليكفله بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده. وفي السنة الثامنة من عمره، توفي جده عبد المطلب، بعد أن اختار له أبا طالب ليكفله، ويقوم بشؤونه.


شبابه صلى الله عليه وسلم
لم يكن عمّه أبو طالب ذا مال وفير، فاشتغل محمد صلى الله عليه وسلم برعي الغنم يأخذ عليه أجرًا مساعدةً منه لعمّه،قال «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (أجزاء من الدراهم والدنانير) لأهل مكة».
 وفي الثانية عشر من عمره، سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، فلما نزلوا "بصرى" في الشام مرّوا على راهب اسمه "بحيرى"،وكان عالمًا بالإنجيل، فجعل ينظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويتأمّله، ثم قال لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا».
لُقّب محمد صلى الله عليه وسلم في مكة "بالأمين فكان الناس يودعون أماناتهم عنده. كما عُرف عنه أنه لم يسجد لصنم قطّ، رغم أنتشار ذلك في قريش،ولم يشارك شبابهم في لهوهم ولعبهم،وإنما كان يشارك كبرائهم في حربهم ومساعدتهم بعضًا بعضًا، ففي الرابعة عشر من عمره، وقيل في العشرين من عمره، حدثت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين هوازن،
فشارك محمد صلى الله عليه وسلم فيها. كما شارك قريشًا في "حلف الفضول" وهو ميثاق عقدته قريش في دار عبد الله بن جدعان بمكة، وتعاهدت فيه أن تحمي الضعفاء والمظلومين، قال محمد صلى الله عليه وسلم «لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حِلفًا، لو دُعيت به في الإسلام لأجبتُ». ولمّا أصاب الكعبة سيل أدّى إلى تصدّع جدرانها، قرر أهل مكة تجديد بنائها، وفي أثناء ذلك اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم، فلما دخل عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وكان عمره خمسًا وثلاثين سنة، قالوا «هذا الأمينُ، قد رَضينا بما يقضي بيننا»، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه.
زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة
كانت خديجة بنت خويلد امرأةً تاجرةً ذات شرف ومال، فبلغها عن محمد صلى الله عليه وسلم ما بلغها من أمانته، فعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرًا وتعطيه أفضلَ ما كانت تعطي غيره من التجّار، فقبل وخرج ومعه غلامها "ميسرة"، فقدما الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يُقال له "نسطورا"،فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له «ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبيّ»
وكان ميسرة إذا اشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره. فلما أقبل عائدًا إلى مكة قدم على خديجة بمالها وقد ربحت ضعف ما كانت تربح. بعد ذلك عرضت خديجة عليه الزواج بواسطة صديقتها "نفيسة بنت منيّة"،فرضى بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، فخرج معه عمّه حمزة بن عبد المطلب حتى خطبها من عمّها "عمرو بن أسد"،
وقيل بل خطبها له أبو طالب. ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة، وكان سنّه خمسًا وعشرين سنة وهي أربعين سنة، وكانت خديجة أول امرأة تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت بعد ما بقيت معه خمسًا وعشرين سنة، عشرًا بعد المبعث وخمس عشرة قبله. وبحسب أهل السنة فإنه قد تزوج خديجة قبل محمد صلى الله عليه وسلم وهي بِكر "عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم" (وولدت له هند) ثم مات عنها فتزوجها "أبو هالة النباش بن زرارة" (وولدت له هند وهالة)
أنجب محمد صلى الله عليه وسلم من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم. وحين تزوج خديجة، أعتق حاضنته أم أيمن فتزوجها "عبيد بن زيد من بني الحارث"، فولدت له أيمن فصحب محمدًا صلى الله عليه وسلم حين بُعث وتوفي شهيدًا يوم حنين، وقيل يوم خيبر. وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة فولدت له أسامة، وتوفيت بعدما توفي محمّد صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر.
مبشرات على قرب مبعثه صلى الله عليه وسلم
نؤمن نحن المسلمين بأن الله لم يبعث نبيًا إلا وأخذ عليه الميثاق لئن بُعث محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو حيّ ليؤمننّ به وينصرنّه، ويأمر قومه بذلك وكان محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقول «أنا دعوة إبراهيم، وكان آخر من بشّر بي عيسى بن مريم». وقد ورد في كتب السير بأن الأحبار من اليهود والكهّان من النصارى ومن العرب كانوا قد تحدّثوا بأمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لمّا تقارب زمانه،
 فأمّا الكهّان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن مما تسترق من السمع في السماء قبل أن تُحجَب عن ذلك برمي النجوم والشهب بمبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما الأحبار من اليهود والرهبان من المسيحيين فلِما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم أن يتبعوه وينصروه إذا بعث فيهم.
قال ابن عباس «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلمّا التقوا هُزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالت «اللهم إنا نسألك بحقّ محمد النبيّ الأميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم»، فكانوا إذا التَقَوا، دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾».
ومما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي أنه قال له أحد الرهبان «قد أظلّ زمان نبي، مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى الأرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل».
وعن عامر بن ربيعة أنه قال: «سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول أنا أنتظر نبيًا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السّلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلمّ. قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإيّاك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون "هذا الدين وراءك" وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون "لم يبق نبي غيره"».
وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يرى قبل بعثته أمورًا، من ذلك ما قاله «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم علي قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن»،وكان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا قال «السلام عليك يا رسول الله» يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة. فمكث كذلك يرى ويسمع، حتى جاءه جبريل في غار حراء.
حياته بعد البعثة إلى الهجرة
نزول الوحي
لما بلغ محمد صلى الله عليه وسلم سنَّ الأربعين، اعتاد أن يخرج إلى غار حراء (طوله 2.16م، وعرضه 0.945م) في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة، وذلك في كل عام، فيأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهرًا بأكمله ليتعبد ويتأمّل. و في يوم الاثنين، 17 رمضان الموافق 10 أغسطس سنة 610م،[117] نزل الوحي لأول مرّة على محمد صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء.

 تروي عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قصة بدء الوحي 
أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني .
فقال:  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ  . فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي.
 فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي،
فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله : أوَمخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا
وبعد تلك الحادثة، فَتَر عنه الوحي مدة، قيل أنها ثلاث سنوات وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر،حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته. فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.
 وعن كيفية نزول الوحي عليه، كان يقول «أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة: «ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصِم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقًا».وفي نفس تلك الفترة حدثت له حادثة شق الصدر للمرّة الثانية.
بداية الدعوة
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم «ما دعوتُ أحدًا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عَكَم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه».
ونؤمن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة، فقد قال عن نفسه «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدي»، فبعد نزول آيات سورة المدثر، بدأ يدعو إلى الإسلام الكبيرَ والصغيرَ، والحر والعبد، والرجال والنساء،
 فكان أوّل النّاس إيمانًا به بحسب الرواية السنية زوجته خديجة بنت خويلد، ثمّ ابن عمّه علي بن أبي طالب، وكان صبيًا يعيش في كفالة محمد صلى الله عليه وسلم معاونةً لأبي طالب، وهو يومئذٍ ابن ثمان سنين، ثم أسلم زيد بن حارثة مولى محمد صلى الله عليه وسلم ومتبنّاه قبل تحريم ذلك ، فكان أول ذكر أسلم وصلّى بعد علي بن أبي طالب، وفي رواية الزهري أن زيد بن حارثة كان أول الرجال إسلامًا.
ثم أسلم صديقه المقرّب أبو بكر بن أبي قحافة، وقيل بل أسلم قبل علي بن أبي طالب، قال أبو حنيفة «بل هو أول من أسلم من الرجال، وعليًا أول من أسلم من الصبيان». ولمّا أسلم أبو بكر أظهر إسلامه فكان أول من أظهر الإسلام في مكة، وجعل يدعو إلى الإسلام من وثِقَ به من قومه ممن يجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.
 ويُروى أنّ أبا بكر رأى رؤيا قبل إسلامه، ذلك أنه رأى القمر ينزل إلى مكة، ثم رآه قد تفرّق على جميع منازل مكة وبيوتها، فدخل في كل بيت منه شعبة، ثم كأنه جمع في حجره، فقصّها على بعض الكتابيين فعبرها له بأن «النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه تتبعه وتكون أسعد الناس به».
وكان محمد صلى الله عليه وسلم في بداية أمره يدعو إلى الإسلام مستخفيًا حذرًا من قريش مدة ثلاث سنين. وكان من أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، وكانت الصلاة ركعتين بالصباح وركعتين بالعشيّ،[138] فكان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا حضرت الصّلاة ذهبوا في الشِّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم. وكان المسلمون الأوائل يلتقون بمحمد صلى الله عليه وسلم سرًا، ولما بلغوا ثلاثين رجلاً وامرأةً، اختار لهم محمد صلى الله عليه وسلم «دار الأرقم بن أبي الأرقم» عند جبل الصفا ليلتقي بهم فيها لحاجات الإرشاد والتعليم. وبقوا فيها شهرًا،لحين ما بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها.


الجهر بالدعوة
بعد مرور ثلاث سنوات من الدعوة سرًا، بدأ محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة جهرًا بعدما تلقّى أمرًا من الله بإظهار دينه، عن علي بن أبي طالب أنه قال: «لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله قرابته، فاجتمع له ثلاثون رجلاً، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟
 فقال علي: أنا».ويروي ابن عباس فيقول: لمّا أنزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» صعد رسول الله على الصّفا فقال: يا معشر قريش! فقالت قريش: مالك يا محمد؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متَّهم، وما جربنا عليك كذبًا قطّ.
 قال: فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ، يا بني عبد المطلب! يا بني عبد مناف! يا بني زهرة! إنّ الله أمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين، وإنّي لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبًا، إلا أن تقولوا لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى «تبت يدا أبي لهب وتب"
وبحسب رواية عن الزهري فإن قريشًا لم تعادي محمدًا صلى الله عليه وسلم ودعوتَه إلا بعد أن نزلت آيات في ذم الأصنام وعبادتها،في حين يتمسك مفسرو القرآن وأغلب كتاب السيرة بأن المعارضة تزامنت مع بدء الدعوة الجهرية للإسلام. فاشتدت قريش في معاداتها لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتصدّوا لمن يدخل في الإسلام بالتعذيب والضرب والجلد والكيّ، حتى مات منهم من مات تحت التعذيب.
قال ابن مسعود «أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وأبو بكر، وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية. فأما رسول الله وأبو بكر فمنعهما قومهما، وأما الآخرون فأُلبسوا أدرع الحديد ثم صُهروا في الشمس وجاء أبو جهل إلى سمية فطعنها بحربة فقتلها حتى محمدًا صلى الله عليه وسلم قد ناله نصيب من عداوة قريش.
 من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص «بينما رسول الله يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم».وقد كان من أشدّهم معاداة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أبو جهل، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، حتى دعا على بعضهم قائلاً: «اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد».
سلكت قريش طريق المفاوضات لثني محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته، فأرسلت عتبة بن ربيعة أحد ساداتهم يفاوضه، فلما سمع القرآن عاد لقريش وقال «أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننّ لقوله الذي سمعت منه بنبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزّكم».
ثم حاولوا مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يرفض في كل مرة. ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم في حصانة عمّه أبي طالب، أرسلوا وفودًا لعمّه يعاتبونه مرات عديدة،حتى صعُب على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له، فقال لمحمد صلى الله عليه وسلم «يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا كذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك»،
فظنّ محمد صلى الله عليه وسلم أن قد بَدَا لعمّه فيه، وأنه خاذله ومُسْلمه، وضعف عن القيام معه. فقال محمد صلى الله عليه وسلم كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». ثم بكى محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب «يا ابن أخي، إمضِ على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا».
الهجرة إلى الحبشة
لما اشتد البلاء على المسلمين، أذن لهم محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة عند الملك أصحمة النجاشي، قائلاً لهم «إنّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرج 11 رجلاً و4 نسوة، على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، في شهر رجب من سنة خمس من البعثة (8 ق هـ)، وكان رحيل هؤلاء تسللًا في الليل، خرجوا إلى البحر وقصدوا "ميناء شعيبة"، وكانت هناك سفينتان تجاريتان أبحرتا بهم إلى الحبشة،فكانت أول هجرة في الإسلام.
وفي أعقاب الهجرة إلى الحبشة، وتحديدًا في شهر رمضان، خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك قد سمعوا القرآن من قبل، لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصوا به من قولهم ﴿لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة آية ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ ثم سجد، فسجد معه كل من كان حاضرًا من قريش، إلا شيخًا أخذ كفًا من حصى فرفعه إلى جبهته وقال: «يكفيني هذا»، فشاع أن قريشًا قد أسلمت.
ولما بلغ المسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا، رجع ناس منهم إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فلم يدخل أحدٌ مكة إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش ثم رجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية،فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارًا أو ولدوا بها، 83 رجلاً.
 ولما رأت قريش أنّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد أمنوا في الحبشة، بعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص محمّلين بالهدايا للنجاشي وبطارقته علّه يخرج المسلمين من دياره، فدعى النجاشي المسلمين، وقام جعفر بن أبي طالب مدافعًا عن المسلمين، فقرأ على النجاشي بعضًا من سورة مريم، فبكى النجاشي، وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون - يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه».وقد هاجر معظم الذين هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة المنورة، بعد أن استقر الإسلام فيها، وتأخر جعفر ومن معه إلى فتح خيبر سنة 7 هـ.
حصار بني هاشم
لما بلغ قريشًا فعل النجاشي بالمسلمين، وأن عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب قد أسلما، وعندما رأوا الإسلام يفشوا في القبائل،كبُر ذلك عليهم، وأجمعوا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم ، فكلّموا بني هاشم في ذلك فرفضوا تسليمه إليهم، وأجمع بنو هاشم أمرهم على أن يُدخلوا محمدًا شِعبَهم ويمنعوه ممن أراد قتله، فانحازت بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه مع بني هاشم مسلمهم وغير مسلمهم،إلا أبو لهب فإنه فارقهم وكان مع قريش.
 ولمّا عرفت قريش ذلك، أجمعوا على حصار بني هاشم، بألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم، حتى يسلموا محمدًا صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا بذلك كتابًا وعلّقوه في جوف الكعبة. وكان الذي كتب الصحيفة "منصور بن عكرمة العبدري"، والذي قد رُوي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد دعى عليه فشُلّت يده. وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة (6 ق هـ)، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى اشتد عليهم الحصار وباتوا يأكلون أوراق الشجر، وسُمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب، فأقاموا في الشعب ثلاث سنين،
سعى خمسة من رؤساء قريش في نقض الصحيفة وإنهاء الحصار، فكان أول من بدأ في ذلك الأمر هشام بن عمرو والذي كان يأتي بني هاشم وبني المطلب بالطعام إلى الشعب ليلاً، وآزره زهير بن أمية (أمه عاتكة بنت عبد المطلب)، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود.
ثم قد علم محمد صلى الله عليه وسلم أمر صحيفتهم وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها إلا ذكر الله، وهي كلمة "باسمك اللهم"، فذكر ذلك لأبي طالب، ليخرج أبو طالب قائلاً لقريش «إنّ ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قطّ أنّ الله قد سلّط على صحيفتكم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم، وان كان كاذبًا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه»
 قالوا «قد أنصفتنا»، فأرسلوا إلى الصحيفة، ففتحوها فإذا هي كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقال أبو طالب: «علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر؟ ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة والكعبة فقال: "اللهم انصرنا ممن ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا"». وعند ذلك قام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزقها، ثم مشى مع من أجمعوا على نقض الصحيفة، فلبسوا السلاح ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا. وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة للبعثة (3 ق هـ).
ولم يلبث أبو طالب حتى توفي في رمضان أو شوال من السنة العاشرة للبعثة (3 ق هـ)، وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة، وقيل: كانت وفاته في رجب بعد ستة أشهر من خروجهم من الشعب، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاث سنين. ولم تكن قريش تستطيع النيل من محمد صلى الله عليه وسلم أو أذيته حتى توفي أبو طالب.
 فرُوي عنه أنه قال: «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب». وبعد وفاة أبو طالب بشهر وخمسة أيام، وقيل بشهرين، توفيت زوجته خديجة بنت خويلد في رمضان من السنة العاشرة للبعثة، ودفنت في مكة ولها من العمر65 سنة، والنبي محمد إذ ذاك في الخمسين من عمره،فحزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم على فقدان عمه وزوجته حتى سمّى ذلك العام بـ عام الحزن. وبعد أيام من وفاتها، تزوج محمد صلى الله عليه وسلم من سودة بنت زمعة  في شوال.
الخروج إلى الطائف
بعدما اشتد الأذى من قريش على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد موت أبي طالب، قرر محمد صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الطائف حيث تسكن قبيلة ثقيف يلتمس النصرة والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يسلموا،فخرج مشيًا على الأقدام ومعه زيد بن حارثة، وذلك في ثلاث ليال بَقَيْن من شوال سنة عشر من البعثة (3 ق هـ)، الموافق أواخر مايو سنة 619م،
فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فلم يجيبوه، وردّوا عليه ردًا شديدًا،وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي محمد صلى الله عليه وسلم لتدميان وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى جُرح في رأسه. وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، على ثلاثة أميال من الطائف،ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فلما اطمأن محمد صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني (يلقاني بالغلظة)، أم إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك. لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك
فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي، بعثوا له بعنب مع غلام لهما نصرانيّ يقال له "عداس"، ففعل عداس، فلما سمع محمد صلى الله عليه وسلم يقول «باسم الله» ثم أكل، فنظر عداس في وجهه ثم قال «والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد» فقال له محمد صلى الله عليه وسلم «ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟» قال «نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى» فقال «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟» فقال له عداس «وما يدريك ما يونس بن متى؟» فقال «ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي»، فأسلم عداس، وأكبّ على محمد صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
فانصرف محمد صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعًا إلى مكة وهو محزون لم يستجب له أحد من أهل البلد، فلما بلغ "قرن الثعالب" بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل الطائف، وهما الجبلان اللذان هي بينهما، فرفض ذلك قائلاً: «بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا».
 ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ "وادي نخلة"، وأقام فيه أيامًا، وخلال إقامته هناك استمع نفر من الجن إليه وهو يقرأ سورة الجن وهو يصلي بالليل،فنزلت ﴿وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن﴾.ثم تابع مسيره، فدخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وهو ينادي «يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم»، حتى وصل محمد صلى الله عليه وسلم للكعبة وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محيطون به.

الإسراء والمعراج
بعد رحلة الطائف، حدثت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم رحلة الإسراء والمعراج. وجمهور المسلمين من أهل السنة والشيعة يؤمنون بأن هذه الرحلة كانت بالروح والجسد معًا يقظةً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،وكانت قد حدثت له حادثة شق الصدر للمرة الثالثة قبل أن يركب البراق، بصحبة جبريل. فنزل في المسجد الأقصى وربط البراق بحلقة باب المسجد، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به إلى فوق سبع سماوات مارًا بالأنبياء آدم، ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ويوسف، وإدريس، وهارون وموسى وإبراهيم. وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار  وفُرض عليه الصلوات الخمسة بعد أن كانت خمسين صلاة. يقول البوصيري في قصيدة البردة:
سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ    كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً      من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها         والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ     في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ

ثم انصرف في ليلته عائدًا راكبًا البراق بصحبة جبريل، فوصل مكة قبل الصبح، فلما أصبح أخبر قومه برحلته فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فتمثّل له بيت المقدس حتى عاينه، فبدأ يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال. وصدّقه بكل ما قاله أبو بكر فسُمي يومئذ بالصّدّيق
بيعة العقبة الأولى والثانية
بدأ محمد صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في مواسم الحج على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويسألهم أن ينصروه ويمنعوه حتى يبلغ الإسلام للناس. ولما كانت السنة الحادي عشر من النبوة (2 ق هـ)، وبينما هو عند "العقبة" في منى، لقي ستة أشخاص من الخزرج من يثرب، فدعاهم إلى الإسلام.
 فقال بعضهم لبعض «يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه» وقد كان اليهود يتوعدون الخزرج بقتلهم بنبي آخر الزمان. فأسلم أولئك النفر، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم. فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم خبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ من النبي محمد. صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة في منى، فبايعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم على "بيعة النساء" فكانت بيعة العقبة الأولى.
ولما انصرف القوم، بعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام، فكان يُسمّى بالمقرىء، فأقام في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام، ويصلي بهم، فأسلم على يديه سعد بن عبادة وأسيد بن حضير وهما يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، فأسلم جميع قومهما بإسلامهما، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخَطْمَة ووائل، كان فيهم قيس بن الأسلت (وكان قائدًا لهم يطيعونه) فوقف بهم عن الإسلام حتى كان سنة 5 هـ. وقبل حلول موسم الحج التالي عاد مصعب بن عمير إلى مكة.
وفي موسم الحج للسنة الثالثة عشرة من البعثة (يونيو سنة 622م) اتفق عدد من المسلمين من أهل يثرب أن يأتوا مكة مع قومهم للحج قائلين «حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟»، فقدم مكة منهم سبعون رجلاً وامرأتان،جرت بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم اتصالات سريّة أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا ليلاً في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى،
 فلما التقوا به وكان بصحبة عمّه العباس، قالوا له «يا رسول الله نبايعك؟» فقال لهم: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة»،[196] فبايعوه رجلاً رجلاً بدءًا من أسعد بن زرارة وهو أصغرهم سنًا. وعُرف ذلك الاتفاق بـ بيعة العقبة الثانية وقد كانت في شهر ذي الحجة قبل الهجرة إلى المدينة بثلاثة أشهر.
وبعد أن تمت البيعة طلب محمد صلى الله عليه وسلم أن يختاروا اثني عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، فتم اختيارهم في الحال، ثم عاد المبايعون إلى قومهم في مكة، وقد فشا في قريش أمر البيعة عندما صاح شيطان اسمه "أزب العقبة" بذلك، فلم يتأكدوا من الأمر حتى غادر الأوس والخزرج عائدين إلى ديارهم، فلحقت بهم قريش فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة، فمسكوه وضربوه فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم





الهجرة إلى المدينة
لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله
المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان
اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء
—    أنس بن مالك
لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة المنورة أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم المسلمون أرسالاً فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم. ولم يبقَ بمكة منهم إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي بن أبي طالب أو مفتون محبوس أو ضعيف عن الخروج.
ولما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج محمد صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمد صلى الله عليه وسلم فيتفرّق دمه في القبائل. فأخبر جبريل محمد صلى الله عليه وسلم بالخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد صلى الله عليه وسلم عليًا أن ينام مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ثم يلحق به.
 واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد، وهو يحثوا على رؤوسهم التراب تاليًا آيات من سورة يس. فجاء إلى أبي بكر، وقد كان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، ويكون دليلاً لهما، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 سبتمبر سنة 622م
 وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فمضيا إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعش، وجعلت قريش فيه حين فقدوه 100 ناقة لمن يردّه عليهم، فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم » فانصرفوا.
 ومكث محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، حتى خرجا من الغار 1 ربيع الأول، أو 4 ربيع الأول. وبينما هما في الطريق، إذ عرض لهما سراقة بن مالك وهو على فرس له فدعا عليه محمد صلى الله عليه وسلم فرسخت قوائم فرسه، فقال «يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي»، ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون محمد صلى الله عليه وسلم فقال «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا» فرجعوا عنه.
وصل محمد صلى الله عليه وسلم قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول، فنزل على كلثوم بن الهدم، وجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف. وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى الودائع التي كانت عند محمد صلى الله عليه وسلم للناس،
 حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم. وبقي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف 4 أيام، وقد أسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول،سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م،وعمره يومئذ 53 سنة.
 ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول ، بعدما كانت يثرب، ويعبّر عنها بالمدينة مختصرًا أو المدينة المنورة. ولما دخل المدينة، راكبًا ناقته القصواء، تغنّت بنات الأنصار فرحات:
طلع البدر علينا    من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا      ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا       جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة     مرحبًا يا خير داع
واعترضه الأنصار يكلمونه بالنزول عليهم، فيقول لهم «إنّها مأمورة فخلّوا سبيلها»، حتى انتهت فبركت في مربد  لغلامين يتيمين من بني النجار، فأمر ببناء مسجد عليه، وهو المسجد النبوي الآن، ثم جاء أبو أيوب الأنصاري فحطّ رحله فأدخله منزله فقال محمد صلى الله عليه وسلم «المرء مع رحله»، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، فكانت عنده.
 وخرجت جوارٍ من بني النجّار فرحات بقدومه وهنّ يضربن بالدف ينشدن: «نحن جوار من بني النجار، يا حبّذا محمد من جار». وكان أول شيء يتكلم به في المدينة أن قال «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام وادخلوا الجنة بسلام».
 وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة بنت زمعة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد غزوة بدر، بعد أن وقع زوجها أسيرًا لدى المسلمين، ثم أُطلق سراحه شرط أن يترك زينب تهاجر للمدينة.
وقد اتّخذ عمر بن الخطاب من مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي، لكنهم أخّروا ذلك من ربيع الأول إلى محرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في محرم، إذ كانت بيعة العقبة الثانية في أثناء ذي الحجة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فكان بداية التاريخ الإسلامي والمسمى بالتقويم الهجري.


حياته في المدينة
تأسيس الدولة الإسلامية
كان أول أمر بدأ به النبي محمد صلى الله عليه وسلم بناء المسجد، فاختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين كانا يملكانه بعشرة دنانير أدّاها من مال أبي بكر فبُني المسجد وسُقف بجريد النخل، وجُعلت أعمدته خشب النخل، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء،وكان محمد صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بناءه .
وجُعل له ثلاثة أبواب، وجُعل طوله من القبلة للمؤخرة 100 ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجُعلت قبلته للمسجد الأقصى حتى نزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة بعد ستة عشر شهرًا من الهجرة (2 هـ)،وقد بنى بيوتًا إلى جانبه، وهي حجرات أزواجه، حيث انتقل إليها بعد تكامل البناء من بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن مكث عنده من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر 2 هـ. وبعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر نزل فرض شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهًرا من الهجرة، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال.
وبعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا 90 رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصاري. قال محمد صلى الله عليه وسلم لهم «تآخوا في الله أخوين أخوين»، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال «هذا أخي»، فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر، فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوّة.
ثم نظّم محمد صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان المدينة المنورة، وكتب في ذلك كتابًا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات،كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة. وعاهد فيها اليهود ووادعهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم. وقد احتوت الوثيقة 52 بندًا، 25 منها خاصة بأمور المسلمين و27 مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، لذلك رجح بعض المؤرخين أن تكون في الأصل وثيقتان وليست وثيقة واحدة، كُتبت الأولى (معاهدة اليهود) في سنة 1 هـ قبل غزوة بدر، والثانية (بين المهاجرين والأنصار خاصة) بعد بدر سنة 2 هـ.
بداية النزاع العسكري
منذ بداية وجود المسلمين في المدينة المنورة نصبت أحبار اليهود من بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير لمحمد العداوة، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كانوا يُظهرون إسلامهم ويُخفون عكس ذلك، فسُمّوا بالمنافقين،كان على رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول. وبعد أن استقر المقام بالمسلمين في المدينة المنورة، أُذن لمحمد صلى الله عليه وسلم بالقتال لأول مرة، فكانت آية
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  } أول ما نزل في الإذن بالقتال. فبدأ محمد بإرسال البُعوث والسرايا، وغزا وقاتل هو وأصحابه، فكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه 27 غزوة، قاتل في 9 منها بنفسه، وعدد سراياه 47 سريّة، وفي تلك الغزوات كلّها لم يقتل محمدٌ صلى الله عليه وسلم بيده قطّ أحدًا إلا أبي بن خلف
أوّل السّرايا
- سرية حمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة، في 30 رجلاً من المهاجرين، خرجوا يعترضون عيرًا لقريش فلم تقع حرب،ثم سرية عبيدة بن الحارث،
- سرية سعد بن أبي وقاص. ثم في صفر سنة 2 هـ
- وعلى رأس اثني عشر شهرًا من الهجرة، خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أول غزوة يغزوها بنفسه وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودّان، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة. تلتها غزوة بواط، وغزوة العشيرة وغزوة بدر الأولى.
- وفي 17 رمضان سنة 2 هـ الموافق مارس عام 624م، حدثت غزوة بدر الكبرى، إذ عزم المسلمون بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم ، على اعتراض قافلة تجارية قوامها 1000 بعير لقريش يقودها أبو سفيان بعد أن أفلتت منهم في طريق ذهابها إلى الشام ففي 8 رمضان أو 12 رمضان خرج محمد صلى الله عليه وسلم ومعه 305 رجل، بالإضافة إلى 8 رجال تخلفوا لعذر، فحُسبوا ضمن المشاركين، فكان مجموعهم 313 رجلاً. وقد خرجوا غير مستعدين لحرب،
 فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان، وسبعون من الإبل. فلمَّا علم بهم أبو سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل وأرسل إلى أهل مكة يستنفرهم، فخرج 1000 مقاتل،بقيادة أبي جهل، ومعهم 100 من الفرس، وجمال كثيرة. والتقى الجمعان عند ماء بدر يوم الجمعة صبيحة 17 رمضان سنة 2 هـ،
 وكان محمد صلى الله عليه وسلم يحضّ المسلمين على القتال قائلاً «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، ومن قتَل قتيلًا فله سَلَبُهُ»
وقد ورد في القرآن ما يؤكّد مشاركة الملائكة في المعركة لصالح المسلمين في آية { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } . ولم يمض وقت طويل حتى انتصر جيش المسلمين، وكانت حصيلة المعركة أن قُتل من المسلمين 14 شخصًا، وقُتل من المشركين 70 منهم أبو جهل وأمية بن خلف، وأُسِر 70 شخصًا
 وأسلم من الأسرى 16، وكان يُفادي بهم على قدر أموالهم، ومن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم جزاء حرّيته. لاحقًا قام محمد صلى الله عليه وسلم بطرد يهود بني قينقاع في غزوة بني قينقاع، إثر قيام أحدهم بكشف عورة إحدى المسلمات في أحد الأسواق، فقام أحد المسلمين فقتله، فتكالب عليه يهود بني قينقاع حتى قتلوه وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم المسلمون يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ، مدة 15 ليلة، ثم تركهم محمد صلى الله عليه وسلم بدون أن يقتلهم وأمر بهم أن يخرجوا من المدينة
غزوة أحد
سعت قريش للانتقام إثر هزيمتها في غزوة بدر، فخرجت مع عدد من القبائل في 3000 مقاتل و200 فرس و3000 بعير، وقائدهم يومئذٍ أبو سفيان بن حرب. ولما بلغ خبرهم لمحمد صلى الله عليه وسلم اجتمع بأتباعه واقترح عليهم أن يبقوا بالمدينة ويتحصنوا بها، لكنه سرعان ما قرر الخروج للقتال نزولاً على رأي الشباب. فخرج في 1000 من أصحابه، ثم في الطريق انسحب عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش (وهم ممن يُسمَّون بـ "المنافقين").
ثم تابع المسلمون سيرهم ونزلوا في موقع بين جبل أحد وجبل عينين، وجعل على جبل عينين (وهو جبل الرماة) 50 من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير موصيًا لهم أن «قوموا على مصافّكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا».وبدأت غزوة أحد يوم السبت 7 شوال سنة 3 هـ
 واقتتل الفريقان حتى بدت المعركة لصالح المسلمين بهروب قريش، فظنّ الرماة انتهاء المعركة فترك معظمهم مواقعهم مخالفين أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال، فالتف على الجيش، وتغيّرت موازين المعركة لصالح قريش، وأوجعوا في المسلمين قتلاً شديدًا، وولّى من وّلى منهم يومئذ، وثبت مع محمد صلى الله عليه وسلم 14 رجلاً من أصحابه فيهم أبو بكر، وقد أصيب محمد صلى الله عليه وسلم وقتئذٍ، فكُسرت رباعيته اليمنى السفلى وجُرحت شفته السفلى، وجرح في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم
وهو يقول «كيف يُفلح قومٌ خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربّهم»ودخلت حلقتان من حِلَق المغفر في وجنته ووقع في حفرة، وضربه "ابن قمئة" بالسيف على عاتقه الأيمن، فأُشيع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قتل،فلما عرف المسلمون بأنه ما زال حيًا نهضوا به نحو شِقّ في جبل أحد للاحتماء فيه، وحاول أعداؤهم الوصول إليه ففشلوا فأوقفوا القتال مكتفين بانتصارهم هذا. كان من نتيجة المعركة أن قُتل حمزة بن عبد المطلب على يد وحشي بن حرب، ومثّلت به هند بنت عتبة فشقت بطنه عن كبده وجدعت أنفه وأذناه، فسُمي حينها بأسد الله وأسد رسوله.
ولما كان يوم غد الأحد 8 شوال، أمر محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه ممن شارك في غزوة أحد بالخروج في طلب قريش في غزوة حمراء الأسد، مرهبًا قريش ليظنّوا به قوة، فخرجوا حتى عسكروا في منطقة "حمراء الأسد" وأوقدوا فيها 500 نارًا، وكان أبو سفيان يوم الأحد أراد الرجوع إلى المدينة ليستأصل بقية المسلمين، فنصحهم صفوان بن أمية بن خلف بالرجوع إلى مكة عندما سمع نبأ خروج محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرجعوا، فعاد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة يوم الأربعاء بلا قتال.
غزوة بني النضير
ثم في وقت لاحق في شهر ربيع الأول سنة 4 هـ، حدثت غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بنو النضير بالغدر وقتل محمد، فنقضوا بذلك الصحيفة، فأمهلهم محمد 10 أيام ليغادروا المدينة، فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم محمد 15 يومًا، ، ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على 600 بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم من أموالهم ما تركوه وراءهم.
غزوة الخندق
لما أُجلي بنو النضير، وساروا إلى خيبر، خرج نفر من وجهائهم فحرّضوا قريشًا وغطفان ودعوهم إلى حرب محمد صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم على قتاله، فوافقوهم. وتجهزت قريش فجمعوا 4000 شخص، ومعهم 300 فرس. وانضم إليهم أعدادًا من بني سليم وبني أسد، وفزارة، وغطفان، وبني مرة. فكان جميعهم 10,000 سُمّوا بـ الأحزاب، وكان قائدهم أبو سفيان، فكانت ما عُرف بـ غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب، وكانت في شوال سنة 5 هـو
فلما سمع بهم محمد صلى الله عليه وسلم ، عسكر بثلاثة آلاف من المسلمين إلى سفح جبل سلع، وكان شعارهم «حَم، لَا يُنْصَرُونَ»، وجعل النساء والأطفال في آطام (حصون)، ثم حفر الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي، وكان يعمل فيه بيده، فانتهوا منه بعد 6 أيام
ولما انتهوا من الخندق، أقبلت قريش ومن معهم من الأحزاب وحاصروا المدينة حصارًا شديدًا وفي أثناء ذلك وافق يهود بني قريظة على أن يسمحوا للأحزاب بدخول المدينة من الجزء الخاص بهم بعد أن فاوضهم حيي بن الأخطب القادم مع الأحزاب، لكن ذلك لم يتم بسبب حيلة استخدمها الصحابي "نعيم بن مسعود الغطفاني" للإيقاء من بني قريظة والأحزاب.
 واشتد الحصار على المسلمين ودبّ فيهم الخوف والرعب، فنزلت آيات من سورة الأحزاب تصف ما حدث  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا  إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا }
وأقام المسلمون والأحزاب 24 ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار. حتى جاءت ريح شديدة لمعسكر الأحزاب، فارتحلوا على إثرها. كان من نتيجة هذا الحصار أن قُتل 8 من المسلمين، و4 من الأحزاب. ولما انصرف الأحزاب عن المدينة، قال محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم»، فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو الذي يغزوها، وذلك حتى فتح مكة.
بعد انتهاء المعركة، رجعت بنو قريظة فتحصنوا بحصونهم، ووضع محمد صلى الله عليه وسلم  السلاح. فجاءه جبريل في صورة دحية الكلبي فقال: «أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟» قال «نعم» فقال جبريل «فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم. إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم»
فأمر محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل إليهم 7 ذو القعدة 5 هـ،فكانت غزوة بني قريظة، فحاصرهم المسلمون وهم يومئذ 3000، 25 ليلة حتى أتعبهم الحصار. فأعلن بنو قريظة استسلامهم، فقام محمد صلى الله عليه وسلم بتحكيم سعد بن معاذ فيهم فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فقال محمد صلى الله عليه وسلم «لقد حكمتَ فيهم بحكم الله».فأمر محمد صلى الله عليه وسلم بتنفيذ الحكم وتم إعدام ما بين 700 إلى 900 شخص.
صلح الحديبية
في شهر ذي القعدة سنة 6 هـ الموافق 628 م، أمر محمد صلى الله عليه وسلم أتباعه باتخاذ الاستعدادات لأداء مناسك العمرة في مكة، بعد أن رأى في منامه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وطافوا واعتمروا. واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه، فخرج منها يوم الإثنين غرّة ذي القعدة سنة 6 هـ، في 1400 أو 1500، ولم يخرج بسلاح، إلا سلاح المسافر (السيوف في القُرُب)، وساق معه الهدي 70 بدنة.
 ولمّا علمت قريش بذلك، قررت منعه عن الكعبة، فأرسلوا 200 فارس بقيادة خالد بن الوليد للطريق الرئيسي إلى مكة. لكنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم اتخذ طريقًا أكثر صعوبة لتفادي مواجهتهم،حتى وصل إلى الحديبية على بعد 9 أميال من مكة،فجاءه نفر من خزاعة ناصحين له،
 فقال لهم محمد صلى الله عليه وسلم «إنّا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلّوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا إلا القتال فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذنّ الله أمره».
فعادوا إلى قريش موصلين تلك الرسالة، فبعثت قريش عروة بن مسعود الثقفي، ليفاوض المسلمين، فأعاد محمد صلى الله عليه وسلم عليه نفس العرض، فعاد لمكة قائلاً: والله ما رأيتُ ملكًا يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله ما تَنَخَّمَ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له، وقد عرض عليكم خطة رُشْدٍ فاقبلوها
ثم أرسل محمد صلى الله عليه وسلم  عثمان بن عفان إلى قريش ليفاوضهم، فتأخر في مكة حتى سرت إشاعة أنه قد قُتل. فقرر محمد صلى الله عليه وسلم  أخذ البيعة من المسلمين على أن لا يفرّوا، فيما عرف ببيعة الرضوان، فلم يتخلّف عن هذه البيعة أحد إلا جد بن قيس،
ونزلت آيات من القرآن الكريم { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } . خلال هذا وصلت أنباء عن سلامة عثمان، وأرسلت قريش سهيل بن عمرو لتوقيع اتفاق مصالحة عرف بصلح الحديبية، ونصّت بنوده على عدم أداء المسلمين للعمرة ذلك العام على أن يعودوا لأدائها العام التالي، كما نصّت على أن يرد المسلمون أي شخص يذهب إليهم من مكة بدون إذن، في حين لا ترد قريش من يذهب إليهم من المدينة. واتفقوا أن تسري هذه المعاهدة لمدة 10 سنوات، وبإمكان أي قبيلة أخرى الدخول في حلف أحد الطرفين لتسري عليهم المعاهدة.
 فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه، عمّ المسلمين الحزن الشديد بسبب بنود الصلح، وعدم تمكنهم من أداء العمرة، فقال لهم محمد صلى الله عليه وسلم  «قوموا فانحروا» ثلاثًا فما قام منهم أحد، ثم قام محمد صلى الله عليه وسلم  ولم يكلّم أحدًا منهم حتى نحر بُدْنَه، ودعا خراش بن أمية فحلق له رأسه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا وأقاموا بالحديبية بضعة عشر يومًا ويقال عشرين يومًا، ثم انصرفوا.
كان من نتائج الصلح أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم  رسائل إلى العديد من الملوك في العالم، داعيًا إياهم إلى اعتناق الإسلام، واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك في شهر ذي الحجة سنة 6 هـ،وقيل بل في بداية شهر المحرم سنة 7 هـ قبل غزوة خيبر بأيام. فكان أول رسول عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما وصله الكتاب، وضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعًا، فأسلم على يد جعفر بن أبي طالب وقال «لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته».
 وأرسل دحية الكلبي إلى قيصر (هرقل) ملك الروم، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك فارس، فلما وصله الكتاب مزّقه، فقال في ذلك محمد «اللهم مزّق مُلكَه». وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر، فلما وصله الكتاب بعث لمحمد كهدية جاريتين هما مارية القبطية (والتي أخذها لنفسه فولدت له إبراهيم)، وأختها سيرين بنت شمعون (والتي أعطاها لحسان بن ثابت) وبغلة (دُلدُل)، ولكن المقوقس لم يُسلِم. وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة. وبعث آخرين إلى ملوك عدة غيرهم.
غزوتا خيبر ومؤتة
بعدما أمن محمد صلى الله عليه وسلم  قريشًا بعد الحديبية، أراد أن يحاسب اليهود لتحريضهم القبائل في غزوة الأحزاب، فخرج في شهر محرم 7 هـ في غزوة خيبر، بشكل سريّ مباغتةً لليهود، وكان معه 1500 مقاتل هم أصحاب بيعة الرضوان، وأعطى الراية إلى علي بن أبي طالب، وشعارهم يومئذ «يا منصُور أمِت أمِت».
 فلما علم أهل خيبر، أرسلوا إلى غطفان يستمدونهم مقابل نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين.  فلما وصل المسلمون قريبًا من خيبر ليلاً باتوا ليلتهم ولا تشعر بهم اليهود، حتى إذا أصبحوا وركبوا رأوهم عمال خيبر، فهربوا وتحصنوا بحصون لهم،
فقال محمد صلى الله عليه وسلم  «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم، فسَاء صباح المنذَرين». وبدأ المسلمون يفتحون حصونهم حصنًا حصنًا، يأخدون منهم سبايا، فكان منهنّ صفية بنت حيي بن أخطب والتي أسلمت وتزوجها محمد فيما بعد. وكان آخر الحصون فتحًا "الوطيح" و"السلالم"، فحاصرها المسلمون بضع عشرة ليلة، حتى انتصروا.
 وكان محمد صلى الله عليه وسلم  يريد أن يجلي اليهود من خيبر، لكن محمد صلى الله عليه وسلم  اتفق معهم على أن يعطوه نصف محصولهم كل عام على أن يبقيهم في أراضيهم. ولما رجع محمد صلى الله عليه وسلم  من خيبر، قدم جعفر بن أبي طالب ومن معه من أرض الحبشة وهم آخر من كانوا هناك، فتلقّاه محمد صلى الله عليه وسلم  فرحًا وقال «ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر».
 بعد ذلك أقام محمد بالمدينة 8 أشهر، ثم خرج في ذي القعدة 7 هـ، قاصدًا للعمرة، فكانت "عمرة القضاء"، على ما اتفق عليه مع قريشًا في صلح الحديبية. فأتم عمرته، وتزوج هنالك ميمونة بنت الحارث، خالة ابن عباس وخالد بن الوليد.
ثم في جمادي الأولى سنة 8 هـ، كانت غزوة مؤتة في جنوب الأردن، كان سببها قتل الغساسنة لرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم  الحارث بن عمير الأزدي الذي أرسله بكتاب إلى ملك بصرى يدعوه إلى الإسلام،فأرسل محمد صلى الله عليه وسلم  جيشًا قوامه 3000 مقاتل قائلاً بقيادة زيد بن حارثة يليه جعفر بن أبي طالب إن قُتل، ثم عبد الله بن رواحة إن قُتل الأوّلان، وكان في مقابلهم جيش الروم بقيادة هرقل قوامه 100,000 مقاتل. فالتقى الجيشان، فقُتل قادة المسلمين الثلاثة،
ثم استلم القيادة خالد بن الوليد، واستطاع بحيلة منه أن ينسحب بجيش المسلمين عائدًا إلى المدينة المنورة، فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين جعلوا يحثون في وجوههم التراب ويقولون «يا فُرّار، أفَرَرتم في سبيل الله؟» فيقول محمد «ليسوا بُفرّار، ولكنهم كُرّار إن شاء الله».
فتح مكة
كان من نتائج صلح الحديبية أن دخلت قبيلة خزاعة في حلف محمد صلى الله عليه وسلم  ، وبنو بكر في حلف قريش، وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام،فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا، ثم أغارت بنو بكر على خزاعة على ماء لهم يقال له "الوتير" ليلاً، فقتلوا منهم أناس، وأمدت قريش بني بكر بالسّلاح وقاتل بعضهم معهم.
 فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على محمد صلى الله عليه وسلم  وهو جالس في المسجد فقال:
يَـا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا   حِلفَ أبِينَا وأبِيهِ الأتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا       ثُمّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا   وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا       وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا             وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا
وزَعَمُوا أنْ لَستُ أَدعُو أَحَدًا          وَهُـم أَذَلُّ وَأَقَـلُّ عَـدَدًا
فقال له محمد صلى الله عليه وسلم  «نُصِرتَ يا عمرو»، ثم جاء أبو سفيان بن حرب قادمًا من مكة يريد تجديد الصلح، فُقوبل بالرفض. ثم أمر محمد صلى الله عليه وسلم  بتجهيز الجيش والتحرك نحو مكة وهو يكتم ذلك حتى يبغت قريشًا،واستنفر الأعراب والقبائل المسلمة، فخرج في 10,000 مقاتل يوم 10 رمضان 9 هـ،والناس يومئذ صائمون. ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبد المطلب.
 وكان قد خرج بأهله وعياله مسلمًا مهاجرًا، ثم لما كان بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية فأسلما، ثم عسكر بالجيش في مر الظهران وأُوقدت 10,000 نار، فجاء أبو سفيان بن حرب يتحسس، فلقيه العباس بن عبد المطلب وجاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم  فأسلم أبو سفيان.
 وفي يوم الثلاثاء 17 رمضان سنة 8 هـ،تابع الجيش مسيره إلى مكة. في أثناء ذلك مرّ سعد بن معاذ بأبي سفيان قائلاً: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسْتَحَلُّ الكعبة» فلما بلغ ذلك القول محمدًا صلى الله عليه وسلم  قال «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، يوم تُكسَى فيه الكعبة».
ثم رجع أبو سفيان إلى مكة وجعل ينادي بكلمات أعطاها له محمد صلى الله عليه وسلم  «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن! ومن أغلق عليه بابه فهو آمن! ومن دخل المسجد فهو آمن». ثم دخل الجيش مكة موزعين، فدخلها خالد بن الوليد ومن معه من أسفلها، ودخلها الزبير بن العوام ومن معه من أعلاها، ودخلها أبو عبيدة بن الجراح من بطن الوادي. وأمرهم أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم،وأهدر يومئذ دماء تسعة نفر، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة،
فلم يحصل قتال إلا ما كان من خالد بن الوليد ومن معه فقد قتلوا 12 رجلاً. ثم وصل الجيش الكعبة، فدخلوا المسجد، فأقبل محمد صلى الله عليه وسلم  إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت 360 صنمًا، فجعل يطعنها بالقوس ويقول ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾والأصنام تتساقط على وجوهها.
 ثم خاطب قريشًا فقال « يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال «فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء
ثم أتى جبل الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه، والأنصار تحته يقول بعضهم لبعض «أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته». فجاءه الوحي بما يقولون، فقال «يا معشر الأنصار، قلتم "أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته"؟» قالوا: «قلنا ذلك يا رسول الله» قال «فما اسمى إذن، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» فأقبل إليه الأنصار يبكون.
الصراع مع القبائل العربية
بعد وقت قصير من فتح مكة، تحالفت قبائل هوزان وثقيف وبعضٌ من بني هلال،وعزموا أمرهم على حرب المسلمين، فخرجوا ومعهم أموالهم وعيالهم ونساؤهم، ما يجعلهم يقاتلون حتى الموت. فلما سمع بهم محمد صلى الله عليه وسلم  وهو في مكة خرج في غزوة حنين يوم السبت 6 شوال سنة 8 هـ، وكان ذلك اليوم التاسع عشر من يوم دخوله مكة، وخرج معه 12,000 مقاتل، فأصاب بعضهم العُجب لكثرة الجيش فقالوا «لن نُغلَب اليوم من قِلّة
ولما وصل المسلمون "وادي حُنين" بغتتهم هوزان وهاجموهم بفخّ كانوا قد نصبوه لهم، فهرب المسلمون وثبت محمد صلى الله عليه وسلم  ونفر من المهاجرين وأهل بيته،فجعل محمد صلى الله عليه وسلم  ينادي «أنا النَّبيُّ لا كذب، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلب»، فعطف المسلمون عليه راجعين بسيوفهم ورماحهم، ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه هوزان، ثم قال «انهزموا وربَّ مُحمّد
ثم انهزمت هوزان وثقيف وهرب معظمهم إلى الطائف وأُنزل من القرآن الكريم { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ  ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }  .
بعد أن فرغ محمد من غزوة حنين، وفي الشهر نفسه،توجّه إلى الطائف مطاردًا هوزان وثقيف بعد أن تحصنوا فيها، فكانت غزوة الطائف، فحاصرتهم الجيوش الإسلامية 40 يومًا،فاستعصوا وتمنعوا، وقتلوا جماعة من المسلمين بالنبل وغيره. فلما طال الحصار قال محمد «لم يُؤذَن لنا حتى الآن فيهم، وما أظن أن نفتحها الآن»،وأمر الناس بالرجوع وفكّ الحصار،حتى وصلوا "الجعرانة"، فأتاه وفد هوازن هنالك مسلمين.
غزوة تبوك
في رجب سنة 9 هـ،حدثت غزوة تبوك آخر غزوات محمد، بعد أن وصلت أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة،قد هيؤوا جيشًا لمهاجمة الدولة الإسلامية. ، فحثّ الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا بسبب الحرّ الشديد والسفر البعيد،وأرسل إلى القبائل العربية يستنفرهم على قتال الروم، فخرج في 30,000 مقاتل، تصحبهم 10,000 فرس، واستخلف محمد بن مسلمة على المدينة المنورة، وتخلف عدد من المسلمين بلا عذر منهم كعب بن مالك وهلال بن ربيع ومرارة بن الربيع وأبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري (وقد لحق به أبو ذر وأبو خيثمة لاحقًا)،
 وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحرّ وقلّة وسائل الركوب قسُميت لذلك "غزوة العُسرة"، والجيش بـ "جيش العُسرة".فلما وصل تبوك، أقام فيها 20 ليلةً،فلما سمع الرومان وحلفاؤهم بزحف الجيوش الإسلامية أخذهم الرعب، وتفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، ثم انصرف جيش المسلمين من تبوك بلا قتال، وقدم المدينة المنورة في شهر رمضان سنة 9 هـ،
 وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون «قد انقطع الجهاد»، فبلغ ذلك محمد صلى الله عليه وسلم  فنهاهم وقال «لا تزال عصابةٌ من أمّتي يجاهدون على الحقّ حتى يخرج الدجال».وقد نزلت آيات كثيرة من سورة التوبة حول تلك الغزوة وظروفها.
وفي نفس شهر رمضان، قدم وفد من ثقيف المدينة المنورة مسلمين. ثم في ذي القعدة أو ذي الحجة من سنة 9 هـ بعث محمد صلى الله عليه وسلم  أبا بكر أميرًا على الحج، ليقيم بالمسلمين المناسك. فخرج في 300 رجل من المدينة وبعث معه محمد 20 بَدَنة. وفي تلك الفترة بدأت مختلف قبائل العرب بالوفود على محمد في المدينة وإعلان إسلامها،والتي كان لغزوة تبوك وإسلام ثقيف ومن قبل فتح مكة السبب الأكبر في تلك الوفود.
 فجاء ما يقارب السبعين وفدًا بين عامي 9 هـ و10 هـ للمدينة لإعلان إسلامهم،حتى سُمّي عام 9 هـ بعام الوفود. فكان ممن جاءوا وفد قبيلة عبد القيس، وقبيلة دَوس، وقبيلة همدان، ووفد نجران، وبنو عذرة، وقبيلة بَلِي، وبني حنيفة، وبني عامر بن صعصعة، وقبيلة طيء، وبنو تجيب، وغيرهم

حجة الوداع
في شهر ذي القعدة سنة 10 هـ عزم محمد صلى الله عليه وسلم  على أداء مناسك الحج، بعد أن مكث في المدينة المنورة 9 سنوات لم يحج فيها أبدًا. فأذّن في الناس أنه خارج، فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتم بمحمد. فكانت حجة الوداع أو حجّة البلاغ أو حجّة الإسلام،
 لأنه ودّع الناس فيها ولم يحجّ بعدها، ولأنه ذكر لهم ما يحلّ وما يحرم وقال لهم «هل بلغت؟»، ولأنه لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. وفي يوم السبت 25 ذو القعدة سنة 10 هـ خرج محمد صلى الله عليه وسلم  على ناقته «القصواء» إلى مكة للحج، وخرج معه حوالي 100,000 من المسلمين من الرجال والنساء، واستعمل على المدينة أبا دُجانة. فلما وصل ذا الحليفة أحرم هناك وصلى العصر ثم أكمل مسيره ملبيًا «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»
دخل محمد صلى الله عليه وسلم  مكة ضحى يوم الأحد 4 ذو الحجة، من الثنية العليا، ودخل المسجد الحرام صبحًا من "باب عبد مناف" المعروف الآن بـ "باب السلام"،ولما أبصر الكعبة قال «اللهم زِد هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا ومهابةً وبرًا، وزِد مَن شَرَّفه وكرَّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا». ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وبكى، ثم طاف بالبيت سبعًا، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم دخل زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مجّ فيه ثم أفرغها في زمزم. ثم سعى بين الصفا والمروة سبعًا. وفي 8 ذو الحجة توجه إلى منى فبات فيها. وفي 9 ذو الحجة توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم،
ثم خطب فيهم "خُطبة الوداع"، جاء فيها: إنّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيّ موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعةٌ. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت. فقال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات
وفي ذلك الموقف على جبل عرفة، نزلت الآية القرآنية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾
معجزاته صلى الله عليه وسلم
نؤمن نحن المسلمبن جميعًا بأن المعجزة الكبرى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي تحدّى بها الناس هي القرآن الكريم ثم أثبت أغلبهم معجزات حسيّة أخرى لمحمد صلى الله عليه وسلم منسوبة إليه في كتب الحديث، وقد عارضها قومٌ لِمَا نزل في القرآن بأنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يُؤتَ معجزات إلا القرآن، في آية { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } .
 بينما تمسّك الأخرون بإثباتها باعتبار أنه لم يُقصَد بها التحدّي وإقامة الحجّة على صدق محمد، صلى الله عليه وسلم بل كانت تكريمًا له وتأييدًا، وعناية به.
ولقد نظم الإمام أبو حنيفة النعمان قصيدة في مدح المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم وجمع فيها معجزاته صلى الله عليه وسلم  فقال فيها :
يا سيد السادات جئتك قاصدا *** أرجو رضاك و أحتمي بحماك
والله يا خير الخلائق إن لي *** قلبا مشوقا لا يروم سواك

و بحق جاهك إنني بك مغرم *** و الله يعلم أنني أهواك
أنت الذي لولاك ما خلق امرؤ *** كلا و لا خلق الورى لولاك
أنت الذي من نورك البدر اكتسى *** و الشمس مشرقة بنور بهاك
أنت الذي لما رفعت إلى السما *** بك قد سمت و تزينت لسراك
أنت الذي نادك ربك مرحبا *** و لقد دعاك لقربه و حباك
أنت الذي فبنا سألت شفاعة *** ناداك ربك لم تكن لسواك
أنت الذي لما توسل آدم *** من زلة بك فاز و هو أباك
و بك الخليل دعا فعادت ناره *** بردا و قد خمدت بنور سناك
وبك المسيح أتى بشيرا مخبرا *** بصفات حسنك مادحا لعلاك
و كذاك موسى لم يزل متوسلا *** بك في القيامة محتم بحماك
والأنبياء و كل خلق في الورى *** و الرسل والأملاك تحت لواك
لك معجزات أعجزت الورى **** و فضائل جلت فليس تحاك
نطق الذراع بسمه لك معلنا **** و الضب قد لباك حين أتاك
والذئب جاءك و الغزالة قد أتت **** بك تستجير و تحتمي بحماك
وكذا الوحوش أتت إليك و سلمت **** وشكا البعير إليك حين رآك
و دعوت أشجار أتتك مطيعة *** و سعت إليك مجيبة لنداك
و الماء فاض براحتيك و سبحت *** صم الحصى بالفضل في يمناك
و عليك ظللت الغمامة في الورى *** و الجذع حن إلى كريم لقاك
و كذاك لا أثر لمشيك في الثرى **** و الصخر قد غاصت به قدماك
و شفيت ذا العاهات من أمراضه **** وملأت كل الأرض من جدواك
ورددت عين قتادة بعد العمى **** وأبن الحصين شفيته بشفاك
و على من رمد به داويته **** في خيبر فشفى بطيب لماك
و مسست شاة لأم معبد بعدما **** نشفت فدرت من شفا رقياك
في يوم بدر قد أتتك ملائك **** من عند ربك قاتلت أعداك
و الفتح جاءك بعد فتحك مكة *** و النصر في الأحزاب قد وافاك

هود و يونس من بهاك تجملا **** و جمال يوسف من ضياء سناك
قد فقت يا طه جميع الأنبياء **** طرا فسبحان الذي أسراك
و الله يا ياسين مثلك لم يكن **** في العالمين وحق من  نباك
عن وصفك الشعراء عجزوا **** و كلوا عن صفات علاك
بك لي فؤاد مغرم يا سيدي **** و حشاشة محشوة بهواك
فإذا سكت ففيك صمتي كله **** و إذا نطقت فمادحا علياك
و إذا سمعت فعنك قولا طيبا **** و إذا نظرت فما أرى إلاك
أنا طامع بالجود منك و لم يكن **** لمثلي في الأنام سواك
فلأنت أكرم شافع و مشفع **** ومن التجى بحماك نال رضاك
فاجعل قراى شفاعة لي في غد **** فعسى أرى في الحشر تحت لواك
صلى عليك الله يا علم الهدى **** ما حن مشتاق إلى لقياك
وعلى صحابتك الكرام جميعهم **** والتابعين وكل من والك
القرآن الكريم
القرآن هو معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأساسية التي لم يستطع أحد على مر العصور أن يأتي بمثله بالرغم من تحدّيه بذلك،حيث ورد في القرآن الكريم { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } .
 ويتمثل إعجاز القرآن بشكل أساسي في بلاغته وفصاحته، فكان الإعجاز اللغوي هو أول وأهم أسباب إعجاز القرآن، والذي يشمل عدة أوجه، منها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ومنها صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.
 ومن وجوه الإعجاز الأخرى ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد، وما أنبأ به من أخبار القرون الماضية والشرائع السالفة. وحديثًا ظهر تيار يعتقد بوجود إعجاز علمي في القرآن، حيث تفسر بعض الآيات على أنها تثبت نظريات علمية لم يكتشفها العالم إلا بعد فترة طويلة جدًا من ظهور القرآن.
انشقاق القمر
أجمع المفسرون وأهل السنة من المسلمين على وقوع معجزة انشقاق القمر لأجل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كإحدى المعجزات الباهرات، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة. قال عبد الله بن مسعود «انشق القمر على عهد رسول الله فرقتين؛ فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله : «اشهدوا». وقال المشركون: هذا سحرٌ سحركم ابن أبي كبشة، ولكن انظروا إلى من يقدم من السفّار فسلوهم، فقدِموا فسَألوهم فقالوا: رأيناه قد انشق». وفي ذلك نزلت آية من القرآن الكريم { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}  .
إخباره عن الغيب
من ذلك إخباره يوم غزوة بدر بمصارع قريش، فلم يحد أحد منهم مصرعه الذي عيّنه،وإخباره عن الحسن بن علي بن أبي طالب أن الله سيُصلح به بين فئتين من المسلمين. وإخباره أن ابنته فاطمة أول أهله لحوقًا به بعد موته، وإخباره بشأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بنية المسلمين بفتح مكة، ومن ذلك إخباره عن فتح القسطنطينية، ومن ذلك ما قاله حذيفة بن اليمان «قام فينا رسول الله مقامًا فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه.. والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته».
نبوع الماء من بين أصابعه
تروي كتب الحديث والسيرة وقوع معجزة نبوع الماء من بين أصابع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولم تكن لأحد قبله، والتي قد تكررت في عدة مواطن، حتى عدّ فقهاء المسلمين أن ذلك الماء أشرف أنواع المياه. يروي أنس بن مالك أحد تلك الحوادث قائلاً «رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله بوضوء، فوضع رسول الله يده في ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضئوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم».
حديثه مع الحيوانات والجمادات
من ذلك سماح صوت تسبيح الحصى في كفه، وتكليم الذراع من الشاة التي سُمَّت بأنها مسمومة، وتسليم الشجر والحجر عليه قبل أن يُبعث، ومشي الشجر له، إذ يروي عمر بن الخطاب فيقول «أَمَر النبي فنادى شجرة من قِبل عَقبة أهل المدينة، فأقبلت تخدّ الأرض (تمشي مسرعة) حتى انتهت إليه فسلّمت عليه، ثم أمرها فرجعت إلى موضعها» ومنها حنين الجذع الذي كان يخطب عليه حين اتخذ المنبر، فاحتضنه وكلّمه، وقال «لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة». أما معجزاته مع الحيوانات، فمن ذلك قصة البعير الذي اشتكى لمحمد صلى الله عليه وسلم كثرة العمل وقلة العلف،والجمل الذي بكى حين رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم وشكا إليه أن صاحبه يجيعه،
إبراءه المرضى وذوي العاهات
من ذلك ما رُوي يوم أحد من ردّه عين الصحابي قتادة بن النعمان إلى مكانها بعد أن سالت حدقته على وجنته حتى عادت إلى حالها فكانت أحسن عينيه، ونفثه في عين علي بن ابي طالب وقت غزوة خيبر عندما كان أرمد لا يكاد يبصر. وخبر عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضريرًا جاء محمدًا صلى الله عليه وسلم يريد كشف بصره، فعلّمه أن يقول «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي فأصبح ذلك الرجل بصيرًا.
حياته صلى الله عليه وسلم الشخصية
زوجاته
زوجات محمد صلى الله عليه وسلم يُعرفن في الإسلام بأمهات المؤمنين، وقد اختُلف في عدد زوجات النبي اللاتي دَخَل بهنّ على قولين؛ أنهنّ إثنتا عشر أو إحدى عشر،وسبب الاختلاف هو في مارية القبطية، هل هي زوجة له أم ملك يمين.
 فالمتَّفق عليه من زوجاته إحدى عشرة. القرشيات منهنّ ست، هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة، وأم حبيبة.والعربيات من غير قريش أربع، هن: زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث. وواحدة من غير العرب وهي صفية بنت حيي من بني إسرائيل. وتبقى مارية القبطية وهي من مصر. وتوفِّيت اثنتان من زوجات النبي محمد حال حياته، وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة، وتُوفي هو عن تسع نسوة.
أبناؤه
كان لمحمد صلى الله عليه وسلم من الأولاد ثلاثة بنين وأربع بنات، جميعهم من زوجته خديجة إلا إبراهيم فهو من مارية، وكل أولاده ماتوا في حياته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده. وأولاده البنين هم: القاسم (وبه يُكنّى، توفي وعمره عامان) وعبد الله (الطّيّب الطاهر) وإبراهيم (عاش في المدينة سنة ونصف)،
وأما البنات فهنّ: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. أما زينب فقد تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع قبل الهجرة، وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن عفان الواحدة بعد الأخرى، وأما فاطمة فتزوجها علي بن أبي طالب بين بدر وأحد وليس في بناته من كانت لها ذرية إلا ما كان من ذرية فاطمة، فكان لها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
مواليه صلى الله عليه وسلم وخدامه
امتلك محمد صلى الله عليه وسلم عددًا من الموالي، منهم: زيد بن حارثة (وكان قد تبنّاه قبل الإسلام قبل إلغاء التبني) وابنه أسامة، وثوبان بن بجدد وأبو هند، وأبو لبابة، وأبو رافع. ومن الإماء امتلك مارية القبطية (على خلاف في أنه هل أعتقها فتزوجها أم لا)، وريحانة بنت زيد (إحدى سبايا بني قريظة). وأما خدامه، فكان ألزمهم خدمة للنبي محمد أنس بن مالك، وكان يخدمه أيضًا بلال بن رباح، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر الغفاري، وغيرهم.
أسماؤه
ورد في التراث الإسلامي أنه كان لمحمد صلى الله عليه وسلم عدّة أسماء، فكان يقول عن نفسه «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»، وقال أيضًا «أنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة



صفته صلى الله عليه وسلم الشكلية
•    جسمه: كان فخمًا مفخمًا، مربوعًا ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب، ولم يكن يماشي أحدًا إلا طاله. وقد كان أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالأسمر.
•    رأسه وشعره: كان ضخم الرأس، عظيم الهامة، شديد سواد الشعر، ولم يكن شعره شديد الجعودة ولا مرسل، بل كان فيه تثن قليل. وقد كان كثّ اللحية، تُوفي وليس في رأسه ولحيته 20 شعرة بيضاء،
•    ذراعاه ويداه: كان طويل الذراعين كثيرا الشعر، رحب الراحة غليظ الكفين والقدمين طويل الأطراف، ضخم المفاصل.
•    إبطاه: كان أبيض الإبطين، وهي من علامات نبوته بحسب المسلمين.
•    منكباه وصدره وبطنه: كان منكباه واسعين، كثيري الشعر، وكذا أعالي الصدر. وكان عاري الثديين والبطن، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، طويل المسربة موصول ما بين اللبة (النقرة التي فوق الصدر) والسرة بشعر يجري كالخيط.
•    خاتم النبوة: هي غُدّة حمراء مثل بيضة الحمامة، أو مثل الهلال، فيها شعرات مجتمعات كانت بين كتفيه. وهي من علامات نبوته بحسب المسلمين.
•    وجهه وجبينه: كان مستو الوجه سهل الخدين، ولم يكن مستديرًا غاية التدوير، وكان واسع الجبين مستويًا.
•    عيناه وحاجباه: كان طويل شِق العينين شديد سواد العينين، في بياضها حمرة، وكانت عيناه واسعتين ذات أهداب طويلة كثيرة. وكان حاجباه قويين مقوَّسين، متّصلين اتصالاً خفيفًا، بينهما عرق يدرّه الغضب.
•    أنفه: كان أنفه مستقيمًا، أقنى (طويلاً في وسطه بعض ارتفاع)، مع دقة في أرنبته (طرف الأنف).
•    فمه وأسنانه: كان واسع الفم، في أسنانه رقة وتحدد، يقول واصفه «إذا تكلّم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه».
•    قدماه: كان ضخم القدمين‏، يطأ الأرض بقدمه كلها ليس لها أخمص (الجزء المرتفع عن الأرض من القدم)، وكان منهوس العقبين (قليل لحم العَقِب).
مقتنياته صلى الله عليه وسلم وآثاره
كان من عادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تسمية دوابّه وسلاحه ومتاعه،فكان اسم رايته‏ «العقاب‏»، واسم سيفه الذي يشهد به الحروب‏ «ذو الفقار‏»، وكان له سيوف غيره مثل «الرسوب‏» و«القضيب‏»، وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة‏، وكان اسم قوسه‏ «الكتوم‏».‏ واسم ناقته‏ «القصواء»، واسم بغلته‏ «دُلدُل‏»، واسم حماره «يعفور»، واسم شاته التي يشرب لبنها «عينة».
وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب منها، فيرسل الناس أولادهم الصغار فيدخلون عليه فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ومسحوا على وجوههم وأجسادهم يبتغون بذلك البركة‏. وقد احتفظ المسلمون ببعض هذه المقتنيات عبر التاريخ، فكانت في مصر في مسجد أثر النبي في جنوب القاهرة. وقد ظلّت هناك حتى وقعت الفتح العثماني عام 1517م حين دخل القاهرة السلطان العثماني سليم الأول فأخذ معه كل أثر النبي إلى إسطنبول، وبقيت هناك محفوظة إلى الآن في متحف الباب العالي.
أما ما يتعلق بالمشاهد والآثار في المدينة المنورة ومكة، فقد قام المسلمون بالحفاظ عليها إلى وقت ظهور الحركة الوهابية في نجد في عصر الخلافة العثمانية، إذ أقدمت الوهابية بعد سيطرتها على الحجاز على هدم معظم الآثار النبوية بدعوى خوف الشرك وسدا للذريعة،ما جعل كثير من علماء السنة والشيعة ينادون بضرورة المحافظة على ما تبقى منها وعدم السماح لهدمها.
 من هذه الآثار التي هُدمت: «مسجد بني قريظة»، الذي صلى فيه محمد صلى الله عليه وسلم أثناء حصار بني قريظة، و«مسجد أبي بكر الصديق»، الذي رابط عنده أبو بكر أثناء غزوة الخندق. ومكان ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومكان عيشه في مكة، وبستان الصحابي سلمان الفارسي حيث كانت هناك نخلة غرسها محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيت الصحابي أبو أيوب الأنصاري، وبئر العين الزرقاء، وبئر أريس (بئر الخاتم)، وبئر حاء.
جانب من حياته صلى الله عليه وسلم
يروي صحابته عنه أنه كان أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس وأسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وكان يخصف النعل ويرقع الثوب، وما عاب مضجعًا، إن فرشوا له اضطجع وإن لم يُفرَش له اضطجع على الأرض، يمزح ولا يقول إلا حقًا، يضحك من غير قهقهة. وكان لا يثبت بصره في وجه أحد، وكان يقبل الهدية ويكافيء عليها، ولا يأكل الصدقة، يجيب الوليمة، ويعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم، ويجالسهم ويؤاكلهم، ويتبع جنائزهم، ولا يصلي عليهم أحد غيره،
وكان يمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، يقبل معذرة المعتذر إليه. وما شَتَم أحدًا من المؤمنين، وكان لا يصارح أحدًا بما يكرهه، وما ضرب شيءًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله،وما انتقم من شيء صُنع إليه قط إلا أن تُنتَهك حرمة الله، وما خُيّر بين أمرين قطّ إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم.
وكان أبعد الناس غضبًا وأسرعهم رضًا. وكان يبدأ من لقيه بالسلام، وكان يمرّ على الصبيان فيسلم عليهم، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعًا ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة، وما رُؤي قطّ مادًا رجليه بين أصحابه إلا أن يكون المكان واسعاً لا ضيق فيه،
 وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، ولم تكن تُرفَع في مجلسه الأصوات، وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال‏ "لبيك"، ولا يُسأل شيءًا إلا أعطاه، وكان يجلس بين أصحابه مختلطًا بهم كأنه أحدهم، وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك، وكان أكثر الناس تبسمًا وضحكًا في وجوه أصحابه.
 وكان يأكل مما يليه ويأكل بأصابعه الثلاث وربما استعان بالرابعة، وكان أحب الفواكه إليه البطيخ والعنب، وكان أكثر طعامه الماء والتمر، وكان أحب الطعام إليه اللحم، وكان يحب من الشاة الذراع، وكان لا يأكل الثوم ولا البصل، وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
 وكان يلعق أصابعه من الطعام حتى تحمرّ، وكان يشرب في ثلاث دفعات وله فيها ثلاث تسميات وفي أواخرها ثلاث تحميدات، وكان في بيته لا يسألهم طعامًا ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب.
 وكان يعصب الحجر على بطنه مرة من الجوع. كان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير، وكان جهير الصوت، لا يتكلم في غير حاجة ولا يقول المنكر، ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق، ويكنّي عما اضطره الكلام إليه مما يكره.
المزيد عن حياة المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم
اسمه " محمد " مشتق من المصدر " حَمْدْ " والناس منذ زمانه وحتى هذه اللحظة وإلى أن يرث الله الارض ومن عليها يصلون عليه مرات عديدة في اليوم واليلة – صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم-
لم يمارس أبدا عادات القبيلة في عبادة الأصنام والأوثان أو الآلهة التي كانوا يصنعونها بأيديهم.كان يؤمن بأن الإله المعبود هو إله واحد ويجب أن يعبد لوحده دون أي شريك.
كان يجل ويوقر اسم الله ولم يتخذه ابدا هزوا أو سخريا ولم يستخدمه لأغراض أو مصالح لا جدوى منها.
كان يحتقر العبادات الخاطئة وكل ما يترتب عليها من سلوكيات  ومعاملات منحطة.
التزم بتطبيق جميع التعاليم الدينية " تعاليم الله الواحد" كما فعل الانبياء من قبله.لم يزن قط . وكان ينصح الآخرين بعدم ارتكاب هذا الفعل المشين.كان يحرم الربى كما فعل من قبله المسيح عليه السلام بقرون.لم يقامر قط ولم يسمح بهذا الفعل.لم يشرب الخمر، مع انها كانت عادة جاهلية منتشرة بين الناس آنذاك.لم يغتب أحدا أبدا وكان يعرض عما يسمعه من غيبة ونميمة.كان دائم الصوم تقربا من الله تعالى وإعراضا عن الشهوات من حوله.
قال بأن المسيح عيسى ابن مريم –عليه السلام- هو معجزة الله في خلقه وبأن أمه العذراء من بين أفضل خلق الله تعالى.
أكد –عليه الصلاة والسلام- حتى ليهود المدينة بان عيسى –عليه السلام- هو المسيح الذي ذكر في التوراة.
وقال بأن المعجزات التي جاء بها عيسى -عليه السلام- (من إبراء الأكمه والابرص وإحياء الموتى) هي من عند الله.
كما اعلن بوضوح بأن عيسى –عليه السلام- لم يمت ، بل إن الله رفعه إلى السماء.
وقد تنبه (صلي الله عليه وسلم ) بوحي من الله، بأن المسيح سيعود آخرالأيام ليقود المؤمنين الى النصر على أعداء الحق ويقتل المسيح الدجال.
كما أمر (صلي الله عليه وسلم) بدفع الزكاة للفقراء وكان الحامي والمدافع عن الأرامل واليتامى وأبناء السبيل.وأمر بلم شمل الاسرة الواحدة وتقديس الروابط الاسرية ، كما أعاد بناء العلاقات ما بين أفراد العائلة.
حث اتباعه على الارتباط بالنساء عن طريق الزواج الشرعي وحرم الزنى.
أكد –عليه أفضل الصلاة والسلام- على إعطاء النساء حقوقهن من مهر وإرث وأموال....كل سلوكياته النبيلة من صبر وتواضع وغيرهما أدت الى إعتراف الجميع ممن عرفوه بخلقه الحميد والذي لا مثيل له بين البشر.
أ‌-       لم يكذب محمد –صلي الله عليه وسلم – قط ، لم يخن العهود ولم يشهد الزور أبدا. كان معروفا من قبل جميع القبائل في مكة واشتهر بالصادق الأمين.
ب‌-   لم يزن – صلي الله عليه وسلم – أبدا، ولم تكن لديه علاقات خارج إطار الزواج ولم يتقبل تلك الأفعال مع إنها كانت عادات منتشرة في ذلك الوقت.
ت‌-   لم يرتبط بأي إمرأة إلا في إطار الزواج الشرعي وبوجود شهود حسب القانون.
ث‌-   علاقته بالسيدة عائشة – رضي الله عنها – كانت علاقة زواج شرعي عرفنا تفاصيله من الأحاديث التي روتها السيدة عائشة  كأسمى علاقة بين رجل وإمرأة مليئة بالحب والاحترام. تعتبر السيدة عائشة إحدى أفضل من روى الأحاديث عن الرسول – صلي الله عليه وسلم – ولم تكن يوما إلا زوجة لرسول الله ، لم تكن على علاقة بأي رجل آخر غير الرسول ولم تقل عنه – صلي الله عليه وسلم – أي موقف سلبي أبدا.
ج‌-    حرم – صلي الله عليه وسلم – القتل حتى يتبين من حكم الله في الموقف. اما تعاليم الله بهذا الخصوص: فقد أحل الله قتل كل من يتعرض للمسلمين وللإسلام بقتال ولكن مع المحافظة على الحدود التي بينها الله تعالى بخصوص هذا الامر.
ح‌-    لقد حرم الإسلام قتل النفس البريئة.
خ‌-    لم تحدث أبدا أية إبادة جماعية لليهود. لقد طلب لهم الرسول الكريم العفو وأمن لهم الحمايه حتى بعد أن نقضوا عهودهم معه – صلي الله عليه وسلم – عدة مرات. ولم يتصد لهم الرسول إلا بعد أن اتضح له بإنهم خانوه وأرادوا أن يوقعوا به وبالمسلمين. والقصاص لم يطبق إلا على الذين ثبتت خيانتهم لله ولرسوله الكريم.
د‌-     اشتهرت القبائل آنذاك بتملك الخدم والعبيد إلى أن جاء الإسلام ليأمر بتحرير الرقاب . وقد قام الرسول بتحرير الكثير من الرقاب وأمر جميع اتباعه القيام بذلك. حتى أنه – صلي الله عليه وسلم- حرر خادمه – والذي كان بمثابة الإبن له – زيد بن حارثة وقام ابو بكر الصديق رضي الله عنه بشراء بلال الحبشي – أول مؤذن في الإسلام – فقط من أجل تحريره.
ذ‌-     أما بالنسبة للذين كانوا يحاولون النيل من الرسول وقتله، ( وأشهر حادثة هي التي حدثت عندما نام سيدنا علي كرم الله وجهه في فراش رسول الله ليلة خروجه إلى المدينة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه ) ،فلم يأمر الرسول أحدا أبدا بمعاقبة المتورطين بمثل هذه الأفعال. وأكبر دليل على ذلك عندما دخل الرسول وأتباعه فاتحين مكة كانت أولى أوامره لأتباعه عدم إيذاء أيا ممن كانوا يؤذونه وصحابته ( صلي الله عليه وسلم ). تلك هي إحدى مشاهد العفو والسماح في حياة رسولنا الكريم ( صلي الله عليه وسلم ).
ر‌-      لم يسمح للمسلمين بالقتال في السنوات الثلاثة عشر الأولى من الدعوة. الأمر لم يكن متعلق بمقدرتهم على القتال لأنهم كانوا متمرسين على ذلك بسبب طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها والنزاعات التي طال أمدها بين القبائل، ولكن الامر الإلهي بالقتال لم يكن قد نزل بعد. اما بعد أن شرع الله تعالى القتال شرع معه الواجبات والحقوق المترتبة على ذلك وبين حدود الله فيه. كانت الاوامر الإلهية بخصوص موضوع القتال واضحة وصريحة بالنسبة لمن سيُقاتل وكيف ومتى وما الحدود الواجب عدم تخطيها.
ز‌-      يمنع الاسلام من تدمير البنية الأساسية منعا باتا إلا إذا أمر الله بذلك وفقا لمواقف معينة.
س‌-بينما كان اعداء الإسلام يسعون إلى إيذاء الرسول بشتى الوسائل وشتمه، كان (صلي الله عليه وسلم) يدعو لهم بالهداية. وخير دليل على ذلك رحلته ( صلي الله عليه وسلم ) إلى الطائف والتي أُذي فيها رسول الله إيذاءا شديدا ابتداءا من رفض مقابلته  من قبل أعيان القبائل وانتهاءا بضربه وقذفه بالحجارة من قبل الأطفال الذين خرجوا خلفه  حتى أدمت قدماه الشريفتان صلى الله عليه وسلم. وعندما نزل جبريل عليه السلام لينتقم له من أعداءه وعرض عليه ان يأمر ملك الجبال ليطبقها عليهم، رفض ( صلي الله عليه وسلم ) ذلك ودعا لهم بالهداية وقال " عسى أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله" .كل ما اراده الرسول الكريم هو توصيل الرسالة ولم يهتم بنفسه وبمدى الضرر الذي أصابه.
ش‌-  وقد قال الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) بأن كل مولود يولد على الفطرة ( على الإسلام : والاسلام يعني الخضوع الكامل لله واتباع أوامره ) ولكن تأثره  بالمجتمع الذي يعيش فيه والتربية التي يتلقاها تغير ما بداخله من فطرة سليمة.
ص‌- علم الرسول الكريم صحابته والمسلمين جميعا أن يعبدوا الإله الواحد إله آدم ونوح وإبراهيم ويعقوب وموسى وداوود وسليمان وعيسى عليهم السلام جميعا وأن يؤمنوا بهم جميعا رسل وانبياء وعبيد لله الواحد. كما اكد على احترام وتقديس جميع الانبياء دون التفريق بينهم.
ض‌-  كما قال بان أصول التوراة والزبور والإنجيل هي من نفس المصدر الذي أتى منه القرآن – ألا وهو الله –
ط‌-    تنبأ الرسول – بوحي من الله – بالكثير من الاحداث وتمت بالفعل، كما أخبر عن أحداث ستحصل بالمستقبل وحدثت كذلك.
ظ‌-    لقد جاء في القرآن قصة غرق فرعون عندما لحق بنبي الله موسى عليه السلام وهو خارج من مصر " اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" وجاء العالم الفرنسي موريس بوكاي في كتابه " الإنجيل، القرآن والعلم " ليؤكد هذه الحقيقة التي أذهلت العالم عندما توصل من خلال التحاليل التي اجراها على مومياء "فرعون " بأن عليها آثار ملح باقية بسبب غرقه في البحر، وهذا ما ذكره الله تعالى في القرآن منذ أكثر من 1400 سنة.
ع‌-    ان احداث قصة غرق فرعون كانت قبل بعثة الرسول (صلي الله عليه وسلم) بآلاف السنين وذكرت في القرآن الكريم ولم تظهر هذه الحقيقة للعالم إلا منذ عقود قليلة أي بعد أكثر من 1400 سنة على نزول القرآن...فكيف للرسول أن يعلم هذا لو لم يكن القرآن كلام الله الواحد الأحد.




            ومن تعاليمه صلى الله عليه وسلم
1-محمد صلى الله عليه وسلم أميناً
 عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ))آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)) متفق عليه
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم.
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد. حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة)) رواه مسلم.
 -عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)) رواه مسلم.
وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال:  ((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال:  ((أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا)) .
 2-محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً
 -عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) متفق عليه.
-عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة؛ وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) متفق عليه
 -عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل: فماذا يأمركم (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) قال أبو سفيان: قلت يقول  ((اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة)) متفق عليه.
 3-محمد صلى الله عليه وسلم متحدثاً
 -عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ((والكلمة الطيبة صدقة)) متفق عليه.
-عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)) متفق عليه.
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح قلت لابن عمر: فأربعة، قال: لا يضرك.
ورواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  ((لا يتناجى اثنان دون واحد)) .
 -عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. رواه البخاري.
 5-محمد صلى الله عليه وسلم حليماً
 -عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس:  ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)) رواه مسلم
 -عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته. ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. متفق عليه
 6-محمد صلى الله عليه وسلم رفقيا
 -عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) متفق عليه.
- وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)) رواه مسلم.
-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) رواه البخاري. ((السجل)) بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وهي الدلو الممتلئة ماء، وكذلك الذنوب.



 7-محمد صلى الله عليه وسلم متواضعاً
 -عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)) رواه مسلم.
-عن الأسود بن يزيد قال سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله (يعني خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري.
 8-محمد صلى الله عليه وسلم رفيقاً بكل من حوله حتى الحيوانات
 -عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا! لعن الله من فعل هذا! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. متفق عليه.
 ((الغرض)) بفتح الغين المعجمة والراء وهو الهدف والشيء الذي يرمى إليه.
-عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال:  ((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)) ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال:  ((من حرق هذه؟)) قلنا نحن، قال:  ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله  ((قرية نمل)) معناه: موضع النمل مع النمل.
 9-محمد صلى الله عليه وسلم رحيماً
 -عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((إن لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه)) رواه البخاري.
 -عن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه. فقال:  ((ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه.زاد البخاري في رواية له:  ((وصلوا كما رأيتموني أصلي))
 10-محمد صلى الله عليه وسلم زاهداً
 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله؛ فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله)) متفق عليه.
-عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع!)) رواه مسلم.
-عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال:  ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.
-عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم.
 ((الدقل)) بفتح الدال المهملة والقاف: رديء التمر.
 -عن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا، ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري.
-عن عبد الله بن الشخير- بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين- رضي الله عنه أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} ( قال:  ((يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!)) رواه مسلم.
 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض. متفق عليه.
وفي رواية: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض.
-عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منايح وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. متفق عليه.
 11-محمد صلى الله عليه وسلم مودعا
 -عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال:  ((لا تنسنا يا أخي من دعائك)) فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
وفي رواية: قال  ((أشركنا يا أخي في دعائك)) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
-عن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه. فقال:  ((ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه.زاد البخاري في رواية له:  ((وصلوا كما رأيتموني أصلي))
 12-محمد صلى الله عليه وسلم شاكراً
-    عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
-    عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبا من عزوراء نزل، ثم رفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خر ساجدا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا، فعله ثلاثا، وقال:  ((إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا لربي شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا لربي شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي)) رواه أبو داود.
 13- محمد صلى الله عليه وسلم عادلاً
 -عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) رواه مسلم.
-عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظلمَ فإنَ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتقوا الشحَ فإنَ الشحَ أهلكَ من كانَ قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) رواه مسلم رياض الصالحين 204
-عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((أكل ولدك نحلته مثل هذا؟)) فقال لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((فأرجعه)) متفق عليه.
وفاته صلى الله عليه وسلم
كان أوّل ما أُعلم به النبي محمد صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله ما أُنزل عليه في فتح مكة، من سورة النصر:  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  . وكان ابتداءُ مرضه الذي تُوفي فيه أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم،فاستبطأ الناس في الخروج لوجع محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان أول ما ابتدىء به من وجعه أنه خرج إلى البقيع ليلاً فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدىء وجعه، وكان صداع الرأس مع حمّى، ويُروى أنّ سبب مرضه كان السمّ الذي دُسّ له في طعام وهو في خيبر وكان من شدّة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة. حتى دعا نساءه يستأذنهن في أن يُمرّض في بيت عائشة بنت أبي بكر، فانتقل إلى بيتها يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب.
وفي أحد الأيام خرج محمد صلى الله عليه وسلم على أصحابه عاصبًا رأسه، حتى جلس على المنبر فقال «عبدٌ خيّره الله بين أن يؤتيَه زهرةَ الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عنده»، ففهم أبو بكر وبكى وقال «فديناك بآبائنا وأمّهاتنا»، فقال محمد «إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن إخوة الإسلام. لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر»،
ثم خطب فيهم مرات عديدة دعا فيها إلى إنفاذ جيش أسامة بن زيد، وأوصى المسلمين بالأنصار خيرًا. ولما ثقُل عليه المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وعاد جيش أسامة بن زيد إلى المدينة بعد أن عسكر خارجها منتظرًا ماذا يحلّ بمحمد صلى الله عليه وسلم وقبل وفاته بستة أيام تجمع عنده عدد من الصحابة فقال لهم وهو يبكي «مرحبًا بكم وحيّاكم الله، حفظكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم». وكانت عامة وصيته حين حضره الموت «الصلاة، وما ملكت أيمانكم».
ولما كان يوم الإثنين الذي توفي فيه، بعد 13 يومًا على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين ربيع الأول سنة 11 هـ الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له 63 سنة
 فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله ، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم» وجاء أبو بكر مسرعًا فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حيًا ميّتًا»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً «ألا من كان يعبد محمدًا ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت»، وقرأ  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ  .
 قيل «فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ» وقالت ابنته فاطمة الزهراء «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه. يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه».
ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز محمد صلى الله عليه وسلم ، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى محمد صلى الله عليه وسلم ، بتغسيله وعليه ثيابه. ثم قام الصحابة برفع فراش محمد صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه في بيت عائشة، فحفر أبو طلحة الأنصاري له قبرًا تحته. ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالاً، دخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم الناس أحد. ثم أنزله القبرَ عليّ والعباس وولداه الفضل وقُثَم، ورشّ قبره بلال بالماء، ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر،وكان ذلك في جوف الليل من ليلة الأربعاء.
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم اختلف أتباعه على هوية الشخص الذي سيخلفه في الحكم حيث اجتمع جماعة من المسلمين في سقيفة بني ساعدة فرشح سعد بن عبادة نفسه وأيده في ذلك الأنصار،في حين رشح عمر بن الخطاب أبا بكر مؤكدًا على أحقية المهاجرين في الخلافة. ولقي هذا الترشيح تأييد المسلمين ممن كانوا في السقيفة.
 في حين تأخرت بيعة من كان من الصحابة بصحبة علي بن أبي طالب والذي كانوا منشغلين بتجهيز جثمان محمد صلى الله عليه وسلم ودفنه، فتأخرت بيعتهم يومًا واحدًا عتبًا على أبي بكر لعدم أخذ المشورة منهم، بينما يرى الشيعة أن عليًا ومن معه قد بايعوا أبا بكر مجبَرين، لما يرونه أن عليًا كان أحق من أبي بكر بالخلافة. نشأ من تلك الحادثة الخلاف التاريخي بين طائفتي السنة والشيعة.
بعد استقرار الأمر لأبي بكر في المدينة، عمل على حماية المدينة ومحاربة بعض القبائل التي ارتدت عن الإسلام ومنعت الزكاة،وبعض ممن اعتبرهم المسلمون مدعي النبوة، فيما عرف تاريخيًا بحروب الردّة، مثل معركة اليمامة لقتال بني حنيفة والذي ادّعى فيهم مسيلمة بن حبيب النبوة. كما أرسل أبو بكر جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم رغم اعتراض البعض لصغر سن قائدها ولانتشار الردة في بعض الصفوف. ثم سار أسامة فكان لا يمرّ بقبيلة انتشر فيها الارتداد إلا أرجعها إلى الإسلام. ولما وصل أسامة إلى بلاد الروم قاتلوهم وانتصر المسلمون. كما عمل أبو بكر على توسيع نفوذ الدولة بإرسال قوات عسكرية إلى مختلف المناطق.
وجهات النظر حول محمد صلى الله عليه وسلم
لقد أصبح الاستهزاء بالله وآياته ورسوله وكأنه أمراً عادياً في هذا الزمان، ومعظم هذه الاستهزاءات تأتي من الخارج، حيث يدعي الملحدون أن الإسلام هو دين التخلف والإرهاب والجهل. لأنهم دأبوا  على السخرية من تعاليمه بحجّة أنها أصبحت بالية ولا تناسب هذا العصر!
 وسبحان الله! هل أصبحت حرية التعبير عندهم في أن يستهزئوا بأعظم خلق الله عليه الصلاة والسلام؟ ولكن وعلى ما يبدو أن هؤلاء لم يجدوا شيئاً علمياً ينقدون به الإسلام فلجأوا لمثل هذه الصور اليائسة. لقد فشلوا في إخراج أي خطأ علمي أو لغوي من القرآن الكريم أو أحاديث الرسول الأعظم يقنعون به أتباعهم، إلا هذه الرسوم التي تعبر عن إفلاس هؤلاء.
 ونحن من حقنا التعبير عن رأينا في مثل هذه الأشياء، ولكن نحن لا نستهزئ من أنبيائهم موسى وعيسى عليهم السلام، فهم بريئون منهم ومن أفعالهم، لأننا لا نفرّق بين هؤلاء الأنبياء الكرام، فهم جميعاً رسل من عند الله تعالى.
 ولكن قبل ذلك لنستمع عن قول الله تعالى في حق هؤلاء وأمثالهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 57-58].ولذلك نبشر أمثال هؤلاء بعذاب أليم يوم القيامة إن لم ينتهوا عن مثل هذا الفعل.
 إن أسلوبنا في التعبير سيكون أشد وأبقى من أسلوبهم الذي هو مجرد رسوم لا تعبر إلا عن أوهام لا وجود لها إلا في خيال مؤلفها. سوف نخاطب هؤلاء بلغة العلم التي فشلوا في استخدامها لخطابنا! وسوف نخبر هؤلاء بحقيقة هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام.
 ولن أتحدث عن الأخلاق العالية والصفات الرائعة التي كان يحملها خاتم النبيين، لأن هؤلاء لا يتمتعون بهذه الأخلاق ولا يعترفون بها، ولكن سنوجّه لهم خطاباً علمياً ومادياً لحقائق جاء بها هذا النبي الكريم، وهي موجودة في القرآن وتتلى منذ أربعة عشر قرناً ولا تزال.
 وأقول لهؤلاء الذين يفتخرون بالعلم والعدل، فهم دول متطورة تقنياً، وهم دول ديمقراطية تؤمن بالعدل والحقوق، نقول: إن القرآن الذي تستهزئون به هو أول كتاب يدعو للعلم والعدل، وهما المقياسان لنجاح واستمرار أي حضارة.
 إن أول كلمة نزلت على هذا النبي الكريم هي (اقرأ) ، وهذا دليل على أن الإسلام دين العلم. وإن آخر كلمة نزلت من القرآن هي (لا يُظلمون)  وهذا دليل على أن الإسلام دين العدل. إذن ما تفاخرون به اليوم قد سبقكم إليه نبينا صلى الله عليه وسلم قبل قرون طويلة.
 إنكم تقولون بأنكم أول من دعا إلى البحث في تاريخ الكون والمخلوقات وتفتخرون بذلك، ولكن نرجو منكم أن تقرأوا قول الله تعالى في القرآن الكريم عن دعوة صريحة ومباشرة للنظر في بداية الخلق: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[ العنكبوت: 20]. وهذا دليل على اهتمام القرآن بالنظر والتأمل والبحث والدراسة.
 إن نبيّنا عليه الصلاة والسلام قد وضع أساساً علمياً لعلم الفلك والظواهر الكونية عندما ظن الناس بأن الشمس قد انخسفت لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته)[رواه البخاري ومسلم]. وقد صدر هذا الكلام من نبيّ الرحمة عليه صلوات الله وسلامه في الزمن الذي كنتم تعتقدون فيه بأن الكسوف هو إشارة لولادة رجل عظيم أو موته أو سقوط حاكم أو خسارة معركة .
 في زمن كانت أوربا تعجّ بالكهّان والمنجمين والمشعوذين، والذين كانوا موضع تصديق من معظم الناس آنذاك، في ذلك الزمن أنكر وحرّم نبينا عليه الصلاة والسلام هذه الأعمال فقال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) [رواه أحمد].
في الزمن الذي كنتم تظنون بأن الأرض ثابتة لا تتحرك، وضع القرآن حقيقة علمية يؤكد فيها أن كل شيء في الكون يسير بمدار محدد، وهذه الحقيقة لم تكتشفوها إلا مؤخراً. يقول تعالى عن الأرض والشمس والقمر: (وكل في فلك يسبحون) [يس: 40].
  في زمن كانت أوربا تعتقد بوجود إله للريح وإله للمطر وإله للبرق  وضع القرآن أساساً علمياً لكل هذه الظواهر التي لم تكتشفوها إلا قبل سنوات معدودة. فإذا أردتم أن تقرأوا حقائق عن الرياح فاقرأوا قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22]. ألم تكتشفوا بأجهزتكم وآلاتكم حديثاً دور الرياح في تلقيح الغيوم ونزول المطر؟ 
 وإذا أردتم أن تعرفوا الآلية الهندسية لحدوث البرق والتي ظلت مجهولة بالنسبة لكم حتى قبل سنوات قليلة، فاقرأوا حديث نبينا عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]. ألم تلتقط كاميراتكم الرقمية صوراً للبرق وشاهدتم شعاع البرق كيف يمرّ ويرجع، تماماً كما جاء في الحديث الشريف؟ .
 لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول رجل في التاريخ دعا إلى البحث الطبي من خلال أحاديث كثيرة أرسى من خلالها أهم الأسس للطب الحديث. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاءً) [رواه البخاري]. هذا الحديث العظيم يؤكد وجود الشفاء لمختلف أنواع المرض، وهذا يعني أن الإنسان إذا بحث عن العلاج سيجده. أليس علماؤكم اليوم يطبقون هذا الحديث في أبحاثهم عن علاج لأمراض كثيرة كان يُظن في الماضي أنه لا علاج لها؟؟
 إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلّم هو أول من تحدث عن النسيج الكوني cosmic web  في قوله تعالى:(والسماء ذات الحُبُك) [الذاريات: 7]. والحُبُك جاءت من النسيج المحبوك بإتقان، ألم تروا من خلال حواسبكم الفائقة صورة هذا النسيج المحبوك للكون؟.
 تفتخرون اليوم بأنكم أنتم من اكتشف بداية نشوء الكون وتؤكدون أن هذا الكون كان كتلة واحدة ثم تباعدت أجزاؤها بانفجار عظيم. ونسيتم بأن هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام قد سبقكم للحديث عن هذه الحقيقة الكونية منذ أربعة عشر قرناً، عندما لم يكن على وجه الأرض رجل واحد يتخيل شيئاً عن الانفجار الكبير. يقول تعالى: (أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) [الأنبياء: 30].
 ولو شئنا لعددنا لكم مئات بل آلاف الحقائق العلمية المكتشفة حديثاً، وجميعها موجود في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام. فهل لكم أن تقرأوا شيئاً منها قبل أن تتصوروا من هو هذا النبي الذي وصفه الله بأنه رحمة للعالمين؟
 لذلك نرجو من كل من لديه صَمَمٌ في أذنيه ألا ينتقد الأصوات الجميلة! ونرجو من كل من لديه عمىً في بصره ألا يهاجم الصور الرائعة! وكذلك نرجو من كل من لديه زَكَم في أنفه ألا يعترض على الرائحة العطرة!!!
 فصورة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ستبقى مشرقة بهية ورائعة مهما حاول المشككون تشويهها، وسيبقى كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أجمل وأعذب كلام مهما حاول الملحدون أن يفعلوا، وكذلك سيبقى نور القرآن ونور الله مضيئاً برّاقاً مهما حاول المبطِلون إطفاءه بأفواههم. يقول تعالى:﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 32-33].
 اللهم أنت أقوى من هؤلاء جميعاً، وأنت القادر على الردّ عليهم وعلى إيقافهم ومحاسبتهم هم ومن يقف وراءهم، فأنت القائل في كتابك العظيم:(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب: 57].ونقول كما قال الله تعالى: قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ....
وجهة نظر المسلمين
بحسب تعاليم الإسلام فإنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أشرف المخلوقات وسيّد البشر جميعًا، وأنه آخر الأنبياء والمرسلين، وأن الإيمان به وتصديق نبوّته واجب على المسلمين لا يتم إيمانٌ إلا به ولا يصحّ إسلامٌ إلا معه، وأن طاعته وامتثال أمره واجب عليهم، باعتبارها من طاعة الله، وأنه مجمع الآداب كلّها،والأسوة الحسنة التي ينبغي على كل إنسان التأسي بها، وأنه باب الله الأعظم ووسيلته الكبرى التي لا يصل بدونه أحد إلى الله، يقول الجنيد «الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على مَن اقتفى أثر الرسول واتَّبع سُنَّته ولزمَ طريقته؛ فإن طُرُقَ الخيرات كلها مفتوحة عليه».وقد توعّد الإسلام المسلمين بالخذلان والعذاب على من خالف أمره وبدّل سنّته. ويعتبر الإسلام الاحتكامَ إليه والرضى بحكمه شرطًا للإيمان.
 وقد أجمع المسلمون على حرمة أذيّته، وقتل منتقصيه وسابّه من المسلمين تصريحًا كان أو تعريضًا وكذلك أجمعوا على عصمته من الشيطان وكفايته منه في كل أحواله،وأنه إنسان كامل من كلِّ النواحي، منزَّه عن كلِّ عيبٍ أو نقصٍ، وأنه أُعطي الحسن والجمال كلّه.
وقد وردت نصوص في كتب الحديث تفيد بأنه كان يَرى من خلفه كما يرى من أمامه،وأنه يرى في الليل كما يرى بالنهار، وأنه لم يكن له ظلّ، وأنه أُعطي مفاتيح خزائن الأرض، وأن كل سبب ونسب مقطوع يوم القيامة إلا سببه ونسبه،وأنه يشفع للمسلمين يوم القيامة في إدخالهم الجنة،وأنه حيّ في قبره، يردّ السّلام على من يسلّم عليه،وأن أعمال المسلمين تُعرض عليه فيستغفر لسيئها ويستحسن حسنها، وأن الصلاة في مسجده تعدل 1000 صلاة،
ويعتبر الإسلام محبّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أصلاً من أصول الإسلام، وأحدَ شروط صحة الإيمان، وأن المسلمَ لا يبلغُ كمالَ الإيمانِ حتى يحبّ محمدًا أكثر من أي شيء آخر، يقول عن نفسه «لا يؤمن أحدكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والنَّاس أجمعين». لذلك أحبه أصحابه والمسلمون حبًا شديدًا،
 حتى سُئل علي بن أبي طالب يومًا عن حبّهم لمحمد صلى الله عليه وسلم فقال «كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظَّمأ ولما احتضر بلال بن رباح أخذ يقول وهو يموت «واطرباه، غدًا ألقى الأحبّة، محمدًا وحزبه»، وكان أصحابه بعد موته لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا، حبًا وشوقًا له. وكان يقول محمد صلى الله عليه وسلم عن محبة أتباعه له من بعده «من أشدّ أمّتي لي حُبًا، ناسٌ يكونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله»
ثم إن المسلمين قد دأبوا على تعظيم محمد صلى الله عليه وسلم وإجلاله وإكرامه وتوقيره اتباعًا لأوامر الإسلام، فكانوا في حياته لا ينادونه باسمه مجردًا، ولا يرفعون أصواتهم فوق صوته،وكانوا في مجلسه كأنما على رؤوسهم الطير من الهيبة. وكان من مظاهر تعظيمهم له أن كانوا يتبركون به وبآثاره، فكانوا يتبركون بفضل ماء وضوءه، وبعرقه، وبثيابه، وآنيته، وبمسّ جسده، وبموضع قدمه وبماء جبّته، وبشعراته،
 وكانوا يستشفون بها من المرض. وكان خالد بن الوليد يحتفظ بشعرات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مقدمة قلنسوته، وكانت أسماء بنت أبي بكر تحتفظ بجبّته بعد موته وتقول «كان النبي يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها» وكان عبد الله بن عمر يتتبع الأماكن التي كان يصلي بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فيصلي فيها. ويُكثر المسلمون من تسمية أبناءهم باسم «محمد»، إذ تشير الإحصائيات بأن اسم «محمد» هو الاسم الأكثر شيوعًا في العالم، وأكثر الأسماء للمواليد الجدد في بريطانيا سنة 2009.
وجهة نظر اليهودية
يوجد تقليد في اليهودية يعترف بوجود أنبياء غير يهود ارسلهم الله من أجل هداية شعوبهم، ومنهم مثلاً بلعام وأيوب الذين لم يكونا من العبرانيين. وقد اختلفت وجهات نظر كبار علماء الدين اليهود في محمد صلى الله عليه وسلم بدرجة كبيرة, فرأى العالم اليهودي اليمني نثنائيل ابن الفيومي في كتابه "بستان العقول" أن الله قد يرسل أنبياء لا تتفق رسالتهم مع المعتقدات التي أتى بها الأنبياء اليهود. ويعتبر الفيومي محمد صلى الله عليه وسلم نبياً صادقاً غير أن رسالته موجهة إلى العرب بشكل خاص وليست لليهود وذلك لتعارضها مع التوراة غير أنه من الملاحظ أن نظرة الفيومي لم تلق قبولاً واسعاً بين اليهود في عصره.
ويرى موسى بن ميمون أهم اللاهوتيين اليهود في العصور الوسطى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد انتقى بعض التعاليم اليهودية في رسالته وأضاف إليها عبادات أخرى. ويرى ميمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان نبياً كاذباً ويعتبر ادعاءه النبوة غير ذي مصداقية لأنه يخالف التقليد التوراتي اليهودي. كما يرى أن كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً يمنعه من الوصول لمرتبة الأنبياء.
وجهة نظر المسيحية
فإن الكثير من المستشرقين المنصفين رأوا في دعوة الرسول دعوة إصلاحية قوامها صلاح المجتمعات و توحيديته : أي المناداة بوحدانية الله ، وان مرحلة النبوة الحقة التي جعلت من الرسول قطب أقطاب رجالات التاريخ العظماء ، وبطل الأبطال الأفذاذ ، وخاتم الأنبياء أصحاب الرسالات الخالدة .
يقول المستشرق والمؤرخ الفرنسي رينيه غروسيه صاحب كتابي ، (الحروب الصليبية) ، و ( مدنيات من الشرق ) في مؤلفه الأخير :
((كان محمد لما قام بهذه الدعوة شاباً كريما نجداً، ملآن حماسة لكل قضية شريفة ، وكان أرفع جداً من الوسط الذي يعيش فيه ، وقد كان العرب يوم دعاهم إلى الله منغمسين في الوثنية ، وعبادة الحجارة ، فعزم على نقلهم من تلك الوثنية إلى التوحيد الخالص البحت ،وكانوا يهتفون بالفوضى ، وقتال بعضهم بعضاً فأراد أن تؤسس لهم حكومة ديمقراطية موحدة ، وكانت لهم عادات وحشية همجية صرفة ، فأراد أن يلطف أخلاقهم ، ويهذب من خشونتهم )) 
بينا نظر إليه المستشرق السويسري ادوار مونتيه ( 1810 - 1882 ) مدير  جامعة جنيف ومدرس اللغات الشرقية - في مؤلفه : « المدنية الشرقية » » نظرته إلى الأنبياء التوراتيين القدماء بقوله :
« كان محمد نبياً بالمعنى الذي كان يعرفه العبرانيون القدماء ، ولقد كان يدافع عن عقيدة خالصة لا صلة لها بالوثنية ، وأخذ يسعى لانتشال قومه من ديانة جافة لا اعتبار لها بالمرة ، وليخرجهم من حالة الأخلاق المنحطة كل الانحطاط ، ولا يمكن أن يشك لا في إخلاصه ، ولا في الحمية الدينية التي كان قلبه مفعماً بها )) 
ويقول مونتيه نفسه في مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن :
(( كان محمد نبياً صادقاً ، كما كان أنبياء بنى إسرائيل في القديم ، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه ، وكانت العقيدة الدينية وفكرة وجود الإلوهية متمكنتين به كما كانتا متمكنتين في أولئك  الأنبياء أسلافه فتحدث فيه كما كانت تحدث فيهم ، ذلك الإلهام النفسي ، وهذا التضاعف في الشخصية اللذين يحدثان في العقل البشرى المرائي والتجليات والوحي والأحوال الروحية التي من  بابها ))  
هذا ، ولا بد من وقفة مطولة في دراسة صدق الرسول وصحة الرسالة الإسلامية ، في بحث مستقل سندرس فيه حقيقة الوحي ، وأن محمداً لم يؤلف القرآن ، ونرد على المزاعم الاستشراقية التي اتهمت الرسول بالصرح والجنون والاحتيال ، وبأن الوحي الذي سمعه في رؤاه الصادقة كان صوت الحقيقة الأبدية ، صوت الله الذي اختاره ليكون رسولاً للناس كافة .. . . . ونقول : أن الرسالة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم  قد حملته أعباء هائلة فوق طاقة البشر ، يقول آتيين دينيه :
(( نزل الوحي كجذوة وهاجة بددت من نفس محمد كل شك ، و أشعلت فيما تلك الآمال اللاشعورية ، و تلك القوى الكامنة التي كدسها في نفسه خمس عشر سنة تقضت في التأمل والتحنث . لقد فح الوحي عينيه على آفاق شاسعة . وأطلعه على ما يجب أن يقوم به نحو تلك الرسالة من جهود جبارة خطرة . لم يدر بخلد محمد يومأ ما أنه سيحمل هذا العبء، الهائل ، ولثن كان بعض الرهبان قد تنبئوا بشي ، منه ، فإنه لم يعر تنبؤاتهم أي اهتمام ، بل لقد نسيها ، وان اضطرابه وخوفه ، حينا فوجي بالوحي ، من أن يكون فريسة لتخيلات شيطانية ، ليؤكدان لنا صحة ما نقول .
وهذا محمد الذي كان يفر من الاختلاط ببني جنسه ، والذي كان يأبى أية وظيفة من تلك الوظائف العامة ، التي كان مواطنوه على استعداد لأن يمنحوها إياه ، وقد أصبح  -تحت تأثير الوحي - مستعدا لأن يواجه الحياة الصاخبة الجارفة ، وقد امتلأ قلبه إيماناً مكيناً، وأفعمت نفسه بشجاعة لا تلين ، و تأهب للقيام بالرسالة ، بل تأهب للقيام بأعظم رسالة اؤتمن عليما إنسان . ولقد تأهب ، في غير ما خوف أو إشفاق من تلك الامتحانات الهائلة التي لا مفر من أن يبتلى بها أمثاله من الهداة المرسلين . في تلك الليلة الخالدة ، ليلة القدر ، نزل القرآن كله من السماء العليا حيث كان محفوظاً بها إلى السماء الدنيا ، التي تنتشر مباشرة فوق كرتنا الأرضية . وفي هذه السماء الدنيا وضع القرآن في بيت العزة ، ذلك البيت الذي على سمت بيت الله : الكعبة المقدسة ))
يعتبر يوحنا الدمشقي (676-749 م) أول من أعطى رأيًا مسيحيًا عنه، ففي كتابه "ينبوع الحكمة" اعتبره نبيًا كاذبًا تأثر بالهرطقة الآريوسية بعد لقائه بالراهب بحيرى واستعمل القرآن لتغطية آثامه وتعتبر أعماله هي الأساس الذي أعتمد عليه اللاهوتيون الغربيون في انتقاد الإسلام. غير أن النظرة المشرقية لمحمد صلى الله عليه وسلم اتسمت بانفتاح أكبر، فعندما سأل الخليفة العباسي المهدي بطريرك كنيسة المشرق طيماثيوس الأول عن رأيه في محمد صلى الله عليه وسلم ، أجاب:"كان يمشي على خطا الأنبياء".
 كما أثنى طيماثيوس على محمد صلى الله عليه وسلم لكونه "أعدل شعبه عن عبادة الأوثان إلى معرفة الله الواحد". غير أن الصدامات اللاحقة مع المسلمين في الأندلس وفلسطين أدت إلى ظهور تيار مغالي في انتقاد الإسلام واشتد هذا التيار بعد حروب الأوروبيين مع العثمانيين خاصة لدى المصلحين البروتستانت؛ فقارن مارتن لوثر محمدًا صلى الله عليه وسلم ببابا روما من حيث السوء ووصفه "بالابن البكر للشيطان"
وصف الدفاعيون الكاثوليك محمدًا صلى الله عليه وسلم في مطلع القرن العشرين على أنه مصلح اجتماعي، غير أن رسالته انطلقت من فهم خاطيء لليهودية والمسيحية. وأشاد "هيلير بيلوك" أحد أبرز الدفاعيين الكاثوليك في مطلع القرن العشرين برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم التي وضعت مكانة خاصة للمسيح وأمه مريم، غير أنه اعتبر أنه لم يأت بديانة جديدة بل رأى أن الإسلام هرطقة يهودية/مسيحية دمجت بها بعض من ديانات العرب.
 ومنذ انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني ظهرت أصوات داخل الكنيسة الكاثوليكية تدعو للاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في ظل التقاليد المسيحية وذلك لخلق فرصة أكبر للحوار مع الإسلام. ويشبه مونتغمري وات محمد بأنبياء العبرانيين في كتابه "حقيقة دينية لعصرنا":
«كان محمد نبيًا يمكن مشابهته بأنبياء العهد القديم، على أن وظيفته اختلفت قليلًا. فبينما انتقد هؤلاء حياد العبرانيين عن ديانتهم، كان على محمد أن يجلب معرفة الله لأشخاص لم يكن لهم سابقًا علم بها. فبهذا المنطلق تشبه وظيفته وظيفة موسى حيث تم بواسطتهما نقل شريعة إلهية لشعبيهما.»
وجهة نظر الغرب
تقول الناقدة والباحثة السورية "رنا قباني" أنه خلال القرون الوسطى لم تكن الحرب بين أوروبا والإسلام عسكرية منحصرة في تركيا أو إسبانيا، بل كانت حربًا ثقافية أيضًا، فالغرب دأب منذ القرن الثاني عشر على اختبار الإسلام ليس كحضارة بل كقوة غازية، فأدّى ذلك بالإضافة إلى انتشار الجهل وغياب الدقة في الترجمة واختلاق الأساطير والميل نحو المثير - كما تبرر قباني - إلى إنتاج موروث أدبي معاد للإسلام كان أحد أوجهه الاعتقاد بكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم "عدو للمسيح"، وتصويره بطريقة مُسفة تحمل في ثناياها مقدارًا كبيرًا من الإمعان في الأسطورة، وتعزيز لنظرية العداوة. حتى أنّ "جيرالد الويلزي" أحد أوائل الإنكليز الذين كتبوا حول الإسلام، قال بأنه ثمّة خطة إسلامية للقضاء على المسيحية.
مع عصر التنوير في القرن السابع عشر وظهور العلاقات التجارية المميزة بين أوروبا والدولة العثمانية، وما رافقها من زيارات لأوروبيين أو تجار إلى مدن الشرق أخذت الصورة عن الإسلام والنبي تتغير، وأخذت أوروبا تنتج موروثًا جديدًا،
قال "فيكتور هوغو" عام 1829 «إنّ الدراسات عن الشرق تمضي قدمًا، وبينما كنا في السابق إغريقيي الهوى أصبحنا استشراقيين»، وهذه "الدراسات عن الشرق" التي عاصرت ميلاد الحركة العلمية والنقدية في أوروبا أنصفت النبي محمد، فقد قال عنه الشاعر الفرنسي ألفونس دي لامارتين «أترون أن محمدًا كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا. بعدما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته، فإنَّ الخداع والتدليس والباطل والإفك، كل تلك الصفات هي ألصق بمن وصف محمدًا بها».
 وقال عنه المؤرّخ الإنجليزي "وليم موير" «امتاز محمد بوضوح كلامه، ويسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما أدهش الألباب، لم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق الحسنة، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل محمد».وهذا لا ينفي أن بضعًا من البحّاثة الأوروبيين ظل محتفظًا وبنسب متفاوتة بصورة القرون الوسطى التقليدية، غير أن أهميتها وتأثيرها على الشارع العام أخذ بالانحسار.
 واستمرّ ذلك خلال القرن العشرين، إلا أنه وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر تصاعدت موجة خوف من الإسلام بسبب الخلط بين تصرفات المتطرفين الإسلاميين ورسالة الإسلام بشكل عام. فظهر فئات من الغرب يُرجعون سبب العنف الموجود في العالم الإسلامي إلى تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنتجوا أعمالاً ينتقدون فيها محمدًا صلى الله عليه وسلم مثل كتاب نبي الخراب، وفيلم فتنة، والرسوم الكاريكاتورية في صحيفة يولاندس بوستن.
وجهات نظر أخرى
•    البابية والبهائية والأحمدية تعتبر محمدًا صلى الله عليه وسلم أحد الأنبياء والرسل، لكنه ليس آخرهم، فهناك من بعده حسب رأيهم الباب والبهاء وغلام أحمد القادياني.
•    في ديانة الثيليما يعد محمد صلى الله عليه وسلم أحد قديسي "الكنيسة المعرفية الكاثوليكية".
•    يعده ناناك مؤسس الديانة السيخية أحد رسل البراهما
•    كما تعتبره كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة من الإصلاحيين، مثله مثل كونفوشيوس، وكذلك الفلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وغيرهم، وسيأخذون الجزاء عند الله على ضوء القيم الأخلاقية التي أعطيت لهم، ولدعوتهم للتنوير وتحقيق مستوى أعلى من التفاهم بين الناس.[483]
الباب الثاني
الخلفاء الراشدون
أبو بكر الصديق
إننا نجد المغرضين لا يرضيهم ما يقال عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد أكثرت الطوائف الضالة في الطعن على أبي بكر، ومنهم الشيعة، والعلمانية، والمستشرقين، من وضع الشبهات، ولم يقفوا عند أبي بكر وحده بل أكثروا من الطعن في كل رموز الإسلام، في عمر، في علي، في عائشة، في سعد بن عبادة، وفي غيرهم ولعلنا نضع هنا سؤال:
 - إذا لم يكن الصديق فمن غيره يكون خليفة؟
وما يفعل الشيعة وأعوانهم هذا إلا لتشويه الصورة الجميلة للجيل الأول، ولم يطعنوا في خلافة الصديق فقط، بل في خلافة عمر وعثمان أيضًا رضي الله عنهم أجمعين.
 فالجميع يعلم أن أبا بكر مقدم على عمر، وعمر نفسه كان يقول: والله لئن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم، أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. كما أن الشدة المعروفة عند عمر لم تكن مناسبة للأمة، وهي خارجة من المصيبة الكبيرة بوفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
 شبهة أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة :
يبقى اسم واحد محل كلام ونقاش وجدال، وهو البطل الإسلامي العظيم علي بن أبي طالب ، هذا الصحابي الجليل، أشاع كثير من الشيعة أنه كان أحق بالخلافة من أبي بكر الصديق وأعجبت الفكرة كثير من المستشرقين، فذكروها في كتبهم على أساس أن الخلافة حق منهوب من علي بن أبي طالب، بل إن بعض الشيعة المتطرفة تجاوزت الحدود في علي بن أبي طالب، وادعت أنه كان أولى بالرسالة من رسول الله لهم في ذلك تخاريف عظيمة، بل إن طائفة أخرى تجاوزت هذا الأمر إلى تأليه علي بن أبي طالب تعالى الله عما يصفون..
 هذا الغلو في علي بن أبي طالب ظهر في أواخر أيام عثمان بن عفان ، في بدايات الفتنة واتساع رقعة الإسلام، ودخول الكثير من المغرضين في دين الله، ومحاولتهم هدم الإسلام من جذوره وأصوله، دخل في دين الله كثير من اليهود والمجوس الذين أرادوا أن يقسموا الدولة الإسلامية إلى طائفتين متنافرتين من جهة، وأن يطعنوا في رموز الصحابة من جهة أخرى.
وقد يكون عبد الله بن سبأ اليهودي هو أول من أشاع بين الناس فكرة التشيع لعلي بن أبي طالب، وإنه أولى بالخلافة من عثمان بن عفان، بل ومن أبي بكر وعمر أجمعين، وكان لعبد الله بن سبأ أعوان من قبائل شتى، كلها تنقم على الإسلام لأسباب مختلفة، وكثير منهم من أرض فارس حيث الأقوام الذين أكل الحقد قلوبهم، لانهيار دولتهم على أيدي المسلمين بقيادة أبي بكر، ثم عمر رضي الله عنهما.
  وسؤال هام قد يطرأ على الذهن:
 لماذا اختار عبد الله بن سبأ اليهودي، أو غيره ممن ابتدع هذه الفكرة، لماذا اختاروا اسم علي بن أبي طالب ليدعوا أنه كان أحق بالخلافة؟ لماذا لم يختاروا أي صحابي جليل آخر، وما أكثر الصحابة؟
 لقد فكر هؤلاء في أنه لكي يقتنع الناس بشخصية أخرى غير الصديق ، وعمر، وعثمان رضي الله عنهما لا بد أن يأتوا باسم تهفو له نفوس المسلمين بصفة عامة، ويشعرون بعاطفة كبيرة نحوه، ونفوس المسلمين قد تهفو إلى كل الصحابة، إلا أن علي يتميز عنهم بأمرين هامين جعلا المغرضين يختارونه لهذا الأمر..
 أما الأول: فهو لقرابته من رسول الله ، فهو ابن عمه ومن بني هاشم وأقرب إلى الرسول من أبي بكر وعمر وعثمان.
 وأما الثاني: فهو أنه زوج ابنة رسول الله ، وأبو أحفاده الحسن والحسين رضي الله عنهما أولاد السيدة فاطمة رضي الله عنها، وليس هذا لأحد غيره، نعم تزوج عثمان بن عفان ابنتين لرسول الله لكنه لم يكن له أولاد من السيدة رقية والسيدة أم كلثوم يحملون نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
 لهذين السببين اختاروا على بن أبي طالب كي يستغلوا اسمه في تفريق المسلمين إلى طائفتين شيعة، وسنة وما زال هذا التقسيم إلى الآن موجودًا.
 وقبل أن نرد على هذين الأمرين فإننا نريد أن نقول أننا لا يجب أن يدفعنا حبنا للصديق ورفضنا لفكرة الإشاعة بأن علي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من الصديق لا يجب أن يدفعنا هذا الأمر إلى التقليل من شأن الصحابي الجليل العظيم على بن أبي طالب فله من المناقب والآثار ما نعجز عن وصفه في مجلدات ومجلدات،
 وهو أول من أسلم من الصبيان، وله مواقف مشهورة في تاريخ الإسلام، وفي الهجرة، وفي كل الغزوات، وكان مقربًا لقلب رسول الله ، وله مواقف عظيمة حتى بعد وفاة الرسول في خلافة الصديق، وعمر، وعثمان ، ثم في خلافته هو ، وفي الجملة فهو من أفضل الصحابة على الإطلاق.
 بل يجزم كثير من العلماء المسلمين أنه رابعهم في الفضل بعد الصديق أبي بكر، وعمر الفاروق، وذي النورين عثمان جميعًا، إذا وضعنا هذه الخلفية في عقولنا، فإننا نكون في مأمن من التقليل من حجم شخصيته، وهذا هو عين الصواب في التعامل مع جيل الصحابة بأكمله، أجمعين.
 ونعود إلى الأمرين اللذين تميز بهما علي بن أبي طالب على غيره من الصحابة، وهما قرابته من رسول الله ، وزواجه من ابنته فاطمة رضي الله عنها. أما الأمر الأول: قرابته من رسول الله
 فهل تكفي القرابة لتقديم شخص على آخر؟ وهل تاريخ الرسول يشير من قريب، أو بعيد في جعل هذا الأمر لقرابته؟
 ألم يقل: "الأَئِمَّةُ فِي قُرَيْشٍ".
 ولو أراد لقال الأئمة في بني هاشم، لكنه لم يرد ذلك، دعوة الإسلام ليست دعوة قبلية، ولو أخذها علي بن أبي طالب لكان ذلك دليلاً على القبلية لا يقاوم، ومنذ متى تنفع القرابة أو تجدي، حتى وإن كانت قرابة الرسول
 بل ألم نشاهد أبا طالب العم القريب إلى قلب الرسول يظل كافرًا حتى آخر لحظة من حياته فيدخل النار، كما أخبر بذلك رسول الله ؟
 وهل كانت العقليات والكفاءات في عائلة رسول الله أعلى وأكبر من العقليات والكفاءات خارجها؟
 لقد حاول رسول الله طيلة حياته أن يرسخ في أذهان الأمة أن المرء بعمله لا بنسبه، فلو أخذها رجل من بني هاشم مع وجود من هو أعلى منه كفاءة وأعظم فضلاً أكان ذلك يرضيه ؟
 هذا كله ولا شك لا يقلل من فضل علي بن أبي طالب ، ولكن ولا شك أن الخلفاء الثلاثة الأوائل قد فاقوه في الفضل بإجماع الأمة وقتها وبعد ذلك، ولم يكن للقرابة أن تغير من هذا الفضل أبدًا.
 ثم هل كان يتقدم علي بن أبي طالب ، وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره إلا بقليل على الأشياخ الكبار بالنسبة له كأبي بكر وعمر وعثمان؟ علي بن أبي طالب كان يبلغ من العمر وقت وفاة الرسول حوالي 31 سنة بينما كان الصديق في الواحدة والستين من عمره، نعم تولى قيادة بعض الجيوش الإسلامية شباب كثير، لكن قيادة الجيوش شيء وقيادة الأمة شيء آخر، ولا شك أن الخبرات المتراكمة لرجل مثل الصديق كانت نفعًا للأمة، والأمة لم تخسر طاقات الشباب، فالصديق الإمام يوجه، وينظم، ويخطط، والجميع في الأمة ينفذ.
 والأمر الثاني: هو زواج عليّ من فاطمة بنت النبي أكان ذلك الأمر يؤهله للخلافة؟
 إذا كان رسول الله لا يغني عن فاطمة نفسها رضي الله عنها شيئًا، ولا تنجو إلا إذا عملت، أفيغني رسول الله عن زوج ابنته إلا إذا عمل؟
- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قام رسول الله حين أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قال: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أو كلمة نحوها- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةَ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مِالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا".
 وهكذا فإن الرسول وضح أن هذه العلاقات لا تقدم ولا تؤخر في فضل المؤمنين، وإن التفاضل بين الناس لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح، والكفاءة، وغير ذلك من الأمور المكتسبة، ولا يتفاضل الناس بحسب الأشياء التي لا دخل لهم فيها، كالنسب، واللون، والجنس، والحالة المادية، وغير ذلك من أمور التفاضل.
 ولعل هذا هو الحكمة أو جزء من الحكمة التي من أجلها لم يعش لرسول الله أولاد من الذكور، فإذا كان الناس تشيعوا هكذا لعلي بن أبي طالب ، واستخلفوه للتفريق بين المسلمين، فماذا كان يفعل المسلمون مع ابن الرسول لو عاش، لا شك أن طائفة الشيعة هذه كانت ستجد فيه، وفي ذريته ذريعة للاتباع، وتفريق المسلمين تحت قيادات مختلفة.
 ولا شك أن الذين أشاعوا هذه القضية كانوا يعلمون أن حجتهم ليست بالقوية، فهم يطلبون خلافة لعلي بن أبي طالب  على أساس القبلية والقرابة، وهي مؤهلات غير مقبولة في الشرع الإسلامي، فماذا يفعلون حتى يثبتوا خلافة في غير موضعها؟ لقد بحثوا عن مصداقية أخرى لهذا الأمر فوجدوها.
 ادعاء وصية النبي لعلي بالخلافة :
فها هي فرية أخرى ابتدعوها ابتداعًا، تلك الفرية هي: الادعاء بأن الرسول  قد أوصى لعلي بن أبي طالب  بالخلافة من بعده، نشرت طوائف كثيرة من الشيعة هذه الإشاعة، وأعجبت المستشرقين، والعلمانيين حتى درّسوها في المدارس والجامعات، حتى يوهموا الدارسين أن المخالفات بين الصحابة كانت مبكرة جدًّا، بعد وفاة الرسول  للأسف الشديد، فإنني وجدت مثل هذه المناهج تدرس وبشدة في أكثر من جامعة، ووجدت أيضًا كتبًا كثيرة تتبنى هذا الفكر مع كونه مغايرًا للحقيقة تمامًا.
 للرد على هذه الإشاعة أو الشبهة، شبهة أن الرسول  قد أوصى لعلي بن أبي طالب  بالخلافة نقول:
 أولاً: لم يرد بهذه الوصية نقل صحيح، كل الروايات التي ذكرت هذه الوصية روايات في غاية الضعف، بل هي موضوعة من الأصل، ونحن كمسلين حريصين على ديننا يجب أن نحرص أن ننقل الصحيح فقط من الروايات، وخاصةً في هذه القضايا الشائكة، وهذه الأمور التي يطعن بسببها في صحابي أو أكثر، ومن أراد أن يخرج علينا بفكرة الوصاية هذه، فليأت بدليل صحيح وإلا فما أسهل الكلام.
 ثانيًا: إذا كانت هناك وصية معلومة من رسول الله إلى علي بن أبي طالب للزم أن نفترض أن الصحابة جميعًا اتفقوا على مخالفتها، ومخالفة وصية كهذه تكون مخالفة صريحة للشرع، فيلزم هنا اتهام الصحابة جميعًا بالمخالفة الشرعية للإسلام، وفي أمر خطير كهذا، وهذا ما لا يعقله عاقل، كيف يتفق جيل بأكمله على خلافة رجل، وإنكار خلافة رجل آخر مع وجود الوصية بغير ذلك، مع العلم أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كلاهما من قريش، فلا مجال لترجيح واحد على الآخر إن كان هناك وصية بذلك، وكيف يتفق الأنصار مع القرشيين ضد علي بن أبي طالب؟
 هذه تساؤلات لا رد عليها عند طوائف الشيعة التي تتبنى فكرة الوصية لعلي بن أبي طالب، ولم يستطيعوا أن يخرجوا من هذا المأزق إلا بأمر عجيب: هو أنهم فَسّقوا، وأحيانًا كَفّروا كل جيل الصحابة إلا مجموعة تعد على أصابع اليدين منهم، وهذا من المستحيل أن يستساغ عقلاً، فضلاً عن غياب النقل الصحيح بذلك.
 وهذا الموقف في غاية الخطورة ترتبت عليه نتائج خطيرة، فهذه الطوائف الشيعية المتجاوزة قالت: إن كل هؤلاء الصحابة بدّلوا وغيّروا في أمر خطير كهذا، فكيف يقبل منهم بقية الأمور؟ ولذلك قالوا أنهم لا يجب أن ينقلوا عنهم حديثًا، ولا دينًا، ولا تشريعًا، ولا فقهًا، فحرموا أنفسهم وأتباعهم من آلاف الأحاديث التي نقلت عن طريقهم، قالوا:
لا نأخذ عن عائشة،     لا نأخذ عن أبي هريرة،   لا نأخذ عن عمر بن الخطاب،
 لا نأخذ عن عبد الله بن عمر،  لا نأخذ عن عبد الله بن عمرو،  لا نأخذ عن كامل الأنصار،            إذن أين الدين؟   أين الشرع الذي تتبعون؟
 لا يأخذون إلا ما جاء عن طريق علي بن أبي طالب، وعدد محدود جدًّا لا يزيد عن العشرة من صحابة الرسول وينقل عنهم بواسطة طرقهم الخاصة التي هي في غالبها ضعيف، بينما يعرضون كلية عن كل الطرق التي قبلها علماء السنة المسلمين؛ لأنهم كما يقولون نقلوا عن الصحابة الذين تآمروا في زعمهم على علي بن أبي طالب، من ثم فهم لا يعترفون بالبخاري ولا بمسلم ولا بسنة أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه، والإمام أحمد، أو غيرهم من أئمة الحديث عند المسلمين، وهذه بالطبع كارثة، هاوية سحيقة، بل هي ضرب للدين في أصوله.
 ثالثًا: إذا كان هناك فعلاً وصية لعلي بن أبي طالب ، فلماذا لم يصرح بها علي بن أبي طالب؟ أو حتى يكتفي بالإشارة أو بالتلميح،ألا يعد علي بن أبي طالب هنا كاتمًا لما أوصاه به رسول الله ؟ إذا كانت هناك وصية لأحد فكتمها يعد مخالفة للشرع، أيفعل علي بن أبي طالب ذلك؟ قالت الشيعة: إنه كتم هذا الأمر تقية.
 أي يتقي الصحابة فكتم الأمر خوفًا على نفسه إلى أن تأتي الظروف، ويتمكن من الحكم، لا حول ولا قوة إلا بالله، أي مجتمع هذا الذي تصفون؟
 ثم ألم يكن علي بن أبي طالب شجاعًا مقدامًا لا يخاف في الله لومة لائم؟ أيكتم هذا الأمر تقية؟      ثم من يتقي؟
 هل علي بن أبي طالب الهاشمي، وقبيلته التي هي أعظم قبيلة في قريش، هل يتقي أبا بكر التيمي وقبيلته بني تيم التي من أضعف بطون قريش؟ لا أعتقد أن أحدًا يقبل ذلك عقلاً.
 رابعًا: هل كانت فاطمة بنت محمد رضي الله عنها بعيدة عن سرير أبيها رسول الله لقد كانت بجواره حتى آخر اللحظات، فهل لم تعلم منه شيئًا خطيرًا كهذا حتى تخبر به بعد ذلك؟ وهل منع علي بن أبي طالب من زيارة الرسول حتى لا يخبره بهذا الأمر؟
 من الواضح بدراسة كل الملابسات أن هذه الوصية ما هي إلا قصة مختلقة لم يعرف بها أحد إلا بعد أن وضعت، وألفت، ولفقت لرسول الله
 إرسال علي بسورة براءة في موسم الحج :
شبهة جديدة قالوها في هذا المضمار أيضًا، قالوا لقد أرسل رسول الله عليّ بن أبي طالب  بسورة (براءة) ليقرأها على الناس في الحج، يقطع بها عهود المسلمين معهم، وفي ذلك كما زعموا إشارة إلى استخلاف علي بن أبي طالب  ومن المعروف أن أمير الحج في هذا الموسم هو أبو بكر الصديق  فقالوا: لو لم يكن يقصد أن يستخلف عليًّا لجعل أبا بكر هو الذي يقطع العهود، وسبحان الله ما أبسط الشبهة وما أتفهها.
 أولاً: نزلت سورة براءة بعد خروج أبي بكر بوفد الحج، وكان أبو بكر هو الأمير، فلما نزلت السورة أرسل رسول الله  رجلاً من رجاله لم يكن في الحج، وهو علي بن أبي طالب بالسورة حتى يصل بها إلى الناس المجتمعة في الحج.
 ثانيًا: من عادة العرب أن الذي ينقض عهد رجل لا بد أن يكون من قبيلته، فلكي يقطع عهد محمد لا بد أن يكون الناقض من قبيلته وهو علي بن أبي طالب ، والحديث هنا في موسم الحج ليس للمسلمين فقط حتى يكلف الرسول  أبا بكر، ولا ينظر إلى تقاليد العرب في نقض العهود.
 بل إن الحديث المقصود موجه إلى المشركين في الأساس، فلا بد أن يصل إليهم بالصورة التي يقبلوها دون جدال ولا نقاش.
 ثالثًا: لقد تعلق المغرضون بإشارة خفية في إرسال علي بن أبي طالب، وأغفلوا أمرًا جليًّا واضحًا في ذات القصة، وهي أن علي بن أبي طالب لما جاء إلى أبي بكر الصديق  في مكة قال له أبو بكر الصديق : أمير أم مأمور؟
 فقال علي بن أبي طالب: بل مأمور.
 فكيف يعتقدون في استخلاف المأمور علي بن أبي طالب، ويتركون الأمير أبا بكر الذي يُعلّم الناس أمور حجهم، والذي يقود الجميع بما فيهم علي بن أبي طالب نفسه؟
 من الواضح أن هذه القصة حجة عليهم، لا لهم، لكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
 شبهة تأخير بيعة علي لأبي بكر :
شبهة أخرى ساقوها للتأكيد على أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة، قالوا إنه لم يكن راضيًا على اختيار أبي بكر الصديق ، ولذلك لم يبايعه لمدة ستة شهور كاملة، فهل غضب علي بن أبي طالب حقًّا؟  وإذا كان غضب فلماذا؟
 والحقيقة أن هناك رواية في صحيح مسلم تذكر أن علي بن أبي طالب لم يبايع إلا بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها بستة أشهر، ومع ذلك فقد روى ابن حبان بسند صحيح موصولاً إلى أبي سعيد الخدري  أن عليًّا بايع أبا بكر الصديق  في اليوم الثاني للخلافة، فما تفسير ذلك؟
 التفسير الذي يرجحه ابن كثير رحمه الله أن علي بن أبي طالب، قد بايع مرتين، المرة الأولى في اليوم الثاني لوفاة الرسول  والمرة الثانية بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، وذلك بعد ستة شهور من المبايعة الأولى للصديق
 أما المبايعة الأولى فهي التي جاءت في رواية الحاكم والبيهقي وابن سعد وابن حبان بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري، وفيها أن أبا بكر الصديق صعد المنبر في اليوم الثاني -يوم البيعة العامة للجمهور- فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام  فدعا بالزبير فجاء (الزبير في ذلك الوقت كان في بيت الرسول  يجهزه للدفن، ولم يكن قد دفن بعد في اليوم الثاني) فقال أبو بكر له: قلت ابن عمة رسول الله وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين.
 فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله . فقام فبايع، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فدعا به فجاء فقال: قلت ابن عم رسول الله وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين.  فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله  فبايعه.
 فهنا تصريح بالمبايعة، وقد تخلف الزبير وعلي رضي الله عنهما عن الحضور في يوم السقيفة، وفي اليوم الثاني، لأنهما كانا مشغوليْن بتجهيز رسول الله  للدفن، ولما استراب أبو بكر  لغيابهما، أرسل إليهما يلومهما، فجاءا يعتذران ويبايعان.
 بل إن الطبري روى بأسانيده عن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله، أن عليًّا كان في بيته، فأتى إليه الخبر عن جلوس أبي بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عَجِلاً، كراهية أن يبطئ عنه حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث فأحضر ثوبه وتخلله ولزم مجلسه.
ثم إن عليًّا والزبير بن العوام رضي الله عنهما كانا يشعران بشيءٍ من الغضب أو عدم الرضا بخصوص ما تم في سقيفة بني ساعدة، لم يكن ذلك لعدم اقتناعهما بأبي بكر الصديق ، ولكن لأنهما أخرا عن المشورة، وهما -كما يعلم الجميع- على درجة عالية من الفضل، والسبق والرأي.
 - روى الحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أن علي بن أبي طالب والزبير بن العوام قالا: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسول الله  بالصلاة بالناس وهو حي.
 كانت هذه هي المبايعة الأولى، يصاحب هذه المبايعة موقف آخر، هو طلب السيدة فاطمة رضي الله عنها ميراث رسول الله فلما جاء سيدنا علي يطلب ميراث السيدة فاطمة رضي الله عنها في أبيها ، رفض أبو بكر الصديق  وقال لها حديث رسول الله  لا نورث، ما تركنا صدقة، فوجدت، أي غضبت السيدة فاطمة في نفسها،
المهم هنا أن السيدة فاطمة رضي الله عنها وجدت في نفسها، ثم ما لبثت أن مرضت، ولزمت بيتها يعالجها ويمرضها زوجها علي بن أبي طالب  وكان مراعاة لمشاعرها يقلل من اختلاطه بمجلس أبي بكر  فلما ماتت السيدة فاطمة بعد ستة شهور من وفاة الرسول ، ودفنها علي بن أبي طالب شعر أن بعض المسلمين يشعرون بهجرته للخليفة أبي بكر الصديق..
 فأراد أن يؤكد على بيعته، وأنه ما انعزل عنه إلا لأمر السيدة فاطمة رضي الله عنها، فذهب وبايع البيعة الثانية له، ومما قاله علي بن أبي طالب في هذه المبايعة الثانية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن عليًّا قام فعظم حق أبي بكر، وحدث إنه لم يحمله على الذي صنع (من هجره للصديق، ومن غضب أصابه للتأخير عن المشورة) نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارًا للذي فضله الله به.
 ولكنا نرى لنا في هذا الأمر (أي في أمر اختيار الخليفة) نصيبًا، فاستبد علينا (أي سارع إلى الاختيار دون انتظار علي والزبير والعباس جميعًا) فوجدنا في أنفسنا، فَسُرّ بذلك المسلمون (أي سروا ببيعة علي بن أبي طالب)، وقالوا: أصبت.
 وكان المسلمون إلى علي قريبًا حين راجع الأمر المعروف.  أي كان المسلمون قريبين من علي بن أبي طالب فرحين به لما راجع الأمر المعروف أي البيعة التي اجتمع عليها المسلمون.
و لقد أسرع أبو بكر وعمر باختيار الخليفة في سقيفة بني ساعدة دون انتظار، وذلك خوفًا من الفتنة الكبيرة  ، ثم إن علي بن أبي طالب لا يخفى أمره وليس بالمجهول عند الصحابة، ولو أراد الصحابة في بني ساعدة أن يختاروا عليًّا لرشحوا اسمه للخلافة حتى في غيابه، ولكن كان من الواضح أنه لا يوجد أحد في المدينة يتقدم على أبي بكر الصديق
 إذن الفريق الأول من العلماء يقول أن عليًّا قد بايع مرتين:
 المرة الأولى بعد وفاة الرسول  بيوم، والمرة الثانية بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، لطرد الشائعات بأنه لا يرضى عن خلافة الصديق .
 لكن ما زال هناك موقف يحتاج إلى تفسير، وهو أن رواية مسلم تقول بالتصريح أن عليًّا لم يبايع إلا بعد ستة أشهر فما تفسير ذلك؟ يفسر هذا الموقف بأمرين:
 الأمر الأول: أن هذه الرواية، وإن كانت في صحيح مسلم، إلا أن البيهقي رحمه الله ضعفها، وذلك لأن الزهري أحد رواتها رواه رواية غير متصلة فالسند -كما يقول- منقطع، فلو كان صحيحًا فلا يبني عليها هذا النفي للبيعة، وعلى الطرف الآخر إن صحت هذه الرواية، فإنها تحمل على أن الراوي لهذا الحديث لا يعلم أن عليًّا قد بايع المبايعة الأولى، فهنا حديث صحيح يثبت لعلي بن أبي طالب بالبيعة الأولى، وحديث آخر لو صح ينفي البيعة الأولى لعلي بن أبي طالب، فبأي الحديثين نعمل؟
 يقول الفقهاء في ذلك الأمر أن الحديث المثبت يقدم على المنفي، لأن الذي نفى، نفى أن يكون قد وصل إلى علمه، ولكن قد يكون الأمر حدث، ولم يعلمه، أما الذي أثبت فقد أثبت؛ لأنه تيقن من الثبوت، مثال ذلك: روى البخاري ومسلم وبقية الخمسة إلا أبو داود أن السيدة عائشة قالت: ما بال الرسول قائمًا قط. هذا نفي.
 وعلى الناحية الأخرى روى أيضًا البخاري ومسلم وبقية الخمسة عن حذيفة بن اليمان قال: رأيت رسول الله يبول قائمًا. هذا إثبات. أي الحديثين نقدم؟
 قال العلماء: يقدم المثبت على المنفي، حذيفة رأى النبي يبول قائمًا فهذا حدث، أما السيدة عائشة فقالت إنه لم يبل قائمًا، وهذا علمها وصدقت فيه، لكن هذا لا يمنع أنه بال قائمًا بعيدًا عنها ولم تعلمه. فخلاصة الأمر في هذا أنه لو صح حديث يثبت لعلي بن أبي طالب البيعة الأولى، فإنه يقدم على الحديث الآخر الذي نفى البيعة الأولى، وإن صح هذا الحديث. ثم بفرض أن عليًّا لم يبايع فعلاً إلا بعد ستة شهور،أيقدح هذا في صحـة خلافة الصديق ؟
 أبدًا، إن البيعة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد، ثم بيعة الجمهور، وهذه البيعات قد تمت بالفعل لأبي بكر الصديق ، ولا يضر البيعة أن يناقضها رجل أو رجلان أو عشرة أو أي أقلية، ومع ذلك فإن علي بن أبي طالب لم يتخلف عن أمر الصديق ، ولم يتردد عن طاعة أوامره، ولم يشق عصا المسلمين، وهذا هو المطلوب منه، وليس بالضرورة أن يكون في اختلاطه معه كما كان قبل الخلافة.
 فإنه من المعروف أن علي بن أبي طالب لم يكن يتخلف عن الصلوات خلف الصديق ، لم يكن يتخلف عن الشورى معه، ولما خرج الصديق لقتال المرتدين بنفسه، وقف له علي بن أبي طالب كما روى الدارقطني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: أخذ علي بن أبي طالب  بزمام راحلة أبي بكر وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله ؟
 أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد: شم سيفك -أي رده إلى غمده- ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا.
 ولما اضطر أبو بكر للخروج بنفسه بعد أن خرجت كل الجيوش لحرب المرتدين، ثم هجمت عبس وذبيان على المدينة، خرج معه علي بن أبي طالب إلى ذي القصة يحارب معه المرتدين، وروى البخاري عن عقبة بن الحارث : رأيت أبا بكر ، وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي. وعلي يضحك.
 وفي رواية الإمام أحمد أن هذا كان بعد وفاة الرسول بليال، وذلك بعد صلاة العصر، فهذا ينفي الانقطاع المذموم الذي روج له المغرضون.
 إذن علي بن أبي طالب  لم يكن خارجًا عن الجماعة بأي صورة من الصور، ولم يثبت أبدًا أي اعتراض له على خلافة الصديق، وبايع علي الصديق إما مرتين، وهذا هو الأقرب، أو يكون قد بايع مرة واحدة بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، وهذا لا يقدح في خلافة الصديق، ولم يكن لعدم البيعة أي مردود على طاعة علي بن أبي طالب للصديق  أجمعين. ومع فداحة الشبهات السابقة إلا أن سهام المغرضين لا تنتهي.
 شبهة المؤامرة على علي :
شبهة جديدة أطلقوها بخصوص هذه البيعة للصديق  هذه الشبهة الجديدة شنيعة للدرجة التي تهدف إلى هدم الإسلام من أساسه، تولى كبرها طائفة الشيعة أرادوا الطعن في رموز الإسلام العظيمة، بصورة تظهرهم كأسوأ ما يكون الرجال، هذه الشبهة الشنيعة هي أن الصديق ، وعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح، قد تآمروا على أمر الخلافة فيما بينهم، وساعدتهم في ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها .
 حاشا لله من هذه الفرية، يزعمون أنهم جميعًا قد تآمروا على أن يأخذ الصديق الخلافة في بادئ الأمر، ثم يعطيها بعد ذلك لعمر بن الخطاب، ثم يعطيها عمر لأبي عبيدة بن الجراح، لكن أبو عبيدة مات قبل موت عمر، فلم تكتمل أطراف المؤامرة كما يقولون، ويقولون أن هذا التآمر ساعدت فيه السيدة عائشة بأن ادعت كما يقولون، أن الرسول أوصى بالصلاة لأبي بكر، بينما الحقيقة في زعمهم أنه أوصى بالصلاة لعلي بن أبي طالب، وأخفت ذلك السيدة عائشة، وبذلك أوصلت الخلافة إلى الصديق .
 تصوير قبيح وشنيع، لأعظم أجيال الإسلام ولأرقى رموز الإسلام، إذا كان هؤلاء السابقين على هذه الشاكلة فلا أمل فيمن جاء من بعدهم، وهذا هو بيت القصيد في الشبهة، ليست القضية اتهام رجل أو رجلين، ولكن القضية أعمق من ذلك بكثير، هي فعلاً هدم لدين الإسلام من جذوره، هم يقيسون الأحداث بمقاييس هذا العصر الذي نعيش فيه الآن.
 يرون السياسة كما يرونها الآن، مؤامرات، ودسائس، ومكائد، وخداع، ونفاق، وغش، وتحايل، هذه السياسة التي يشاهدها الناس، وعلى هذا الأساس يقومون سياسة الإسلام في عهد الخلفاء، وما أدركوا أن الإسلام قدم أروع أنظمة السياسة، وأرقى الأمثلة للتطبيق العملي لهذه القواعد السياسية، هم لا يتخيلون أن رجلاً نقيًّا مثل أبي بكر، وعمر يكون رجلاً سياسيًّا ناجحًا.
 فيقولون إما إنه رجل صالح وسياسي فاشل، وإما إنه سياسي ناجح، ولكنه فشل في مجال الأخلاق، لكن الشواهد تثبت حسن سياستهم، والشواهد أيضًا تثبت قيادتهم الحكيمة ليس لأوطانهم فقط، بل للأرض جميعًا في زمانهم، إذن في عُرف العلمانيين، والمستشرقين لا بد لهؤلاء الساسة الناجحين أن يكونوا متآمرين، هذا ما شاهدوه في الواقع الآن.
 ولا يتخيلوا أن يوجد في هذا الماضي السحيق هذه الصورة النقية البهية للساسة المسلمين المهرة في سياستهم، والأتقياء في قلوبهم، الذين يديرون الدنيا بحكمة، وعيونهم على الآخرة {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41].
 هذا طراز أسطوري بالنسبة للعلمانيين، لكنه حدث في عهد الإسلام، ويتكرر والله كثيرًا في تاريخنا، ليس في عهد الصحابة فقط ولكن في عصور أخرى كثيرة، وفي أماكن متعددة، ولا بد أن نفرغ الأوقات لاستخراج الكنوز الثمينة والرموز العظيمة، وما أكثرها.
 المهم أن المستشرقين ساروا وراء طوائف الشيعة المتبعة لهذه الشبهة الخطيرة، شبهة تآمر أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة  لتبادل أدوار الخليفة، الواحد تلو الآخر، وذلك في زعمهم بمساعدة السيدة عائشة رضي الله عنها. وتعالوا نبحث قليلاً في هذه المؤامرة المزعومة:
 أولاً: من هؤلاء المتهمين بالمؤامرة؟
 - أبو بكر الصديق ، أهذا الرجل الذي تحدثنا عنه في هذا الكتاب، الذي يتآمر بهذه الصورة على الخلافة؟ أهذا الرجل الذي تحدثنا عن إيمانه، وصدقه، وورعه، ورقة قلبه، وسبقه وإنكاره لذاته وثباته، أهذا الرجل هو الذي يتآمر؟ أهذا الرجل الذي كان يتورع عن لقمة واحدة حرام، لا يتورع عن أكل حقوق أمة كاملة؟!
 روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق غلامُ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه -الخراج شيء يجعله السيد على عبده، يؤديه إلى السيد كل يوم وباقي كسبه يكون للعبد- فجاء هذا الغلام يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ قال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت في الجاهلية لرجل، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك، هذا الذي أكلت منه.
 إذن هذا مال حرام أخذ بخديعة وبكهانة، ماذا كان رد فعل الصديق للقمة أكلها ونزلت في معدته. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه. هذا هو الصديق ، ثم أليست هناك إشارات في منتهى الخبث، في اتهام الصديق في صدقه، وإدعاء أنه كذب ليستولي على الخلافة، أليس الذي سماه بالصديق هو رسول الله ، بل في رواية أن الله  هو الذي سماه بذلك، أليس هذا هو الذي سماه الله بالأتقى؟
 أيفعل هذا الصديق الأتقى؟!
 أيكون أول الداخلين إلى الجنة من أمة الإسلام بعد رسول الله على هذه الصورة، فكيف بمن يدخلون من بعده، إذن هذا هو الرجل الأول في الاتهام في شبهتهم، قاتلهم الله، أني يؤفكون؟
 - الرجل الثاني في ادعائهم: عمر بن الخطاب:
 الفاروق ، ولو بحثت في حياته  عن أهم صفاته، وأبرز خلاله لكانت صفة العدل، والصدع بالحق، دون أن يخشى في الله لومة لائم، أيفعل هذا الذي وصف بذلك ما يدعيه هؤلاء المغرضين؟ روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدِّينُ". أهذا الذي يغمره الدين إلى هذه الصورة يقوم بمثل هذه المؤامرة؟
 - الرجل الثالث في ادعائهم: أبو عبيدة بن الجراح :
 هو الرجل الذي سماه رسول الله بالأمين، صفة مميزة له في حياته كلها، روى البخاري ومسلم عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله  فقالوا: يا رسول الله ابعث لنا رجلاً أمينًا. فقال: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا أَمِينًا، حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ". قال حذيفة: فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح .
 وانظر عندما يختار رسول الله  رجلاً من كل الأمة يصفه بالأمانة، ويسميه أمين هذه الأمة، أي أشد الناس اتصافًا بهذه الصفة في هذه الأمة، ثم يأتي قوم فيطعنون في أمانته، ما الذي وراء ذلك؟ أليس هذا طعنًا في الأمة بأسرها؟ ثم أليس هذا طعنًا في الذي سماه بهذا الاسم؟
 يقولون بدلوا وغيروا من بعده؟
 أي حجة تافهة، أليس منقصة في حقه ، أن يربي ويعلم وينصح سنوات وسنوات، ثم يأتي النبهاء والفضلاء الأوائل من تلامذته، فيفشلون جميعًا في أول اختبار، فيفشل الصديق في صدقه، ويفشل الفاروق في عدله، ويفشل الأمين في أمانته؟ أليس عجيبًا حقًّا هذا الاتهام؟ لكن سبحان الله، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
 - المتهم الرابع في ادعائهم: السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:
 أولا : واحدة من أعظم نساء العالمين، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: الرسول الله: "كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ تَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ". وفي رواية زاد عليهن: خديجة رضي الله عنها, وفي رواية زاد عليهن: فاطمة بنته. ثم قال: "وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ".
 كثير من العلماء قالوا أنه بهذا الحديث تكون السيدة عائشة الأفضل على النساء، ومن العلماء قدم هؤلاء على السيدة عائشة، لكن على أي حال هذه واحدة من أعظم نساء العالمين على الإطلاق، فإذا كانت واحدة بهذا القدر وهذه المكانة تتآمر على الخلافة لصالح أبيها فأي خير يبقى في الأمة؟
 طعن خبيث لا شك أن وراءه طعنًا في الأمة بأسرها، إذن في الرد على شبهة التآمر هذه ذكرنا صفات الذين اتهموهم بالمؤامرة ورأينا كيف أنه يستحيل، فعلاً يستحيل في حقهم هذا الأمر.
 ثانيًا: لم يرد أي نص صحيح يصف على وجه اليقين، أو حتى على وجه الشك مثل هذه المؤامرة، ونحن لا نأخذ شيئًا من سيرة الرسول ولا من سيرة الصحابة إلا بنقل صحيح، ودليل قوي ثابت، لا نقبل برواية موضوعة، أو منكرة، أو شديدة الضعف، وبالذات في الأمور الخلافية، والأمور التي فيها طعن، ولو بسيط في أحد الصحابة، فكيف بمن يطعن في عمالقة الصحابة؟ وبشبهة مثل هذه الشبهة.
 ثالثًا: إذا كانوا قد تآمروا على هذا الأمر في حياة الرسول ، فأين كان الوحي وقت ذلك؟ أيعلم الله  بمثل هذا الأمر الخطير، ثم لا يوحي إلى رسوله  بهذا؟ أم يوحي إلى الرسول بذلك ويكتم؟ إن الأمر على أي وجه فيه طعن مباشر ليس في كبار الصحابة فقط، بل في الله ورسوله، ولا يخفى ضلال هذا المنهج في التناول.
 رابعًا: الأحداث التي دارت قبيل وفاة الرسول ، وبعد وفاته، لا توحي مطلقًا بوجود مؤامرة، فلم يكن أبو بكر قريبًا من بيت الرسول  في الوقت الذي طلب رسول الله  تقديمه للصلاة، ولو كان هناك اتفاق بينه وبين السيدة عائشة لأصبح قريبًا من البيت حتى يتولى الإمامة حسب الاتفاق، بل إنه في اليوم الأخير في حياة الرسول ، مع أنه يعلم أن هذا المرض هو مرض موت الرسول ، إلا أنه قد استأذن في الذهاب إلى السنح خارج المدينة، حيث بيت أم خارجة زوجته.
 ولو كان يرغب في الخلافة، ويتآمر عليها لبقي في بيته الذي بالمدينة بيت أسماء بنت عميس رضي الله عنها، ثم لو كان هناك تآمر، أكانت السيدة عائشة تراجع رسول الله  في أمر الصلاة وتقول له: إن أبا بكر رجل أسيف أو رقيق؟!
 كان من الممكن أن يقول لها رسول الله : نعم الحق معك فليصل فلان بالناس، فإذا عين رجلاً آخر كانت الصلاة له، ثم الخلافة بعد ذلك، ولكن ذلك لم يحدث، على الرغم من أن السيدة عائشة راجعت الرسول عليه الصلاة والسلام، وأصر الرسول على موقفه.
 وكما ذكرنا لم تكن فاطمة ولا علي رضي الله عنهما بعيدين عن سرير رسول الله ، فلو أمر أحدًا غير أبي بكر بالصلاة لأخبرهما بذلك الأمر وهو ما لم يحدث.
 خامسًا: هل ظهر في سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند تولي الخلافة ما يشير إلى أنهما طمعا فيها حتى يقوما بهذه المؤامرة الخبيثة؟ أعتقد أنه لو كان هناك رجل بهذا الخبث الذي يتحايل فيه على نبي، وعلى أمة، فإن حياته سوف تشهد بذلك لا محالة، ماذا فعل أبو بكر بالخلافة؟ ألم يكن خليفة المسلمين، ثم ينزل ويخدم العجوز في بيتها، ويحلب الشاة للضعفاء وعندما يُسأل: من أنت؟ يقول: رجل من المهاجرين؟ أهذا هو الرجل المتآمر على الخلافة؟ لقد كانت الرئاسة في حقه، وفي حق عمر بعد ذلك عبئًا وتكليفًا ولم تكن أبدًا هدية أو تشريفًا.
 سادسًا: هل لو في نية هؤلاء الأفاضل أن يتآمروا أكانوا يذهبون إلى سقيفة بني ساعدة ثلاثة فقط؟ ألم يكن من المناسب أن يدبروا الأمر ويأتوا بالمهاجرين؟ ماذا يحدث لو اجتمعت الشورى على غيرهم؟ ماذا كانوا سيفعلون وهم ثلاثة، وفي أرض المدينة؟
 التحليل الصادق يقول أنهم ما أعدوا لهذا الأمر مطلقًا، بل ذهبوا على سجيتهم، وطرحوا آراءهم، ووجدت قبولاً شرعيًّا، وعقليًّا عند الأنصار، فقدموا أبا بكر الصديق .
سابعًا: أيتآمر أبو بكر وعمر على الخلافة؟
 ألا يعلم المغرضون إلى أي القبائل ينتمون؟ أبو بكر الصديق  من قبيلة بني تيم، وهي من أضعف بطون قريش، وعمر بن الخطاب من قبيلة بني عدي وهي قبيلة ضعيفة أيضًا، أيتآمر رجلان من هاتين القبيلتين على سائر قبائل قريش؟
 أيتآمرون على بني هاشم، وبني أمية وبني مخزوم وغيرها من القبائل العظيمة الكبيرة ذات المنعة؟
 لقد كان اختيار أبي بكر للخلافة أمرًا لافتًا للنظر فعلاً، لقد تعجب أبو قحافة نفسه والد الصديق  من هذا الأمر فكما روى الحاكم عن أبي هريرة  أنه قال: لما قبض رسول الله  ارتجت مكة، فسمع أبو قحافة ذلك فقال ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله . قال: أمر جلل، فمن قام بالأمر بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت.
 فالجميع كانوا يتعجبون من هذه النتيجة للانتخاب، وليس لها تفسير إلا أنها حدثت من نفوس طاهرة أخرجت الدنيا تمامًا من القلب، وحكّمت الشرع والدين، ورضيت بقول الله وقول رسوله
 شبهة مقولة أبي سفيان :
شبهة أخرى تافهة: يقولون: أن أبا سفيان قال بعد أن تولى أبو بكر الخلافة لعلي وعباس رضي الله عنهما: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلاًّ، والله لئن شئتم لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً.
 أي أن أبا سفيان  يحرض علي وعباس على الانقلاب على المدينة، يريدون بذلك أن يشيعوا أن جوًّا من الغضب، وعدم الرضا كان يملأ المدينة، وسبحان الله، ما أتفه الشبهة
 أولاً: الرواية أيضًا ضعيفة جدًّا، ذكر ذلك الأستاذ محمود شاكر في كتابه القيم التاريخ الإسلامي.
 ثانيًا: هل يمكن أن يتجرأ أبو سفيان  على هذا الفعل، وهو من الطلقاء؟ والطلقاء هم الذين أطلقهم رسول الله مَنًّا عليهم يوم فتح مكة. أيتجرأ على هذا الفعل، وهو يعلم أن قلوب المسلمين قد تكون ما زالت محتفظة بذكريات العداء الطويل معها لمدة إحدى وعشرين عامًا.
 ثالثًا: هل كان يقبل علي والعباس رضي الله عنهما هذا التحريض دون رد، هل يقبل منهما ذلك في ظل الورع والتقوى والإخلاص الذي اشتهر به كلاهما؟
 ومع ذلك فالرواية الضعيفة التي ذكرت القصة أوردت ردًّا من علي بن أبي طالب على أبي سفيان يبرأ ساحته وساحة العباس رضي الله عنهما، لكن المغرضين أخذوا ما يريدون، وتركا ما لا يريدون، وهكذا طبيعتهم، يؤمنون ببعض الكتب ويكفرون ببعض، لقد رد علي بن أبي طالب في هذه الرواية بقوله لأبي سفيان: لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان، فلم يضره ذلك شيئًا، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً. فحتى على فرض صحة الرواية فعلي بن أبي طالب يرد ردًّا شافيًا على الشبهة ويهدمها من الأساس.
 رابعًا: أكان يسكت أبو بكر على هذا التحريض مع خطورته؟ ألم يكن من الواجب أن يكون هناك رد فعل تتناقله كتب السيرة والأحاديث، فأين ذلك الرد؟ أم هم يفترضون أن يدبر انقلابًا ويشجع عليه ولا يتحرك الخليفة؟
 خامسًا: ما مصلحة أبي سفيان في تحريض علي والعباس رضي الله عنهما؟ لو كانت رواسب الجاهلية ما زالت في قلب أبي سفيان ويريد دنيا من وراء هذا الأمر فلماذا يحرض رجلين عزيزين من بني هاشم؟
 لو دخلت الخلافة في بني هاشم فلن تخرج منها لعزتها، ولقرابتها لرسول الله ، وبالتالي لن تذهب إلى بني أمية، قبيلة أبي سفيان، أما إن بقيت في تيم فإنها لا شك ستخرج منها بعد وفاة الصديق فليس في بني تيم عَلَم مثل الصديق فحتى من الناحية الدنيوية لا يستقيم أن يفعل أبو سفيان ذلك فكيف يفترض ذلك المغرضون؟
 قضية ميراث الرسول :
والقضية لها علاقة وثيقة بقصة استخلاف أبي بكر الصديق ، فهي من أول أعماله في الخلافة ونتج عنها بعض المواقف التي أساء المستشرقون، وأصحابهم فهمها، واستغلوها في الطعن في عظماء الصحابة، لقد ترك رسول الله أرضًا، كانت له بالمدينة وفدك (قرية خارج المدينة)، وما بقي من خمس خيبر، وبعد وفاته ذهب العباس وعلي رضي الله عنهما يطلبان نصيب العباس ونصيب فاطمة بنت رسول الله في إرث رسول الله قال الصديق لهما كما جاء في البخاري: إن رسول الله قال: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَة".
 ثم قال الصديق: إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله
 وقال أيضًا في رواية أخرى للبخاري: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله يعمل به، إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ. يا لها من كلمة جميلة من الصديق ، كلمة رائعة، هي تلخص فلسفة الصديق  في حياته: إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ.
 اللهم ارزقنا فهمًا كهذا الفهم، وعملاً كهذا العمل، وإخلاصًا كهذا الإخلاص.
 إذن أبو بكر الصديق عرّف عليًّا والعباس رضي الله عنهما بحكم هام، وهو أن الأنبياء لا يورثون درهمًا ولا دينارًا، وما تركوه فهو صدقة، أي في بيت مال المسلمين، قد شاء الله ذلك حتى لا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم، بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم، ولذا فحياة الأنبياء صلوات الله عليهم وتسليماته، تكون زهدًا وورعًا وبعدًا عن الدنيا، وكذلك يكون الحال لورثتهم. لكن هل كان هذا الحكم خافيًا على علي بن أبي طالب ؟
أبدًا لم يكن خافيًا عليه هذا الحكم، سبحان الله، بل لم يكن خافيًا على العباس  أيضًا، ولم يكن خافيًا عن كثير من الصحابة، فقد روي نفس الحديث من طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس، والسيدة عائشة، وأبي هريرة، فما تفسير طلب العباس وعلي رضي الله عنهما للإرث؟!
 وما تفسير سؤال السيدة فاطمة رضي الله عنها نصيبها في ميراث أبيها؟!
 بل أكثر من ذلك، فإنه لما رفض أبو بكر الصديق إعطاء العباس وعلي رضي الله عنهما من الإرث، تشهد علي ، وحمد الله ثم قال: إنا نعرف يا أبا بكر فضيلتك، ثم ذكر عليّ قرابتهم من رسول الله وحقهم، أي أنه ما زال يطلب الإرث لزوجته، فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله أحب إليّ أن أصل من قرابتي.
أي إنه لا يقطع قرابة الرسول ، ولكنه يقضي بما يراه صوابًا، فما تفسير تكرار الطلب من علي  مع علمه بالحكم؟!
 بل أكثر من ذلك، فإنه لما رفض أبو بكر الأمر وجدت السيدة فاطمة رضي الله عنها أي حزنت، وغضبت، وذلك كما جاء في رواية البخاري، وهجرت الصديق فلم تكلمه حتى مرضها الأخير الذي ماتت فيه بعد ستة شهور من وفاة الرسول فما تفسير غضبها وهجرانها لأبي بكر الصديق ؟!
 طبعًا المستشرقون والمستغربون والشيعة وجدوا في هذا الموقف مادة ثرية جدًّا للطعن في كل الصحابة، فمنهم من اتهم أبا بكر الصديق  بالظلم، لأنه حرم السيدة فاطمة من نصيبها من الإرث، ومنهم من اتهم السيدة فاطمة وعلي والعباس بحب الدنيا والسعي وراءها، وبمخالفة الشرع بطلب شيء نهى عنه رسول الله، ومنهم من اتهم علي بن أبي طالب بأنه لم يبايع أبا بكر غضبًا لنفسه ولزوجته، ومنهم من اتهم الصحابة بالخلاف على الدنيا والهجران لذلك، فما هو التفسير الحقيقي، والمقبول لهذه المواقف المتشابكة؟
 الحق أنه من المستحيل لعلي والعباس والسيدة فاطمة أجمعين أن يطلبوا الدنيا بهذه الصورة مخالفين الشرع ومخالفين أمر الرسول، وبالذات أن السيدة فاطمة تعلم يقينًا أنها أول من سيلحق بأبيها من أهل بيته، هي تعلم أنها قد اقتربت جدًّا من الوفاة وليس من المعقول أن تتعلق بالدنيا إلى درجة المخالفة بهذه الصورة..
 التفسير المنطقي للموقف يقول: إن العباس، وعلي، والسيدة فاطمة كانوا يريدون الإرث ليقوموا فيه بما كان رسول الله  يفعل، يعني ينفقوا على آل بيته بما يكفيهم من الطعام، ثم يقومون هم بتقسيم الصدقة على من يستحقها في الوجه الذي يرونه هم، وذلك لأنهم قرابته وأحق الناس به كما يقولون، أي أنهم لا يريدون الإرث لأنفسهم، ولكن يريدون حق تقسيم الإرث على أهل الصدقة، هذا هو ما يفهم في ضوء سيرة هؤلاء الأخيار وهم جميعًا من أهل الجنة السابقين.
 لكن على الجانب الآخر فإن أبا بكر الصديق  رفض هذا الأمر، وأصر على أن يتولى هذا الأمر بنفسه، لأنه قال كما جاء في مسند أبي داود ومسند الإمام أحمد أن رسول الله  جعلها لمن يقوم بالأمر من بعده.
 أي جعل التصرف في هذا الإرث للخليفة بصرف النظر عن كونه الصديق أو غيره، والعلة في ذلك واضحة، وهي نفي أي شبهة قد تقدح في ورثة النبي  وغلق الباب على اتهامهم بإنفاقها في غير وجهها، كما أنه أصلح لتجنب هوى النفس، فإن كان الوارثون الآن على درجة عالية من التقوى، وسيتصرفون فيه كما أراد رسول الله .
 فمن أدراك بالجيل الثاني أو الثالث أو الرابع من الوارثين، إذن الأفضل أن تظل في حوزة بيت مال المسلمين يتصرف فيها الخليفة والذي يراقب عمله طائفة كبيرة من المؤمنين، لكن السيدة فاطمة رضي الله عنها لم تفقه هذا الفقه الذي رآه الصديق ، وكذلك علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنهما، فإنهم اجتهدوا في أنهم من الأصلح والأنسب أن يقوموا هم بهذا الأمر، ولذلك حزنوا لرفض الصديق لطلبهم..
ولا مانع، أن يجتهد المسلمون فيختلفوا في الاجتهاد، وأن يغضب فريق من فريق، أو رجل من رجل، لا مانع أبدًا، لكن هذا الغضب لم يخرج كُلاًّ من الطرفين عن آداب الإسلام وأخلاقه، كما إنه لم يؤثر على طاعة علي بن أبي طالب للصديق ، ولم يؤثر على معاملة الصديق  لعلي، وللسيدة فاطمة أجمعين وذكرنا من قبل وجوهًا من هذه المعاملة بينهم،
 بل إن الصديق  زار السيدة فاطمة في بيتها في مرضها الأخير، وأذنت له بالدخول عليها بعد استئذان علي بن أبي طالب ، وتَرَضّاها الصديق حتى رضيت كما جاء في رواية البيهقي رحمه الله، أي أنه طيب خاطرها حتى تموت وهي راضية، وهذا من أدب الصديق ، وخلقه، وسَعَة صدره، فإنه هو المصيب في اجتهاده، وهو الخليفة وهو الأحق بأن يُسترضى، لكن هذا هو الصديق الذي عرفناه.
 ولا مجال هنا لادعاء الهوى والدنيا في نفس الصديق، ففي ضوء سيرته فإن هذا لا يعقل، وفوق ذلك فإن العقل ينفي ذلك، فالصديق بمنعه لميراث رسول الله  من الوصول لورثته قد منع ابنته عائشة رضي الله عنها، ولم يتجه مع ميل الإنسان الفطري بحب ابنته، كما أنه كما ذكر ابن تيمية في منهاج السنة قد أعطى ورثة النبي أضعاف أضعاف هذا الميراث من بيت مال المسلمين، وذلك بعد أن فتح الله على المسلمين قبائل العرب بعد حرب الردة، وبعد أن فتح عليهم فارس، والشام، ثم إن علي بن أبي طالب  سار على نفس نهج الصديق لما تولى إمارة المؤمنين، فعلي  لم يقسم التركة على ورثة النبي ، بل عمل فيها بما كان يعمل الصديق .
 ولا مجال أيضًا لقول أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قد هجرت أبا بكر الهجران المذموم المنهي عنه:
 فأولاً: ليس من المعتاد في شرع الإسلام أن يختلط الرجال بالنساء، ويتقابلوا يوميًّا حتى نقول أن السيدة فاطمة قد هجرت الصديق.
 ثانيًا: السيدة فاطمة كانت تؤدي أمر ربها لها ولآل البيت، وللنساء بصفة عامة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
 ثالثًا: السيدة فاطمة كانت مشغولة بمصابها الكبير بوفاة الرسول ، وكانت مشغولة أيضًا بمرضها، فإنها ما لبثت أن مرضت بعد وفاة الرسول
 رابعًا: الصديق نفسه كان مشغولاً جدًّا عن مثل هذه الأمور، فمن المؤكد أنه قد أخرج القضية من ذهنه تمامًا، فقد كان مشغولاً بمصيبة شنيعة هي ردة الجزيرة العربية، وكانت الأحداث متلاحقة بشكل سريع جدًّا، والجيوش تتحرك في كل مكان، واجتماعات الحرب لا تنتهي، والأخبار لا تنقطع، والصديق لا يجد وقتًا لنوم أو لراحة، فكيف له أن يفكر في قضية كان قد حسمها بالفعل وفق سنة حبيبه محمد .
 إذن، بالتفكير المنطقي، والعاقل، والموزون، وبالبحث الجاد عن الصحيح من الأحاديث، والمواقف، وبإتباع الشرع إتباعا حقيقيًّا نرى أن كل الشبهات التي أثارها المستشرقون والشيعة ما هي إلا فقاعات هواء، لا تقوى أمام الحجة والبرهان، والدليل الصحيح، فلا يجب أن يهتز المسلمون أبدًا لهذه التفاهات، ولكن عليهم أن يبحثوا عن تاريخهم في مصادره الصحيحة، ويفقهوه بعقول علمائهم الصادقين المخلصين، لا بعقول المغرضين الطاعنين.
 خـطـبـة الاستخـلاف :
يتبقى في تأريخ هذه الفترة أن نتعرض سريعًا لخطبة أبي بكر الصديق ، والتي ألقاها بعد أن انتخبه الصحابة للخلافة، وسبحان الله، فإن الخطبة على قصرها، وإيجازها كانت بليغة جدًّا، ومحددة لسياسة الصديق  في الحكم، وشارحة للمسلمين وحكامهم الأصول الصحيحة للحكم في الإسلام، والخطبة فعلاً عجيبة، فقد حوت معان كثيرة جدًّا في كلمات قليلة جدًّا، ولذلك فقد أتت الخطبة في صورة بيان، بيان يلقيه زعيم الأمة في استلامه الحكم، تلا فيه قواعد حكمه، القاعدة تلو الأخرى، في صورة تلغرافات سريعة رائعة، قال الصديق في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:
القاعدة الأولى : أما بعد: أيها الناس فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم
 هذه هي القاعدة الأولى في بيان الصديق ، المساواة بين جميع أفراد الأمة، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، لا فرق بين الحاكم المحكوم، لا فرق بين الوزير والغفير، فالكِبر المهلك، الكِبر في الحاكم، أو الكبر في الهيئة الحاكمة يسقط الأمة ويهلكها، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 45: 47]. وهذا هو بطر الحق، أنكروا الحق لأنه أتى من قبل غيرهم. فماذا كانت النتيجة؟ {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ المُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48].
 الكِبر مهلك، والصديق  وأرضاه يضع قاعدة هامة لكل من تولى أمرًا للمسلمين (لا تتكبر) ها هو أعظم رجال الأمة على الإطلاق بعد رسولها بشهادة نبيها محمد ها هو يقول: قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم.
 القاعدة الثانية: فإن أحسنت، فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني
 قاعدة هامة أصيلة نتجت عن القاعدة السابقة، الحاكم والمحكوم كلاهما طرفان في منظومة واحدة تريد الوصول إلى الحق وإلى الصواب وإلى الخير لهذه الأمة، الحاكم بشر معرض لكل ما يحدث للبشر، من اجتهاد مصيب وخاطئ، ومن رأي سديد وغير سديد، والعلاقة بين الحاكم وشعبه ليست علاقة تنافسية، وليست علاقة تقوم على الحذر والرعب، والإرهاب والخوف، أبدًا،
العلاقة في الإسلام بين الحاكم والمحكوم علاقة لطيفة جميلة رقيقة، كل من الطرفين يحب الآخر، وكل من الطرفين يخاف على الآخر، الحاكم إذا اجتهد فأصاب أعانه الشعب بكل طاقته، وإذا اجتهد فأخطأ وهذا ولا شك وارد الحدوث، بل هو مؤكد الحدوث، فعلى الشعب التوجيه، والتقويم، والإرشاد، وعلى الحاكم أن يقبل النصح في غير ضجر ولا غضب، فالجميع كما يقولون في مركب واحدة، والجميع يريد لهذه المركب السلامة.
 كانت هذه هي القاعدة الثانية من قواعد الحكم في بيان الصديق كما أنه بهذا الكلام قد أرسى قاعدة أخرى هامة، هي قاعدة الشورى، فالحاكم مهما بلغت درجة ذكائه، وفطنته، وورعه، وتقواه يحتاج إلى الآخرين، ليس فقط للنصح، ولكن لأخذ القرار وتنفيذه، ودائمًا يجعل الله البركة في الجماعة والشورى، والاجتماع على الأمر الأقل فضلاً خير من التفرق على أمر فاضل.
 القاعدة الثالثة: الصدق أمانة، والكذب خيانة
 كلمة ثقيلة جدًّا في الميزان الإسلامي، وتستمد ثقلاً أكبر من كونها تأتي من الصديق ، والذي كانت حياته كلها تجسيدًا لمعاني الصدق والوفاء، فيلتقي القول مع العمل، فيحدث للقلب يقينًا كاملاً بما يسمع، الصدق أمانة والكذب خيانة.
 وآه من الحاكم الكذاب، كم من التداعيات الخطيرة تحدث في بلده وفي شعبه نتيجة الكذب، وإن قام الحكم على الكذب والأباطيل والتصريحات الخادعة فلا أمل في القيام، لا طموح في الصدارة، المصارحة بين الحاكم وشعبه أساس رئيس من أسس الحكم في الإسلام، وركن لا بديل عنه لضمان علو الأمة ورقيها، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابُ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ".
 القاعدة الرابعة الأصيلة في البيان:
 واعلموا أن الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
 والصديق هنا يرسي قاعدة في غاية الأهمية في بناء الأمم، وفي قيادة الشعوب، وهي قاعدة العدل، ولا تقوم أمة بغير عدل، ولابن تيمية رحمه الله كلمة جميلة في هذا المعنى يقول: إن الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، ولو كانت مسلمة.
 لقد ذكر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من موضع مصير الأمم الظالمة، قال الله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ} [الأنبياء: 11]. وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
 وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيف أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
 لا واسطة في الأمة العادلة، لا اعتبار لقرابة أو لمنصب أو لسطوة أو لمال أو لملك، الاعتبار الوحيد هو العدل، حتى مع من تكره.
 ولا يجرمنكم شنئان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
 وهكذا فالصديق يعطي درسًا لا ينسى في بناء الأمم، ويضع يده على مقومات الأمة الناجحة، هكذا في بساطة وسهولة، في هذا البيان العجيب.
 القاعدة الخامسة الرائعة: في بيان الصديق:
 لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ؛ كلمات تكتب والله بماء الذهب، قالها بلسانه، وصدّقها بعمله وأرضاه، ومن أول يوم تولى فيه الخلافة، وهو يجعل الجهاد سبيله، ومن أول يوم تولى فيه الخلافة وهو عزيز، وأمته عزيزة، لأنه لم يعدل عن الجهاد أبدًا، كانت هذه هي أول كلماته عند استلام الحكم، ثم كانت آخر كلماته هي تحفيز عمر بن الخطاب على استنفار الناس للجهاد في أرض فارس مع المثنى بن الحارث، تعلّم دروسًا لا تقدر بثمن من معلمه، ومعلم البشرية رسول الله ، روى أبو داود وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (نوع من الربا) وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (أي في زمن الجهاد) وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".
 لا بد للأمة الناجحة من أعداء، ولا بد للحق من باطل يحاربه، ولا بد للحق من قوة تحميه، هكذا فقه الصديق وهكذا نجحت الأمة في زمانه.
 القاعدة السادسة الهامة في خطاب الصديق:
 ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء
 قاعدة أخرى أصيلة في بناء الأمم، الذنوب مهلكة، وما أكثر ما ربط الله U في كتابه الكريم بين هلكة الأمم وبين ارتكاب الذنوب {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ} [الأنعام: 6].
 وهكذا لا تقوم الأمة التي تنتشر فيها الذنوب، والميوعة، والخلاعة، والفاحشة، هذا عام على كل أهل الأرض، وخاص بصورة أكبر في أمة الإسلام، قد تظهر الأمة في أعين الناس قوية صلبة منيعة، ومع ذلك فالذنوب تنخر في عظامها، حتى إذا أراد الله لها هلكة حدث السقوط المروع، والانهيار الكامل، وأصابهم الله بأنواع من البلاء ما خطرت على أذهانهم، ولا مرت ببالهم، روى ابن ماجه وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا".
سبحان الله تظهر الأمراض التي لم نكن نسمع عنها، وما الإيدز في أمريكا مثلاً منا ببعيد، وهكذا يرسي الصديق تلك القاعدة الخالدة في بناء الأمم.
 القاعدة السابعة والأخيرة في بيان الصديق هي أهم قاعدة في كل البيان، وعلى أساسها يفرق بين العدل والظلم، وبين الكبر والتواضع، وبين الصدق والكذب، وبين الجهاد والقعود، وبين الأفعال الحميدة والآثام القبيحة، هذه القاعدة السابعة تحدد المرجعية التي بها نعرف كل هذه الأمور، العدل في رأيك قد يكون مختلفًا عن العدل في رأيي، العدل في مقياس أمة، قد يكون ظلمًا في مقياس أمة أخرى، ما تراه أمة ذنبًا قد تراه أمة أخرى فضيلة..
 إلى أي شيء نرجع؟ وإلى أي شيء نحتكم؟
 يقول الصديق في إيجاز: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
 فالصديق هنا يحدد ببساطة المرجعية للحاكم وللأمة، المرجعية لا تكون إلا لله ولرسوله الكريم ، أو قل للكتاب والسنة، وهكذا يحدد الصديق مصادر التشريع في أمته، ولا فلاح للأمة في الدنيا، أو في الآخرة إلا بإتباع الكتاب والسنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق..
 أصول ثوابت، تربى عليها الصديق، وخرجت من فمه ببساطة ويسر، ولو تدبرتها لعلمت أن معانيها تحتاج إلى مجلدات ومجلدات.
 وهكذا انتهت الخطبة الموجزة الرائعة، انتهى البيان الجليل، لم يستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث، واستمعوا إليه مرة أخرى، كاملاً كما قاله الصديق يوم الاستخلاف، وتخيلوا الصديق يقف في مسجد رسول الله ، والصحابة من حوله يستمعون بإنصات:
 أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، واعلموا أن الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.
 الله أكبر، بناء الأمة الإسلامية القوية، ليس لغزًا من الألغاز، وليس من ضروب المستحيل، ولكن الصرح القوي العظيم يحتاج إلى أساس متين، وها هو الصديق يشرح لنا في إيجاز كيف يكون الأساس لهذا الصرح العظيم.
 بعد هذه الخطبة الجليلة، وهذه المبايعة المباركة ستبدأ فترة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، ستبدأ فترة عظيمة بكل ما تحمله كلمة عظيمة من معان، ستبدأ حياة قصيرة جدًّا في أيامها، طويلة جدًّا في أعمالها، ستبدأ فترة خلافة الصديق وأرضاه.
 المدة الزمنية لهذه الفترة هي سنتان وثلاثة شهور، أما الأعمال فلا تكفي القرون لأدائها، طبعًا في هذا الكتاب من المستحيل أن نشرح هذه الأحداث، وكان الغرض منه هو شرح ما حدث في سقيفة بني ساعدة، وما دار حولها من أحداث وما ورد على ألسنة المستشرقين والشيعة من شبهات، وكيف يكون الرد عليها، ولم نتعرض في هذه المجموعة لمعظم الأحداث التي تمت في خلافة الصديق وأرضاه، ولكننا سنفرد لها كتبًا أخرى إن شاء الله.
 ومع ذلك فإنه من المستحيل أن نوفي هذا الرجل حقه في التكريم والتبجيل، فكل ما ذكرناه هو ملخص لطرف من حياته، ولست مبالغًا في قول أن دراسة كل يوم من أيام الصديق تعتبر أمرًا حتميًّا لفهم كيف يفلح المؤمنون في الدنيا والآخرة، ولفقه كيف تتقدم الأمم، وكيف تصنع الحضارات.
 وصدق رسول الله إذ يقول فيما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وُزِنَ بِأُمَّتِي فَوَزَنَ بِهِمْ". فرضي الله عن الصِّدِّيق ورضي الله عن صحابة الرسول أجمعين.
عمر بن الخطاب في ميزان الإسلام
عمر بن الخطاب هو الفاروق رضي الله عنه، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، كان مثال الشهامة والعدل والإنصاف، والزهد والتقشف، والاستماتة في إيصال الخير إلى كل فرد من أفراد الرعية
إن حياة الفاروق عمر بن الخطاب إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء، والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في الدنيا والآخرة, فما هي المواقف التي يمكن أن نستفيد منها في تلك المجالات؟
  فقه عمر بن الخطاب
فقه عمر بن الخطاب ليس المقصود منه كما قد يتبادر إلى ذهن البعض معرفته بجوانب من فقه العبادات كالطهارة وغيرها، ولكن المقصود هنا هو الفقه بمعناه الواسع، أي دقة الفهم المراد في الحديث: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين, أي يرزقه فهما صحيحا يدرك به حقائق الشريعة، فمن ملامح فقه عمر رضي الله عنه علي سبيل المثال سرق أربعة أفراد بعيرا لرجل من اليمن في عهد عمر فلما سأل وجد الأربعة يعملون لدى أبناء المطعم بن عدي فقال للرجل  : كم ثمن ناقتك  ؟ قال : مائة دينار .
 فقال لابن المطعم بن عدي أعطه مائتي دينار . فقال :يا أمير المؤمنين يسرقون الناقة ويأكلونها وادفع أنا ثمنها والضعف . فقال عمر : تشغلوهم وتجيعوهم  !!!!!  والله لو عادوا إليها لقطعت يدك أنت .
   قوة عمر بن الخطاب
قوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه شملت عدة أنواع من القوة, فالقوة الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عندما يسمع هذه الكلمة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها: قوة البدن، ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية، والقوة الإيمانية.
  تواضع عمر بن الخطاب
تواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الأخلاق الواضحة والمؤثرة في حياته, والتواضع من مكارم الأخلاق التي اتصف بها الفاروق عمر رضي الله عنه وأورثته محبة الآخرين، فالعبد المتواضع يجعل الناس يحبون معاملته، ويودون مجالسته، ويستأنسون بكلامه، ومن مظاهر التواضع في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب السمن والدقيق الذي حمل على ظهره للسيدة العجوز وغيرها من الأمهات الثكالى
    إدارة عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكيما بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، مما جعله مؤهلا لحمل هذه الأمانة العظيمة؛ وهي إدارة الدولة الإسلامية في هذا الوقت من التاريخ الإسلامي العظيم، حيث شهد النظام الإداري نقلة حضارية كبرى في عهد عمر بن الخطاب وإلى اليوم يقومون بتدريس ما قام به سيدنا عمر من وضع أنظمة في غاية الدقة للمحاسبة وغيرها ولو أخذ بها حكامنا لنجت البلاد من الفوضى والمحسوبية .
  حزم عمر بن الخطاب
كان حزم عمر رضي الله عنه نتيجة طبيعية لنشأته التي اتسمت بالصرامة التي لا تعرف الوهن، وقصة إسلامه وتسميته الفاروق خير شاهد على ذلك, فقد دخل الإسلام بإخلاص متناه، وعمل على تأييد الإسلام بكل ما أوتي من قوة، لقد أعز الله الإسلام والمسلمين بإسلام عمر, وكتب السيرة حافلة بالقصص الدالة على صفة الحزم في شخصية عمر ومنها يوم إسلامه ويوم هجرته والحق انه كان في جميع أحواله حازما رضي الله عنه .
    زهد عمر بن الخطاب
حقيقة زهد عمر بن الخطاب إيجابية، فقد ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة، فلم يكن زهد عمر عنده يعني الانقطاع عن الدنيا بترك الأهل، والمال، والأولاد، فليس كل ذلك من الزهد في شيء، والإسلام منه براء فما هو معنى الزهد الحقيقي وكيف كان عمر بن الخطاب متسما بصفة الزهد .
 ومن ملامح ذلك أنه كان واقفا على المنبر يوما فقال : أيها الناس اسمعوا وأطيعوا فقام رجل وقال لن نسمع ولن نطيع . فقال عمر : لماذا ؟ فقال يا عمر انك وزعت الغنائم بالأمس فأعطيت كل منا مترين من القماش وأخذت أربعة أمتار. فقال عمر أين عبد الله ابني ؟ فقام ابنه عبد الله فقال له احك لأخيك ؛ فقال : يا إخواني انتم كما ترون أن أبي رجل طوال وحين اخذ نصيبه جاء إلى منتصفه فتصدقت على أبي بنصيبي فقال الرجل الآن نسمع ونطيع يا أمير المؤمنين .
  ورع عمر بن الخطاب
إن الورع بمعناه الحقيقي يعني اتقاء الشبهات، والتنازل عن بعض من الحلال؛ مخافة الوقوع في الحرام، وقد بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه درجة عالية من الورع تعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب الفاروق عمر رضي الله عنه المثل في الورع، والتقوى، والترفع عن الدنيا ومنها تربيته لأولاده على هذا المبدأ .
 فورد أنه مر بالسوق يوما فوجد إبلا قوية وأخرى هزيلة فقال : لمن هذه الإبل القوية قالوا : إنها لعبد الله بن عمر  فنادي الفاروق على ابنه عبد الله وقال أهذه إبلك يا عيد الله ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين قال : فمن أين جئت بها ؟ قال: يا أمير المؤمنين اشتريتها من حر مالي وتركتها ترعى مع ابل المسلمين في مراعي المسلمين فقال عمر: أنا لا  أشك في هذا يا عبد الله ولكن كان يراها الناس فيقولوا اسقوا ابل ابن أمير المؤمنين ارعوا ابل ابن أمير المؤمنين  ؛ يا عبد الله بع الإبل وخذ حر مالك ورد الباقي إلى بيت مال المسلمين .
    إيجابية عمر بن الخطاب
من شمائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي تدل على إيجابيته أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وسعيه للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن مطلوبا منه والسيرة حافلة بالعديد من المواقف الشهيرة لسيدنا عمر إذ كان دائما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بين يدي ابا بكر وكان دائما نعم العون والتأييد لهما .
  رحمة عمر بن الخطاب
رحمة عمر بن الخطاب من الصفات المتأصلة في نفس الفاروق عمر رضي الله عنه، ومن رحمة الرجل بأسرته وأمته أن يرفق بهم ولكن الرحمة الأعلى أن يخاف عليهم من النار، ومن هنا تتحول المواقف التي تكسوها الغلظة في حياة عمر إلى مشاهد تنبئ بما حوته نفس أمير المؤمنين عمر من رحمة عميقة بأمته وليس هناك أدل من خوفه من الحساب يوم القيامة  قوله : لو أن بغلة عثرت بشاطئ دجلة لحاسبني الله عليها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟ فمن يفعل هذا بالحيوانات فكيف رفقه ورحمته بالبشر؟
    عدل عمر بن الخطاب
عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيمة عظيمة في تاريخنا الإسلامي، ورغم انتشار العدل في أغلب فترات التاريخ الإسلامي إلا أنه وصل قمته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يقتصر عدل عمر على أحد, بل شمل المسلمين والمشركين, وحتى لا يظن أحد أن عدل عمر إنما كان قطعا للأيدي والأرجل إنما عدل عمر رضي الله عنه كان رمزا للإسلام في سماحته وعدم التفريط في حق العباد فإليك عزيزي القارئ هذه القصة التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب وسنري فيها كيف ربي محمد صلى الله عليه وسلم أتباعه تربية لم نرى لها مثيلا ؛ فتحكي كتب السيرة أن رجلا من العراق جاء على ناقته قاصدا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثناء سيره في شوارع المدينة قطفت ناقته أوراقا من بستان فكسرت فرع الشجرة فما كان من صاحب البستان إلا أنه جاء بحجر وقذف به الناقة فماتت على الفور وهنا اضطر صاحب الناقة أن يأخذ الحجر ويضرب به صاحب البستان فمات على الفور .
فأخذ أبناء القتيل أباهم والقاتل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولما عرضوا عليه الأمر قال للقاتل ندفع إليك ثمن الناقة ونقتلك ؛ قال : يا أمير المؤمنين أنا رجل صاحب أمانات في بلدي وإن قتلتني ضاعت الأمانات فأمهلني ثلاثة أيام يوم أعود فيه إلى بلدي ويوم أرد فيه الأمانات ويوم أعود فيه إليكم .
  فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هل يضمنك أحد من هؤلاء ؟ فنظر فيهم فلم يعرف منهم أحد فقال يا أمير المؤمنين أنا لا عرف منهم أحد .
وهنا قام سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وقال : أنا اضمنه يا أمير المؤمنين فقال سيدنا عمر يا أبا ذر إن لم يحضر الرجل في موعده ستقتل قال نعم يا أمير المؤمنين فقال للرجل انصرف وعد إلينا بعد ثلاثة أيام
فانطلق الرجل وبعد ثلاثة أيام  وقفوا ينتظروا الرجل فإذا به يحضر في الموعد وهنا تعجب عمر فقال يا أبا ذر لقد أشفقت عليك فما حملك على أن تضمن رجلا لمن تعرفه ؟ قال يا أمير المؤمنين أتريد أن يقال ذهبت المرءؤة من الناس ؛ ثم قال للرجل ما حملك على العودة قال يا أمير المؤمنين أتريد أن يقال ذهب الوفاء من الناس 
 حينها قال أبناء القتيل ونحن قد عفونا عنه يا أمير المؤمنين حتى لا يقال ذهب العفو من الناس .
  رقة عمر بن الخطاب
إن رقة القلب من المعاني الإنسانية الجميلة، التي توحي بطهارة القلب ونقائه، فمتى ما أحسست من إنسان برقة في قلبه فاعلم أنه على خير، والقلوب الرقيقة تتمتع بقدر كبير من السعادة التي لا تحسها القلوب القاسية، ولا تشعر بها الأفئدة المتحجرة, ومن المواقف الدالة على رقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يرى في وجهه خطين أسودين من كثرة البكاء





عثمان بن عفان
عثمان بن عفان بن أبي العاص العدوي القرشي، ثالث الخلفاء الراشدين، لُقب رضي الله عنه بذي النورين، والمراد بالنورين ابنتا النبي صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم؛ حيث زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، وحين توفيت زوجه ابنته الثانية أم كلثوم فرضي الله تعالى عنهم جميعًا.
  الكرم في حياة عثمان بن عفان
سئل أبو العباس السراج يومًا: من أكرم الناس بعد رسول الله؟ قلت: عثمان بن عفان. قال: كيف وقعت عليه من بين الناس؟ قلت: لأني رأيت الكرم في شيئين: في المال والروح، فوجدت عثمان جاد بماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاد بروحه على أقاربه. قال: لله درك يا أبا العباس.
    الحلم والرفق في حياة عثمان
عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، الخليفة الراشد، كان حليمًا رقراقًا رفيقًا، حتى على من خرجوا عليه، فقد ثبت عنه أنه قال: أستغفر الله إن كنت من ظَلَمْتُ، وقد عفوت إن كنت ظُلِمْتُ، وقد كافأه الله تعالى بأن جعل آخر ما قرأ من كتابه سبحانه يوم استشهاده قوله فسيكفيكهم الله

  أهم أعمال عثمان الاجتهادية
كان عثمان بن عفان خليفة مجتهدًا، عالمًا بالآثار، ولذلك كانت له أعمال فقهية واجتهادية منها: كتابة المصحف وجمع القرآن، يقول مصعب بن سعد: أدركت أصحاب رسول الله متوافرين حين جمع عثمان المصاحف، وما رأيت أحدًا منهم عاب ما صنع، وسمعت رجلاً يقول: لقد أحسن
    الحياء والتواضع عند عثمان
عُرف الإسلام واشتهر بين الرسالات السماوية بخلق الحياء، ولقد تجسد واشتهر هذا الخلق في ذي النورين رضي الله عنه، والذي يقول عن نفسه موضحًا عفته وحياءه الذي منعه مساوئ الأخلاق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
  فضائل عثمان رضي الله عنه
عثمان بن عفان رضي الله عنه، ذي النورين، تستحي منه الملائكة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله علية وسلم، شهد له النبي صلى الله علية وسلم بالشهادة وبأنه من أهل الجنة، وكان أشبه خلقا بصفات رسول الله، حيث قال لرقية عنه: أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خلقا
    فقه عثمان رضي الله عنه
عثمان رضي الله تعالى عنه كان فطنًا مجتهدًا، واجتهاداته تنم على رجاحة عقله وفطنته وسعة علمه، ومنها: ترك الوضوء مما مست النار، الإنصات للخطبة يوم الجمعة وإن لم يسمعها، استتابة المرتد .
علي بن أبي طالب
كان علي بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا زهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، لا ييأس الضعيف من عدله
  موقف الغلاة من علي والناقمين عليه
بعد أحداث الفتنة الكبرى انقسم الناس بين أنصار لسيدنا علي وهم الشيعة، وناقمين عليه وهم الخوارج. فالشيعة يعتقدون أن التشيع عقيدة دينية، ويستندون في ذلك على أحاديث أكثرها كذب مختلق، وعلى عكس ذلك فهناك من كفر سيدنا علي، واستباح دماء المخالفين من المسلمين، مع عفوهم عن غير المسلمين، وهم الخوارج
    من حكم وأقوال الإمام علي
كان علي ينطق بالحكمة، حكيمًا موجزًا، يهتدي إلى الصواب إن تشعبت الطرق بغيره من الناس، ويفهم الأمور على وجهها، ويضعها في نصابها، فقد استشار عمر الناس، فسألهم من أي يوم نكتب؟ فقال علي: من يوم هاجر رسول الله وترك أرض الشرك. كان ذلك الاختيار إلهاما من الله، لأن الهجرة من أعظم المناسبات الإسلامية
  قوة إيمان الإمام علي وجهاده
كان علي مقداما لا يهاب الموت، صنديدا لا يجزع لمرأى الأبطال ومنازلتهم، بل يسعى إليهم، ومن ذلك ما حدث في غزوة أحد حيث بدأ القتال بمبارزة بين علي وطلحة بن عثمان، وكان بيده لواء المشركين، وطلب المبارزة مرارا، فخرج إليه علي فقال له: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يجعلك الله بسيفي إلى النار، أو يجعلني بسيفك إلى الجنة
    ملازمة الإمام علي لرسول الله
كان الإمام علي دائم الملازمة للنبي الكريم في كل وقت وحال-ما استطاع إلى ذلك سبيلا- حتى في الحرب وبعدها، ولذلك فمن البديهي من كانت هذه صفته، وتلك ملازمته لحبيبه المصطفى أن يكون أعلم الصحابة وأكثرهم دراية بأمور الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى ما حباه الله به من عقل فطن لبيب، وذكاء فطري
  من فقه الإمام علي 1
لم يأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه جهدا في بيان أحكام العبادات للناس، لما يتمتع به من غزارة في العلم، وفقه في الدين، وما بينه للناس من أحكام العبادات يحتاج إلى سفر ضخم
قصة الردة
ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول صلي الله علية وسلم حتى ارتدت!! ولم يبق على الإسلام إلا المدينة المنورة ومكة والطائف وقرية جواثى بالبحرين، وكان ارتداد الجزيرة العربية على درجات؛ فمن العرب من منع الزكاة، ومن العرب من ترك الإسلام وعاد إلى عبادة الأصنام، ومن العرب من سارع بادعاء النبوة
  بين قتال الروم وحرب الردة
كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة بن زيد لقتال الروم قبل وفاته، وجهز الجيش، وخرج الجيش على مشارف المدينة، ولكنهم لما علموا بمرض الرسول لم يخرجوا ومع ذلك أصر أبو بكر أن ينفذ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة, فثار عليه بعض الصحابة، فقال والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله
    حروب الردة
بدأ أبو بكر الصديق في تجهيز مجموعة من الجيوش الإسلامية التي ستخرج لحرب المرتدين في وقت متزامن، فجهز 11 جيشًا كاملاً. ومع أن كل جيش لم يَعْدُ أن يكون ألفين أو ثلاثة، أو بالكاد خمسة آلاف، ولكنها كانت جيوشًا منظمة, راغبة في الجهاد في سبيل الله, فاهمة لقضيتها, معتمدة على ربها، ومن كانت هذه صفته فيرجى له النصر إن شاء الله
    بدايات الفتنة الكبرى
الفتنة الكبرى، فبرغم الخير الذي كان عليه المسلمون في عهد عثمان رضي الله عنه، ومع الكثير من الآثار العظيمة، ومع هذا الخير الكثير الذي عمّ على جميع المسلمين، مع هذا كله تحدث الفتنة، فكيف حدثت الفتنة؟ وما بدايات حدوث الفتنة؟ وما هي المطاعن التي أخذها هؤلاء المارقون على الإسلام على عثمان رضي الله عنه؟   أخذ المتمردون المارقون على الإسلام على سيدنا عثمان بن عفان العديد من المطاعن والتي لا زالت تتردد على ألسنة بعض المسلمين وبعض المذاهب إلى هذا الوقت، ومعظمها تهما من خيال صاحبها .
    عثمان بن عفان والمتمردون في المدينة
جمع المتمردون أنفسهم من البصرة، والكوفة، ومصر، وبدءوا في التوجه ناحية المدينة المنورة؛ لإحداث فتنة عظيمة ظاهرها عرض بعض المطاعن على عثمان رضي الله عنه ومناقشته فيها .
 مقتل عثمان
صلى عثمان رضي الله عنه صلاة نافلة ختم فيها سورة طه، ثم جلس يقرأ في المصحف، في هذا الوقت كان أهل الفتنة يفكرون بشكل حاسم وسريع في قتل عثمان، خاصة مع علمهم باقتراب الجيوش الإسلامية المناصرة للخليفة رضي الله عنه .
بدأت أحداث هذه الفتنة الكبرى قبل وفاة عثمان بن عفان رضي الله عنه، بعد أن افترى أهل الفتنة المطاعن عليه، وعلى ولاته، وقد أتى أهل الفتنة بأنفسهم إليه، وجادلوه، وغلبهم رضي الله عنه، وعلا عليهم في المجادلة، وبعد أن اتفقوا على الصلح، وتوجهوا إلى بلادهم، رجعوا مرة أخرى بعد أن وصلتهم الخطابات المزورة، وحاصروا بيت عثمان رضي الله عنه، وقتلوه
  بعد مقتل سيدنا عثمان، ومبايعة علي بن أبي طالب أميرا للمؤمنين، اختلف الصحابة حول القصاص من قتلة عثمان، وفي تلك الفترة حدث أمر عظيم كان من الممكن أن يودي بالدولة الإسلامية كلها ولكن الله سلم،
   
  عمار بن ياسر والفئة الباغية
بعد مقتل عمار بن ياسر، حدثت هزة شديدة في الجيشين، فكان قتل عمار رضي الله عنه شديدا على جيش علي بن أبي طالب، لكنه كان أشد على جيش الشام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن عمارا تقتله الفئة الباغية،  في معركة صفين، وبعد أن راح ضحيتها الكثير من القتلى والشهداء، والذين بلغ عددهم سبعين ألفًا من المسلمين على يد إخوانهم من المسلمين، وبدأت الكفّة ترجح بشدة لجيش علي بن أبي طالب، وبدأت الهزيمة تدبّ في جيش معاوية، رفع جيش معاوية المصاحف وطالبوا بالتحكيم
  مقتل الإمام علي وعام الجماعة
بعد أن تم أمر التحكيم اشتد أمر الخوارج، لدرجة انهم كفروا عليا ومعاوية وكل من قبل بالتحكيم، ثم قاتلهم علي بن أبي طالب في النهروان، وقتل منهم عددا كبيرا، ولكنهم خططوا لقتله، فقتله شر خلق الله، ابن ملجم
الفتوحات الإسلامية في عصر صدر الاسلام
لقد كان عزل خالد بن الوليد موقفا مهما بارزا في التاريخ الإسلامي، يجب على كل مسلم أن يقف لتأمله، والعجيب أن خالد لم يعلق على مسألة عزله، ثم تولى أبو عبيدة بن الجراح إمرة جيوش المسلمين في الشام
    انتهاء فتح العراق والاستعداد لمحاربة الروم
بعد انتهاء فتح العراق استعد المسلمون لمحاربة الروم وفتح الشام، فبعد انتهاء فتح الحيرة و بشرى شرحبيل بن حسنة لأبي بكر الصديق وإجماع مجلس الحرب الذي عقده أبو بكر الصديق رضي الله عنه على محاربة الروم فما كان اختلاف في وجهات النظر بين الصحابة رضي الله عنهم في محاربة الروم لأنهم إذا لم بعجلوا على الأقل بالظهور أمام حدود الروم لزحف الروم إليهم 
  البعوث إلى الشام
البعوث إلى الشام تعددت في عهد أبي بكر الصديق من أجل فتوحات الشام، وكان أول البعوث هو جيش يزيد بن أبي سفيان, وكان خروج يزيد من المدينة في 23 رجب 12هـ, ولقد وصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد وجيش المسلمين قبل تحركه وصية ما وجدنا لها مثيلا
  خروج جيوش المسلمين للشام

خروج جيش أبي عبيدة وشرحبيل إلى الشام لمواجهة الروم كان بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه, خروج جيش عمرو بن العاص إلى الشام كان بعد موافقة أبي بكر الصديق على خروج سادات قريش للجهاد في سبيل الله، وكان من حكمة الصديق أن اختار عمرو بن العاص رضي الله عنه أميرا على الجيش
    فتح بصرى
فتح بصرى من الأحداث البارزة في فتوحات الشام، وكان في 25 ربيع الأول عام 13هـ, وذلك بعد قتال شديد انتهى بهزيمة داحرة لجيش الروم، فأعلنوا الاستسلام ودفع الجزية، وهي من أعظم المدن الموجودة في هذه الفترة
  معركة أجنادين
معركة أجنادين من المعارك الفاصلة في تاريخ الفتح الإسلامي، فهي أول معركة كبرى هزم فيها الروم، وكان لها تأثير فيما بعدها من المعارك، ومنزلتها بين معارك فتح الشام كمنزلة غزوة بدر بين الغزوات النبوية, فكانت أولى المعارك التي زلزلت دولة الروم، وألقت الرعب في نفوسهم .
    المفاوضات قبل موقعة بيسان
موقعة بيسان سبقتها مفاوضات بين الجانبين المسلمين والروم، وقد بدأت المفاوضات بعد استطاعة المسلمين من قطع وصول الإمدادات والتموين عن الجيش الرومي, وعرضت الروم في المفاوضات عرضا مذهلا

  موقعة بيسان
موقعة بيسان من المعارك الإسلامية البارزة في فتوحات الشام، ظهرت فيها كفاءة المسلمين وبراعة خالد بن الوليد، ومهدت لفتح أرض الشام أمام المسلمين .
    فتح دمشق

فتح دمشق كان من الأحداث الهامة في تاريخ فتوحات الشام, وكان في ليلة 14 من رجب عام 14هـ, حيث دخلت الجيوش الإسلامية دمشق في مفاجأة أذهلت الروم، وسقط منهم كثير من القتلى، وانتصر المسلمون .
  فتح بعلبك وحمص

فتح بعلبك وحمص اتجهت إليه أنظار المسلمين بعد فتح دمشق، وقد حاصر المسلمون حمص 18 يوما، وكان حصنا شديدا منيعا، ثم أعلن أهل حمص الاستسلام للمسلمين،
    الانسحاب من حمص
الانسحاب من حمص بدأ بعدما تلقى أبو عبيدة بن الجراح رسالة من عمر بن الخطاب يأمره فيها برد جيشيه اللذين كان قد أرسلهما لحلب وللمنطقة الشرقية، وكان ذلك في ربيع الأول عام 15هـ
  الاستعداد لمعركة اليرموك
موقعة اليرموك من المعارك الإسلامية الفاصلة في تاريخ فتوحات الشام وكان لها استعدادا خاصا من جانب المسلمين .   
مباحثات ما قبل اليرموك
موقعة اليرموك سبقتها مباحثات بين الجانبين المسلمين والروم, فقد وقعت مفاوضات بين خالد بن الوليد وباهان قائد الروم،
  اليرموك.. اليوم الأول
موقعة اليرموك كانت من أعظم المعارك في تاريخ الإسلام على الإطلاق، فإن الله تعالى شاء في هذه المعركة أن يغير من خريطة التاريخ، فمعركة اليرموك غيرت التاريخ وغيرت معالم الدولة الإسلامية ومعالم الدولة الرومية.
  اليرموك: اليوم الثاني
موقعة اليرموك في يومها الثاني اشتد فيها القتال كثيرا، وانتصر المسلمون على الروم انتصارًا رائعًا، وكان شهداء المسلمين 3 آلاف شهيد فقط, وكان للمرأة المسلمة دور بارز في هذه المعركة
 اليرموك والقادسية

اليرموك والقادسية بينهما أوجه شبه عديدة, فحينما ننظر إلى خطبة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية وهو يحث المسلمين على الصبر والثبات في القتال, نجد تشابها كبيرا بينها وبين خطبة أبي عبيدة بن الجراح في موقعة اليرموك
    فتح القدس

فتح القدس من أهم الأحداث في تاريخ فتوحات الشام؛ وذلك لمكانة القدس العظيمة في نفوس المسلمين, وقد حاصرها المسلمون حصارا شديدا لشهور طويلة، فلم يكن من أرطبون إلا أن هرب من القدس, واستسلم أهل إيلياء للمسلمين، فجاء عمر بن الخطاب ليتسلم مفاتيح القدس
  دخول عمر بن الخطاب القدس واستكمال فتح الشام
دخول عمر بن الخطاب القدس واستكمال فتح الشام، فقد دخل عمر رضي الله عنه القدس ليلا، بعدما عقد صلحا مع أهلها, ثم قرر المسلمون بناء المسجد الأقصى
بداية فتوحات العراق
بداية فتوحات العراق كانت بعدما انتهت حروب الردة مباشرة، حيث جاء المثنى بن حارثة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ليطلب منه أن يسمح له بقتال الفرس المتاخمين له، والقيام ببعض الغارات عليهم، فسمح له أبو بكر,
  فتح الحيرة والأنبار
فتح الحيرة كان حدثا هاما بالنسبة للمسلمين, وكان لا بد من فتحها فهي مدينة قديمة للفرس وأكبر مدينة في جنوب العراق, وكان ذلك بقيادة خالد بن الوليد,
    خالد بن الوليد يشن حملات على العراق
من خلال نظرة تحليلية لعمليات خالد بن الوليد في العراق نرى أن فتح خالد للعراق كان بمنزلة مفاجأة من الطراز الأول من الناحية الاستراتيجية، فقد فعل ما لا يتوقعه العدو، وذلك في أكثر من جانب
  موقعة الجسر
موقعة الجسر انتهت بانتصار الفرس بقيادة بهمن جاذويه على المسلمين بقيادة أبي عبيد الثقفي، واستشهد أبو عبيد رحمه الله وتولى المثنى القيادة بعد ذلك, فقام بانسحاب منظم عبر الجسر بما تبقى من جيش المسلمين وحدث استنفار عام بالجزيرة العربية
    معركة البويب
معركة البويب انتصر فيها المسلمون على الفرس بقيادة المثنى بن حارثة، وارتفعت معنوياتهم بعد الهزيمة في الجسر وتم تتبع الفارين من الفرس، وتوفي المثنى رحمه الله بعد البويب,
  الإعداد للقادسية ووصية عمر
معركة القادسية من المعارك الإسلامية الحاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية، ووصية عمر من الوصايا الخالدة حيث حث الناس على الجهاد، وتحرك الجيش من المدينة بقيادة سعد بن أبي وقاص
التحرك نحو القادسية
التحرك نحو القادسية بدأ من منطقة زرود ووصل إلى شراف، حيث تحرك سعد بن أبي وقاص بالجيش الإسلامي المتجه لحرب الفرس، وكان قوام جيش المسلمين قد وصل إلى 32 ألف جندي, واستقر سعد في شراف منتظرا أوامر جديدة، حتى جاءته رسالة عمر
  رستم يتحرك بجيشه تجاه القادسية بدء تحرك رستم لمقاتلة المسلمين في القادسية في حوالي ربع مليون فارس، وقد استطاع طليحة بن خويلد الأسدي أخذ فرس رستم قبل المعركة وأسر جندي أخذه لسعد بن أبي وقاص, قاصدا بذلك إهانة أهل فارس، وكان المسلمون في القادسية يتشوقون للجهاد,
    رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه
رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه حيث رأى ذات ليلة أنه ينزل عليه ملك من السماء، ثم يدخل المعسكر، ويأخذ أسلحة الجيش، ويختم عليها ختم، ويعطيها للنبي محمد، وكان رستم من الذين يؤمنون بالتنجيم وتأويل الأحلام وما إلى ذلك؛ لذا فقد تشاءم عندما رأى هذه الرؤيا،
  معركة القادسية.. اليوم الأول
معركة القادسية إحدى المعارك الإسلامية الشهيرة في تاريخنا الإسلامي، فرق الله فيها بين الحق والباطل؛ وإذا كانت هناك أيام تغير من التاريخ، فيوم القادسية من هذه الأيام..
    معركة القادسية.. اليوم الثاني والثالث
معركة القادسية في يومها الثاني والثالث أحداثها كثيرة, فبدايات اليوم الثاني كانت مبشرة بالنصر للمسلمين وذلك لعدة أسباب 
  معركة القادسية.. اليوم الرابع
معركة القادسية في يومها الرابع شهدت نصرا عظيما للمسلمين على أهل فارس، فعندما رأى سعد بن أبي وقاص المسلمين يتواصون بالقتال علم أن النصر سيكون حليفهم في هذه الليلة ليلة الهرير
    ما بعد معركة القادسية
بعد معركة القادسية يتضح لنا أهمية الأخذ بالأسباب فذلك من عوامل النصر، ومدى حكمة القائد سعد بن أبي وقاص في تعامله مع جنوده المخالفين لأمره، وهزيمة الفرس النفسية كان لها أثرا عظيما في انتصار المسلمين
  فتح المدائن
موقعة المدائن كان نصرا عظيما أعز الله به الإسلام والمسلمين, فبعد سقوط المدائن استسلمت بقية مدن الفرس بدون قتال, وذلك إيذانا بانتهاء دولة الفرس, وقد دخل المسلمون قصر إيوان كسرى في يوم الجمعة 19 من صفر سنة 16هـ, وكان هذا تصديقا لما وعد الله ورسوله المسلمين في غزوة الخندق,
    فتح جلولاء وتكريت
معركة جلولاء وتكريت من الفتوحات الإسلامية المهمة في فتوحات العراق وفارس بعد فتح المدائن
  فتح الأهواز
تم فتح الأهواز بعد الفتح الثاني للأبلة, حينما بدأت القوات القابعة داخل الأهواز وعلى رأسها الهرمزان بإرسال بعض الفرق لحرب المسلمين في هذه المنطقة، فكتب عتبة بن غزوان إلى عمر بن الخطاب يعلمه بخبر أهل الأهواز وإرسالهم الفرق لقتال المسلمين في الأبلة، فأمر عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص بأن يرسل مددا إلى عتبة،
    فتح الجزيرة في شمال العراق
فتح الجزيرة من أسهل الفتوح التي خاضها المسلمون في فتوحات العراق وفارس, فقد استسلمت الجزيرة للمسلمين بدون قتال يذكر، وقبل أهلها بدفع الجزية للمسلمين في مقابل الدفاع عنهم، وكان ذلك في العام السابع عشر الهجري,
معركة طاوس
معركة طاوس من المعارك الهامة، فقد أحدث المسلمون خسائر فادحة في صفوف الفرس, واستشهد فيها كثير من المسلمين، وانتصر المسلمون على الفرس انتصارا عظيما, ثم لم يجد المسلمون السفن التي تحملهم للبحرين، فاعترضهم جيش آخر من إصطخر
    فتح تستر
فتح تستر كان من أصعب فتوحات فارس على المسلمين, فقد دام الحصار لمدينة تستر قرابة ثمانية عشر شهرا -ما يقرب من عام ونصف- وكانت هذه أطول مدة تحاصر فيها مدينة في التاريخ، ورغم طول المدة لم يستسلم الجيش الفارسي المحاصر ولم ييأس الجيش الإسلامي من الحصار،

أهمية الفتوح الإسلامية
ركز الإسلام في نفوس أتباعه المؤمنين مبدأ العزة، وجعل شعورهم بها شعارا، ولا بد لهذه العزة أن تبقى وتنتشر بين الشعوب المضطهدة المظلومة، والجهاد هو وسيلة بثها ونشرها، وجعل الإسلام لهذه العزة مؤيدات، والعزة لا تعني الاستعلاء أو البغي، ومع ذلك فهي قائمة على القوة وجاعلة هدفها السلم في العلاقات الدولية
  مصر قبل الفتح الإسلامي

قبل الحديث عن الفتح الإسلامي لمصر، لا بد من الوقوف أولاً على أحوال مصر قبل ذلك الفتح، سواء الأحوال السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية؛ وذلك ليتسنى لنا الوقوف على طبيعة الفتوحات الإسلامية وماهيتها بالمقارنة بغيرها من الحروب وأنواع الاحتلال، وفي الوقت ذاته إبراز العوامل التي من شأنها أن تؤثر في حركة الفتح سلبا أو إيجابا.
    دوافع فتح مصر
لم يكن فتح مصر عشوائيًّا، وإنما كان ذلك بخطة محكمة ودراسة مسبقة، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل؛ منها ما هو ديني أو عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك. ولعل الدافع الديني كان متمثلا في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله.
  علاقة مصر بالدولة الإسلامية
جاء الفتح الإسلامي لمصر عام 640 - 642م، وهذا الفتح لم يكن على أي نسقٍ سابق أو لاحق، وبالرغم من أن الفتح الإسلامي قد محا كل أثر لأي غزو سابق، وبالرغم من أن مصر تعرضت لغزوات واحتلال بعد ذلك، فإن أيا منها لم يستطع أن يغير شيئا من نتائج الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
    عمرو بن العاص .. فاتح مصر
كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، وكان شاعرا حسن الشعر، حفظ عنه الكثير في مشاهد شتى. كما كان معدودا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي أرائهم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده. ولما أسلم كان النبي صلي الله عليه وسلم يقربه
  من الفرما.. إلى حصن بابليون
بعد موافقة الخليفة عمر والمجلس العسكري على فتح مصر وخطة الفتح، تحرك الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص وتحت قيادته دون أربعة الآلاف مقاتل معظمهم من الفرسان. سار عمرو بجيشه من قيسارية، حتى إذا مر بجبل الحلال قبل أن يبلغ العريش، وكانت تنزل به قبائل من راشدة ومن لخم انضمت إليه، فأصبحت قواته أربعة آلاف سار بهم إلى مصر.
    حصار حصن بابليون
وصل عمرو بن العاص بجيشه حتى حصن بابليون، وكان الروم قد خندقوا حول حصنهم خندقا وجعلوا له أبوابا، ونثروا بأفنية الأبواب موانعَ للخيل والرجال، فقسم عمرو أصحابه ليوهم الروم أنهم أكثر عددا، فلما بلغ خندقهم نادوه من فوق الحصن: إنا قد رأينا ما صنعت، وإنما معك من أصحابك كذا وكذا. فلم يخطئوا برجل واحد.
  أوضاع مصر الإدارية والاقتصادية والثقافية بعد الفتح
المسلمون لم يأتوا إلى مصر لابتزاز أموال أهلها، ولا لاستنزاف ثرواتهم، وقد اتضح منذ المفاوضات المبكرة مع المقوقس أنهم ليسوا طلاب دنيا، ولا راغبي مال، وإنما هم أهل دعوة ورسالة سامية، وقد كانت هذه المعاني سياسة ثابتة في عهد عمر رضي الله عنه الذي كان يميل إلى فتح البلدان صلحا إذا أمكن تجنب فتحها عنوة.
    فتح حصن بابليون
بعد حصار دام سبعة أشهر، استطاع الزبير ومحمد بن مسلمة وقلة من بني حرام دخول حصن بابليون، وكبروا تكبيرة خلعت القلوب، فعرض المقوقس الصلح، واستجاب المسلمون إنفاذا لوصية عمر، وبرر المقوقس استسلامه للمسلمين بقوله: إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا، ذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة.
  فتح الإسكندرية
كانت مدينة الإسكندرية عاصمة لمصر منذ أنشأها الإسكندر الأكبر عند بلدة راكوتيس التي يرجع تاريخها إلى 1500 ق.م، كما أضاف ضاحية نيوبوليس إلى غربها، وقد أقامها لتحل محل نوكراتيس كمركز للثقافة اليونانية في مصر، وفي العصر الروماني صارت المدينة الثانية بعد روما، وبقيت تحت سلطان الرومان أكثر من قرن من الزمان.
    إنشاء الفسطاط
تقع مدينة الفسطاط في إقليم مصر على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين اثنين، وموضعها كان فضاء ومزارع بين النيل والجبل الشرقي، ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف بباب الحديد.
  أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط

تعرض الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي لاضطهاد قاس على أيدي البيزنطيين، ومن ثم رأوا في القوة الإسلامية الداخلة الأمل بالخلاص مما هم فيه، فساندوها، ولكن هذه المساندة كانت صامتة في بادئ الأمر، أي حيادية. وشكلت انتصارات المسلمين وإخضاعهم البلاد نصرًا دينيًّا للأقباط، حيث غادر البلاد عدد كبير من البيزنطيين.
    مصر مقارنة بالدول التي لم يدخلها الفتح
لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلاما وسوادا. ولقد كانت همجية ذلك العهد أشد هولا وأفظع من همجية العهد القديم؛ لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، حتى الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها الحضارة وبلغت أوجها في الماضي صارت فريسة الدمار والخراب.
  مصر في عهد عمرو بن العاص
لعبت مصر في عهد الفاتح عمرو بن العاص رضي الله عنه دورا رئيسا في الخلافة الإسلامية، ولما كان عام الرمادة استنجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمرو بن العاص فما كان منه إلا أن أجاب وأرسل قافلة أولها عن أمير المؤمنين عمر وآخرها عنده في مصر، وهذا بخلاف السفن المحملة بالدقيق والزيت والسمن.
    الأوضاع الإدارية والاقتصادية والثقافية
المسلمون لم يأتوا إلى مصر لابتزاز أموال أهلها، ولا لاستنزاف ثرواتهم، وقد اتضح منذ المفاوضات المبكرة مع المقوقس أنهم ليسوا طلاب دنيا، ولا راغبي مال، وإنما هم أهل دعوة ورسالة سامية، وقد كانت هذه المعاني سياسة ثابتة في عهد عمر رضي الله عنه الذي كان يميل إلى فتح البلدان صلحا إذا أمكن تجنب فتحها عنوة.
  إعادة فتح الإسكندرية.. ودعوى حرق مكتبتها
لم يكد عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستقر في ولاية مصر حتى غدر الروم فيها، فأنفذ قسطنطين قائده الأرمني منويل إلى الإسكندرية على رأس جيش كثيف، ولقلة من كان بها من حامية المسلمين استولى عليها، وأخذ هو وجنده ومن انضم إليهم من الروم المقيمين في الوجه البحري يعيثون في هذه البلاد حتى بلغوا مدينة نقيوس.
    موقعة مرج الصفر
موقعة مرج الصفر من المعارك الإسلامية الشهيرة التي انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما على جيش الروم بقيادة خالد بن الوليد، وقد استشهد خمسمائة من المسلمين، في مقابل خمسمائة قتيل وأسير من الروم، وجرح 4 آلاف مسلم, وهرب الجيش الرومي جراء ذلك الانتصار، فكيف انتصر المسلمون في مرج الصفر؟ وما أسباب هذه المعركة؟












الباب الثالث
عصر الملوك
معاوية بن أبى سفيان
تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم شابه الكثير من الشبهات والتهم التي أُثيرَت حولهم ـ رضي الله عنهم ـ سواءً من المستشرقين أو المستغربين الذين فُتِنُوا بالغرب وصاروا لسانًا له يروجون أقواله وأفكاره، طاعنين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.. فهؤلاء الطاعنون في صحابة رسول الله إنما يريدون بطعنهم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاته، ولكنه لا يتمكنون من ذلك فيطعنون في أصحابه فإن فسد الأصحاب فسد الرجل، وإن صلح الأصحاب صلح الرجل.. فالطعن في الصحابة طعن في الدين لأن الدين أتانا عن طريقهم كما يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ (منهاج السنة 1/18).
  نسب معاوية وإسلامه
يعد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من أكابر الصحابة رضوان الله عليهم، وأحد كُتَّاب الوحي، العاملين بكتاب ربهم، والمحافظين على سنة نبيهم، المدافعين عن شريعته، القائمين بحدوده، المجاهدين في سبيله
  خلافة معاوية بن أبي سفيان
بعد استشهاد الإمام علي سنة 40هـ تم الصلح بين معاوية والحسن بن علي سنة 41هـ، حيث تنازل بمقتضاه الحسن عن الخلافة وبويع معاوية، ودخل الكوفة وبايعه الحسن والحسين سنة 41هـ، واستبشر المسلمون بهذه المصالحة، وسموا هذا العام عام الجماعة


    حركة الفتوح في عهد معاوية
شهدت الفتوحات في عهد معاوية رضي_ الله عنه حركة دءوبة نشطة هدفها إعلاء كلمة الله في الآفاق، واللافت أن الفتوحات الأموية شهدت اتساعًا رائعًا في مساحة الدولة الإسلامية، ولقد كان معاوية رضي_ الله عنه المجدد الحقيقي لحركة الفتوحات الإسلامية بعد انقطاعها في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي_ الله عنه بسبب الفتنة التي طالت أمدها
  ولاية العهد ليزيد بن معاوية
إن تعدد طرق اختيار الخليفة جاء دائمًا محكومًا برضا أهل الحل والعقد من قادة المسلمين وذوي الرأي والتأثير فيهم، وهذا الرضا كان يعني بطبيعة الحال استيفاء المرشح للخلافة شروطها، وتميزه عمَّن سواه في هذا الصدد، كما يعني ضمان رضاء الأمة تبعًا لرضا قادتها من أهل الحل والعقد
    وفاة معاوية بن أبي سفيان
ظلَّ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يحكم الشام طيلة عشرين عامًا في خلافة عمر ومن بعده عثمان ومن بعهده علي رضوان الله عليهم، فساسها أحسن سياسة، وقام على رعايتها على أفضل ما يكون، ثم تولى الخلافة عشرين عامًا شهد له فيها الصديق والعدو بالمهارة والعبقرية والذكاء والعظمة، حتى أتى أجل الله والخلافة الأموية أعظم دولة في العالم
  يزيد بن معاوية.. حياته ونشأته
عني معاوية بتربية ولده يزيد تربية عربية إسلامية؛ فقد أرسله في طفولته إلى البادية عند أخواله من بني كلب ليشبَّ في أحضان الفطرة، وخشونة البادية ورجولتها وفتوتها، وليتعلم العربية النقية، ولقد أثمرت هذه التربية في يزيد، فكان شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا يحسن التصرف في المواقف، حاضر البديهة، أَبيَّ النفس، عالي الهمة
    سياسة يزيد بن معاوية وفتوحاته
سار يزيد بن معاوية على نهج والده في سياسة الدولة وحركة الفتوحات، فلقد كان دأبه تقريب سادات بني هاشم وأهل الحجاز مع الاهتمام بأهل الأقاليم وتلبية كافة متطلباتهم، ومن الملاحظ أن حركة الفتوحات في عصره شملت جبهات ثلاث: الروم، والمشرق، والشمال الإفريقي
  الحسين بن علي وطلب الخلافة
لم يُبايع الحسين بن علي رضي الله عنه يزيد بن معاوية، فلقد وجد أن الأمر لم يرجع إلى نصابه؛ حيث الرجوع إلى رأي الأمة عن طريق الشورى، ولذلك وجد الحسين رضي_ الله عنه الفرصة سانحة أمامه حينما راسله أهل الكوفة وبايعوه على السمع والطاعة وخلع يزيد بن معاوية، فدفعه ذلك إلى إرجاع الأمر كما كان من قبل حيث الخلافة الراشدة
    استشهاد الحسين
أُجبر الحسين على المسير إلى العراق بعدما قُتل ابن عمه مسلم بن عقيل؛ ولقد عزم في بادئ الأمر على أن يرجع من حيث أتى، لكن آل مسلم وإخوته طالبوا بالثأر، وهو ما جعل الأزمة تتفاقم وتصل في نهاية الأمر إلى حدوث معركة غير متكافئة بين الجانبين، حصدت فريق الحسين عن آخره
  يزيد ومقتل الإمام الحسين
يُلقي بعض المؤرخين بالقسط الأكبر من المسئولية عن قتل الحسين على ابن زياد، أما البعض الآخر فيلقي بها على الخليفة يزيد بن معاوية، وحُجتهم في ذلك أنه ولي الأمر، ولا يمكن أن يقوم عامله بمثل ذلك العمل الخطير دون إذنه، أو بغير علمه وإرادته
   وقعة الحرة وموت يزيد
كانت حادثة كربلاء الشرارة التي أشعلت الحرب، وقد شكلت صدمة لأهل الحجاز، كما تركت آثارا سياسية خطيرة في العالم الإسلامي، وما أكثر ما تحدث المسلمون في مجالسهم، عن إمعان يزيد في الابتعاد عن الدين، حتى أضحى خلعه واجبا، وبالفعل خرج أهل المدينة على حكمه
  استخلاف معاوية بن يزيد وتنازله
توفي يزيد بن معاوية في ظل أحداث عصيبة حيث وقعة الحرة ومن بعدها حصار الجيش الأموي لمكة، بعدما خلع عبد الله بن الزبير الطاعة لبني أمية، وفي هذه الظروف المتشابكة تولى شاب صغير ورع قيادة الخلافة الإسلامية هو معاوية بن يزيد، الذي سرعان ما ذاق مرارتها ومن ثم أعلن تنازله عنها
 استخلاف مروان بن الحكم
بعد وفاة معاوية بن يزيد اضطرب أمر بني أمية اضطرابًا شديدًا، وكادت دولتهم أن تذهب لولا أن تداركوا أمرهم فيما بينهم، وعندئذ احتفظوا بدولتهم وهو ما جعل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يعلن تنصيب نفسه خليفة في مكة، وبدأت البيعة تأتيه من سائر الأقاليم حتى من بلاد الشام ذاتها مركز ثقل الأمويين
  خلافة عبد الملك بن مروان

تسلم عبد الملك بن مروان بن الحكم حكم الخلافة الإسلامية بعهد من أبيه، بيد أنه تسلمها والدولة تعصف بها رياح الفتن والاضطرابات والانقسامات؛ فعبد الله بن الزبير يسيطر على الحجاز والعراق ومصر، وعبد الملك لا يملك من أمره إلا بلاد الشام، ومع ذلك استطاع أن يوحد الدولة من جديد
   خلافة الوليد بن عبد الملك
تولى الوليد بن عبد الملك حكم الخلافة الإسلامية، والدولة ممهدة قيادتها، موحدة تحت لواء واحد، فاهتم بأحوال الدولة وتنميتها داخليا وخارجيا، فكثر العمران في عهده، وزادت حركة الفتوحات الإسلامية في عصره، وما زالت آثار دولته قائمة حتى عصرنا هذا في المسجد الأموي بدمشق، وقبة الصخرة بالقدس
  خلافة سليمان بن عبد الملك
يعد سليمان بن عبد الملك من أفضل خلفاء بني أمية، فلقد حرص والده على تربيته تربية عالية، وتعليمه أصول الحكم، كما كانت أخلاقه مضربا للأمثال، ولذلك كانت بطانته من العلماء والحكماء والصالحين، أمثال رجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز وغيرهما
    عمر بن عبد العزيز نشأته وتكوينه
لقد اجتمع علماء الأمة على أن مجدد القرن الأول الهجري هو عمر بن عبد العزيز بن مروان، بل جعلوه من جملة الخلفاء الراشدين الذين ملئوا الأرض عدلاً وقسطًا، ولقد كان عمر رحمه الله جديرًا بهذه المنزلة التي نالها، فتربيته العالية، ونشأته الإسلامية الخالصة، وسيره مع الصالحين وعلى دربهم جعله إمام صدق وعدل


  عمر بن عبد العزيز والإمارة

ارتأى البيت الأموي بداية من عبد الملك بن مروان أن عمر بن عبد العزيز جدير بالإمارة، وقادر على تحمل المسئولية، ثم ما لبث الوليد بن عبد الملك أن أقر ابن عمه عمر بن عبد العزيز على ولاية المدينة المنورة وذلك في عام 87هـ، وما تولية عمر لهذه الولاية المهمة إلا دليل على المكانة السامقة التي تمتع بها حينئذ




















نشأة الخلافة العباسية
من بلدة في الأردن تدعى الحميمة بدأت الدعوة إلى إقامة الخلافة العباسية، وقد مرت في سبيل ذلك بالكثير من المحن والصعاب، كما أخذت في سبيل تحقيق هدفها وقتا ليس بالقليل. وبالمرونة والصبر وحسن التدبير واستخدام الرجال الأكفاء واستغلال أخطاء الخصوم، استطاعت هذه الدعوة النجاح
  خلافة أبي جعفر المنصور
يذكر المؤرخون أن الخليفة أبا جعفر المنصور كان أعظم رجل من آل العباس شدة وبأسا ويقظة وثباتا، وربما كانت هذه المخاطر التي كانت تحدق به وبملكه الذي لم يكن قد استقر بعد، سببا في ظهور هذه الخصال لهذا الرجل،
    خلافة محمد المهدي وموسى الهادي
وطد المنصور أركان الخلافة العباسية، وأخضع الرقاب له ولمن يليه من أبنائه؛ فأراح بذلك من جاء بعده من الحكام وبخاصة المهدي والهادي، فلم تكن الاضطرابات في عهديهما كما كانت في عهد المنصور من ناحية القوة والعدد والتأثير، ولا كان القائمون بها في قوة أبي مسلم أو عبد الله بن علي
  خلافة هارون الرشيد
كان عهد هارون الرشيد عهد هدوء واستقرار، وفي هذا العهد وصلت الخلافة العباسية إلى ذروتها؛ في الداخل حيث الاستقرار والأمن، وفي الخارج حيث كانت مرهوبة من كل أعدائها ، وحتى هذه المحاولة لنقفور لم تنقص من هيبة الخلافة وإنما زادت منها زيادة عظيمة، بدليل أثرها على نقفور نفسه
    شبهة حول الخلفاء العباسيين
اتهم الخلفاء العباسيون في عصر قوة الخلافة العباسية بشرب النبيذ وبمجالس اللهو والانحلال والفساد، أو هكذا يأبى البعض إلا أن يتصورها، دون تصور أن أمرا كهذا كان كفيلا بأن يقضي على دولتهم، وأن يسلط عليهم أعداؤهم الذين كانوا يتحينون الفرصة للوثوب، ونحن هنا نرد على هذه الأباطيل
  خلافة الأمين والمأمون
تسببت بعض أخطاء الخليفة العباسي هارون الرشيد في فتنة عظيمة بعد موته بين ابنيه الأمين والمأمون؛ مما كان له آثار سيئة على الدولة قبل قتل الأمين، وبعد مقتله أيضا، ثم انقشعت غمامة هذه الأزمة عن خلافة المأمون التي يفتخر بها كثير من المسلمين إلى اليوم، فماذا حدث قبل توليه الخلافة وبعدها؟
    خلافة المعتصم بالله
لا تذكر عمورية وفتحها إلا ذكر المعتصم بالله، وكذلك لا يذكر المعتصم إلا ذكرَ الجميع عمورية، فلقد كان شجاعا هصورا لا يخشى أحدا، مما أثر على الأحداث من بعد. وهذه هي معالم الفترة التي تولى فيها الحكم، وما فيها من أحداث عظام أثرت على المسلمين في حياته وبعد مماته
  خلافة الواثق بالله والمتوكل على الله
زاد نفوذ الجنود الأتراك وتمكنهم في عهد الواثق بالله؛ مما مهد من بعد لسيطرتهم على مفاصل الدولة، وقد كان من الممكن أن ينجح المتوكل في محاولته القضاء على نفوذهم لولا أن انضمت إلى أيديهم يد ابنه، فتمكنوا منه بعدما تمكن هو من وأد فتنة خلق القرآن؛ لينتهي بذلك عصر قوة الخلافة العباسية
    خلافة المنتصر والمستعين بالله
بعد قتل المتوكل ساءت الأحوال كثيرا، وأصبح الجنود الأتراك هم المتحكمون في الدولة، يعينون من يريدون، ويقتلون من يريدون ثم ينهبون ما ترك من مال ومتاع، وأصبح الخلفاء ألعوبة في أيديهم، تحرك الخلفاء أهواء الجنود الأتراك، وهذه صورة موجزة لأحوال الدولة في أول عهدها بهذا الضعف
  خلافة المعتز والمهتدي بالله
مزيد من ضعف الخلفاء، وتنازع الجنود الأتراك والمغاربة الأمر، هذا ما نراه في فترة حكم هذين الحاكمين العباسيين، وإن كانت لم تخل من محاولة للثورة على ظلم الجند الأتراك للخلفاء، ولكن هذه المحاولة قد باءت بالفشل الذي زاد من نفوذ الأتراك قوة، كما زاد ضعف الخليفة ضعفا
  خلافة المعتمد على الله والمعتضد بالله
ظن الجميع أن دولة العباسيين إلى زوال، وبخاصة بعدما وصل ضعفهم إلى ما وصل إليه أيام المعتز، وبعدما فشل المهتدي في الثورة على ظلم الجند الأتراك، ولكن سارت الأمور على غير المتوقع، فكانت فترة حكم المعتمد تمهيدا لأن تعود المياه إلى مجاريها، حتى تولى المعتضد فاستعاد نفوذ الخلفاء الضائع
  انتكاسة جديدة للخلافة العباسية
انتكاسة جديدة للخلافة العباسية في هذه الفترة من تاريخ المسلمين، في ظل ضعف الخلفاء الذي تمادى حتى حكمت النساء، ووافق هذا الضعف صحوة ونشاط للفرق والنحل الضالة والمبتدعة، كما وافقه استقلال بعض الولابات، ومن الخارج زاد نشاط الأعداء؛ فزاد حال المسلمين سوءا على سوئه
 سيطرة البويهيين على الخلافة العباسية
تهدّم في هذه الحقبة كل ما للخليفة العباسي من سلطان، فبدأ الخليفة مع بداية هذه الحقبة يلعب دورا شكليا فقط؛ ليستقر الحكم لغيره، مستغلين حالة التردي التي وصل إليها المسلمون في هذه الفترة على كل المستويات، ومنها الجانب الفكري، وبدأت الدولة في التحلل بسبب أعداء الداخل والخارج
  ضعف الخلافة العباسية وزوال البويهيين
ساءت الأحوال كثيرا بعد سيطرة البويهيين على السلطة في بغداد، وانحدروا إلى الضعف كما انحدر من كان قبلهم، غير أن انحدارهم كان أسرع، واتجهوا إلى المسلمين ليحاربوهم، وتركوا أهل البدع، وتناسوا أمر الروم والثغور؛ بل وزادوا فاستغلوا أمر الروم ليتكسبوا منه، حتى أزيلوا عن السلطة
 نفوذ السلاجقة في عهد الخلافة العباسية
كانت قوة الأتراك السلاجقة تزيد يوما بعد يوم، في حين كان البويهيون قد وصلوا إلى حالة من الضعف الشديد؛ مما مهد للسلاجقة دخول بغداد بإذنٍ من الخليفة العباسي، فتمكن من عزل السلطان البويهي، معتمدا على وجود الأتراك إلى جواره؛ ليبدأ من بعد عهد جديد من استقرار دولة الخلافة
  الخلافة العباسية بعد سيطرة السلاجقة على السلطنة
استقرت أمور السلطنة للسلاجقة الأتراك، فلم يكن لهم منازع في الأمر؛ مما يسر لهم أمر السيطرة على البلاد وتحقيق الأمن والتخفيف على الناس، وساعدتهم الخلافة والوزارة في ذلك، غير أن الفتن لم تلبث أن ظهرت بينهم أيضا فتحاربوا وتنازعوا الملك؛ حتى تجرأ عليهم أعداؤهم من الداخل والخارج
    ضعف السلاجقة وزوالهم في عهد الخلافة العباسية
بعد وفاة السلطان مسعود ضعف البيت السلجوقي، فلم ترفع لهم من بعد ذلك راية يعتد بها، مما أعطى الفرصة للخلفاء أن يباشروا أمورا كانوا قد منعوا من مباشرتها فترة من الزمن، وكذلك ضعفت الدولة العبيدية حتى زالت، ثم انتهى ملك السلجوقيين بالعراق، وجاء من بعدهم خوارزم شاه 
  ظهور التتار في عهد الخلافة العباسية
لم يكن التتر سوى شعب من البدو، يعيشون في البراري على أطراف بلاد الصين، ولم يكن لهم لا دين ولا حضارة، وبالتالي افتقدوا الأخلاق والضمير على طول تاريخهم؛ مما سهل على جنكيز خان استغلالهم من بعد ليبني بهم مجده الزائل، وهذه هي قصة بدايتهم، وبداية اعتداءاتهم على المسلمين
   سقوط بغداد ونهاية الخلافة العباسية
كانت دولة الخلافة قد ضعفت على كل المستويات؛ خلافة ضعيفة، وزارة خائنة، وجيش هزيل يتسول جنوده على أبواب المساجد، وشعب كانت الحياة ومتاعها شغله الشاغل، والأخطار قوية تتربص من الداخل والخارج؛ فسقطت بغداد سقوطا مخزيا
  مختصر قصة الخلافة العباسية
منذ نشأتها سنة 132هـ= 750م وحتى انهيارها سنة 656هـ= 1258م.



دخول المغول في الإسلام
ظهر المغول على سطح التاريخ فجأة بسيلهم المدمر الذي فجره جنكيز خان، واكتسحوا البلاد التي حولهم في قسوة وسرعة مثيرة للدهشة وللاشمئزاز، وهزموا المسلمين وأزالوا الخلافة الإسلامية من بغداد، ولكن لم يمض على هؤلاء القوم نصف قرن إلا واعتنقوا الإسلام وصاروا من أنصاره
 بداية المغول المسلمين
انقسمت مملكة جنكيز خان إلى أربعة ممالك كبرى، امتدت من الصين غربا إلى حدود العالم العربي شرقا، وإلى أرمينية وروسيا وبلاد القوقاز شمالا، وكان أول من أسلم منهم "بركة خان" زعيم مغول الشمال، ثم حارب مع المسلمين المماليك، ثم توالى انتشار الإسلام في الفروع المغولية الأربعة
  مغول القبيلة الذهبية
كان مغول القبيلة الذهبية هم أول المغول الذين اعتنقوا الإسلام، وكان أول من أسلم منهم بركة خان الذي بايع الخليفة العباسي وحاول جهده منع هولاكو من الهجوم على بلاد المسلمين، ثم حارب هولاكو كثيرا، قويت المملكة وتوسعت، ثم دارت عليها دورة الضعف فانقسمت على نفسها، ثم جاء تيمور لنك فأخضعها ثم تفتت وانتهت من بعده
تساقط خانات مغول الشمال
بعد تفتت مملكة مغول الشمال، أو مغول القبيلة الذهبية إلى خانات، صارت كل واحدة منها تحاول السيطرة على الأخرى، وصارت أضعف في مواجهة الروس واللتوانيين، مما جعل ظهور أمير روسي قوي كفيل بالقضاء التام على هذه الخانات الصغيرة وهو ما كان وسقطت خانات قازان والقرم وسيبير، فانحسر الإسلام في هذه المناطق
    قصة المغول المسلمين في روسيا
كان لا بد بعد التفرق والضعف من مرحلة الانهيار، غير أن سقوط مملكة المغول المسلمة في الشمال أمام الروس يذكر بما حدث في الأندلس وزيادة، لقد دخل المسلمون عصر الاضطهاد والتعذيب والتنكيل، منذ عصر الأمراء ثم القياصرة ثم عصر الشيوعية، وما زال المسلمون يقاومون إلى الآن
  قصة المغول المسلمين في إيران
أعطى جنكيز خان بلاد فارس وخراسان لابنه تولوي، الذي كان من أبنائه هولاكو، ولكن لم يمض كثير وقت حتى دخل المغول في الإسلام، وتكونت الإيلخانات المغولية في بلاد فارس وخراسان، وبعد موجة تيمور لنك الكاسحة ثم اندحارها السريع، سيطر على المنطقة التيموريون ثم الصفويون الذين أقاموا المذهب الرافضي ثم الأفشار
   قصة إيران منذ الزنديون حتى الآن
بعد انتهاء حكم الأفشار على بلاد فارس، استولى الزنديون على الحكم ، ومن بعدهم الأسرة القاجارية، التي انتهت على يد رضا بهلوي مؤسس الأسرة البهلوية، والتي ظلت تحكم إيران حتى ثورة الخميني التي افتتحت عهد الجمهورية في إيران، حيث يحظى مراجع الشيعة بنفوذ كبير ويعتبرون أصحاب السلطة الفعليين
  قصة المغول في بلاد الصين ومنغوليا
حين قسمت مملكة جنكيز خان بين أبنائه الأربعة كانت بلاد الصين من نصيب ابنه أوغطاي، ثم تنازعت أسرتا أوغطاي وجغطاي حكم هذه المنطقة حتى انقسمت، وحكم الصين أسرة قوبيلاي المغولي ثم أسرة منغ الصينية، ولقد ظل المسلمون يتمتعون بحقوقهم حتى دخلت الصين في العهد المنشوري، ثم الجمهوري حتى الآن
    قصة المغول المسلمين في وسط آسيا
تتابع على حكم هذه المنطقة من أسرة جغطاي العديد من الخانات كان أول من دخل في الإسلام منهم مبارك شاه الذي تولى الحكم عام 664هـ، وقد كان سبب إسلامه أمه أرغنه المسلمة زوجة قرة هولاكو حفيد جغطاي، ولم يدم ملكه إلا قليلاً فسرعان ما خلعه ابن عمه براق خان وحل محله في نفس العام.


عصر الدويلات
الدولة الطولونية
قامت الدولة الطولونية في مصر والشام والحجاز، وهي إحدى الدول المستقلة عن الدولة العباسية، وامتدت فترة حكمها في الفترة من 254- 292هـ. وتمثِّل الدولة الطولونية أول تجربة حكم محلي تحكم فيه أسرة أو دولة حكمًا مستقلاًّ عن حكومة الخلافة المركزية
الدولة الإخشيدية
الدولة الإخشيدية إحدى الدول الإسلامية التي استقلت عن الدولة العباسية في مصر والشام, ترجع نسبة هذه الدولة إلى محمد بن طغج الملقب بالإخشيد، الذي كان من موالي آل طولون، فقلده الخليفة الراضي بالله ولاية مصر بعد نجاحه في صد هجوم العبيديين (الفاطميين) عليها؛ فمنحه الخليفة لقب الإخشيد،
  إنجازات الدولة الإخشيدية
رغم قصر عصر الدولة الإخشيدية في مصر؛ فقد شهدت نشاطا حضاريا مزدهرا في ميادين الفنون والآداب والعلوم، ولكن الذي وصل إلينا من آثاره قليل بسبب تقادم الزمن من ناحية، ومجيء العصر الفاطمي بعده من ناحية أخرى الذي طغت آثاره على ما كان في مصر قبلها من الآثار الإسلامية
    لحظات حاسمة في تاريخ الدولة الإخشيدية
هناك لحظات حاسمة في تاريخ الدولة الإخشيدية منها الصلح الذي عقده الإخشيد مع ابن رائق رغم انتصاره عليه، فقد كان الإخشيد يخشى أن تواصل الخلافة العباسية الحملات عليه، كما كان يخشى خصما آخر يهدده من ناحية مصر الغربية وهو الخليفة الفاطمي,
  الحياة العلمية في عصر الدولة الإخشيدية
لقد تميز عهد الدولة الإخشيدية بظهور عدد كبير من أعلام الفقه من أبناء مصر حظوا برعاية طيبة من الأمراء الإخشيديين، وكان لهم نشاط علمي ملحوظ في الحياة العلمية, وازداد تيار العلم والأدب قوة وتدفقا وذلك لأن الأمراء الإخشيديين وكبار رجال دولتهم كانوا يعطفون على العلماء والأدباء،
    سقوط الدولة الإخشيدية
بعد وفاة كافور الإخشيدي عمت الفوضى والاضطرابات معظم أنحاء مصر، وتدهورت أحوالها الاقتصادية، وعجزت الخلافة العباسية عن إعادة الأمور إلى نصابها في مصر، فاتصل المصريون بالفاطميين، ودعوهم للحضور لمصر للتخلص من الأحوال السيئة، ولإسقاط الدولة الإخشيدية,
  الأدارسة في المغرب الأقصى
دولة الأدارسة تعد أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي. وتعود نسبتها إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدا عن أيدي العباسيين؛ وذلك بعدما تمكن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ.
    الدولة الحمدانية
الدولة الحمدانية هي دولة عربية شيعية استقلت عن الدولة العباسية في عصور ضعفها، ولكن لها جولات من الصراع مع العبيديين ومع الروم أيضا، وقد برز منها حكام كسيف الدولة الحمداني صاحب الوقائع المشهورة مع الروم
  الدولة الرستمية
الدولة الرستمية أول دولة إسلامية تنشق عن الخلافة العباسية، وكانت تعتنق الفكر الإباضي أحد فروع الخوارج تلك الفرقة التى خرجت على الإمام علي بن أبي طالب, وقد أسسها عبد الرحمن بن رستم من أصل فارسي وكانت قاعدتها مدينة تاهرت بالمغرب الأوسط,
    الدولة البويهية الشيعية
الدولة البويهية الشيعية قامت في الجزء الغربي من إيران وفي العراق، وأسستها أسرة بني بويه. وأشهر رجال أسرة بني بويه الحاكمة ثلاثة هم: علي والحسن وأحمد أبناء بويه. وتعود أصول هذه الأسرة إلى الفرس، وكان والدهم (بويه) يتعيّش من صيد الأسماك. وكان علو شأنها على يد الأخ الأكبر علي بن بويه؛ فقد ولاّه مرداويج الزياري بلاد الكرج
  دولة السلاجقة
الدولة السلجوقية هي إحدى الدول السنية القوية التي قامت في إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى. وتنسب إلى سلجوق زعيم عشائر الغز التركمانية، التي هاجرت واستقرت في بخارى. وقد استولى طغرلبك أحد أحفاد سلجوق على إقليم خراسان. ولما ضعف البويهيون في بغداد استنجد القائم بأمر الله بطغرلبك لإنقاذه من البويهيين


















التاريخ الأندلسي  زهرة التاريخ الإسلامي
يمثل التاريخ الأندلسي حقبة هامة من تاريخ أمتنا، لأن تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة من التاريخ الإسلامي، وتحديدًا من عام (92هـ=711م) إلى (897هـ= 1492م)؛ أي ثمانمائة وخمس سنين هجريا، ولا شك أن في تاريخ الأندلس أحداث يجب أن نعرفها المسلمون؛ ليفقهوا سنة الله سبحانه في بناء الدول وسقوطها فيبنوا بها حاضر ومستقبل أمتهم
  بلاد الأندلس .. التاريخ والجغرافيا
بلاد الأندلس هي اليوم دولتا إسبانيا والبرتغال، أو ما يسمى: شبه الجزيرة الأيبيرية، يفصل شبه الجزيرة الأندلسية عن المغرب مضيق أصبح يعرف منذ الفتح الإسلامي بمضيق جبل طارق، تقع في الجنوب الغربي من أوربا، وتتصل في الشمال بفرنسا بواسطة سلسلة جبلية تعرف بجبال البرينيه
    الأندلس قبل الإسلام
الأندلس قبل الإسلام، إنها فترة من فترات الجهل والتخلف البالغ، وتلك كانت حال أوروبا التي لم يبد فيها بعض الميل إلى العلم إلا في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر الميلاديين، في هذا المقال نتناول تاريخ الأندلس قبل الفتح الإسلامي للبلاد، وحال أوروبا، وفترة القوط الغربيين الذين حكموا الأندلس قبيل الفتح الإسلامي لها
  الدولة الأموية .. وقفة إنصاف
الدولة الأموية – وقفة إنصاف، فالدولة الأموية كغيرها من الدول الإسلامية لها الأيادي البيضاء والفضل الكبير على المسلمين في شت بقاع الأرض، والحق أن الخلافة الأموية ظلمت ظلما كثيرا في التاريخ الإسلامي، وسنحاول في هذا المقال بيان حقيقة الأمر والدفاع عن دولة بني أمية وبيان محاسنها، إذ إن فتح الأندلس حسنة من أعظم حسنات بني أمية
   موسى بن نصير .. القائد الفذ
موسى بن نصير القائد الفذ، من أعظم قادة الفتح الإسلامي، وقد ثبَت الله به أقدام الإسلام في شمال أفريقيا، وهو من التابعين، وقد روى عن بعض الصحابة كتميم الداري رضي الله عنه، نتعرف في هذا المقال عن جهود موسى بن نصير في استقرار الوضع في الشمال الأفريقي بعد القائد عقبة بن نافع رضي الله عنهما، وعلاقته بطارق بن زياد رحمه الله
  موسى بن نصير وقرار فتح الأندلس
اتخذ موسى بن نصير رحمه الله قرار بفتح الأندلس؛ وذلك ليمكنه من فتح القسطنطينية، والحقيقة أن هذه الفكرة سبقه بها الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعندما استتب الأمن ودخل الناس في الإسلام، بدأ يفكر موسى بن نصير في نشر الدعوة في البلاد التي لم يصلها بعد، فبدأ يفكر في فتح بلاد الأندلس، ولكن واجهته بعض العقبات،
    سرية طريف بن مالك
سرية طريف بن مالك، هي أو عملية استكشافية قام بها المسلمون تمهيدا لفتح الأندلس، وذلك بأمر من موسى بن نصير رحمه الله بعد أن أخذ الإذن من الوليد بن عبد الملك، سار طريف بن مالك من المغرب على رأس خمسمائة من المسلمين صوب الأندلس وذلك في رمضان 91هـ/710م،
  طارق بن زياد والعبور إلى الأندلس
بعد نجاح سرية طريف بن مالك في الحملة الاستكشافية، أمر موسى بن نصير القائد طارق بن زياد بالعبور إلى الأندلس، وفي شعبان من سنة 92هـ تحرَك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف فقط من جنود الإسلام، وهكذا عبر طارق بجيشه إلى الأندلس
    معركة شذونة .. وادي لكة .. وادي برباط
في 28 من شهر رمضان سنة 92هـ دارت معركة هي من أشرس المعارك في تاريخ المسلمين، وهي معركة وادي برباط أو وادي لكة أو معركة شذونة والتي كانت بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط النصارى بقيادة لذريق،
  فتوحات طارق بن زياد في الأندلس
بعد انتصار المسلمين في معركة وادي برباط 92هـ توغل طارق بن زياد في بلاد الأندلس، وانطلق طارق بن زياد بجيشه الرئيسي نحو طليطلة، ووزع باقي الجيش -الذي كثر عدده- في سرايا إلى أنحاء الجزيرة المختلفة، وانطلق بجيشه إلى استجه ففتحها وصالح أهلها على الجزية، وبجيش لا يزيد على سبعمائة رجل انساح المسلمون في البلاد ينشرون دعوة الله تعالى
    طارق بن زياد وموسى بن نصير .. لقاء الأبطال
كان لقاء حارا بين بطلين افترقا منذ سنتين كاملتين (92: 94هـ)، إنه لقاء القائدين طارق بن زياد وموسى بن نصير، فبعد أن فتح طارق بن زياد مدينة طليطلة انتظر قدوم المدد من موسى بن نصير، الذي افتتح في طريقه مدنا عدة وأكمل الفتح الإسلامي في المناطق التي لم يفتحها طارق،
  الوليد بن عبد الملك ووقف فتوحات الأندلس
بعث الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك برسالة إلى موسى بن نصير وطارق بن زياد يأمرهما بالتوقف عن استكمال الفتوحات في الأندلس وأن يعودا أدراجهما إلى دمشق،
  عصر الولاة في الأندلس
يمثل عصر الولاة في الأندلس امتدادا طبيعيا لفترة الفتح الإسلامي، ويقصد به أن حاكم الأندلس في هذه الفترة كان يتولاه رجل يتبع الحاكم العام للمسلمين، وهو الخليفة الأموي الموجود في دمشق في ذلك الوقت، ويمكن تقسيم العصر بحسب طريقة الإدارة وطريقة الحكم إلى فترتين رئيستين مختلفتين: الفترة الأولى عهد القوة والجهاد، والفترة الثانية عهد الضعف والمؤامرات والمكائد
    قرطبة.. الموقع الجغرافي والتاريخ
قرطبة ذلك الاسم الذي طالما كان له جرس معين، ووقع خاص في الأذن الإسلامية، بل وفي أذن كل أوربي آمن بالنهضة والحضارة الإنسانية، تقع على نهر الوادي الكبير، في الجزء الجنوبي من إسبانيا، أسسها القرطاجيون، فتحها طارق بن زياد، وكانت كعبة العلم والعلماء في عهد الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر
  القيروان مجد شامخ وإرث عريق
القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، فهي المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب, ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كان لها دورين هامين في وقت واحد هما: الجهاد والدعوة،
    إشبيلية شاهد على عظمة الأندلس
تقع إشبيلية على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير قرب مصبه في خليج عميق بحيث كانت مؤهلة لأن تكون ميناء بحريا في جنوب الأندلس، وكانت المدينة قبل دخول المسلمين إلى شبه جزيرة أيبيريا حاضرة لدولة القوط الغربيين..
السمح بن مالك .. الإسلام في فرنسا
السمح بن مالك الخولاني، ذلك القائد الرباني المشهور في التاريخ الإسلامي، وهو القائد الذي انطلق إلى بلاد فرنسا مجاهدا، وهو رابع ولاة الأندلس، عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز واليا على الأندلس في رمضان عام 100هـ، وجعل ولايتها تابعة للخلافة مباشرة؛ لأهميتها وكثرة شئونها، وظل مجاهد وناشرا للإسلام في فرنسا إلى أن لقي ربه شهيدا في معركة تولوز
   عنبسة بن سحيم .. القائد المجاهد
عنبسة بن سحيم –رحمه الله-، هو القائد المجاهد الذي ولي الأندلس في صفر 103هـ، بعدما عزل يزيد بن أبي مسلم عامل إفريقية عبد الرحمن الغافقي من ولايته الأولى على الأندلس التي لم تدم إلا شهرين،
  عبد الرحمن الغافقي
عبد الرحمن الغافقي –رحمه الله، هو من كبار القادة الغزاة الشجعان في التاريخ الإسلامي، وهو أحد التابعين، ولي الأندلس في فترة بدأت الخلافات تدبّ بين المسلمين وكانت خلافات بحسب العرق وبحسب العنصر، فجمع الكلمة ووطد البلاد
  معركة بلاط الشهداء

بلاط الشهداء، إحدى المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، فبعد أن وحد عبد الرحمن الغافقي –رحمه الله- المسلمين وواصل فتوحاته في فرنسا، وفي مدينة بواتيه عسكر عبد الرحمن الغافقي في منطقة تسمى البلاط، وهناك استعد لملاقاة النصارى بقيادة شارل مارتل،
 
العالم الإسلامي والصليبي قبل ظهور التتار
ظهرت قوة التتار في أوائل القرن السابع الهجري، وفي هذا الوقت كانت القوى الموجودة متمثلة في فئتين رئيسيتين وهما: أمة الإسلام، والصليبيون، في هذا المقال نلقي نظرة على أحوال العالم الإسلامي والصليبي قبل ظهور التتار، التي كانت القوة الأولى في الأرض في النصف الأول من القرن السابع الهجري
 بداية ظهور التتار
التتار أو المغول اسم يطلق على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة.. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة المغول، وقبائل الترك والسلاجقة وغيرها
    الغزو المغولي على الدولة الخوارزمية
يتحدث هذا المقال عن الإعصار التتري المغولي الرهيب على المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، والتي تعرف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية بهدف إسقاط الخلافة العباسية،
  غزو المغول سمرقند
تعد سنة 617هـ من أبشع وأسوأ وأظلم السنوات التي مرت على المسلمين عبر تاريخهم الطويل منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى هذه اللحظة، لقد علا فيها نجم التتار، واجتاحوا البلاد الإسلامية اجتياحا لم يسبق، تدميرا وتخريبا، وكانت سمرقند إحدى تلك المدن التي تعرضت للهمجية التترية
  وفاة محمد بن خوارزم شاه
استقر جنكيزخان بسمرقند، وكان أول ما فكر فيه هو قتل رأس هذه الدولة الخوارزمية، وهو علاء الدين محمد بن خوارزم شاه الذي لاذ بعاصمته أورجندة على الشاطئ الغربي نهر جيحون، وأرسل جنكيز خان عشرين ألف جندي ليأتوا برأسه،
  غزو التتار بلاد فارس وخراسان إنها حرب إبادة ليس للنوع البشري بل لكل ما هو حضاري، حرب قام بها التتار أو الغزو المغولي الهمجي على بلاد المسلمين في إقليمي فارس وخراسان،ولم يبق التتار على مدينة واحدة، وتمت كل هذه الأحداث في عام واحد هو العام 617هـ
    الغزو المغولي لأفغانستان وخوارزم
الغزو المغولي الهمجي للجزء الجنوبي من الدولة الخوارزمية بزعامة جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه، كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند،
  الغزو المغولي للشيشان وروسيا
مآسي المسلمين خلال عامي 618هـ و 619هـ، حيث عاد التتار إلى إقليم أذربيجان المسلم من جديد، ودخلوا مدينة مراغة المسلمة، وأسقطوها وأحرقوها، ثم تهديد شمال العراق وسلطان الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وعقب ذلك اجتياح أقاليم إيران وغزو تبريز وهمذان والشيشان وداغستان والجنوب الغربي لروسيا
    الغزو المغولي لأذربيجان وأرمينيا وجورجيا
تمثلت أحداث عام620هـ في اجتياح التتار للعالم الإسلامي، فبينما كان جنكيزخان يبسط سطوته على الدولة الخوارزمية استمر الغزو المغولي التتري على منطقة روسيا،
  ظهور حركة جلال الدين الخوارزمي
من أهم الأحداث التاريخية التي مرت بالعالم الإسلامي معاناته من الغزو المغولي التتري الهمجي، ولعل أحداث الفترة التاريخية من 621: 627هـ شاهدة على ذلك، ولعل أهم الأحداث ظهور حركة جلال الدين الخوارزمي،
    غزو المغول لأوروبا الشرقية
حقا.. لم يبتل العالم منذ أول الخليقة بمثل ما ابتلي بالتتار، في هذا المقال هجوم مغولي كاسح على أوروبا الشرقية، يلتهم الأرض ويكوِّن مملكة وصلت حدودها في سنة 639هـ من كوريا شرقا إلى بولندا غربا، ومن سيبيريا شمالا إلى بحر الصين جنوبا،
   محاولات توحيد قوة الصليبين والمغول
هذا المقال تفصيل لأهم الأحداث العالمية التي حدثت بين عامي 639هـ: 649هـ، حيث هدأت العاصفة التترية عن الحملات التوسعية العالمية وذلك بعد تولية كيوك بن أوكتاي، كما شهدت محاولات الصليبيين إقامة تحالف مع التتار من خلال السفارات المتبادلة بينهما، وأيضا توجه الحملة الصليبية السابعة نحو دمياط بقيادة لويس التاسع.
    المغول والحرب النفسية ضد المسلمين
قام التتار بإعداد الطرق وتهيئة الوسائل اللازمة وبعض الجهود الدبلوماسية بهدف إنجاح حملتهم الغاشمة، في إسقاط الخلافة الإسلامية، حيث لجأ هولاكو إلى سلاح الحرب النفسية على المسلمين،
  الطريق إلى بغداد
هذا المقال وقفة تحليلية لتقييم الأوضاع في المشرق الإسلامي بعد الإعداد المحكم لهولاكو من أجل القضاء على الخلافة العباسية، تشمل تلك الوقفة تحليل للجيش المغولي التتري ومكوناته الأصلية وتركيباته العرقية والدينية وأشهر قادته، كما يشمل دور هولاكو في القضاء على طائفة الإسماعيلية، ومن ثم التوجه نحو العاصمة بغداد
    بغداد قبل السقوط
مع صورة توضيحية لعاصمة الخلافة العباسية بغداد، حيث يرسم لنا الدكتور راغب السرجاني صورة حية للجيش المغولي بتحليل عسكري رائع، وكيف كانت الصورة هذيلة وذليلة للخليفة العباسي المستعصم بالله، وكما كان الحاكم كالبطانة، كانت الحكومة كالجيش هزيلة ضعيفة مريضة، أما الشعب ضعيف أو هزيل, فالحكام إفراز طبيعي للشعوب, وكما تكونوا يول عليكم
  حصار بغداد
بينما المسلمون على هذه الحالة من التدهور والانحطاط والهزيمة النفسية إذ ظهر فجأة جيش هولاكو قبالة الأسوار الشرقية للمدينة العظيمة بغداد، وكان ذلك في يوم 12 محرم من سنة 656هـ،
    سقوط بغداد
ظل التتار على قصفهم مدة أربعة أيام من أول صفر إلى الرابع منه سنة 656 هجرية، وفي يوم الرابع من صفر بدأت الأسوار الشرقية تنهار, ومع انهيار الأسوار الشرقية انهار الخليفة تماما،

  المغول وحرق مكتبة بغداد
عندما شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين قام التتار بعمل إجرامي بشع، وهو تدمير وإحراق مكتبة بغداد العظيمة، وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، ثم استباحوا بغداد الرشيد والمأمون وهلكوا الزرع والنسل، وقتل من المسلمين مليون شهيد، ولم يبق التتار على كل ما هو حضاري أو إنساني
    ماذا يعني سقوط بغداد؟!
حول النهاية الذليلة التي مني بها الخائن الأكبر للخلافة العباسية الوزير الرافضي مؤيد الدين ابن العلقمي الذي تعاون مع هولاكو لإسقاط الخلافة،















 الدولة الأيوبية
العالم الإسلامي قبيل الدولة الزنكية
حفل عصر الدولة العباسية بالعديد من الدول المستقلة التي أقام بعضها أهل الشقاق والأهواء، ونشأ بعضها الآخر على أكتاف عدد من المجاهدين الذين حملوا لواء الجهاد في مواجهة الصليبيين، ومن الصنف الأخير تبرز الدولة الزنكية في التاريخ الإسلامي.
قصة الدولة الزنكية
بعد وفاة ملكشاه حدث نزاع بين تتش وآق سنقر انتهى بوقوع آق سنقر في الأسر بعد موقعة تل السلطان وقتله هو وبوزان، وتعد الفترة الأولى من قيام الدولة الزنكية مرحلة تمهيد لقيام دولة قوية وحدت المسلمين، ووقفت في وجه الصليبيين وذلك بسبب إقامة أحكام الشريعة وتبني سياسة الجهاد ضد الصليبيين.
    عماد الدين زنكي وجهاد الصليبيين
عمد عماد الدين زنكي بعد تثبيت أقدامه في الموصل إلى تنفيذ الشق الأول من خطته والتي تهدف إلى إنشاء دولة موحدة وتوسيعها عن طريق ضم الإمارات الإسلامية في الجزيرة وبلاد الشام، والمناطق الشرقية وتوحيدها مع إمارة الموصل، تمهيدا للانتقال إلى الشق الثاني من الخطة، وهو مجابهة الصليبيين
  نور الدين محمود
يعد نور الدين محمود من أبرز شخصيات الدولة الزنكية؛ إذ تحفل سيرته بجهاد طويل ضد الصليبيين، وضد الدولة العبيدية في سبيل نصرة الإسلام، ورفع رايته، تعلم القرآن والفروسية والرمي، وكان شهما شجاعا ذا همة عالية وقصد صالح وحرمة وافرة وديانة بينة، ولذا لا تعجب إذا علمت أنه اعتنى بمصالح الرعية
    جهاد نور الدين ضد الصليبيين
تسلم نور الدين محمود بن زنكي القيادة بعد سقوط أبيه، وكان مثل أبيه في الشجاعة والحزم والإخلاص والطموح، وزاد على ذلك شدة تقواه وزهده، وسلامة نيته، فقد كان يعتقد بأن الله تعالى قد أوكل إليه مهمة اقتلاع الفرنجة من ديار المسلمين، وتوحيد هذه الديار وأهلها تحت راية واحدة ولهدف واحد.
  الناصر يوسف الأيوبي يعلن الجهاد
يعد الناصر يوسف الأيوبي من أكثر أمراء الشام خيانة وعونا للتتار ضد المسلمين، ويبدو أنه كان مغفلا عندما طلب من هولاكو أن يساعده على غزو مصر بشرط أن تكون تحت زعامة الناصر، فما كان أن انقلب هولاكو عليه، فقرر أن يعلن الجهاد، فكانت دعوة مضحكة من رجل اعتاد أن يبيع كل شيء وأي شيء
نور الدين محمود بعد وفاته خلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل الذي لم يكن على مستوى الأحداث لصغر سنه, فبرز من جهة أخرى صلاح الدين الأيوبي كوارث طبيعي، استطاع أن يملأ الفراغ القيادي الذي ظهر بعد وفاة نور الدين محمود,
  الدولة الأيوبية.. ودور الدولة الزنكية في نشأتها
قصة الأيوبيين تبدأ عن طريق الدولة الزنكية التي نشئوا من خلالها، وعاشوا في خدمتها يخدمون الإسلام حينا، حتى قادتهم الأقدار إلى تولي قيادة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين, وقد تشكلت الدولة الزنكية في مرحلة شديدة الحرج,
    معركة حطين.. وما بعدها
بعدما فرغ صلاح الدين من توحيد الجبهة الإسلامية انصرف بكل طاقاته إلى الجهاد, وحقق الانتصارات الضخمة التي خلدت ذكره في التاريخ ومن هذه الانتصارات الانتصار العظيم في حطين
  وفاة صلاح الدين الأيوبي.. محرر القدس
ترك صلاح الدين بعد وفاته دولة واسعة الأرجاء, فحدث تنازع أيوبي على السلطة فترة من الزمن إلى أن أعاد العادل توحيد الدولة الأيوبية تحت سلطانه, ولكنه ارتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه صلاح الدين مما أَدى لإضعاف الأيوبيين
    نهاية الدولة الأيوبية
انتهى حكم الأيوبيين تماما في مصر بمقتل توران شاه، بعدما اتفقت شجرة الدر مع أقطاي وبيبرس وغيرهما من المماليك على قتله، بعد سبعين يوما من اعتلائه عرش مصر، وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي، وبدأت حقبة جديدة هي دولة المماليك,
   نشأة الدولة العبيدية (الفاطمية)
سلك العبيديون (الفاطميون) مسلك العباسيين عند تأسيس دولتهم، فمهدوا لدولتهم بالدعوة إلى الفكرة الشيعية في مصر والمغرب واليمن، وأصبح لها أنصارًا بكل من هذه البلاد، حتى استطاع عبيد الله المهدي تأسيس الدولة، كما استطاعوا إخماد الثورات، حتى كان عهد المعز الذي نجح في إقامة الدعوة للعبيديين (للفاطميين) على جميع منابر المغرب
  الدولة العبيدية الفاطمية في مصر
نتيجة لكثرة الثورات التي تعرضت لها الدولة العبيدية الشيعية (الفاطمية) في بلاد المغرب، كانت عيونهم تتجه صوب مصر؛ لذلك كانت محاولاتهم لاحتلالها منذ 301هـ في زمن عبيد الله، وامتدت حتى سنة 358هـ، فقد استطاع جوهر الصقلي دخول مصر بجيوشه، وتم بناء الجامع الأزهر ومدينة القاهرة
    سياسة العبيديين الشيعة في مصر
لم يف العبيدييون (الفاطميون) بتعهداتهم بعدم إجبار المصريين على تغيير مذهبهم السني إلى مذهب الشيعة، فما إن استتب الأمر لهم حتى بدأوا بشكل منظم في نشر مذهبهم الإسماعيلي، وتقديم الشيعة على أهل السنة بصورة واضحة، وسمحوا للدروز بنشر مذهبهم حتى ألهوا الحاكم بأمر الله
  عصر نفوذ الوزراء وإلغاء الخلافة العبيدية
يعد العصر الثاني للخلافة العبيدية الفاطمية هو عصر الضعف الحقيقي الذي مهد لسقوطها، فهو عصر نفوذ الوزراء الذي بدأ بسيطرت بدر الجمالي على مقاليد الحكم في مصر، وهكذا تطور الأمر حتى استعان شاور بنور الدين وضرغام بالصليبيين، وانتهت بسيطرة صلاح الدين على مصر
  ظهور المماليك ونهاية الدولة الأيوبية في مصر
في تاريخ الأمة الإسلامية دولة قامت على أكتاف الرقيق الذين جُلِبوا في الأصل من مختلف البلدان لأجل الحروب، ولأجل حماية الخلفاء والسلاطين، هي دولة المماليك، وقد قامت هذه الدولة بجهد عظيم في الدفاع عن الإسلام، وإقامة مجده؛
  وصول المماليك للحكم في مصر
استطاعت شجرة الدر بذكاء وحرص شديدين أن تصل للحكم في مصر، مستغلة حب المصريين والمماليك للملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله، ولكن هذا لم يكن كافيا؛ وبخاصة أن الأطماع في مصر كانت كثيرة، 
    حياة سيف الدين قطز
سيف الدين قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين، اسمه الأصلي محمود بن ممدود وهو من بيت مسلم ملكي، وهو ابن أخت جلال الدين الخوارزمي، ملك الخوارزميين المشهور، والذي قاوم التتار فترة وانتصر عليهم ثم هزم،
  عصرا الدولة المملوكية وحكم الظاهر بيبرس
اتصف بيبرس بالحزم والبأس الشديد وعلو الهمة وبعد النظر وحسن التدبير، واجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام، فلم يكد يستقر في الحكم حتى اتخذ عدة إجراءات تهدف إلى تثبيت أقدامه في الحكم،
    القضاء على الوجود الصليبي في الشام
كان لا بد من تصفية الوجود الصليبي في المشرق الإسلامي بعد أن استمر ما يقرب من مائتي عام، وبعد أن وهنت قوته بفعل المقاومة الإسلامية، وجهود الحكام المسلمين المجاهدين. وبالفعل تم تصفية الوجود الصليبي في بلاد الشام في عهد الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون،
  الحضارة في عصر المماليك
ازدهرت الفنون في عصر المماليك فوصلت حد الروعة والإتقان والرقي، ويشهد على ازدهار فن النحت على الخشب في العصر المملوكي، أن الفنانين استطاعوا أن يبدعوا في زخرفة الحشوات بالرسوم الدقيقة، وكذلك ازدهرت صناعة المشربيات، وإلى مزيد من التفاصيل
    العلاقات الخارجية وسقوط دولة المماليك
استطاعت دولة المماليك أن تنشئ علاقات قوية بينها وبين مختلف الدول القوية في ذلك الوقت، فأنشأت علاقة قوية وطيبة مع الحفصيين، كما أنشأت علاقة قوية وطيبة مع مغول القفجاق والعثمانيين، كما أنشأت علاقات جيدة مع بعض القوى الأوربية، والآن إلى تفصيل ذلك
  عوامل سقوط دولة المماليك
على إثر نجاح المماليك في صد المغول وجحافل تيمورلنك وطرد الصليبيين من بلاد الشام، ادعى حكام مصر لأنفسهم دور الريادة في العالم الإسلامي، وكان من نتائج ذلك أن حافظوا على التقاليد الإسلامية في بلادهم، إلا أن هذا تغير مع الوقت، كما انضاف إليه عوامل أخرى قوضت دولتهم
    أهمية دراسة الحروب الصليبية
قصة الحروب الصليبية من أهم الموضوعات التاريخية التي يجب أن نهتم بدراستها؛ لأن دراستها حتمية لفهم كثير من الأمور، سواء في التاريخ أو في الواقع، وهذا يرجع إلى عدة أسباب، منها مدى التشابه العجيب بين التاريخ والواقع، ومن خلالها نبين الحقائق ونكشف التزوير الذي لحق بتاريخ الأمة الإسلامية
  الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلافة العثمانية والأندلس
كانت الحروب مستمرة في غرب العالم الإسلامي بين مسلمي الأندلس والدول النصرانية الغربية، وكان الصراع سجالا بين الطرفين، ومع ظهور الخلافة العثمانية رجحت كفة المسلمين، وفتحت القسطنطينية، ثم ما لبثت الدول النصرانية أن اجتمعت كلمتها على المسلمين، فضاعت الأندلس من ناحية، وتساقطت بلاد الشرق الإسلامي من ناحية أخرى
 الصراع بين النصرانية والإسلام في بلاد المشرق الإسلامي
الصراع بين النصرانية والإسلام قديم قدم ظهور الإسلام نفسه، وكان رسول الله أول من وقف أمام محاولاتهم الصليبية في غزوتي مؤتة وتبوك، ثم تطور الصراع في عهد الخلفاء الراشدين، وزاد اشتدادا نتيجة التوسع الإسلامي في عهد الخلافة الأموية، وكان النصر حليفا للمسلمين، وما لبث هذا النصر أن يكون في كفة النصارى خاصة بعد تفكك العالم الإسلامي إلى دويلات متصارعة
  دولة السلاجقة قبيل الحروب الصليبية
ظهرت دولة السلاجقة في أوائل القرن الخامس الهجري كقوة كبرى في العالم الإسلامي منافسة للسيطرة الشيعية على الخلافة العباسية، وكان للسلاجقة دور كبير في استقرار العالم الإسلامي حينا، ولكن سرعان ما كانت الفرقة بين أبناء ألب أرسلان؛ مما أضعف دولتهم وبالتالي كانت الحركة الصليبية نتيجة لهذا الضعف والتفرق

    العالم الإسلامي قبيل الحروب الصليبية
شهد العالم الإسلامي في القرنين الرابع والخامس الهجريين مراحل ضعف وغياب لدور الخلافة العباسية، حيث ظهرت السيطرة الشيعية على معظم العالم الإسلامي، متمثلة في قيام دولة بني بويه والعبيديين والقرامطة، كما ظهرت دولة الأتراك السنية المتمثلة في السلاجقة والغزنويين
 مصر وبلاد المغرب العربي والأندلس قبيل الحروب الصليبية
لم يكن الوضع في مصر وبلاد المغربي العربي والأندلس بأحسن حال من بلاد الشام والعراق، فقد كانت مصر في هذه الأثناء تحت حكم العبيديين الشيعة، الذين انقسموا إلى طائفتين مستعلية ونزارية، كما كانت بلاد الهند وأفغانستان تحت يد الغزنويين وكانوا في ضعف، أما بلاد الأندلس فكان المرابطون فيها منشغلين بصد هجمات الصليبيين من إسبانيا وفرنسا
    الدافع الديني للحروب الصليبية
كانت الحروب الصليبية نتيجة لمجموعة من الدوافع تعطي صورة الحياة التي كانت تعيشها أوربا في ذلك الوقت، ويأتي الدافع الديني على رأس هذه الدوافع؛ نتيجة لما كانت تلعبه الكنيسة من سيطرة على الأوضاع في أوربا، وكان يساعدهم في ذلك السطحية والجهل عند معظم شعوب أوربا
  الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحروب الصليبية
كانت الحروب الصليبية نتيجة مجموعة من الدوافع، فضلا عن الدافع الديني، كانت الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغريبة عاشت أوربا في تمزق وتشرذم، كما كانت تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، وكان الفلاحون في أوربا يعانون بطش أمراء الإقطاع، ولم يكن للفلاحين أدنى حقوق
البابا أوربان الثاني شخصية الحرب الصليبية
البابا أوربان الثاني الشخصية الدافعة الأولى والمؤثرة في الحروب الصليبية، الذي تولى الكرسي البابوي في روما إحدى عشرة سنة، وكان هو الآخذ لقرار الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي، حيث استغل فرصة استنجاد الإمبراطور البيزنطي في حربه ضد السلاجقة، فكانت دعوته للمجمع الكنسي في كليرمون الفرنسية
  مجمع كليرمون.. خطبة أوربان الثاني ونتائجها
قرر البابا أوربان الثاني أن يعقد مؤتمره الجامع في مدينة كليرمون، وخطب البابا أوربان الثاني خطبة طويلة عصماء، استخدم فيها كل مؤثرات الإقناع، مما كان لها بعيد الأثر في الجموع الغفيرة، وخاصة العامة منهم، وقامت ثورة في فرنسا كانت النواة الأولى لحملة العامة التي قادها بطرس الناسك
    بواعث الحملة الصليبية ضد العالم الإسلامي
كانت هناك مجموعة من البواعث والأسباب للحملة الصليبية التي انطلقت من أوربا لغزو العالم الإسلامي من خلال القسطنطينية، وكان الباعث الذي لعب عليه أوربان الثاني هو الباعث الديني، إضافة إلى أن البواعث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لعبت دورا مهما في تحرك هذه الجموع الغفيرة
 القضاء على حملات الدعاة
التقت الجموع الصليبية بقيادة والتر المفلس وبطرس الناسك في القسطنطينية، وما لبثت هذه الجموع أن أنكررت الفساد في القرى والضِّياع المحيطة بالقسطنطينية، مما دفع الإمبراطور البيزنطي إلى سرعة نقل هذه الجموع المفسدة عبر مضيق البسفور؛ لتكون نهايتهم المأساوية على يد السلطان قلج أرسلان
   الإعداد العسكري للحملة الصليبية الأولى
لم تجتمع كلمة الصليبيين في زمن من الأزمان إلا في زمن الحروب الصليبية، فها هي الجيوش الصليبية تجمع نفسها؛ للانقضاء على المشرق الإسلامي، وبالنظر إلى هذه الجيوش التي كوَّنت الحملة الصليبية الأولى نجد أنها عبارة عن خمسة جيوش مستقلة، ولكل أمير من أمرائها لها مطامعه الخاصة التي يسعى لتحقيقها
  الجيوش الصليبية في آسيا الصغرى
تحركت الجيوش الصليبية الخمسة تجاه آسيا الصغرى مرورا بالإمبراطورية البيزنطية، ولم يصل منها إلا أربعة فقد هلك أولهم في عاصفة بحرية، وكان لكل أمير من أمراء هذه الجيوش موقف مع ألكسيوس كومنين، الذي أصر على أن يقسم كل أمير له بالطاعة والولاء
    الصدام مع السلاجقة الروم
اجتمعت الجيوش الصليبية وتوجهت صوب مدينة نيقية عاصمة دولة قلج أرسلان السلجوقي، كان لا بد لهم من إسقاطها لما لها من أهمية إستراتيجية ستؤثر إيجابا أو سلبا على تحركات الجيوش، وضرب الصليبيون الحصار على المدينة،
  سقوط نيقية.. الأسباب والنتائج
هناك مجموعة من الأسباب التي أدت إلى سقوط مدينة نيقية بهذه الصورة في يد الصليبيين، أهمها غياب التوجه الإسلامي والحميَّة الدينية عند المقاتلين المسلمين، ومنها تجاهل العالم الإسلامي لما يحدث للمسلمين هناك، وقد ترتب على هذا السقوط مجموعة من الآثار والنتائج على الصعيدين الصليبي والإسلامي
    الجيوش الصليبية بعد نيقية
بعد هزيمة قلج أرسلان في نيقية اتخذ من مدينة قونية عاصمة جديدة له، وعلى الفور تحركت الجيوش الصليبية نحو العاصمة الجديدة، وانقسموا إلى نصفين، الأول بقيادة بوهيموند والثاني بقيادة ريمون الرابع، وهناك التقت الجيوش الصليبية مع جيوش قلج أرسلان وغازي بن الدانشمند في معركة عرفت بمعركة دوريليوم
  مدينة أنطاكية.. أهميتها ومكانتها
تعد مدينة أنطاكية من أهم المدن في منطقة الشام وآسيا الصغرى، بل لا نبالغ إن قلنا: إنها كانت من أهم مدن العالم القديم بأسره، وذلك لمميزات خاصة تفوقت بها هذه المدينة على غيرها، إذ هي مدينة دينية من الطراز الأول، كما أنها تعد من أهم المراكز الاقتصادية في المنطقة
مدينة أنطاكية مدينة عريقة دينيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي فهي تمثل أهمية كبرى للصليبيين، فكانت خطوتهم هي إسقاطها، وكان يحكمها ياغي سيان، ومع أنه كان سياسيا بارعا إلا أنه كان ذا نزعة شخصية، وكانت علاقته بحاكم حلب ودمشق غير جيدة، وكان ذلك سببا مباشرا في سقوط المدينة
 سقوط أنطاكية
سقوط أنطاكية كان مأساة حقيقية، وحدثا مروعا هز العالم الإسلامي بأسره، كما هز العالم المسيحي، وهذا السقوط لم يكن لقوة الصليبيين بقدر ما كان بضعف المسلمين، وتفرق كلمتهم وتوحدهم على غير الدين والجهاد، وهذا الذي لعب عليه بوهيموند القائد الصليبي المحنك
   














نشأة الدولة العثمانية
نبذة عن أصل الأتراك وكيف نشأت الدولة العثمانية واستعراض تاريخهم قبل الإسلام، وموقعهم على خريطة الأحداث الإسلامية منذ ظهورهم في عهد المعتصم العباسي وحتى تطورهم إلى دول كبرى ذات أمجاد إسلامية خالدة مثل السلاجقة، وكيف تحولوا من أصل موطنهم في أواسط آسيا إلى أن استقروا في آسيا الصغرى
  الدولة العثمانية.. التأسيس والبدايات
عثمان الأول يؤسس الدولة العثمانية بعد انهيار إمارة القرمان أمام المغول، ويبدأ في دعوة أمراء آسيا الصغرى إلى الإسلام، ثم يخلفه ولده السلطان أورخان فيبدأ في توسيع الدولة لتصير دولة قوية مرهوبة الجانب، حتى إن إمبراطورية بيزنطة تستعين به، ويبتكر نظام الإنكشارية الذي حمى أطفال الحرب من الضياع وأمد الدولة بقوة متجددة
    عهد مراد الأول

تولى السلطان مراد الأول الحكم بعد وفاة أبيه السلطان أورخان، فكان خير خلف لخير سلف، إذا استمر في الجهاد وتوسيع حدود الدولة العثمانية واستمر في فتوحاته الأوربية وتوحيد جبهة الأناضول الإسلامية، حتى حوصرت القسطنطينية بالعثمانيين من كل جانب، فمهد بذلك لفتح القسطنطينية الخالد
  عهد السلطان بايزيد الصاعقة

السلطان بايزيد الأول يتولى الحكم في الدولة العثمانية ويواصل صنيع من سبقوه ويبدي بسالة وكفاءة نادرة حتى يلقب بالصاعقة، وهو أول سلطان عثماني يحاصر القسطنطينية ويوشك أن يفتحها، لكن يفاجئه ظهور تيمورلنك الذي هاجم الدولة العثمانية وانتصر عليها وأسر بايزيد نفسه، ولكن سرعان ما استطاع ابنه محمد إعادة لم شتات الدولة المهزومة


    عهد السلطان مراد الثاني
استطاع السلطان محمد الأول بن بايزيد الصاعقة أن يعيد تنظيم الدولة العثمانية بعد تشتتها، وأن يقضي على حركات الخيانة فيها، ثم خلفه ابنه السلطان مراد الثاني الذي واصل توحيد الدولة وتقويتها وخاض حروبا مجيدة مع المنشقين والنصارى في أوربا، وحاصر القسطنطينية، وحاول ترك الحكم مرتين
  محمد الفاتح وفتح القسطنطينية
لقد ظفر السلطان محمد الفاتح بشرف فتح القسطنطينية بعد ثمانية قرون من بشارة النبي صلى الله عليه وسلم به، واستحق أن يكون "نعم الأمير" وأن يكون جيشه "نعم الجيش"، فانتهت بذلك الدولة البيزنطية بعد 11 قرنا من الوجود، و8 قرون من العداوة والحرب مع المسلمين. وواصل الفاتح جهاده في أوربا، حتى دخل الإسلام الجزء الشرقي منها بل كاد يفتح روما أيضا
    عهد سليم الأول
استطاع سليم الأول بعد محاولات الانقلاب على أبيه بايزيد الثاني، ثم بدأ في محاولة توحيد الدول الإسلامية، وأبدى قدرة عسكرية وقسوة بالغة، واستطاع هزيمة الصفويين في جالديران ثم الاستيلاء على الشام ومصر وإنهاء دولة المماليك، ثم تنازل له الخليفة العباسي الأخير "المتوكل" عن الخلافة، فأسس بهذا الخلافة العثمانية
  عهد سليمان القانوني
بعد وفاة الخليفة العثماني الأول تولى ابنه سليمان الأول عرش الخلافة العثمانية، وعاشت الدولة العثمانية عصرها الأقوى في عهد سليمان الذي عرف بسليمان القانوني، بلغت الدولة في عهده أقصى اتساعها ونهضت على مستوى التنظيم واستمرت في الفتوح في أوربا وضم البلاد الإسلامية إليها، وفي عهده بذرت بذور سقوط الدولة القوية
    عهدي سليم الثاني ومراد الثالث
بعد وفاة الخليفة العثماني سليمان القانوني تولى ابنه سليم من زوجته الروسية روكسلان الخلافة بعد المكائد التي دبرتها لذلك، وبدأ منذ ذلك الحين التحول الخطير في البلاط العثماني، إذ أصبح الصدر الأعظم هو الحاكم الفعلي للبلاد وخلد الخلفاء إلى الدعة والراحة، وقد كان من حسن الحظ وجود محمد الصقلي الذي حفظ مكانة الدولة
  العثمانيون في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري
استعراض لحال الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري، والتي تولى الخلافة فيها محمد الثالث، ثم أحمد الأول، ثم مصطفي الأول، ثم عثمان الثاني، ثم مراد الرابع، وهي فترة تاريخية كثرت فيها الثورات المحلية على الدولة العثمانية ووافقت اختفاء الخلفاء العظام، ولكن الدولة ظلت محتفظة بقدرتها على الردع والسيطرة
    العثمانيون في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري
استعراض لحال الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، وهي الفترة التي لم يقض فيها الخليفة إبراهيم الأول إلا ثماني سنوات ثم عزلته الإنكشارية، ونصبت مكانه ابنه محمد الرابع، وظهر في عهده الصدر الأعظم محمد كوبريللي ثم ابنه أحمد، وقد كان لهما الفضل في الانتصارات والفتوحات التي تحققت للدولة ولكن إلى حين
  العثمانيون في القرن الثاني عشر الهجري
يستعرض المقال الأحوال التي آلت إليها الخلافة العثمانية في القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، وكيف كانت الدولة تواجه الكثير من الأعداء، فهي تواجه روسيا في الشرق التي اعتبرت نفسها حامية حمى الأرثوذكسية بعد سقوط القسطنطينية، وفي الغرب تواجه أوربا وخصوصا النمسا، وفي الجنوب تواجه الصفويين، وتمردات داخلية أخرى
    العثمانيون في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري
تسارعت الأحداث وتكاثرت في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، فلقد استمرت الحروب مع روسيا وفرنسا وإنجلترا، وصارت الأحلاف تتبدل سريعا، وقامت الثورة الفرنسية، ودخلت الحملة الفرنسية مصر والشام، وقامت الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، واستقل محمد علي بمصر، واستقلت اليونان عن الدولة العثمانية
الدولة العثمانية في مرضها الأخير
تواصلت مرحلة الضعف التي وصلت إليها الدولة العثمانية، وتكاثر عليها الأعداء من الخارج والثوار من الداخل، وأصبحت الضعيف بين الأقوياء، وأصبح ضعفها مغريا للتدخل في شئونها وإجبارها على المعاهدات والاتفاقيات التي تزيد من النفوذ الأجنبي في داخل أراضيها، وبدا في هذا الوقت أنها غير قادرة على حماية نفسها من أن يتقاسمها الأقوياء
    عهد الخليفة عبد الحميد الثاني
بدا الخليفة عبد الحميد الثاني وكأنه سيجدد شباب الدولة العثمانية بعد رحلتها المرضية التي طالت، ولكن كان لاجتماع أوربا على الدولة العثمانية نصيب السبق، وتوالى سقوط الولايات العثمانية تحت الاحتلال، وأدخل الدستور بديلا عن الشريعة، وعزل عبد الحميد الثاني وسيطر رجال حزب الاتحاد والترقي على مقاليد الحكم في الدولة
 سقوط الدولة العثمانية
انهارت الدولة العثمانية العظيمة التي جددت شباب الإسلام لستة قرون وفتحت القسطنطينية، وسيطر رجال حزب الاتحاد والترقي على الحكم، فأعادوا البلاد قرونا إلى الوراء وألبسوها ثياب الذل والهزيمة، وظهر مصطفى كمال ليكون الحلقة الأبشع والأعنف والأخيرة في ضرب الدولة العثمانية، وإلغاء الخلافة العثمانية، والخلافة الإسلامية كلها
قصة المأساة التي عاشها العالم الإسلامي نتيجة الاحتلال الصليبي الحديث على يد دول أوروبا، وبيان تخبط الدول الإسلامية وسياسة الاستعمار نحو محو الهوية الإسلامية من البلاد







الحكم الجبري
1.    وصف الحكم الجبري
لقد تناول فترة الحكم الجبري العديد من الكتاب والمفكرين اخترنا منهم مقالا للدكتور محمد بن عبد الله الشباني يصف فيه الحكم الجبري نعرضه لكم بتصريف يسير منا فيقول:
إن الحكم الجبري هو المرحلة الرابعة التي حددها الرسول عليه الصلاة والسلام لمسيرة الأمة الإسلامية هي مرحلة الملك الجبري وهي الفترة التي نعيشها، والتي ستعقبها مرحلة الخلافة التي على منهاج النبوة حيث تنغلق دائرة الدورة التاريخية لِلأمة الإسلامية، ويبدأ العد التنازلي لنهاية العالم .
الحكم على الفترة المعاصرة بأنها مرحلة الملك الجبري التي تتميز بتعطيل أحكام الشريعة الإسلامية، بجانب الظلم والاستبداد وقد اخبر النبي عليه الصلاة والسلام في عدة أحاديث عن سمات هذه المرحلة وذلك بالخروج على أحكام الإسلام وقيمه وتعاليمه
، فقد روى الدارمى في سننه عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير )
قال ابن الأثير في النهاية عن الملك الأعفر هو ملك يساس بالمكر والدهاء ،
وفي رواية أخرى عن أبي داود الطيالسي والطبراني عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشنى رضي الله عنه عن أبي عبيد بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافه ورحمة وكائنا ملكا عضوضاً وكائنا جبرية وفساداً في الأرض يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون حتى يلقوا الله ).
وقد أوضح هذا الحديث الصفة الملازمة للمرحلة الجبرية بأنها تلك المرحلة التي تتصف بالظلم والخروج على تعاليم الإسلام في الحكم وفي التشريع، أي إحلالا لتشريعات الكفرية محل التشريع الإسلامي، بجانب ما يتصف به هؤلاء الحكام من تعسف وظلم واستبداد مع تمكنهم من السيطرة واستمرار الحكم. واقع الأنظمة والتشريعات التي يتم التحاكم لها هي أحكام مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ومعطلة لها وقد شملت تلك التغيرات أحكام الأحوال الشخصية بل وصل الأمر إلى إلزام الدول بالتوقيع على وثيقة ما يعرف بالتميز ضد المرأة والالتزام بتعديل الأحكام والأنظمة التي تتعارض مع هذه الوثيقة التي قامت على هدم بناء الأسرة بهدم الأحكام التي أوجبها الإسلام فيما يتعلق بنظام الأسرة وحقوقها.
تتميز هذه المرحلة من مراحل مسيرة الأمة الإسلامية كما اخبر عنها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفات تميز طبيعة الحكم الجبري عن غيره من أنواع الحكم التي مرت بالأمة الإسلامية ويمكن إيجازها في الأمور التالية:-
1 - الكذب واستمراؤه والطلب من الناس تصديق الحكام فيما يدعونه من كذب فقد روى الإمام احمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة ( أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدى لا يهتدون بهدى ولا يستنون بسنني من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منى ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاؤلئك منى وأنا منهم وسيردون على حوضي )
 كما روى البخاري في الكني والطبراني عن أبي سلامة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبون ويعملون ويسئون العمل لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزا فمن قتل على ذلك فهو شهيد ).
2 - التسلط المطلق وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين والحق ما منحوه وليس لأحد حق إلا ما وافقوا عليه فقد روى الحاكم في مستدركه موقوفا عن حذيفة رضي الله عنه انه قال ( لا تزالون بخير ما لم يكن عليكم أمراء لا يرون لكم حقا إلا إذا شاءوا ).
3 - التشدق بالكلام والتحلي بالحكمة والمعرفة فكلامهم وخطبهم في غاية الإتقان والحكمة فتجد الحاكم إذا تحدث وتكلم وناقش أي أمر من الأمور تحسبه ملما بكل شيء عالم بكل شيء ومدركا لجميع الأمور لكن تعاملهم مع الناس والأحداث بخلاف ما يظهر على ألسنتهم.فقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سيكون بعدى أئمة يعطون الحكمة على منابرهم فإذا نزلوا نزعت عنهم وأجسادهم أشر من الجيف ).
4 - فساد البيئة الإدارية لأنظمة الحكم في هذه المرحلة حيث يتصف أعوان هؤلاء الحكام بصفات تساعد في إفساد البيئة الإدارية واستشراء الظلم فقد روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزارء فسقه وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكون لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا ).
كما روى البزار عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة وأمناء خونة وفقهاء فسقة سمتهم سمة الرهبان وليس لهم رعية أو قالزغه وقال زعة فيلبسهم الله فتنة غبراء أو مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم ).
المتأمل لهذه الصفات التي تتصف بها المرحلة الجبرية يجدها في واقعنا المعاش فلا تلتفت حولك يمنا ولا شمالا إلا وتجد هذه الصفات التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام فهي الصفات الغالبة على أنظمة الحكم في العالم الإسلامي مما يؤكد أننا في نهاية المرحلة الجبرية وسيعقبها المرحلة التي على منهاج النبوة وهذه المرحلة لم يرد ما يوضح المدى الزمني لها.
 وهل هذه المرحلة تمر زمنيا كما مرت بها مرحلة الخلافة الأولى ولكن الأحاديث أشارت بشكل واضح إلى أن جزء من مرحلة الخلافة على منهاج النبوة في آخر الزمان سيتولى المهدي قيادتها وسوف يقوم بمحاربة الدجال وسيكون من إكرام الله له أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وهو قائد للمسلمين على القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .وهذه الفترة ستكون اشد فترات الخلافة الإسلامية وأصعبها حين يصل الأمر إلى حصار الدجال وإتباعه في بيت المقدس والتي تمثل عاصمة الخلافة الإسلامية
كما اخبر عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث سيتسلم عيسى عليه السلام قيادة الأمة الإسلامية من المهدي. إن السؤال الذي يطرح دائما لدى كثير من الناس هل عودة الخلافة على منهاج النبوة مرتبط فقط بالمهدي أي أن بدء الخلافة تبدأ بالمهدي الذي تواترت الأحاديث بخروجه أخر الزمان وتنتهي بتسلم عيسى عليه السلام لها بحيث أنها الفترة الوحيدة .
وقــد وردت بعض الأحاديث التي حددت مدة المهدي بتسع سنوات، أم أن المهدي يأتي في أخر السلسلة في مرحلة الخلافة قبل نزول عيسى عليه السلام وبالتالي فان مرحلة الخلافة التي على منهاج النبوة ستدوم فترة زمنية قد لا تقل عن فترة الخلافة في عهدها الأول بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام والتي بقيت ثلاثين عاما،
وهل ستعــود الخلافة متدرجة من الملك الجبري إلى كمال الخلافة في عهد المهدي؟ إن الأحاديث الواردة حول أخبار المهدي والذي سيكون هو أخر أمراء الدولة الإسلامية تشير إلى أن الخلافة على منهاج النبوة ستمتد فترة زمنية معينة قد تطول أو تقصر ويكون المهدي الذي يحارب الدجال هو المهدي الذي أشارت إليه الأحاديث
 وان مرحلة العودة إلى الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة قد تكون متدرجة ويحصل فيها هزات عنيفة تبدأ بالمسيرة بالعودة إلى شرع الله من خلال الحكم الشورى، وظهور حكام يعيدون لِلأمة الإسلامية موقعها ويتم تطبيق شرع الله خلال حكمهم وتنتهي هذه المرحلة أي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة بالمهدي الذي سيكون آخر ولاة المسلمين فتنتهي عندئذ الخلافة بمثل ما انتهت إليه الخلافة الأولى بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن الذي سيخلف المهدي في هذه المرحلة هو عيسى عليه السلام
   


الاحتلال الأوربي
والسبب وراء الحكم الجبري الذي حل بالأمة الإسلامية هو تدخل اليهود والنصارى في شئون أمتنا وتنازل حكامنا لهم وإنصاتهم لهم والعمل برأيهم ومشورتهم ظانين انهم أكثر عقلا وحكمة من الدين ومن القرآن والسنة ولا حول ولا قوة إلا بالله فكانت النتيجة وبالا على الحكام وعلينا فانقسمت الأمة وأصبحت دويلات بل وأصبح بين بعض الدول نزاع وشقاق بل وعجزت الدول الإسلامية عن  مساعدة أخواتها وقت المحن حتى استطاع الاحتلال الأوروبي سرقة أراضينا واغتصابها أمام أعيننا .
  واليك عزيزي القارئ نبذة سريعة عن فترات الاحتلال حتى تعرف السبب الذي أوصلنا إلى الحكم الجبري والذي ندعوا الله تعالى أن يخلصنا منها وان يطيل في أعمارنا حتى نشهد الحكم على منهاج النبوة
فقد عانى العالم الإسلامي كل أنواع الإحتلال التي يأتي في مقدمتها الاستعمار السياسي، وهو قدرة إحدى الدول على بسط نفوذها على دولة أخرى بدون الاستخدام الفعلي للقوة أو إخضاعها للاحتلال المباشر. كما عانى العالم الإسلامي بشدَّة من نوع آخر من الاستعمار وهو الاستعمار الاقتصادي
  دوافع احتلال العالم الإسلامي
عرف العالم الإنساني الاستعمار منذ القِدَم على يد الحضارة الفرعونية والرومانية، وغيرهما من الحضارات على مَرِّ التاريخ، وقد كانت أبرز القوى الاستعمارية التي عانى منها العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر هي بريطانيا وفرنسا، وكانت بريطانيا  هي أكبر القوى المؤثرة في ذلك الوقت
    الضعف واستعمار العالم الإسلامي
الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي في عصرنا الحديث، تعود إلى أوائل القرن السادس عشر، عندما سيطرت البرتغال على الشواطئ الغربية للهند، ولكن السيطرة البرتغالية بدأت تنهار تحت ضربات بريطانيا وفرنسا الهادفة لكسر هذا الاحتكار البرتغالي لخطوط الملاحة البحرية إلى الهند
  الأطماع الاستعمارية في الشمال الإفريقي
بحلول عام 1875م كانت أهم دولتيْن أوربيتين مسيطرتين على الوضع في شمال قارة إفريقيا هما فرنسا التي كانت تسيطر على الجزائر، إضافةً إلى سيطرة بريطانيا الاقتصادية على مصر، ثم ما لبثت فرنسا وسارعت في وضع يدها على تونس، وذلك بعد ضعف دولة الخلافة
    سياسات الاستعمار في البلاد الإسلامية
العالم الإسلامي مرَّ بتجربة احتلالية قاسية، وبنظرة تحليلية يتبين لنا أنَّ كل دولة استعمارية كان لها سياستها الخاصة التي طبقتها على الدول التي خضعت لسيطرتها، وقد عانى العالم الإسلامي بأثره من كل أنواع الاستعمار والظلم، والتي يأتي في مقدمتها الاستعمار السياسي
  تخبط الدول الإسلامية
لقد عانت الدول الإسلامية من التخطيط غير السليم والتخبط مما مهَّد الطريق أمام الاستعمار الثقافي له، ونظرًا لغياب الاستراتيجية الشاملة التي تحدِّد نوعية الأجيال المراد تنشئتها، فإنَّ وسائل التنشئة الاجتماعية في هذه الدول أصبحت أداةً لنقل الثقافة الأجنبية إلى مجتمعاتها







قصة الإسلام في الهند
لسنا نقصد بالهند هنا دولة الهند المعروفة الآن، وإنما نقصد هذه البلاد الشاسعة التي نعرفها الآن باسم شبه القارة الهندية، والتي منها الآن باكستان، والهند، وسيريلانكا، والمالديف، وبنجلاديش، وسيلان، ونيبال، وبوتان، كل هذه البلاد كان يحكمها الإسلام، وكان اسمها جميعًا الهند، 
  الهند في عهد دول الخلافة المختلفة
رغم بعد الهند عن الجزيرة العربية إلا أن هذا لم يمنع رسول الله من دعوة ملوكها للإسلام، وبالفعل بدأ دخول الإسلام إلى الهند من عهد الرسول، واستمر بعد ذلك، يضعف حينًا ويشتد حينًا حتى عصر عبد الملك بن مروان، حينما ولى الحجاج بن يوسف الثقفي أمر الشرق،
   الدول الإسلامية المستقلة في الهند
ضعفت دولة الخلافة العباسية مع مرور الوقت، وضعفت معهم الأمة، وبدأ الحكام الأقوياء يسيطرون على ما تحت أيديهم ويضمون إليه ما يستطيعون، وكانت الهند إحدى الولايات التي شهدت هذه الأمور، فاستقل بها الغزنويون فترة ثم الغوريون، ثم المماليك،
  الدول الإسلامية المستقلة في الهند
بعد زوال حكم المماليك عن الهند بدأت فترة حاسمة في تاريخ الإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية؛ حيث تفكَّكَت إلى ستِّ دُول ذات سيادة مستقلَّة؛ منها دولة السادات التي أسَّسها حاكم لاهور، وكانت دولة ضعيفة، لذلك لم تصمد كثيرًا فتتابعت بعدها الدول،
    الاحتلال البريطاني للهند
لم يكن بين الهند الإسلامية وانجلترا عداء تاريخيّ أو حدود مشتركة، أو أي شيء قد يدفع دولة للاعتداء على أخرى، ولكن وكعادة هذه الدول الدنيوية الجشعة، وجدت إنجلترا عند الهند موارد كثيرة ووجدت أنها أحق بهذه الموارد من أصحابها، فاحتلتها بخبثها المعهود.
  مشكلات المسلمين في الهند
عرفت بريطانيا أن لا مجال لبقائها عسكريًّا في الهند وغيرها من البلاد المستعمرة، فعملت على إثارة الفتن والنزاعات في هذه البلاد، فنسي الهندوس- نتيجة دعايات المستعمر المستمرة- رحمة المسلمين بهم، وعدلهم وبرهم، وأبوَا إلا استئصالهم،
التعريف بمنطقة وسط آسيا وبلاد القوقاز
لآسيا الوسطى وبلاد القوقاز مكانة كبيرة في التاريخ الإسلامي؛ فهي مهد علمٍ وموطن علماء، وما زال يشهد لتلك المكانة أسماء المدن التاريخيَّة العظيمة التي غدت منارات إشعاع ثقافي في العالم أجمع، مثل: سمرقند، وبُخارَى، وخوارزم، وترمذ، وغيرها، ونحن هنا نعرف هذه البلاد تعريفً موجزًا.
  الفتح الإسلامي لآسيا الوسطى والقوقاز
بدأ الفتح الإسلامي لآسيا الوسطى وبلاد القوقاز في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، على يد القائد المسلم الأحنف بن قيس التميمي، وقد تواصلت الفتوح في عهد عثمان بن عفان، غير أنها توقفت قليلًا بسبب الفتن، ثم عادت بقوة في عهد الأمويين والعباسيين،
    انتشار الإسلام في وسط آسيا وبلاد القوقاز
اتخذ السامنيون من بخارى عاصمة لهم؛ لذلك كان من المتوقع أن يكثّفوا جهودهم لنشر الإسلام في هذه البلاد، ثم سار الأتراك السلاجقة على نهجهم في نشر الإسلام، وقد تلاهم في هذا الدور التتار الذين أسلموا، القبيلة الذهبية، إلى أن سيطرت الدولة العثمانية على هذا البلاد،
  آسيا الوسطى والقوقاز تحت الاستعمار الروسي
كانت الخلافة العثمانية في هذا الوقت قد وصلت إلى حالة من الضعف جعلتها لا تستطيع حماية المسلمين المستضعفين في القوقاز ووسط آسيا، فتكالب عليهم الأعداء من كل جانب طمعًا في أرضهم وثرواتهم، وتحويلهم عن دينهم،


    العدوان الشيوعي على المسلمين ومراحله
بالرغم من أن من قاموا بالثورة البلشفية كانوا يشكون ظلم القياصرة لهم، ولأبنائهم وأهليهم، إلا أنهم لم يتعلموا من أخطاء القياصرة، أو حتى لم يتورعوا عن الوقوع في الظلم الذي ذاقوا مرارته، بل كانوا أشد وطأة على الضعفاء، فأثبتوا أن الكفر ملة واحدة،
  استقلال جمهوريات وسط آسيا وبلاد القوقاز
لم يكن ما فعله السوفيت في بلادهم وفي البلاد التي استولوا عليها إلا خطأ كبيرًا، أحسوا به عندما ظهرت سلبيات كل ما فعلوا ماثلة أمام أعينهم، ولم يستطيعوا ساعتها تدارك الأمر؛ لأن الأساس الذي قام عليه كان خطأ، وأي خطأ!

















انتشار الإسلام في أفريقيا
عندما نتحدث عن غرب إفريقيا فنحن في الواقع نتحدث عن إقليم كبير يشغل مساحة شاسعة من الأرض؛ إذ يشتمل على خمسَ عشرةَ دولة، ويُعَدُّ الإسلام الدين الرسمي لأغلبية السكان البالغ عددهم -حاليًّا- ما يزيد على مائتي مليون وخمسة ملايين نسمة،
  قصة الإسلام في بلاد المغرب
بلاد المغرب هي المناطق التي تمتد من الحدود الغربية لمصر وحتى شواطئ المحيط الأطلسي، سكنها البربر وسيطر عليها البيزنطيون، ومن ثم احتل الرومان بلاد المغرب، ثم جاء الإسلام وتم الفتح في عصر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده، وكان لفتنة عثمان بن عفان رضي الله عنه أثر في مواصلة الفتح
    جهود المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا
تعتبر دولة المرابطين في التاريخ المغربي أول جماعة مغربية تنشئ دولة كبرى كان لها الدور التاريخي في مجموعة من الأحداث، وكان من هذه الأحداث أن اضطلعت بنشر الإسلام في المغرب العربي وبلاد أفريقيا، وبخاصة في غرب أفريقيا، حيث جعلها الله سببًا في إسلام الكثيرين،
  الإسلام في غانا
من المعروف أن العرب في القرن الثامن الميلادي قد وصلوا إلى شمال إفريقيا، ونشروا الإسلام فيه، وقد قام العرب بعد ذلك بعدة غزوات لأرض غانا، ورغم أن أغلب هذه الغزوات لم تنجح إلا أنها تركت بصماتها على تلك القبائل؛ مما هيأهم للدخول في الإسلام بعد ذلك،
 قصة الإسلام في مالي وإمبراطورية السونغاي
مالي باللغة الماندية معناها: حيث يعيش الملك، وكان الدِّين الرسمي لتلك الدولة الجديدة هو الإسلام، ويرجع السبب في اعتناق جميع قبائل المانديك للدين الإسلامي، إلى اعتناقهم وإيمانهم المطلق بتعاليم المرابطين،

 
  الحركات الإسلامية الإصلاحية في غرب أفريقيا
بَعُدَ العهد بالإسلام بين المسلمين في غرب إفريقيا، ومن ثَمَّ انتشرت بينهم الخرافات والبدع والضلالات المتنوعة؛ ولأن الله حافظٌ دينه، فقد أرسل مَن يُجدِّد الدين في هذه البلاد، وذلك من خلال عدة حركات إسلامية قادها عدد من العلماء المجاهدين.
    مشاكل المسلمين في غرب أفريقيا
يبقى أن نعلم أن المسلمين في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة يُواجهون مصاعب جَمَّة، وتحدِّيات كبيرة؛ منها: التنصير، والحرمان من خيرات بلادهم، والتضييق عليهم في التعليم وفي فُرَص تولِّي المناصب الكبرى، ويَصِل الأمر إلى التعذيب والقتل،
  العلاقات القديمة بين العرب وشرق أفريقيا
كان السبئيون أول الشعوب العربية التي أتت إلى الساحل الشرقي لإفريقيا بغرض التجارة لا الغزو، وعلى الرغم من أنهم وفدوا في أعداد قليلة إلا أنهم داوموا في تجارتهم، واختلطوا بأهل الساحل، وتزوَّجوا منهم، وأقاموا محطات تجارية،
    انتشار الإسلام في شرق أفريقيا
كان من أهمِّ أسباب انتشار الإسلام عَبْر ربوع إفريقيا بساطة تعاليمه، وسهولة فَهْمه، ويُسْرُ الدعوة إليه، فكلُّ مسلم يُعْتَبَر داعية، فلا توجد تعقيدات كهنوتية كما في المسيحية، وما يكتنفها من غموض، مما يجعلها صعبة الفَهم بالنسبة للإفريقي،
  الاحتلال الأوربي لشرق أفريقيا
بدأت الصليبية العالمية في التحرك عقب سقوط الأندلس عام 1492م، فتوحَّدت كل القوى الصليبية بمباركة البابوية، والهدف هو تَعَقُّب المسلمين، والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الإفريقي، ترتَّب على ذلك أن قامت الحملات الاستعمارية المتتالية لتطويق المسلمين،
    الاستعمار في الصومال وجيبوتي
في عام 1899م ظهر في الصومال محمد بن عبد الله حسن الشهير بالمُلاَّ، وقد نادى بالجهاد المقدَّس، واستطاع أن يستقلَّ بالبلاد مدَّة عشرين عامًا، مما ضايق البريطانيين، وأضرَّهم أشدَّ الضرر؛ واضطرهم إلى إخلاء الأقاليم الداخلية من الصومال،
  المسلمون في أثيوبيا وإريتريا
لم تكتف القوى الأوروبية الاستعمارية بأن تضطهد المسلمين في كل مكان استطاعت الوصول إليه، بل عملت على أن تقوم إثيوبيا أيضا بهذا الدور القبيح بدلًا منها، فنراها لا تكتفي بغض الطرف عما تفعله الحكومة الأثيوبية بالمسلمين، بل تعينها على أن تزداد طغيانا،
    المسلمون في تنزانيا وجزر القمر
من الدُّول ذات الأغلبية المسلمة في شرقي إفريقيا، والتي عانت كذلك من ويلات الاستعمار "تنزانيا" فقد كانت تحت سيطرة العُمَانِيِّين، إلا أنه بعد اتفاق برلين 1884م اعْتُبِرَت تنزانيا من أملاك ألمانيا، ثم استطاعت مع الوقت أن تتحرر من الاستعمار،
  الأقليات الإسلامية في شرق أفريقيا
هناك مجموعة من دول شرق إفريقيا يمثل المسلمون فيها أقلِّية، وهم يعانون من الحرمان وسوء المعاملة من قِبَلِ حكوماتهم، والحرب بكل ألوانها، كما يعملون على إضعافهم تمامًا في مواجهة الإرساليات التنصيرية بكل أنواعها، ولكن ومع هذا كله، لا يزال المسلمون ثابتين،




الإسلام في شرق العالم وغربه
   الإسلام في أفغانستان
لم تظهر بلاد أفغانستان كوحدة مستقلة إلا في زمن قريب، لقد كانت طوال تاريخها جزءا من تركستان الغربية، لكن جولات التاريخ التي جعلتها في منطقة وسط بين نفوذ كثير من الممالك أفضت في النهاية إلى تكون دولة أفغانستان التي دخلها الإسلام قديما، وما زال يقطنها شعب هو من أخلص الشعوب وأكثرها جهادا في تاريخ الإسلام
     الإسلام في الهند من الفتح إلى السقوط

منذ عصر الخلافة الأموية بدأت جيوش الفتح الإسلامي في الوصول إلى الهند، وكان فاتح السند محمد بن القاسم الثقفي صاحب الجيش الأول الذي فتح السند، ثم ظهرت في الهند الدول القوية كالغزنويين ثم الغوريين، ثم عاشت الهند تحت حكم سلاطين المغول المسلمين، وما لبث التاريخ أن أخذ دورته حتى سقط المسلمون في الهند بفعل الإنجليز
   المسلمين في الهند
منذ دخل الإنجليز إلى الهند بدأ اضطهاد المسلمين، غير أن الأمر لم يتوقف عند الاضطهاد فقط، بل تطور إلى تقسيم الهند إلى دولتين ثم إلى ثلاثة، حتى تفتت المسلمون في الهند، فصاروا أقلية في الهند تعاني الآن مختلف أنواع التمييز العنصري، وتهدم مساجدهم وتفعل فيهم المذابح، ويعانون كثيرا في باكستان والبنجلاديش، ثم الاحتلال الهندي لكشمير
    الإسلام في إندونيسيا
قد يكون من العسير تحديد متى بدأ دخول الإسلام إندونيسيا، ولكن الكل يعلم كيف دخل الإسلام إندونيسيا، في حين أن الجميع أيضًا يعلمون كيف تنتشر النصرانية الآن في هذه البلاد، وشتان ما بين الطريقتين وأهدافهما .

   الإسلام في بروناي وماليزيا

لم يتوقف الانتشار السلمي للإسلام على إندونيسيا، بل تخطاها إلى بروناي وماليزيا، فصارت أغلبية سكان هذه البلاد من المسلمين، فلما جاء الاحتلال الأوروبي، لم ترض البرتغال عن ذلك، فعملت على محاربة المسلمين والتضييق عليهم في كل شيء،
     الإسلام في تايلاند وفطاني
طرق الإسلام الأرض التايلاندية منذ فترة مبكرة، مثلها مثل بقية دول شرق وجنوب شرق آسيا، فأثَّر تأثيرًا جيدًأ بين أهالي سيام "تايلاند" من البوذيين، وتُعتبر تايلاند في حكم الدولة المستعمرة لأرض فطاني التي كانت بلدًا مسلمًا لفترة طويلة،
   الإسلام في الصين وتركستان الشرقية
دخل الإسلام الصين منذ عصر البعثة النبوية والخلفاء الراشدين، وعاش المسلمون في الصين قرونًا، دون أن يسيئوا لأحد أو يسيء إليهم أحد، حتى إذا جاءت الأسرة المانشورية إلى الحكم بدأت تضطهد المسلمين، ثم جاء الشيوعيون فلم يرحموا أحدًا
     الإسلام في الفلبين وبورما وسنغافورة
وصل الإسلام إلى الفلبين عن طريق التجارة، ولمَّا وَجَد المسلمون الأرض بكرًا وصالحة للدعوة بدأ الدعاة يَفِدون إليها، ثم انتقلوا إلى الجُزُر الوسطى في القرن الخامس، ولم يأت القرن العاشر حتى كانت جزر الفلبين كلها تحت سيطرة إمارات إسلامية، ولكن الأمر الآن اختلف تمامً،
   الإسلام في الهند الصينية
وصل الإسلام إلى منطقة الهند الصينية في القرن الرابع الهجري، أو قبل ذلك بقليل عن طريق التجار المسلمين، وعند الحديث عن منطقة الهند الصينية، والتي تشمل: فيتنام، وكمبوديا، ولاوس، فإن لها قصة مشابهة لما يحدث مع الأقليات في هذه المنطقة،


     الإسلام في جنوب شرق آسيا
إن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام.
     الإسلام في أوربا
طرق الإسلام أبواب قارة أوربا من الجهة الشرقية، وذلك بمحاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية حتى أتم الله عز وجل فتحها على يد محمد الفاتح في عام 857هـ الموافق 1453م، ويعيش المسلمون الآن في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى أخرى،
 
 الإسلام في أمريكا
لم يأتِ المسلمون الأوائل إلى أمريكا لتكون مقرًّا دائمًا لإقامتهم، فقد كانوا يسعون إلى التجارة وجمع المال ثم العودة إلى أوطانهم، ولكن الكثير منهم تحت تأثير النجاح والقدرة على التكيف مع البيئة المحيطة فضَّل الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية،
    قصة الإسلام في مصر
عندما فرغ المسلمون من فتوح الشام، وانتهى عمرو بن العاص من فتح فلسطين، طلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يسير إلى مصر لفتحها، وفتح الله مصر للمسلمين على يد عمرو بن العاص، بعد أن عانى الشعب المصري من الظلم والاضطهاد فترات طويلة؛ لذا رحب بالمسلمين، 
  قصة الإسلام في اليمن
صفحة رائعة من صفحات المجد والعروبة والإسلام.. وقلعة شامخة من قلاع النضال والثورة.. إنها اليمن، العربية السعيدة، صاحبة الجنان والسدود العظام، والتي استحقَّت الذكر في كتاب الله العزيز في أكثر من مناسبة،
تتوالى المحن .. ويبقى الإسلام
العلمانية
مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه, فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما، وتتفق العلمانية مع النصرانية في فصل الدين عن الدولة
النصيرية
النصيرية حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة، أصحابها يعدون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجودا إلهيا في علي بن أبي طالب وألهوه به، مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه، ولقد أطلق عليهم الاستعمار الفرنسي لسوريا اسم العلويين..
  الإباضية
الإباضية هي إحدى فرق الخوارج الكبرى والتي ما زالت منتشرة بنفس هذا الاسم، ولها تواجد في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وخاصة في سلطنة عمان، وتعتبر الخوارج أول الفرق ظهورا في التاريخ الإسلامي..
  الدروز
الدروز فرقة باطنية تؤله الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أخذت جل عقائدها عن الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي وقد نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام، وعقائدها خليط من عدة أديان وأفكار..
  الزرادشتية
تنسب الزرادشتية إلى زرادشت المولود قبل ميلاد عيسى عليه السلام بحوالي 660 سنة بأذربيجان في فارس، ويروى عن مولده وعن الفترة السابقة عليها قصص وأساطير كثيرة.
    الهندوسية
الهندوسية هي ديانة وثنية قديمة يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى الوقت الحاضر.
  البهائية
تعد البهائية بدعة فاسدة وديانة مخترعة أنشأها أحد أدعياء النبوة، ويدعى حسين علي بن عباس بزرك، الذي أطلق على نفسه لقب البهاء، وادعى أن الشريعة الإسلامية قد نسخت بمبعثه.
    البـابية
خرجت الدعوة البابية الضالة من رحم المذهب الشيخي الشيعي في عام 1260ه‍ـ الموافق 1844م، وحظيت برعاية القوى الاستعمارية الكبرى الطامعة في المناطق الفارسية، مثل روسيا وإنجلترا والصهيونية العالمية؛ بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية


  القاديانية
فكر الاستعمار في طريقة لإبعاد المقاومة الإسلامية التي أرهقته في الهند؛ ولذا تبنى الاستعمار الإنجليزي الدعوة القاديانية لتقويض النفوذ الإسلامي وزعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين.
    الخوارج

تعد الخوارج أول الفرق الإسلامية بروزا في التاريخ الإسلامي؛ إذ تعود أصولها إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذمهم النبي في أحاديثه كثيرا، ووصفهم بأنهم قوم يحسنون القول ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم.
  المعتزلة

المعتزلة فرقة عقلانية كلامية فلسفية، تتكون من طوائف من أهل الكلام، الذين خلطوا بين الشرعيات والفلسفة والعقليات في كثير من مسائل العقيدة، وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية.
المرجئة
إذا كانت بعض الفرق تنسب إلى مؤسسها مثل الأشعرية والماتريدية، فإن بعضا منها تنسب إلى أهم مبادئها مثل المرجئة، التي كانت أول أمرها ترجئ أمر الصحابة المتقاتلين إلى الله، وترجئ أمر تعذيب أهل الكبائر إلى الله، ثم غلوا بعد ذلك.



إطلاله على بعض المعارك
   معركة حمص الكبرى
سطع نجم دولة المماليك في سماء البشرية عامة والأمة المسلمة خاصة، بعد أن نجحوا في وقف الانسياح الوحشي للتتار على أرجاء المعمورة كلها، وبرز الأبطال قطز ومن بعده بيبرس، وظل نجم الدولة في علو حتى أصابته السنن.. 
  معركة كاهنة البربر
بعد أن غدرت قبائل البربر بالقائد المسلم عقبة بن نافع في معركة تهوذة سنة 64هـ، تضعضعت حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، ثم ازدادت الأمور تعقيدا بعد استشهاد القائد زهير بن قيس الذي تولى بعد استشهاد عقبة..
    معركة جالديران
تعد معركة جالديران من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ فقد استطاع السلطان العثماني سليم الأول بانتصاره على إسماعيل الصفوي في سهول جالديران أن يحقق للدول الإسلامية الأمان من عدو طالما شكل خطرا داهما على وحدة الأمة الإسلامية واستقرارها
  معركة نافارين
تعد معركة نافارين واحدة من المعارك البحرية التي غيرت مجرى التاريخ، وغيرت مواقع الكثير من القوى المعروفة آنذاك، وكانت خلاصتها هو الانهزام الذي وقع لأكبر الأساطيل البحرية وهو تحطم الأسطول العثماني وتبدل حال القوات العثمانية
 معركة موهاكس
معركة موهاكس هي معركة وقعت سنة 932هـ بين الخلافة العثمانية بقيادة سليمان القانوني، وبين مملكة المجر بقيادة فيلاد يسلاف الثاني جاجليو، وانتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا؛ مما أدى إلى ضم المجر إلى الدولة العثمانية..


  معركة طلاس .. نهاية النفوذ الصيني في آسيا الوسطى
ترجع أهمية معركة طلاس بين المسلمين والصينيين في أنها كانت أول وآخر صدام عسكري حدث بين الطرفين, كما أنها أنهت نفوذ الصين في آسيا الوسطى بعد أن سقطت قرغيزيا في أيدي المسلمين، حيث تم صبغ منطقة آسيا الوسطى بصبغة إسلامية بعد أن أسلم أكثر قبائلها وغدت مناطق إشعاع إسلامي وحضاري..
  معركة نيكوبوليس
بدأ الصليبيون في حصار مدينة نيكوبوليس، وتغلبوا في أول الأمر على القوات العثمانية، ولم يكد الصليبيون يدخلون المدينة حتى ظهر بايزيد ومعه مائة ألف مقاتل، كأنما الأرض قد انشقت عنهم، وكان هذا العدد يقل قليلا عن التكتل الأوربي الصليبي
  معركة فيينا
معركة فيينا وقعت في 20 رمضان 1094هـ، وبعد محاصرة الإمبراطورية العثمانية فيينا لمدة شهرين، كسرت المعركة أسبقية الإمبراطورية العثمانية في أوربا, حيث انتصرت القوات البولندية والألمانية والنمساوية بقيادة ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي على الجيش العثماني بقيادة الصدر الأعظم..
    معركة مرج دابق
مرج دابق معركة حربية وقعت بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول والدولة المملوكية بقيادة السلطان قانصوه الغوري في يوم 25 من رجب 922 الموافق 24 من أغسطس 1516 في مكان يسمى دابق, وهو اسم لقرية تقع بالقرب من مدينة حلب..
  معركة الخرطوم
معركة الخرطوم من المعارك الفاصلة في تاريخ السودان الحديث، دارت المعركة بين قوات الحركة المهدية التي استطاعت بعد احتلال الإنجليز مصر أن تسيطر على معظم الولايات السودانية وبين القوات الإنجليزية والمصرية المشتركة بالخرطوم بقيادة تشارل جورج جوردون..
    معركة الريدانية.. سقوط دولة المماليك
معركة الريدانية كانت نهاية دولة المماليك, فالخطة العسكرية الذكية التي وضعها العثمانيون وأبطلت مفعول المدفعية المملوكية إضافة للتفوق العسكري المادي والخططي لصالح العثمانيين والروح المعنوية العالية لديهم كل ذلك حسم المعركة لصالح العثمانيين,
  معركة وادي المخازن وأبعادها الدولية
تحتل معركة وادي المخازن مكانة في الصراع الطويل بين الإسلام والنصرانية، ففي الوقت الذي كان يظهر فيه العالم الإسلامي تحت قيادة الدولة العثمانية قويا بالجناح الشرقي نجده في الجناح الغربي يعاني شيئا غير قليل من الضعف وجاء الانتصار المغربي في معركة وادي المخازن؛ ليرد للغرب الإسلامي بعض هيبته
    معركة الزلاقة .. كسبها الإيمان وضيع ثمارها الخلاف
معركة الزلاقة التي وقعت في شهر رجب من عام 479هـ الموافق أكتوبر من عام 1086م، هي درس التاريخ الذي لا ينسى، وإنما يدق بقوة على أفئدة وعقول أمتنا العربية الإسلامية لكي ينبهها إلى أن النصر والغلبة ليسا بحاجة إلى كثرة العدد والعدة فحسب، وإنما يجب أن يسبقهما الإيمان الكامل بالمبدأ.
  ملاذ كرد .. الطريق إلى القسطنطينية
تعد معركة ملاذكرد من أيام المسلمين الخالدة، مثلها مثل بدر واليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت والزلاقة وغيرها من معارك المسلمين الكبرى التي غيرت وجه التاريخ وأثرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة..
   معركة جبل الكاشف
معركة جبل الكاشف كانت شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث استطاعت المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام أن تقلب نظرية الجيش الذي لا يقهر، وكسر أنف الكيان الصهيوني وذلك ما أكده محللون وسياسيون فلسطينيون وعرب وإسرائيليون أيضا،
  معركة طريف
معركة طريف وقعت في يوم 1 جمادى الأولى سنة 741هـ, حيث التقى الجيش الإسلامي بقيادة السلطان أبي الحسن ملك المغرب ومعه السلطان يوسف بن الأحمر وأهل غرناطة بالجيش الصليبي بقيادة ألفونسو الحادي عشر، انتهت بهزيمة وكارثة مدوية للمسلمين, وكانت أولى الضربات الموجعة والمؤذنة بسقوط الأندلس,
    معركة العقاب
موقعة العقاب من المعارك التاريخية في مصير دولة الإسلام في الأندلس, وكانت في 15 صفر سنة 609هـ بين الموحدين حكام الأندلس والمغرب بقيادة الناصر لدين الله والصليبيين بقيادة ألفونسو الثامن, وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للموحدين قتل فيها عشرات الآلاف,
  معركة المنصورة
معركة المنصورة هي معركة حربية دارت أحداثها بمدينة المنصورة بين الأيوبيين والحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة 647هـ، وتعد هذه المعركة من أهم العوامل لبزوغ فجر الدولة المملوكية وأفول نجم الدولة الأيوبية.
    نكبة أنيشة
بدأت فصول نكبة أنيشة حينما أراد خايمي ملك أراجون فتح بلنسية حتى استولى على حصن أنيشة من أقوى حصون بلنسية، فشعر الأمير زيان والي بلنسية بخطورة الهجوم الإسباني, فسار بقواته واشتبك المسلمون والنصارى في معركة عنيفة قاتل فيها الفريقان بمنتهى الشجاعة، انتهت بهزيمة فادحة للمسلمين، وقتل فيها عدد كبير من العلماء,
  سقوط قرطبة
أثار سقوط قرطبة في أيدي نصارى إسبانيا الحزن والأسى في نفوس المسلمين، وتحول مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة كبرى، وهجرها عدد كبير من سكانها بعدما كانت حاضرة الأندلس وعاصمة الخلافة القديمة, فقد قام فرناندو الثالث ملك قشتالة بتوجيه ضربة قوية ومؤلمة لدولة الإسلام في الأندلس،



الحكم على منهاج النبوة
ماذا تعني خلافة راشدة على منهاج النبوة ؟؟
إن كثيراً من الناس لا يدركون – في الحقيقة – معنى الخلافة، وماذا تعني خلافة راشدة على منهاج النبوة، ولا يعرفون مستلزمات هذه الخلافة، ولذلك تراهم في كل وادٍ يهيمون.
هذه الخلافة ليست من أشكال الحكم المعروفة ولا المألوفة، وليست دولا متعددة؛ بل هي شكل مختلف، ولا مجموعة من الخلفاء المتحدين، بل خليفة واحد ودولة واحدة؛ إذ أنه يحرم شرعاً أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد .
كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخـلافة نظام وَحدة، ويحرم أن يكون نظاماً اتحادياً .
 وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ومَنْ بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر) ولما روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما
ولقد نص القرآن الكريم على نظام الخلافة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55
كما بشّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعودة نظام الخلافة الراشدة في قوله ( إن أول دينكم نبوة ورحمة و تكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله ثم يكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله .ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي .
و يلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض لا تذر السماء من قطر إلا صبته مدرارا ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئا إلا أخرجته.
إن الحديث عن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة يتطلب منا أن نعرف معنى الرشد والرشاد، لندرك تماما كيف ستكون الخلافة الثانية راشدةً بإذن الله.
فقد ورد في لسان العرب "رشد: في أَسماء الله تعالى الرشيدُ: هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أي هداهم ودلهم عليها، فَعِيل بمعنى مُفْعل؛ وقيل: هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد.
الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد: نقيض الغيّ. رَشَد الإِنسان، بالفتح، يَرْشُد رُشْداً، بالضم، ورَشِد، بالكسر، يَرْشَد رَشَداً ورَشاداً، فهو راشِد ورَشيد، وهو نقيض الضلال، إِذا أَصاب وجه الأَمر والطريق.
وفي الحديث:عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي؛ الراشدُ اسم فاعل من رَشَد يَرُشُد رُشْداً. يريد بالراشدين أَبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، رحمة الله عليهم ورضوانه، وإِن كان عامّاً في كل من سار سِيرَتَهم من الأَئمة."
فالرشـد ضـد الـغـي والهوى، وهو الاستقامة الكاملة على المنهاج النبوي، وقد جاء وصف الخلفاء الراشدين بهذه الصفة فـي حـديـث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -: "... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور".
كما جاء وصف خلافتهم في بعض الأحاديث النبوية: أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم-:"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها..." الحديث.
بالرجوع للمعنى اللغوي نتعرف على صفات هذه الدولة القادمة أي صفات خليفتها وقائدها الذي يقود الناس بالخير ويبعدهم عن الضلال، يأخذ بأيديهم بحكمته البالغة، ويجتهد ويقرر ما فيه الصلاح للأمة وفق الأحكام الشرعية، ويخلصها من الأزمات كل الأزمات، خاصة مع ولادة الدولة الجديدة وما يُحاط بها من أخطار، تماما كأبي بكر- رضي الله عنه - عندما استطاع معالجة أزمة المرتدين بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم فعمِد على قتال المرتدين، وعلى إنفاذ جيش أسامة للشام مما كان له الأثر البارز في ثبات دولة الإسلام ورجوع القبائل إلى كنفها.
أما كون الخلافة على منهاج النبوة فهذا يعني أن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم – بين ظهرانينا، وكأن الوحي لم ينقطع عن الأرض، فتعيش البشرية كما أراد الله – عز وجل – وتحقق معنى العبودية باستحضار العلاقة مع الله، ويتحقق تعبيدُ الناس لله وحده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56، وتنعم البشرية بالأمان العام على المال والنفس والولد والعيال.
بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة تسود الفكرة الإسلامية ويطمئن لها الناس، فيدخلون في دين الله أفواجا، وتُفتح الأرض لرسالة الإسلام، ويُلاحق الشيطان في عقر داره، ويعود الفهم للإسلام وفقهه وأصوله، وتغيب عوامل الإختلاف المذموم والفرقة، وتُذاب المذهبية، وكل الأفكار والمفاهيم السقيمة المضلِّلة .
لقد كانت البشرية تتخبط في بيداء التيه وظلمات الجهل والظلم التي تتحكم في علاقات الناس من عبادة الأصنام إلى العصبية القبلية والحروب الطاحنة بين الدول والقبائل، إلى إهانة المرأة وإذلالها واعتبارها سلعة تباع وتشترى وتورث كما يورث المال فضلا عن وأدها وهي على قيد الحياة,
 يصور هذا الواقع جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه- في خطابه للنجاشي (أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك
إلى أن أكرم الله- عز وجل البشرية بمبعث خير البشرية ليسلك بها طريق النور و الهداية فأشرق تاريخها وانجلى ظلامها ونظم علاقات البشر بالإسلام الذي أُنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ،
وظهر ذلك جليا بدولة الخلافة التي استطاعت بنورها وعدلها أن ترسخ مفاهيم الإسلام الذي ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبخالقه وبغيره من بني البشر.
إن الإسلام بدولته استطاع صهر الشعوب وتوحيدها على العقيدة الإسلامية؛ قال جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه-(حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار... فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نُظلم عندك أيها الملك
معنى خلافة راشدة على منهاج النبوة عراقة البشرية في ظل أحكام الله والطمأنينة في العيش والرعاية الحقيقية؛ فكان عمر بن الخطاب معاوناً لخليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق, خرج عمر يبحث عن حال الرعية هل هنالك أحد لا تصله خدمات الدولة، فوجد امرأة عجوزاً في طرق المدينة وهي كفيفة البصر
 فسألها عمر- رضي الله عنه- كيف تأكلين وكيف تشربين وأنت لا يوجد لك جارٌ قريب أو قرابة لك, فقالت له العجوز: إن شيخاً يأتيني في الصباح الباكر بالطعام والماء وينظف خيمتي ويذهب، فسألها عمر هل تعرفينه فقالت لا، فتأكد رضي الله عنه من موعد حضوره,
وبعد أن صلى الفجر مع خليفة المسلمين أبي بكر الصديق أسرع خلف الخيمة لينظر من هذا الذي يرعى هذه المرأة فإذا بخليفة المسلمين أبي بكر الصديق يحمل طعاماًُ وماءاً لهذه المرأة فقال عمر: ما هممت بخير إلا وجدت أبا بكر سبقني إليه.
تلك الخلافة الراشدة الأولى التي رسخت معنى المسؤولية الحقيقية عن الأمة من حيث الرعاية فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
هذه هي الرعاية الحقيقية التي يجب على المسلمين إقامة من يطبقها وهو خليفة المسلمين وبأسرع وقت ممكن، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال" واللـــه لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسئولا عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة" .
ومعنى خلافة راشدة على منهاج النبوة التقيُّد التام والشامل بأحكام الإسلام وعقيدته، وإظهار المكانة العالمية للدولة؛ فقد بدأت عالمية الإسلام منذ اللحظة الأولى لبعثة النبي– صلى الله عليه وسلم – ؛ فالإسلام عقيدة لا يختص بها شعب أو مجتمع أو بلد؛ بل هو دين للناس جميعا بغض النظر عن العنصر أو الوطن أو اللسان، ولا يعترف الإسلام بأية فواصل وتحديدات جنسية أو إقليمية أو زمنية فهو عام في المكان والزمان، قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }الفرقان1.
والإسلام أتى بتشريعاته وأحكامه لمعالجة الإنسان في معاشه ومعاده وفي كل شؤون حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهذه الأحكام جاءت لمعالجة شؤون الناس جميعا؛ مسلمين وغير مسلمين .رسالة الإسلام البارزة في دولته التي تقضي على التفرقة بين الناس، وحل النزاعات الإقليمية أو الطائفية أو العنصرية أو القبلية أو الوطنية ؛فدولة الخلافة لا تفرق بين أبيض وأسود ولا بين جنس وآخر،بل تنبذ العصبية والعنصرية والطائفية، وترفض جعلها مقياسا للتفاضل بين البشر، وهذا واضح في قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
والدولة الراشدة تحارب العصبية وتدعو الناس إلى رابطة واحدة هي رابطة العقيدة الإسلامية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الحجرات10.
ودولة الخلافة الراشدة لا تعرف إلا واجبها، ولا تلتفت إلى عظم الدول التي تقابلها أو مكانة ملوكها، بل تنطلق مبلِّغة رسالة الإسلام الخالدة، أسوة بالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي دعا جميع الناس وأرسل السفراء والرسل إلى الملوك.
 فهذه رسالته إلى كسرى ملك فارس يقول فيها :"بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله ، إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى ... وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين، اسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس "
 وهذا ما كتبه إلى قيصر ملك الروم يقول فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بالإسلام اسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين ".
تلك الدولة التي بناها خير البشر محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ورسخ دعائمها صحبه الكرام- رضوان الله عليهم أجمعين، والتي كانت مرهوبة الجانب؛ بل وأكثر من ذلك، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عزة الدولة ( نصرت بالرعب مسيرة شهر)
صدق فيهم قول الله تبارك وتعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29.
أيها الناس: إن الوضع الذي عليه الأمة الإسلامية اليوم ليس له إلا علاج واحد، أن تؤخذ العقيدة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية إسلامية لتقام حياة الناس والعلاقات على أساسها، وهذا يلزم أن يستمر عمل العاملين في تكتِّل كتكتّل الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين- لتركيز هذه العقيدة بمفهومها السياسي في الأمة.
 وستبدأ الأمة قطعا السير في طريق النهضة والتحرير، وهي السبيل الوحيد للنهضة والإرتقاء الفكري لتكون الأمة الإسلامية في مقدمة الأمم كما كانت من قبل حاملة رسالة الهدى والنور إلى العالم أجمع متقدمة في جميع المجالات وفيها حشد من المبدعين والمجتهدين والمفكرين الذين يعيدون الصولة والجولة، ويتحقق على أياديهم الوعد الإلهي والبشرى المحمدية بعودتها خلافة راشدة على منهاج النبوة.
 ليس كمثلها حكم وليس كوصفها رسم، بل هي كما يحق لها أن تكون دولة تضاف لها منهجية النبوة، وعظم ورشاد وسؤدد نظامها ومن يحكم فيها بالكتاب والسنة، يحقق قول الله- عز وجل- {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الجاثية18.
يحقق العدل بين الرعية؛ فيستطيع النوم بعد سهره على مصالح الرعية بلا حراسة شخصية، كعمر بن الخطاب الذي شهد له أعداء الأمة بقول رسولهم الهرمزان "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".
ويبعد الأمة عن كل ما خالف الوحي ويعتبره هوى وجهلا وعمى ؛فيحقق قول الله –عز وجل-{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
يعتزُّ بالإسلام وحده، كعمر بن الخطاب الذي قال " إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ،فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله". يحرص على أموال الرعية ويوزعها على مستحقيها ؛ فعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - (يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال ولا يعده عداً ) رواه الإمام أحمد ومسلم .
وفي الختام: لقد بزغت شمس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة التي نورها الله بنور الإسلام فأصبحت شمسا تُشِّع على العالم برسالة الإسلام ، فقام الرجال المخلصون جند الإسلام بتحطيم كلٍ من إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم .
وإننا نعتقد اعتقاداً جازما لا يتطرق إليه شك أن شمس الإسلام ستشرق من جديد، وأن دولة الإسلام قادمة بإذن الله- عز وجل- .
وقد حفظ الله بمنه وكرمه أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وجعلها خير أمة أُخرجت للناس وجعلها أمة وسطا بنص القرآن الكريم فقد قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...}البقرة143.
وكأنَّ رسول الله ينطق بيننا ويعيش بين أظهرنا، حين أخبرنا عن زماننا هذا ،فقال كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء))،
 وفي رواية الإمام أحمد: ((قيل من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس
وقال الإمامُ مالك " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها "
وإن هذه الأمة قادرة على تحقيق وعد الله تعالى وبشرى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم -؛ فهذه أمة عظيمة كريمة، لا زالت حية، وهي قادرة على النهوض والإرتقاء والتحرير وعلى ما فوق التحرير، ألا وهو تحقيق السعادة للبشرية جمعاء من خلال مبدأ الإسلام العظيم؛ فالرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول ( أمتي أمة مباركة لا تدري أولها خير أم آخرها ) رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان وأشار السيوطي إلى حُسنه 
أمة فيها الرجال  الذين يصلون ليلهم بنهارهم لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض بإقامة دولة الخلافة الراشدة، والعمل الجاد للتغيير الجذري، بالسير على طريق الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعدم الحيد عنه قيد شعرة، والثبات أمام الأمواج المتلاطمة التي تحيط بهم من كل جانب من أعداء الله ورسوله؛ كيف لا؟ وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)رواه البخاري ومسلم.
يشقون طريقهم وسط الزحام، ويرتقون من شاهق إلى شاهق، ليصلوا إلى أهدافهم - ونورُهم يسعى أمامهم - مستنيرين بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – "أول دينكم نبوة ورحمة ثم خلافة على منهاج النبوة...ثم تعود خلافة على منهاج النبوة" ففي هذا الحديث بشرى بأن الخلافة عائدة بإذن الله، ولكنها عائدة مثل الخلافة الأولى، خلافة الراشدين، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فمن كان حريصاً على عودتها، مشتاقاً لرؤيتها فليسع لها سعيها وهو مؤمن ليكون مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحوهم، حتى تعود كما أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة .


طريقة عودة الخلافة الراشدة علي منهاج النبوة
وجماعات الإسلام السياسي عقبات وعثرات .. أخطاء وخطايا عطلت الهدف
إعداد امجد صيام
    بعد سقوط الخلافة العثمانية (الملك العاض أو هي ملك جبري) ظهر ملك جبري آخر وهو الانقلابات السياسية التي قام بها البعض من الحكام الحاليين  والذي يجب بحسب الحديث الشريف أن تنشأ بعدها الخلافة على منهاج النبوة . 
قال حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ملكا عاضا تكون ملكا جبريا تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت .  رواه البخاري .
وقد بدأت جماعات الإسلام السياسي تظهر بعد سقوط الخلافة الإسلامية (الكيان السياسي العام للمسلمين ) في عشرينيات القرن الماضي  على يد كمال أتاتورك وسعي الكثير من الجماعات التي نشأت من اجل إعادتها  و اتخذت كل جماعة لها "أيديولوجيات "للعمل السياسي والدعوى لتحقيق الهدف الذي غايته رضا الله تبارك وتعالى ولكن صادف الإسلام السياسي عقبات صنعها له أعداء الأمة ووقع في عثرات لعدم الانتباه أحيانا ثم أخطا أحيانا أخرى في قياس المصلحة والمفسدة وأحيانا أخرى ووقع في خطايا شرعية أخرجت البعض عن جادة الصراط  .
وكان يجب أن تتخذ كل الحركات الإسلامية  "أيديولوجيات " متوافق عليها ومجمع عليها شرعا من مبادئ الدين الصحيح ومتوافق عليها بإجماع الأمة الإسلامية حتى نصبح جميعا على سيبل المؤمنين .
أولى الأمر في الإسلام :-  
دولة الإسلام دولة مؤسسات
أولا- أولى الأمر الديني من أهل الشورى أهل الحل والعقد والإجماع من الفقهاء المجتهدين من كبار علماء المسلمين الذي بإجماعهم تتحقق وحدة الأمة وبمخالفتهم مخالفة لسبيل المؤمنين وهو الإجماع المطاع  .
صفة أهل الشورى : أهل الحل والعقد :- وهم بمثابة مجلس شوري المسلمين الذي تعرض الدساتير والقوانين لإقرار موافقتها للشريعة الإسلامية (وهي السلطة التشريعية)
و تحدد صفات أهل الشورى
 1- العدالة          2 -بالعلم المؤدي إلى الاجتهاد       3- الرأي والحكمة
.4- التقوى والورع  وحسن السيرة     5- حد أدنى أربعين عالما من مختلف فروع علوم الشريعة الإسلامية قران وحديث و فقه
. 6- السن لا يقل عن أربعين سنة وهو السن الذي به يبلع الإنسان الحكمة وهو سن نزول الوحي على الأنبياء.قال تعالى (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ) يوسف 22 قال تعالى (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما ) القصص 14 قال تعالى (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ) الأحقاف 15
5- العدد حيث لا يقل العدد عن أربعين عالما  شرط حد أدنى لعدد  علماء أهل الشورى بأربعين عالما  لقوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ). الأنفال 64 . أخرج الطبراني:عن ابن عباس قال:لما أسلم مع النبي تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة ثم أسلم عمر فكانوا  أربعين فنزلت الآية وهو اقل عدد من المؤمنين الثقات الذين تقوم بهم الجماعة المتبعون للني صلى الله عليه وسلم وسنته .
مهمة أهل شوري   :-
1-  إقرار القانون والدستور بمطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية  .
2- اختيار من يرشحون لإمامة المسلمين وعرضهم على الاستفتاء العام .
3- مراقبة الخليفة والولاة في مهام حفظ الدين وعدم الحياد عن الشريعة الإسلامية .
ثانيا - و أولي الأمر الدنيوي (وهي السلطة التنفيذية ) وهو الخليفة وأمراءه على البلاد والوزارات. شروط الخليفة و صفة الإمامة الكبرى والصغرى : -
1- العدالة . 2- العلم.  3- سلامة الحواس والأعضاء.  4-  الرأي المفضي إلى سياسة الرعية  وتدبير المصالح. 
 6- الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة والجهاد.
7- مأمون في الرضا والغضب.
 8- ليس من طلاب الإمارة حيث لا يولى طالب الإمارة  للحديث ( لن نستعمل علي عملنا من أراده ) وفي رواية( إننا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه ) ، وفي رواية لأحمد (إن أخونكم عندنا من يطلبه) .
وظيفة الإمام :
-    أولا:- حفظ الدين  بتعليم المسلمين شعائر و أمور الدين والعقيدة الصحيحة  وإزالة البدع المخالفة للعقائد الإسلامية الصحيحة  و إزالة المنكرات والرذائل المؤدية إلى فساد الخلاق
-     ثانيا :- سياسة الدنيا ومنها ما يلي 1- حماية البيضة .  2-  تنفيذ الأحكام .  3- إقامة الحدود  .4- تحصين الثغور .  5- جهاد من عادى الإسلام بعد الدعوة .  6- جباية الفيء والصدقات وتقدير العطايا .  7- تنصيب الأمناء وتقليد النصحاء  والوزراء   .
تولية الإمام : نصب الخليفة فرض كفاية والمطالب به هو أهل الحل والعقد مع استشارة جمهور المسلمين بالمبايعة باختيار أهل الحل والعقد لواحد أو عدد من الأشخاص المرشحين للإمامة  يستفتى عليهم عامة المسلمين بالبيعة العامة من جمهور المسلمين وهم الجماعة .
و الجماعة هم السواد الأعظم من المسلمين "سلطة الأمة هي الإجماع " في حديث" لا تجتمع أمتي على ضلالة " ورواية تزيد  "ويد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار "  و حديث "سالت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة وأعطانيها " رواه احمد
ثالثا :-  مجلس النواب ( سلطة الشعب )  ومهامه عرض هموم ومطالب الشعب ومراقبة السلطة التنفيذية في أداء مهامها في سياسة الدنيا ومصالح الشعب .
وهو يعرض مطالب الشعب و يقترح القوانين التي تعرض عل مجلس الشورى من أهل الحل والعقد  .
رابعا :- السلطة القضائية : -  يجب أن تكون مستقلة ليس أعلى منها سلطة سوى سلطة رقابية على القاضي في تطبيقه لقوانين الشريعة الإسلامية في المنازعات وعدم الحياد عنها .
خامسا :- الحسبة الشرعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي غالبا يمكن أن تتبع السلطة القضائية لان المحتسب بمثابة قاضي الشارع أو الطريق واليه  يؤول إزالة المنكر  بقوة الشريعة والقانون والحسبة مزيج من السلطة القضائية والسلطة التنفيذية مثل الشرطة لأنها تستعين بها أحيانا في إزالة المنكرات بالقوة .
مناهج عدد من الحركات الإسلامية وعرضها على المبادئ الإسلامية
كان هدف الحركات الإسلامية المعاصرة هو عودة الخلافة على منهاج النبوة  فهل حققت الغرض على مدى سنوات من الدعوة والعمل السياسي كل هذه السنوات الطويلة وذلك بغير عرض منهج توافقي شرعا وموضوعا  .
فكان يجب إدراج نظام الحكم الإسلامي المقترح ووحدة صف الأمة إلى عناصر الدعوة إلى قيام الخلافة
جماعات الإسلام السياسي منذ سقوط الخلافة :
1- جماعة الأخوان المسلمون :- نشأت في 1927م في مدينة الإسماعيلية على يد حسن البنا للحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم انتشرت خارج الإسماعيلية وقد أسس أفكاره في كتاب "رسائل حسن البنا "على غرار مسمى "رسائل أخوان الصفا " ربما لنشاته الدينية الصوفية لفترة العشرين سنة الأولى  من حياته رغم ما اتسمت به دعوته  بالسلفية في المطالبة بالرجوع إلى نظام إسلامي على نمط الجيل الأول من الصحابة في الحكم ولكن بشكل عام لم يحدد شكل هذا النظام السياسي ونظم الحكم المقترحة 
وقد تطورت الجماعة في العمل الدعوى ثم العمل العسكري ضد العصابات الصهيونية في حرب 1948م ثم القيام بعمليات اغتيال لبعض السياسيين المصريين مثل النقراشي باشا و القاضي احمد الخازندار الذي استنكر"حسن البنا " اغتياله ثم تطورت الجماعة إلي المشاركة السياسية في الثمانينات والى اليوم في الدخول في الانتخابات البرلمانية والتحالفات مع الأحزاب السياسية الأخرى .
2- دعوة سيد قطب :- أفكاره هي أساس الأفكار التكفيرية الحديثة بوصفه "جاهلية المجتمع  " ثم نزعته الثورية التي دعت إلى الدعوة إلى الجهاد ضد الحكام وكانت أساس الحركة الراديكالية المسلحة التي أعقبت تلك الدعوة وقد رد عليه الهضيبي مرشد الجماعة في كتابه " دعاة لا قضاة "
3- التكفير والهجرة :- أو الجماعة المسلمة كما كانت تسمي نفسها بقيادة شكري مصطفى احد أعضاء جماعة الأخوان المسلمين قبل تبني هذه الأفكار ، نشأت في ظروف اضطهاد وتعذيب للإسلام السياسي كرد فعل لمعاملة أصحاب السلطة لهم بمعنى أن السبب في التكفير وجداني وليس شرعي أو منطقي واغفل هذا التيار أهم ركائز الفقه الإسلامي
 وهو العذر بالجهل وكفروا عامة المسلمين لمجرد أنهم تحت إمرة من يعادون الدين أو من يضطهدونهم ولم تفرق بين الحاكم والمحكوم وقد ارتكبوا جرما شديدا بقتل احد علماء المسلمين وهو الشيخ حسين الذهبي وزير  الأوقاف السابق وقد نهج شوقي الشيخ نفس المنهج من خلال جماعته بالقيوم  وفكر هذه الجماعات التكفيرية منحصر وضئيل جدا .
4- الجماعة الإسلامية  :- نشأت في السبعينات من القرن الماضي اتخذت الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وسيلة لتحقيق الهدف وسطرت أفكارها من خلال "ميثاق العمل الإسلامي" وهو على غرار مسمى "ميثاق العمل الاشتراكي" الذي كان متداولا في الحقبة الناصرية الاشتراكية  ربما أيضا للميول الاشتراكية السابقة لبعض قادة هذا التيار 
وقد قامت بعملية اغتيال السادات وقتل جنود وضباط مديرية امن أسيوط أكتوبر 1981م وذلك في شهر ذو الحجة (من الأشهر الحرم المحرم فيها القتال ابتداء مع الكفار فما بال مع جنود وضباط مسلمين !) وقد خرج اغلب أفرادها بعد المحاكمة في منتصف الثمانينات
 ثم سرعان ما انفجرت الأوضاع مع الدولة بعد بعض المشكلات في التسعينات وجرت عمليات كبيرة لاغتيال بعض الشخصيات والضباط والجنود والسياح والتي استندت إلى (بحث قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام ،
وحتمية المواجهة )رغم عما يشير إليه البحث من قتال وهو مفهمو غير مفهوم الاغتيال الذي لم يكن في صدر الإسلام إلا ضد شخصيات مثل سلام بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف اليهوديين وبإذن النبي صلى الله علية وسلم ،  ثم أجرت قيادات الجماعة أجرأ عملية مراجعة فكرية لمنهج الجماعة وغيرت من مفهومها" الراديكالي " في آلية تغيير الحكم قد أنشأت الجماعة حاليا حزب البناء والتنمية  السياسي(تحت التأسيس) .
5- جماعة الجهاد:-  اتخذت منهاج الانقلاب وهو حكم المتغلب وهو  حكم جبري لا يتفق مع مفهوم عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يلي الحكم الجبري حيث اشتركت مع الجماعة الإسلامية في عملية اغتيال السادات ومحاولة الانقلاب على السلطة وتندرج تحت فكرة الجهاد بالانقلاب أو حكم المتغلب أيضا تنظيم "صالح سرية" أو الفنية العسكرية وكذلك تنظيم "طلائع الفتح " بقيادة "أيمن الظواهري" والذي اتحد مع تنظيم القاعدة الدولي  .
6- الأحزاب السلفية الجديدة :- ربما رأى البعض منهم حصد شعبية الدعوة السلفية في صورة حزب سياسي  يمكن من خلاله الوصول إلى الحكم بصورة سلمية وكثير من قيادات الحزب صغار السن وغير متمرسين في أمور السياسة لحداثة عهدهم بها ويدفعهم المنافسة أكثر من العمل الجاد ثم إن فكرة حزب سلفي غير مستساغة حتى الآن لكثير من كبار السلفيين الذين رؤيتهم أن التحزب والتشرذم ليس من صحيح الإسلام  في شيء ويرى البعض من مؤسسي الأحزاب السلفية أن وجود حزب ضرورة واقعية للتمثيل البرلماني رغم أن القوائم المستقلة متاحة في البرلمان القادم وإذا كان من ضرورة حزبية فلماذا لا يتخذ التيار الإسلام السياسي حزب واحد فقط ؟، فضلا عن وجود عدد من الأحزاب السلفية وهي ظاهرة غير سلفية وغير شرعية وغير صحيحة  .
المنافسة السياسية من منظور شرعي :-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) ومعني الشرف هو الحرص على الرئاسات والمنصب والجاه
و الحديث ( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة إن أعطي رضي وان لم يعطي سخط ،تعس و إنتكس وإذا شيك فلا إنتقش ، طوبى لعبد اخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة و إن كان في الساقة كان في الساقة  ) رواه البخاري   والحديث ( اليسير من الرياء شرك ) .
إن التعددية الحزبية هو فقط من قبيل الحرص على الرئاسات وان مشاركة الإسلاميين ومساواتهم لذوي المذاهب المخالفة للإسلام في الحقوق والواجبات ليست من سبيل المؤمنين في شيء.
وقد أدى الإسلام السياسي بمضمونه الحالي إلى نظرة عامة المسلمين إلى الإسلام السياسي على انه طلب للحكم من خلال الدين لذلك أحجم الكثير من عامة المسلمين عن الانتماء للإسلام السياسي
وفضلوا الالتفاف فقط حول أصحاب الدعوة الإسلامية مثل الدعوة السلفية وجمعيات أنصار السنة والجمعية الشرعية لان عامة المسلمين زاهدون في طلب الحكم ومنافسة أولى الأمر على الرئاسات من باب الحديث (ألا ننازع الأمر أهله إلا تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) .
وهذا ليس معناه ترك الساحة لغير الاتجاه الإسلامي للعبث بمصالح الأمة الإسلامية  في طريق ضد الدين أو طريق مذاهب تخدم غير المسلمين لأنه ليس من سبيل مخالف للإسلام يمكن أن يخدم مصلحة الأمة الدينية أو الدنيوية ولكن عامة المسلمين يلتفون حول الإسلام السياسي 
أحيانا في مواجهة غيره من التيارات مضطرون نصرة للدين رغم عدم شعورهم من أن هذا هو السبيل الصحيح لعودة الخلافة وإحياء العهد الأول من الخلافة الإسلامية ،  أما  الإسلام السياسي فعليه أن يراجع نفسه ويتجرد من الأهواء والمذاهب ويتوحد على كلمة سواء حتى تحقق الأمة الهدف وهو إحياء الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة الكيان السياسي لكل المسلمين من اجل غاية رضا الله تبارك وتعالى .


الثورة والسلطة  :-
لا شك انه كان هناك احتقان سياسي شعبي ضد الحكام المستبدين في العالم العربي والإسلامي وهذا أدى إلى استجابة الشعب إلى الثورة خرجت الملايين تطالب بسقوط الحكام المستبدين ولكن الدعوة إلى الثورة كانت من خلال جهات مشبوهة وهدفها في النهاية ليس مصلحة الأمة الإسلامية وعلينا إن ندرك ذلك وننتبه إليه  فهؤلاء الداعين ليس لهم تأثير مباشر على الشعب وليس لديهم حضور وتواجد بين الجماهير العريضة من الشعب
ولكن لديهم جهات مساندة لديها من الدراسات الاجتماعية والسياسية التي تمكنهم من توجيه هؤلاء وجهة مناسبة فهؤلاء الداعين إلى الثورة مثل حركات كفاية و6 ابريل والجمعية الوطنية للتغيير وغيرها تقوم حاليا بحصد عمل سياسي قديم من التيارات السياسية الأخرى وخاصة الإسلام السياسي عبر عقود طويلة من إظهار مساوئ وعدم شرعية النظم المستبدة الحالية التي أدت إلى استعداد الشعب للثورة على الفساد
 ولم تنقصه إلا الدعوة إلى الثورة فطفرت لهم هؤلاء العصب المجهولة  بالدعوة إلى الثورة والتي أدي إلى نجاحها بالإسلاميين بما لهم من تواجد وتأثير جماهيري فخرجت هذه العصب المجهولة بادعاء أنها أصحاب الثورة بدعوى أنهم هم الداعين إليها ابتداء والحقيقة كما ذكرنا أن ليس لهم تواجد بين الجماهير ولكن من خلفهم أكثر ذكاء وعلمية ودراسة وانتباه لتوقيت الدعوة إلى الثورة ،
و لكن مع الوقت بدا ينكشف زيف هذه العصب التي دعت الشعب بعد ذلك إلى الثورة أو التظاهر مرات أخرى باتجاه أمور معينة ولم تلق استجابة شعبية  .
هذا الانتباه السياسي والاجتماعي لنبض الشارع العربي والإسلامي من المفترض أن أول من يرصده هو الإسلاميين لأنهم الأقرب  إلى الجماهير ولكن ينقصهم شدة الانتباه والدراسة الاجتماعية المبنية على العلم والنظريات حتى تؤهلهم إلى التوجيه الصحيح للشارع الذي هو في مجموعه قوة كاسحة غير مميزة في حالة الغضب والتي يجب ترشيدها إلى  مصلحة الأمة من خلال الخطباء الإسلاميين المؤثرين  .
الماسونية وبني صهيون
يمكننا أن نتأمل فقرات من بروتوكولات صهيون" الكتاب والدستور السياسي للماسونية العالمية" التي هدفها فتح العالم فتحا سلميا لبني  صهيون على حد تعبيرهم  .
حرص الماسونية على الثورات الفوضوية التي تؤدي في النهاية إلى حكم المستبد وحكم الماسونية:-
من البروتوكول الرابع : "كل جمهورية لا بد لها أن تجتاز عدة أدوار في حياتها،
الأول يتضمن أيامها الأولى وهي ثورة العميان ، وهنا تبرز عناصر الهوج والجنون، وتَسُود يد الهمج والرعاع، تخرب يمينا وشمالا .
 والثاني، تبرز فيه غوغاء الشعب، التي تتبع كل ناعق يقوم فيها داعياً محرضاً، وهنا العشّ الذي تخرج منه الفوضوية وتأخذ بالدبيب. وهذا في مآله ظهور المستبد المتسلط – ولا شرعية يستند إليها ولا يعمل في وضح النهار، ومع هذا فهو متسلط – يحمل تَبِعة، ومسئولية أيضاً، لكنه مستند إلى قوة خفيَّة غير منظورة، أو إلى منظمة سرية، تديره من وراء حجاب،وهذه توجهه على ما يحلو لها بلا وازع ولا رادع.
 لأنها تعمل في الخفاء, مستترةً وراء العملاء الذين يتبدلون ،وتبدّلهم ليس منه أذى، بل يساعد القوة الخفية من باب التوفير المالي فيرفع عنها نفقات جزيلة كانت تؤدَّى مكافآت على خدمات طويلة عريضة، ثم يتبدل هذا بغيره ويجري الأمر هكذا شوطاً بعد شوط. "
من البروتوكول الأول : "لابدّ لنا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه جمهور من الدهماء من طباع خسّة ونذالة, وتراخ, وقلة استقرار, وفراره من حالة إلى حالة, وفقده القدرة على ضبط أمور حياته, وافتقاره إلى نظرة الجد وصحة العزم, فهو متعام عن رؤية وجه مصالحه ويجب أن يكون واضحا أن قوة الدهماء عمياء, تخدّرت منها حاسة الشعور, ولا تجري في الفهم على نطاق المعقول, وهي رهن أي مستفز يستفزها من أي ناحية وأعمى لا يقود إلا إلى هاوية ,
وفي النهاية يخرج أفراد من الدهماء ومن سواد الشعب, لا يعدو طورهم أن يكونوا ممن لا خبرة لهم ولا سابق تجربة, وقد يكون لهم من النبوغ مظهر برّاق, ولكن لقصورهم عن النفاذ إلى بواطن المسائل السياسية المحجبة, فإنهم لا يلبثون, إذا استطاعوا أولا بلوغ الزعامة وقيادة الدهماء, أن يهووا, فتهوى معهم الأمة,
 فينتقض الحبل كله وإنما هناك رجل واحد مجرَّب, رُبى منذ الصِغر على فهم الحكم المستقل وتمرَّس به, بوسعه أن يعي ويزن جيدا الكلمات التي تتركب منها أبجدية السياسة والشعب الذي يُترك وشأنه ليستسلم إلى أمثال هؤلاء الذين يظهرون على المسارح فجأة من صفوفه, يجني على نفسه إذ تقتله منازعات الأحزاب, المنازعات التي يزيد من شدة أُوارها حب الوصول إلى السلطات, والإزدهاء (من الزهو والفخر)بالمظاهر والألقاب والرئاسات,
وكل هذا في فوضى شاملة  . أفتستطيع الدهماء, بهدوء وسكينة, وبلا تحاسد وتباغض, أن تتخذ مهمات المصلحة العامة, وتديرها بحكمة ؟!"
كثرة الأحزاب والفوضى :-
من البروتوكول الثالث : "  ولكي نحرّض طلاّب الوصول إلى السلطة على أن يَثِبوا إلى ما يشرهون إليه (من الشره وهو الحب الشديد للشيء والإكثار منه) ويسيئوا استعماله، فقد حرّكنا جميع قوى المعارضة في مختلف جبهاتها، ليقوم هذا في وجه ذاك، ونفخنا في كلّ منهم الروح التي تهزّه، فانطلقوا بنزعاتهم الليبرالية نحو طلب الاستقلال. وإيقاعا للإخلال، ولا بد منه، فقد جارينا كل فريق وما يهوى، وسلّحنا جميع الأحزاب، وجعلنا الوصول إلى السلطة الغرض المقدس فوق كل شيء. وأما بالنسبة للدول، فاتخذنا من منازعتها حلبة صراع حيث يشتد التصادم والاقتتال. ولن يمضي بعد هذا إلا القليل من الوقت حتى العالم أجمع يأخذ يتخبط في الفوضى والإفلاس. "













المصادر
1.    الفتاوى الحديثية، ابن حجر الهيتمي، ، تحقيق: أحمد عناية، دار التقوى، ط2008.
2.    محمد الإنسان الكامل، محمد علوي المالكي، ، ط1990.
3.    صلوات الثناء على سيد الأنبياء، يوسف النبهاني، ، المقطم للنشر والتوزيع، ط2006.
4.    الخالدون المائة، مايكل هارت، ترجمة: أنيس منصور المكتب المصري الحديث.
5.    السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري، ج1، مكتبة العلوم والحكم، ط1993.
6.    "Muhmmad," Encyclopedia of Islam and the Muslim world
7.    الشبكة الإسلامية: أهم مصادر السيرة النبوية، أكرم ضياء العمري
8.    مصادر تلقي السيرة النبوية، محمد أنور البكري، ، مجمع الملك فهد.
9.    السيرة النبوية دروس وعبر، مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي.
10- مسائل في منهج دراسة السيرة النبوية، محمد بن صامل السلمي
11-دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
12-دلالة القرآن المبين على أن النبي أفضل العالمين، عبد الله بن الصديق الغماري،
13-مصادر السيرة النبوية، ضيف الله بن يحي الزهراني، مجمع الملك فهد.
14-علم المغازي بين الرواية والتدوين بين القرنين الأول والثاني الهجري، محمد أنور البكري، ج1،
15-سيرة الرسول ، محمد عزة دروزة، ج2، المكتبة العصرية.
16-السيرة النبوية - موقع وزارة الأوقاف المغربية.
17-السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد بن محمد أبو شهبة، ج1، دار القلم، ط1988.
18-فقه السيرة، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، ط1978.
19-مصادر السيرة النبوية وتقويمها، فاروق حمادة، دار الثقافة، ط1980.
20-صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ج4، تحقيق: مصطفى البغا، دار القلم، ط1981.
21-دراسة تحليلية للسيرة النبوية، عباس زرياب خوئي
22-حول مصادر السيرة النبوية، محمد بن علي الحبشي
23-وفيات الأعيان، ابن خلكان، ج1
24-محمد حسن الددو: محبة النبي : الضوابط والأسباب والآداب
25-مصادر تلقي السيرة النبوية، محمد أنور البكري، مجمع الملك فهد.
26-منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول ، عبد الله بن سعيد محمد عبادي اللحجي، ج1، دار طوق النجاة، ط1998.
27-تثبيت دلائل النبوة، عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، ج1 دار الفكر العربية.
28-الشبكة الإسلامية: الجزيرة العربية "الحالة السياسية والاقتصادية" عند ظهور الإسلام - أكرم ضياء العمري تاريخ الوصول 28 يونيو 2011.
29-الرحيق المختوم، المباركفوري،
30-الصحيح من سيرة النبي الأعظم، جعفر مرتضى العاملي، ج2،دار السيرة، بيروت، ط1995.
31-فقه السيرة النبوية، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، ط1991.
32-جامع الأحاديث، السيوطي،
33-الروض الأنف، السهيلي،
34-جمهرة أنساب أمهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الحسين بن حيدر الهاشمي،
35-أم النبي عليه الصلاة والسلام، عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء)، دار الهلال، ط1999.
36-ألفية السيرة النبوية، عبد الرحيم العراقي، تحقيق: محمد علوي المالكي، دار المنهاج، ط2005.
37-السيرة النبوية، ابن حبان،
38-الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، يوسف النبهاني، المطبعة الأدبية، بيروت، ط1892.
39-مختصر الجامع في السيرة النبوية، سميرة زايد، ج1، المطبعة العلمية، ط1995.
40-الطبقات الكبرى، ابن سعد البغدادي، ج1، دار صادر، بيروت.
41-أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتاب العربي، ط1987.
42- البداية والنهاية، ابن كثير، ج2
41-السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، علي بن برهان الدين الحلبي، ج1، دار المعرفة.
42-تاريخ الرسل والملوك، الطبري، ج1، 
43-نور اليقين في سيرة سيّد المرسلين، محمد بن عفيفي الخضري، دار المعرفة، ط2004.
44-صحيفة مكة الإلكترونية: شعب بني هاشم، محمد بن حسين الحارثي تاريخ الوصول: 16 يونيو 2011م.
45-حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، محمد بن عمر بحرق الحضرمي، دار الحاوي، ط1998.
46-الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ج1،
47-الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، ج1، دار الفكر، بيروت، ط1988.
18-مستدرك الحاكم ج3
49-السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، علي الصلابي،
50-الطبقات الكبرى، ابن سعد البغدادي، ج8 دار صادر، بيروت.
51-السيرة النبوية سير وعبر، مصطفى السباعي، ، المكتب الإسلامي.
52-الصحيح من سيرة النبي الأعظم، جعفر مرتضى العاملي، ج2، ، دار السيرة، بيروت، ط1995.
53-السيرة النبوية، أبو فارس،
54-المختصر الكبير في سيرة الرسول، عز الدين بن جماعة الكتاني،
55-تاريخ الطبري، الطبري، ج2،
56-دلائل النبوة، أبو نعيم الأصبهاني، ج1،
57-السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، علي بن برهان الدين الحلبي، ج1، دار المعرفة.
58-رواه ابن الملقن في البدر المنير، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، ج7
59-الفصول في اختصار سيرة الرسول، إسماعيل بن كثير
60-أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، ج1،
61-عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس، ج1، مؤسسة عز الدين، بيروت، ط1986.
62-ثقات ابن حبان، ابن حبان، ج1،
63-أصول الكافي، الكليني، ج5،
64-الطبقات الكبرى، ابن سعد البغدادي، ج1، دار صادر، بيروت.
65-المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج11،
66-الصحيح من سيرة النبي الأعظم، جعفر مرتضى العاملي، ج2دار السيرة، بيروت، ط1995.
67-الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج8، دار الجيل، بيروت.
68-زاد المعاد في هَدْي خير العباد، ابن القيم، ج1،
69-الخصائص الكبرى، السيوطي دار الكتب العلمية، بيروت.
70-تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج1، دار الكتب العلمية، ط1987. .
71-عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس، ج1، مؤسسة عز الدين، بيروت]]، ط1986.
72-فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج1،
73-الدرر في اختصار المغازي والسير، ابن عبد البر
74-دلائل النبوة، أبو نعيم الأصبهاني، في ذكر بدء الوحي.
75-ألفية السيرة النبوية، عبد الرحيم العراقي، ص4-11.
76-تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، ج1، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1987.
77-فقه السيرة النبوية، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، ط2006.
78-السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، علي بن برهان الدين الحلبي، ج1، دار المعرفة.
79-تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، ج1، ص دار الكتاب العربي، بيروت، ط1987.
80-البدء والتاريخ، ابن المطهر، ج1،
81-الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، يوسف النبهاني، المطبعة الأدبية، بيروت، ط1892.
82-مسند أحمد، أحمد بن حنبل، ج4،
83-السيرة النبوية، ابن هشام، ج3، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ط1990.
84-مجمع الزوائد، الهيثمي، عن أنس بن مالك، ج10،
85-شرح النووي على صحيح مسلم، ج12،
86-السيرة النبوية، ابن هشام، ج4، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ط1990.
87-دلائل الصدق لنهج الحق، محمد حسن المظفر، ج2،
88-صحيح ابن ماجه، الألباني
89-جوامع السيرة، ابن حزم، دار المعارف، مصر، ط1900.
90-تخريج مشكاة المصابيح، ابن حجر العسقلاني، عن جعفر بن أبي طالب، ج4،
91-إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج4، وصححه عبد الرحيم العراقي.
92-المغازي، الواقدي، ج3، عالم الكتب، بيروت.
93-مختصر البزار، ابن حجر العسقلاني، ج2، ص45.
94-مسند الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت.
95-موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين القبول والمعارضة تاريخ الوصول 2 يوليو 2011.
96-موقع ناسا: علم الفلك - صورة اليوم: الأخدود القمري
97-صيد الفوائد: المعجزات الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم تاريخ الوصول 19 يوليو 2011.
98-الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، يوسف النبهاني، المطبعة الأدبية، بيروت، ط1892.
99-خلاصة سير سيد البشر، المحبّ الطبري، تحقيق: طلال بن جميل الرفاعي، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1997.
100-المطالب العالية، ابن حجر العسقلاني، ج4، 
101-الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، ج1، دار الفكر، بيروت، ط1988. 
102-نظرية العقد، ابن تيمية، ص37.
103-تهذيب الأسماء واللغات، النووي، ج1،
104-صحيفة حصاد الإلكترونية: المدائح النبوية تاريخ الوصول 4 يوليو 2011.
105-أساطير أوروبا عن الشرق: لفّق تسد، رنا قباني، دار طلاس، دمشق، ط1994.
106-حياة محمد، وليم موير،
107-موقع اليوم: الغرب والإسلام فوبيا، رؤية المفكرين،
108- البابية،






































   

كتب الله لأغلبن أنا ورسلي

Download

About the book

Author :

أحمد إسماعيل زيد

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Biographies & Scholars