لما تلبسون الحق بالباطل

حين اطلعنا على كتب اليهود والنصارى وجدنا بها بعض النصوص تتوافق وما لدينا في القرآن الكريم ونصوصا لا تتوافق مع ما في القرآن الكريم ونصوصا أخر لا يقبلها العقل ولا المنطق.ولذا رأيت أن أذكر النصوص التي لديهم والتي تتوافق مع الآيات القرآنية الكريمة ونبين بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة أنه كان لديهم توراة حقيقية وإنجيل حقيقي في زمان نبي الله موسى ونبي الله عيسى عليهما السلام. ولكن بمرور الوقت وبسبب ما تعرض له بنوا إسرائيل من سبي وتشريد وضياع للتابوت أكثر من مرة أن ضاع العديد من مبادئ التوراة والإنجيل .
 ولكن أبقى الحق سبحانه وتعالى بعض النصوص صادقة لتظل شاهد صدق على قول الله تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور " وكذلك لتكون شاهدا على أن ما عداها من نصوص إنما هي ليست من عند الله  ؛ ولكننا لن نكن مثلهم نرمي بالشبهات دون دليل ولكن لن نذكر النص إلا بالبرهان والدليل كما علمنا ربنا جل وعلا حين قال " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هي أحسن "
كما نود أن نبين أن الله تعالى أحصى كل شئ وأنه جل وعلا ( لا يضل ولا ينسى ) وأنه سبحانه وتعالى لن يرضى بمسألة الأمر الواقع لأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان : أو أنه ( حاشاه ) ماذا سيفعل وقد تغيرت التوراة وتغير الإنجيل . فربما يظن بنوا إسرائيل أنهم بهذا سيعجزون الله تعالى وسيرضى بالأمر الواقع ؛ ولكن هيهات هيهات .
هذا في عرفهم وعرف من يخدعونهم ممن سرقوا أرضهم واغتصبوا أموالهم ثم يقولون لهم ليس لكم إلا كذا وكذا ؛ حينها يقول الأخرون :" أي شئ أفضل من لا شئ " فهذا أمر العاجز الضعيف ولكن حاشاه ربنا سبحانه وتعالى أن يكون كذلك فماذا يضيره جل وعلا إن أهلكهم بل وأهلك من في الأرض جميعا ؟
فلقد خُيل لبني إسرائيل أنه كما يكذبون على العالم ويضعونهم في أمر حرج ويجبرونهم على النزول على رغباتهم ونزواتهم فخُيل إليهم أيضا أنهم بإمكانهم أن يلجئوا الرب تعالى( حاشاه )  إلى ما يريدون .
 ومن ثم فلو لم يظل في كتبهم إلا نصا واحدا نستشهد به لكفى بل وإن لم نجد في كتبهم ما نستشهد به فلا حاجة لنا بهم لأننا لم نستشهد بنصوصهم لنؤمن بالله تعالى (حاشانا أن نفعل ذلك ) وإنما نقابل ما لديهم من نصوص  سليمة إن وجدنا لديهم بما لدينا ونستشهد بالنصوص الأخرى على أي الكتب هي حقا من عند الله تعالى .


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لما تلبسون الحق بالباطل }
إعداد
/ أ / أحمد إسماعيل زيد
محاضر بالأكاديمية الإسلامية
لدراسات الأديان والمذاهب
محاضر بقناة الأمة الفضائية


 

محتويات الكتاب

1- صفات الله الحسنى    ص//    4
 2-أوفوا بعهدي    ص//11
3-تسخير فرعون لبني إسرائيل
 ص//86
4-الوحي لموسى    ص//88      
 5-العصا    ص//98
6-رفض بنوا إسرائيل دخول الأرض المقدسة
ص//101
7-عيسى : أأنت قلت للناس  ص// 111
       8-البشارات    ص//116
المراجع //125




                     المقدمة
حين اطلعنا على كتب اليهود والنصارى وجدنا بها بعض النصوص تتوافق وما لدينا في القرآن الكريم ونصوصا لا تتوافق مع ما في القرآن الكريم ونصوصا أخر لا يقبلها العقل ولا المنطق.ولذا رأيت أن أذكر النصوص التي لديهم والتي تتوافق مع الآيات القرآنية الكريمة ونبين بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة أنه كان لديهم توراة حقيقية وإنجيل حقيقي في زمان نبي الله موسى ونبي الله عيسى عليهما السلام. ولكن بمرور الوقت وبسبب ما تعرض له بنوا إسرائيل من سبي وتشريد وضياع للتابوت أكثر من مرة أن ضاع العديد من مبادئ التوراة والإنجيل .
 ولكن أبقى الحق سبحانه وتعالى بعض النصوص صادقة لتظل شاهد صدق على قول الله تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور " وكذلك لتكون شاهدا على أن ما عداها من نصوص إنما هي ليست من عند الله  ؛ ولكننا لن نكن مثلهم نرمي بالشبهات دون دليل ولكن لن نذكر النص إلا بالبرهان والدليل كما علمنا ربنا جل وعلا حين قال " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هي أحسن "
كما نود أن نبين أن الله تعالى أحصى كل شئ وأنه جل وعلا ( لا يضل ولا ينسى ) وأنه سبحانه وتعالى لن يرضى بمسألة الأمر الواقع لأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان : أو أنه ( حاشاه ) ماذا سيفعل وقد تغيرت التوراة وتغير الإنجيل . فربما يظن بنوا إسرائيل أنهم بهذا سيعجزون الله تعالى وسيرضى بالأمر الواقع ؛ ولكن هيهات هيهات .
هذا في عرفهم وعرف من يخدعونهم ممن سرقوا أرضهم واغتصبوا أموالهم ثم يقولون لهم ليس لكم إلا كذا وكذا ؛ حينها يقول الأخرون :" أي شئ أفضل من لا شئ " فهذا أمر العاجز الضعيف ولكن حاشاه ربنا سبحانه وتعالى أن يكون كذلك فماذا يضيره جل وعلا إن أهلكهم بل وأهلك من في الأرض جميعا ؟
فلقد خُيل لبني إسرائيل أنه كما يكذبون على العالم ويضعونهم في أمر حرج ويجبرونهم على النزول على رغباتهم ونزواتهم فخُيل إليهم أيضا أنهم بإمكانهم أن يلجئوا الرب تعالى( حاشاه )  إلى ما يريدون .
 ومن ثم فلو لم يظل في كتبهم إلا نصا واحدا نستشهد به لكفى بل وإن لم نجد في كتبهم ما نستشهد به فلا حاجة لنا بهم لأننا لم نستشهد بنصوصهم لنؤمن بالله تعالى (حاشانا أن نفعل ذلك ) وإنما نقابل ما لديهم من نصوص  سليمة إن وجدنا لديهم بما لدينا ونستشهد بالنصوص الأخرى على أي الكتب هي حقا من عند الله تعالى .
1- صفات الله الحسنى
الله تعالى (إله واحد )

نحمد الله تعالى أن وجدنا في كتبهم ما نلوي به أعناقهم فكثيرا ما زعموا لله تعالى ( حاشاه ) الولد والشريك في الملك بل وكثيرا ما زعموا أنه ( حاشاه ) عاجز وفي حاجة ماسة ودائمة لعلمائهم وحاخاماتهم ؛ كما زعموا أنه يتعب ومن ثم فهو في حاجة للراحة مما صور لهم خيالهم المريض أنه شرع يوم السبت للراحة . فإليك عزيزي القارئ النص من العهد القديم ومن سفر إشعياء فيقولون فيه أن الرب جل وعلا إله واحد لا شريك له :
*5 أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. 6لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. 7مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ. إشعياء  ُ45 /5-6
وبالبحث وجدنا أن الترجمة المعتمدة عندهم تعطي نفس المعنى  فيقولون فى ترجمة الملك جيمس :

[5] I am the LORD, and there is none else, there is no God beside me: I girded thee, though thou hast not known me:
[6] That they may know from the rising of the sun, and from the west, that there is none beside me. I am the LORD, and there is none else.
[7] I form the light, and create darkness: I make peace, and create evil: I the LORD do all these things.

فإن قالوا بأن هذا نصا واحدا ومن ثم فلا يكون حجة عليهم وأن سفر إشعياء ليس من الأسفار الأولى وهي أسفار موسى عليه السلام نقول لهم  : إليكم أيضا نصا أخر من الأسفار الأولى  ألا وهو سفر التثنية  وفيه يقول الرب تبارك وتعالى :
* إ ِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ. تثنية 4/ 35   

    [35] Unto thee it was shewed, that thou mightest know that the LORD he is God; there is none else beside him.

وإن قال بعض النصارى بأن العهد القديم قد لا يكون حجة عليهم نقول لهم  لا بأس فإليكم نصوصا من العهد الجديد والقديم  تدل على وجدانية الله تعالى وقدرته  وعلى لسان من تؤمنون به :
* النص الأول :
29حين سأل أحد الكتبة يسوع عن أول كل الوصايا فَأَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، مرقص12/ 29  

[29] And Jesus answered him, The first of all the commandments is, Hear, O Israel; The Lord our God is one Lord:
[30] And thou shalt love the Lord thy God with all thy heart,
* النص الثاني :
16وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» 17فَقَالَ لَهُ:«لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. متى 19 /17

[16] And, behold, one came and said unto him, Good Master, what good thing shall I do, that I may have eternal life?
[17] And he said unto him, Why callest thou me good? there is none good but one, that is, God:

وبعدما تأكد لدينا أن الله جل وعلا أخبرهم بأنه سبحانه وتعالى إله واحد وأنه سبحانه  لا شريك له  أخبرهم جل وعلا أيضا بأنه على كل شئ قدير ؛ فقال :
* النص الأول :
فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. تكوين 1/1   

[1] In the beginning God created the heaven and the earth
* النص الثاني  :
ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ. 3وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. خروج 6/3

[2] And God spake unto Moses, and said unto him, I am the LORD:
[3] And I appeared unto Abraham, unto Isaac, and unto Jacob, by the name of God Almighty,
* النص الثالث :
وَهُوَذَا  أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، 37لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». لوقا 1/36

[36] And, behold, thy cousin Elisabeth, she hath also conceived a son in her old age: and this is the sixth month with her, who was called barren.
[37] For with God nothing shall be impossible.
* النص الرابع :

إن النص  التالي من أجمل النصوص وأروعها إذا أنه ينافي ما ذكروه في كتبهم حين قالوا أن الله تعالى ( حاشاه ) استراح في يوم السبت بعدما فرغ من خلق السموات والأرض وكل ما فيهما والحمد لله أن وجدناه لأننا حين  أخبرناهم بقول الله تعالى في القرآن الكريم ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )
 أنكروا علينا ذلك وقالوا أنهم أصحاب الكتاب الأول وهم أكثر دراية وعلما . فإليك عزيزي القارئ النص ومن كتبهم ينافي اعتقادهم براحة الله تعالى ( حاشاه ) وتعالى عن ذلك علوا كبيرا .

* أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. اشعياء40 /28

[28] Hast thou not known? hast thou not heard, that the everlasting God, the LORD, the Creator of the ends of the earth, fainteth not, neither is weary?
كما وجدنا نصوصا تبين أن الله تعالى ليس كمثله شئ :
* النص الأول :

هذا النص يبين لك عزيزي القارئ أنهم قوم بهت : لأنه إذا كان لديهم مثل هذه النصوص ثم هم يعدلون بالله تعالى آلهة لا تملك دفع الضر عن نفسها فضلا عن غيرها ولا كذلك تستطيع أن تجلب لها ولا لمن يعبدها خيرا فهم شر الدواب لأن النص لديهم يقول عن الله تعالى :
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ إشعياء 40/18

[18] To whom then will ye liken God? or what likeness will ye compare unto him?

* النص الثاني  :
وماذا عن النص التالي فأنا اعتبره من النصوص التي تجمع بين العديد من الأمور القدسية فقد ذكروا فيه أن الله تعالى هو الخالق وهو الإله الواحد وهو الصادق جل وعلا فقالوا فيه :
18لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. 19لَمْ أَتَكَلَّمْ بِالْخِفَاءِ فِي مَكَانٍ مِنَ الأَرْضِ مُظْلِمٍ. لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ: بَاطِلاً اطْلُبُونِي. أَنَا الرَّبُّ مُتَكَلِّمٌ بِالصِّدْقِ، مُخْبِرٌ بِالاسْتِقَامَةِ. اشعياء 45/18

[18] For thus saith the LORD that created the heavens; God himself that formed the earth and made it; he hath established it, he created it not in vain, he formed it to be inhabited: I am the LORD; and there is none else.
[19] I have not spoken in secret, in a dark place of the earth: I said not unto the seed of Jacob, Seek ye me in vain: I the LORD speak righteousness, I declare things that are right.

ولقد عجبت حين رأيت أن لديهم نصا مثل هذا الذي يقول :«لَيْسَ مِثْلَ اللهِ  تثنية 33/26
 [26] There is none like unto the God.



كما أقدم لك عزيزي القارئ بعضا من النصوص التي تؤكد أنه كان لديهم توراة حقيقية ذكر الله  جل وعلا فيها صفاته العلى والتي تشبه ما ذكر عندنا في القرآن الكريم والتي نوضح أن ما عداها من الصفات لا تمت لأي كتاب سماوي بصلة؛ وأنهم افتروا تلك الصفات وغيرها من عند أنفسهم والعجيب أنهم " يقولون هو من عند الله " ولكن سنثبت بإذن الله تعالى أنها ليست من عند الله .

فمن الصفات العلى لله تعالى أيضا: -

أن الله تعالى هو ( الأول والأخر )

هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي. 7وَمَنْ مِثْلِي؟ إشعياء 44/6

[6] Thus saith the LORD the King of Israel, and his redeemer the LORD of hosts; I am the first, and I am the last; and beside me there is no God.
[7] And who, as I, shall call, and shall declare it, and set it in order for me

وأن الله تعالى هو الذي( يحي ويميت)

أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلهٌ مَعِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي. سَحَقْتُ، وَإِنِّي أَشْفِي، وَلَيْسَ مِنْ يَدِي مُخَلِّصٌ. تثنية 32/ 39 

[39] See now that I, even I, am he, and there is no god with me: I kill, and I make alive; I wound, and I heal: neither is there any that can deliver out of my hand.

يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، 42وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 43حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ. متى 13/ 41  

[41] The Son of man shall send forth his angels, and they shall gather out of his kingdom all things that offend, and them which do iniquity;
[42] And shall cast them into a furnace of fire: there shall be wailing and gnashing of teeth.
[43] Then shall the righteous shine forth as the sun in the kingdom of their Father. Who hath ears to hear, let him hear.

وإليك عزيزئ القارئ بعضا من النصوص التي يأمر فيها الحق سبحانه وتعالى بأوامر لا تختلف عما جاء في القرآن الكريم  :-
أولا : الله تعالى ( يأمر بالتقوى)
«فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ، مَاذَا يَطْلُبُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلاَّ أَنْ تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ لِتَسْلُكَ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَتُحِبَّهُ، وَتَعْبُدَ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، تثنية 10/12

[12] And now, Israel, what doth the LORD thy God require of thee, but to fear the LORD thy God, to walk in all his ways, and to love him, and to serve the LORD thy God with all thy heart and with all thy soul,
ثانيا : الله تعالى ( يحرم شرب الخمر) 
وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. 14وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، 15لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، لوقا 1/15


[13; and thy wife Elisabeth shall bear thee a son, and thou shalt call his name John.
[14] And thou shalt have joy and gladness; and many shall rejoice at his birth.
[15] For he shall be great in the sight of the Lord, and shall drink neither wine nor strong drink; and he shall be filled with the Holy Ghost, even from his mother's womb.

ثالثا : الله تعالى ( ينهى عن الشرك)
1ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلاً: 2«أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 3لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. 4لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. 5لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، 6وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. 7لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. خروج 20/2

1] And God spake all these words, saying,
[2] I am the LORD thy God, which have brought thee out of the land of Egypt, out of the house of bondage.
[3] Thou shalt have no other gods before me.
[4] Thou shalt not make unto thee any graven image, or any likeness of any thing that is in heaven above, or that is in the earth beneath, or that is in the water under the earth:
that in them is, and rested the seventh day: wherefore the LORD blessed the sabbath day, and hallowed it.



























ثانيا : أوفوا بعهدي
---------------
تمهيد:-
وهكذا عزيزي القارئ كما رأينا من كتبهم ومن النصوص التي بين أيديهم أن الله تعالى ( غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فالآن سنطلعك على نصوص أخرى تبين لك بأن الله تعالى صادق حين أخبرنا بقوله تعالى " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم "
فلقد وجدنا نصا في العهد القديم يبين ويذكر تلك الحقيقة ولكن كدأب بني إسرائيل فهم لا يرون الثواب والعقاب إلا في الدنيا فيذكرون أن الله تعالى وعدهم إن هم عملوا بأوامره سبحانه وتعالى سيبارك في حياتهم وأموالهم وأولادهم أما إن خالفوا أوامره سيرميهم بالوباء والهلاك .
فسنذكر ما قالوه في كتبهم أولا ثم نعقب بما جاء في القرآن الكريم لتري رأي العين ماذا فعل بنوا إسرائيل بأنفسهم وبأبنائهم فلو حافظوا على ما أنزل الله تعالى لكان خيرا لهم . قكتبوا بأيديهم ما سولت لهم أنفسهم به وحاولوا إقناع أبناءهم أنه من عند الله تعالى ولذا حذرهم الحق تعالى في القرآن الكريم فقال " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " 
أولا : العهد كما جاء في العهد القديم :
 يقولون بأن الرب تبارك وتعالى قال لهم : «إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا،
4أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَتُعْطِي أَشْجَارُ الْحَقْلِ أَثْمَارَهَا، 5وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِالْقِطَافِ، وَيَلْحَقُ الْقِطَافُ بِالزَّرْعِ، فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشِّبَعِ وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ.
 6وَأَجْعَلُ سَلاَمًا فِي الأَرْضِ، فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ.
 7وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. 8يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً، وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ.
 9وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ،
 10فَتَأْكُلُونَ الْعَتِيقَ الْمُعَتَّقَ، وَتُخْرِجُونَ الْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ الْجَدِيدِ.
 11وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي.
 12وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا.
 13أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَوْنِكُمْ لَهُمْ عَبِيدًا، وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَامًا. لاويين 26/3  
وفي الترجمة المعتمدة لديهم :
[1] Ye shall make you no idols nor graven image, neither rear you up a standing image, neither shall ye set up any image of stone in your land, to bow down unto it: for I am the LORD your God.
[2] Ye shall keep my sabbaths, and reverence my sanctuary: I am the LORD.
[3] If ye walk in my statutes, and keep my commandments, and do them;
[4] Then I will give you rain in due season, and the land shall yield her increase, and the trees of the field shall yield their fruit.
[5] And your threshing shall reach unto the vintage, and the vintage shall reach unto the sowing time: and ye shall eat your bread to the full, and dwell in your land safely.
[6] And I will give peace in the land, and ye shall lie down, and none shall make you afraid: and I will rid evil beasts out of the land, neither shall the sword go through your land.
[7] And ye shall chase your enemies, and they shall fall before you by the sword.
[8] And five of you shall chase an hundred, and an hundred of you shall put ten thousand to flight: and your enemies shall fall before you by the sword.
[9] For I will have respect unto you, and make you fruitful, and multiply you, and establish my covenant with you.
[10] And ye shall eat old store, and bring forth the old because of the new.
[11] And I will set my tabernacle among you: and my soul shall not abhor you.
[12] And I will walk among you, and will be your God, and ye shall be my people.
[13] I am the LORD your God, which brought you forth out of the land of Egypt, that ye should not be their bondmen; and I have broken the bands of your yoke, and made you go upright.
هذا ما ذكروه في العهد القديم الذي يزعمون أنه من عند الله : ولكن لم نرى عهدا بالإيمان به تعالى وبرسله ووعدا لهم بالجنة في اليوم الأخر كما أخبرنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ؛ لأن الدنيا وإن ملكناها فهي إلى زوال ومن ثم فلا تصلح أن تكون جزاء للطائعين والمتقين . ولذا أخبرنا سبحانه وتعالى أنه يعطيها لمن أحب ولمن لم يحب  أما الجنة فلن يعطيها إلا لمن أحب سبحانه وتعالى .
ولكن لأن بني إسرائيل من الغباء بمكان فظنوا أن الدنيا تكفي أن تكون جزاء لهم وليتهم كسبوها  ولكنهم خسروا الدنيا والآخرة "وذلك هو الخسران المبين" ويا ترى ماذا عليهم إن خالفوا أوامره سبحانه وتعالى ؟ 
فيذكرون في سفر اللاويين 26/ 15 أن الرب تعالى قال لهم :
«لكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا،
 15وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي، فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ، بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي،
 16فَإِنِّي أَعْمَلُ هذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا وَسِلُا وَحُمَّى تُفْنِي الْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ النَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلاً زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ.
 17وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ.
18«وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ،
 19فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ، وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَالْحَدِيدِ، وَأَرْضَكُمْ كَالنُّحَاسِ، 20فَتُفْرَغُ بَاطِلاً قُوَّتُكُمْ، وَأَرْضُكُمْ لاَ تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارُ الأَرْضِ لاَ تُعْطِي أَثْمَارَهَا.
21«وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ.
 22أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ الْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ الأَوْلاَدَ، وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ، وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ.
23«وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذلِكَ، بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ،
 24فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ.
 25أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفًا يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ الْمِيثَاقِ، فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِي وَسَطِكُمُ الْوَبَأَ فَتُدْفَعُونَ بِيَدِ الْعَدُوِّ.
 26بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا الْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِالْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ.
27«وَإِنْ كُنْتُمْ بِذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ،
 28فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ سَاخِطًا، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، 29فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ.
 30وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ، وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ، وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي.
 31وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً، وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سَرُورِكُمْ.
 32وَأُوحِشُ الأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ السَّاكِنُونَ فِيهَا.
 33وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ،
 وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ السَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحَشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً.
 34حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي الأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ الأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا.
 35كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا.
 36وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي الْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ، فَيَهْرُبُونَ كَالْهَرَبِ مِنَ السَّيْفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ.
 37وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ،
 وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ،
 38فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ.
 39وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ.
 40لكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُونِي بِهَا، وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ الَّذِي سَلَكُوا بِالْخِلاَفِ،
41وَإِنِّي أَيْضًا سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلاَّ أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ الْغُلْفُ، وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ،
 42أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ، وَأَذْكُرُ أَيْضًا مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ، وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ،
وَأَذْكُرُ الأَرْضَ.
 43وَالأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا فِي وَحْشَتِهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ يَسْتَوْفُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَحْكَامِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ فَرَائِضِي
. 44وَلكِنْ مَعَ ذلِكَ أَيْضًا مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ، مَا أَبَيْتُهُمْ وَلاَ كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ.
 45بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ الْمِيثَاقَ مَعَ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ لأَكُونَ لَهُمْ إِلهًا. أَنَا الرَّبُّ».
46هذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي وَضَعَهَا الرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِيَدِ مُوسَى.
وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال عن القرآن الكريم أنه مهيمنا على الكتب السابقة ومصدقا لها ومصححا لما أفسده أهل الكتاب وبما قاموا به من تغيير وتبديل ولأن الشئ بالشئ يذكر رأيت أن أذكر ما بينه القرآن الكريم في هذا الخصوص .
 فسبحان الله رغم أن بني إسرائيل زعموا أن الله تعالى عهد إليهم بعهود عدة منها العهد المزيف بإمتلاك الأرض من النيل إلى الفرات والذي ثبت بالأدلة والبراهين أنه عهد مزيف باطل وما أنزل الله تعالى به من سلطان .
إلا أن القرآن الكريم حين يتحدث ينأى بنفسه عن هذه المهاترات فلا يذكر إلا ما ذكره الحق سبحانه وتعالى حقا  " أحصاه الله ونسوه " فلو أن الله تعالى كان قد قطع معهم عهدا بإمتلاك الأرض فما يضيره جل وعلا أن يذكره ولكن مادام القرآن الكريم لم يذكر شيئا عن هذه العهود إذن فليس لها أساس من الصحة .
ولذا يترك الحق سبحانه تفنيد تلك العهود للعلماء والباحثين من باب قوله تعالى " ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول لعلمه الذين يستبطونه منهم " وهذا ما يقوم به العلماء في كل زمان ومكان فهم يردون أولا بأول على مزاعم  بني إسرائيل .
وليس هذا فحسب بل يقوم العلماء بتوضيح مراد الله تعالى كما جاء في القرآن الكريم ولا يندفعون وراء مزاعم وأكاذيب بني إسرائيل فيسيرون وراءهم بحجة أن هذه العهود إنما هي لهم فهم يعلمون أن بني إسرائيل قوم بهت يحرفون الكلم عن مواضعه ومن ثم فلا أمان لهم إن اقتفوا أثرهم .والدليل على ذلك ما قام به علماءنا الأجلاء من توضيح وتفسير لما جاء في القرآن الكريم بخصوص عهد الله تعالى لبني إسرائيل :
 فلقد رأيت عزيزي القارئ ما ذكروه في كتبهم من الجزاء الذي وعدهم الله تعالى به إن أطاعوه ؛ والعقاب الذي توعدهم به إن خالفوا أمره .
والآن هيا بنا نتابع ما قاله العلماء الأجلاء في أول حديث للقرآن الكريم عن بني إسرائيل وعن وعد الله تعالى لهم . وستجد عزيزي القارئ فارقا شاسعا بين ما جاء في القرآن الكريم وما جاء عندهم لتعلم  صدق القرآن الكريم حين قال أن كل ما سبق للقرون الأولى أنه  " في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى "
فيقول الحق تبارك وتعالى في أول حديث له عن بني إسرائيل  {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}البقرة 40
قوله تعالى : {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} نداء لبني إسرائيل : وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ومن معاني  إسرائيل  " عبدالله "  قال ابن عباس : إسرا بالعبرانية هو عبد و إيل هو الله ، وقيل إسرا هو صفوة الله و إيل هو الله وقيل إسرا من الشدة فكأن إسرائيل الذي شده الله وأتقن خلقه
 بخلاف ما يقول بنوا إسرائيل الذين يذكرون تعريفا لمعني إسرائيل في غاية الغرابة فيقولون في سفر التكوين :
 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.
30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ. 32لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى :
أما قوله تعالى : {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} والمعنى: اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة. وقيل إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها ؛ وعليهم أن يشكروا الله تعالى على كل نعمه ومنها :أن أنجاهم من آل فرعون ؛ وجعل منهم أنبياء ؛ وأنزل عليهم الكتب ؛وأطعمهم المن والسلوى ؛  وفجر لهم في الحجر الماء ؛ وكذلك  استودعهم التوراة التي فيها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ورسالته ؛ وإن كانت هذه النعم على الأباء فشرف الأباء شرف لهم .
ومن رحمة الله تعالى بأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه تعالى أراد منهم شكر وذكر المنعم سبحانه دون النعمة  فقال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة : 152] ليلفت نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعمة.
وعن قوله تعالى : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} يذكر العلماء أنه  لو قال تعالى "أوفي " لأوفى جل وعلا لهم سواء أطاعوه تعالى أو خالفوا أوامره ولكن أتى بها القرآن هكذا " أوف " ليكون الوفاء متوقفا على فعل الشرط إن أطاعوه سبحانه حينئذ يجدونه تعالى أوفى مما يتخيلون لأنه " ومن أوفى بعهده من الله " أما إذا خالفوا أمره تعالى فليس لهم ما يطالبون به لأنهم لم يقدموا ما يستحق الوفاء
 واختلف العلماء  في هذا العهد ؛  ما هو ؟  فقال الحسن : عهده قوله : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة : 63] وقوله {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة : 12] وقيل هو قوله{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران : 187]
وقال الزجاج "أوفوا بعهدي" الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم "أوف بعهدكم" بما ضمنت لكم على ذلك إن أوفيتم به فلكم الجنة وقيل "أوفوا بعهدي" في أداء الفرائض على السنة والإخلاص "أوف" بقبولها منكم ومجازاتكم عليها.
 وقال بعضهم "أوفوا بعهدي" في العبادات "أوف بعهدكم" أي أوصلكم إلى منازل الصالحين . وقيل "أوفوا بعهدي" في حفظ آداب الظواهر "أوف بعهدكم" بتزيين سرائركم وقيل هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة وغيره. هذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح. وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة.


ويضيف القرطبي فيقول  : وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة : 1] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل : 91] ، وهو كثير ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له بل ذلك تفضل منه عليهم أما قوله تعالى : {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي خافون والرهب والرهبة الخوف ويتضمن الأمر به معنى التهديد
ولقد ذكروا في سفر التثنية ما هو قريب من ذلك فقالوا : 34«أَلَيْسَ ذلِكَ مَكْنُوزًا عِنْدِي، مَخْتُومًا عَلَيْهِ فِي خَزَائِنِي؟ 35لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاءُ. فِي وَقْتٍ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ    تثنية 32 /34
وكلمة العهد إنما تعني :
أن الله جل وعلا أوجب على ذاته سبحانه وتعالى أن يقيم بينه وبين عباده شرطا أن يجزيهم بالطاعة الحسنى ومنزلة الكرامة وإن خالفوه أن يعاقبهم بما يناسب جرمهم الذي ارتكبوه
ولقد رأينا الفارق بين فهم بني إسرائيل لعهد الله تعالى وبين فهم علماء المسلمين لعهد الله جل وعلا  ولكى نرجح كفة على أخرى فينبغى أن نبين بالآيات ماذا تعني كلمة العهد وهل أوفى بنوا إسرائيل بما عهد الله تعالى لهم أم لا ؟
فمن البديهي أن يكون العهد من الله تعالى على قدره جل وعلا بمعنى أنه من المحال على الله تعالى أن يعهد لبني البشر أن يستعبد بعضهم بعضا ؛ أو أن يبخل الأغنياء بمالهم على الفقراء أو أن ينصح الأقوياء بالسطو على الضعفاء حاشاه تعالى أن يأمر بالفحشاء أو أن يعهد بها .
وكذلك حاشاه تعالى أن يكون كل الثواب والجزاء منه هي الدنيا أن ينعم على من أطاعه بنعم وأرزاق ثم يمنع من عصاه من حقه في الحياة فهو تعالى أكرم من ذلك .
ومن ثم فالعهد لابد أن يكون أسمى من هذا : أي أنه ينبغي أن يكون عهدا يليق بجلاله تعالى . وكذلك عهد لا يزيده تعالى إن أقمناه ولا ينقص من قدره سبحانه إن خالفناه بل إن الفائدة لنا إن أطعناه سبحانه وتعالى وسؤء العاقبة علينا إن خالفناه جل وعلا  .
ومن كرم الله تعالى أنه جل وعلا لم يخف عن الخلق الحقيقة بل من أول وهلة وحين خلق آدم عليه السلام بين له أن لله تعالى عهدا وله الحسنى والكرامة إن أطاع  والمعاناة والشقاء إن عصى فقال تعالى " فقلنا يآدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها حيث شئتما رغدا  ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "
هنا وباختصار شديد يتبين لنا ما هو العهد الذي عهد الله تعالى به لآدم وذريته من بعده بغض النظر عن المعطيات فقد تختلف بإختلاف الأزمان فالعهد إنما يعني أن لله تعالى أوامر ينبغى على العبد أن يأتي منها ما يستطيع ونواهي ينبغى على العبد اجتنابها .
وليس هذا فحسب بل إن الله تعال بين من البداية ثواب الطاعة وشؤم المعصية فقال تعالى مبينا لآدم عليه السلام إن أطاع ربه تعالى وأكل مما أحله الله تعالى وعده بقوله سبحانه" إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى "
ثم أخبره تعالى أن هناك عدوا ربما يكون خافيا عليه وهو إبليس وأعوانه فهم " يرونه هم وقبيله من حيث لا يرونهم " وعلى آدم وذريته أن تحذر هذا العدو الذي لا يريد لها إلا الهلاك  ؛ كما أن الله تعالى بين لآدم عليه السلام ماذا سيتعرض له إن نسي وخالف أوامر ربه سبحانه فقال تعالى " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " ومعناه إن خالفت يآدم فلا جوار لك عندى ولا نعيم مقيم بل عناء وشقاء وحينها لا تلومن إلا نفسك .
وهذا يوافق تماما ما عهد به الله تعالى جميع الأمم له تعالى عليهم شروط ولهم عنده سبحانه الجزاء الأوفى إن أطاعوه سبحانه والعقاب إن خالفوا أمره جل وعلا .
ولقد ذكر بنوا إسرائيل العهد الذي قطعه الله تعالى عليهم  ووضحناه آنفا وإن كان على غير القدر اللائق  كما بينا لأنه لا ينبغي أن يكون كل الجزاء في الدنيا  وحسب وكذلك لا ينبغى أن  لا يحتوى العهد على إيمان به تعالى وبرسله وكتبه واليوم الأخر وحسن معاملة الجيران  ؛ لان في عهد بني إسرائيل نلحظ أنه عهد خاص بهم وكأنه لم يكن أحدا معهم في الأرض  وكأنهم ضمنوا الآخرة فلا تعنيهم في شئ .
إذن فالمنطق يقتضي ماحكاه القرآن الكريم عن العهد سواء لبني إسرائيل أو لغيرهم من الأمم  فالبشر جميعا أمام الله تعالى سواء ولهم ميعاد يجمعهم الله فيه للفصل بينهم فهذا يقضى بأن يكون موضوع الحساب واحد وهو أنه كان لله تعالى على البشر أن يطيعوه فيما أمر وأن يجتنبوا ما نهاهم عنه .
فليس من العدل والإنصاف أن يعد أمة ما أن يكون جزاءها مقتصرا على الحياة الدنيا ولا يكلفها الإيمان به تعالى ولا برسله وأن تفعل ما تشاء وسيوفيها أجرها في الدنيا ثم هو يرهق تعالى (حاشاه ) باقي الأمم وأن يؤمنوا بجميع الأنبياء والكتب واليوم الأخر ويؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار إذن فعدل الله تعالى يقضي أن تكون الرسالة للجميع واحدة والعهد للجميع واحد والقيامة واحدة والجزاء واحد ؛ الجنة والنعيم المقيم لمن أطاع والنار والعذاب الأليم لمن عصى وخالف أمره تعالى .
والعجيب أنك حين تمعن النظر في القرآن الكريم تجد أن الله تعال عهد لبني إسرائيل بما عهد به  إلينا فقال تعالى وهو جل وعلا يقص علينا أحوال بني إسرائيل   " وقال الله تعال إني معكم لئن أقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار "
الله أكبر !! وهل عهد الله تعال إلينا بما هو أكثر من ذلك أو أكثر ؟ الحق :  أن لا ؛  بل هذا ما عهد الله تعالى به جميع الأمم والأنبياء  .
والسؤال الآن : هل استجابت الأمم جميعها لهذا العهد وبخاصة بني إسرائيل ؟ وقبل أن نجيب نعرض العهد كما جاء في القرآن الكريم ثانية ونقطة نقطة ونرى :
أولا: إختار الله تعالى منهم اثني عشر نقيبا من كل سبط من ابناء نبي الله يعقوب رجل له مكانة ومهابة بين أهله ولن يكلفهم بجديد بل يكلفهم ما جاءهم به نبي الله موسى عليه السلام وإنما فكرة النقباء لتيسير الأمور والإجابة على التساؤلات لأنه ليس من المعقول أن يتجه كل بني إسرايل إلى نبي الله موسى عليه السلام  أو من جاء بعده من الأنبياء في آن واحد ليسألوه عن مسألة واحدة .
إلا أننا رأيناهم لم يستجيبوا لا إلى الأنبياء ولا إلى المصلحين من أقوامهم طاردوا بعضهم عاندوا بعضهم قتلوا البعض الأخر وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى " أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "
ولقد ذكروا في إنجيل متى أن نبي الله عيسى عليه السلام ذكرهم بهذا ألا وهو قتل أباءهم للأنبياء فقال :30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. متى 23/31
والعجيب أن ظل هذا الداء فيهم إلى نبي الله عيسى عليه السلام فعاندوه وطاردوه وأرادوا قتله إلا أن الله تعال نجاه من بينهم ورفعه وأبقى لهم ما يرتكبون معه جريمة القتل لتثبت عليهم الحجة وهذا يعتي أنهم لو ظفروا بنبي الله عيسى عليه السلام ما تركوه .
وما فعلوه مع نبينا محمد صلى الله عليه مسلم من عناد وتأليب القبائل عليه وإشعال الفتن ومحاولة التخلص منه صلى الله عليه وسلم مرارا وتكرارا ولولا أنه عليه الصلاة والسلام معصوم من الله تعالى لحدث مالم يحمد عقباه .
ثانيا : وعدهم الحق سبحانه وتعالى بالمعية : أي أن يكون معهم في حلهم وترحالهم وفي حروبهم وسلمهم وفي حياتهم الدنيا وفي الآخرة إن وفوا وأدوا ما طلب منهم وليس لهم عند الله تعالى عهد إن خالفوا أوامره سبحانه وتعالى
ولأن الشئ بالشئ يذكر فنود أن نبين هنا أن معية الله تعالى أن سبحانه وتعالى جل قدره لا ينزل من علياءه ليجاورهم وليسير معهم كما زعموا وقالوا  21وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً. 22لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ.
فحاشاه وتعالى عن ذلك علوا كبرا  وإنما المعية بمعناها الواسع الذي نفهمه نحن المسلمبن حين قال تعالى للملائكة في غزوة بدر " أني معكم فثبتوا الذين آمنوا " فهو جل وعلا معهم بقدرته وعظمته ومدده فهو القاهر فوق عباده والقادر على كل شئ وكذلك حين قال صلى الله عليه وسلم لرفيقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار " ما ظنك بإثنين الله ثالثهما " وهذا ما بينه القرآن الكريم حين قال تعالى "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " أي أن الله تعالى يحرصنا بعنايته فكما أنه سبحانه لا تدركه الأبصار سيمن علينا بهذه المنة فلا يرانا أحد من المشركين وقد كان بفضل الله تعالى وهذا هو الفارق بينا وبين بني إسرائيل فهم أصحاب فهم بطئ .
وأنا لا أذمهم إن قلت ذلك فلقد سجلوا  بأيديهم ذلك في كتبهم المقدسة واعترفوا أنهم على قدر كبير من الغباء فقالوا في سفر إشعياء أن الرب تعالى وصفهم بذلك فقال : 2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. 3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». 4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. 5عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ،
نعود للعهد فماذا طلب منهم مقابل هذه المنة والمنحة الأولى وهي معية الله تعالى لهم وعليها فضل الله سبحانه بتكفير الذنوب وإدخالهم الجنة ؟
أ- إقامة الصلاة :
إقامة الصلاة ؟!!! نعم إقامة الصلاة فقد كانت هناك صلاة في زمن نبي الله موسي عليه السلام ومن كان قبله من الأنبياء  ؛ ولقد ذكر العهد القديم في أكثر من موضع أن الأنبياء كانوا يصلون إذا أهمهم أمر أو أرادوا أمرا ما من ربهم جل وعلا فعلى سبيل المثال ذكر العهد القديم أن النبي إسحاق عليه السلام صلى لله تعالى من أجل أن يرزقه ببنين فقالوا :
 20وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ. 21وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ امْرَأَتُهُ. 22وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: «إِنْ كَانَ هكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟» فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ الرَّبَّ. 23فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ».
كما ذكروا أن نبي الله موسى عليه السلام اتجه إلى ربه بالدعاء والتضرع أكثر من مرة ليقنع فرعون بأنه رسول من عند الله تعالى فقالوا :
. 29فَقَالَ مُوسَى: «هَا أَنَا أَخْرُجُ مِنْ لَدُنْكَ وَأُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ، فَتَرْتَفِعُ الذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ غَدًا. وَلكِنْ لاَ يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ لِيَذْبَحَ لِلرَّبِّ».
كما أن موسى عليه السلام صلى وشكر الله تعالى حين نجاه من فرعون فقالوا في سفر الخروج :
1حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: «أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ. 2الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. 3الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الرَّبُّ اسْمُهُ. 4مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ الْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ، 5تُغَطِّيهِمُ اللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ. 6يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِالْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ الْعَدُوَّ.
وكذلك تضرع موسى عليه السلام لله تعالى أن يغفر لبني إسرائل ما ارتكبوه من الأثام فقال :
11فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ 12لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ الْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ؟
وعن نبي الله عيسى عليه السلام ذكروا في أكثر من موضع أنه عليه السلام كان يصلي لله تعالى فقالوا في إنجيل متى  36حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ:«اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». 37ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».
 40ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 42فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». 43ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 45ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ:«نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 46قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!».
وإن قالوا بأنه كان دعاءا  نقول نعم والصلاة من معانيها الدعاء  فقال تعالى " وادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين"
ومن ثم فلا ريب أن الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام أمروا أقوامهم بها ولكن العديد من الأقوام عاندوا الأنبياء ويبدوا أنهم أضاعوها كما أضاعوا العديد من نصوص وأوامر التوراة والإنجيل .
وإن قالوا بأنهم لم يكلفوا بالصلاة بل إنها كانت خاصة بالأنبياء نقول : إذن فنحن المسلمين ينبغي أن نحمد الله تعالى أن كلفنا بما كلف به الأنبياء الكرام كما نحمده تعالى أن وفقنا في أدائها في أوقاتها بل ومن جميل كرمه تعالى أن قبلها منا وجعلها قرة عين لنا وجعلها لنا نورا يوم القيامة .
والأنبياء على علم بالصلاة
والدليل على علم الأنبياء بالصلاة  أن نبي الله موسي عليه السلام أشفق على الأمة الإسلامية حين تقابل مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج وسأله " ما فرض عليك ربك " قال صلى الله عليه وسلم " فرض علي ربي خمسين صلاة في اليوم والليلة حينها أشفق عليه نبي الله موسى عليه السلام وقال يا محمد سل ربك التخفيف فإن أمتك لن تطيق  .
 وظل الأمر بينهما كذلك إلى أن قال جل وعلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إنهن خمس قي الأداء خمسون في الأجر لأنه لا يبدل القول لدي .حينها خجل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل التخفيف .
وليس هذا فحسب بل إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم صلى إماما بالأنبياء جميعا في بيت المقدس فهل كان سيصلى بهم صلاة لا يدرون ما هي ؟ أو أنه صلى الله عليه وسلم سيكون في واد وهم في أخر ؟ من المستحيل أن يكونوا كذلك  .
الشاهد هنا : لو أن نبي الله موسى عليه السلام لا علم له بالصلاة وشروطها وأدائها هل كان سيتدخل فيما لا يعنيه ولا يفهمه ؟ بالطبع لا ( حاشاه )  وإنما تدخله عليه السلام له أكثر من فائدة :
الأولى  : هو أن أنبياء الله جميعا يرسلهم الله تعالى لخلقه برسالة واحدة هي عبادة الله تعالى ولا يشركوا به شيئا ومن المعلوم أن الرباط والصلة بين العباد والله تعالى هو الصلاة فما كان الله تعالى ليمن بها على بعض خلقه ويحرم منها الأخرون . وهذا دليل على أن الجميع أمر بها ولكن حافظ عليها المسلمون كما أمروا بها وأضاعتها الأمم الأخري  .
الثانية : أن الأنبياء حقا رحمة من الله للعباد بدليل أن حين عانى نبي الله موسى من قومه ما عاناه أشفق علينا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن نكلف مالا نطيق فأراد لنا التخفيف لنتم المراد من رب العباد .
ولذا سأعرض لك عزيزي القارئ كيفية الصلاة في اليهودية والمسيحية والإسلام لتعلم أنه كانت هناك صلاة أمر الله تعالى بها الجميع إلا أنه إلتزمت أمتنا الإسلامية  وأضاعتها الأمم الأخرى ونبدأ بكيفية الصلاة عندنا ثم نقارنها بما عند أهل الكتاب .
  ونسأل النصارى : الإستعداد للصلاة وضوء أم تعميد ؟
لقد وجدت بحثا على شبكة الإنترنت يناقش هذا الموضوع نقدمه لك عزيزي القارئ بتصريف يسير فيقول كاتب البحث : يزعم بعض المغالطين أن الوضوء في الإسلام مأخوذ عن التعميد في المسيحية، ويستدلون على ذلك بأن الوضوء يبدأ بالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" التي تقابل التثليث في المسيحية. ويهدفون من وراء ذلك إلى إثبات أن الإسلام لم يأت بجديد في جانب العبادات.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الوضوء لغة بفتح الواو: اسم للماء الذي يتوضأ به، وبضمها: مصدر من توضأ، واصطلاحا: التطهر بالماء بطريقة معينة، وهو واجب شرعا للصلاة والطواف، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
2)  مقاصد الوضوء التربوية والشرعية كثيرة، والحكمة منه ظاهرة، إذ هو طهارة للجوهر والمظهر.
3) الوضوء يختلف عن التعميد قصدا وكيفية وعبادة؛ فالوضوء طهارة،كما أنها لزمة لكل صلاة بخلاف التعميد الذي يتم مرة واحدة فى العمر . لأن  التعميد بقصد به محو الخطايا خصوصا الخطيئة الأصلية لآدم، وهي ما لم يرتكبه الطفل المعمد ولا ذنب له فيه، وهو - أي التعميد -: عادة وثنية قديمة.
4) البسملة تشتمل على لفظ الجلالة وصفات متعددة لله الواحد، أما التثليث فيشتمل على أقانيم - آلهة - ثلاثة،ألآب والابن وروح القدس ولا وجه للتشابه أو التقارب بينهما.
التفصيل والتوضيح :
أولا. الوضوء لغة واصطلاحا، ودليل مشروعيته وحكمه: الوضوء لغة: بضم الواو اسم للفعل، الذي هو المصدر، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به، وهو من الوضاءة. وشرعا: طهارة بالماء تتعلق بالوجه، واليدين، والرأس، والرجلين، وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص شرعا وضوءا لتنظيفه المتوضيء وتحسينه
دليل مشروعية الوضوء: 1. القرآن الكريم: قال عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين( (المائدة: 6).
2. السنة المطهرة: قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ] وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور»
3. الإجماع: انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا فصار معلوما من الدين بالضرورة
أولا: صفة الوضوء
* إذا أراد المسلم أن يتوضأ فإنه ينوي الوضوء بقلبه ثم يقول : ( بسم الله ) لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) وإذا نسي أن يسمي فلا شيء عليه .
* ثم يُسن أن يغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يبدأ وضوءه .
* ثم يتمضمض ، أي : يدير الماء في فمه ، ثم يخرجه .
* ثم يستنشق ، أي يجذب الماء بنَفَسٍ من أنفه ، ثم يستنثر ، أي يخرجه من أنفه .
* ويُستحب أن يُبَالغ في الاستنشاق ( أي يستنشق بقوة ) إلا إذا كان صائماً ، فإنه لا يُبالغ ، خشية أن يدخل الماء إلى جوفه ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )
* ثم يغسل وجهه ، وحدُّ الوجه طولاً : من منابت شعر الرأس ، إلى ما انحدر من اللحيين والذقنين . ، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً
* والشعر الذي في الوجه إن كان خفيفاً فيجب غسله وما تحته من البشرة ، وإن كان كثيفاً وجب غسل ظاهره ، لكن يُستحب تخليل الشعر الكثيف ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء 
* ثم يغسل يديه مع المرفقين ، لقوله تعالى { وأيديكم إلى المرافق }،
* ثم يمسح رأسه مع الأذنين مرة واحدة ، ويبدأ من مقدمة رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخرة رأسه ثم يعود إلى مقدمة رأسه مرة أخرى ، ثم يمسح أذنيه بما بقي على يديه من ماء الرأس
* ثم يغسل رجليه مع الكعبين ، لقوله تعالى { وأرجلكم إلى الكعبين }  والكعبان هما العظمان البارزان في أسفل الساق ، ويجب غسلهما مع الرجل .
* من كان مقطوع الرجل أو اليد ، فإنه يغسل ما بقي من يده أو رجله مما يجب غسله ، فإذا كانت اليد أو الرجل مقطوعة كلها ، غسل رأس العضو .
* ثم يقول بعد فراغه من الوضوء : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )
* يجب على المتوضئ أن يغسل أعضاءه بتتابع ، فلا يؤخر غسل عضو منها حتى ينشف الذي قبله . * يباح أن يُنشف المتوضئ أعضاءه بعد الوضوء .
ثانيا : سنن الوضوء :
-1يُسَن للمسلم أن يتسوك عند وضوءه ، أي قبل أن يبدأ وضوءه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء )
-2يُسَن للمسلم أن يغسل كفيه ثلاثاً قبل أن يبدأ وضوءه إلا إذا كان قائماً من النوم ، فإنه يجب عليه غسلهما ثلاثاً قبل وضوءه ، لأنه قد يكون فيهما أذى وهو لا يشعر ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده )
3-تُسَن المبالغة في الاستنشاق ،
-4 يُسَن للمسلم عند غسل وجهه أن يُخلل لحيته إذا كانت كثيفة
-5 يُسَن للمسلم عند غسل يديه ورجليه أن يخلل أصابعهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وخلل بين الأصابع )
-6 يُسَن للمسلم أن يبدأ في وضوءه بأعضائه اليمنى قبل اليسرى ، أي أن يبدأ بغسل اليد اليمنى قبل اليد اليسرى ، والرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى .
-7يُسَن للمسلم أن يغسل أعضاءه في الوضوء مرتين أو ثلاث مرات ولا يزيد على الثلاث ، أما الرأس فإن لا يمسحه أكثر من مسحة واحدة .
-8يُسَن للمسلم أن لا يسرف في ماء الوضوء ، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً وقال: ( من زاد فقد أساء وظلم )
نواقض الوضوء : ينتقض وضوء المسلم بهذه الأشياء :
-1 الخارج من السبيلين ، من بولٍ أو غائط .
-2 الريح الخارجة من الدُبر .
3 -زوال عقل الإنسان ، إما بجنون ، أو إغماء ، أو سُكْر ، أو نوم عميق لا يحس فيه بما يخرج منه ، أما النوم اليسير الذي لا يغيب فيه إحساس الإنسان ، فإنه لا ينقض الوضوء .
-4لمس الفَرْج باليد بشهوة ، سواءً كان فَرْجه هو أو فَرْج غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مسَّ فرجه فليتوضأ )
 -5أكل لحم الإبل ، لأنه صلى الله عليه وسلم سُئل : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : ( نعم ) * أكل كرش الإبل أو كبده أو شحمه أو كليته أو أمعائه ينقض الوضوء ، لأنه مثل لحمه .
* شرب لبن الإبل لا ينقض الوضوء ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر قوماً أن يشربوا من ألبان إبل الصدقة ، ولم يأمرهم بالوضوء من ذلك .
* الأحوط أن يتوضأ إذا شرب ( مرقة ) لحم الإبل .
ما يَحْرم على الـمُحْدث :
إذا كان المسلم مُحدثاً ، أي ليس على وضوء ، فإنه يَحْرم عليه التالي :
1 -لمس المصحف ، لقوله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى أهل اليمن ( لا يمس القرآن إلا طاهر - أما قراءة القرآن دون لمس المصحف فتجوز للمُحْدث .
-2الصلاة ، فلا يجوز للمُحْدث أن يصلي حتى يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاةً بغير طهور )
* يجوز للمُحْدث أن يسجد سجود التلاوة ، أو سجود الشكر ، لأنهما ليسا بصلاة ، والأفضل أن يتوضأ قبل السجود .
3 -الطواف ، فلا يجوز للمُحْدث أن يطوف بالكعبة حتى يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( الطواف بالبيت صلاة ). ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ قبل طوافه
تنبيه مهم :
لا يشترط للوضوء أن يغسل المسلم فرجه ، لأن غسل الفرج ( القُبُل أو الدُبُر ) يكون بعد البول أو الغائط ، ولا دخل له بالوضوء .
 حكم الوضوء:
الوضوء واجب في مواضع ثلاثة:
1.  الصلاة مطلقا: فرضا، أو نفلا، ولو صلاة جنازة لقول الله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين( (المائدة: ٦)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول»
2. الطواف بالبيت: لما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير».
3. مس المصحف - على خلاف -: لما رواه أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لأهل اليمن كتابا، وكان فيه: لا يمس القرآن إلا طاهر.
قال ابن عبد البر في هذا الحديث: إنه أشبه بالتواتر؛ لتلقي الناس له بالقبول، وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يمس القرآن إلا طاهر».
 فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف، إلا لمن كان طاهرا، ولكن "الطاهر" لفظ مشترك، يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة، فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف، وأما قول الله سبحانه: )لا يمسه إلا المطهرون (79)( (الواقعة)
 فالظاهر رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون، وهو اللوح المحفوظ؛ لأنه الأقرب، والمطهرون الملائكة، فهو كقوله تعالى: )في صحف مكرمة (13) مرفوعة مطهرة (14) بأيدي سفرة (15) كرام بررة (16)( (عبس)، وذهب ابن عباس، والشعبي، والضحاك، وزيد بن علي، والمؤيد بالله، وداود، وابن حزم، وحماد بن أبي سليمان، إلى أنه يجوز للمحدث حدثا أصغر مس المصحف، وأما القراءة بدون مس فهي جائزة اتفاقا


   ثانيا. المقاصد التربوية والشرعية للوضوء:
1.  في الجانب الروحي للفرد المسلم:
وتتلخص هذه المقاصد في النقاط الآتية:
•   الوضوء يعيد للنفس نقاءها من الذنوب التي يرتكبها الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، قال: ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له»
وعن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها»بهذا يكون الوضوء سببا في عودة الروح إلى صفائها مثلما يعود الثوب الأبيض الملوث إلى نقائه.
•   ربط الوضوء بالذكر الذي يطمئن القلب ويشرح النفس، قال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»
  الوضوء من علامات الإيمان التي يعرف بها المؤمنون يوم القيامة. فالوضوء يبعث في الوجه نورا، وفي اليدين نورا، والرجلين ضياء يعرف به الصالحون من الكالحين. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله». فإطالة الغرة في الوجه، والتحجيل في اليدين والرجلين، هما من العلامات المضيئة التي تشع النور يوم القيامة، وبهذا ينال المسلم شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة
2.  المقصد التربوي للوضوء في الجانب الخلقي للفرد المسلم:
•   عند إزالة الأخباث أو التطهر من الأحداث، دلتنا السنة على الوضوء، وهو من الضوء والوضاءة ومن الحسن والنظافة.
•   ومن آداب الوضوء عدم الإسراف في الماء، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأي سيدنا سعدا يسرف في استعمال الماء، فقال: «ما هذا السرف يا سعد، فقال: وهل في الماء سرف؟ قال: نعم. وإن كنت على نهر جار»
•   الوضوء يجعل المسلم أنيقا نظيفا، في جميع أوقاته؛ لأن الصلوات تتوزع على اليوم والليلة، فإذا قام المسلم من نومه يبادر إلى الوضوء، وفيه طهارة لأعضاء جسمه، ثم يصلي الصبح، ويتوضأ لصلاة الضحى، وفي أثناء عمله يتوضأ لصلاة الظهر، وعند عودته من عمله يزيل بقية الشوائب التي تعلق به في وضوء العصر وفي المغرب والعشاء، حتى يبيت خاليا من جميع الأقذار والأدران والأوساخ، هذا يحول النظافة إلى أدب، وخلق يتحلى به المسلم
3.  المقصد التربوي للوضوء في الجانب العقلي للفرد المسلم:
من المتفق عليه فقهيا أن من نواقض الوضوء زوال العقل بجنون أو سكر أو إغماء أو النوم المستغرق، فيزول الوضوء بزوال العقل، فيحتاج الإنسان مع عودة العقل إلى وضوء جديد يجدد نشاطه.
وفي أحكام الطهارة والوضوء صور كثيرة تشكل عقلية الفرد المسلم بمرونة وقوة لا تعرف الجمود، بل هي أحكام تتسم باليسر وتتصف بالسماحة، وتدعو العقل إلى التجاوب في كل شئون الحياة مع هذه المرونة ليكون دائما قادرا على التعامل مع الواقع دون حرج، ومن صور هذا التيسير ما يلي:
•   المسافر والتاجر والعامل والمحارب قد لا يستغنون عن ركوب البحار، وهؤلاء يشق عليهم حمل ماء طهور مع ماء شرابهم، وهنا جاء التيسير بقول النبي عن ماء البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»
•   إباحة المسح على الخفين، لما روي عن جرير بن عبد الله البجلي أنه قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم توضأ، ومسح على خفيه»
وهذا المسح فيه الكثير من التيسير على المسلمين، خصوصا العاملين والمرضى والمسافرين... إلخ، وهو تجاوب تعبدي يجعل العقل يميل دائما إلى التيسير حيثما وجدت المشقة.
•   عدم إلزام المرأة المستحاضة بالغسل لكل صلاة؛ لأن في ذلك مشقة كبيرة ربما تؤدي إلى ترك كثير من النساء للصلاة، ولهذا شرع لها أن تتوضأ لكل صلاة، وتصلي وإن نزل الدم على الحصير. كما جاء في حديث فاطمة بنت أبي حبيش عن هشام بن عروة: أنها قالت: «يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي عنك الدم ثم صلي، قال - أي هشام بن عروة -: وقال أبي - يعني الزبير بن العوام -: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت»
•   إباحة التيمم لمن لم يجد الماء، لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، وهو مباح لمن وجد الماء وكان به عذر شرعي من مرض يضر معه استعمال الماء... إلخ، وهذا يدل على روعة منهج الإسلام في التيسير ورفع الحرج عن الناس
4.  المقصد التربوي للطهارة والوضوء في الجانب الجسدي للفرد المسلم:
الوضوء تطهير لليدين والأظافر، والثابت علميا أن هناك أمراضا تنقلها اليدان من خلال الأظافر التي تتراكم تحتها جراثيم تنقل مرض التيفود والدوسنتاريا والنزلات المعوية.
لكن المسلم الذي يتوضأ خمس مرات، ويغسل يده أول شيء، ثم يغسل يده مع كل عضو يغسله أيضا، ويحرص على غسل الأظافر بشكل دائم، كل هذا يجعله في حصن وقائي من هذه الأمراض.
من الثابت علميا أن كل سنتيمتر مكعب من الهواء به ملايين الميكروبات، وأكثر الأعضاء تعرضا لهذه الميكروبات هي الأيدي والفم والأنف والوجه واليدان والرجلان؛ لانكشافها طوال الوقت أمام هذا الهواء فيأتي الوضوء طهارة كاملة من كل هذه الميكروبات التي تعلق قطعا بجسم الإنسان، خاصة هذه الأعضاء الظاهرة في أغلب الأحوال للهواء، الذي قد يحمل التراب أو الدخان أو تلوثا إشعاعيا أو غيره من صور التلوث التي امتلأ بها عالم العوادم والنفايات، وأعضاء الوضوء هي أكثر أعضاء الجسم تعرضا لهذه الأجواء الملوثة فتحظى عند المسلم بعناية فائقة في التخلص المستمر منها بين حين وآخر في خمس مرات على الأقل يوميا.
وفي هذا يقول الأستاذ محمد كامل عبد الصمد: أثبت العلم الحديث أن الوضوء يقلل من حدوث الأورام السرطانية التي تسببها المواد الكيميائية؛ لأن الوضوء يكفل إزالتها قبل أن تتراكم بكمية تمكنها من النفاذ إلى الجسم عبر الجلد مما يؤدي إلى حدوث تغيرات سرطانية. ويشير إلى أن سرطان الجلد أكثر شيوعا في المجتمع الغربي والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا رغم ضعف أشعة الشمس هناك وقوتها في بلاد الشرق.
 لكن الوضوء يرطب الجلد، ويقلل من آثارها السلبية عليه، وأشار كذلك إلى أثر الغسل والوضوء في إزالة العرق الذي يحتوي على أملاح، ومواد دهنية، فإن تبخر تبقى هذه الأملاح والدهون، وتسد مسام الغدد العرقية وقد ثبت علميا أن لغسل كل عضو من أعضاء الوضوء على حدة فوائد صحية كثيرة.
ثالثا. الوضوء يختلف عن التعميد قصدا وكيفية وعبادة:
الوضوء في الإسلام يختلف تماما عن التعميد في النصرانية من حيث القصد والكيفية والعبادة، فيمكننا تفصيل ذلك على النحو الآتي:
1.  من حيث القصد:
•       بالنسبة للروح: يؤدي الوضوء إلى طهارة الجوهر مع طهارة المظهر، وتنقية النفس من الذنوب والمعاصي.
•   وبالنسبة للأخلاق: يعود الوضوء المسلم على الطهارة والمحافظة على مشاعر الآخرين وعدم الإسراف، ويجعل المسلم أنيقا نظيفا في جميع أوقاته.
•   وبالنسبة للجسد: فالوضوء يحث الإنسان على الطهارة الحسية والمعنوية، وتشريع الوضوء في الإسلام قد ألغى العقائد الباطلة التي تؤمن بتقوية الروح عند إهمال البدن حتى عرف ذلك عندهم بالقذارة المقدسة، والوضوء يطهر اليدين والأظافر وكل أطراف الجسم المعرضة للتلوث؛ فالوضوء يطهر هذه الأطراف من الجراثيم والميكروبات، وأثبت العلم الحديث أن الوضوء يقلل من حدوث الأورام السرطانية... إلخ.
أما التعميد في النصرانية، فيقصد به تعميد الأطفال عقب ولادتهم بغطاسهم في الماء، أو الرش به باسم الأب والابن والروح القدس، بزعم أنه يحمل عنهم آثار الخطيئة الأصلية التي لم يرتكبوها، وإعطاء الطفل شيئا من الحرية والمقدرة لعمل الخير، فهذه عادة وثنية كانت عند الهندوس وعند البرهميين، وهي تشبه ما كان يعمله الفرس، والمصريون، واليونانيون، والرومانيون القدماء، فقد كانوا يتوسلون للشمس، ويأخذ الكاهن البرهمي الطفل، ويلطخه بالوحل، ثم يغمسه في الماء ثلاث مرات.
وعند تغطيسه يقول الكاهن: "يا أيها الرب العظيم، إن هذا الطفل خاطئ تلطخ بخطيئة كتلطخه من وحل هذه القناة، فكما أن الماء ينظفه من الوحل طهره وخلصه من الخطيئة" ويعتقدون أن العمادة بالماء تزيل الخطايا، مهما تكن ويسمون الكهنة الذين يقومون على حافتي الأنهار لأجل عمادة الطالبين "أبناء الشمس".
وقال الندي: "إذا تصفحنا التاريخ نرى طقس العمادة قديم العهد جدا فقد كان شائعا في آسيا، وأمريكا، وكانوا يدعون ماء العمادة ماء الولادة الثانية.
وقد ذكرنا العمادة عند الأمم الوثنية قبل الميلاد، وبهذا يتضح أن التعميد عادة وثنية قديمة، وليست مسيحية، وأن المسيحية أخذت هذه العادة عن الأمم السابقة عليها، وبذلك يتضح تحريفهم لكتابهم المقدس، ويبطل زعمهم هذا"
2.  ومن حيث الكيفية:
فالوضوء له فرائض لقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين( (المائدة: ٦)، مع بعض السنن في أدائه.
أما كيفية التعميد في المسيحية: فالتعميد عندهم هو غمر الأطفال وغطاسهم في الماء، أو الرش باسم الأب والابن والروح القدس.
3.  ومن حيث العبادة:
ففي الوضوء يمتثل العبد لأوامر خالقه؛ ابتغاء مرضاته، ويطهر جوارحه ويغذي بها إيمانه؛ استعدادا للوقوف بين يدي الله، فهو يهيئ المسلم لتذوق لذة العبادة، وتتكرر عملية الوضوء في اليوم الواحد، وتستمر كل يوم، فيزداد الإنسان طمأنينة وسكينة، ويرتفع رصيده من الإيمان، وتتربى النفس على مراقبة الخالق والتوبة والعودة مع كل وضوء وصلاة.
أما التعميد: هو عبارة عن غطاس الطفل عند السابعة من عمره أو رش الماء عليه، بزعم أن هذا يحميه من آثار الخطيئة الأصلية، وهذا على خلاف بينهم في صورته ووقته، ولا يكون إلا مرة واحدة في العمر، فهل هذه عبادة؟!! أرى أنها مجرد مظهر شكلي لا أثر له في حياة الإنسان، وهي عادة وثنية قديمة من قبل الميلاد.
فأين التشابه بين التعميد على هذه الصورة والوضوء في الإسلام؟!
الوضوء يبدأ بالبسملة: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وهي من سنن الوضوء، وهي تعني التوحيد الخالص لله تعالى. أما التعميد باسم الأب والابن والروح القدس، فهذه الأقانيم الثلاثة آلهة ثلاثة، كيف تكون إلها واحدا، فهذا كفر وشرك بالله الواحد.
والوضوء يقوم به الإنسان بكامل حريته وإرادته، راجيا عبادة الله ونيل مغفرته ورضوانه. أما التعميد في المسيحية: فيتم بلا إرادة من المعمد؛ لأنه طفل صغير لا يفهم شيئا عن التعميد، ولا حرية له ولا اختيار، فهو مجبر على ذلك.
البسملة يبدأ بها المسلم كل عمل، وليس الوضوء فقط، فليست قاصرة عليه.
وبهذا البيان يتضح أن هناك فرقا شاسعا بين الوضوء في شكله وكيفيته وقصده، وبين التعميد الذي يشبه العبادات الوثنية، ويتضح عدم وجود تشابه بين الوضوء والتعميد في أي شيء.
رابعا. شتان بين البسملة والتثليث:
في محاولة إيجاد وجه شبه بين البسملة والتثليث، مماحكة فجة وتعسف ظاهر، فما أبعد الشقة بين ابتداء باسم الإله الواحد الموصوف بالرحمة، وتبرك بذلك في كل شيء في حياة المسلم، وبين إقرار بآلهة ثلاثة: أب وابن وروح قدس. في شأن هذه المحاولة السقيمة يقول د. شوقي أبو خليل: كل شيء خطر في البال، إلا نسبة عبادة الثالوث إلى الإسلام.
جاء في ملحمة رولان، والتي تمثل فرسان شارلمان وهم يحطمون أصنام المسلمين، أن المسلمين يعبدون ثالوثا مؤلفا من: ترفاجانت ومحمد وأبولون. واستدل بعض القسس في دلهي - كما يذكر رحمة الله خليل الرحمن الهندي - في إثبات التثليث في الإسلام، بقوله تعالى: )بسم الله الرحمن الرحيم (1)( (الفاتحة)، زعما أن فيه ثلاثة أسماء: "الله، الرحمن، الرحيم"، فيدل على التثليث.
وسمع بعض الظرفاء في مدينة دلهي قول المبشر في إثبات التثليث بقوله تعالى: "بسم الله، الرحمن، الرحيم"، فقال له: إنك قصرت، عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع بمبدأ سورة غافر: )حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير (3)( (غافر)، بل عليك أن تقول: إنه يثبت وجود سبعة عشر إلها من القرآن، بثلاث آيات من آخر سورة الحشر، التي ذكر فيها سبعة عشر اسما متوالية.
فما حرص الإسلام على شيء في صلب عقيدة المسلم حرصه على التوحيد الخالص: )إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما (48)( (النساء)، )واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16)( (النساء)، وجعل التوحيد المصفى في سورة الإخلاص: )قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص).
أما التثليث في الإسلام، فقد جاء في القرآن الكريم في معرض التنديد به، ونبذه، ورفضه: )يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (171)( (النساء)،
)لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون (75)( (المائدة).
والتثليث دخيل على المسيحية التي أنزلها الله على المسيح عليه السلام: )وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30)( (التوبة).
 لقد عرفت العقائد الوثنية القديمة جميعها التثليث، ولا تخلو كافة الأبحاث الدينية المأخوذة عن مصادر شرقية من ذكر أحد أنواع التثليث أو التولد الثلاثي، أي: الأب والابن والروح القدس، وكان عند أكثر الأمم البائدة الوثنية تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثالوثي، أي أن الإله ذو ثلاثة أقانيم.. وإذا أرجعنا البصر نحو الهند، نرى أن أعظم وأشهر عباداتهم اللاهوتية هو التثليث أي القول بأن الإله ذو ثلاثة أقانيم. براهاما، وفشنو، وسيفا.
وفي الديانة المصرية القديمة "جب" إله الأرض تزوج "نوت" إلهة السماء، وأنجبا "رع" أي الشمس، وكان كهنة معبد ممفيس يعبدون هذا الثالوث المقدس، ومع التثليث عرف الوثنيون الصلب والفداء أيضا.
ورد عند الهنود بأن "كرشنا" المولود البكر، الذي هو نفس الإله "فشنو"، والذي لا ابتداء ولا انتهاء له على رأيهم، تحرك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها. فأتاها وخلص الإنسان بتقديمه نفسه ذبيحة عنه، فصلب.
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، وومضة سريعة، وقطوف قليلة مختارة عن التثليث عند النصارى: )يضاهئون قول الذين كفروا من قبل(، وهي عقيدة أدخلها "شاؤول بولس" إلى المسيحية، بعد التوحيد الذي أنزل على السيد المسيح.
لقد عبد النصارى ثالوثا أحد أقانيمه "يسوع"، فأسقطوا ما فيهم على المسلمين، يقول الله - عز وجل - في محكم التنزيل، مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110)( (الكهف).
وحين وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل نبأ وفاته على الصحابة كالصاعقة، ولم يكد بعضهم يصدق هذا النبأ، قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عندها، مخاطبا المسلمين: «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت هذه عقيدة المسلم لا ما يدعون في إسقاطهم.
ولم يخل الغرب من صاحب كلمة حق، يقولها ولو أغضب الكنيسة، يقول كلود إيتان سافاري في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم: "أسس محمد ديانة عالمية، تقوم على عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ على الفضيلة، ويعاقب على الرذيلة، فالغربي المتنور، وإن لم يعترف بنبوته، لا يستطيع إلا أن يعتبره من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ" هل بقي - بعد كل هذا - مجال للقول بالتشابه بين البسملة عند المسلمين وبين التثليث عند النصارى؟!
الصلاة في الإسلام
فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا وكان يقول في كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم.
وبعد تكبيرة الإحرام يقرأ المصلي الفاتحة وما تيسر له من القرآن الكريم فى الركعتين الأوليين فى كل صلاة ثم يركع الركوع الشرعي هو أن يحني الرجل صلبه ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه
"فلقد روى مسلم عن عائشة قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ( الفاتحة ) وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك"
وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه  ؛ والركوع فرض ، من القرآن والسنة ، وكذلك السجود لقوله تعالى في آخر الحج {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج : 77]. وزادت السنة الطمأنينة فيهما والفصل بينهما .
أما السجود فقد جاء مبينا من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان "إذا سجد مكن جبهته وأنفه من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه". خرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح. وروى مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم زراعيه انبساط الكلب".
 وعن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" . وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوّى بيديه - يعني جنح حتى يرى وضح إبطيه من ورائه - وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.
وروى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر" . ويكره السجود على كور العمامة ، وإن كان طاقة أو طاقتين مثل الثياب التي تستر الركب والقدمين فلا بأس ، والأفضل مباشرة الأرض أو ما يسجد عليه فإن كان هناك ما يؤذيه أزاله قبل دخول فلا الصلاة ، فإن لم يفعل فليمسحه مسحة واحدة.
وروى مسلم عن معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال : "إن كنت فاعلا فواحدة" وروي عن أنس بن مالك قال : "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه".
الطمأنينة في الصلاة
وعن الطمأنينة في الصلاة روى النسائي والدارقطني وعلي بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلى ، فلما قضى الصلاة جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارجع فصل فإنك لم تصل"
وجعل يصلي وجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها فلما جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " وعليك ارجع فصل فانك لم تصل" قال همام : فلا ندري أمره بذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الرجل : ما ألوت فلا ادري ما عبت علي من صلاتي .
 فقال صلى الله عليه وسلم : "إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويثني عليه ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظم مأخوذة ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه.
 قال همام : وربما قال جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيستوي قاعدا على مقعده ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ثم قال لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك"
صلاة الجماعة
وقد اختلف العلماء في شهود الجماعة على قولين فالذي عليه الجمهور أن ذلك من السنن المؤكدة ويجب على من أدمن التخلف عنها من غير عذر العقوبة وقد أوجبها بعض أهل العلم فرضا على الكفاية قال ابن عبد البر وهذا قول صحيح لإجماعهم على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات فإذا قامت الجماعة في المسجد فصلاة المنفرد في بيته جائزة لقوله عليه السلام : "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" أخرجه مسلم من حديث ابن عمر. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا" .
وقال داود الصلاة في الجماعة فرض على كل أحد في خاصته كالجمعة واحتج بقوله عليه السلام : "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" خرجه أبو داود وصححه أبو محمد عبد الحق ،وقال الشافعي : لا أرخص لمن قدر على الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال : "هل تسمع النداء بالصلاة" قال نعم قال "فأجب" وقال أبو داود في هذا الحديث " لا أجد لك رخصة"
خرجه من حديث ابن أم مكتوم وذكر أنه كان هو السائل وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله "من سمع النداء فلم يمنعه من إتيانه عذر قالوا وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى"
والصحيح موقوف على ابن عباس "من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له" على أن قاسم بن أصبغ ذكره في كتابه فقال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"
 وحسبك بهذا الإسناد صحة ومغراء العبدي روى عنه أبو إسحاق وقال ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق وقال عليه السلام : "بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما"
قال ابن المنذر ولقد روينا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا "من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له" منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري
وروى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم" هذا ما احتج به من أوجب الصلاة في الجماعة فرضا وهى ظاهرة في الوجوب وحملها الجمهور على تأكيد أمر شهود الصلوات في الجماعة بدليل حديث ابن عمر وأبي هريرة وحملوا قول الصحابة وما جاء في الحديث من أنه "لا صلاة له" على الكمال والفضل .
وكذلك قول عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم "فأجب" على الندب وقوله عليه السلام "لقد هممت" لا يدل على الوجوب الحتم لأنه هم ولم يفعل وإنما مخرجه مخرج التهديد والوعيد للمنافقين الذين كانوا يتخلفون عن الجماعة والجمعة
ويبين هذا المعنى ما رواه مسلم عن عبدالله قال : "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم ،
وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. فبين رضي الله عنه في حديثه أن الاجتماع سنة من سنن الهدى وتركه ضلال ،
 ولهذا قال القاضي أبو الفضل عياض : اختلف في التمالؤ على ترك ظاهر السنن ، هل يقاتل عليها أو لا ، والصحيح قتالهم ، لأن في التمالؤ عليها إماتتها.
الصلاة عند اليهود
  بنـاء المعابـد:
ولأننا سنتحدث عن الصلاة عند اليهود فينبغى أن نذكر أن للمعابد عندهم قدسية خاصة إذا لا تصح العبادات وبخاصة الصلاة بدونها ولذا فنحن المسلمين نحمد الله تعالى أن جعل لنا الأرض مسجدا وطهورا فأيما مسلم أو مسلمة أدركتهما الصلاة فليصليا .
 ومبنى المعبد على أي حال يكون مستطيلاً غالباً أو مربعاً، وفي الجهة التي تكون مواجهة لبيت المقدس تكون الطاقة التي تحفظ فيها أوراق التوراة. وتوضع كراسي العباد على جوانب الجدران الثلاثة بحيث يكون الجالس عليها مواجهاً للجدار الذي به طاقة التوراة. أما نحن المسلمين فينبغي أن نحمد الله تعالى أن جعل الفرآن في صدورنا ولم يجعل الدين حكرا على أحد .
 تخيل أننا نصلي وراء إمام لا نحن ولا هو يحفظ شئ مما أنزله الله علينا وأن كل ما يربطنا بربنا تعالى صحف موجودة في حفرة أو طاقة فهل هي تعمل عمل السحر أم ماذا ؟ والعجيب أنهم يزعمون أن  الطاقة التي بها أوراق التوراة تمثل صيواناً، أو فجوة تغطيها ستارة أو باب حديدي به قضبان مربعة مستطيلة ومستعرضة، وأمامه مصباح لا يطفأ أبداً.
 وتوضع في الطاقة لفائف التوراة أو لفائف القانون مكتوبة باللغة العبرية، وتوجد منصة أو ترابيزة  يقف أمامها قارئ القانون أو الداعي يتلو الدعاء. وقد يقف مواجهاً للطاقة أو أمامها، وبعض المعابد الحديثة تتخذ موسيقيين  : أنعم بها من صلاة !!!!!
ولكن يا ترى ما أدراهم أنها التوراة فلما لم يمسك كل واحد منهم بها ويدعوا الله تعالى بما شاء ؟ ولماذا يدعوا الكاهن وحده أو يقرأ ؟
الربـاي المعلـم:
وللكهنة والربانيون والأحبار عندهم مكانة خاصة إذ أنهم يحظون بقدسية ليس لها مثيل فهم يعتبرون الربانيون هم ظل الإله في الأرض ؛ بل وله من الصلاحيات ما لا يخطر لأحد ببال إذ أنه من صلاحياته أن يحل لهم ما يراه حلالا  ويحرم عليهم ما يراه حراما .
وهذا ما قصده القرآن الكريم بقول الله تعالى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31  وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }التوبة34
 الصلاة ومراسمـها:
وتبدأ صلاة السبت في الثامنة والنصف صباحاً في المعابد المحافظة وتستمر ثلاث ساعات، وفي المعابد التقليدية قد تبدأ في الساعة الحادية عشرة واستمرارها ساعة واحدة ونصف الساعة.
معنى هذا أنهم ليس لديهم وقت محدد للصلاة كما لدينا نحن المسلمين وليس هذا فحسب بل إن طقوس الصلاة تختلف عما فرضه الله تعالى عليهم فهم يهتمون بالأشكال لا بما فرضه الله تعالى لأنه ليس من المعقول أن يهتم الرب تعالى بملابسهم وقبعاتهم ولا يعلمهم ما ينفعهم فى الدنيا والأخرة .
فتبدأ الصلاة بقارىء يقرأ وهو مرتد ثوباً أسود وقبعة على رأسه، ويلف حول عنقه لفافة بيضاء طويلة. ويقف أمام المكتب ويبدأ بالحمد لله المنعم، ثم قراءة التبريك والدعاء.
 ثم يتلو ذلك الصلوات ومزامير داود. ولا بد في المعابد المحافظة السنية أن يكون ذلك باللغة العبرية، ولكن المعابد التقليدية المتسامحة قد يقرأ جزئين باللغة العبرية وجزئين باللغة المحلية، وبعد قيام الكيان الصهيوني في فلسطين وعمله على إحياء اللغة العبرية زاد استعمالها.
وبعد أن تصل الصلوات إلى قمتها تفتح الطاقة، وهي متألقة بالأنوار، ويمكن أن تشاهد فيها لفائف التوراة مطوية ومزينة بالرسوم ويتقدم أحد الرسميين فيستخرج واحدة منها، وتكون من الجلد الرقيق وتحتوي جميع الأسفار الخمسة الأولى، وهي التي يزعمون أنها بالتوراة، وهي مكتوبة بخط اليد بحروف عبرية، وهذه الصحيفة مثبت على جانبها قطعتان رقيقتان من الخشب، ملفوفتان بالحرير الملون أو ذي الوبر، وتتوجهما حلية فضية ويمر حامل الصحيفة بصفوف المعبد، وكلما حاذى واحداً انحنى راكعاً، وإذا مر بالصف الذي خلفه استدار هو إلى الخلف حتى لا تكون التوراة خلفه، وذلك احتراماً للقانون الإلهي.
وأخيراً تحل اللفافة وترفع للأعلى ليراها الجميع، ثم توضع على المكتب، وتفتح عند الدرس الذي يراد قراءته، ويستطيع كل شخص أن يتقدم ويصعد إلى المكتب ويقرأ شيئاً من الدرس بصوت مرتفع، وفي المعابد المتطورة قد تأتي امرأة لتقرأ، والصبيان يقرأون أيضاً إذا كانوا قد بلغوا الثالثة عشرة إيذاناً بأنهم مقبلون على سن الرجولة، والقسس ومن هم من اللاويين يقرأون أولاً، ويقرأ الآخرون بعدهم إذا شاءوا، ويقرأ القانون باللغة العبرية، وقد تتلوه مترجمة.
وقليلاً ما يقرأ الدرس من سفر من أسفار الأنبياء، ولكن هذا لا يحتم أن يكون مكتوباً باللغة العبرية، بل يقرأ من أي كتاب مطبوع، وبعد القراءة تطوى اللفائف وتحفظ في كسائها ثم تعاد إلى مكانها، وأيضاً أثناء المرور بها للإعادة ينحني الحاضرون، وقد تنتهي الصلاة بهذا وقد يتلوها خطبة قصيرة، ونشيد تقليدي وصلوات ويختم كل ذلك بالتبريك، وبهذا تنتهي الصلاة ويخلو المعبد، وقد يسبق انفضاض المعبد «قداس» أو تبريك بتوزيع كأس من النبيذ ورغيفين مبركين لكل مصل.
ويحرم يوم السبت أعمال خاصة تصل إلى تسعة وثلاثين نوعاً، ومنها تناول النقود، ولهذا لا يوجد جمع نقود في المعابد، ويمكن أن يعلن الشخص أنه سيدفع للمعبد مبلغاً وحينئذ يتلى اسمه من منصة المعبد، ويمنع النواح والصيام يوم السبت، ولذا فطعام السبت كطعام العيد.
طقوس الصلاة اليهودية:  المبحث الأول : الوضوء :
إن الاستعداد في اليهودية للصلاة شبيه جدا بالاستعداد لها عند المسلمين ، إذ هم بدورهم يشترطون لإتمام الصلاة ، أن تسبق الطهارة و الطهارة عند اليهود لها معنيان ، معنى عام و معنى خاص :
فأما المعنى العام : هو الامتثال لأوامر الشريعة ، فقد نصت التوراة على هذا و سمته طهارة وقداسة ، كما ورد "فتقدسوا و كونوا قديسين لأني أنا قدوس " و النجاسة بمعناها العام : هي مخالفة أوامر الشريعة ، وارتكاب القباحات فقد سمته الشريعة نجاسة ، فأشارت إلى مجموعة من التحذيرات.
أما المعنى العام للطهارة : فهو تنظيف الثياب و غسل الجسم و تنقية الأوساخ . ولهذا تعتبر الطهارة شرطا أساسيا لصحة الصلاة إذ لا يجوز ذكر اسم الله في الصلاة أو في غيرها مادام الإنسان غير طاهر ، لذلك فالطهارة الكبرى تسمى الغطس ، و أما الطهارة الصغرى عندهم ، وهي التي تقع يوميا ، فهي تقارب الوضوء في الإسلام ، يقوم بها اليهودي قبيل كل صلاة و كيفيتها على الشكل التالي :
أخد إناء به حوالي لتر من الماء الطاهر ، وعلامة طهره عندهم صلاحيته للشراب فالماء الذي لا يشرب لملوحة أو مرارة لا تصح به الطهارة عندهم ، لذلك فماء البحر لا تصح به الطهارة لأنه لا يشرب ،أما نحن المسلمين فقد أحله الله تعالى لنا للوضوء والطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم حين سشل عن ماء البحر قال " هو الطهور ماءه الحل ميتته " فالحمد لله رب العالمين الذي يسر لنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج .
 ثم يبدأ اليهودي بغسل اليدين ثلاث مرات قبل إدخالهما في الإناء ، ثم يغسل بعد ذلك كامل الوجه غسلا كافيا ، ثم يمضمض ، و بذلك تكتمل هذه الطهارة الصغرى عندهم ،ثم يعمد بعد إتمامها مباشرة إلى مسح وجهه بمنديل ، ثم يتبع عملية الغسل البسيطة هذه بسلسلة من الدعاء تتضمن حمد الرب الذي مكن الإنسان من الماء التي به تتم الطهارة
أرايت عزيزي القارئ شدة الشبه بين الوضوء فى الإسلام وفي اليهودية إلا أنهم بدلو فيه وغيروا مما يدل على أنهم كان لديهم من الأوامر والنواهي فى الوضوء والصلاة مثلنا تماما لأن وجود هذه البقايا تدل على وجود الأصل .
ومما يؤكد أنهم غيروا وبدلوا أنهم في الوقت الحاضر يكتفون بغسل اليدين فقط و يعلل ذلك أنهم كانوا قديما حفاة أمام الرب و الآن فالأرجل نظيفة على الدوام فلا حاجة لغسلها لنظافتها.
 أما إذا انعدم الماء أو خيف استعماله فلدى اليهود طهارة من نوع آخر وهي الطهارة الترابية التي تعوض الطهارة المائية عند استحالة القيام بها ، و هي عملية التيمم في الإسلام ، و كيفيتها أن ينظف اليهودي يديه بالتراب بحيث يفركهما به و بذلك فقد يطهر و به يجوز له ما يجوز بالطهارة الصغرى و الغطس .
المبحث الثاني : النصاب الشرعي للصلاة:
الصلاة في اليهودية نوعان :صلاة فردية أي شخصية و هي صلاة ارتجالية يقوم بها الأفراد حسب الظروف و الاحتياجات الشخصية ، و لا علاقة لها بالطقوس و المواعيد و المواسم .وهناك صلاة مشتركة أو عمومية و هي التي تؤدى باشتراك جملة أشخاص علنا و عموما و في مواعيد معلومة و حسب طقوس و قوانين مقررة ، والنصاب الشرعي لصلاة الجماعة في اليهودية يتكون من عشرة يهود من سن الثالثة عشر فما أكبر تقوم بالصلاة أو بأي نشاط مقدس آخر .و تذكر المنشا مجموعة من الأنشطة و الصلوات التي لا تستقيم بعدد أقل من عشرة أفراد بالغين على أقل تقدير ، وتأدية الصلاة في مكان م محمودة للغاية وهي واجبة على الرجال و النساء ، و ممنوعة على البنات و الفتيات .
المبحث الثالث : تميمة الصلوات :
تحتاج الصلاة عند اليهود إلى استعداد و تحضير حتى تؤدى على وجه صحيح ، فالصلاة عندهم هي لقاء مع الرب ، وكما لكل لقاء عدته كذلك اللقاء مع الرب يحتاج لأمور لابد منها مثل الطاليت أو الشال و سنتحدث عنه لاحقا و التيفلين .
لذلك فالعلاقة بين كلمة تيفلين و كلمة تيفلا بمعنى الصلاة في العبرية علاقة واضحة ووثيقة ، وهي عبارة عن صندوقين صغيرين يصنعان من جلد الحيوانات ويوضع في مقدمة الرأس و يحتوي على أربعة أجزاء تسمى أربعايتيم ـ البيوت أو الأجزاء الأربعة .
وفي كل جزء ـ بيت ـ من هذه البيوت الأربعة توجد واحد من "البراشيوت " أجزاء التلاوة التوراتية الموزعة على مدار السنة .
و التفيلا الخاصة بالرأس تثبت في الرأس بواسطة شريط يسمى بالعبرية "رصوعا " يربط حول الرأس بعقدة تأخذ شكل حرف الدال في الأبجدية العبرية .
أما التفيلا الخاصة باليد فتربط على الذراع الأيسر بواسطة شريط طويل من الجلد" رصوعا " و تحتوي هذه التفيلا على بيت واحد يوضع به ورق واحد من الجلد تكتب عليه الأجزاء الأربعة بارشيوت السابقة .
وقد جرت العادة أن ينقش على التفيلا الخاصة بالرأس شكلان للحرف الأبجدي العبري " "، الشكل الأول ينقش وبه ثلاثة رؤوس حسب طريقته التقليدية ـ بثلاثة رؤوس ـ بينما ينقش الآخر بأربعة رؤوس .
والعجيب أنهم يقولون أن الرب سبحانه وتعالى اليهود بأن يصنعوا "التفلين "في سفر الثنية ، و هم يرتدونها أثناء صلاة الصبح "الشحاريت " في كل يوم ماعدا في يوم السبت و الأعياد الرئيسية و في يوم الغفران و ذلك لأن هذه الأيام في حد ذاتها ، فيها رمز لوجود الرب مع اليهود ، و لذلك فإنه لاتكون هناك ضرورة لارتداء التفلين ، خلالها .
المبحث الرابع : شال الصلاة :
شال الصلاة أو الطاليت ، و هو ثوب يرتديه اليهود من الأرثوذكس و المحافظين .و كلمة طاليت اسم عبري مؤنث يجمع "طاليوت " و تعني هذه الكلمة شال أو عباءة أو رداء و هو عبارة عن ثوب مستطيل الشكل ، و كان الطاليت يصنع قديما من الكتان أو الصوف ، أما حديثا فيصنع من الكتان أو الصوف أو القطن أو الحرير ، و عادة ما يكون الطاليت المصنوع من الحرير غنيا بالتطريز و يبطن الطاليت من الداخل ببطانة أقصر بمسافة عرض اليد عن الكساء الخارجي .
و قد صنع اليهود الطاليت باللون الأبيض تتخلله خطوط زرقاء .
و قبل ارتداء الطاليت يدعو المصلي بقوله "باركني يا سيدي ـ يا ربنا ـ يا ملك العالم يا من عظمتنا بنزول التوراة ، و يطرح هذا الشال أولا على الرأس ثم يطرح على الجسم بدءا من الكتف الأيسر ، و هي عادة مأخوذة من العرب .
و طبقا للتقاليد اليهودية الصارمة كان يتم ارتداء الطاليت قبل وضع التفلين بالمنزل قبل الخروج إلى المعبد . ويختلف ارتداء الطاليت باختلاف الطوائف اليهودية ، فطبقا لطقوس اليهود الشرقيين فإن الرجال المتزوجون فقط هم الملزمون بواجب ارتداء الطاليت و فقآ لحجم أجسامهم. و أصغر مقاس للطاليت هو المساوي لملبس طفل قادر على المشي، إلا أن العقيدة اليهودية تلزم اليهودي بلبسه مند أن يبلغ سن التكليف بالعبادة وهي ثلاثة عشرة سنة .
ويعرف اليهود نوعا آخر من أنواع الطاليت و هو ما يطلق عليه "طاليت قاطان "أي الطاليت الصغير نسبة إلى حجمه، وهناك طاليت جادول و هو عبارة عن ثوب صغير أبيض مستطيل الشكل ، ومزود بأهداب " صيصيت " و الصيصيت ـ عبارة عن لحمة من الخيوط تصنع من أجل الزينةـ.في أطرافه الأربعة .
و للطاليت في طهارته أحكاما خاصة أنه لا تلمسه النساء ، ويخصص له مكان معلوم في المنزل ، ويجب على اليهودي أن إرتدءه مند أن يبلغ .
و في الأخير فقد جرت العادة أن يستيقظ اليهودي في الصباح ، فيغتسل و يرتدي ملابسه ثم يبدأ في تلاوة :هبراخوت" أي البركات ، و عندئذ يرتدي الطاليت ـ شال الصلاة ـ ثم يبدأ بعد ذلك في ربط تفيلاشل يد" التفيلا الخاصة باليد ، وهو يقول :
* مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك العالم ،الذي قدسنا بشرائعه و أمرنا أن نضع التفلين ،وبعد ذلك يربط" تفيلاشل روش" أي التفيلا الخاصة بالرأس و هو يقول :
* مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك العالم ،الذي قدسنا بشرائعه و أمرنا بشريعة التفلين ، وبعد ذلك يدخل شريط التفيلا الخاص باليد في أصبعه الأوسط مرة حول العظمة الوسطى و مرتين حول العظمة السفلى ثم حول المعصم الأعلى لكي يكوِّن حف الشين .
ويزال التفلين بعد الصلاة حسب الترتيب الذي وضع به فتفك لفات الأصبع أولا ، ثم تفلين الرأس ثم لفات الساعد و الذراع ثم الحافظة والطاليت الكبير في النهاية
الصلاة عند النصارى
المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كان آخر أنبياء بنى إسرائيل أرسله الله سبحانه وتعالى اليهم وكانت مهمته هى إنقاذ بنى إسرائيل مما هم فيه من الكفر والبعد عن الله تعالى لن يأتى بعده نبى آخر لبنى اسرائيل :
يقولون في سفر متى :
لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.  إلا أنهم تجاوزا الحد ولم ترق عقولهم لدرجة فهم مراد الله تعالى منهم فقالوا عن المسيح ما لم يأمر به الله تعالى فقالوا : 32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». 77لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ
ولكن الحق أن الله تعالى أرسله الى بنى اسرائيل برسالة هدفها أن يتركوا ما هم فيه من خطايا ليتبعوه فيغفر الله تعالى لهم خطاياهم ولذلك كانت رسالة المسيح عليه السلام  تكميلية لليهود لم ينقض الناموس لكن اكمله وعدل بعض الأحكام للتخفيف عليهم
وتبعه قليل من اليهود التلاميذ والحواريون ولكن اليهود فى معظمهم لم يقبلوه فأدانهم بالخطية فقال لهم " أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ هذه هى رسالة المسيح لبنى إسرائيل التى انتهت بإدانتهم بالخطية
والمسيح عليه السلام قد وضح بأنه قد أرسله الله سبحانه وتعالى لبنى إسرائيل فقط فلايجوز بعد ذلك أن يحرفوا ذلك
وظهر ذلك واضحا في أكثر من نص فى كتبهم 1ففي كتاب متى الإصحاح العاشر يقولون : ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. 2وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. 3فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. 4سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ.
هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً:«إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. 7وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ.
إلا أنهم قالوا على لسان المسيح عليه السلام مالم يقل فقالوا بأن المسيح كان يعتبر بأن الأممين كلاب لنجاستهم لا ينبغى أن يتعامل معهم ونحن المسلمين نؤمن بأن المسيح برئ من هذه التهمة مع أنه ذكروها فى كتبهم فقالوا في كتاب متى الإصحاح الخامس عشر  : 21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!».
وبعد أن صعد المسيح عليه السلام وترك تلاميذه حاربهم اليهود ليقضوا على دينهم نماما وبعد أن انضم لهم بولس تمكن اليهود من تغييره من دين توحيد موجها لليهود بآخر دين أشركوا فيه المسيح مع الله وجعلوه للأمم ففي كتاب متى أيضا الذي ذكروا فيه بأن المسيح أوصاهم بأللا يذهبوا بهذا الدين إلى أي أمم أخرى نجدهم في نهاية الكتاب في الإصحاح الثامن والعشرون يغيرون ذلك نماما فيقولون :
 وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. 17وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. 18فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً:«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، 19فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. 20وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.
وأستبدلوا خطيئة اليهود وجعلوا بدلا منها كذبا خطيئه آدم ؛ والمسيح قال بأن الخطيئة هى خطيئة اليهود وقال بأن الإنسان لايورث الخطيئة وحسب قول المسيح بأن الخطيئة يحاسب عليها من ارتكبها  34أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وكذبوا على الأممين بقولهم أنه دين وليس له الناموس
وحسب قول المسيح 49وَلَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ».«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ.
لأن الناموس يحض على الأخلاق:16«كَانَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَغْتَصِبُ نَفْسَهُ إِلَيْهِ
18وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»
19فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ.
. 22أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ - لأَنَّ الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. 
23وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. 24اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا
هذا هو الدين الذى يعلمه المسيح لليهود أما هذه فهى تحريف وطقوس وثنيه:
». 17ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْساً وَسكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هَذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ 18لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». 19وَأَخَذَ خُبْزاً  وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». 20وَكَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ. لايمكن أن تكون هذه تعاليم لمسيح ليجعل الأممين ينالون الجنة
فيتركهم نجسين ويجعلهم يشركون ولايعملون بالناموس ولايؤمنون بمايؤمن به باقى الأديان ولاعلاقة للمسيح بهم ولايعرفهم ولم يرسل لهم لذلك ينطبق عليهم قوله
مَجْداً مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ 42وَلَكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللَّهِ فِي أَنْفُسِكُمْ. 43أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَقْبَلُونَهُ. 44كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْداً بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلَهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟
ثم عنفهم وحذرهم بقوله :«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!
هؤلاء الذين توهموا بأنهم يتبعون المسيح فلينظروا الى أنفسهم نجد بأنهم فى الحقيقة
فإنهم معتدون لا يعملون بتعاليمه ولا يفهمون كلامه ولاينفذون أوامره نجدهم كذابون لايقولون الصدق سليطى اللسان وكثيرى السب للناس والمقدسات لذلك فهم لأنهم من الضالين لايفقهون الدين ولايعملون به .
وهم يعملون عكس تعاليم المسيح ويستوجبون نار جهنم حسب قول المسيح:
22وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ:رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ.44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ.
48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
فالمسيح عليه السلام إنما يريد من يتبعه من اليهود أن يكون كامل الأخلاق إلا أنهم لم لايفقهوا أساسيات الدين .
بدليل أنهم حتى لم يعرفوا المعنى الحقيقى لما قاله المسيح عليه السلام  وكان قصده  الوضوء قبل الصلاة
مع ملاحظة بأن التحريف هو فى خلع الملابس وخلع الفوطة للتهكم على المسيح وإخراج الموضوع عن حقيقته
فقالوا : 4قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا 5ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا. 6فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!» 7أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». 8قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَداً!» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». 9قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يَدَيَّ وَرَأْسِي». 10قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ
أما الصلوات لله الذى فى السموات فلا يعرفنوها ايضا لأنه لا أحد منهم يصلى لله فقالوا  :  6وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً
* كتاب الصلوات:
تستخدم الأجبية في الأساس عن طريق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وهي تحتوي على سبع صلوات تُقال على مدار اليوم. وقد تم ترتيب ساعات الصلوات زمنياً، وكل منها فكرته عبارة عن جزء من حياة السيد المسيح على الأرض. وكل ساعة منها مكونة من مقدمة يتم البدء فيها بـ:
1) الصلاة الربانية "ابانا الذى فى السماوات"،
2) ثم صلاة الشكر،
3) وبعدها المزمور الخمسون.
4) ويتبع تلك المقدمة الثلاثية، تلاوة مجموعة من المزامير،
5) ثم مقتطف من أحد الأناجيل،
6) ثم قطع الإبتهالات.
7) وبعد ذلك يتم قول "كيرياليصون" أي "يا رب ارحم" 41 مرة (وهذا العدد يمثل 39 جلدة التي تلقاها السيد المسيح قبل الصلب، بالإضافة إلى واحدة للحربة في جنبه، وأخيرة للشوك الذي وُضِعَ على رأسه).
8) ثم بعض الصلوات القصيرة الأخرى (قدوس قدوس - قدوس الله - قطعة إضافية قبل كيرياليسون في صلاة النوم)..
9) ثم ختام كل ساعة
10) وبعد ذلك صلاة "إرحمنا يا الله ثم ارحمنا"
11) والختام بالصلاة الربانيه.

متى نقرأ الاجبية؟
يتم الصلاة بالآجبية على مدار اليوم. وتبدأ الصلوات من الفجر وحتى الغروب.
- صلاة باكر توافق الساعة السادسه صباحا، وهي تُقال بعد الاستيقاظ، أو بعد تسبحة نصف الليل في اليوم السابق.
- صلاة الساعه الثالثه تصلى في الساعة التاسعة صباحاً
- صلاة الساعه السادسة تُصلى الساعة الثانية عشر ظهراً (وهي تصلى مع صلاة الساعة الثالثة قبل كل قداس إلهي في رفع البخور).
- صلاه الساعه التاسعة، وتوافق الثالثة ظهرا، تُصلى كذلك في أيام الأصوام في القداس.
- صلاة الغروب (أو صلاة الساعة الحادية عشر)، وموعدها في الخامسة بعد الظهر (قبل حلول الليل).
- صلاة النوم وتصلى في الساعة السادسة مساء (وهي تصلى عند حلول المساء، ويتم تلاوتها هي وصلاة الغروب قبل قداسات الصوم الكبير و صوم يونان النبى).
- صلاة نصف الليل تصلى قبل حلول منتصف الليل.
- أما صلاة السِتار، فهي صلاة خاصة بالآباء الكهنة و الآباء الرهبان و الأحبار الأجلاء من الأساقفة.
صلاة باكر
    هذه الصلاة مُصممة لتُصلى عند ظهور النور الحقيقي، أي السيد المسيح. وهي تتحدث عن لانهائية الله، وتجسده، وقيامته من الأموات. وهي تعني بتقديمنا الشكر لله لأنه أقامنا من سبات النوم، متضرعين أن يشرق علينا، وينير حياتنا، ويُعطينا قوة قيامته.
صلاة الساعة الثالثة
    تعني هذه الصلاة بتذكيرنا بثلاثة أحداث رئيسية: محاكمة الرب يسوع عن طريق بيلاطس البنطي، وصعود السيد المسيح إلى السماوات، وحلول الروح القدس الذي يُطهر قلوبنا ويُجدد حياتنا.
صلاة الساعة السادسة
    تُذكرنا هذه الساعة بصلب السيد المسيح وآلامه، طالبين أنه من خلال آلامه المقدسة، يُنقذ عقولنا من الشهوات، ويحول أفكارنا لتذكُر وصاياه، ويجعلنا نوراً للعالم وملحاً للأرض.
صلاة الساعة التاسعة
    هذه الصلاة تُذكرنا بموت المسيح الخلاصي بالجسد على الصليب، وقبوله توبة اللص اليمين. ونطلب منه أن يميت شهواتنا الجسدية، ويجعلنا شركاء لمجده، وأن يقبل صلواتنا عندما نقول مع اللص: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." (لو42:23)
صلاة الغروب
    صلاة الغروب أو الساعة الحادية عشر تتحدث عن إنزال جسد السيد المسيح من على الصليب. وفي نهاية اليوم نعطي الشكر على عناية الله، ونقر بخطايانا (لو15)، حتى نُدعى ضمن الأُجراء الذين جاءوا في الساعة الحادية عشر (متى1:20-16).
صلاة النوم
    أما صلاة نوم فنتذكر فيها دفن السيد المسيح، والعالم الفاني والحساب الأخير، مُتَيَقظين لقدوم الله الوشيك والوقوف قدامه، ونطلب الصفح عن خطايانا، والحماية خلال الليل.
صلاة نصف الليل
    وأخيراً، فصلاة نصف الليل تتحدث عن المجئ الثاني لإلهنا ومخلصنا السيد المسيح، وتنقسم تلك الصلاة لثلاث خدمات، مثل صلاة السيد المسيح في بُستان جسثيماني (متى 1:25-13)
صلاة الستار
    صلاة ساعة المساء التي تدعى ساعة حجاب الظلمة أو سِتار الظلمة (ستار بكسر السين) وميعادها أول دخول عتمة الليل وهي خاصة بالآباء الرهبان








ب- إيتاء الزكاة
الزكاة :
مشتقة في اللغة العربية من زكا والتي تعنى النماء والطهارة والبركة. وسميت الزكاة لأنها بحسب المعتقد الإسلامي تزيد في المال الذي أخرجت منه،‏ وتقيه الآفات، كما قال ‏ابن تيمية:‏ نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو‏، يَطْهُر ويزيد في المعنى‏. أما تعريفها اصطلاحاً فهي الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال الغنى، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام.
الزكاة في الشريعة الإسلامية
حصة مقدرة من المال فرضها الله للمستحقين الذين سماهم في القرآن،‏ أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة، ‏ ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.‏ والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة صدقة كما ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم‏)‏ ‏سورة ‏التوبة :‏103‏‏
وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري.
الحكمة من مشروعيتها
الحكمة من الزكاة‏ تطهير النفوس من البخل،‏ وهي من أعلى درجات التكافل الاجتماعي، ‏وهي عبادة مالية، وهي أيضا سبب لنيل رحمة الله‏,‏ ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة‏)‏ ‏سورة الأعراف :156،‏ وشرط لاستحقاق نصره الله‏,‏ ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز‏, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة‏)‏ ‏سورة الحج :‏40- 41‏،
‏ وشرط لأخوة الدين‏، ‏ ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين‏)‏ ‏‏سورة ‏‏التوبة :‏11,‏ وهي صفة من صفات المجتمع المؤمن‏,‏ ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم‏)‏ ‏‏سورة التوبة:‏71‏‏,‏
وهي من صفات عُمّار بيوت الله‏,‏ ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله‏)‏ ‏سورة التوبة: ‏18‏،‏ وصفة من صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس، ذكر القرآن‏:‏ ‏(‏والذين هم للزكاة فاعلون‏) ‏ سورة المؤمنون: ‏4‏.
مكانة الزكاة
وبينت السنة مكانة الزكاة فعن ابن عمر أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله‏, ‏ وأنّ محمدًا رسول الله‏, ‏ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.‏‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏, ‏ وعن جرير بن عبد الله قال‏:‏ ‏(‏بايعت رسول الله على إقام الصلاة‏, ‏ وإيتاء الزكاة‏, ‏ والنصح لكل مسلم‏‏‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏, ‏ وعن ابن عمر أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله‏, ‏ وأن محمدًا رسول الله ‏, ‏ وإقام الصلاة‏, ‏ وإيتاء الزكاة‏, وصوم رمضان، ‏ وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا‏‏ ‏.‏‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏
شروط وجوبها
1.    الإسلام، فلا تجب على غير المسلم.
2.    ملكُ النصاب، فلا تجب على غير القادر.
3.    حولان الحول (مُضى سنة كاملة) عدا الخارج من الأرض فزكاته تجب عند اشتداد الحب وظهور نضج الثمار.
أحكام الزكاة
تجب الزكاة في الأنواع التالية:
•    الأنعام (الإبل والبقر والغنم وبعض العلماء أوجبها في الخيول كذلك).
•    الخارج من الأرض كالحبوب والثمار والزروع المقتاتة حالة الإختيار.
•    الذهب والفضة والمعدن والركاز منهما وما راج رواجهما في التعامل كالعملة الورقية والحلي (اختلف العلماء في وجوبها).
•    أموال التجارة، ولكن لا تجب الزكاة في أدوات الإنتاج مثل المبانى والآلات والسيارات والمعدات والأراضى التي ليس الغرض بيعها والمتاجرة فيها.
ولا تجب قبل بلوغ النصاب وحولان الحول إلا في المعدن فإنها تجب حالا بعد تنقيته من التراب وفي الركاز فإنها تجب حالا إن بلغ النصاب.
والنصاب هو المقدار المعين من المال الذي لا تجب الزكاة في أقل منه وتختلف قيمة النصاب حسب نوع المال.
نصاب الزكاة وقدر الإخراج
•    أول نصاب الزكاة في الإبل خمسة ويخرج عنها شاة عمرها سنة (جذعة ضأن).
•    أول نصاب البقر 30 ويخرج عنها ذكر أو أنثى من البقر لها سنتان[1].
•    أول نصاب العملات الورقية هو ما يكافئ (85) جراما تقريبا من الذهب الخالص ويتغير بتغير قيمة العملة، ونسبة زكاة الثروة النقدية 2.5 % سنوياً وفقـاً للسنـة الهجرية.
مصارف الزكاة
مصارف الزكاة ثمانية أصناف محصورة في قول القرآن "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " سورة التوبة آية 60 وهم :
1.    الفقراء: والفقير هو من لا يجد كفايته.
2.    المساكين: والمسكين من يجد كفايته بالكاد وقد لا تسد حاجته.
3.    العاملين عليها: وهم العمال القائمين على شأن الزكاة حيث أن الزكاة في الإسلام نظام كامل متكامل يتطلب من يقوم على تطبيقه والتفرغ التام له، ومن ثم أجاز الشارع الحكيم لهؤلاء العاملين عليها أن يؤجروا منها أي الزكاة.
4.    المؤلفة قلوبهم: وهم من يريد الإسلام أن يستميلهم، أو على الأقل أن يكفوا آذاهم عن المسلمين.
5.    في الرقاب: وهم العبيد والإماء المكاتبون أي الذين اتفقوا مع من يملكونهم على أن يتم تحريرهم نظير مبلغ معين فتجوز الزكاة لهم حتى يصبحوا أحراراً.
6.    الغارمين: والغارم هو الذي تراكمت عليه الديون فيأخذ من الزكاة مايفي دينه.
7.    في سبيل الله: ويشمل العديد من الأعمال التي لا يبتغي فيها صاحبها إلا وجه الله ويعد من أوسع مصارف الزكاة.
8.    ابن السبيل: وابن السبيل هو المسافر الذي قد يكون نفد ماله وهو في مكان غير بلده فيعطى مايكفيه للعودة إلى بلده.
الزكاة وآل بيت النبي
الصدقة (الزكاة) لا تحل لآل النبي محمد؛ وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك عن النبي منها ما رواه مسلم في صحيحه : أن النبي كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل منها وإن قيل صدقة لم يأكل منها [2]. كما قال النبي لعمه العباس بن عبد المطلب: ((إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة؛ إنما هي أوساخ الناس)) [3]. و عن أبي هريرة قال : أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله : ((كخ كخ، أرم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟)) متفق عليه [4].
وفي رواية : ((أنَّا لا تحل لنا الصدقة)) [5]، وقوله : ((كخ كخ)) يقال بإسكان الخاء ويقال بكسرها مع التنوين، وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات، وكان الحسن صبياً. ولكن زكاة غنيهم على فقيرهم جائزة وهذا هو رأي شيخ الإسلام.
الزكاة والسعادة
يقول باحثون كنديون إن اقتناء مبالغ طائلة من الأموال لا يجعل الإنسان أكثر سعادة، وإن مايعزز شعوره بالسعادة هو إنفاق المال على الآخرين. ويقول فريق الباحثين في جامعة بريتيش كولومبيا إن إنفاق أي مبلغ على الآخرين ولو كان خمسة دولارات فقط يبعث السعادة في النفس [1]. وهذا البحث يؤكد أن الزكاة تعمل على تزكية النفس وتطهيرها ورفع معنويات المنفق وتعطي دفعة نفسية أكبر للفرد تجعله قادرا على مواجهة مصاعب الحياة ويمكن القول أن الزكاة علاج نفسي للفرد وعلاج اجتماعي للفقر.
مقارنة بين الزكاة والضرائب
•    الزكاة فريضة إسلامية لكن الضريبة يفرضها القانون.
•    الزكاة تأديتها عبادة لله وتنجي الفرد من عذاب الآخرة والضريبة تأديتها انقياد للقانون حتى لايعاقب في الدنيا.
•    الزكاة لا يمكن التهرب من آدائها لأن الله يراقب العباد لكن الضرائب يمكن للمرء التهرب منها.
•    الزكاة تصل مباشرة من الأغنياء للفقراء أما الضرائب فقد يتهرب منها الأغنياء ويجبر على دفعها الفقراء.
•    الزكاة يؤديها المسلم مقبل عليها وهو طائع لذلك فهي تبعث في نفسه السعادة أما الضريبة يؤديها الفرد وهو مجبر تحت سطوة القانون لذلك تزيد من الضغوط النفسية عليه مما يزيد من مخاطر الأمراض النفسية.
•    المال يذهب في الضرائب بينما الزكاة تزيد المال وتطرح فيه البركة
•    الزكاة لا يمكن نقل عبئها إلى شخص غير المكلف بها لإن هناك مؤسسة رقابية هي الحسبة سوف تقوم بتوقيع العقاب على من يثبت قيامه بذلك، إلا أنه من الثابت في الفكر الاقتصادي فكرة نقل العبء الضريبي والذي يؤدي إلى ظاهرة الركود التضخمي. فالضرائب باعتبارها تكاليف إنتاج سوف تساهم في صناعة التضخم(زيادة المستوى العام للأسعار) بينما لا تؤدي الزكاة إلى هذا المرض الاقتصادي الخطير.
•    كما أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء بينما الضرائب على نحو ما تقدم، يقوم بتحملها الفقراء وليس الأغنياء. وبالتالي تقوم الزكاة بدور إجتماعي واقتصادي إيجابي، بينما تقوم الضرائب (على نحو ما هو متبع في النظم الوضعية



الزكاة بين الإسلام والأديان الأخرى
هل الزكاة في الإسلام مثل الزكاة في الأديان الأخرى أم تختلف عنها؟ تميزت الزكاة في الإسلام عنها في الأديان الأخرى بمجموعة من الفروق الهامة والأساسية وضعها فضيلة الدكتور القرضاوي حفظه الله في دراسة مقارنة شاملة :
* أولاً: إن الزكاة الإسلامية لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر، وخلة حسنة من خلال الخير كما في الأديان الأخرى، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، يوصم بالفسق من منعها، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها، فليست إحسانًا اختياريًا ولا صدقة تطوعية، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي.
*ثانياً: إنها في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء. وهو حق قرره مالك المال الحقيقي وهو الله تعالى، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه، وجعلهم خزانًا له، فليس فيها معنى من معنى التفضل والامتنان من الغنى على الفقير، إذ لا منة لأمين الصندوق إذا أمره صاحب المال بصرف جزء من ماله على عياله.
*ثالثاً: إنها "حق معلوم" قدر الشرع الإسلامي نصبه ومقاديره وحدوده وشروطه، ووقت أدائه وطريقة أدائه. حتى يكون المسلم على بينة من أمره، ومعرفة بما يجب عليه، وكم يجب؟ ومتى يجب؟ ولم تجب؟ وهذا بخلاف الأديان الأخرى.
*رابعاً: هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها كما في الأديان الأخرى، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وذلك بواسطة " العاملين عليها "فهي ضريبة" تؤخذ "وليست تبرعًا يمنح. ولهذا كان تعبير القرآن الكريم:(خذ من أموالهم صدقة) (التوبة: 103)، وتعبير السنة: أنها "تؤخذ من أغنيائهم".
*خامساً: إن من حق الدولة أن تؤدب - بما تراه من العقوبات المناسبة - كل من يمتنع من أداء هذه الفريضة. وقد يصل هذا إلى حد مصادرة نصف المال، كما في حديث: (إنا آخذوها وشطر ماله)
*سادساً: إن أي فئة ذات شوكة تتمرد على أداء هذه الفريضة. فإن من حق إمام المسلمين - بل من واجبه - أن يقاتلهم ويعلن عليهم الحرب حتى يؤدوا حق الله وحق الفقراء في أموالهم. وهذا ما صرحت به الأحاديث الصحيحة، وما طبقه الخليفة الأول أبو بكر ومن معه من الصحابة الكرام، رضى الله عنهم.
*سابعاً: إن الفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها. فإنها - قبل كل شئ - عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكى بها نفسه وماله، فإن لم يطالبه بها السلطان، طالبه بها الإيمان والقرآن. وعليه - ديانة - أن يعرف من أحكام الزكاة ما يمكنه من أدائها على الوجه المشروع المطلوب.
*ثامناً: إن حصيلة الزكاة لم تترك لأهواء الحكام. ولا لتسلط رجال الكهنوت - كما كان الحال في اليهودية - ولا لمطامع الطامعين من غير المستحقين، تنفقها كيف تشاء، بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في آية:(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) (التوبة: 6)، وكما فصَّلت ذلك السنة بدقة ووضوح. فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال. إنما المهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحل له ولآله منها شيء - وإنما تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه فهي منهم وإليهم.
*تاسعاً: إن هذه الزكاة لم تكن مجرد معونة وقتية. لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شيء من بؤسه. ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة. كما في الأديان الأخرى ، بل كان هدفها في الإسلام القضاء على الفقر ،وإغناء الفقراء إغناءً دائمًا. يستأصل شأفة العوز من حياتهم. ويقدرهم على أن ينهضوا وحدهم بعبء المعيشة. وذلك لأنها فريضة دورية منتظمة دائمة الموارد، ومهمتها أن تيسر للفقير قوامًا من العيش. لا لقيمات أو دريهمات.
*عاشراً: إن الزكاة - بالنظر إلى مصارفها التي حددها القرآن وفصلتها السنة - قد عملت لتحقيق عدة أهداف روحية وأخلاقية واجتماعية وسياسية. ولهذا تصرف على المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، فهي أوسع مدى، وأبعد أهدافًا من الزكاة في الأديان الأخرى.
وبهذه يتضح لنا:
أن الزكاة في الإسلام نظام جديد متميز يغاير ما جاءت به الديانات السابقة؛ من وصايا ومواعظ، ترغب في البر والإحسان، وتحذر من البخل والإمساك.
كما أنها شىء آخر، يخالف تماماً الضرائب والمكوس التي كان يجبيها الملوك والأباطرة. وكانت كثيرًا ما تؤخذ من الفقراء لترد على الأغنياء، وتنفق على أبهة الحاكمين وترفهم وإرضاء أقاربهم وأنصارهم وحماية سلطانهم من الزوال
* والزكاة عند اليهود والمسيحين *
وهذا بحث قدمه الباحث ياسر الجرزاوي نعرضه بتصريف يسير: كان يهود المدينة يؤمنون أن النبي صلى الله عليه وسلم هو نبي آخر الزمان إلا أن قدومه من نسل إسماعيل أشعل في قلوبهم الغيرة والعناد والصلف والكفر.
ولما كانت التوراة التي بين أيديهم تخبر عن مواصفات الرسول القادم .. ولما كانت التوراة مدونة بالعبرية ولم تترجم بعد إلي العربية.. حيث تمت الترجمة في عام 1857 ( ترجمة فاندايك وسميث).. ولما كانت أمة العرب أمة أمية.. ولما كان العرب يتكلمون العربية ولا يجيدون العبرية .. ولما كانت حيازة التوراة حتى بالعبرية مقصورة على أحبار اليهود فقط.. فقاموا بالتعديل والتغيير ليس فقط في مواصفات النبي القادم .. إنما في كل ما جاء به الإسلام وورد في التوراة المعدلة سلفاً قبل قدوم النبي لأسباب يهودية لا تتعلق فقط بقدومه علية الصلاة والسلام.
ورغم التعديلات التي خضع لها كل الكتاب إلا أن كبر حجمه جعل التعديل الشامل عن طريق الحذف صعباً عليهم أو شبه مستحيل.. ونظراً لتشعب بعض المواد الواجب تعديلها في كل الأسفار مما يعني حذف الكثير.. فقد قاموا بتعديل الألفاظ مع بقاء جوهر المادة المعدلة نظراً لكثرتها.. ونظراً لأن الكتاب هو كتاب الله ولابد من قيام الحجة من الله على الأقل على الأجيال التي جاءت بعد التعديل وبعد ظهور الإسلام.
ونظراً لأنني مسلم ولإيماني أن القرآن هو أصدق كتاب يحكي تاريخ بني إسرائيل فقد ورد فيه إخراج اليهود "للزكاة" لفظاً ومعنى ولم ترد فيه كلمة عشور على الإطلاق رغم وجود العشور في واقع الحياة آنذاك أثناء نزول القرآن "وهي ضريبة التجارة الخارجية في دولة الرومان" ووردها أيضاً في الكتاب المقدس الذي قيل ويقال أن النبي محمد نقل منه نقل مسطرة
سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }مريم55 النص يخبر عن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام مما يعني أن الزكاة كانت معروفة منذ أيام إبراهيم الذي أعطي العشور للكاهن ملكي صادق كما ذكر سفر التكوين التوراتي.
وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا ِللهِ الْعَلِيِّ.‏ 19وَبَارَكَهُ وَقَالَ: "مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،‏ 20وَمُبَارَكٌ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ". فَأَعْطَاهُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.‏ التكوين 14
سيدنا إسحاق وسيدنا يعقوب عليهما السلام
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73النص يخبر عن اسحق ويعقوب.
سيدنا موسى عليه السلام
{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ}المائدة12النص يخبر عن بني إسرائيل بعد الخروج من مصر.
سيدنا عيسى عليه السلام
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }مريم31
النص يخبر عن كلام المسيح في المهد.
ومما يثير العجب هو ورود كلمة زكاة نصاً ومعنى في سفر العدد من التوراة وهو السفر الرابع من خمسة أسفار وزوالها تماماً من باقي أسفار الكتاب المقدس وحل محلها كلمات بكور وعشور ونذور..!!!
- وَارْفَعْ زَكَاةً لِلرَّبِّ. مِنْ رِجَالِ الْحَرْبِ الْخَارِجِينَ إِلَى الْقِتَالِ وَاحِدَةً. نَفْسًا مِنْ كُلِّ خَمْسِ مِئَةٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْغَنَمِ. العدد 31:‏28
- وَكَانَتِ الزَّكَاةُ لِلرَّبِّ مِنَ الْغَنَمِ سِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ، العدد 31:‏37
- فَأَعْطَى مُوسَى الزَّكَاةَ رَفِيعَةَ الرَّبِّ لأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ كَمَا أَمَرَالرَّبُّ مُوسَى.العدد 31:‏41

ويبدو أن كلمتي بكور وعشور كانتا صنفين من أصناف الزكاة تلك الكلمة التي تم محوها من أغلب الكتاب بعد ظهور الإسلام وتم ترك المواضع الثلاث السابقة لأن حذفها مخل بالسياق وتم تفسيرها أنها رفائع للرب أي ( محرقات ) .. وإذا سلمنا أن المعني محرقات بالنسبة للحيوان فكيف يكون حرق الإنسان..؟؟ والمخرج الوحيد الباقي هو أن الزكاة لم تكن مفروضة في سفر العدد وهو سابق علي السفر الذي أقرت فيه شريعة موسي "التثنية" والذي تم فيه فرض العشور.. إلا أن القول بشريعة موسي لا يسقط صحة أسبقية وفرضية أداء إبراهيم واسحق ويعقوب للعشور والنذور والبكور. "الزكاة"

وَالْبَقَرُ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ أَلْفًا، وَ‍زَكَاتُهَا لِلرَّبِّ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ.العدد 31:‏38
وَالْحَمِيرُ ثَلاَثِينَ أَلْفًا وَخَمْسَ مِئَةٍ، وَ‍زَكَاتُهَا لِلرَّبِّ وَاحِدًا وَسِتِّينَ.العدد 31:‏39
وَنُفُوسُ النَّاسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَ‍زَكَاتُهَا لِلرَّبِّ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ نَفْسًا. العدد 31:‏40
وبعد محو كلمة زكاة مما يلي سفر العدد إلا أنه وفي عصر لاحق سقط محو الفعل "يزكي" سهواً من سفر يشوع بن سيراخ وهو من الأسفار التي كتبت في عصر يهودي متأخر 190-170ق.م.
"من أحب الذهب لا يزكى و من اتبع الفساد يشبع منه. سيراخ 31-5
وحتى لا يتحول البحث إلي جدل فقط .. فسنقبل كلمة العشور على أنها كانت تعني الزكاة الحالية الإسلامية وترجمها المترجم مساقاً من الروح القدس لمخالفة الوثنيين المسلمين..!!! مع ملاحظة تخفيف الإسلام للنسبة الكاملة الموحدة من العشور(10%) إلي نسبة من العشور (5%)وعشور كاملة في حالة واحدة هي محاصيل الأمطار.

وبما أن السيد المسيح لم ينقض العهد القديم " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ ‍بَلْ ‍لأُكَمِّلَ" متى 5:‏17.. وبما أن شريعة موسي تحتوي على العشور " تعشيرا تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة ... عشر حنطتك و خمرك و زيتك و ابكار بقرك و غنمك لكي تتعلم ان تتقي الرب الهك كل الايام تث 14 : 22-23 ".فلم يتكلم السيد المسيح عن نسخها بل تكلم عن الصدقة فقط التي هي من باب الإحسان الخالص وبمعزل وزيادة عن الفريضة المفروضة والمعترف بها في العهد القديم الذي لم ينقضه:
" إن لم يزد بركم على الكتبة و الفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات. مت 5 : 20"
11أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ.‏ 12أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ.‏ لوقا 18
"بَلْ أَعْطُوا مَا عِنْدَكُمْ صَدَقَةً" لوقا 11-41
"يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" مرقص 10-21
8فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ:"هَا أَنَا يَارَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ".‏ 9فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:"الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ،‏ لوقا 19
لذلك ومما سبق يثبت أن العشور بالمعني اليهودي المسيحي أو الزكاة بالمعني الإسلامي هي فريضة يهودية مسيحية إسلامية ..
ولم يسقطها السيد المسيح بل زاد عليها بالإحسان إلي 100% من رأس المال.

ولا أري أن قول بولس في كورونثوس الأولي 2:16 "ما تيسر" " فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ، لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِنًا مَا ‍تَيَسَّرَ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ." لا أري أنه يعلو على شريعة العهد القديم أو على موافقة السيد المسيح على نفس الشريعة بقوله ما جئت لأنقض.. أما بولس فقد كان يقصد بالتأكيد أن ما تيسر خاص للكنيسة بخلاف ما تم فرضه للفقراء من الناس بالعشور.
بناء على ما سبق يتضح أن الزكاة في اليهودية والإسلام والمسيحية هي فريضة منصوص عليها في الديانات الثلاث .. تخففت المسيحية من فرضيتها كما تخففت من الكثير من الفرائض مثل الصوم وتحويله إلي صوم نباتي بديلاً عن صوم الانقطاع الأصلي .. وكذلك الصلاة من سجود وركوع وتحويلها إلي كلمات وإيمائه.. وشهادة أن لا إله إلا الله وتقسيمها على ثلاث .. والحج الذي تم محوه تماماً لما كانت الكعبة في الأرض العربية.


ج-الإيمان بالرسل
من المعلوم أن  الإسلام هو الإنقياد التام للخالق بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. فهو تسليم كامل من الإنسان لله تعالى في كل شؤون حياته.ويؤمن المسلمون أن الإسلام هو آخر الديانات السماوية، وأنها ناسخة لما قبلها كما ذكر في القرآن بقول الله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا" (المائدة:3
و من أسس الإسلام الإيمان بوجود إله واحد هو الله، واتباع  ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن محمد عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء والرسل.
كما يؤمن المسلمون بالملائكة وبجميع رسل الله السابقين وبالكتب السابقة واليوم الأخر والقضاء والقدر. ويعتبر المسلمون القرآن هو الكتاب المنزل من عند الله على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق جبريل عليه السلام. والقرآن هو مصدر التشريع الإسلامي الأول و السنة النبوية هي المصدر الثاني في التشريع الاسلامي.
والإسلام ليس حصرياً على شعب دون شعب، أو قوم دون قوم، بل هو دعوة شاملة للبشرية كافة بغية تحقيق العدل والمساواة للبشر كافة. فالإسلام يقوم على أساس الفطرة الإنسانية والمساواة بين مختلف أفراد المجتمع الإسلامي فلا يفرٌق بين الضعيف والقوي والغني والفقير والشريف والوضيع ، كما لا يفرق الإسلام بين الأمم والشعوب المختلفة إلا من باب طاعتها لله تعالى والتزامها بالتقوى، فالتقوى هي الاساس الذي يقيٌم به عمل الإنسان والتزامه بتعاليم الإسلام. يقول الله تعالى في القرآن الكريم :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".(الحجرات 13
أركان الإيمان
والحمد لله أننا نحن المسلمين نؤمن بما أمرنا الله تعالى  وبينه لنا في قرآنه الكريم  يقول الله تعالى: "آمنَ الرسولُ بما أنزلَ إليهِ من ربِّه والمؤمنون كلٌّ آمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرقُ بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا و إليك المصير"(البقرة 285.
ويؤكد ذلك جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن معنى الإيمان قال:
" الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(رواه مسلم
بخلاف ما قرأنا ورأينا أهل الكتاب فهم لا يؤمنون بالله تعالى الذي نؤمن به بل إن الإله الذي يؤمنون به له صفات عجيبة تحدثنا عنها في بداية الكتاب.
فأركان الإيمان الستة هي:
1 الإيمان بالله
2 الإيمان بالملائكة
3 الإيمان بالرسل
4 الإيمان بالكتب السماوية
5 الإيمان باليوم الآخر
6الإيمان بالقدر خيره وشره.
الشريعة الإسلامية
الشريعة تعني مجموعة القوانين التي تحدد علاقة الإنسان بالله وبالناس وبالمجتمع والكون. وتحدد ما يجوز فعله وما لا يجوز. وأهم هذه الشرائع أركان الإسلام الخمس كما يقضي الإسلام بضرورة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية لِفض الخلافات بين المسلمين، وبضرورة تحلي المسلم بالأخلاق الحميدة. ووفقاً لاعتقاد المسلمين فإن الشريعة الإسلامية تنظم مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والشخصية.
أما مصادر التشريع الإسلامي فالقرآن هو وحي الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهو المصدر الأول للتشريع، وقد تعهده الله بحفظه من التبديل والتحريف. وينص القرآن على وجوب اتباع أوامر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأن أقواله إنما هي وحي من الله، ولذلك تعتبر السنة النبوية(وهي مجموع أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ) المصدر الثاني في التشريع الإسلامي .
أما المصدر الثالث للتشريع فمصدر خلاف بين المذهبين السني والشيعي : فعند الشيعة أن أحاديث أهل البيت هو المصدر الثالث للتشريع ويجمع كتب الحديث لديهم أقوال النبي إضافة الى أقوال أهل البيت كما هو كتاب الكافي للكليني .
أما أهل السنة فقد قاموا بجمع السنة النبوية في مجموعة من الكتب مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما من كتب الحديث. والمصدر الثالث من مصادر التشريع لديهم هو اجماع المسلمين، وذلك بالاستناد إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ورابع مصادر التشريع هو القياس (وهو قياس أمر لا حكم محدد له على حكم لأمر مشابه).
ولكن لم نرى ذلك لدى أهل الكتاب فهم لا يجلون الله تعالى  كما أنهم لا يقدرون الأنبياء حق قدرهم  أما الكتب السماوية لا يولونها أي تقدير
فعن الله تعالى يقولون :
1- أنه إستراح من التعب
فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. 2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا.
أنه يندم ويحزن
5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». 8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.
أنه ينسي ويحتاج إلى ما يفكره
13وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. 14فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَابًا عَلَى الأَرْضِ، وَتَظْهَرِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، 15أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضًا الْمِيَاهُ طُوفَانًا لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. 16فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». 17وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ».
يتجسس على خلقه
5فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. 6وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. 7هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ». 8فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ، 9لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ.
وعن الأنبياء يقولون :
20وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. 21وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. 22فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. 23فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، 25فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». 26وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ. 27لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ، وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ».
30وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. 37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. 38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ.
24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.
والعجيب أنهم لا يؤمنون لا بأنبياءهم ولا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم
فيرى المؤرخ ألان بيزانسون أن موقف المسيحيين في الماضي من المسلمين لم يكن مرحبا ولا إيجابيا على عكس ما هو حاصل الآن. ويضرب على ذلك مثلين:
 الأول يوحنا منصور الدمشقي، والثاني القديس توما الاكويني أستاذ المسيحية الأوروبية في القرن الثالث عشر.
 فيوحنا الدمشقي كان ينتمي إلى عائلة دمشقية كبيرة لعب أفرادها دورا مهما كموظفين في الإدارة البيزنطية التي كانت سائدة قبل وصول الإسلام. ويقال بأنه لعب دورا في استسلام دمشق للفاتحين العرب. ولذلك قربه الخليفة الأموي منه ووظفه في مصلحة إدارة الضرائب. ولكن حصلت بعدئذ الموجة الأولى للاضطهاد ضد المسيحيين. وعندئذ التجأ يوحنا الدمشقي إلى الدير المسيحي حيث مات عام 754م، أي بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمائة وعشرين سنة وبعد موت عثمان بن عفان بمائة سنة فقط.
 وهذا يعني أنه شهد اللحظات الأولى للفتح الإسلامي وانتشاره خارج الجزيرة العربية في سوريا وفلسطين ومصر، الخ. وبالتالي فشهادته مهمة جدا عن تلك الأحداث الحاسمة لأنها من أولى الشهادات التي وصلتنا.
وقد خلّف وراءه مخطوطة سرية بعنوان : "كتاب البدع" (أو الهرطقات والزندقات) وفيه يصنّف الإسلام باعتبار أنه الزندقة رقم 100! وهذا يعني أنه لم يكن واضحا في ذلك الوقت المبكّر من عمر الإسلام فيما إذا كان دينا آخر أم مجرد هرطقة أو نسخة أخرى متفرّعة عن المسيحية.
لم تكن أقدام الإسلام قد ترسخت بعد ولم يكن قد أصبح ذلك الدين الكوني الذي نشهده حاليا. ثم يردف ألان بيزانسون قائلا: وأحيانا لا نزال نطرح حتى اليوم نفس هذا التساؤل: هل الإسلام دين مستقل بذاته أم هو عبارة عن صورة من صور المسيحية أو اليهودية. فهو مليئ بقصص موسى وعيسى ومريم وأنبياء التوراة..نلاحظ انه لا يزال يطرح هذا السؤال الرغم من وجود مليار وثلاثمائة مليون مسلم في العالم اليوم!
لكن لنتابع مع المؤلف سلسلة أفكاره التي تمثل تيار اليمين المسيحي في فرنسا كما قلنا. في كتابه المذكور آنفا يقول يوحنا الدمشقي بأن "محمد" لم يكن نبيا حقيقيا، وإن عقائده عبثية ولا معنى لها لأنها تنكر الحقائق المسيحية. ولكن يبدو أن يوحنا الدمشقي خلّف وراءه كتابا آخر بعنوان: محاورة بين مسلم ومسيحي. وفيه يدافع بشدة عن المسيحية ويحذر سكان سوريا الذين كانوا لا يزالون مسيحيين في أغلبيتهم آنذاك من اعتناق الإسلام.
ومعلوم أن سوريا ظلت مسيحية في أغلبيتها حتى القرن العاشر الميلادي وربما أكثر من ذلك. وهذا شيء نجهله نحن حاليا أو قل إنها حقيقة مسكوت عنها. بعدئذ قلبت الأمور في جهة الإسلام والدين الغالب وتحول المسيحيون عن دينهم إلا أقلية معينة لا تزال موجودة حتى الآن.
وفي هذا الكتاب الأخير يدافع يوحنا الدمشقي عن إرادة الإنسان وحريته ضد قدرية المسلمين واستسلامهم للمقدور أو للمكتوب كما يزعم.
 ثم جاء بعده بقرون طويلة القديس توما الاكويني لكي يدحض الإسلام أيضا، وهو يهاجم الإسلام من خلال المنطلقات التالية:
1.    الإسلام دين شهواني. وقد استطاع محمد أن يغري الأتباع ويجذبهم إليه عن طريق وصف الجنّة وشهواتها ونسائها وملذاتها في القرآن. يضاف إلى ذلك أن محمد كانت له عدة نساء وهذا لا يليق بنبي على حد زعمه أيضا.
2.    الإسلام لا يقدم إلا حقائق عادية يسهل على الناس العاديين أن يفهموها. إنه دين البسطاء والجهلة وعامة الناس بحسب رأيه. وذلك على عكس المسيحية المعقدة وذات الأسرار الربانية التي لا يفهمها إلا الراسخون في العلم.
3.    الإسلام لم يقنع الناس بالحجة أو البرهان وإنما بقوة السلاح. فقد خضعوا له خوفا من قطع الرقاب. وهذه هي براهين الطغاة وقطاع الطرق! والفتح الإسلامي تم بالسيف لا بالإقناع. نلاحظ أن البابا استعاد هذه التهمة بشكل غير مباشر في محاضرته الشهيرة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها..
4.    لا يوجد أي ذكر للإسلام أو تنبؤ بحصوله في العهد القديم أو العهد الجديد : أي التوراة والإنجيل وبالتالي فهو مرفوض من قبل اليهودية والمسيحية على التوالي. وذلك على عكس ما يزعم المسلمون الذين يقولون بان اسم النبي ورد في الكتب السابقة على صيغة أحمد ولكن اليهود والمسيحيين حذفوه وبالتالي فكتبهم محرفة..
5.    لقد شوّه قصص العهد القديم والعهد الجديد: أي قصص أنبياء بني إسرائيل وبخاصة موسى وهارون، وكذلك سيرة المسيح وأمّه العذراء عن طريق ذكر قصص جديدة مختلفة تشبه الأساطير.
6.    إنه يمنع أتباعه من قراءة التوراة والإنجيل لكيلا ينكشف أمره وسرقته للقصص والأفكار الواردة فيهما. فهو مليء بقصص بني اسرائيل وموسى وعيسى الخ..وباختصار فإن من يعتقد بصحة كلامه ساذج وجاهل.
هذه هي محاجات توما الاكويني ضد الإسلام في عزّ القرون الوسطى. وفي ذلك الوقت كان المسيحيون يحاربون الإسلام بكل قوة بعد أن اكتسح مواقع ضخمة في حوض البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي فقد أصبح منافسا جديا وخطيرا بالنسبة للمسيحية التي كانت هي الدين السائد في تلك البلدان قبل فتح الإسلام لها.. وبالتالي فالفتوحات الإسلامية تمت على حساب المسيحية في الواقع. ولذلك غاروا منه وكرهوه وحاربوه. ثم يردف ألان بيزانسون قائلا: هكذا نلاحظ أن يوحنا الدمشقي في القرن الثامن للميلاد، وتوما الاكويني في القرن الثالث عشر رفضا الإسلام أو دحضاه من وجهة نظر لاهوتية والآن يجيء جاك إيلّول لكي يدحضه من جديد لاهوتيا ودينيا أيضا.











 د- القرض الحسن
ولقد قدم أحد الباحثين وهو محمد أحمد مختار بحثا عن القروض قال فيه : استعرضت في المقدمة تاريخ الربا عند اليهود والنصارى والربا في نظر الفلاسفة، والربا في الجاهلية، ثم الربا في القرون الأخيرة، وتوصلت إلى النتائج التي أوضحتها ومنها:
1- إن الإسلام لم يكن الدين الوحيد الذي حرم الربا، بل كان محرماً في الديانتين السابقتين على الإسلام. فهو محرم في التوراة، والإنجيل، والقرآن، ومنه يتضح أن موقف الإسلام من تحريم الربا: موقف التقرير والتأكيد.
2- إن اليهود حرفوا الكلم عن مواضعه فجعلوا التحريم خاصاً بالإسرائيليين وحدهم وأباحوه مع غير الإسرائيليين وبذلك اندفعوا في أكل الربا مع غيرهم فأشاعوا الربا في العالم قديماً وحديثاً، ولقد عاقبهم الله وسجل ذلك عليهم في القرآن واعتبرهم أكلة ربا {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ}.
3- إن النصارى حرموا الربا تحريماً قاطعاً لا فيما بينهم فقط بل بالنسبة لهم ولغيرهم وأجمعت على ذلك كنائسهم وشددوا في تحريم الربا حتى حرموا كثيراً من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية كبيع السلم والبيع بالنسيئة وكل تجارة يمكن أن تستر من ورائها قرضاً بفائدة.
4- إن من الربا الذي لا شك فيه في الديانتين السابقتين: اليهودية والنصرانية القرض بفائدة.
5- إن نظرة الفلاسفة تتفق مع الأديان السماوية في تحريم الربا وأنه كسب غير طبيعي وآفة اجتماعية وخلقية واقتصادية.
6- إن النصارى استمروا على تحريم الربا حتى القرون الأخيرة حيث طال عليهم الأمد فنسوا حظاً مما ذكروا به فبدؤا يتحللون منه شيئاً فشيئاً فأباحوا الفائدة على القرض.
7- إن كثيراً من الاقتصاديين والمفكرين ظهرت لهم آثار الربا السيئة وبدؤا يحذرون من مغبته وينادون بحرمته.
8- إنه نتج من إباحة الربا كثير من النظريات الهدامة كالشيوعية الملحدة والاشتراكية المتطرفة.
ثم انتقلت إلى الباب الأول وتحته أربعة فصول:
وتحدث في الفصل الأول عن معنى الربا لغة واصطلاحاً وذكرت بعض أقوال العلماء في تعريفه وبين ما قد يرد عليها من اعتراضات.
ثم بين العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي.
وبعد ذلك انتقل إلى بيان الفرق بين البيع والربا وأوضح ما بينهما من فروق أساسية، وأن قول الكفار {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} مغالطة منهم ظاهرة ومكابرة واضحة وأن هذا القياس كقياس إبليس لما أمره الله بالسجود لآدم {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
ثم انتقل إلى الفصل الثاني وفيه تحدث عن ربا الفضل وآراء العلماء فيه ومخالفة ابن عباس في تحريمه وقد استعرض أدلة كل من الطرفين وما أورد عليها من مناقشات وخلص إلى ترجيح قول الجمهور للأسباب التي أوضحها والتي منها:
1- إن الأحاديث الدالة على تحريم ربا الفضل صريحة لا تحتمل التأويل. بخلاف الأدلة الدالة على جوازه فإن دلالتها بالمفهوم والمفهوم يتطرق إليه الاحتمال والمتحمل إذا عارضه النص وجب تأويله على الجهة التي يصح الجمع بينهما لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
2- كثرة الطرق التي روت تحريم ربا الفضل حيث وردت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة والمسانيد. ورويت عن عدد كبير من الصحابة وتلقته الأمة بالقبول حتى حكي بعضهم الإجماع على ذلك.
3- ثبوت رجوع بعض القائلين بإباحة ربا الفضل كابن عمر – رضي الله عنهما -. وهذا يدل فيما يدل عليه على عدم بلوغهم أحاديث النهي عن التفاضل. فلما بلغتهم رجعوا إلى القول بتحريمه.
4- رجحان القول برجوع ابن عباس – رضي الله عنهما – للأدلة التي أوضحها وبين رجحانها على الأدلة المستدل بها على عدم رجوعه للأمور التي ذكرناها هناك.
ثم بين رجحان قول الجمهور بأن الربا ليس مقصوراً على الأصناف الستة التي ورد النص بها كما ذهب إليه نفاة القياس وبعض من العلماء لأن تشريعاً جاء في معاملات الناس لابد وأن يكون فيه معنى ومغزى فمتى وجد هذا المعنى وهذا المغزى فالحكم يشمله لأن من قواعد الشريعة وأصولها العامة التسوية بين المتماثلين وإعطاء الشيء حكم نظيره والشارع لم يحصر الأموال التي يجري فيها الربا في الأصناف الستة التي ورد بها الحديث وأن القول بقصر الربا على الأصناف الستة نظرة ظاهرية وجمود على حرفية النص من غير نظر إلى روح الشريعة وحكمها.
ثم تحدث عن الحكمة في تحريم ربا الفضل وأوضح أن الله عليم حكيم لا يشرع شيئاً إلا لحكمة سواء علمها البشر أم لم يعلموها وأنه ليس من شرط الانقياد والامتثال معرفة الحكمة فقد تظهر لبعض وتخفى على آخرين، وما لا تظهر حكمته اليوم قد تظهر غداً، وأن واجب العباد هو: الامتثال والتسليم بأمر خالقهم {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
وبعد ذلك تكلم عن آراء العلماء في علة الربا في الأصناف الستة وبين أن العلماء اتفقوا على أن في الحديث جملتين كل واحدة تنفرد بعلتها الذهب والفضة جملة والأصناف الأربعة الباقية، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح جملة.
فذكر أولاً خلاف العلماء في علة الربا في النقدين وما استدل به لكل قول ورجح القول القائل بأن العلة فيهما هي الثمنية وأن كل ما اتخذ الناس سكة بينهم فإنه يجري فيه الربا كما يجري في النقدين.
ثم استعرض الآراء في علة الأصناف الأربعة ورجح القول القائل بأن العلة فيها هي الطعم مع الكيل أو الوزن لأن في هذا القول جمعا بين الآثار التي فيها الإشارة إلى التعليل بالكيل أو الوزن والأحاديث التي فيها ذكر الطعام كما أن في هذا التعليل معنى مقبولاً.
وبعد ذلك انتقل إلى الفصل الثالث وهو ربا النساء وذكر آراء العلماء في تحديده وبين أسباب التفاوت الكبير في تحديده وأن منشأ ذلك اختلافهم في علة ربا الفضل.ثم تناول بالبحث حكم بيع الجنس بجنسه نساء وبين أن الجنس إذا كان من الأموال الربوية فلا يجوز بيعه بجنسه نساء إجماعاً وأما إذا كان الجنسان ليسا من الأموال الربوية فقد أوضح خلاف العلماء في ذلك ومنشأ الاختلاف ودليل كل، ورجح القول بعدم جوازه للأدلة التي اقتضت ذلك والتي سبق بيانها في موضوعه.
ثم بعد ذلك تناول بالبحث حقيقة الربا الجاهلي وبين أن العلماء اختلفوا فيه فمنهم من جعله خاصاً بالزيادة على الدين المستحق مقابل تأجيله ولا يشمل ما إذا كانت الزيادة في العقد الأول وهو القرض بفائدة ومنهم من ذهب إلى أن ربا الجاهلية له صورتان رئيسيتان.الصورة الأولى هي التي تقدم ذكرها، والصورة الثانية: القرض بفائدة وانتهى البحث في هذا المقام بترجيح القول القائل بأن له صورتين هما: الربا في القروض، والربا في الديون؛ للأدلة التي أوضحها. ثم أوضح الحكمة في تحريم الربا وبين أن له مضاراً خلقية واقتصادية واجتماعية أفردتكلا منها ببيان خاص.
ثم بعد ذلك بين الفرق بين الربا والقرض وأوضح أن الفرق بينهما ناتج من طبيعة كل من العقدين. وأنه لا مبادلة في القرض في الحقيقة وإنما أساس الاتفاق فيه أن يأخذ المقترض مقداراً من المال على أن يثبت في ذمته يؤديه في ميسرته دون النظر إلى البدل وحين تشتغل ذمته يجب عليه مثله أو قيمته. عند تعذر المثل فالمعاوضة فيه وقت العقد متخفية لأن مبناه على الإرفاق والإحسان فهو في الحقيقة أشبه بالتبرع بالمنافع فهو من جنس العارية والمنيحة
ولذا أسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- منيحة، إلا أنه أقيم تسليم المثل فيه مقام تسليم العين. أما البيع فإن مبناه فيه على المغابنة والمماكسة.
كما بين الفرق بين الربا والحوالة. ومن ذلك أن الحوالة ليست من جنس البيع وإنما هي من جنس إبقاء الحق. واختلاف الأسامي دليل على اختلاف المعاني في الأصل.
ثم انتقل إلى الفصل الرابع وهو القرض بفائدة.
فعرفته وعرفت الفائدة وبينت أنها هي الربا في مفهوم القرون السابقة، وأن تسميته بفائدة لا يترتب عليها تحريم ولا تحليل وإنما يترتب على المعاني والحقائق التي في المسميات، ثم بين دليل تحريم القرض بفائدة من الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة، ونظراً إلى أنه قد أثيرت شبهات لتحليل الفائدة فقد ذكر نحواً من تسع شبهات وناقشها وبين بطلانها.
وأوضح أن الذي حرم الربا لم يترك أمر الناس سدى فإن الله تعالى لم يحرم شيئاً عوضهم عنه بما هو خير وأنفع وشرع لهم ما تدعو حاجتهم إليه ويغنيهم عن اللجوء إلى الحرام وما سد باباً إلا وفتح من الخير أبواباً فحرم الربا؛ لأن ضرره أكبر من نفعه لأن به يأكل القوي الضعيف ويستعبد الغني الفقير فيزداد الغني غنى والفقير فقراً.
وشرع لهم القرض الحسن فيما إذا لم تحضر النفوس الشح؛ لأن به تقوى الروابط ويحصل الأجر والمثوبة وبه تنمو الأموال {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. وشرع القراض لأن فيه عدالة للطرفين لأن فيه تعاوناً بين المال والعمل بدون محاباة لأحدهما على الآخر. وشرع السلم وأباح البيع بالنسيئة وحث على التجارة والسعي في الأرض، لطلب الرزق وأباح الشركات بأنواعها،
ولقد سار السلف الصالح على هذا النهج القويم، والطريق المستقيم، فالمضطر منهم لا يلبث أن يجاب. ومن نزلت به ضائقة بادر إخوانه من المسلمين بإسعافه. قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
 وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: أتي علينا زمان وما يرى أحد منا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "إذا الناس تبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم".
 فقامت لهم حضارة ومدنية لم تشهد الدنيا لها نظيراً بلغت من الصين شرقاً، إلى الأندلس وشواطئ المحيط الأطلسي غرباً، واستمرت تلك الحضارة وتلك المدنية قروناً طويلة صيرت شئون الحياة الاقتصادية على وجه لم تشهد الدنيا له مثيلاً أصبحت مضرب الأمثال حيث كان التآخي والمحبة والتعاون من أسس الدعامة الكبرى لتلك الحضارة وتحقق وصف الله تعالى لها بأنها خير أمة أخرجت للناس قامت على أساس من الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية
 فكان الغني أمله إرضاء الفقير بأي صورة كانت من الصور كالتصدق عليه أو إقراضه وكانت نظرتهم إلى المادة على أنها وسيلة تقويهم على الكسب المشروع والعبادة الخالصة لله تعالى، فهل يأتي بعد هذا من يقول: إن الربا ركن من أركان المدنية لا غنى لها عنه، وضرورة من ضرورات الاقتصاد لابد منه حقاً إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
            إذا لم يكن للمرء عين صحيحة   فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
ولقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن الربا سبب للعقوبة وموجب لسخط رب العالمين وعذابه {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}.
وعن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب".
وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله".
وأن واجب المسلمين اليوم أن يتمسكوا بشريعة ربهم ومبادئ دينهم فإن فيها صلاحهم في دنياهم وأخراهم ومعاشهم ومعادهم ذلك أن قواعد المعاملات في الإسلام مبنية على العدالة في أدق صورها وعلى التعاون في أبهى مباهجه وهي الكفيلة بأن تعيد للأمة الإسلامية عزها ومجدها، وأن تنظم حياتهم في عمرانها، وفي صناعتها، وفي زراعتها، وفي أمنها، ورغدها.










وفي الباب الثاني تكلم عن سبع مسائل هامة اختلف العلماء فيها بين الحظر والإباحة.
المسألة الأولى:
الربا بين المسلم والحربي وقد استعرضت فيها أدلة القائلين بالجواز وأدلة القائلين بعدم الجواز وتوصل في النتيجة إلى اختيار رأي الجمهور بعدم الجواز ورددت أدلة القائلين بجواز ذلك للمبررات التي أوضحها وبين أن القول بهذا يؤدي إلى ضرر بالاقتصاد الإسلامي وأن أموال المسلمين ستتحول إلى المصارف الأجنبية وأن الحكمة في تحريم الربا بين المسلمين موجودة في تحريم الربا بين المسلم وغير المسلم.
المسألة الثانية:
مسألة الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً. وفيها استعرض أدلة المانعين وأدلة المجيزين، وناقش أدلة كل منهم وما قد يورد عليها. ثم انتهي إلى ترجيح القول القائل بجواز ذلك؛ للأسباب التي أوضحها. ومنها أن هذا يعتبر من حسن الاقتضاء وأنه ضد الربا وأنه يغتفر في القضاء ما لا يغتفر ابتداء؛ لأن الإرفاق فيه أظهر من معنى المعاوضة.
المسألة الثالثة:
مسألة البيع لأجل مع زيادة الثمن تعرض لآراء العلماء في هذه المسألة وأدلة كل ومناقشتها وانتهي إلى القول بجواز ذلك إذا لم تكن الزيادة فاحشة ورأيت أن لولي الأمر أن يضع حداً لمقدار الزيادة حتى لا تستغل حاجة الفقير وإن طاعته في ذلك واجبة وأوضح الفرق بين القول بجواز هذه المسألة وتحريم الربا وأن قياس المسألة الأولى على الثانية قياس مع الفارق، كما أن القول بعدم جواز ذلك يؤدي إلى الربا الصريح.
وفي المسألة الرابعة:
تحدث عن العينة وبين اختلاف العلماء في معناها وبالتالي اختلافهم في حكمها واستعرض الآراء في ذلك وأدلة كل وانتهي إلى القول بجوازها إذا لم يكن هناك مواطأة ملفوظة أو ملحوظة.
وفي المسألة الخامسة:
بحث "بيع الوفاء": فعرفه، وبين: متى حدث هذا البيع. واختلاف العلماء في تكييفه. وهل هو رهن، أو بيع صحيح، أو بيع فاسد؟ وانتهي إلى القول بعدم جوازه؛ لأنه ما خرج في حقيقته عن كونه قرضاً بفائدة لقاء الأجل الذي يتفق عليه الطرفان وتسميته وفاء لا يخرجه عن حقيقته فالأحكام لا تتعلق بالأسماء وإنما تتعلق بالحقيقة.
وفي المسألة السادسة:
تناول بالبحث: بيع السفتجة فذكرت خلاف العلماء في حكمها ودليل كل ومناقشته وانتهي إلى ترجيح القول القائل بجوازها؛ لأن فيها مصلحة للطرفين فكل منهما له منفعة بدون مضرة لأحدهما على حساب الآخر والشارع لا ينهى عما فيه مصلحة ظاهرة وإنما ينهى عما فيه مضرة.
وفي المسألة السادسة:
تناول بالبحث: بيع الدين فعرفه وذكر خمس صور لبيع الدين وهي:
1- بيع الدين لمن عليه بثمن حال.
2- بيع الدين لمن عليه بثمن مؤجل.
3- بيع الدين لغير المدين بثمن حال.
4- بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل.
5- بيع الدين بالدين ابتداء.
وقد استعرض في كل صورة: أقوال العلماء في حكمها، وأدلة كل، ورجح منها ما ارتضيت به مدعوماً بالدليل الذي جعلني أختاره من غير تعصب.
وفي الفصل الأول
 من الباب الثالث تكلم عن نشأة المصارف وأنواعها وبين معنى الصرف لغة وشرعاً، وشروط جوازه.
ثم في الفصل الثاني
تحدث عن النقود الورقية وآراء العلماء فيها وانتهيت إلى ترجيح القول القائل بأنها نقد مستقل بنفسه يجري عليه حكم الذهب والفضة، وأنها أجناس تختلف باختلاف جهات إصدارها، وأن القول بغير هذا يؤدي إما إلى التضييق على الناس وإقفال باب التعامل بها كالقول القائل بأنها سندات بدين على جهة مصدريها.
وإما إلى فتح باب الربا على مصراعيه وإباحته بنوعيه كالقول القائل بأنها عروض تجارة.
وفي الفصل الثالث
 تحدث عن الودائع المصرفية وأنواعها وبين أنها ليست ودائع بالمعنى الفقهي وإنما هي في الحقيقة قروض. وأوضح أن الودائع بفائدة غير جائز شرعاً؛ لأنه ربا.
ثم تحدث عن حكم فوائد الودائع الإسلامية في المصارف الأجنبية وبين أنه لا ينبغي أن توضع أموال في المصارف الأجنبية؛ لأن هذا يقوي نفوذها وتستخدم ضد مصالح الإسلام والمسلمين، ولكن إذا فرض أن الإنسان أودع ماله مصرفاً أجنبياً لضرورة اقتضت ذلك. فلا ينبغي أن نترك هذه الفوائد لهذه المصارف وإنما ينبغي أخذها لا على أنها ملك لرب المال فإنها مكسب خبيث ولكن تصرف في مصالح المسلمين وبينت أن هذا من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما.
ثم في الفصل الرابع
 تحدث عن صندوق التوفير وأوضح أن حكم أخذ فائدة محددة على القروض إنها من الربا المحرم. واستعرض أهم الشبه التي أثيرت للقول بحل فائدة صندوق التوفير وبين بطلانها. ومن تلك الشبه القول بأن الربا المحرم هو ما كان للاستهلاك لا للإنتاج. ومنها أن الفائدة التي تؤخذ من صندوق التوفير هي من قبيل المضاربة وأوضحت أننا لو أخذنا بهذا المبدأ وهذا التخريج العجيب لكان في إمكان كل إنسان أن يرد كل جزئيات الربا المحرم إلى المضاربة بربح معين فالذي يستدين ألف ريال مثلاً بفائدة سنوية يمكن أن يتأول هذا التأويل.
ثم انتقل إلى الفصل الخامس
 وفيه تحدث عن بيع الأسهم والسندات وبين الفرق بينهما، وبين حكم كل منهما، وأن حكم بيع الأسهم جائز، ثم بين ما قد يعترض على القول بجوازها وأجبت عنه.
ومنها أن المشتري والبائع لأسهم الشركات لا يعلمان بجميع ممتلكات الشركة، وعلى هذا يكون فيها نوع من الجهالة والغرر، ومنه أن من موجودات الشركة نقوداً فإذا بيعت بنقود من جنسها يكون من باب بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه.
أما بيع السندات فقد أوضح أن السندات إذا كانت عبارة عن قروض بفائدة فإنه لا يجوز تداولها؛ لأن القرض بفائدة حرام "والله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه" فليس لصاحبه إلا رأس ماله لكن لو قدر أن هناك سندات بدين مشروع فإن هذا يكون من باب بيع الدين وقد أوضحنا حكمه في مسألة بيع الدين.
وفي الفصل السادس
 تكلم عن الحوالات المصرفية واستعرض أنواعها وبين حكم كل منها وذكرتحكم تحويل النقود من قطر إلى قطر عن طريق المصارف.

وفي الفصل السابع
 تحدث عن الضمان البنكي وعن آراء العلماء في أخذ الجعالة على الضمان وأدلتهم. واختر القول بجواز أخذ الجعالة على الضمان إذا كان له غطاء كامل لدى الضامن، أما إذا لم يكن له غطاء فلا أرى جوازه؛ سداً لذريعة أن يستر من ورائه قرضاً بفائدة.
وفي الفصل الثامن
 تحدث عن الأوراق التجارية وعرف الأوراق التجارية وأن من الأعمال المصرفية خصم الأوراق التجارية وبين موقف الشريعة من خصم الأوراق التجارية وأن الحكم فيها يختلف باختلاف ما إذا كان المصرف هو المدين أو لا، فإذا كان المدين هو المصرف الخاصم فإن هذا جائز شرعاً؛ لأن هذا يعتبر من باب الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً.
وأما إذا كان الخاصم غير المدين فلا يظهر جوازه شرعاً ولا يمكن تخريجه على قاعدة صحيحة من قواعد الشرع.
وفي الفصل التاسع:
 تحدث عن الاعتماد المستندي وبينت فوائده وحكمه من الوجهة الشرعية وأنه جائز شرعاً؛ لأنه لا يعدو أن يكون ضماناً برهن وأن أخذ العمولة عليه جائز أيضاً إذا كانت هذه العمولة لا تستر من ورائها قرضاً بفائدة.
ثم انتقلت إلى الفصل العاشر
فتناول آراء العلماء في التأمين ومستند كل منهم، وناقشها وتوصل إلى القول بجواز التأمين التعاوني. وأما التأمين التجاري سواء كان تأميناً على بضائع ونحوها، أم تأميناً على الحياة فلا يظهر لي جوازه؛ لأن قواعد الشريعة وأصولها الكلية تقتضي القول بمثل ذلك.
وفي الفصل الحادي عشر
بحث مشروع إنشاء مصرف إسلامي يقوم على أسس مستوحاة من أصول شريعتنا الغراء، ويسير على قواعد الشرع الحكيم وأوضحت الأسس الرئيسية التي ينبغي أن ينهجها وأنه بقيام هذا المصرف نكون تحررنا من التقيد بنظم لا تمت إلى الإسلام بصلة وتخلصنا من آفة الربا وآثامه اللعينة والتي روجها بيننا اليهود، والذين أشركوا؛ بأساليبهم الماكرة ووسائلهم المختلفة؛ لاستعبادنا واستغلالنا وإبعادنا عن أوامر ديننا. وبينت أنه بقيام هذه المصارف سيتحقق للأمة الإسلامية الخير، ويكون لها شخصية إسلامية متميزة وسمات مستقلة وأنه لن تتعطل أي مصالح تجارية، ولن يتوقف أي نشاط اقتصادي، بل بالعكس ستنمو البلاد وتزدهر، وتسير في معاملاتها وتجارتها على قواعد العدل والمساواة وإبعاد عنصر الظلم والاستغلال، والمخاطرة.
 هذا ما توصلت إليه بعد أن استعرضت في كل مسألة من مسائل هذا البحث أقوال العلماء في حكمها، وأدلة كل منهم. ودققت النظر في أدلة كل فريق: صحيحها وضعيفها، نَقْلِيِّها وعقليها، واخترت منها ما ترجح لدى مدعماً بالدليل الذي جعلني أختاره من غير تعصب فالحق أردته، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك: فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العظيم، ولا يسعني إلا أن أقول: هذا جهدي وطاقتي، والله حسبي ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعريف القرض :
القرض لغة: هو القطع، يقال: قرضه يقرضه قرضاً أي قطعه. و سمي المال المدفوع للمقترض قرضاً لأنه قطعة من مال المقرض ، و يسم أيضاً السلف .
وأما القرض اصطلاحاً: فهو تمليك مال مثلي لمن يلزمه رد مثله .
الترادف بين القرض والسلف والدَّيْن:
إن القرض والسلف كلمتان مترادفتان؛ فكما أن القرض يرد فيه المقترض بدل ما أخذ من المقرِض؛ فكذلك السلف.
أما الدَّيْن فهو عامٌّ؛ حيث إنه يطلق على القرض، والسَّلَم، وبيع الأعيان إلى أجل.
فهو عبارة عن ((كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً، والآخر نسيئة)).
هذا، وإن القرض في أحكام الشريعة الإسلامية ينقسم إلى قسمين: قرض حسن، وقرض ربوي
أولاً : القرض الحسن : هو ما يعطيه المقرض من المال إرفاقاً بالمقترض ليرد إليه مثله دون اشتراط زيادة، ويطلق هذا اللفظ كما جاء في القرآن على المال الذي ينفق على المحتاجين طلباً لثواب الآخرة.
أنواع القرض الحسن:
نظراً إلى التعريف المتقدم، نقسِّم القرض الحسن إلى نوعين:
ما يقرضه العبد لربه، وما يتقارضه الناس فيما بينهم.
النوع الأول: القرض بين العبد وربه:
وهو ما يدفعه المسلم عوناً لأخيه دون استرجاع بدل منه، طلباً لثواب الآخرة، ويشمل ذلك الإنفاق في سبيل الله بأنواعه كالإنفاق في الجهاد، وعلى اليتامى والأرامل والعجزة والمساكين.
وقد جاء لفظ القرض بهذا المعنى في القرآن الكريم في ستة مواضع: منها ما ورد في سورة البقرة، من قوله تعالى: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 244-245].
فكما نرى أن الاقتراض في هذه الآيات ليس من النوع الذي اعتدناه بأن يقترض شخص من آخر لحاجته منه إلى القرض.
إن الاقتراض هذه المرة من الغني الحميد الذي يطلب من عباده أن ينفقوا أموالهم للمحتاجين دون طلب رجوعها إليهم.
ولذلك تكفل سبحانه وتعالى بقضاء مثل هذه القروض بأضعافها، وسماها سبحانه وتعالى قروضاً حسنة لما فيها من التعاون والإرفاق من المقرضين.
وهناك سؤال يطرح نفسه في هذه النقطة وهو: لماذا سمى الله سبحانه وتعالى هذا النوع قرضاً؟؟
وقد أجابوا عن ذلك بأنه إنما سماه الله تعالى قرضاً لينبه على أن الثواب الموعود للمنفق في سبيله واصل إليه لا محالة، كما أن قضاء القرض واجب على المقترض.
النوع الثاني: القرض بين المسلم وأخيه:
تحديد القرض الحسن: ومما ينبغي ملاحظته في هذه النقطة التحديد الذي وضعه العلماء للقرض في كونه حسناً؛ حيث قالوا: لا يكون القرض حسناً حتى تتوفر فيه الشروط الآتية:
الشرط الأول: أن يكون المال المقرَض حلالاً لم يختلط به الحرام؛ لأن مع الشبهة يقع الاختلاط، ومع الاختلاط يقبح الفعل. الشرط الثاني: أن لا يتبع المُقْرِض ما أقرض بالمن والأذى.
الشرط الثالث: أن يدفعه المقرض على نية التقرب إلى الله،سبحانه وتعالى، لأن ما فُعِلَ رياءً وسمعةً لا يُستحق به الثواب. الشرط الرابع: ألا يجر القرض نفعًا على المُقْرِض.
حكم تحريم الإسلام للربــا
الربا حكمه / حـرام وهوا من الكبائر وقد ورد تحريم الربا فى الكتاب والسنة النبوية الشريفة وأجمع على تحريمه السلف الصالح والعلماء المجتهدون من بعدهم
أولا أدلة تحريم الربا من القراّن الكريم
لقد سلك القراّن الكريم فى تحريم الربا مسلك التدرج
وهوا نفس المسلك الذى سلكه فى تحريم الخمر .
1/ قال تعالى { ومااّتيتم من ربا ليربو فى أموال الناس فلا يربو عند الله وما اّتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } ( سورة الروم الاّيه 39 ) .
وجه الدلالة هنا / حيث لم ينص على تحريم الربا ولكنه اكتفى بالإشارة بأن التعامل بالربا لا ثواب له عند الله وأن الثواب المضاعف هوا لأولئك الذين يتصدقون من أموالهم ابتغاء وجه الله .
2/ ثم جاءت الاّيه من سورة اّل عمران قال تعالى { يا أيها الذين اّمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفه واتقوا الله لعلكم تفلحون } ( اّل عمران الايه 130 ) .
وجه الدلالة / فى هذه الايه أول خطاب مباشر بتحريم صريح للربا الفاحش أى الربا الذى يتزايد حتى يصير أضعافا مضاعفه .
3/ ثم جاءت الايه فى سورة البقرة بنهاية التدرج فى التحريم لتبين مصير من يتعامل بالربا وبالتحريم القاطع الذى لا مجال للريب فيه
قال تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذالك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين اّمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة واّتو الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين اّمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنيين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسره وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } ( سورة البقره الايات 275 : 180 ) .
فى ذالك النص الكريم التحريم القاطع الجازم لربا كما نرى فى النص أمور ثلاثه :-
1/ الرد على المشركين فى قياسهم الربا على البيع وأنه قياس مع النص أى قياس معارض بالنص وهوا من عمل إبليس .
2/ أن النهى عن الربا اقترن بالأمر بالصلاه والزكاه وذالك اشعار بأن ذالك ركن من اركان الإسلام كالصلاه والزكاة وأن من ينكره فقد أنكر معلوما من الدين بالضروره وقرن النهى أيضا ببيان أن من يبيح الربا هوا فى حرب معالله ورسوله .
3/ أن الايه حددت الربا المحرم بأنه ما يزيد على رأس المال فكل زيادة على رأس المال مهما قلت فهى ربا وكسب خبيث .
ثانيا / أدلة تحريم الربا من السنه
ورد فى السنه أحاديث كثيره فيها التصريح بتحريم الربا وفى بعضها تفسير للربا وفى بعضها أنواع أخرى غير المذكوره فى القران الكريم مثل ربا البيوع وسنقدم بعضا من هذه الأحاديث .
1/ ما جاء بتحريم الربا واعتباره من الكبائر فمن ذالك { ما أخرجه مسلم من طريق محمد بن الصباح وزهير بن حرب وعمان بن أبى شيبه قالوا حدثنا هشيم أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء }( مسلم بشرح النووى كتاب المساقاه والمزارعه باب الربا 11/26 ) .
وهذا تحريم بالنص الصريح على الربا
2/ ما أخرجه ابن ماجه من طريق أبى معشر عن سعيد المقبرى عن أبى هريره قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه } (سنن ابن ماجه كتاب التجارات باب التغليظ فى الربا 2/764 حديث رقم 2274 ).((شرح الحديث))
(سبعون حوبا) الحوب: الإثم . والمراد أنها سبعون نوعا من الإثم والمراد التكثير دون التحديد .
(أيسرها) أى أخف تلك الاّثام إثم نكاح الرجل أمه والمراد به العقد أو الجماع فالحديث يدل على أن الربا أشد من الزنا وهذا يدل على أن معصية من أشد المعاصى حيث عادلها بالزنا .
ثالثا / تحريم الربا بالإجماع
وقد أجمع العلماء فى كل العصور على حرمة الربا
قال ابن قدامه أجمعت الأمه على أن الربا محرم (كتاب المغنى لابن قدامه ) .
قال الشافعي : لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجمع عليه إلا لما لا تلقى عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عمن قبله كالظهر أربع وتحريم الخمر وما شابه ذالك ( كتاب الأم للشافعي ) .
وسئل الشافعى هل من إجماع ؟ قالنعم بحمد الله كثيرا فى الفرائض التى لا يسع جهلها فذالك الإجماع هوا الذى لوقت أجمع الناس لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك : هذا ليس بإجماع . ( الرساله للشافعى ) .
"قال تَعَالَى:
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
و عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)تعريفه : الربا في اللغة : الزيادة، والمقصود به هنا : الزيادة على رأس المال .
حكمه :و هو محرم في جمع الأديان السماوية، ومحظور في اليهودية والمسيحية والإسلام جاء في العهد القديم : ( إذا أقرضت مالاً لأحد من أبناء شعبي، فلا تقف منه موقف الدائن . لا تطلب منه ربحاً لمالك )
و في كتاب العهد الجديد : ( إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة، فأي فضل يعرف لكم ؟ ولكن افعلوا الخيرات، وأقرضوا غير منتظرين عائدتها . وإذن يكون ثوابكم جزيلاً )
واتفقت كلمة رجال الكنيسة على تحريم الربا تحريماً قاطعاً .
مضار الربا على الاقتصاد والمجتمع والفرد
الآثار النفسية والخلقية
أنزل الله دينه ليقيم العباد على منهج العبودية الحقة، التي تعرج بهم إلى مدارج الكمال، وتسمو بهم إلى المراتب العليا، وبذلك يتخلصون من العبودية، ليقصروا أنفسهم على عبادة رب الخلائق، ويتخلصون بذلك من الفساد الذي يخالط النفوس في تطلعاتها ومنطلقاتها .
إن الإسلام يريد أن يطهر العباد في نفوسهم الخافية المستورة، وفي أعمالهم المنظورة، وتشريعات الإسلام تعمل في هذين المجالين والقرآن الكريم سماهما بالتزكية والتطهير قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
وقد أقسم الرب تبارك وتعالى في سورة الشمس أقساماً سبعة على أن المفلح من زكا نفسه، والخائب من دساها، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)
والربا واحد من الأعمال التي تعمق في الإنسان الانحراف عن المنهج السوي، ذلك أن المرابي يستعبده المال، ويعمي ناظريه بريقه، فهو يسعى للحصول عليه بكل السبل، وفي سبيل تحقيق المرابي لهدفه يدوس على القيم، ويتجاوز الحدود، ويعتدي على الحرمات، إن الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع، كما ينبت الحرص والبخل، وهما مرضان ما أصابا نفساً إلا أفسدا صاحبها، ومع الجشع والبخل تجد الجبن والكسل، فالمرابي جبان يكره الإقدام،
 ولذلك يقول المرابون والذين ينظرون لهم : إن الانتظار هو صنعة المرابي، فهو يعطي ماله لمن يستثمره، ثم يجلس ينتظر إنتاجه لينال حظاً معلوماً بدل انتظاره، وهو كسول متبلد لا يقوم بعمل منتج نافع، بل تراه يريد من الآخرين أن يعملوا، ثم هو يحصل على ثمرة جهودهم،
 ولعل الآية القرآنية تشير إلى هذا المعنى قال تعالى : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)
فالآية تشير إلى أن المرابي يعطي ماله للآخرين كي ينمو من خلالها .
لقد وصف القرآن الكريم آكل الربا بقوله :
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
كما أكد سبحانه أن الله سبحانه يذهب بركة الربا ويصيبه بالهلاك والدمار في قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)
الربا يحدث آثاراً خبيثة في نفس متعاطيه وتصرفاته وأعماله وهيئته، ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع، يسبب كثيراً من الأمراض التي تصيب القلب، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر، أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية، أو النزيف في المخ، أو الموت المفاجئ.
و لقد قرر عميد الطب الباطني في مصر الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه ( الإسلام والطب الحديث ) أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب
تخبط المرابي :
وقد وصف القرآن الحال الذي يكون عليها المرابي بحال الذي أصابه الشيطان بمس قال تعالى :
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275).
والتخبط في اللغة ـ كما يقول النووي ـ رحمه الله تعالى ـ الضرب على غير استواء، يقال : خبط البعير إذا ضرب بأخفافه، ويقال للرجل الذي يتصرف تصرفاً رديئاً ولا يهتدي فيه هو يخبط خبط عشواء، وهي الناقة الضعيفة البصر
و لأن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، فهذا هو المراد بمس الشيطان، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاً، فتارة الشيطان يجره إلى النفس والهوى وتارة الملك يجره إلى الدين والتقوى، فحدثت هناك حركات مضطربة، وأفعال مختلفة، فهذا هو التخبط الحاصل بفعل ال
و لكني أرى أن هذا التخبط الذي يصيب آكل الربا ليس مقصوراً على هذا الجانب الذي ذكره الرازي، بل هو أوسع مما أشار إليه، وهو ملازمة لحالته النفسية واضطرابه في تصرفاته وأعماله
3- تسخير فرعون لبني إسرائيل
من الأحداث التي ظلت على حالها في العهد القديم مع ما شابها من متغيرات إلا أنها ما زالت تحمل في طياتها الأحداث الأولى هي الأحداث التي قام بها فرعون مصر مع بني إسرائيل فقد سامهم سؤء العذاب وسنبين هذا بالتفصيل من القرآن الكريم ولكن قبل أن نتحدث بما في القرآن الكريم رأينا أن نبين ما ذكر عندهم أولا بهذا الخصوص حتى لا يقال أننا نحاول التقليل من شأنهم فإن كتابهم ذكر ما حدث لهم لا من فرعون وحده بل إن كل الطغاة في الأرض تقريبا نالوا من بني إسرائيل وهذا بسبب عصيانهم لله تعالى ومخالفتهم لأوامره جل وعلا وقتلهم للأنبياء ومن جاء بعدهم من المصلحين .
فعن التسخير قالوا : 
8ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. 9فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هوذا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، فَيَكُونَ إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ». 11فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ، فَبَنَوْا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ، وَرَعَمْسِيسَ. 12وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا. فَاخْتَشَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13فَاسْتَعْبَدَ الْمِصْرِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ، 14وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا.
وعن قتل فرعون للأبناء قالوا :
15وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فُوعَةُ، 16وَقَالَ: «حِينَمَا تُوَلِّدَانِ الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِيِّ، إِنْ كَانَ ابْنًا فَاقْتُلاَهُ، وَإِنْ كَانَ بِنْتًا فَتَحْيَا». 17وَلكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ، بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ. 18فَدَعَا مَلِكُ مِصْرَ الْقَابِلَتَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هذَا الأَمْرَ وَاسْتَحْيَيْتُمَا الأَوْلاَدَ؟» 19فَقَالَتِ الْقَابِلَتَانِ لِفِرْعَوْنَ: «إِنَّ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَالْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُنَّ الْقَابِلَةُ». 20فَأَحْسَنَ اللهُ إِلَى الْقَابِلَتَيْنِ، وَنَمَا الشَّعْبُ وَكَثُرَ جِدًّا. 21وَكَانَ إِذْ خَافَتِ الْقَابِلَتَانِ اللهَ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتًا. 22ثُمَّ أَمَرَ فِرْعَوْنُ جَمِيعَ شَعْبِهِ قَائِلاً: «كُلُّ ابْنٍ يُولَدُ تَطْرَحُونَهُ فِي النَّهْرِ، لكِنَّ كُلَّ بِنْتٍ تَسْتَحْيُونَهَا».
ولقد بين القرآن الكريم هذه الحقائق
قفي سورة القصص يقول تعالى :-
{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} في سورة القصص يحكي القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام وفرعون وقارون ، واحتج على مشركي قريش ، وبين أن قرابة قارون من موسى لم تنفعه مع كفره ، وكذلك قرابة قريش لمحمد لن تنفعهم إلا إذا آمنوا بالله رب العالمين ويما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين أن فرعون علا في الأرض وتجبر ، فكان ذلك من كفره ، فليجتنب أهل قريش وغيرهم العلو في الأرض ، وكذلك التعزز بكثرة المال ، وإلا .....
وقوله تعالى {نَتْلُو عَلَيْكَ} أي يقرأ عليك جبريل يا محمد بأمرنا {مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} أي من خبرهما ومعنى : {بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا ريب فيه ولا كذب {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي يصدقون بالقرآن ويعلمون أنه من عند الله ؛ فأما من لم يؤمن فلا يعتقد أنه حق.
وقوله تعالى : {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} أي استكبر وتجبر ؛ قاله ابن عباس والسدي وقال قتادة : علا في نقسه عن عبادة ربه بكفره وادعى الربوبية {فِي الأَرْضِ} أي أرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} أي فرقا وأصنافا في الخدمة
{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} أي من بني إسرائيل {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} فأمر بقتل أي مولود ذكر واستبقاء المولودة الأنثى ؛ وذلك لأن الكهنة قالوا له : إن مولودا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه .
 كذلك قال الزجاج : العجب من حمقه أنه لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع ، وإن كذب فلا معنى للقتل وهذا بسبب {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر.
وقوله تعالى : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ} أي نتفضل عليهم وننعم {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال ابن عباس : قادة في الخير مجاهد : دعاة إلى الخير.وقال قتادة : ولاة وملوكا ؛ دليله قوله تعالى : {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} [المائدة : 20]
قال القرطبي  : وهذا أعم فإن الملك إمام يؤتم به ومقتدى به .{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} لملك فرعون ؛ يرثون ملكه ، ويسكنون مساكن القبط وهذا معنى قوله تعالى : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف : 137]
وقوله تعالى : {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي نجعلهم مقتدرين على الأرض وأهلها حتى يُستولى عليها ؛ يعني أرض الشام ومصر {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} أي ونريد أن نري فرعون
 {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل {مِنْهُمْ} فأراهم الله {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}

4-الوحي لموسى
عن بداية الوحي قالوا :
وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. 2وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. 3فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟». 4فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 5فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».
وعن سبب إرسال الحق سبحانه وتعالى موسي عليه السلام إلى فرعون قالوا :
6ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، 8فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 9وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، 10فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ».

11فَقَالَ مُوسَى ِللهِ: «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟» 12فَقَالَ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى هذَا الْجَبَلِ». 13فَقَالَ مُوسَى ِللهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» 14فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».
15وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِمُوسَى: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 16اِذْهَبْ وَاجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي قَائِلاً: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُكُمْ وَمَا صُنِعَ بِكُمْ فِي مِصْرَ. 17فَقُلْتُ أُصْعِدُكُمْ مِنْ مَذَلَّةِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً.
18«فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ، تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ: الرَّبُّ إِلهُ الْعِبْرَانِيِّينَ الْتَقَانَا، فَالآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا.

19وَلكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لاَ يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، 20فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي الَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذلِكَ يُطْلِقُكُمْ. 21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهذَا الشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ. 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَابًا، وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ».
وعن المعجزات التي آيده الله تعالى بها قالوا :
1فَأَجَابَ مُوسَى وَقَالَ: «وَلكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبُّ». 2فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَا هذِهِ فِي يَدِكَ؟» فَقَالَ: «عَصًا». 3فَقَالَ: «اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ». فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. 4ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا». فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصًا فِي يَدِهِ. 5«لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِهِمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ».
6ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّبُّ أَيْضًا: «أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ». فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ الثَّلْجِ. 7ثُمَّ قَالَ لَهُ: «رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ». فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ. 8«فَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الآيَةِ الأُولَى، أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ صَوْتَ الآيَةِ الأَخِيرَةِ. 9وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى الْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ الْمَاءُ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ النَّهْرِ دَمًا عَلَى الْيَابِسَةِ».
وعن دعوة موسى عليه السلام أن يشرح الله تعالى صدره قالوا  10فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ». 11فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَمًا؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبُّ؟ 12فَالآنَ اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».
 13فَقَالَ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ». 14فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى مُوسَى وَقَالَ: «أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، 15فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ الْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. 16وَهُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا. 17وَتَأْخُذُ فِي يَدِكَ هذِهِ الْعَصَا الَّتِي تَصْنَعُ بِهَا الآيَاتِ».
18فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى إِخْوَتِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ لأَرَى هَلْ هُمْ بَعْدُ أَحْيَاءٌ». فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ بِسَلاَمٍ».
19وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: «اذْهَبْ ارْجِعْ إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ جَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ». 20فَأَخَذَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. وَأَخَذَ مُوسَى عَصَا اللهِ فِي يَدِهِ.
هذا ما كان من العهد القديم فيا ترى ماذا عن القرآن الكريم ؟
يقول تعالى {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}         
 فيه ثلاث مسائل : الأولي : قوله تعالى : {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى} أي الأجل الذي كان بينه وبين نبي الله شعيب وهو كان قد اشترط عليه إن أراد أن يتزوج إحدى ابنتيه أن يخدمه ثمان سنين أو عشر سنين وقد كان . قال سعيد بن جبير : سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى فقلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله - يعني ابن عباس - فقدمت عليه فسألته ؛ فقال : قضى أكملهما وأوفاهما فأعلمت النصراني فقال : صدق والله هذا العالم وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين
الثانية-
 {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} قيل : فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء ، لما له عليها من فضل القوامة وزيادة الدرجة إلا أن يلتزم لها أمرا فالمؤمنون عند شروطهم ، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج
الثالثة-
قوله تعالى : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} هو استفهام وإثبات وإيجاب معناه ؛ أليس قد أتاك ؟ {إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} قال ابن عباس وغيره : هذا حين قضي الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر ، وكان قد أخطأ الطريق ، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا ، يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه ، لئلا يروا امرأته فأخطأ الرفقة - لما سبق في علم الله تعالى - وكانت ليلة مظلمة. وقال مقاتل : وكان ليلة الجمعة في الشتاء.:
 استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله بغنمه ، وولد له في الطريق في ليلة شاتية باردة مثلجة ، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته ، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة شيئا ، إذ بصر بنار من بعيد على يسار الطريق {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} أي أقيموا بمكانكم {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} أي أبصرت. قال ابن عباس فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب ، فوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء ؛ وشدة خضرة تلك الشجرة ، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة ، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وذكر المهدوي : فرأى النار - فيما روي - وهي في شجرة من العليق ، فقصدها فتأخرت عنه ، فرجع وأوجس في نفسه خيفة ، ثم دنت منه وكلمه الله عز وجل من الشجرة.. وقال : {امْكُثُوا} ولم يقل أقيموا ، لأن الإقامة تقتضي الدوام ، والمكث ليس كذلك و {آنَسْتُ} أبصرت ،
وقوله تعالى : {فَلَمَّا أَتَاهَا} يعني النار {نُودِيَ يَا مُوسَى} أي من الشجرة أي من جهتها وناحيتها {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} .{فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}
قوله تعالى {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} واختلف العلماء في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين. والخلع النزع. والنعل ما جعلته وقاية لقدميك من الأرض.
 فقيل : أمر بطرح النعلين ؛ لأنها نجسة إذ هي من جلد غير مذكى ؛ قاله كعب وعكرمة وقتادة. وقيل : أمر بذلك لينال بركة الوادي المقدس ، وتمس قدماه تربة الوادي ؛ قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وابن جريج. وقيل أمر بخلع النعلين للخشوع والتواضع عند مناجاة الله تعالى. وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت.
 وقيل : إعظاما لذلك الموضع كما أن الحرم لا يدخل بنعلين إعظاما له. قال سعيد بن جبير : قيل له طأ الأرض حافيا كما تدخل الكعبة حافيا. والعرف عند الملوك أن تخلع النعال ويبلغ الإنسان إلى غاية التواضع ، فكأن موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه ، ولا تبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها. وقد كان مالك لا يرى لنفسه ركوب دابة بالمدينة برا بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة ، والجثة الكريمة.
ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لبشير بن الخصاصية وهو يمشي بين القبور بنعليه : "إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك" قال : فخلعتهما.
وفي الخبر أن موسى عليه السلام خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي. وقال أبو الأحوص : زار عبد الله أبا موسى في داره ، فأقيمت الصلاة فأقام أبو موسى ؛ فقال أبو موسى لعبد الله : تقدم. فقال عبد الله : تقدم أنت دارك. فتقدم وخلع نعليه ؛ فقال عبد الله : أبا الوادي المقدس أنت ؟ ! وفي صحيح مسلم عن سعيد بن يزيد قال : قلت لأنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين ؟ قال نعم.
 ورواه النسائي عن عبد الله بن السائب : أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره. وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم .
 فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما حملكم على إلقائكم نعالكم" قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمك : "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا" وقال : "إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما".
وقوله تعالى : {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} المقدس : المطهر. والقدس : الطهارة ، والأرض المقدسة أي المطهرة ؛ سميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين. وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض ؛ كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض ، ولبعض الحيوان كذلك. ولله أن يفضل ما شاء. وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدسا بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين ؛ فقد شاركه في ذلك غيره.
و {طُويً} اسم الوادي وذكر المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قيل له {طوى} لأن موسى طواه بالليل إذ مر به فارتفع إلى أعلى الوادي ؛ فكأنه قال : {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} الذي طويته طوى ؛ أي تجاوزته فطويته بسيرك.
قوله تعالى : {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} أي اصطفيتك للرسالة. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم والكسائي {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ}. وقرأ حمزة {وَأنَّا اخْتَرْنَاكَ}. والمعنى واحد إلا أن {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} ها هنا أولى من جهتين : -
إحداهما : أنها أشبه بالخط ،
والثانية : أنها أولى بنسق الكلام ؛ لقوله عز وجل : {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} وعلى هذا النسق جرت المخاطبة ؛ قاله النحاس.
قوله تعالى : {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} فيه مسألة واحدة : قال ابن عطية : وحدثني أبي - رحمه الله - قال سمعت أبا الفضل الجوهري رحمه الله تعالى يقول : لما قيل لموسى صلوات الله وسلامه عليه : {اسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} وقف على حجر ، واستند إلى حجر ، ووضع يمينه على شمال ، وألقى ذقنه على صدره ، ووقف يستمع ، وكان كل لباسه صوفا.
قلت : حسن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه فقال : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} [الزمر : 18] وذم على خلاف هذا الوصف فقال : {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} الآية. فمدح المنصت لاستماع كلامه مع حضور العقل ، وأمر عباده بذلك أدبا لهم ، فقال : {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف : 204]
 وقال ها هنا : {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى. روي عن وهب بن منبه أنه قال : من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور العقل ، والعزم على العمل ، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى ؛ وهو أن يكف العبد جوارحه ، ولا يشغلها. فيشتغل قلبه عما يسمع ، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى ، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه ، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم. وقال سفيان بن عيينة أول العلم الاستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر ؛ فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يجب الله أفهمه كما يجب ، وجعل له في قلبه نورا.
وقوله تعالى : {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعبد نِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}
فيه سبع مسائل : -
الأولى : اختلف في تأويل قوله : {لِذِكْرِي} فقيل : يحتمل أن يريد لتذكرني فيها ، أو يريد لأذكرك بالمدح في عليين بها ، فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول. وقيل : المعنى ؛ أي حافظ بعد التوحيد على الصلاة. وهذا تنبيه على عظم قدر الصلاة إذ هي تضرع إلى الله تعالى ، وقيام بين يديه ؛ وعلى هذا فالصلاة هي الذكر. وقد سمي الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله : {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة : 9]. وقيل : المراد إذا نسيت فتذكرت فصل كما في الخبر "فليصلها إذا ذكرها". أي لا تسقط الصلاة بالنسيان.
الثانية : روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}. وروى أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث حجاج بن حجاج -قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة ويغفل عنها قال : "كفارتها أن يصليها إذا ذكرها"
قال القرطبي : أمر الله تعالى بإقامة الصلاة ، ونص على أوقات معينة ، فقال {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية وغيرها من الآي. أقام بالليل ما أمر بإقامته بالنهار ، أو بالعكس لم يكن فعله مطابقا لما أمر به ، ولا ثواب له على فعله وهو عاص ؛ وعلى هذا الحد كان لا يجب عليه قضاء ما فات وقته. ولولا قول عليه الصلاة والسلام : "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" لم ينتفع أحد بصلاة وقعت في غير وقتها ، وبهذا الاعتبار كان قضاء لا أداء ؛ لأن القضاء بأمر متجدد وليس بالأمر الأول.
الثالثة : فأما من ترك الصلاة متعمدا ، فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه ،ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها. وهو أمر يقتضي الوجوب. وأيضا قوله فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي ، مع أنهما غير مأثومين ، فالعامد أولى. وأيضا قوله : "من نام عن صلاة أو نسيها" والنسيان الترك ؛ قال الله تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة : 67] و {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر : 19]
 سواء كان مع ذهول أو لم يكن ؛ لأن الله تعالى لا ينسى وإنما معناه تركهم و {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة : 106] أي نتركها وكذلك الذكر يكون بعد نسيان وبعد غيره. قال الله تعالى : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" وهو تعالى لا ينسى وإنما معناه علمت. فكذلك يكون معنى قوله : "إذا ذكرها" أي علمها
وأيضا فإن الديون التي للآدمين إذا كانت متعلقة بوقت ، ثم جاء الوقت لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها ، وهي مما يسقطها الإبراء كان في ديون الله تعالى ألا يصح فيها الإبراء أولى ألا يسقط قضاؤها إلا بإذن منه.
وأيضا فقد اتفقنا أنه لو ترك يوما من رمضان متعمدا بغير عذر لوجب قضاؤه فكذلك الصلاة.
الرابعة : قوله عليه الصلاة والسلام : " من نام عن صلاة أو نسيها " الحديث يخصص عموم قوله عليه الصلاة والسلام : "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ"
والمراد بالرفع هنا رفع المأثم لا رفع الفرض عنه ، وليس هذا من باب قوله : "وعن الصبي حتى يحتلم" وإن كان ذلك جاء في أثر واحد ؛ فقف على هذا الأصل.
الخامسة : اختلف العلماء في هذا المعنى فيمن ذكر صلاة فائتة وهو في آخر وقت صلاة ، أو ذكر صلاة وهو في صلاة ، فجملة مذهب مالك : أن من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى ، بدأ بالتي نسي إذا كان خمس صلوات فأدنى ، وإن فات وقت هذه. وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها ، وعلى نحو هذا مذهب أبي حنيفة والثوري والليث ؛ إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا : الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت. فإن خشي فوات الوقت بدأ بها ، فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم. وقد روي عن الثوري وجوب الترتيب ، ولم يفرق بين القليل والكثير.
والصحيح ما رواه أهل الصحيح عن جابر بن عبد الله أن عمر يوم الخندق جعل يسب كفار قريش ، وقال : يا رسول الله والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فوالله إن صليتها" فنزلنا البطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب.
 وهذا نص في البداءة بالفائتة قبل الحاضرة ، ولا سيما والمغرب وقتها واحد مضيق غير ممتد في الأشهر عندنا ، وعند الشافعي كما تقدم. وروى الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أبيه : أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق ، حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى ، فأمر بالأذان بلالا فقام فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء ،
 وبهذا استدل العلماء على أن من فاتته صلاة ، قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد. واختلفوا إذا ذكر فائتة في مضيق وقت حاضرة
السادسة : وأما من ذكر صلاة وهو في صلاة ؛ فإن كان وراء الإمام فكل من قال بوجوب الترتيب ومن لم يقل به ، يتمادى مع الإمام حتى يكمل صلاته. والأصل في هذا ما رواه مالك والدارقطني عن ابن عمر قال : "إذا نسي أحدكم صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليصل الصلاة التي نسي ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإمام" لفظ الدارقطني ؛
السابعة : روى مسلم عن أبي قتادة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديث الميضأة بطوله ، وقال فيه ثم قال : "أمالكم في أسوة" ثم قال : "أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها" وأخرجه الدارقطني هكذا بلفظ مسلم سواء ، فظاهره يقتضي إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وحضور مثلها من الوقت الآتي ؛ ويعضد هذا الظاهر ما خرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين ، وذكر القصة وقال في آخرها : "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها" .
وفي هذا يقول القرطبي : وهذا ليس على ظاهره ، ولا تعاد غير مرة واحدة ؛ لما رواه الدارقطني عن عمران بن حصين فال : سرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة - أو قال في سرية فلما كان وقت السحر عرسنا ، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس ، فجعل الرجل منا يثب فزعا دهشا ، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا فارتحلنا ، ثم سرنا حتى ارتفعت الشمس ، فقضى القوم حوائجهم ، ثم أمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ، ثم أمره فأقام فصلينا الغداة ؛ فقلنا : يا نبي الله ألا نقضيها لوقتها من الغد ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم". وقال الخطابي : لا أعلم أحدا قال بهذا وجوبا ،
 ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. والصحيح ترك العمل لقول عليه السلام : "أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم" ولأن الطرق الصحاح من حديث عمران بن حصين ليس فيها من تلك الزيادة شيء ، إلا ما ذكر من حديث أبي قتادة وهو محتمل كما بيناه.
قلت : ذكر الكيا الطبري في "أحكام القرآن" له أن من السلف من خالف قوله عليه الصلاة والسلام : "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" فقال : يصبر إلى مثل وقته فليصل ؛ فإذا فات الصبح فليصل من الغد. وهذا قول بعيد شاذ.
الآية : [30] {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
قوله تعالى : {فَلَمَّا أَتَاهَا} يعني الشجرة قدم ضميرها عليها {أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ} {من} الأولى والثانية لابتداء الغاية ، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة و {مِنَ الشَّجَرَةِ} بدل من قوله : {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ} بدل الاشتمال ، لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ ، وشاطئ الوادي وشطه جانبه ، والجمع شطان وشواطئ
{الأَيْمَنِ} أي عن يمين موسى وقيل : عن يمين الجبل {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} وقرأ الأشهب العقيلي : {فِي الْبُقْعَةِ} بفتح الباء وقولهم بقاع يدل علي بقعة ، كما يقال جفنة وجفان ومن قال بقعة قال بقع مثل غرفة وغرف {مِنَ الشَّجَرَةِ} أي من ناحية الشجرة
قال المهدوي : وكلم الله تعالى موسى عليه السلام من فوق عرشه وأسمعه كلامه من الشجرة على ما شاء ولا يجوز أن يوصف الحق تعالى بالانتقال والزوال وشبه ذلك من صفات المخلوقين
. {أَنْ يَا مُوسَى} {أَنْ} في موضع نصب بحذف حرف الجر أي بـ{أَنْ يَا مُوسَى} {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} نفي لربوبية غيره سبحانه وصار بهذا الكلام من أصفياء الله عز وجل لا من رسله ؛ لأنه لا يصير رسولا إلا بعد أمره بالرسالة ، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
5-العصا
1فَأَجَابَ مُوسَى وَقَالَ: «وَلكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبُّ». 2فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَا هذِهِ فِي يَدِكَ؟» فَقَالَ: «عَصًا». 3فَقَالَ: «اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ». فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. 4ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا». فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصًا فِي يَدِهِ. 5«لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِهِمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ».
6ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّبُّ أَيْضًا: «أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ». فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ الثَّلْجِ. 7ثُمَّ قَالَ لَهُ: «رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ». فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ. 8«فَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الآيَةِ الأُولَى، أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ صَوْتَ الآيَةِ الأَخِيرَةِ. 9وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى الْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ الْمَاءُ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ النَّهْرِ دَمًا عَلَى الْيَابِسَةِ».
10فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ». 11فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَمًا؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبُّ؟ 12فَالآنَ اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». 13فَقَالَ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ». 14فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى مُوسَى وَقَالَ: «أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، 15فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ الْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. 16وَهُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا. 17وَتَأْخُذُ فِي يَدِكَ هذِهِ الْعَصَا الَّتِي تَصْنَعُ بِهَا الآيَاتِ».
18فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى إِخْوَتِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ لأَرَى هَلْ هُمْ بَعْدُ أَحْيَاءٌ». فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: «اذْهَبْ بِسَلاَمٍ».
19وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: «اذْهَبْ ارْجِعْ إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ جَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ». 20فَأَخَذَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. وَأَخَذَ مُوسَى عَصَا اللهِ فِي يَدِهِ
هذا ما كان من العهد القديم فماذا عن القرآن الكريم؟
فيقول تعالى في الآية : [31] {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}
قوله تعالى : {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} عطف على {أَنْ يَا مُوسَى} و {مُدْبِراً} نصب على الحال وكذلك موضع قوله : {وَلَمْ يُعَقِّبْ}.أيضا {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ} أي من الحية وضررها. قال وهب : قيل له أرجع إلى حيث كنت فرجع فلف دراعته على يده ، فقال له الملك : أرأيت إن أراد الله أن يصيبك بما تحاذر أينفعك لفك يدك ؟ قال : لا ولكني ضعيف خلقت من ضعف وكشف يده فأدخلها في فم الحية فعادت عصا {لا تخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} أي مما تحاذر
ثم قال تعالى  {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ
إلا أن موسى عليه السلام تذكر ما بدر منه قديما فقال  {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}كما أن لسانه به ما يمنعه من الحديث بطلاقة فطلب من ربه تعالى أن يعينه بأخيه فقال  {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}
فاستجاب له الحق سبحانه وتعالى فقال {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}
وفي توضيح هذه الآيات يقول الإمام القرطبي :قوله تعالى : {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ}. {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} {وَمَنِ} متعلقة بـ {وَلَّى} أي ولى مدبرا من الرهب: {مِنَ الرَّهْبِ}
قال فقال ابن عباس : ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام ، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب ويحكي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أن كاتبا كان يكتب بين يديه فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر ، فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر : خذ قلمك وأضمم إليك جناحك ، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي ، وقيل : المعنى أضمم يدك إلي صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف وكان موسى يرتعد خوفا إما من آل فرعون وإما من الثعبان وضم الجناح هو السكون ؛
{إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} أي من المرسلين ؛ لقوله تعالى {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولا بهذا القول وقيل : إنما صار رسولا بقوله : {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ} والبرهانان اليد والعصا وقرأ ابن كثير : بتشديد النون وخففها الباقون وروى أبو عمارة عن أبي الفضل عن أبي بكر عن ابن كثير ، {فَذَانِيكَ} بالتشديد والياء وعن أبي عمرو أيضا
قوله تعالى : {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً} يعني معينا: {يُصَدِّقُنِي}  أي أرسله ردءا مصدقا حالة التصديق ؛ كقوله : {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ} [المائدة : 114] أي كائنة ويجوز أن يكون صفة لقوله : {رِدْءاً} {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} إذا لم يكن لي وزير ولا معين ؛ لأنهم لا يكادون يفقهون عني ، فـ {قَالَ} الله جل وعز له {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي نقويك به ؛ وهذا تمثيل ؛ لأن قوة اليد بالعضد قال طرفة : بني لبيني لستم بيد ... إلا يدا ليست لها عضد
ويقال في دعاء الخير : شد الله عضدك وفي ضده : فت الله في عضدك {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} أي حجه وبرهانا {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} بالأذى {بِآياتِنَا } أي تمتنعان منهم {بِآياتِنَا {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} بآياتنا وفي هذا تقديم الصلة على الموصول ، إلا أن يقدر أنتما غالبان بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون وعنى بالآيات سائر معجزاته.





6-رفض بنوا إسرائيل دخول الأرض المقدسة
يذكر العهد القديم قصة رفض بنوا إسرائيل دخول الأرض المقدسة فيقول :
فيزعمون أن الرب سبحانه وتعالى هو الذي أمرهم بالتجسس فقالوا :
 1ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«أَرْسِلْ رِجَالاً لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. رَجُلاً وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ». 3فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
بل وحدد الرب تعالى أسماؤهم فقال :
 4وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ. 5مِنْ سِبْطِ شِمْعُونَ شَافَاطُ ابْنُ حُورِي. 6مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ. 7مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ يَجْآلُ بْنُ يُوسُفَ. 8مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ هُوشَعُ بْنُ نُونَ. 9مِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ فَلْطِي بْنُ رَافُو. 10مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ جَدِّيئِيلُ بْنُ سُودِي. 11مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ: مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى جِدِّي بْنُ سُوسِي. 12مِنْ سِبْطِ دَانَ عَمِّيئِيلُ بْنُ جَمَلِّي. 13مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ. 14مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي نَحْبِي بْنُ وَفْسِي. 15مِنْ سِبْطِ جَادَ جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي. 16هذِهِ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ. وَدَعَا مُوسَى هُوشَعَ بْنَ نُونَ «يَشُوعَ».
إرسال موسى عليه السلم إياهم وأمره لهم :
17فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ، وَقَالَ لَهُمُ: «اصْعَدُوا مِنْ هُنَا إِلَى الْجَنُوبِ وَاطْلَعُوا إِلَى الْجَبَلِ، 18وَانْظُرُوا الأَرْضَ، مَا هِيَ: وَالشَّعْبَ السَّاكِنَ فِيهَا، أَقَوِيٌّ هُوَ أَمْ ضَعِيفٌ؟ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ؟ 19وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، أَجَيِّدَةٌ أَمْ رَدِيئَةٌ؟ وَمَا هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، أَمُخَيَّمَاتٌ أَمْ حُصُونٌ؟ 20وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ، أَسَمِينَةٌ أَمْ هَزِيلَةٌ؟ أَفِيهَا شَجَرٌ أَمْ لاَ؟ وَتَشَدَّدُوا فَخُذُوا مِنْ ثَمَرِ الأَرْضِ». وَأَمَّا الأَيَّامُ فَكَانَتْ أَيَّامَ بَاكُورَاتِ الْعِنَبِ.سَاكِنٌ
21فَصَعِدُوا وَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ مِنْ بَرِّيَّةِ صِينَ إِلَى رَحُوبَ فِي مَدْخَلِ حَمَاةَ. 22صَعِدُوا إِلَى الْجَنُوبِ وَأَتَوْا إِلَى حَبْرُونَ. وَكَانَ هُنَاكَ أَخِيمَانُ وَشِيشَايُ وَتَلْمَايُ بَنُو عَنَاق. وَأَمَّا حَبْرُونُ فَبُنِيَتْ قَبْلَ صُوعَنِ مِصْرَ بِسَبْعِ سِنِينَ. 23وَأَتَوْا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ، وَقَطَفُوا مِنْ هُنَاكَ زَرَجُونَةً بِعُنْقُودٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعِنَبِ، وَحَمَلُوهُ بِالدُّقْرَانَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، مَعَ شَيْءٍ مِنَ الرُّمَّانِ وَالتِّينِ. 24فَدُعِيَ ذلِكَ الْمَوْضِعُ «وَادِيَ أَشْكُولَ» بِسَبَبِ الْعُنْقُودِ الَّذِي قَطَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ. 25ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ تَجَسُّسِ الأَرْضِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
أشاعوا الرعب داخل إخوانهم :
26فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ، إِلَى قَادَشَ، وَرَدُّوا إِلَيْهِمَا خَبَرًا وَإِلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ. 27وَأَخْبَرُوهُ وَقَالُوا: «قَدْ ذَهَبْنَا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرْسَلْتَنَا إِلَيْهَا، وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، وَهذَا ثَمَرُهَا. 28غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الأَرْضِ مُعْتَزٌّ، وَالْمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا وايضا قد رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ. 29الْعَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَالْحِثِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ وَالأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ وَعَلَى جَانِبِ الأُرْدُنِّ».
الرجلان الذين أنهم الله عليهما
 30لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا». 31وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». 32فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ. 33وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ».
تذمر بني إسرائيل
1فَرَفَعَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ صَوْتَهَا وَصَرَخَتْ، وَبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. 2وَتَذَمَّرَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى هَارُونَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لَهُمَا كُلُّ الْجَمَاعَةِ: «لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي هذَا الْقَفْرِ! 3وَلِمَاذَا أَتَى بِنَا الرَّبُّ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لِنَسْقُطَ بِالسَّيْفِ؟ تَصِيرُ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً. أَلَيْسَ خَيْرًا لَنَا أَنْ نَرْجعَ إِلَى مِصْرَ؟» 4فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «نُقِيمُ رَئِيسًا وَنَرْجعُ إِلَى مِصْرَ».
5فَسَقَطَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وَجْهَيْهِمَا أَمَامَ كُلِّ مَعْشَرِ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 6وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ، مِنَ الَّذِينَ تَجَسَّسُوا الأَرْضَ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا 7وَكَلَّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا جَيِّدَةٌ جِدًّا جِدًّا. 8إِنْ سُرَّ بِنَا الرَّبُّ يُدْخِلْنَا إِلَى هذِهِ الأَرْضِ وَيُعْطِينَا إِيَّاهَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً. 9إِنَّمَا لاَ تَتَمَرَّدُوا عَلَى الرَّبِّ، وَلاَ تَخَافُوا مِنْ شَعْبِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ خُبْزُنَا. قَدْ زَالَ عَنْهُمْ ظِلُّهُمْ، وَالرَّبُّ مَعَنَا. لاَ تَخَافُوهُمْ».
أنظر ماذا قال الرب !!!!!!!!!!
10وَلكِنْ قَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنْ يُرْجَمَا بِالْحِجَارَةِ. ثُمَّ ظَهَرَ مَجْدُ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 11وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لاَ يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟ 12إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَإِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأُصَيِّرُكَ شَعْبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهُمْ».
والأعجب هو رد موسى عليه السلام
 13فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «فَيَسْمَعُ الْمِصْرِيُّونَ الَّذِينَ أَصْعَدْتَ بِقُوَّتِكَ هذَا الشَّعْبَ مِنْ وَسَطِهِمْ، 14وَيَقُولُونَ لِسُكَّانِ هذِهِ الأَرْضِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا أَنَّكَ يَا رَبُّ فِي وَسَطِ هذَا الشَّعْبِ، الَّذِينَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ ظَهَرْتَ لَهُمْ عَيْنًا لِعَيْنٍ، وَسَحَابَتُكَ وَاقِفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ سَائِرٌ أَمَامَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلاً. 15فَإِنْ قَتَلْتَ هذَا الشَّعْبَ كَرَجُل وَاحِدٍ، يَتَكَلَّمُ الشُّعُوبُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِخَبَرِكَ قَائِلِينَ:
 16لأَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْخِلَ هذَا الشَّعْبَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لَهُمْ، قَتَلَهُمْ فِي الْقَفْرِ. 17فَالآنَ لِتَعْظُمْ قُدْرَةُ سَيِّدِي كَمَا تَكَلَّمْتَ قَائِلاً: 18الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ، لكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ. بَلْ يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ. 19اِصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ هذَا الشَّعْبِ كَعَظَمَةِ نِعْمَتِكَ، وَكَمَا غَفَرْتَ لِهذَا الشَّعْبِ مِنْ مِصْرَ إِلَى ههُنَا».
فماذا كان الجواب ؟
20فَقَالَ الرَّبُّ: «قَدْ صَفَحْتُ حَسَبَ قَوْلِكَ. 21وَلكِنْ حَيٌّ أَنَا فَتُمْلأُ كُلُّ الأَرْضِ مِنْ مَجْدِ الرَّبِّ، 22إِنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا مَجْدِي وَآيَاتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ وَفِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُونِي الآنَ عَشَرَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِي، 23لَنْ يَرَوْا الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لآبَائِهِمْ
وَجَمِيعُ الَّذِينَ أَهَانُونِي لاَ يَرَوْنَهَا. 24وَأَمَّا عَبْدِي كَالِبُ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ اتَّبَعَنِي تَمَامًا، أُدْخِلُهُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا، وَزَرْعُهُ يَرِثُهَا. 25وَإِذِ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْوَادِي، فَانْصَرِفُوا غَدًا وَارْتَحِلُوا إِلَى الْقَفْرِ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ».
26وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً: 27«حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. 28قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ، لأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنَيَّ. 29
فِي هذَا الْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ، جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ. 30لَنْ تَدْخُلُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُسْكِنَنَّكُمْ فِيهَا، مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ. 31وَأَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ يَكُونُونَ غَنِيمَةً فَإِنِّي سَأُدْخِلُهُمْ، فَيَعْرِفُونَ الأَرْضَ الَّتِي احْتَقَرْتُمُوهَا
. 32فَجُثَثُكُمْ أَنْتُمْ تَسْقُطُ فِي هذَا الْقَفْرِ، 33وَبَنُوكُمْ يَكُونُونَ رُعَاةً فِي الْقَفْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيَحْمِلُونَ فُجُورَكُمْ حَتَّى تَفْنَى جُثَثُكُمْ فِي الْقَفْرِ. 34كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي. 35أَنَا الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمْتُ. لأَفْعَلَنَّ هذَا بِكُلِّ هذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ. فِي هذَا الْقَفْرِ يَفْنَوْنَ، وَفِيهِ يَمُوتُونَ».
36أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ، وَرَجَعُوا وَسَجَّسُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِإِشَاعَةِ الْمَذَمَّةِ عَلَى الأَرْضِ، 37فَمَاتَ الرِّجَالُ الَّذِينَ أَشَاعُوا الْمَذَمَّةَ الرَّدِيئَةَ عَلَى الأَرْضِ بِالْوَبَإِ أَمَامَ الرَّبِّ. 38وَأَمَّا يَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ، مِنْ أُولئِكَ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ، فَعَاشَا.
39وَلَمَّا تَكَلَّمَ مُوسَى بِهذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَكَى الشَّعْبُ جِدًّا. 40ثُمَّ بَكَّرُوا صَبَاحًا وَصَعِدُوا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا نَحْنُ! نَصْعَدُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ، فَإِنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا». 41فَقَالَ مُوسَى: «لِمَاذَا تَتَجَاوَزُونَ قَوْلَ الرَّبِّ؟ فَهذَا لاَ يَنْجَحُ. 42لاَ تَصْعَدُوا، لأَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلاَّ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ.
 43لأَنَّ الْعَمَالِقَةَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ هُنَاكَ قُدَّامَكُمْ تَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. إِنَّكُمْ قَدِ ارْتَدَدْتُمْ عَنِ الرَّبِّ، فَالرَّبُّ لاَ يَكُونُ مَعَكُمْ». 44لكِنَّهُمْ تَجَبَّرُوا وَصَعِدُوا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. وَأَمَّا تَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ وَمُوسَى فَلَمْ يَبْرَحَا مِنْ وَسَطِ الْمَحَلَّةِ. 45فَنَزَلَ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذلِكَ الْجَبَلِ وَضَرَبُوهُمْ وَكَسَّرُوهُمْ إِلَى حُرْمَةَ
هذا ما كان من العهد القديم فماذا قال القرآن الكريم عن هذا الحدث؟
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ }{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ }{ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }{ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
{ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }
وفي توضيح وتفسير هذه الآيات يقول القرطبي  : وأما قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } تبيين من الله تعالى أن أسلافهم تمردوا على موسى وعصوه ؛ فكذلك هؤلاء على محمد عليه السلام ، وهو تسلية له ؛ أي يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، واذكروا قصة موسى. وروي عن عبدالله بن كثير أنه قرأ { يَا قَوْمِ اذْكُرُوا } بضم الميم ، وتقديره يا أيها القوم. { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ }{ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً } أي تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين ، فأنقذكم منه بالغرق ؛
قال ابن عباس : إن الرجل إذا لم يدخل أحد بيته إلا بإذنه فهو ملك. وعن الحسن أيضا وزيد بن أسلم من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملك ؛ وهو قول عبدالله بن عمرو كما في صحيح مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال : سمعت عبدالله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبدالله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم. قال : ألك منزل تسكنه ؟ قال : نعم. قال : فأنت من الأغنياء. قال : فإن لي خادما. قال : فأنت من الملوك.
 قال ابن العربي : وفائدة هذا أن الرجل إذا وجبت عليه كفارة وملك دار وخادما باعهما في الكفارة ولم يجز له الصيام ، لأنه قادر على الرقبة والملوك لا يكفرون بالصيام ، ولا يوصفون بالعجز عن الإعتاق. وقال ابن عباس ومجاهد : جعلهم ملوكا بالمن والسلوى والحجر والغمام ، أي هم مخدومون كالملوك. وعن ابن عباس أيضا يعني الخادم والمنزل ؛
قوله تعالى : { وَآتَاكُمْ } أي أعطاكم { مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ } والخطاب من موسى لقومه ؛ والمراد بالإيتاء المن والسلوى والحجر والغمام وهذه المقالة من موسى توطئة لنفوسهم حتى تعزز وتأخذ الأمر بدخول أرض الجبارين بقوة ، وتنقذ في ذلك نفوذ من أعزه الله ورفع من شأنه. ومعنى { مِنَ الْعَالَمِينَ } أي عالمي زمانكم .
و { الْمُقَدَّسَةَ } معناه المطهرة: المباركة ؛ والبركة التطهير من القحوط والجوع ونحوه. { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم. ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر أمرهم بجهاد أهل أريحاء من بلاد فلسطين .
فقالوا : لا علم لنا بتلك الديار ؛ فبعث بأمر الله اثني عشر نقيبا ، من كل سبط رجل يتجسسون الأخبار ، فرأوا سكانها الجبارين من العمالقة ، وهم ذوو أجسام هائلة ؛ حتى قيل : إن بعضهم رأى هؤلاء النقباء فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يده وقال : إن هؤلاء يريدون قتالنا ؛ فقال لهم الملك : ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا ؛
. فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع  وكالب بن يوفنا ، وامتنعت بنو إسرائيل من الجهاد عوقبوا بالتيه أربعين سنة إلى أن مات أولئك العصاة .
قوله تعالى : { وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ } أي لا ترجعوا عن طاعتي وما أمرتكم به من قتال الجبارين. وقوله تعالى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } أي عظام الأجسام طوال . وقال الزجاج : الجبار من الآدميين العاتي ، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد ؛ فأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه ؛ فإنه يجبر غيره على ما يريده .
وقوله تعالى : { وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا } يعني البلدة إيلياء ، ويقال : أريحاء أي حتى يسلموها لنا من غير قتال وقيل : قالوا ذلك خوفا من الجبارين ولم يقصدوا العصيان ؛ فإنهم قالوا : { فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }
قوله تعالى : { قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ } قال ابن عباس وغيره : هما يوشع بن نون  وكالب بن يفتا وكانا من الاثني عشر نقيبا. يخافون الله تعالى  فــ { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا } أي بالإسلام أو باليقين والصلاح. فقالا { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } قالا لبني إسرائيل لا يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبا منكم ؛ فأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة ، وكانوا قد علموا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب.
ويحتمل أن يكونا قالا ذلك ثقة بوعد الله. ثم قالا : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } مصدقين به ؛ فإنه ينصركم. ثم قيل على القول الأول : لما قالا هذا أراد بنو إسرائيل رجمهما بالحجارة ، وقالوا : نصدقكما وندع قول عشرة! ثم قالوا لموسى : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا } وهذا عناد وحَيْدٌ عن القتال ، وإِياسٌ من النصر.
ثم جهلوا صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ } وصفوه بالذهاب والانتقال ، والله متعال عن ذلك. وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة ؛ وهو معنى قول الحسن ؛ لأنه قال : هو كفر منهم بالله ، وهو الأظهر في معنى الكلام. وقيل : أي إن نصرة ربك لك أحق من نصرتنا ، وقتاله معك - إن كنت رسوله - أولى من قتالنا ؛ فعلى هذا يكون ذلك منهم كفر ؛ لأنهم شكوا في رسالته.
 وبالجملة فقد فسقوا بقولهم ؛ لقوله تعالى : { فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي لا تحزن عليهم. { إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } أي لا نبرح ولا نقاتل. ويجوز { َقَاعِدُينَ} على الحال ؛ لأن الكلام قد تم قبله.
قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } لأنه كان يطيعه. وقيل المعنى : إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال : { وَأَخِي } . أي وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه ؛ فأخي على القول الأول في موضع نصب عطفا على نفسي ، وعلى الثاني في موضع رفع ، وإن شئت عطفت على اسم إن وهي الياء ؛ أي إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا. وإن شئت عطفت على المضمر في أملك كأنه قال : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا. { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }
يقال : بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة ؛ الأول : بما يدل على بعدهم عن الحق ، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ؛ ولذلك ألقوا في التيه. الثاني : بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب ،
وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ؛ ومنه قوله تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي يقضي. وقد فعل لما أماتهم في التيه. وقيل : إنما أراد في الآخرة ، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار ؛
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ : { فَافْرِقْ } بكسر الراء.
قوله تعالى : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ } استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التيه أربعين سنة. وأصل التيه في اللغة الحيرة ؛ يقال منه : تاه يتيه تيها وتوها إذا تحير. وتيهته وتوهته بالياء والواو ، والياء أكثر. والأرض التيهاء التي لا يهتدى فيها ؛
فكانوا يسيرون في فراسخ قليلة - قيل : في قدر سنة فراسخ - يومهم وليلتهم فيصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا ؛ فكانوا سيارة لا قرار لهم. واختلف هل كان معهم موسى وهارون ؟ فقيل : لا ؛ لأن التيه عقوبة ، وكانت سنو التيه بعدد أيام العجل ، فقوبلوا على كل يوم سنة .
وقد قال : { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } . وقيل : كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم. ومعنى {مُحَرَّمَةٌ} أي أنهم ممنوعون من دخولها ؛ كما يقال : حرم الله وجهك على النار ، وحرمت عليك دخول الدار ؛ فهو تحريم منع لا تحريم شرع ، عن أكثر أهل التفسير ؛ وقال أبو علي : يجوز أن يكون تحريم تعبد. ويقال : كيف يجوز على جماعة كثيرة من العقلاء أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها ؟ فالجواب : قال أبو علي : قد يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هي عليها إذا ناموا فيردهم
إلى المكان الذي ابتدؤوا منه. وقد يكون بغير ذلك من الاشتباه والأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارجة عن العادة. { أَرْبَعِينَ سَنَةً } ظرف زمان للتيه ؛ في قول الحسن وقتادة ؛ قالا : ولم يدخلها أحد منهم ؛ فالوقف على هذا على { عَلَيْهِمْ } .
 وقال الربيع بن أنس وغيره : إن { أَرْبَعِينَ سَنَةً } ظرف للتحريم ، فالوقف على هذا على { أَرْبَعِينَ سَنَةً } ؛ فعلى الأول إنما دخلها أولادهم ؛ قاله ابن عباس. ولم يبق منهم إلا يوشع وكالب ، فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها. وعلى الثاني : فمن بقي منهم بعد أربعين سنة دخلوها. وروي عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا في التيه. قال غيره : ونبأ الله يوشع وأمره بقتال الجبارين ، وفيها حبست عليه الشمس حتى دخل المدينة ، وفيها أحرق الذي وجد الغلول عنده ،
وكانت تنزل من السماء إذا غنموا نار بيضاء فتأكل الغنائم ؛ وكان ذلك دليلا على قبولها ، فإن كان فيها غلول لم تأكله ، وجاءت السباع والوحوش فأكلته ؛ فنزلت النار فلم تأكل ما غنموا فقال : إن فيكم الغلول فلتبايعني كل قبيلة فبايعته ، فلصقت يد رجل منهم بيده فقال : فيكم الغلول فليبايعني كل رجل منكم فبايعوه رجلا رجلا حتى لصقت يد رجل منهم بيده فقال : عندك الغلول فأخرج مثل رأس البقرة من ذهب ، فنزلت النار فأكلت الغنائم.
قلت : ويستفاد من هذا عقوبة الغال قبلنا ، وقد تقدم حكمه في ملتنا. وبيان ما انبهم من اسم النبي والغال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "غزا نبي من الأنبياء" الحديث أخرجه مسلم وفيه قال : "فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم أحبسها على شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه –
قال : فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال : فيكم غلول فليبايعني من كل قبيل رجل فبايعوه - قال - فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول" وذكر نحو ما تقدم. قال علماؤنا : والحكمة في حبس الشمس على يوشع عند قتاله أهل أريحاء وإشرافه على فتحها عشي يوم الجمعة ، وإشفاقه من أن تغرب الشمس  قبل الفتح أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لأجل السبت .
 ويعلم به عدوهم فيعمل فيهم السيف ويجتاحهم ؛ فكان ذلك آية له خص بها بعد أن كانت نبوته ثابتة خبر موسى عليه الصلاة والسلام ، على ما يقال. والله أعلم. وفي هذا الحديث يقول عليه السلام : "فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا" ذلك بأن الله عز وجل رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا. وهذا يرد قول من قال في تأويل قوله تعالى : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ } إنه تحليل الغنائم والانتفاع بها.
وممن قال إن موسى عليه الصلاة والسلام مات بالتيه عمرو بن ميمون الأودي ، وزاد وهارون ؛ وكانا خرجا في التيه إلى بعض الكهوف فمات هارون فدفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل ؛ فقالوا : ما فعل هارون ؟ فقال : مات ؛ قالوا : كذبت ولكنك قتلته لحبنا له ، وكان محبا في بني إسرائيل ؛ فأوحى الله تعالى إليه أن انطلق بهم إلى قبره فإني باعثه حتى يخبرهم أنه مات موتا ولم تقتله ؛ فانطلق بهم إلى قبره فنادي يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قاتلك ؟ قال : لا ؛ ولكني مت ؛ قال : فعد إلى مضجعك ؛ وانصرف.
وقال الحسن : إن موسى لم يمت بالتيه. وقال غيره : إن موسى فتح أريحاء ، وكان يوشع على مقدمته فقاتل الجبابرة الذين كانوا بها ، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم ، ثم قبضه الله تعالى إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلائق. قال الثعلبي : وهو أصح الأقاويل.

قلت : قد روى مسلم عن أبي هريرة قال : أرسل ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال : "أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت" قال : فرد الله إليه عينه وقال : "ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة" قال : "أي رب ثم مه" ، قال : "ثم الموت" قال : "فالآن" ؛ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر .
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر" فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد علم قبره ووصف موضعه ، ورآه فيه قائما يصلي كما في حديث الإسراء ، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهورا عندهم ؛ ولعل ذلك لئلا يعبد ، والله أعلم.
ويعني بالطريق طريق بيت المقدس. ووقع في بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق. واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عين ملك الموت وفقئها على أقوال ؛ منها : أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقة ، وهذا باطل ، لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له.
ومنها : أنها كانت عينا معنوية وإنما فقأها بالحجة ،
وهذا مجاز لا حقيقة. ومنها : أنه عليه السلام لم يعرف الموت ، وأنه رأى رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها ؛ وتجب المدافعة في هذا بكل ممكن. وهذا وجه حسن ؛ لأنه حقيقة في العين والصك ؛ قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة ، غير أنه اعترض عليه بما في الحديث ؛ وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال : "يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت" فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت ؛ وأيضا قوله في الرواية الأخرى : "أجب ربك" يدل على تعريفه بنفسه. والله أعلم.
 ومنها : أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب ، إذ غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته ؛ وسرعة غضبه كانت سببا لصكه ملك الموت. قال ابن العربي : وهذا كما ترى ، فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب. ومنها وهو الصحيح من هذه الأقوال : أن موسى عليه الصلاة والسلام عرف ملك الموت ، وأنه جاء ليقبض روحه لكنه جاء مجيء الجزم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير ،
وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من "أن الله لا يقبض روح نبي حتى يخبره" فلما جاءه على غير الوجه الذي أعلم بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه ، فلطمه ففقأ عينه امتحانا لملك الموت ؛ إذ لم يصرح له بالتخيير. ومما يدل على صحة هذا ، أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم.
 والله بغيبه أحكم وأعلم. هذا أصح ما قيل في وفاة موسى عليه السلام. وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها ؛ وفي الصحيح غنية عنها. وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة ؛ فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال له : كيف وجدت الموت ؟ فقال : "كشاة تسلخ وهي حية". وهذا صحيح معنى ؛ قال : صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "إن للموت سكرات"  وقوله : { فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي لا تحزن. والأسى الحزن

7- أأنت قلت للناس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رأينا في كتال متى تنكر المسيح عليه السلام لمن زعموا أنه ربا فقالوا :
21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!
سبحان الله هذا ما ذكروه في كتبهم ولقد أيده القرآن الكريم بقول الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}
قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} اختلف في وقت هذه المقالة فقال قتادة وابن جريح وأكثر المفسرين : إنما يقال له هذا يوم القيامة وقال السدي وقطرب قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت ؛ واحتجوا بقوله : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} فإن {إِذْ} في كلام العرب لما مضى. والأول أصح يدل عليه ما قبله من قوله : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ}
قوله تعالى : {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} خرج الترمذي عن أبي هريرة قال : تلقى عيسى حجته ولقاه الله في قوله : {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
 قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "فلقاه الله" {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} الآية كلها قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لأمرين : أحدهما : تنزيها له عما أضيف إليه الثاني خضوعا لعزته وخوفا من سطوته ويقال : إن الله تعالى لما قال لعيسى : {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أخذته الرعدة من ذلك القول حتى سمع صوت عظامه في نفسه فقال : {سُبْحَانَكَ}
ثم قال : {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} أي أن ادعى لنفسي ما ليس من حقها يعني أنني مربوب ولست برب وعابد ولست بمعبود ثم قال : {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} فرد ذلك إلى علمه وقد كان الله عالما به أنه لم يقله ولكنه سأله عنه تقريعا لمن اتخذ عيسى إلها.
ثم قال : {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي تعلم ما في غبيي ولا أعلم ما في غيبك وقيل : المعنى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وقيل : تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه وقيل : تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد وقيل : تعلم سري ولا أعلم سرك لأن السر موضعه النفس وقيل : تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة
قلت : والمعنى في هذه الأقوال متقارب أي تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته ولا أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك. {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} ما كان وما يكون وما لم يكن وما هو كائن.
{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}قوله تعالى : {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} يعني في الدنيا بالتوحيد. { أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} {أَنِ} لا موضع لها من الإعراب وهي مفسرة مثل {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} . ويجوز أن تكون في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إلا عبادة الله ويجوز أن تكون في موضع خفض أي بأن اعبدوا الله وضم النون أولى لأنهم يستثقلوا كسرة بعدها ضمة والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين.
قوله تعالى : {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} أي حفيظا بما أمرتهم. {مَا دُمْتُ فِيهِمْ} {مَا} في موضع نصب أي وقت دوامي فيهم. {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} قيل : هذا يدل على أن الله عز وجل توفاه أن يرفعه وليس بشيء لأن الأخبار تظاهرت برفعه وأنه في السماء حي وأنه ينزل ويقتل الدجال  وإنما المعنى  فلما رفعتني إلى السماء. قال الحسن : الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه: وفاة الموت وذلك قوله تعالى : {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} يعني وقت انقضاء أجلها. ووفاة النوم قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} يعني الذي ينيمكم
 ووفاة الرفع قال الله تعالى : {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} . وقوله {كُنْتَ أَنْتَ} "أنت هنا" توكيد {الرَّقِيبَ} خبر {كُنْتَ} ومعناه الحافظ عليهم والعالم بهم والشاهد على أفعالهم ؛ وأصله المراقبة أي المراعاة ومنه المرقبة لأنها في موضع الرقيب من علو المكان.
{وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي من مقالتي ومقالتهم وقيل على من عصى وأطاع ؛ خرج مسلم عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال : "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}
ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال : "فيقال لي إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم"
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}قوله تعالى : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} شرط وجوابه {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} مثله روى النسائي عن أبي ذر قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية ليلة حتى أصبح ، والآية : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
واختلف في تأويله فقيل : قاله على وجه الاستعطاف لهم والرأفة بهم كما يستعطف السيد لعبده ولهذا لم يقل : فإنهم عصوك وقيل : قاله على وجه التسليم لأمره والاستجارة من عذابه وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر وقيل الهاء والميم في {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} لمن مات منهم على الكفر والهاء والميم في {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} لمن تاب منهم قبل الموت وهذا حسن وأما قول من قال إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ وقيل : كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إلا أنهم على عمود دينه فقال : وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي.
وقال : {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولم يقل : فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره والتفويض لحكمه. ولو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه وذلك مستحيل فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده ؛ الحكيم فيما تفعله تضل من تشاء وتهدي من تشاء
وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان لعمومه فإنه يجمع الشرطين ولم يصلح الغفور الرحيم إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله العزيز الحكيم وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية
كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض خرج مسلم من غير طريق عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله عز وجل في إبراهيم {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فرفع يديه وقال : "اللهم أمتي" وبكى فقال الله عز وجل : "يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم
 فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك" وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير ومعناه إن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك ووجه الكلام على نفسه أولى لما بيناه وبالله التوفيق.
{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}قوله تعالى : {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} أي صدقهم في الدنيا فأما في الآخرة فلا ينفع فيها الصدق وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل لله ويحتمل أن يكون تركهم الكذب عليه وعلى رسله لله وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعا في كل الأيام لوقوع الجزاء فيه
وقيل : المراد صدقهم في الآخرة وذلك في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ وفيما شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم والله أعلم وقرأ نافع وابن محيصن {يَوْمَ} بالنصب ورفع الباقون وهي القراءة البينة على الابتداء والخبر
فيوم ينفع خبر لـ {هَذَا} والجملة في موضع نصب بالقول. وأما قراءة نافع وابن محيصن فحكى إبراهيم بن حميد عن محمد بن يزيد أن هذه القراءة لا تجوز لأنه نصب خبر الابتداء ولا يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السري : هي جائزة بمعنى قال الله هذا لعيسى ابن مريم يوم ينفع الصادقين صدقهم فـ {يَوْمُ} ظرف للقول . و {هَذَا} مفعول القول  والتقدير قال الله هذا القول في يوم ينفع الصادقين وقيل : التقدير قال الله عز وجل هذه الأشياء تنفع يوم القيامة وقال الكسائي والفراء : بني يوم ههنا على النصب لأنه مضاف إلى غير اسم .
الزجاج ولا يجيز البصريون ما قالاه إذا أضفت الظرف إلى فعل مضارع فإن كان إلى ماض كان جيدا كما مر في البيت وإنما جاز أن يضاف الفعل إلى ظروف الزمان لأن الفعل بمعنى المصدر وقيل : يجوز أن يكون منصوبا ظرفا ويكون خبر الابتداء الذي هو {هَذَا} لأنه مشار به إلى حدث ، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث تقول : القتال اليوم والخروج الساعة ، والجملة في موضع نصب بالقول
 وقيل : يجوز أن يكون {هَذَا} في موضع رفع بالابتداء و {يَوْمِ} خبر الابتداء والعامل فيه محذوف والتقدير : قال الله هذا الذي قصصناه يقع يوم ينفع الصادقين صدقهم. وفيه قراءة ثالثة {يَوْمُ يَنْفَعُ} بالتنوين {الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} في الكلام حذف تقديره {فِيهِ } مثل قوله : {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} وهي قراءة الأعمش.
قوله تعالى : {لَهُمْ جَنَّاتٌ} ابتداء وخبر. {تَجْرِي} في موضع الصفة. {مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت غرفها وأشجارها وقد تقدم ثم بين تعالى ثوابهم وأنه راض عنهم رضا لا يغضب
بعده أبدا {وَرَضُوا عَنْهُ} أي عن الجزاء الذي أثابهم به. {ذَلِكَ الْفَوْزُ} أي الظفر {الْعَظِيمِ} أي الذي عظم خيره وكثر وارتفعت منزلة صاحبه وشرف.

8-البشارات مكتوبا عندهم في التوراة
هذا نص من كتبه ينطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينطبق على عيسى كما يزعمون كما يلي :
1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ» إشعياء 42/1

[1] Behold my servant, whom I uphold; mine elect, in whom my soul delighteth; I have put my spirit upon him: he shall bring forth judgment to the Gentiles.
[2] He shall not cry, nor lift up, nor cause his voice to be heard in the street.
[3] A bruised reed shall he not break, and the smoking flax shall he not quench: he shall bring forth judgment unto truth.
[4] He shall not fail nor be discouraged, till he have set judgment in the earth: and the isles shall wait for his law.

لأن عيسى عليه السلام قال:
هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً:«إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. متى 10/5  
[5] These twelve Jesus sent forth, and commanded them, saying, Go not into the way of the Gentiles, and into any city of the Samaritans enter ye not:
[6] But go rather to the lost sheep of the house of Israel.
ولم يكتفوا بذلك بل قالوا :13وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً:«مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» 14فَقَالُوا:«قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 15قَالَ لَهُمْ:«وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» 16فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، متى 16/16
 [13] When Jesus came into the coasts of Caesarea Philippi, he asked his disciples, saying, Whom do men say that I the Son of man am?
[14] And they said, Some say that thou art John the Baptist: some, Elias; and others, Jeremias, or one of the prophets.
[15] He saith unto them, But whom say ye that I am?
[16] And Simon Peter answered and said, Thou art the Christ, the Son of the living God.
[17] And Jesus answered and said unto him, Blessed art thou, Simon Barjona
وحاول متى أن يلوي عنق الحقيقة فقال :
14فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، 15فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. 16وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، 17لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. 19لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. 20قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. 21وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». متى 12/18

[14] Then the Pharisees went out, and held a council against him, how they might destroy him.
[15] But when Jesus knew it, he withdrew himself from thence: and great multitudes followed him, and he healed them all;
[16] And charged them that they should not make him known:
[17] That it might be fulfilled which was spoken by Esaias the prophet, saying,
[18] Behold my servant, whom I have chosen; my beloved, in whom my soul is well pleased: I will put my spirit upon him, and he shall shew judgment to the Gentiles.
[19] He shall not strive, nor cry; neither shall any man hear his voice in the streets.
[20] A bruised reed shall he not break, and smoking flax shall he not quench, till he send forth judgment unto victory.
[21] And in his name shall the Gentiles trust.

النص الثاني :
ارمياء 2/11
10فَاعْبُرُوا جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟ 11هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ!
10] For pass over the isles of Chittim, and see; and send unto Kedar, and consider diligently, and see if there be such a thing.
[11] Hath a nation changed their gods, which are yet no gods? but my people have changed their glory for that which doth not profit.
وقيدار هو الجد الأعلى لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  لأنه ابن نبي الله إسماعيل كما جاء في سفر التكوين
تكوين 25/12
12وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ. 13وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ، وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ 14وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا 15وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. 16هؤُلاَءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. اثْنَا عَشَرَ رَئِيسًا حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ. 17وَهذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. 18وَسَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ. أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ.

 [12] Now these are the generations of Ishmael, Abraham's son, whom Hagar the Egyptian, Sarah's handmaid, bare unto Abraham:
[13] And these are the names of the sons of Ishmael, by their names, according to their generations: the firstborn of Ishmael, Nebajoth; and Kedar, and Adbeel, and Mibsam,
[14] And Mishma, and Dumah, and Massa,
[15] Hadar, and Tema, Jetur, Naphish, and Kedemah:
[16] These are the sons of Ishmael, and these are their names, by their towns, and by their castles; twelve princes according to their nations.
[17] And these are the years of the life of Ishmael, an hundred and thirty and seven years: and he gave up the ghost and died; and was gathered unto his people.
[18] And they dwelt from Havilah unto Shur, that is before Egypt, as thou goest toward Assyria: and he died in the presence of all his brethren.
أما عيسى عليه السلام فقالوا عنه :في متى 10/23
23وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
[23] But when they persecute you in this city, flee ye into another: for verily I say unto you, Ye shall not have gone over the cities of Israel, till the Son of man be come.
ولكن تنبأ المسيح عن المعصوم فقال : في كتاب متىمتى 21/42
42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! 43لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!».
[42] Jesus saith unto them, Did ye never read in the scriptures, The stone which the builders rejected, the same is become the head of the corner: this is the Lord's doing, and it is marvellous in our eyes?
[43] Therefore say I unto you, The kingdom of God shall be taken from you, and given to a nation bringing forth the fruits thereof.
[44] And whosoever shall fall on this stone shall be broken: but on whomsoever it shall fall, it will grind him to powder.
كما بين لهم المسيح أنهم ليسوا أهلا لذلك لأنهم قتلة الأنبياء فقال في متى :
متى 23/35
35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. 36اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ!
[35] That upon you may come all the righteous blood shed upon the earth, from the blood of righteous Abel unto the blood of Zacharias son of Barachias, whom ye slew between the temple and the altar.
[36] Verily I say unto you, All these things shall come upon this generation.




وحين رفضوا ذلك ذكرهم بأن إسماعيل عليه السلام هو أيضا ابن سيدنا إبراهيم ومن ثم فلا حرج أن يأتي من نسلهما أعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا في سفر التكوين 21 /9
9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».

[9] And Sarah saw the son of Hagar the Egyptian, which she had born unto Abraham, mocking.
[10] Wherefore she said unto Abraham, Cast out this bondwoman and her son: for the son of this bondwoman shall not be heir with my son, even with Isaac.
[11] And the thing was very grievous in Abraham's sight because of his son.
[12] And God said unto Abraham, Let it not be grievous in thy sight because of the lad, and because of thy bondwoman; in all that Sarah hath said unto thee, hearken unto her voice; for in Isaac shall thy seed be called.
[13] And also of the son of the bondwoman will I make a nation, because he is thy seed.
إلا أن بولس حاول التفليل من شأننا فقال :
غلاطية4/5
30لكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «اطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ». 31إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ الْحُرَّةِ.
[30] Nevertheless what saith the scripture? Cast out the bondwoman and her son: for the son of the bondwoman shall not be heir with the son of the freewoman.
[31] So then, brethren, we are not children of the bondwoman, but of the free.
ولقد شهد بنوا إسرائيل على أنفسهم بأنهم أبناء قتلة الأنبياء قالوا :متى 23/31
30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ.
[30] And say, If we had been in the days of our fathers, we would not have been partakers with them in the blood of the prophets.
[31] Wherefore ye be witnesses unto yourselves, that ye are the children of them which killed the prophets.

ولقد ذكروا في سفر التكوين رجاء سيدنا إبراهيم لربه تعالى أن يبارك في ابنه إسماعيل ووعده الله تعالى بأن يجعل الله تعالى من ذريته نبيا عظيما .
تكوين 17/20 ليت اسماعيل
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ِللهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». 19فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.
[18] And Abraham said unto God, O that Ishmael might live before thee!
[19] And God said, Sarah thy wife shall bear thee a son indeed; and thou shalt call his name Isaac: and I will establish my covenant with him for an everlasting covenant, and with his seed after him.
[20] And as for Ishmael, I have heard thee: Behold, I have blessed him, and will make him fruitful, and will multiply him exceedingly; twelve princes shall he beget, and I will make him a great nation.
وهذا ماحكاه البخاري حيث قال أن كعب الأحبار أخبر ابن عباس عن بعض صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال :
( يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا , وحرزاً للأميين , أنت عبدى ورسولى , سميتك المتوكل , ليس بفظ ولا صحاب فى الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة إنما يدفع السيئة بالحسنة ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء أن يقولو لا إله إلا الله ) .
عبارة ( حرزاً للأمين ) تدل دلالة قطعية على أن النبى المشار إليه فى هذا النص إنما هو سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم . لأن كلمه حرز تعنى   " الموضع الحصين " وأحرزت الشىء أى " حفظته وضممته إلى وصنته عن الأخذ

وكلمة (الأميين) هى جمع كلمة أمى وهو الذى لا يقرأ و لا يكتب وفى الحديث ( بعثت لأمة أمية) وهم العرب الأميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أوعديمة وفى هذا يقول سبحانه وتعالى " بعث فى الأمين رسولاً منهم " وقيل عن سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم النبى الأمى لأنه لا يقرأ أو لا يكتب وكانت هذه الصفة أحدى آياته المعجزة لأنه – صلى الله عليه وسلم . رغم أميته تلا عليهم كتاب الله بالنظم الذى أنزل إليه فلم يغير ولم يبدل ألفاظه  وكانت قريش تعجب من ذلك لأنها تعلم أن محمداً – صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب وفى هذا يقول الحق جلا وعلا " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطة بيمينك إذا لا ارتاب المبطلون"
 إذن فهذه العبارة " جرزاً للأميين " أوضحت أن النبى الخاتم . صلى الله عليه وسلم – هو نبى أمى وسيبعث فى أمة أمية , وهناك دليل آخر من التوراة يؤكد هذا المعنى " هم أغارونى بغير الله وأغضبونى بمعبوداتهم الباطلة وأنا أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم "

وهناك نبؤه أخرى تشير إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتقول النبؤه ( أحمد عبدى المختار ,لا فظ ولا غليظ ,  ولا صخاب فى الأسواق , ولا يجزى بالسيئة السيئة , يعفو ويغفر . مولده بكاء . وهجرته طابا , وملكه بالشام , وأمته الحمادون يحمدون الله على كل نجد ,ويسبحونه فى كل منزل , يوضئون أطرافهم , ويأتزرون على أنصافهم , وهم رعاة الشمس , ومؤذنهم فى جو السماء, وصفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة  سواء , رهبان بالليل أسد بالنهار , ولهم دوى كدوى النحل , يصلون الصلاة حيث ما أدركتهم ) 
:يذكر العهد القديم بشارة تؤكد أنه { محمد } صلى الله عليه وسلم
لقد ذكر الحق سبحانه وتعالى اسم نبينا الأعظم  " محمد "  صلى الله عليه وسلم فى قرآنه الكريم أربع مرات فقال جل وعلا :
-  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران : 144 )
-  مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (الأحزاب : 40 )
-  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (محمد : 2 )
-  مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الفتح : 29 )
هذا ما كان عن اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم وفى الأخيرة منها والتى ذكرت فى سورة الفتح بين الحق سبحانه وتعالى أن له عليه الصلاة و السلام ولأصحابه رضوان الله عليهم ذكرا فى التوراة والإنجيل .
 ولقد ذكر علماءنا العديد مما ذكر فى التوراة والإنجيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم  وكما بينا ما ذكر فى العهد القديم عن اسم نبينا " أحمد " فالأن أبين ما ذكر بخصوص اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
إعتاد اليهود على الكتابة بالأرقام, ويحوّلون الكلام إلى أرقام وقد يقوم الكتّاب بعد ذلك بتحويل تلك الأرقام إلى كلام ثان ويعرف هذا بحساب الجُمَّل وتصديقا لذلك ما ذكره رحمت الله الهندى في مقدمة كتابه اظهار الحق ما نصه ( ولما غير الربانيون والأحبار كتاب التوراة راعوا ان تكون نصوص النبوءات عن محمد صلى الله عليه وسلم نبى الإسلام واضحة للدارسين وخافية عن غير الدارسين )
وشارك النصارى وهم الشريك الأول لليهود فى إخفاء معالم وبشارات النبى محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا كذلك حساب الجمل .واعترف الكثير من الأحبار والربّانيين من الذين أسلموا بأنّ إسم نبي الإسلام " محمد " صلى الله عليه وسلّم قد ورد  فى العهد القديم فى سفر التكوين عن وعد الله جل وعلا لإبراهيم عليه السلام فقال ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه , ها أنا أباركة وأثمره وأكثره كثيراُ جداً أثنى عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة
والأصل فى العبري كالتالي :" وليشماعيل شمعتيخا هنى بيراختي أوثووهفريتي أوثووهربيتي بماد ماد "فحذفوا " بماد ماد "  ووضعوا ( أمة كبيرة ) بدلا منها ومع هذا استطاع علماءنا بحساب الجمّل أن يثبنوا انها تشير إلى النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم وحساب  الجمل هو كالأتى : هو أن يبدلوا كل حرف برقم فسنكتب الحروف ونضع تحت كل حرف الرقم المناسب له ثم نتعامل مع الأرقام و الألفاظ فسنجد أنها تعطى نفس المعنى كالأتى  :
ا  ب   ج   د    ه   و   ز  ح   ط   ى    ك  ل   م  ن   س   ع      ف    ص      
1  2  3   4   5   6   7  8  9  10  20 30 40 50  60  70 80 90
   ق     ر         ش    ت
100   200  300 400     
   فلو أخذنا كلمة  " بماد ماد "  وعوضنا عنها بالحروف كالأتي :
             ب      م     ا    د     م     ا      د 
             2    40   1  4   40   1   4       = 92
واسم نبينا الأعظم  صلى الله عليه وسلم " محمد "
           م      ح    م     د
          40   8   40   4   = 92
أرأيت مدى التوافق فالحمد لله رب العالمين أن بصرنا بما حاول أهل الكتاب إخفاءه وصدق الحق حين قال { لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء : 83 )
وليس هذا فحسب بل إن إنجيل برنابا نقل عن المسيح التصريح بالبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بإسمه وذلك في مواطن عدة  منها: أن اليهود سألوا المسيح عليه السلام عن اسم النبي المنتظر فقال: "فقال الكاهن حينئذ: ماذا يسمى مسيا، وما هي العلامة التي تعلن مجيئه ؟ فأجاب يسوع: إن اسمه المبارك "محمد". حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله، أرسل لنا رسولك، يا محمد، تعال سريعاً لخلاص العالم.
 ما رأيك عزيزى القارئ ؟ لقد ذكرت لك ما ذكره القرآن الكريم وما كان من العهد القديم وما فى العهد الجديد ثم ما ذكر من انجيل برنابا . ورأينا الى مدى تشابه ما فى انجيل برنابا مع ما هو فى القرآن الكريم  . ولولا ما حرفوه فى العهد القديم وتغيرهم لإنجيل المسيح بالعهد الجديد لكان موافقا تماما لما ذكر فى القرآن الكريم وصدق الحق حين قال { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } (النمل : 76 )-
ولذا نقول لهم ما قاله الحق سبحانه وتعالى { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة : 136 )







                                         المراجع
1-    القرآن الكريم
2-    الجامع لاحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991
3-    مختصر الطبري للامام محمد بن جرير الطبري
4-    الميزان فى تفسير القرآن
5-    فتح الرحمن فى تفسير القران
6-    تفسيرالبضاوى
7-    التفسير الشامل
8-    الكشاف الزمخشرى
9-    كتب السنة
10-    البخاري
11-    الموطأ للامام مالك
12-    المسند للامام أحمد
13-    الترمذي
14-    أبو داود
15-    ابن ماجة
16-    البداية والنهاية لابن كثير
17-    سير أعلام الحديث
18-    كتاب السنن
19-    شذرات الذهب
20-    علوم الحديث للامام ابن كثير
21-    سير أعلام النبلاء
22-    فتح الباري-- للبخاري
23-    تهذيب التهذيب--  للحافظ ابن حجر العسقلاني
24-    رياض الصالحين للامام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر
25-    لسان العرب-- ابن منظور 
26-    معجم الادباء – ياقوت الحموي
27-    السنن– البيهقي
28-    تحفة المودود-- ابن القيم
29-    الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري
30-    المستدرك --للحاكم 
31-    الزواجر--- للهيثمى
32-     الفتح  ---الحافظ بن حجر
33-    فتح البارئ --للخطابى
34-     المجموع-- للنووى
35-    الإرواء للألبانى
36-    ديوان ألفية محمد – د. -  صلاح القوسي
37-    ديوان هاشم الرفاعي
38-    اظهار الحق – رحمت الله الهندي
39-    هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية
40-    الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح-- ابن تيمية
41-    الصفة على المذاهب الاربعة --عبد الرحمن الحريرى
42-    محمدج فى التوراة والانجل والقران --- إبراهيم خليل أحمد
43-    محمد فى الكتاب المقدس--- عبد الأحد داود
44-    قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران
45-    بروتوكولات حكماء صهيون ترجمة د / أحمد السقا
46-    تاريخ الأقباط  -- زكى شنودة
47-    سفر  التكوين
48-    سفر الخروج
49-    سفر التثنية
50-    سفر اللاوين
51-    سفر العدد
52-    سفر يشوع
53-    سفر القضاة
54-    سفر صموئيل
55-    سفر الملوك
56-    سفر أشعياء
57-    سفر عزرا
58-    سفر دانيال
59-    سفر عاموس
60-    سفر نشيد الإنشاد
61-    سفر الجامعة
62-    سفر ايوب
63-    المزامير
64-     متي
65-    يوحنا
66-    لوقا
67-    أعمال الرسل
68-    برنابا
69-    رسائل بولس

لما تلبسون الحق بالباطل

Download

About the book

Author :

أحمد إسماعيل زيد

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Comparative Religions