الإخلاص

كتاب الإخلاص لمؤلفه
حسين العوايشة



كتاب الإخلاص
تأليف
حسين العوايشة





 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

  فإن البشرية اليوم على وجه الأرض، على اختلاف الديانات والعقائد، وتعدد القناعات والرغبات والأهواء، يفعلون الأفعال، ويتصرفون التصرفات، اعتقادا منهم أنها تحقق سعادتهم، فمن بين مخطئ ـ وما أكثرهم ـ ومصيب ـ وما أقلهم ـ محققق لسعادة لحظية يعقبها شقاء طويل، هذا في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة، وهم بذلك يستحقون الرثاء والحزن والبكاء عليهم، كيف الضلال والطريق واضح؟ وما هذا الاعوجاج والصراط مستقيم؟.

  فإنه لا حياة للقلوب ولا سعادة ولا استقرار إلا بالاخلاص لله تعالى،  ولكن يطيب لنا  أن نقول لمن اجتهد للسعادة بغير الاخلاص بهذا القول الطيب:
إذا لم يكن من الله عون الفتى                       فأول ما يجني عليه اجتهاده
وبقدر ما ينشغل العقل في إيجاد السعادة بغير الاخلاص لله تعالى، بقدر ما يشقى صاحبه ويتعذب.

  هل غاب عن الناس أن الاخلاص لله تعالى ينجي الأبدان والنفوس من كل عذاب؟ ليست هذه كلمات تقال بل إنها تجربة حاضها أفضل الناس وأشرفهم، خاضها الرسل والأنبياء.. خاضها الصحابة والتابعون، ففازوا وأفلحوا ونجحوا في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة، فلم تر عين ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر. كانت الضرورة ـ فيما رأيت ـ ملحة لإخراج هذا الكتاب لتبيان فضل الاخلاص وصوره، وخطر الرياء وطرق معالجته، الى غير ذلك مما وجدته نافعا.

  وشأني في هذا الكتاب ـ كما في غيره الآن ـ أن لا أروي إلا الصحيح الثابت ـ معتمدا على تحقيق وتخريج أهل الحديث له ـ لأحقق الغرض الذي من أجله فكرت التأليف.

  وإنني لأتقدم بالشكر الجمّ لشيخي الفاضل محمد ناصر الدين الألباني ـ حفظه الله تعالى ورعاه ـ فإنه قدّم لي ما طلبته من أحاديث تتعلق في موضوعنا، من تخريجه وتحقيقه للترغيب والترهيب للمنذري.

  كما أنني أتقدم بالشكر لكل اخواني الذين ساهموا في إخراج هذا الكتاب وبمختلف المجهودات الطيبة، جزاهم الله خيرا.

  نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأن يحقق بهذا الكتاب نفعي يوم القيامة وأن يقيني به يوما عبوسا قمطريرا.











 
بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأول
في الإخلاص لله تعالى

ماذا يشترط للعمل حتى يقبل؟:
  قبل أن تخطو خطوة واحدة ـ أخي المسلم ـ عليك أن تعرف السبيل التي فيها نجاتك، فلا تتعب نفسك بكثرة الأعمال، فرب مكثر من الأعمال لا يفيده إلا التعب منها في الدنيا والعذاب في الآخرة ومن مثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:" رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر"  رواه ابن ماجه عن ابي هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3482، فلتعلم قبل كل شيء ماذا يشترط للأعمال حتى تقبل، لا بد من أمرين هاميّن عظيمين أن يتوفرا في كل عمل وإلا لا يقبل:

أولهما: أن يكون صاحبه قد قصد به وجه الله عز وجل.
ثانيهما: أن يكون موفقا لما شرعه الله تعالى في كتابه، أو بيّنه نبيّه في سنته.

  فإذا اختلّ واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحا ولا مقبولا ويدل على هذا قوله تبارك وتعالى:{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}سورة الكهف 110، فقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يكون العمل صالحا أي: موافقا للشرع، ثم أمر أن يخلص به صاحبه لله، لا يبتغي به سواه.

  قال الحافظ إبن كثير في تفسيره: (وهذان ركنا العمل المتقبل: لا بد أن يكون خالصا لله تعالى، صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي مثل هذا عن القاضي عيّاض رحمه الله وغيره).

الأمر بالإخلاص والتحذير من الرياء والشرك:
  اعلم ـ أخي المسلم ـ أنه لا بد للأعمال من نيّة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" دزء من حديث في الصحيحين.

  ولا بد من الاخلاص لله في النية لقوله سبحانه وتعالى:{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة}. سورة البيّنة 5.

  وقال تعالى:{ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} آل عمرن 29، وقد حذر الله تعالى من الرياء فقال سبحانه:{ لئن أشركت ليحبطن عملك} الزمر 65. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند تلبيته للحج:" اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة" رواه الضياء بسند صحيح.

  وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرا شديدا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى يعرفه نعمته فعرفها، قال فما عملت فيها: قال قاتلت فيك حتى استشهدت. قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: قارئ! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على زجهه حتى ألقي في النار". رواه مسلم.

  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تعلم علما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" رواه أبو داود بسن صحيح.

تحذير من الشيطان وبيان مكائده:
  إذا كان الأمر قد بلغ هذه الخطورة ما بلغ فلا شك أن المسلم الصادق يهمه الخلاص من الرياء ومبطلات الأعمال وأول ما يجب التنبّه له في هذا الأمر هو معرفة أسباب هذا المرض الخطير، فلتعلم أن عدوّك الشيطان لا يتوقف هو وجنده عن محاولة التسبب في إحباط عملك ووقوعك في الرياء. وانظر الى التحذير من كيد الشيطان الذي جاء في الكتاب والسنة فإنه خير شفاء لشر مرض.

  قال الله تعالى:{ إنّ الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر 6.

  وقال سبحانه:{ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} البقرة 268.

  وقال سبحانه:{ إن الشيطان للإنسان عدو مبين} يوسف 5.

  وقال تعالى:{ ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} النور 21.

  وقال تعالى: وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل} النمل 24.

  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"  رواه مسلم.

  والشاهد هنا:" إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه" فهو يحضر ليفسد النية والقول والعمل، فإن حسنت نيّتك، دلك على عمل ليس مشروعا تفعله بهذه النية الحسنة، وإن حسن عملك أفسد عليك نيتك، وإن حسنت النية عندك أفسد عليك أسلوبك مع الناس ليوقع العداوة والبغضاء بينك وبينهم ما استطاع الى ذلك سبيلا.

 وقال صلى الله عليه وسلم:" ما منكم من أحد، إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا وإياك؟. قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير". صحيح الجامع برقم 5676.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد إلا ومعه شيطان".قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال:" وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم" صحيح الجامع برقم 5677.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال فيدنو منه ويقول: نعم أنت".  قال الأعمش: أراه قال فيلتزمه. رواه مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

  فكن من هذا العدو الرجيم على حذر واعلم أنه لا يقيل، لقوله صلى الله عليه وسلم:" قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ولا يمكن أن يذرك إن لم تستعن بالله عليه وتراقب الله تعالى في أعمالك كلها صغرت أو عظمت.

التوسل بالإخلاص لله في الأعمال:
  ولا يفوتني هذا الباب أن أذكر لك من فوائد الإخلاص في الدنيا قبل الآخرة فإنك تستطيع التوسل الى الله بأعمالك التي أخلصت فيها لله تعالى لينقذك من كل كرب وشدة.

  عن أبي عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انطلق نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت الى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتصاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه.
قال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس اليّ. وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمّت  بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها، وفي رواية فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس اليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء واعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله. أدّ لي أجري. فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي. فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون" متفق عليه وهو من رياض الصالحين للنووي. 

  فانظر أخي كيف فرّج الله سبحانه وتعالى الصخرة عن هؤلاء المكروبين، لقد فرّج الله عنهم الصخرة الصلبة لدعائهم بصالح أعمالهم وإخلاصهم لله تعالى.

  وما سبب الذل والهوان الذي تقع فيه البشرية وتتخبط به إلا عدم الإخلاص لله تعالى، ويا أيها الانسان ألا يوجد من صالح الأعمال ما تتوسل فيه الا الله ليخلصك من كربك وشدتك!.

نجاة يوسف بسبب الاخلاص:
  وانظر الى البلاء الذي وقع فيه يوسف عليه السلام، إنه بلاء التعرض للزنا ثم انظر كيف اشتدت الاغراءات به، وتجمعت عليه، وأراد الشيطان أن يوقعه في الزنا فلم يفلح، فمن الاغراءات الملحة كونه شابا يفيض بالحيوية والجنس وكان عزبا حسن الوجه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعطي يوسف شطر الحسن" صحيح الجامع 1073، فهذا يجعل داعي الالحاح والإغراء من جانب امرأة الملك العزيز أشد وأقوى، وكذلك البعد عن رقابة الأهل والغرباء ممن قد يفضح أمره، ومع ذلك فقد ثبت عليه السلام ثباتا شديدا بفضل الله تعالى وتوفيقه، {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}. يوسف 24. 

  فبالإخلاص لله تعالى كانت نجاته عليه السلام، فهل أنتم يا معشر الشباب معتبرون؟ وهل أنتن يا معشر الفتيات معتبرات؟ كم من الشباب والفتيات من لا يستطيع غضّ بصره ـ وما فوق ذلك ـ بسبب نقصان الإخلاص لله تعالى، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

الغلام المؤمن:
  في هذه القصة ـ عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع  وهو شهيد ـ ، فلنتدبر هذه القصةن متلمسين ما فيها من عان عظيمة في الإخلاص.

  عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كان ملك فيمن قبلكمن وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلمه السحر، فبعث اليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد اليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك الى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ. وكان الغلام يبريء الكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله تعالى فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك. فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: أو لك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلف من سحر ما تبريء الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقعه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفقرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه الى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي الى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه الى نفر من أصحابه فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه الى نفر من أصحابه فقال: إذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي الى الملك فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم تأخذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت، وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها تقاعست أن تقع فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق" رواه مسلم.

  فانظر كيف أن الله يحب الدعوات المخلصة وكيف كانت السنن الكونية تتبدل وتتغير بسبب الإخلاص لله تعالى. ولقد وقع الغلام في خطر عظيم عندما أخذوه من على الجبل ليطرحوه. فدعا الله بإخلاص شديد: ( اللهم اكفنيهم بما شئت) فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي الى الملك، لقد كان الإخلاص سببا في نجاته من الموت واستطاع بفضل الله سبحانه أن يقتل بالإخلاص أعداء الله تعالى، ثم أخذوه في السفينة ليتخلصوا منه ـ حيث إنهم رأوا الإخلاص سرّ قوته ـ أخذوه وتوسطوا به البحر فدعا الله بإخلاص العبد للرب: ( اللهم اكفنيهم بما شئت) فانكفأت بهما السفينة فغرقوا وجاء يمشي الى الملك.

  هذا هو الاخلاص الذي منّ الله به على هذا الغلام، نجاه الله من خطر عظيم، وبه قضى على أعداء الله تبارك وتعالى.

  ثم انظر كيف كان يشتد إخلاص ذلك الغلام فقد باع نفسه لله شهيدا، ضحى بنفسه من أجل أن تكون كلمة الاخلاص هي المقولة على الأرض وهي المعمول بها، من أجل أن يقول الناس: ( آمنا برب الغلام).

  لقد قال للملك: ( إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني).

  وما هي نتيجة هذا الاخلاص؟ أجر كبير ومنزلة عظيمة عند الله لغلام، وإيمان من الناس برب الغلام، فما أن مات هذا الغلام، وإذا بالناس تقول: آمنا برب الغلام.

  هذه هي ثمرة إخلاص الغلام، إيمان شعب بكامله. إيمانا ثبتوا به على التحريق. وكان من ثمرت إخلاصه أيضا، ما أنطق الله به لسان ذلك الصبي الصغير، عندما تقاعست أمه أن تقع في النار: ( يا أمه اصبري فإنك على الحق)..

  نطق هذا الصبي بالأمس، واليوم أفواه البشرية مقفلة لا تهمس بشيء ـ إلا من رحم الله، وقليل ما هم ـ فهل من مدكر...؟

 
قصة إبراهيم وزوجه عند البيت:

  وهيا بنا نرتع  في جو من الإخلاص والأيمان، ونحن نقرأ قصة إبراهيم عليه السلام وزوجه، وذلك في حديث إبن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هناك ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له مرارا؟ وجعل لا يلتفت اليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البي ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه فقال:{ رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون}  وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقا عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر اليه يلوى ـ أو قال يتلبط ـ  فانطلقت كراهية أن تنظر اليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الانسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فلذلك سعى الناس بينهما" فلما أشرفت المروة سمعت صوتا فقالت: صه ـ تريد نفسها ـ ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فأغث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث يعقبه ـ أو قال بجناحه ـ حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف، وفي رواية بقدر ما تغرف. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال: لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا". قال: فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيتا لله بينيه هذا الغلام وأبوه، وأن الله لا يضبع أهله". جزء من حديث رواه البخاري كما قال النووي في رياض الصالحين.

  لقد كان من مظاهر الإخلاص عند إبراهيم امتثاله لأمر الله تعالى بوضع زوجه وابنه في أرض لا أنيس فيها ولا شيء، وهذا المظهر كذلك كان موجودا في زوجه حين قالت أخيرا: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا.

  فهل صيعهم الله تعالى؟ لقد كان لإخلاص ابراهيم وزوجه أثرا في اهتزاز كل قلب مؤمن أسلم وجهه الى الله، لقد فجر الله تعالى بالإخلاص والتضحية زمزم، لا لإسماعيل وأمه فحسب، ولكن للملايين من الناس على مر السنين، وبالإخلاص لله تعالى فجرت زمزم ليشرب منها من أدى الحج أو العمرة من جميع أقطار الأرض، زمزم التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ماء زمزم لما شرب له" صححه الألباني في مناسك الحج والعمرة ص 23، فمن شرب زمزم بينة أن يعلمه الله، علمه الله تعالى. ومن شربه بنية الثبات  على الدين، ثبته الله سبحانه وتعالى. ومن شربه بنية الشفاء من مرض، شفاه الله. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا:" إنها مباركة  وهي طعام طعم وشفاء سقم" مناسك الحج والعمرة ص 23 الطبعة الثانية، وقال عليه الصلاة والسلام:" خير ماء على وجه الأرض ما زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم" خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة.

من الإخلاص أن تعمل الصالحات مع خوف عذاب الآخرة:

  قال الله تعالى في حق طائفة من الصالحين وهم الأبرار:{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا} الانسان 11-8.

  فهؤلاء لم يكونوا ليفعلوا الخير انتظار جزاء الناس وشكرهم، ولم يكن منهم منّ بتقديم الطعام والشراب والعون، إنما يصحب هذه الأعمال خوف من الله تعالى:{ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} فهم يطعمون  الطعام وهم يخافون من ربهم يوم القيامة، ولم يكونوا شامخي النفوس، متعالين على من يقدمون لهم العون، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:{ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}  قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال:" لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات}. أخرجه شيخنا في السلسلة الصحيحة رقم 162.

لماذا تستجاب دعوة المظلوم والمضطر؟ وما معنى فرغ قلبه لله؟

  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه" صحيح الجامع 3377.

  وإذا تأملنا الأمر، وجدنا الداعي يخلص في دعوته، ويجمع قلبه في الدعاء ولا يشغله شاغل عن الإلحاح في دعوته، لأن يرى أنه لا بد من تحقيق استجابة دعائه، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم استجابة الدعاء بقوله:" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه". الأحاديث الصحيحة 594.

 فالقلب الغافل اللاهي لا يستجاب له دعاء، والمظلوم لا يلهو قلبه عن دعوته لضرورته وفاقته، وكذلك المضطر فإن دعاءه مستجاب ولو لم يكن مسلما، قال تعالى{ أمّن يجيب المضطر إذا دعاه} النمل 62.

  فليس مع المضطر مجال ليشغل قلبه ويلهو بغير ما اضطر إليه. فهو مخلص لحظة اضطراره مهما كان طغيانه وكفره.

  ثم إنّ حديث مسلم يوضح لنا هذا الشغل الشاغل عن تحصيل الأفضل، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل" وكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر" فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم.

  فهو ها هنا شغل بالضالة عن المغفرة له والإخلاص لله تعالى، ويحسن بنا في هذا المقام أن نورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدنا وضوحا لهذا الأمر وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" ما منكم من رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويمج، ويستنشق، فينتثر إلا جرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه الى المرفقين، إلا جرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه كما أمره الله إلا جرت خطايا رجليه من أطراف أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه لله،  إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" صحيح الجامع 5680.

  فقوله صلى الله عليه وسلم:" فرغ قلبه لله" هو الشاهد هنا، وتفريغ القلب لله هو صرف الانشغال عما شواه وهو من كمال الإخلاص لله تعالى،  فكل من المضطر والمظلوم يفرغ قلبه لله تعالى عند الدعاء فيستجيب الله تعالى لهما الدعاء جزاء إخلاصهما. ثم إنه كان من دعاء إبراهيم عليه السلام:{ لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} الأنعام 77، ودعا نوح عليه السلام ربه:{ إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} هود 47. فهذه أدعية لا بد من استجابتها وهي دعوات مضطر يترتب على عدم استجابتها ضلالة وخسارة، وهذه الصيغ من الدعوات، تدل على تفريغ قلب صاحبها لله تعالى وعدم انشغاله بسواها، وجعل همه استجابتها وتقديم ذلك على كل شيء، حتى إن الشيطان لما دعا الله تعالى بدعوة عظم الضلال فيها { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} الحجر 36، فإنه فرغ قلبه لله، وهي دعوة مضطرة لم يبق له إلا هي، وماذا يبقى له سواها إذن بعد ان خسر كل شيء؟ وماذا كانت النتيجة؟ { قال فإنك من المنظرين، الى يوم الوقت المعلوم} الحجر 37-38.

  فكيف كان شكر الشيطان لربه على إستجابة الدعاء؟

  {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين} الحجر 39-40.

  فاستثنى الشيطان ـ نعوذ بالله منه ـ المخلصين لأنهم فرّغوا قلوبهم لله، فلم تكن المنكرات مزينة في نفوسهم، من هنا نجد الداعي المظلوم والمضطر قد فرغ قلبه لله ولا يزين في نفسه شيء يلهيه عن دعوته حتى يتحقق مراده.

  ومن هنا نلحظ كذلك أن الثلاثة الذين خلّفوا قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وهذا هو وصف الله تعالى لهم، قال سبحانه:{ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا اليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} التوبة 18. فهؤلاء مضطرون بدعوتهم فهم قد فرّغوا قلوبهم من كل شيء سوى مرضاة الله، ولقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم انفسهم، فلم يستطع الشيطان أن يزين لهم شيئا لأنهم رأوا أن لا بد من رضوان الله عليهم، فتاب الله عليهم سبحانه.

  ومن هنا نفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، وسدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" رواه أحمد في مسنده وهو في صحيح الجامع 1622. فبمقدار ما يفرغ قلبه له تعالى يكتب له من الأجر في صلاته وبمقدار ما يفرغ قلبه يتقبل الله منه، وكذلك الدعوات تختلف الاستجابة فيها بحسب تفريغ القلوب لله تعالى وتشتد الاستجابة عند المظلوم والمضطر بسبب التفريغ القلبي الكامل لله تعالى.

  وكيف كان وضع الغلام المؤمن عندما أخذ ليلقى به من فوق الجبل؟

  لقد فرغ قلبه لله بالدعاء فقال:" اللهم اكفني بما شئت"، ثم بما ينشغل عن الدعاء وهو يرى نفسه سيلقى به من فوق الجبل؟

  من هنا يشتد إيمان من يفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الجنة أقرب الى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك" رواه البخاري. فإن من رأى القرب من الجنة وأحسها بقلبه فرغ نفسه عما سواها لها، ومن رأى النار قربها بهذا القدرن فإنه لا ينشغل بشيء سوى  البعد عنها، وهذا من الإخلاص لله تعالى، ولنتدبر في هذا الموطن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه مسلم:" لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته" فلو علم ما عند الله من العقوبة فإنه سيفرغ قلبه للنجاة من عذابها، ولن يطمع بالجنة التي هي مراد كل عبد مؤمن، والله أعلم.

 
في مصاحبة أهل الاخلاص والانتفاع بإخلاصهم

  تقدم معنا حديث الثلاثة الذين كانوا في الغار، وتقدم أيضا كيف دعا أحدهم بصالح أعماله فانفرج جزء من الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، فانتفع الجميع بدعوة المخلص الواحد، ثم تكرر الدعاء من صاحبيه وكل مرة ينفرج جزء من الصخرة، وكان الانتفاع يعم الجميع، حتى خرج الجميع من الغار.

  فاحرص على مصاحبة أهل الاخلاص تنتفع ـ بفضل الله ـ بإخلاصهم ودعائهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لله ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عوجوا وصعدوا الى السماء، فيسألهم الله عز وجل ـ وهو أعلم ـ من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد الله في الأرض: يسبحونك ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: وما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب. قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك؟ فيقول: قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: رب فيهم عبد خطّاء إنما مر فجلس معهمن فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". رواه مسلم.

  فاحذر من البعد عن الإخلاص وانظر الى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك من خلال هذا الحديث:" ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية" رواه أحمد في مسنده وهو في صحيح الجامع 5577.
وقد أوردت من طرق معالجة الرياء ومصاحبة أهل الإخلاص.

 
فضائل الإخلاص في الأعمال

1_ الإخلاص في التوحيد:
  قال صلى الله عليه وسلم:" ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا قط إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي الى العرش، ما اجتنب الكبائر". صحيح الجامع 5524.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا اله الا الله، وأني رسول الله، يرجع ذلك الى قلب مؤمن، إلا غفر الله له. صحيح الجامع 5669.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله قد حرم على النار من قال: لا اله الا الله، يبتغي بذلك وجه الله"  جزء من حديث متفق عليه.

2_ الإخلاص في النية:
  قال صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

3_ الإخلاص في الصلاة:
  قال صلى الله عليه وسلم:" ما منكم من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجه، وجبت له الجنة وغفر له" صحح الألباني في صحيح الجامع 5678.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويمج، ويستنشق، قينتثر إلا جرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله، إلا جرت خطايا وجهه من اطراف لحيته مع لماء، ثم يغسل يديه الى المرفقين، إلا جرت خطايا يديه من أطراف انامله مع الماء، ثم يمسح رأسه كما أمره الله، إلا جرت خطاياه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه الى الكعبين كما امره الله، إلا جرت  خطايا رجليه من أطراف أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" رواه مسلم.

 
4_ الإخلاص في السجود:
  قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسجد لله سجدة، إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها سيئة ورفع له بها درجة، فاستكثروا من السجود" الصحيح الجامع 5618.

5_ الإخلاص في قيام رمضان:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري.

6_ الإخلاص في قيام ليلة القدر:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" البخاري.

7_ الإخلاص في حب المسجد:
  قال صلى الله عليه وسلم:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله: اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" متفق عليه.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له من حين يخرج من بيته، كما يتبشبش اهل الغائب بغائبهم، إذا قدم عليهم" صحيح الجامع 5480.

8_ الإخلاص في الخروج  للصلاة:
  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد، كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه اللهم اعفر له اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه" متفق عليه.

9_ الإخلاص في الانتظار في المسجد:
  للحديث السابق وفيه:" فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه".

10_ الإخلاص في القول كما يقول المؤذن:
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا اله الا الله، فقال: أشهد أن لا اله الا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيّ على الفلاح، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا اله الا الله، قال: لا اله الا الله، من قلبه دخل الجنة" رواه مسلم.

11_ الإخلاص في الصوم:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" صحيح الجامع: 6201.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" من صام يوما في سبيل الله، باعد الله منه جهنّم مسيرة مائة عام" صحيح الجامع: 6206.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا، كما بين السماء والأرض" رواه الترمذي، وهو في صحيح الجامع برقم 6209.

12_ الإخلاص في الزكاة:
  عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى  دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل  عن الاسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمس صلوات في اليوم والليلة"، قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: " لا إلا أن تطوّع" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وصيام شهر رمضان" قال: هل عليّ غيره؟ قال:" لا إلا أن تطوع" قال وذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال: هل عليّ غيرها؟ قال:" لا إلا أن تطوّع" فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أفلح إن صدق" متفق عليه.
13_ الإخلاص في الصدقة:
  وذلك لما تقدم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم:" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه".

  وقال صلى الله عليه وسلم:" صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر" صحيح الجامع 3691.

14_ الإخلاص في الحج:
  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال:" الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال:" حج مبرور" متفق عليه.

  والمبرور هو الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية، ففيه إشارة الى الاخلاص، لأن الشرك والرياء معصية لله تعالى.

  قال صلى الله عليه وسلم:" من حجّ لله، فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رواه البخاري.

15_ الإخلاص في طلب الشهادة:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من سأل القتل في سبيل الله صادقا من قلبه، أعطاه الله أجر شهيد، وإن مات على فراشه" صحيح الجامع 6153.

16_ الإخلاص في الرباط:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا جرى له مثل ذلك من الأجرن وأجرى عليه الرزق، وأمن الفتان" صحيح الجامع 6135.

17_ الإخلاص في تجهيز الغزاة:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من جهز غازيا في سبيل اللهن كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الغازي شيئا" الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2\96.

18_ الإخلاص في الجهاد:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله" متفق عليه.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من مكلوم يكلم في الله، إلا جاء يوم القيامة وكلمة يدمي،  اللون لون الدم، والريح ريح المسك" رواه البخاري. رواه البخاري.

19_ الإخلاص في التوبة:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من تاب الى الله قبل أن يغرغر، قبل الله منه" رواه أحمد في مسنده.

  وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:" كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين فهل له توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة. انطلق الى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله تعالى معهم، ولا ترجع الى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا الى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ـ أي حكما ـ فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتها كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى الى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة" متفق عليه. 

20_ الإخلاص في الاستغفار:
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا اله الا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها في النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" رواه البخاري.



21_ الإخلاص في البكاء:
  وقد تقدم الحديث:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وفيه:" ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

22_ الإخلاص في الذكر: لحديث السابق.

23_ الإخلاص في الصدق:
  قال صلى الله عليه وسلم:" إن تصدق الله يصدقك" النسائي والحاكم وهو في صحيح الجامع 1428.

24_ الإخلاص في الصبر:
  قال صلى الله عليه وسلم:" يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من
اهل الدنيا ثم احسبه إلا الجنة" رواه البخاري.

  وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها" أنه كان عذابا يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد" رواه البخاري.

25_ الإخلاص في التوكل:
  قال صلى الله عليه وسلم:" إن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينا، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بلالكفيل، قال: كفى بالله وكيلا، قال: صدقت، فدفعها اليها الى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه الى صاحبه، ثم زجّ موضعها، ثم أتى بها الى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله وكيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث اليه الذي له فلم أجد وإني أستودعكها، فرمى بها الى البحر، حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج الى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا الخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الي كان أسلفه، فأتى بالألف دينا، وقال: والله ما زلت جاهدا في
لب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت اليّ شيئا؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا" رواه البخاري.

26_ الإخلاص في الحب:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من سره أن يجد حلاوة الايمان، فليحب المرء لا يحبه إلا لله" رواه أحمد في مسنده  والحاكم، صحيح الجامع 6164.
  وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما اتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد اخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها عليه؟ قال: لا؟ غير أني احببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" رواه مسلم.

27_ الإخلاص في الزيارة في الله: للحديث السابق.

28_ الإخلاص في طاعة الوالدين:
  وذلك لما تقدم في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار، فدعوا الله بصالح أعمالهم، وكان بما قاله أحدهم" اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا،... فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتصاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا..".

29_ الإخلاص في ترك المنكر لله:
  وذلك لحديث القلاثة نفسه الذين انطبقت عليهم الصخرة عندما قعد أحدهم بين رجلي ابنة عمه " فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرف عنها وهي أحب الناس اليه وقال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرج جزء من الصخرة".
30_ الإخلاص في أداء الأجر:
  للحديث السابق أيضا وقول الثالث منهم " اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدّ اليّ أجري. فقلت: كل ما ترى من أجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي. فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت  فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون".

31_ الإخلاص في النية ولو لم يقم بالعمل:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من سأل الله القتل في سبيل الله، صادقا من قلبه، أعطاه الله أجر شهيد، وإن مات على فراشه".

32_ الإخلاص في الزهد:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على روؤس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان ما شاء يلبسها" رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع 6021.

33_ الإخلاص في التواضع:
  للحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" من ترك اللباس تواضعا لله".

  وقال صلى الله عليه وسلم:" من تواضع لله رفعه الله" صحيح الجامع 6038.

34_ الإخلاص في بناء المساجد:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من بنى لله مسجدا، يذكر الله فيه، بنى الله له مثله في الجنة" صحيح الجامع 6006.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" من بنى مسجدا، يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة". البخاري



35_ الإخلاص في زيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر الى متاع غيره" صحيح الجامع 6060.

36_ الإخلاص في تجهيز الغزاة:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله فقد غزا" رواه البخاري.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" من جهز غازيا في سبيل الله، كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من اجر الغازي شيئا". صحيح الجامع 6070.

37_ الإخلاص بإتباع جنازة المسلم:
  قال صلى الله عليه وسلم:" من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحدن ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط من الأجر". البخاري من حديث أبو هريرة.

38_ الإخلاص في إطعام الطعام:
  قال الله تعالى في حق نفر من المخلصين:{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا} الانسان 8-9.

  عن عائشة رضي الله عنها قالت:" أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة. قال: "اقسميها". فكانت عائشة إذا رجعت الخادم تقول: ما قالوا؟ يقول الخادم: قالوا: بارك الله فيكم، قتقول عائشة: وفيهم بارك الله، نرد عليهم مثل ما قالوا ويبقى اجرنا لنا" صحيح الكلم الطيب  238.

  إن من تمام إخلاص عائشة رضي الله عنهان أنها لم تكن تنتظر شيئا حتى الدعاء.



39_ الإخلاص في الدعاء:
  قال الله تعالى:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين}. الأعراف 55. روي عن ابن جرير أنه قال: تضرعا تذللا استكانة لطاعته وخفية يقول بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارا مراءاة. تفسير ابن كثير 2\221.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه" .

ما يتوهم أنه إخلاص وليس كذلك

1_ قد يمتزج بالإخلاص شيء من حظوظ النفس، كالذي يعلم ويشتغل بالتدريس ليفرح بلذة الكلام، أو يغزو ليمارس الحرب ويتعلم أسبابها، فهذا ليس من تمام الإخلاص لله تعالى.

2_ وربما كره العبد الرياء، ولكنه عندما يتذكر أعماله ويثني عليه، لا يقابل ذلك بالكراهة، بل يشعر بالسرور ويشعر أن ذلك روح عنه شيئا من عناء العبادة، فهذا نوع من دقيق أنواع الشرك الخفي.

3_ وقد يقع المرء بالرياء لا بإظهاره بالنطق تعريضا أو تصريحا، ولكن بالشمائل، كإظهار النحول، والصفار وخفض الصوت، وآثار الدموع وغلبة النعاس الدالة على طول التهجد.

4_ وقد يختفي المرء بحيث لا يريد الاطلاع عليه، ولكنه إذا رأى الناس أحب أن يبدؤوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وينشطوا في قضاء حوائجه ويسامحوه في المعاملة، ويوسعوا له في المجلس، فإن قصر في ذلك مقصر، ثقل ذلك على قلبه كأن نفسه تتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها.

5_ قد يعتاد العبد التهجد كل ليلة ويثقل عليه، فإذا نزل عنده ضيف نشط له وسهل عليه.

6_ إعجاب المرء بأعماله ورؤية الإخلاص الشديد فيها:

  قال صلى الله عليه وسلم:" لو لم تكونوا تذنبون، لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك، العجب العجب" صحيح الجامع 5176، وسيمر معنا ذلك القول الجميل ( من شاهد في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه الى الإخلاص).

7_  ربما تحصل رغبة في إستجابة دعوة الداعي الى الطعام، لمعرفة أن الطعام كما هو متعارف عليه في هذه الدعوات ـ سيكون طيبا وأفضل من طعام بيته في ذلك الوقت، فيدفعه حب الطعام، ولا يستحضر طاعة الله تعالى في إجابة الداعي.

8_ وربما تحصل رغبة في زيارة بعض إخوانه، ممن يحبهم الله حبا شديدا في الله تعالى، ولكن في نفسه شهوة خفية من نية الزيارة، بأن يستمتع على أصناف الشراب والطعام والحلوى التي تقدم له.

9_ قد يقدم المرء أصناف الطعام والشراب لامرئ كان قد دعاه من قبل، فيقدم أصناف الطعام ومختلف أنواع الشراب، على ضوء ما قدم له أخوه أو يزيد، ولربما يهدي لأخيه هدية ثمنها مقارب ـ أو يزيد ـ لهدية أهديت له من أخيه.













الفصل الثاني
في الرياء وأنواعه

من أنواع الرياء:

1_ الرياء البدني:
  ويكون بإظهار النحول والصفار، ليرى العباد بذلك شدة الاجتهاد، وغلبة خوف الآخرة، ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين، وإظهار ذبول الجسم ليدل بذلك على  أنه مواظب على الصوم.

2_ الرياء من جهة الزي:
  كإبقاء أثر السجود على الوجه وارتداء نوع معين من الزي ترتديه طائفة يعدهم الناس علماء، فيلبس هذا اللباس ليقال عالم.

3_ الرياء بالقول:
  وهو ـ على الغالب ـ رياء أهل الدين والوعظ والتذكير وحفظ الأخبار لأجل المحاورة، وإظهار غزارة العلم، وتحريك الشفتين بالذكر من محضر الناس، وإظهار الغضب للمنكرات بين الناس وخفض الصوت وترقيقه بقراءة القرآن، ليدل بذلك على الخوف والحزن والخشوع.

4_ الرياء بالعمل:
  كمراءاة المصلي بطول القيام وتطويل الركوع والسجود وإظهار الخشوع، والمراءاة بالصوم والغزو والحج والصدقة ونحو ذلك.

5_ المراءاة بالأصحاب والزائرين:
    كالذي يتكلف أن يستزير عالما أو عابدا ليقال: إن فلانا قد زار فلانا. ودعوة الناس لزيارته قد يقال: إن أهل الدين يترددون عليه.
 
ما يتوهم أنه رياء وشرك وليس كذلك

1_ حمد الناس للرجل على عمل الخير:
  عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارأيت الرجل الذي يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال:" تلك عاجل بشرى المؤمن".

2_ نشاط العبد بالعبادة عند رؤية العابدين:
  قال المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: قد يبيت الرجل مع المتهجدين، فيصلون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، أو يصومون فيصوم، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط، فربما ظن ظان أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفصيل، وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالىن ولكن تعوقه العوائق وتستهويه الغفلة فربما كانت مشاهدة  الغير سببا لزوال الغفلة، ثم قال: ويختبر أمره بأن يمثل القوم في مكان يراهم ولا يرونه، فإن رأى نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وإن لم تسخ كان سخاؤها عندهم رياء، وقس على هذا.

  قلت: كسل المرء عند انفراده آت من باب قوله صلى الله عليه وسلم:" فإنما يأكل الذئب القاصية" ونشاطه داخل من باب امتثاله لقوله صلى الله عليه وسلم:" عليكم بالجماعة" متفق عليه.

3_ تحسين وتجميل الثياب والنعل ونحوه:
  ففي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟ قال:" إن الله جميل، يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".

4_ عدم التحدث بالذنوب وكتمانها:
  وهذا واجب شرعا على كل مسلم ولا يجوز المجاهرة بالمعاصي لقوله صلى الله عليه وسلم:" كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله". متفق عليه.

  والتحدث بالذنوب فيه مفاسد كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها منها التشجيع على ارتكاب المعاصي بين العباد، والاستخفاف بأوامر الله تعالى، ومن ظن أن كتمان ذلك رياء، وااتحدث باذنوب إخلاص فهو ممن قد لبس عليه الشيطان، نعوذ بالله منه.

5_ اكتساب العبد الشهرة من غير طلبها:
  قال المقدسي: ( المذموم طلب الإنسان الشهرة وأما وجودها من جهة الله تعالى من غير طلب الإنسان فليس بمذموم، غير أن في وجودها فتنة على الضعفاء). محتصر منهاج القاصدين 218.

في علاج الرياء والاستبراء منه

1_ معرفة عظمة الله تعالى، وأسمائه، وصفته، والإلمام بالتوحيد ما استطعت الى ذلك سبيلا:
  اعلم ـ اخي المسلم ـ أن من أسباب الرياء هو تعظيم الناس ونقصان تعظيم الله تعالى في النفس، فمن أحسن أنواع العلاج لهذا الداء القاتل هو معرفتك لأنواع التوحيد كاملة، وهذا بحثه واسع، نورد طرفا  يسيرا منه، ذكرى وعبرة:

أ_ إن الله تعالى وحده هو الذي ينفع ويضر متى شاء، قلتطرح من نفسك الاعتقاد الفاسد بأن الناس ينفعونك ويضرونك متى شاؤوا ومتى أرادوا، وإنما يدخل الشيطان عليك ليجعلك تزين العبادة أمام الناس لظنك بقدرتهم على النفع والضرر، فانظر ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علّم هذا الحديث لابن عباس غلاما:" يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظ، احفظه تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت المصاحف". رواه أحمد صحيح الجامع 7834.

ب_ اعلم أن الله تعالى سميع بصير، يراك ويسمعك ويعلم ما تخفي  وما تعلن، قال الله تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى 11، وقال تعالى:{ ألم يعلم بأن الله يرى} العلق 14، وقال سبحانه:{ ألا سعلم من خلق} تبارك 14، وقال سبحانه:{ أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} العنكبوت 10. وقال تعالى:{ وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} يونس 61.

  فمالي أراك تراقب الناس ولا تراقب الله تعالى وهو سبحانه مطلع عليك! ألا يكفيك إطلاعه عليك سبحانه وهو يقول:{ أليس الله بكاف عبده} الزمر 36.

جـ_ اعلم أن الله سبحانه عظيم، فليعظمه قلبك وفؤادك ولتتأمل عظمته سبحانه في خلقه، في طائفة من الأحاديث:

_ قال صلى الله عليه وسلم:" إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته لله تعالى ساجدا، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله" رواه الترمذي.

_ وقال صلى الله عليه وسلم:" ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" سلسلة الأحاديث الصحيحة 109.

_ وقال صلى الله عليه وسلم:" أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ما بين شحمة أذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة". سلسلة الأحاديث الصحيحة 151.

_ وقال صلى الله عليه وسلم:" البيت المعمور في السماء السابعة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون اليه حتى تقوم الساعة" السلسلة الصححية 474، وفي رواية ثابته:" حيال الكعبة". السلسلة الصحيحة 237.

2_ معرفة ما في القبر من عذاب ونعيم:
  اعلم أن من أسباب الرياء والشرك هو عدم اهتداء القلب للخشية من عذاب القبر والنار وأهوال ما بعد الموت، ولما كان مجال ذلك واسعا رأيت ذكر القليل القليل من الكثير الكثير، سائلا الله تبارك وتعالى أن يكون فيما أذكره عظة وعبرة، وإنني لأستند بهذا الرأي لقول الله تعالى:{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف 110، فقد قرن سبحانه وتعالى التوفيق في العمل الصالح برجاء لقاء الله، فلا بد من معرفة ما يترتب على لقاء الله تعالى من نعيم وعذاب، وسعادة وشقاء، فإلى طائفة من هذا، وبالله تعالى التوفيق:

  _ عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا الى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مستقبل القبر] وجلسنا حوله، وكأن على روؤسنا الطير، وفي يده عود  ينكت في الأرض، [فجعل ينظر الى السماء، وينظر الى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا]، فقال:" استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثا، [ ثم قال: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر" [ثلاثا]، ثم قال:" إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل اليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية المطمئنة) أخرجي الى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل  القطرة من في السقاء، فيأخذها (وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم) فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، [فذلك قوله تعالى:{ توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون ـ يعني بها على ملأ من الملائكة ـ إلا قالوا: ما هذه الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان ـ بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها الى السماء الدنيا، فيستفتحون اه، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، الى السماء التي تليها، حتى ينتهي به الى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، [{وما أدراك ما عليون، كتاب مرقوم يشهده المقربون}، فيكتب كتابه في  عليين،ثم يقال: أعيدوه الى الأرض، فإني (وعدتهم أني) منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فـ ( يرد الى الأرض، و) تعاد روحه الى جسده، [قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ] [مدبرين] ، فيأتيه ملكان [شديدا الانتهار] فـ (ينتهرانه و) يجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقت [ فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله تعالى:{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا} فيقول: ربي الله، وديني الاسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي منا في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا الى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره، قال: ويأتيه [وفي رواية يمثل له] رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، [أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم]، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: [ وأنت فبشرك الله بخير] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، [فوالله ما علمتك، إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرا} ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة، قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع الى أهلي ومالي، [فيقال: له: اسكن]؛ وإن العبد الكافر (وفي رواية الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل اليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد] سود الوجوه، معهم المسوح [ من النار] فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي الى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود [الكثير الشعب] من الصوف المبلول، [فتقطع معها العروق  والعصب] [فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم] فيأخذها،  فإذا أخذها لم يدعوها  في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان ابن فلان ـ بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به الى السماء الدنيا، فيستفتح  له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة، حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، [ثم يقال: أعيدوا عبدي الى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى]، فتطرح روحه [من السماء] طرحا (حتى تقع في جسده) ثم قرأ { ومن يشرك بالله، فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}، فتعاد روحه في جسده، (قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه) ويأتيه ملكان (شديدا الانتهار، فينتهرانه و) يجلسانه، فيقولان له: من ربك، [فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري] فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد؟ فيقول: هاه هاه لا أدري [سمعت الناس يقولون ذلك. قال: فيقال: لا دريت]، [ولا تلوت]، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا الى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: [وأنت فبشرك الله بالشر] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر! فيقول: أنا عملك الخبيث، [فوالله ما علمت إلا كنت بطيئا في طاعة الله، سريعا الى معصية الله]، [فجزاك الله شرا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضرب بها جبلا كان ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار]، فيقول: رب لا تقم الساعة" ذكره الألباني في أحكام الجنائز صفحة 159.

3_ معرفتك للأحاديث التي تبين عذاب النار:
  اعلم أخي المسلم أن هذا الباب واسع، وكلما ازدادت معرفة المسلم فيه، ازداد خوفه من ربه وإخلاصه له سبحانه، ولكني سأذكر الشيء اليسير منه سائلا اللله تبارك وتعالى أن ينفع به عباده:

  _ قال صلى الله عليه وسلم:" ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيا للراكب المرسع" متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث" مسلم .

  _ وقل صلى الله عليه وسلم:" يرسل البكاء على أهل النار، فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود لو أرسلت فيه السفن لجرت" صحيح الجامع رقم 7939.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" منهم من تأخذه النار الى كعبيه، ومنهم من تأخذه الى ركبيته، ومنهم من تأخذه الى حجزته ومنهم من تأخذه الى ترقوته" رواه مسلم.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" متفق عليه.

  _ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال:" هل تدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى الى قعرها فسمعتم وجبتها" رواه مسلم.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان: فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة" متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه" رواه احمد في مسنده. صحيح الجامع 5126.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر اليها. فذهب فنظر اليها، ثم جاء فقال: أي رب: وعزتك  لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره. ثم قال: يا جبريل، إذهب فانظر اليها، فذهب ثم نظر اليها، ثم جاء فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر اليها. فذهب فنظر اليها فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها" رواه أحمد في مسنده وهو في صحيح الجامع 5086.

4_ معرفتك ـ ما استطعت ـ لما أعد الله تعالى للمتقين في الجنة:
  ومن أسباب الرياء والشرك، الشعور باللذة والتنعم بإعجاب الناس ومدحهم وثنائهم، وتقديم ذلك على نعيم الجنة، ـ نسأل الله العافية ـ وذلك تابع لعدم معرفة قيمة الجنة، ولذا رأيت من الضروري أن أذكر شيئا من الأحاديث في نعيم الجنة وما أعد الله للمتقين فيها، وعسى ان ينفع الله تعالى بها.

  _ قال صلى الله عليه وسلم:" المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة، كما يشتهي" صحيح الجامع 6525.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" يدخل الجنة من أمتي زمرة، وهم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" يعطى المؤمن في الجنة قوة مائة في النساء" صحيح الجامع 7962.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة" صحيح الجامع 6163.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". صحيح الجامع 3115.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" صحيح الجامع 3813.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يمخطون ولا يتغوطون، ولا يبولون، إنما طعامهن جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس" رواه مسلم.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها" متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، أو آخر أخل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنه ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب وادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها، أو أن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أو تضحك بي وأنت الملك"، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صحك حتى بدت نواجذه فكان يقول:" ذلك ادنى أهل الجنة منزلة". متفق عليه.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم  وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون الى أهليهم، وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسنا وجمالا. فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا" رواه مسلم.

  _ وقال صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا ولا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". رواه مسلم.

5_ تذكر الموت وقصر الأمل:
  قال الله تبارك وتعالى:{ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} آل عمران 185.

  وقال الله تعالى:{ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} لقمان 34.

  وقال الله تعالى:{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون} المؤمنون 99-100.

  وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.

6_ معرفة قيمة الدنيا وعدم بقائها:
  قال الله تعالى:{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا} الكهف 45.

  وقال تعالى:{ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} فاطر 5.

  عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" متفق عليه.

  وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله؛ فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى عمله".

  وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب،  ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا والله ما مرّ بي بؤس قط ولا رأيت شدّة قط" رواه مسلم.

  فلتعلم إذن أن صبغة واحدة في النار، تنسيط كل تلذذك بالرياء وحبك ثناء الناس عليك.

  وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كنفتيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال:" أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟" فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: "أتحبون أنه لكم؟" قالوا: والله لز كان حيا كان عيبا أنه أسك فكيف وهو ميت. فقال:" فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" رواه مسلم.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" رواه مسلم.

  فإذا أردت أن تكون في سجن الدنيا وجنة الآخرة فاسجن نفسك عن الرياء وحب السمعة والشهرة.

  وقال صلى الله عليه وسلم:"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" رواه الترمذي.

7_ الدعاء:
  فهذا العلاج هو من أجمل الوسائل للقضاء على الرياء والشرك فلا تتوقف عن الدعاء ما استطعت الى ذلك سبيلا، وتحرّ ما استطعت الساعات المستجابة مع مراعاة آداب الدعاء.

  وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يذهب عنا كبار الشرك  وصغاره فقال:" الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسادلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" صحيح الجامع: 3625.

8_ خوفك أن تكون فترة الرياء هي خاتمة عملك:
  قال صلى الله عليه وسلم:" يبعث الناس على نياتهم" صحيح الجامع 7871.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" يبعث كل عبد على ما مات عليه" صحيح الجامع 7872.

9_ الإكثار من أعمال الخير غير المشاهدة وعدم الأخبار عنها لغير ضرورة:
  مثل: قيام الليل، البكاء خاليا من خشية الله تعالى، صوم النافلة، صدقة السر، الدعاء للإخوة في الله بظهر الغيب، صلاتك لما سوى الفرائض في البيت.

10_ مصاحبة من ترى فيهم الإخلاص والصلاح والتقوى:
  قال صلى الله عليه وسلم:" مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك، إما أن تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك، أو تجد منه ريحا خبيثة" رواه البخاري.

  فالمخلص لا يعدمك من إخلاصه شيء، والمرائي والمشرك إما يحرقك في نار جهنم يوم القيامة، أو تجد منه ريح الرياء النتنة التي تزيدك حبا وولعا بالرياء والشرك أعاذنا الله منه.
11_ الخوف من الرياء:
  قال تعالى في حق طائفة من عباده الصالحين:{ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} الطور 25-28. فالخوف من المعاصي هو الذي نفعهم بتوفيق الله تعالى. والذي يخشى الشيء يظل حذرا منه فينجو، أما من يأمن ذلك فإنه يقع فيه، لذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يخشى الشرك، فقد كان أكثر دعائه عليه الصلاة والسلام:" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" كما قالت أم سلمة رضي الله عنها صحيح الجامع 4677.

12_ الفرار من ذم الله:
  ومن أسرار الرياء الفرار من ألم ذم  الخلق والعباد، فهل أنت صادق في الفرار من الذم؟ ففر إذن من ذم الله لك؟ فإن أنت أرضيت الناس بغضبه كرهك وغضب عليك، آلناس تخشى غضبهم؟ فالله أحق أن تخشى غضبه، فأيهما تقدم، خوفك ذم الناس؟ أم خوفك ذم الله؟ وانظر قول الله تعالى:{ أفمن يخلق كمن لا يخلق} النحل 17. ثم اختر ما تشاء وحسابك على الله تعالى.

13_ حبك أن يذكرك الله تعالى وتقديم لك على حب ذكر الخلق لك:
  قال الله تعالى:{ فاذكروني أذكركم} البقرة 152.

  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب اليّ بشبر تقرّبت اليه ذراعا، وإن تقرّب اليّ ذراعا، تقرّبت اليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" صحيح الجامع 7993.

  ألا يسرّك أن يذكرك الله تعالى عند ملأ أفضل من الملأ الذين يحيون على الأرض؟، أم هل فضلت ذكر الناس على ذكر الله، وفضلت الناس على الملائكة؟.

14_  معرفة ما ينفر منه الشيطان:
  إن الشيطان  منبع الرياء والشرك، والشر من نشاطه ـ نعوذ بالله منه ـ وقد تقدم معنا حضوره في كل شيء من شأننا، وإرسال السرايا.
 
فيما ينفر منه الشيطان

1_ عند قولك: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة.

  والدليل على ذلك ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت له مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".

2_ قراءة آية الكرسي عندما تأوي الى الفراش، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه أتاه آت يحثو من الصدقة ـ وكان قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم عليهاـ ليلة بعد ليلة، فلما كان من الليلة الثالثة قال: لأرفعنّك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ـ وكانوا أحرص شيء على الخير ـ فقال: إذا أويت الى فراشك، فاقرأ آية الكرسي {الله لا اله الا هو الحيّ القيّوم} حتى تختمها، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال:" صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان" أخرجه البخاري.

3_ إذا رأى ما يكرهه ونفصث عن يساره ثلاث مرات وتعوّذ بالله من شر ما رأى.

  قال أبو سلمة بن عبدالرحمن: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث  مرات إذا استيقظ، وليتعوّذ  بالله من شرّها فإنها لن تضره إن شاء الله" قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل  علي من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث، فما كنت أباليها، وفي رواية: قال: إن كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث إلامن يحب. وإن رأى ما يكره فلا يحدث به، وليتفل عن يساره (ثلاثا) وليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم من شر ما رأى فإنها لن تضره" متفق عليه.

4_ عند الخروج من البيت وقولك:" بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى".
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال ـ إذا خرج من بيته ـ  بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى ـ يقال له: كفيت، ووقيت، وهديت وتنحى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي". صحيح الكلم الطيب 45.

5_ ذكر الله سبحانه وتعالى عند دخولك المنزل وعند الطعام:
  عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء" رواه مسلم.

6_ عند دخولك المسجد وقولك:" أعوذ بالله العظيم وبوجهه وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم".
  عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه كان أذا دخل المسجد قال:" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم. أبو داود، وصححه الألباني في كتابه صحيح أبي داود 485 وصححه النووي وابن حجر.

7_ عند ندا الأذان: لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء وتفسه، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى" متفق عليه.

8_ عند الإستعاذة منه: لقول الله تعالى:{ وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" فصلت 36.

9_ عند قولك في الصلاة: ( أعوذ بالله منك، ألعنك بلعنة الله ـ ثلاثا) لما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول:" أعوذ بالله منك"، ثم قال:" ألعنك بلعنة الله ثلاثا" وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا له: يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال:" إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قال: ألعنك بلعنة الله التامة، ثلاث مرات فلم يستأخر، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة" أخرجه مسلم.

  وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" ذاك شيطان يقال له: خنرب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا" ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. أخرجه مسلم.

10_ إذا وجد العبد في نفسه شيئا وقال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.
  عن أبي زميل قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما شيء أجده في نفسي ـ يعني شيئا من شك ـ فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئا من ذلك فقل: .. وذكره. أخرجه الألباني في الكلم الطيب.

11_ عند وقوع المصيبة بك وقولك: قدر الله وما شاء فعل؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب الى الله تعلى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله عز وجل، ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء الله فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان" أخرجه مسلم.

12_في حالة قولك عند الجماع:" بسم الله اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا".

  ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا. فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا". متفق عليه.



13_ عند قولك في حالة الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
  عن سليمان بن صرد قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد" متفق عليه.

14_ عند قولك: بسم الله.
  عن أبي المليح، عن رجل قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان، فقال: "لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت،  ويقول: بقوتي، ولكن قل: باسم الله فإنك إذا قلت ذلك، تصاغر حتى يكون مثل الذباب" أخرجه أبو داود، والألباني في الكلم الطيب 237.

15_ عند دعائك بالبركة لما يعجبك، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله، فليبرك عليه فإن العين خق" الكلم الطيب رقم 243 رقم 124.

16_ عند قراءتك المعوذتين:
  فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الجان، وعين الانسان حتى نزلت المعوذتين، فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما". رواه الترمذي وابن ماجه.

17_ عند سجود التلاوة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمره بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه مسلم وأحمد.

18_ عند قراءتك لسورة البقرة:
  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تجعلوا بيوتكم مقابرا، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" رواه مسلم.

19_ عند قراءة القرآن:
  خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي رافعا صوته، فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي وتخفض من صوتك. قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله، وقال عمر: مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك؟ فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع صوتك شيئا، وقال لعمر: اخفض صوتك شيئا". رواه أبو داود والحاكم، وصححه الذهبي.

20_ عند تحريك السبابة في الصلاة:
  فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرك اصبعه يدعو بها ويقول صلى الله عليه وسلم:" لهي أشد على الشيطان من الحديد يعني السبابة" رواه أحمد وغيره. وسئل الامام أحمد هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة؟ قال: نعم، شديدا.

21_ عند  الساعات والأحوال والأوضاع المستجابة:
  وتفصيل ذلك في كتابي الدعاء، فليراجع ذلك من أراد التوسع.




 
الفصل الثالث
ثمرات الإخلاص وويلات الرياء

من الثمرات الحاصلة من الإخلاص لله تعالى:

1_ نصر الأمة: لقوله صلى الله عليه وسلم:" إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم" صحيح الترغيب والترغيب.

2_ نجاتك من عذاب الآخرة، قال تعالى في حق طائفة من المخلصين: { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} الإنسان 8-12.

3_  رفع المنزلة في الآخرة: والآيات والأحاديث كثيرة، من ذلك: ما جاء عن الأبرار في سورة الدهر قول الله تعالى:{ فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا، ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قوارير من فضة قدّروها تقديرا، ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا، عينا فيها تسمّى سلسبيلا، ويطوف عليهم ولدان مخلّدون، إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} الانسان 11-19.

  وقال صلى الله عليه وسلم:" أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة: لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة ـ عود الطيب ـ أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعا في السماء" متفق عليه.

4_ الإنقاذ من الضلال في الدنيا، ومن الأمثلة على ذلك قصة يوسف عليه السلام، وقد تقدمت.

5_ سبب زيادة الهدى، قال تعالى:{ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} الكهف 13.

6_  حب أهل السماء للمخلص، قال صلى الله عليه وسلم:" إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" متفق عليه.

7_ وضع القبول للمخلص في الأرض، للحديث السابق.

8_ الصيت الطيب عند الناس، للحديث السابق، ثم قوله صلى الله عليه وسلم:" ما من عبد إلا وله صيت في السماء، فإن كان صيته في السماء حسنا وضع في الأرض، وإن كان صيته في السماء سيئا وضع في الأرض" صحيح الجامع 5608.

9_ تفريج كروب الدنيا، ومن ذلك قصة الثلاثة الذين كانوا في الغار.

10_ طمأنينة القلب والشعور بالسعادة، قال الله تعالى:{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب} الرعد 28.

11_ تزيين الايمان في النفس، وكره الفسوق والعصيان، قال الله تعالى:{ واعلموا أن فيكم رسول الله، لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم ، ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم، كرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون} الحجرات 7. وقد تقدم معنا كيف كره الله تعالى ليوسف عليه السلام الزنا والفسوق والعصيان وكيف حبب اليه الايمان فكان السجن أحب اليه من نيل وطره بالحرام.

12_ التوفيق لمصاحبة أهل الاخلاص، وصحبة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبعضهم البعض، من أوضح الأدلة على ذلك.

13_ تحمل الصعاب في الدنيا مهما اشتدت، ومن ذلك ثباته صلى الله عليه وسلم، وثبات الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، والسيرة مليئة بالأمثلة.

14_ حسن الخاتمة، ومن ذلك حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم أراد أن يتوب، فبسبب إخلاصه لله تعالى في التوبة، قبض وهو مقبل بقلبه الى الله تعالى.

15_ استجابة الدعاء، وقد تقدم في قصة الغلام المؤمن استجابات كثيرة لأدعيته وكذلك الثلاثة الذين في الغار وباب هذا واسع.

16_ التنعيم في القبر والتبشير بالسرور، وقد أوردنا في معالجة الرياء والاستبراء منه عن عذاب القبر ونعيمه من حديث البراء بن عازب، وكيف أن العمل الصالح يتمثل بصورة رجل حسن الوجه، حست الثياب، طيب الريح، ويقول: أنا عملك الصالح وهو عندما يبشر يقول: أبشر بالذي يسرك.

 
من الويلات الناتجة من الرياء

1_ هزيمة الأمة؛ فقد روينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أسباب نصر الأمة الإخلاص، فإن لم يكن الإخلاص فالهزيمة والدمار.

2_ عذاب الآخرة: قال تعالى:{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون} الماعون، 4-6.

  وقد تقدم في حديث أبي هريرة الطويل عن الثلاثة المعذبين، العالم وقارئ القرآن والذي استشهد، وفيه كيف يسحبون في النار على وجوههم بسبب الرياء.

3_ زيادة الضلال في الدنيا؛ قال تعالى:{ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} البقرة 10، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: شكا أهل الكوفة سعدا، يعني ابن أبي وقاص رضي الله عنه، الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستعمل عليهم عمارا، فشكوا اليه حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل اليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أخرم عنها، أصلي صلاتي العشلء فأركد في الأوليين وأخف في الآخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا ـ أو رجالا ـ الى الكوفة يسأل  عنه أهل الكوفة فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة، يكنّى أبا سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره وعرضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبدالملك بن عمر الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قط قد سقط حاجباه على عينه من الكبر. وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن. متفق عليه.

4_ بغض أهل السماء للمرائي، لقوله عليه السلام:" إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحببه،  فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه،  فيحبه أهل السماء، ثم يوضع القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض" رواه مسلم.

5_ بغض أهل الأرض له، للحديث السابق.

6_ قلق القلب والشعور بالشقاء: قال الله تعالى:{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى} طه 124.

7_ التهديد بسوء الخاتمة، لقوله سبحانه:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} النور 63.

8_  فضيحة المرائي على رؤوس الخلائق، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء، إلا سمّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة" صحيح الترغيب.

 
الفصل الرابع
أحاديث وكلمات في الإخلاص

أحاديث في الإخلاص والتحذير من الرياء من صحيح الترغيب والترهيب:

1_ عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوادع: " نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن، إخلاص العمل لله،  والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم الجماعة، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم".

2_ عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم".

3_ عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله".

4_ عن أبيّ بن كعب قال: قال صلى الله عليه وسلم:" بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الاخرة من نصيب".

5_ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من سمّع الناس بعمله، سمّع الله به مسامع خلقه، وصغره، وحقره".

7_ قال صلى الله عليه وسلم:" ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء، إلا سمّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة".

7_  عن ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال:" ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال،؟" فقلنا بلى يا رسول الله فقال:" الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل".

8_  عن محمود بن لبيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر". قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال:" يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر".

9_ وعن محمود بن لبيد أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال:" الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: 
(اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءا)".

10_ وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك".

11_ عن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال:
خطبنا  أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقام إليه عبدالله بن حزن وقيس ابن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت، أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون، فقال: بل اخرج مما قلت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:" يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل"، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟، قال:" قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".
 
أقوال طيبة في الإخلاص

من كتاب إحياء علوم الدين للامام الغزالي.

1_ إذا أتاك الشيطان وأنت في الصلاة فقال: إنك مراء، فزدها طولا.

2_ وقال قائل: دلوني على عمل لا أزال به عاملا لله تعالى، فقيل له: انو الخير، فإنك لا تزال عاملا وإن لم تعمل. فالنية تعمل وإن عدم العمل.

3_ إني أحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي.

4_ المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.

5_ أخلص النية في أعمالك يكفك القليل من العمل.

6_ تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال.

7_ الإخلاص يميّز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم.

8_ مراد الله من عمل الخلائق الإخلاص.

9_ من شاهد في إخلاصه الإخلاص، فقد احتاج إخلاصه الى الإخلاص.

10_ الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر الى الخالق فقط.

 
من الأقوال التي رويت عن السلف والصالحين في النية والإخلاص
والتحذير من الرياء

من كتاب الزهد لابن المبارك.

1_ ويروى عن الثوري أنه قال: كانوا يكرهون الشهرة من الثياب الجيدة والثياب الرديئة إذ الأبصار تمتد إليها جميعا.

2_ روي عن ابن الجوزي عن الحسن أنه قال: كنت مع ابن المبارك فأتينا على سقابة والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس، فزحموه ودفعوه، فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا، يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.

3_ روي عن النعيم بن حماد أنه قال: كان عبدالله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

4_ روي عن عبدة بن سليمان أنه قال: كنا في سرية مع عبدالله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله، ثم دعا الى البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه وقتله، فازدحم عليه الناس، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبدالله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟

5_ روي عن المبارك أنه قال: سمعت جعفر بن حيان يقول: ملاك هذه الأعمال النيات، فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله.

6_ كان أحد الحكماء يقول: إذا كان المرء يحدث في المجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإذا كان ساكتا فأعجبه السكوت فليحدث.

7_ روي عن مطرف بن عبدالله الشخير أنه قال: لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب اليّ من أن أبيت قائما فأصبح معجبا.

8_ روي عن النعمان بن قيس أنه قال: ما رأيت عبيدة رحمه الله متطوعا في مسجد الحي.

9_ روي عن عبدالله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده زوار وما يشعرون به. ولقد أدركت أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا. لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم. وذلك أن الله تعالى يقول:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية}.

10_ روي عن جعفر بن حيان عن الحسن أنه قال: لا يزال العبد بخير إذا قال، قال لله، وإذا عمل، يعمل لله.

11_ روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن الله لا يقبل من مسمع ولا مراء ولا لاعب، ولا داع إلا دعايا دعاء ثبتا من قلبه.


الإخلاص

Download

About the book

Author :

Hussain Alawayshah

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Morals & Ethics