تربية الأولاد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من أكبر الأمانات وأعظم المسؤوليات تربيةَ الأبناء؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
قال علي رضي الله عنه: "أدِّبوهم وعلِّموهم"، وقال مجاهد: "اتَّقوا الله، وأَوْصوا أهليكم بتقوى الله"، وقال قتادة: "يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله، ويأمرهم به ويُساعِدهم عليه، فإذا رأيتَ لله معصية زجَرتَهم عنها"، وقال الضحاك: "حقٌّ على المسلم أن يُعلِّم أهله ما فرَض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه".
الأولاد أمانةٌ عظيمة لدى الوالدين، لا سيما وقت الصِّغر والضَّعف، فهما مسؤولان عن تربيتهم على محاسِن الأخلاق، ومُطالَبان بتأديبهم بآداب الإسلام؛ لكونهم وُلِدوا على الفطرة، ولتأثُّرهم الكبير بسلوك الوالدين، ولضَعْفهم وعدم تكليفهم قبل البلوغ.
وقد أثنى الله على نبيِّه إسماعيل عليه الصلاة والسلام؛ فقال: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].
وذكر الله وصيَّة لقمانَ لابنه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ثم قال: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 16 - 19].
أيها الآباء، أيها الإخوة، احتَسِبوا الأجرَ فيما تبذُلونه من جُهْد أو مال في تربية أولادكم أو إخوانكم الصِّغار أو أقاربكم؛ فتربية الصِّغار على العقيدة الصحيحة وعلى محبة الله وطاعته وتعظيمه عبادة من أجلِّ العبادات؛ لما يترتَّب عليها من المنافع الخاصة والعامة.
عوِّدوا أولادَكم وإخوانَكم على العبادات منذ الصِّغر؛ ليَألَفوها ويحبُّوها؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].
وروى أبوداود عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله:
"ومن كان عنده صغيرٌ أو يتيم، فلم يأمره بالصلاة، فإنه يُعاقَب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعزَّر الكبيرُ تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصى الله ورسوله".
وقال ابن القيم رحمه الله:
فمَن أَهمَل تعليمَ ولده ما ينفعه وترَكه سدى، فقد أساء غايةَ الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَل الآباء، وإهمالهم وتَرْك تعليمهم فرائض الدِّين وسُننه، فأضاعوهم صِغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا".
أيها المسلمون:
جنِّبوا أولادَكم المُحرَّمات والمُنكَرات، وحذِّروهم منها، واغرِسوا بُغْضَها في قلوبهم، وبيِّنوا لهم مفاسدَها في الدنيا والآخرة؛ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرةً من تَمْر الصدقة فجعلها في فِيه"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كِخ، كِخ))؛ ليَطرَحها، ثم قال: ((أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقةَ؟!)).
وعوِّدوا بناتِكم على الحجاب الشرعي، ومُرُوهنَّ باللباس المُحتشِم، ومَن أخطاء بعض الناس أنه يترك ابنته أو أخته تَلبِس اللباسَ الضيِّق أو العاري بحُجَّة أنها صغيرة وهي بنت سبع سنين أو أكثر!! نعم، لا بأس أن تَنشُر شعرَها؛ لصِغَر سِنِّها، أما أن تُعوِّدها على لِباس العُرْي ولباس الفتنة فلا يجوز ذلك، وقد تستمرئ البنتُ ذلك، وتتعوَّد عليه بعد بلوغها، ويكون عليك نصيب من إثمها؛ لأنك لم تُعوِّدها على العفاف والحياء.
أيها الإخوة:
كونوا قدوةً حسنةً لأولادكم، فمعلوم أن الابن يُعجَب بأبيه، ويحب تقليدَه والاقتداء به، فيجب على الآباء والأمهات والمربِّين ألا تُخالِف أقوالُهم أفعالَهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
أيها الآباء:
انظُروا مَن يُصاحِب أولادَكم؛ فإن الصاحب ساحب، فأَبعِدوهم عن جلساء السوء، ووجِّهوهم إلى مصاحبة الأخيار والصالحين؛ فإن الإنسان على دِين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل ولده.
وما أكثرَ الصالحين في مدارس تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في المساجد! فألْحِقوهم بهذه المدارس التي فيها خير الناس؛ روى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)).
ويا أيها الآباء:
احمُوا أولادَكم من وسائل الإعلام السيئة، وحدِّدوا لهم ما يُشاهِدونه في القنوات الفضائية، فما أكثر الفساد في القنوات! حتى إن كثيرًا من أفلام الكرتون تحتوي على كثير من المُخالَفات الشرعية في العقيدة والسلوك، فالحذرَ الحذرَ من هذه القنوات الهابطة الخبيثة، وإن من الغِشِّ لأولادك أن تَتْرُك لهم هذه القنوات، ويجب عليك أن تقوم بحذفها، فإن لم تفعل فقد غششتَهم، وقد روى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعيَّة، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنةَ)).
أيها الأب الكريم:
اعلم أنك مسؤول عن أولادك؛ روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بَعْلها وولده، وهي مسؤولة عنهم)).
أيها الأب:
ارفق بأولادك في تعليمهم وتأديبهم؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه))، ولا بأس بالحزم أحيانًا، والضرب غير المبرِّح كما قال الشاعر:
فقَسا ليَزدجِروا ومَن يكُ حازمًا
فليَقْسُ أحيانًا على مَن يَرْحَمِ
وأَكثِروا من الدعاء لأولادكم بالصلاح والهداية؛ كما قال تعالى عن المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
اللهم أَصلِح أولادَنا وإخوانَنا، وهَبْ لنا من أزواجنا وذريَّاتنا قُرَّة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، اللهم اجعلنا من المقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبَّل دعاء.
© Avtorske pravice Islam land أرض الإسلام Vse pravice pridržane 2017