About the article

Author :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Date :

Sat, Sep 20 2014

Category :

Fatwa (Q&A)

Download

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 380

الحويني : ... شيخنا في مسألة بالنسبة لمسألة صيام يوم السبت ... .

الشيخ : إذن نفتتح أسئلتكم بخطبة الحاجة التي كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه يعلمها أصحابه فكان يقول ( إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )). )

 أما بعد: فقد ذكرنا في مناسبات كثيرة، أن من الوسائل العلمية الشرعية لتحصيل العلم، إنما هو الإجابة على أسئلة السائلين، كما قال رب العالمين تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ))، ونرجو الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الذكر المتفقهين في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم وعلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، وها أنتم ترون أن أخانا أبا إسحاق جزاه الله خيرا قد جمع لنا كثيرا من المسائل مما يشعر بالحاجة إليها إخواننا المسلمون في مصر وقد يشاركهم فيها كلها أو في جلها أو في بعضها سائر المسلمين في بلاد الإسلام، ولذلك فإني أرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقني الى الإجابة عنها كلها أو جلها أو بعضها على الأقل، ونعتذر عن الإجابة عما لا نعلم، فإن من العلم أن نقول لما لا نعلم: لا نعلم، فهاتها بارك الله فيك.

السائل : بالنسبة لمسألة صيام يوم السبت هذه إنها مسألة تكاد تكون جديدة على الأفهام فاعترضها بعض المنتسبين إلى العلم في مصر فحدث نوع من البلبلة، فنرجوا إفاضة حقيقة هذه المسألة، والإجابة عن الشبهات التي تعترض هذا الحكم، لاسيما أحيانا يوم السبت قد يوافق يوم عرفة وقد يوافق مثلا يوم عاشوراء؟

الشيخ : الحقيقة أن هذه المسألة لكثرة ما سُئلتُ عنها وأجبت عنها تارة بالتفصيل دون مناقشة أو مجادلة، وتارة مع التفصيل مع تلقي الاعتراضات والأسئلة، ومن هذا النوع ما كان في هذه السّفرة الأخيرة في المدينة المنورة، وقد كان في ذلك المجلس بعض أفاضل أهل العلم من الدكاترة وغيرهم من المدرسين في الجامعة الإسلامية، فلا أدري إذا كان من المفيد أن نخوض مرة أخرى في مثل هذه المسألة، وإن كانت النفس لا تنشط عادة لتكرار ما مضى فيه البحث مرارا وتكرارا، وعلى كل حال فأنا أَكِلُ، أقول لعل عند الأخ هنا أشرطة، ومع ذلك فأنا معكم إن رأيتم أن نخوضها مرة أخرى فعلتُ إن شاء الله وأرجو من الله التوفيق. ترى ذلك؟

السائل : نعم جزاك الله خيرا.

الشيخ : ترى ذلك القضية في الواقع كما أشرت إليها في مطلع كلامك أنها مفاجئة بالنسبة لعامة الناس وبخاصة الذين لا يُشغلون أنفسهم بدراسة السنة، وإنما هم قد يراجعون من كتب السنة ما يوافقون فيها مذاهبهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا الحديث كان في الحقيقة مع أنه قد ورد في بطون كتب السنة التي حفظها الله تبارك وتعالى لنا من باب حفظه للقرآن الكريم، كما قال عز وجل: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))، لقد كان هذا الحديث محفوظا في كتب السنة، ولكن لما كان دراسة السنة كادت أن تُصبح نسيا منسيا في آخر الزمان هذا، ولذلك فإذا ما أثير مثل هذا الحديث المحفوظ في بطون الكتب جاء غريبا على أذهان الناس، وبخاصة إذا كان مخالفا لما جاء في بعض المذاهب وما كان مخالفا لما اعتادوا عليه من العبادات سواءً ما كان منها من السنن أو المستحبات. ويعود عهدي للانتباه لهذا الحديث حينما كنت شرعت بتخريج كتاب منار السبيل في الكتاب المعروف لدى طلاب العلم اليوم بإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، فقد مر هذا الحديث في ذاك الكتاب -منار السبيل- وهو في الفقه الحنبلي فوجدت نفسي مضطرا للعناية به خير ... فجريت على تخريجه تخريجا علميا كما هو ديدني بالنسبة للأحاديث التي نتبناها تصحيحا أو تضعيفا، فوجدت هذا الحديث من الناحية الحديثية لا مناص للباحث من تصحيحه؛ لأن له طرقا كثيرة وبعضها صحيح لا إشكال ولا ريب فيه، وذلك كله مشروح في الكتاب المشار إليه إرواء الغليل. وبعد أن اطمأننت لصحة الحديث كان لابد لي من التوجه لدراسة الحديث من الناحية الفقهية، وجدت الحديث صريح الدِّلالة لا يقبل نقاشا ولا جدلا في أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى فيه عن صيام يوم السبت إلا في الفرض فقال عليه الصلاة والسلام -نذكر هذا الحديث تذكيرا للحاضرين، أو تنبيها للغافلين- فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه )، ( ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه )،لم يقتصر هذا الحديث على الأمر بإفطار يوم السبت إلا في الفرض؛ بل أضاف إلى ذلك تأكيدا بالغا بقوله عليه الصلاة والسلام ( ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة )، ولحاء الشجرة هو القشر الذي ليس من عادة الناس أنْ يستفيدوا منه إلا حطبا للنار، بالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في الأمر بإفطار يوم السبت فقال: ( ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة ) فتأملت في هذا الحديث فوجدته نصا صريحا في أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في الفرض. وكلمة الفرض هنا لا يقتصر - كما توهم بعض الدكاترة - الصوم في رمضان فقط، بل هو أعم من ذلك؛ لأن من الفرض قضاء مما عليه من رمضان، ومن الفرض مثلا صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي بالنسبة للمعتمر، وهكذا من الفرض من كان نذر عليه صياما معينا فعليه أن يلتزم ذلك؛ لأنه بالنذر صار فرضا، وهكذا. والشاهد أن هذا نقطة وقفنا عندها لأننا وجدنا بعضهم يتوهم أن هذا الاستثناء ينحصر في رمضان فقط، والأمر أوسع من ذلك؛ ولكنه مع هذه التوسعة فيما يتعلق فيما كان فرضا، فهذا الاستثناء ينفي بكل صراحة ما لم يكن فرضا. على ذلك تأتي الإشكالات التي أشار إليها أخونا أبو إسحاق آنفا .

الشيخ : فإذا اتفق صوم يوم عرفة يوم السبت فماذا يفعل المتسنن والمتّبع لهذا الحديث الصحيح بعد أن يتفهّم معناه؟ نحن نقول كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( إلا فيما افترض عليكم ) وصيام يوم عرفة مع الفضيلة المعروفة في السنّة فهو ليس فرضا، كذلك إذا اتفق مثلا يوم عاشوراء كان يوم سبت، فالجواب هو الجواب. وقد قرّبنا هذه المسألة لبعض المتوقِّفين عن العمل بهذا الحديث الصحيح الصريح، قرّبنا لهم ذلك بمسألتين اثنتين: الأولى تتعلق بقوله عليه الصلاة والسلام ( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ) وقلت بكل صراحة إن الذي يفطر مثلا يوم عاشوراء أو يوم عرفة لموافقته ليوم السبت لا يتركه كسلا ولا هملا ولا رغبة عن الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء وفي صيام يوم عرفة وإنما يترك ذلك لله، وإن الأمر كذلك فالذي يفطر يوم عرفة لموافقته ليوم السبت يكون أجره عند الله عز وجل -فيما نحسِب- أكثر من الذي يصومه لأن الذي أفطره، أفطره وتركه وترك صيامه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي نهيه عن صوم يوم السبت إلا فيما أفترض علينا، أما الذي صامه فقد صامه رغبة في الأجر المنصوص عليه في الحديث. ولكن هنا لابد لنا من لفتة نظرٍ إلى مسألة فقهية هامة أصولية هامة، ثم يأتي الأمر الثاني الذي أشرت إليه آنفا، إذا تعارض حكمان أو حديثان من الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام أحدهما يبيح شيئا والآخر ينهى عنه أو يُحَظِّر عنه أو يحرِّمه، فهنا من قواعد التوفيق في علم أصول الحديث أنه يُقدَّم الحاظر على المبيح. الآن في الصورة السابقة صوم يوم عاشوراء أو صوم يوم عرفة وقد اتفقا مع يوم السبت، وقد نهينا عن صيام يوم السبت كما ذكرنا، حينئذ لا بد من تطبيق القاعدة التي ذكرتها آنفا؛ تقديم الحاظر على المبيح، يقول لا تصوموا يوم السبت إلا في الفرض، ويوم عاشوراء ويوم عرفة ليسا فرضا هو مباح بل هو مستحب، لكن إذا تعارض الحاظر مع المبيح قُدِّم الحاضر على المبيح، قربنا لهم بالحديث الذي ألمحت إليه أولا وهو الشيء الثاني الحديث الأول ( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ). الشيء الآخر وهو مهم جدا ولعله يزيل الإشكال والاضطراب من بعض الأذهان إذا اتفق يوم الاثنين ويوم خميس يوم عيد، وكلنا يعلم إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وآله سلم نهى عن صوم يوم العيد؛ عيد الفطر أو عيد الأضحى، فهما يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيامهما كما جاء ذلك في صحيح البخاري وغيره، فإذا اتفق أن يوم الفطر أو يوم الأضحى يوم الاثنين أو يوم الخميس أيهما يقدم على الآخر، لقد كان الجواب بإجماع الحاضرين من المشايخ والدكاترة أنه يُقَدَّم النهي هاهنا على فضيلة صيام يوم الاثنين وصيام يوم الخميس، فسألناهم تحت أي قاعدة يدخل جوابكم هذا -وهو صحيح- حينما قدَّمتُم النهي عن صوم يوم العيد على فضيلة صوم يوم الاثنين ويوم الخميس، أليس أنكم قدَّمُتم الحاظر على المبيح؟ لقد أقروا على ذلك، فقلنا لهم ما الفرق حين ذاك بين أن يتفق يوم سبت مع يوم عرفة أو يوم عاشوراء، لا فرق بين هذه الصورة وبين الصورة التي اتفقنا جميعا على تغليب الحاظر على المبيح؛ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومي العيد وحضّ على صوم يوم الاثنين والخميس فاتفق صوم يوم العيد يوم خميسٍ أو يوم اثنين، ماذا فعلنا هنا؟ كما قلت آنفا قدمنا الحاظر على المبيح. وشيء آخر ربما لم أذكره في ذلك المجلس وألهمني الله عز وجل أن أذكره الآن وهو إن صوم يوم الاثنين والخميس أمر عام؛ أي كلما تردد يوم الاثنين بتردد الأسبوع وكذلك الخميس، أستحب للمسلم أن يصومهما، فكأن هذا هو نص عام أن يصوم المسلم كل يوم خميس كما ثبت عن الرسول عليه السلام وكل يوم اثنين، فإذا جاء النهي فذلك من باب الاستثناء للقليل من الكثير، وهذا من جملة الطرق التي يوفّق العلماء بها بين الأحاديث التي يظهر التعارض بينها أحيانا. فإذن الأصل الحض على صوم يوم الاثنين والخميس فإذا تعارض هذا الأصل مع نهي عارضٍ، هنا يعرض يوم السبت وهناك يعرض يوم العيد فقدمنا العارض على الأصل جمعا بين النصوص. لهذا أنا أقول بأنه لا إشكال إطلاقا في إعمال هذا الحديث على عمومه، وهو قولٌ قد قال به بعض من مضى من أهل العلم كما حكى ذلك أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار.

فلا ينبغي للمسلم بعد مثل هذا البيان أن يتردد أو أن لا يبادر إلى الانتهاء عما نهى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم  عنه ركونا منه إلى القاعدة العامة وإلى الفضيلة الخاصة التي جاءت في بعض الأيام الفضيلة، ولكنها تعارضت مع نهي خاص، فهذا النهي إذن مقدم أولاً لأنه خاص والخاص يقضي على العام، ولأنه حاظر والحاظر مقدّم على المبيح، وقبل ذلك كما ذكرنا لكم في مطلع هذا الجواب ( من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه ). لذلك لن يطمئن القلب ولم ينشرح الصدر للذين تأولوا حديث النهي عن صيام يوم السبت بأنه مقصود منفردا، فإذا انضم إليه يوم آخر جاز لسببين اثنين: أحدهما يمكن أن نستشفه وأن نكتشفه من الكلام السابق وهو أنّ الحاظر مقدم على المبيح. والشيء الثاني أنّ هذا التقييد معناه الاستدراك أو لنقل بما هو ألطف من ذلك معناه أنه شبه استدراك على استثناء الرسول عليه الصلاة والسلام وبدون حجة قوية ملزمة: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإلا مقرونا بغيره. هذا أعتبره شبه استدراك، على من؟ على أفصح من نطق بالضاد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان حديث ( أنا أفصح من نطق بالضاد ) من حيث الرواية لا أصل له، لكن من حيث الواقع فهو بلا شك أنه عليه الصلاة والسلام أفصح من نطق بالضاد، وإذا كان الأمر كذلك فالاستدراك عليه بمثل هذا الاستثناء الثاني -لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم وإلا مقرونا بغيره- تُرى هل من شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يريد هذا الاستثناء الثاني -إلا مقرونا بغيره- أليس يكون أفصح من أن يقتصر عليه السلام على قوله إلا فيما أفترض عليكم؟

 

الشيخ : الذين ذهبوا إلى هذا التقدير الثاني الذي استهجن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو في المعنى وليس في اللفظ إنما احتجوا بحديث جويرية لما دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي صائمة يوم الجمعة قال لها ( أَصُمت أمس ) قالت: لا، ( تريدين أن تصومي غدا ) قالت: لا، قال لها ( فأفطري )، وكذلك حديث مسلم ( لا تختصّوا ليلة الجمعة بقيام ولا نهارها بصيام، ولكن صوموا يوما قبله أو يوما بعده ) والجواب على هذا أظن أيضا سبق فيما تقدّم من الكلام؛ إنّ هذا الحديث يبيح صيام السبت إذا ما صام الإنسان يوم الجمعة، فهنا يعترضنا صورتان تتعلقان في صيام السبت: إما أن يكون قد صام يوم الجمعة فحينئذ تنفيذا لهذا الأمر لا بد أن يصوم يوم السبت. والصورة الأخرى أن يصوم يوم السبت ومعه الأحد وليس معه الجمعة، هذه الصورة الثانية لا دليل عليها إطلاقا؛ صيام يوم السبت وصيام يوم الأحد، أما صيام يوم السبت من أجل الخلاص أو التخلص من صيام يوم الجمعة المنهي صومه مفردا، فهذا فيه هذا الحديث، فلو كان لنا أن نقف عند هذا الحديث ولا نطبّق القاعدة السابقة ولا بد منها وهي أن هذا يبيح لمن يريد أن يصوم يوم الجمعة أن يصوم يوم السبت، لكنّ الحديث الذي نحن بصدد شرحه والكلام عليه قلنا أنه حاظر والحاظر مقدّم على المبيح، فلو أردنا أن نُعمل حديث جويرية وما في معناه إعمالا خاصا، حينئذ لا ينبغي أن نضرب حديث النهي عن صوم يوم السبت مطلقا، وإنما نقول نستثني أيضا هذه الصورة الخاصة وهي صيام يوم الجمعة مع يوم السبت. هذا إذا لم يمكن تطبيق قاعدة الحاظر مقدم على المبيح، وذلك ممكن. هذا ما لديّ حول هذا السؤال، فمن كان عنده شيء من العلم نستفيده، أو من السؤال يوجهه، فننظر فيه ونرجو الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لمعرفة الحق والعمل به، ولكني أقول شيئا: ما دام أن السؤال مصري فأرجو أن نسمع من ممثل أهل مصر إن كان عنده شيء هذا من باب التقديم والتفضيل للأَولى، فإن كان ليس عنده شيء فكما قلت الأمر مشاع. عندك شيء تفضل

السائل : النهي عن صيام يوم السبت عام، وصيام يوم الجمعة ويوم قبله أو بعده خاص، فنخصص صيام يوم السبت.

الشيخ : سؤالك سبق الجواب عليه بارك الله فيك. سبق الجواب عليه أو ما انتبهت؟

السائل : ... .

الشيخ : أنا قلت أخيرا، وأكرر ما قلت: ( حديث صوموا يوما قبله ويوما بعده )، قلت إذا لم نعمل قاعدة الحاظر مقدم على المبيح تبقى هذه الجزئية خاصة وهو أن يصوم يوم السبت، أما جاء يوم عرفة وما صمنا شيئا فنصوم يوم عرفة واليوم يوم سبت؟ الجواب: لا، الحاظر مقدم على المبيح. لكني اقول من سلم بهذا فينبغي أن يسلم أيضا بخلاف ما ذكرت آنفا وأنا أجبت عنه، قلت آنفا يمكن أن يقال أن صوم يوم الجمعة مع يوم السبت مستثنى، طيب، لكن هل هذا تخريج صحيح من الناحية العلمية الأصولية؟ الجواب: لا، لأن الإذن بصوم يوم السبت مع الجمعة هو إذنٌ وليس من باب الإيجاب، واضح إلى هنا، وإذا الأمر كذلك فلا فرق بين أن تصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم السبت وبين أن تصوم يوم السبت مع يوم الجمعة؛ لأن كل هذه الصيامات -إذا صح التعبير- داخلٌ في الإباحة وفي الإذن، وإذا تعارض المباح أو المبيح مع الحاظر قُدِّم الحاظر على المبيح، واضح الجواب بالنسبة لسؤالك؟

السائل : لكن يا شيخ ..

الشيخ : أسألك قبل أن تقول فيه أو ما فيه: واضح الجواب؟

السائل : واضح الجواب.

الشيخ : الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب؟

السائل : النهي عن يوم السبت؟

الشيخ : دعوه يا أخي هو السائل وهو يجيب بمعنى أنا أجيب لك صورة إنسان يريد أن يصوم يوم الجمعة وهو يعلم أن بعده يوم السبت زائد يعلم أن يوم السبت منهي عن صيامه، أيجوز له أن يصوم يوم الجمعة ليتبعه بصيام يوم السبت وهو مستحضر أنه قد نُهي عن صيام يوم السبت؟ واضح هذا السؤال؟ وأظن الجواب أنه لا يجوز له.

الشيخ : طيب غيره، تفضل.

السائل : من عدم جواز صيام يوم السبت هل يجوز للمسلم ... أن ينذر صيام يوم السبت؟

الشيخ : لا، ما يجوز أن يتقصّد ذلك لكن إن وقع له وجب الوفاء به.

السائل : هل يكون نذرا في طاعة الله

الشيخ : هل يكون ايش ؟

السائل : هل يكون نذرا في طاعة الله لو نذر ذلك، يعني يلزمه الوفاء؟

الشيخ : إذا نذر وهو يعلم لا يكون نذر طاعة، ولكن كما أنت تعلم الآن بدون نذرٍ يصومون يوم السبت بمناسبة من المناسبات التي ذكرناها، فهل نقول هذا الصيام صيام معصية بالنسبة لأولئك الناس؟ لا نقول لهم أنه صيام معصية، أما بالنسبة إلينا وقد عرفنا نهي الرسول عليه السلام عن صيام يوم السبت، فهو بالنسبة إلينا معصية، يعني قضية تدخل في موضوع أنه ليس لأحد من المسلمين أن يفرض رأيه فرضا على عامة المسلمين، وإنما هو يعرض ما عنده من العلم فمن اقتنع به فَبِهَا، ولزمه ما يلزم المقتنع الأول وإلا فهو يمشي على قناعته السابقة .

الشيخ : تفضل

السائل : يا شيخ ( أفضل الصيام صيام داود، إفطار يوم وصيام يوم )، فهل يعتبر هذا مبيح؟

الشيخ : مكانك راوح، الجواب سبق .

الشيخ : تفضل

الحويني : بالنسبة لحديث: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )

الشيخ : كيف ؟

الحويني : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )، فغالب المشايخ عندنا استنكروا جدا هذه الفتوى

الشيخ : نعم

الحويني : وقالوا لو كان الأمر كذلك لكان نقل إلينا بالاضطرار والأسانيد المتكاثرة، انتقال الصحابة الذين تفرقوا في الأنصار إلى أحد المساجد الثلاث، وحيث لا يوجد ذلك إذن لا يصح هذا الحكم، وما كل حديث صحيح يكون عليه العمل.

الشيخ : الله أكبر

الحويني : وزيادة حقيقة فإن فضيلتكم لم يكتب شيئا لم ينشر إلى الآن بخصوص هذه المسألة، فنريد نحن أن نجيب عن حجج هؤلاء.

الشيخ : ... أنا كتبت بعض الشيء، رأيتم رسالة قيام رمضان؟

الحويني : أنا رأيتها، لكن هذا مختصر جداً

الشيخ : مختصر

السائل : جداً، يعني نريد أن نشفيهم إن شاء الله.

الشيخ : طيب، أولا يؤسفني أن نقول، هذه شنشنة نعرفها من أخزم، وهي رد الأحاديث الصحيحة بالجهل بالعامل بها، رد العمل بالحديث الصحيح للجهل بمن عمل بها، وهنا قلت من قريب ومن بعيد إن الله عزّ وجلّ تعهد للمسلمين أن يحفظ لهم دينهم بحفظ الكتاب والسنَّة الصحيحة، ولم يتعهد لهم أن يحفظ لهم في كل حديث من عَمِلَ به من المسلمين، وهذا ما صرّح به الإمام الهاشمي القرشي المطّلبي الإمام الشافعي في رسالته المسمّاة بهذا الاسم الرسالة، قال: " الحديث أصل في نفسه "، فإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكانت دلالته واضحة وجب العمل به لأنه أصل في نفسه ولا نتوقف عن العمل به حتى نجد من سبقنا إلى العمل به. نعم أنا مقتنع تماماً أن الحديث إذا كان يحتمل أكثر من وجه في معناه فهنا لابد لطالب العلم من أمثالنا أن يجد من سبقه إلى تفسير الحديث بالفهم الذي هو يجنح إليه حتى يكون ذلك له مستنداً في أنه لم يسئ فهم الحديث، أما إذا كان الحديث واضح المعنى جليا كالمبنى فحينئذ لا حاجة للمسلم أو لطالب العلم أن يتوقف عن العمل بالحديث لأنه أصلٌ في نفسه. فحديثنا هذا -ولعل بعضكم سمعه- وهو قوله عليه السلام: ( لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد ) فهو على وزان الحديث المعروف، والمعروف عند كثير من المسلمين، والمجهول عند آخرين منهم، إما أن يكون مجهولاً روايةً ودرايةً وإما أن يكون مجهولا دراية ومعروفا رواية، ألا وهو حديث: ( لا تشدُّ الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد )، على وزان هذا الحديث جاء الحديث الذي نحن في صدد الكلام حوله: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) وذكرها، القول بأن هذا الحديث لا يجوز العمل به لأنه لم يعمل به أحد من السلف فهذا تعطيل للعلم بالجهل، العلم هنا كما ابن قيم الجوزية رحمه الله

" العلم قال الله قال رسوله          قال الصحابة ليس بالتمويه "

... الى اخره العلم قال الله قال رسوله، فإذن نحن ما نقول رأيا من عندنا، وإنما نقول قال نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( لا اعتكاف إلا بالمساجد الثلاثة )، هذا علم ، بماذا رُدّ هذا العلم؟ بقول من سمعتم الإشارة إليهم: لا نعلم، قولهم: لا نعلم جهلٌ، لا نعلم من عمل بهذا الحديث، هذا لو سُلِّمَ لهم هذا الجهل ولم يكن عندنا علم آخر وهو أن بعض السلف قد عمل بهذا الحديث، ألا وهو حذيفة بن اليمان وهو راوي الحديث حيث أنكر -وعلى صحابي جليل- وأصحابه من التابعين وهو عبد الله بن مسعود الذين كانوا يعتكفون في بعض المساجد، أظن في البصرة، فاحتجّ حذيفة على هؤلاء المعتكفين بأنه سمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم هذا الحديث الصحيح: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )، فإذن قد أثبتنا العلم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بهذا الحديث وأثبتنا أن أيضا أن بعض السلف عمل بهذا الحديث وأنكر تماما كما ننكر نحن اليوم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة وقبل أن أنتهي من الكلام أو التعليق على هذا الحديث، لقد كان من عواقب فتح باب الاعتكاف في كل مسجد أن ظهرت بدعة عامة في كثير من البلاد حيث يكتب على قطع من الورق بخط كبير تعليما للداخلين إلى المسجد: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه، من أين جاءت هذه البدعة؟ من فتح باب الاعتكاف في كل مسجد. ثم أريد أن ألفت النظر، نظر هؤلاء الريبيين والشكاكين في هذا الحديث وفي من عمل به من السلف، هل الاعتكاف المشروع مشروع في كل مسجد سواء كان مسجدا جامعا أو كان مسجدا غير جامع أو كان مصلى أو كان دارا؟ فما كان جوابهم عن هذا السؤال فهو جوابنا وعندنا حيطة نستند فيها إلى حديث ( لا اعتكاف )، فإذا قال قائلهم مثلا سيقول الكثيرون -ولعل فيكم بعض الحاضرين- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سيقولون: لا يجوز الاعتكاف في البيت، سنقول له ما الدليل؟ أعندك نهي عن رسول صلى الله عليه وسلّم عن الاعتكاف في الدار؟ لا شيء من ذلك إطلاقاً، ثم نرتقي درجةً فنقول ما رأيك في الاعتكاف في .. -ولو أنني خالفت بعض الآداب التي يذكرها بعضهم- ما تقول في الاعتكاف في مُسَيْجِدْ؟ لأنهم يقولون لا يجوز تصغير مسجد إلى مُسَيْجِدْ، لكن بدل أن أقول: ما قولك في الاعتكاف في مسجد صغير أقول -لأنه لا نهي في ذلك-: ما قولك في الاعتكاف في مُسَيْجِدْ، سيقول كذلك بعضهم لا كله: لا يجوز، وهكذا لا أزال أرتقي حتى أصل إلى المسجد ليس المُسَيْجِدْ، ولكن ليس مسجداً جامعاً، أي تصلى فيه الجمعة، هل يجوز الاعتكاف في مثل هذا المسجد الذي لا تصلى فيه الجمعة، فإن قال يجوز، قلنا هاتوا برهانكم، وإن قال لا يجوز، قلنا هاتوا مستندكم. وهكذا إلى أن لا نجد نفيا إلاَّ هذا الحديث: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ). هذا ما عندي جواباً أيضا عن هذا السؤال. فإذا كان لأحد كلام، أسمعه إن شاء الله.

السائل : يقولون أيضا أن هذا الحديث كان موجوداً تحت بصر الأئمة المجتهدين ومع ذلك لا يؤثر على واحد منهم، -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- سواءاً من المذاهب من الأئمة المتبوعين المعروفين أو من غيرهم أنه أفتى بمقتضى هذا الحديث، وهذا مما يضعف دلالته.

الشيخ : لا، هذا ليس مما يضعف دلالته، مما يضعف اسناده، هذا جرح، على كل حال أنا أقول كما تعلمنا من بعض المشايخ من الأحياء الأموات، هم ماتوا لكن خلّفوا آثارهم، تعلمنا منهم أن نقول في مثل هذه المناسبة: أثبت العرش ثمّ انقش أعني نقول لهم: ما دليلكم على أن هذا الحديث كان تحت بصر الأئمة المجتهدين ثم لم يعملوا به، هذه مجرد دعوى، والدعاوي ما لم تقيموا عليها بيّناتٍ أبناؤها أدعياء، ثانيا: بل ثالثا: ما هو المفروض في إمام من أئمة المسلمين إذا جاءه الحديث صحيحاً صريحا، صحيح السند صريح الدلالة، جاءه هكذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، آلمفروض فيه هو الإعراض عن العمل به أم المبادرة إليه والخضوع له والاستسلام كما قال رب العالمين في القرآن الكريم: (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))، لا شك أن الجواب عن مثل هذا السؤال هو أنهم عند حسن ظننا، أنهم إذا جاءهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم صحيحاً صريحا أن يخضعوا له، وأن يعملوا به، فكيف هم يعكسون الأمر ويزعمون بأن هذا الحديث كان تحت بصر الأئمة ثم لم يعملوا به، هذا شيء، وشيء آخر: لقد أنكر الإمام الشافعي رحمه الله على رجل قال له: أنت تقول كذا، حسب ما جاء في الحديث، وفلان من العلماء المعروفين في ذاك الزمان يقولون بخلاف قولك، يقول له مستنكراً بصيغة استنكار شديدة جداً، يقول له: " أتراني قد خرجت من الكنيسة!! أتراني أشد الزمار من وسطه حتى أدع العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلّم لقول فلان وفلان!! " هذا شيء وشيء وشيء، قول الإمام الشافعي أيضاً: " ما من مسلم إلا وتخفى عليه سنّة من سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم فهما أصّلت من أصل أوقلت من قول، وقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، فخذوا بقوله صلى الله عليه وسلّم ودعوا قولي "، أو قال: " فاضربوا بقولي عرض الحائط " هذا هو موقف العلماء. والذين يقولون بأن هذا الحديث كان تحت بصر العلماء ومع ذلك لم يأخذوا به إنما يتهمونهم في دينهم وهم يشعرون أو لا يشعرون ما أدرى، لعلهم يريدون أن ينقذوا أنفسهم من المخالفة في طريق أن يرموا الأئمة في المخالفة حتى تبرأ ذمتهم بزعمهم من العمل بهذا الحديث الصحيح. خلاصة الكلام: هب أن هذا الحديث أو أي حديث آخر كان تحت بصر إمام أو أئمة من أئمة المسلمين، هل يجوز لمن بلغه هذا الحديث الذي يقطع بأنه كان قد علم به بعض علماء المسلمين ولكنه لرأي له لاجتهاد له لم يعمل به، أفيجوز لمن ثبت عنده وثبت وجوب العمل به أن يدع الحديث لأن فلان وفلان من العلماء لم يأخذوا بهذا الحديث؟ الجواب أيضا معروف من كلمات الأئمة الأربعة، والتي منها وقد اتفقوا عليها: " إذا صح الحديث فهو مذهبي "، ومعلوم بصورة تفصيلية من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى، وهي التي طبعت مراراً وتكرارا بعنوان: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، فإن الباحث في السنَّة، والباحث في أقوال الأئمة الأربعة فضلا عن غيرهم يجد كل واحد منهم قد ترك العمل بحديث ما ونستعير العبارة التي نقلها آنفاً لكي نضعها في موضعها، نعلم أن بعض الأحاديث كانت تحت بصرهم ومع ذلك لم يعملوا بتلك الأحاديث لكنها قد وصلت إلينا دون أن يصل إلينا ما يعارضها فهل نحن ندع العمل بها لأنهم تركوا العمل بها وقد كانت تحت بصرهم فعلاّ ؟

الشيخ : من الأمثلة الكثيرة والكثيرة جدا على ذلك: الإمام أبو حنيفة، ومن تبعه من تلامذته الملازمين له، من أبي يوسف، ومحمد بن حسن الشيباني، ثمّ من جاء بعدهم إلى يومنا هذا ومن كان معاصرا لأبي حنيفة من الكوفيين، الذين كانوا لا يرون رفع اليدين مثلا عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، والحديث في ذلك ثابت في الصحيحين وفي غيرهما أولاً، وهو أيضا كان مما وقع تحت بصرهم ثانياً، فهل ندع العمل نحن بهذا الحديث؟ الجواب: لا، لأننا لم نجد حجة الذين تركوا العمل بهذا الحديث حجةً قوية، وعلى العكس من ذلك، وجدنا من عمل بهذا الحديث حجتهم أقوى. حجة من قال: لا رفع إلا عند تكبيرة الإحرام قالوا: ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال لأصحابه: " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فرفع يديه ثمّ لم يعد ". لكن قد جاءت أحاديث تترى عن ابن عمر ومالك ابن الحويرث وأبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، قالوا: " كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم يرفع يديه عند افتتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه "، وقالوا القاعدة الأصولية التي جرى عليها العلماء في غير هذه المسألة تقول: المثْبِتْ مقدم على النافي، الذي روى الرفع عند الركوع أثبت، وابن مسعود نفى، ومع جلالة ابن مسعود، نقول أن المثبت مقدم على النافي، وقد ألف الإمام البخاري أمير المؤمنين بحق في الحديث، ألف رسالةً خاصة وهي المعروفة بجزء رفع اليدين في الصلاة، وقد احتج على أهل الكوفة الذين لم يأخذوا بأحاديث الرفع، عند الركوع والرفع منه، والذين لم يأخذوا -لا نقول خفي عنهم الحديث، لا - كان تحت بصره، ولكن لشبهة عرضت لهم تركوا العمل بهذه الأحاديث المثبتة، فحاججهم الإمام البخاري بما جاء في الصحيح، في صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم في فتح مكة، دخل مكة فاتحا ثم بعد أن نظفها من الأصنام التي كانت منصوبة على الكعبة، دخلها وصلى فيها ركعتين، فبلال رضي الله عنه دخل مع النبي وصلى معه في جوف الكعبة، ولما خرج عليه الصلاة والسلام وخرج بلال تلقّاه عبد الله بن عمر فسأله: ماذا فعل الرسول عليه السلام في الكعبة؟ قال: " صلى ركعتين بين العمودين - تحديد دقيق-  وكان بينه وبين جدار القبلة ثلاثة أذرع "، أما عبد الله ابن عبّاس -ترجمان القرآن- قال لم يصلي الرسول عليه السلام في الكعبة وإنما صلى في قبل الكعبة في اتجاهها خارجاً عنها، يقول الإمام البخاري: فأخذ العلماء قاطبة بحديث بلال الذي رواه عنه ابن عمر، لماذا؟ لأنه مثبِت لأنه رأى الرسول عليه السلام دخل الكعبة وصلى ركعتين وبذلك الوصف الدقيق، آثروا رواية ابن عمر عن بلال لأنها مثبتة وتركوا رواية ابن عبّاس لأنها نافية، والمثبت مقدّم على النافي، وهذه القاعدة الأصولية قبل أن تكون أصولية هي قاعدة بدهية عقلية، لأن الإنسان بسجيته وطبيعته وفطرته إذا جاءه خبران متناقضان أحدهما يقول مثلا ... والمخبران، لابد من هذا الشرط: والمخبران كلاهما ثقة، أحدهما قال مثلا أبو إسحاق حضر الموسم، وآخر قال: لا ما حضر ما رأيته، فقول من يقدَّم؟ المثبت مقدّم على النافي، هذه قاعدة منطقية عقلية، ولذلك ترك أبو حنيفة وأهل الكوفة ومن جاء بعدهم الرفع، فهل نتركه نحن؟ نقول: لا، المثبت مقدّم على النافي، وذاك إمام وله اجتهاده ولا نعيره ولا نعيب عليه وله أجره عند الله على كل حال. إذن إذا جئنا إلى مثل حديث النهي عن صيام يوم السبت ولم نعلم أن احدا من الأئمة المشهورين أخذ به وقد علمنا اضافة ونافلة في العلم من عمل به من بعض العلماء المتقدمين أو جاءنا حديث ( لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد ) اذن نعلم أن أحد الأئمة عمل به لكننا علمنا أن بعض من سلف قد عمل به فحسبنا أن يكون الرسول عليه السلام قد قال ذلك وثبت لدينا وليس لنا .