ضوابط ومعايير في ترجمة معاني القرآن الكريم

ضوابط ومعايير في ترجمة معاني القرآن الكريم

 

ضوابط ومعايير 

في ترجمات معاني القرآن الكريم

 

 

أحمد الأمير

 

المركز الأوروبي للدراسات الإسلامية

أثينا اليونان

الطبعة الأولى

[email protected] 

 

 

 

 

الفهرس

المقدمة

الباب الأول: مشكلات الترجمات الشرعية:

- مشكلات خاصة / مشكلات عامة / مشكلات فنية

الباب الثاني: مفاهيم عامة عن الترجمة:

- تعريف مصطلح "الترجمة"

- أقسام الترجمة (حرفية - تفسيرية - حرة - إحترافية)

- ترجمة كتب التفسير المعروفة

- ترجمة معاني القرآن الكريم

- قالب الترجمة

- الاختلاف الوارد في التفسير المأثور

- الترجمة الأكاديمية لمعاني القرآن الكريم الموجهة للأكاديميين واللاهوتيين

- التعليقات التفسيرية

- التعميم والتخصيص وترجمة الأسلوب

- هل يجوز ترجمة أسماء الله تعالى الحسنى؟

- معايير ظبط ترجمات معاني القرآن الكريم

- الحروف الأبجدية وعلامات المد والتشديد

الباب الثالث: تعليقات على ترجمات معاني سور من القرآن الكريم:

- تعليقات على ترجمات معاني سورة الإخلاص

- تعليقات على ترجمات معاني سورة قريش 

- تعليقات على ترجمات معاني سورة المطففين

المقدمة

إن أهمية الترجمات الشرعية وأهمية تطويرها وحل مشكلاتها تنبع من عالمية رسالة الإسلام ومن أهمية تبليغ هذه الرسالة لكل بقاع المعمورة.

فقد بُعثَ محمد صلى الله عليه وسلم نذيراً وبشيراً للناسِ كافة على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم، قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)، وقال أيضا عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقال صلى الله عليه وسلم: ".. وإنما بعثت رحمة للعالمين ..".

أما غيره من الأنبياء والرسل فقد كان كل نبي أو رسول يبعث حصرا في قومه، ليوضح ويبين لهم طريق الحق من الباطل بلغتهم وبلسانهم وليقيم عليهم الحجة، فقد قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)، فنبي الله موسى ونبي الله عيسى عليهما الصلاة والسلام قد بعثا حصرا لبني إسرائيل. وقد نسب للسيد المسيح عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضآلة". 

ونحن المسلمون قد حملنا الأمانة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمانة تبليغ هذا الدين للناس كافة، عربهم وعجمهم، بإختلاف ألسنتهم وألوانهم. 

ومن هنا برزت أهمية الإهتمام بالترجمات الشرعية لإيصال رسالة هذا الدين إلى سكان هذا العالم والذي قد وصل تعداده إلى سبعة مليار نسمة من أعراق وثقافات مختلفة. 

وفي هذا الكتاب سوف نتطرق بإذن الله تعالى إلى الأبعاد المختلفة لموضوع "الترجمة الشرعية"، وكيفية تطويرها والنهوض بها بأمر الله تعالى، وسوف نعرض بعض النماذج من مشكلات الترجمة الشرعية وكيفية التغلب عليها بإذن الله تعالى.

والله الموفق

المؤلف.،

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

مشكلات الترجمات الشرعية

 

 

 

الباب الأول

مشكلات الترجمات الشرعية

يمكننا أن نقسم المشكلات التي تواجه عالم الترجمات الشرعية إلى ثلاثة مشكلات رئيسية وهي: 

١- مشكلات خاصة (تتعلق بالقارئ). 

٢- مشكلات عامة (تتعلق بالمترجم).

٣- مشكلات فنية (تتعلق بعملية الترجمة نفسها وإنشاء منظومة موحدة للترجمة). 

أولا: المشكلات الخاصة: 

وهي مشكلات تتعلق بكيفية التعامل مع القارئ غير العربي وفهم طبيعته وطبيعة إدراكه للنصوص المترجمة ومدى تفاعله معها، ومنها:

١- الخلفية التاريخية: 

يجب الأخذ في الإعتبار أن القارئ غير المسلم ليست لديه خلفية تاريخية عن الأحداث، ومن ثم فإنه يحكم على الأحداث دون معرفة الحيثيات المحيطة بالحدث. وبهذا قد تتكون في عقله شبهات عن الإسلام لا وجود لها في الواقع. وللأسف فإن كثير من المترجمين يتعاملون مع القارئ غير العربي على أنه يدرك معنى النص الشرعي وكأنه كان شاهد عيان وقت الحدث. مثال الحديث الشريف يقول: "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق، فاضطروه إلى أضيقه". قال الحافظ ابن حجر: "قال القرطبي في قوله: "(وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) معناه: لا تتحولوا لهم عن الطريق إكراما لهم واحتراما، .. وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم، لأن ذلك أذى لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب"". وهكذا فإنه يجب النظر في مراد الحديث الشريف والظرف الذي قيل فيه وتوضيح هذا للقارئ وإلا فإن القارئ غير العربي سوف يفهم أن الحديث يأمر بأذية غير المسلمين، وفي هذا تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسب له من الأقوال ما لم يقل وما لم يعني!!!

٢- الخلفية الدينية: 

يجب الأخذ في الإعتبار أن القارئ غير المسلم ليست لديه خلفية دينية عن الإسلام وأحكامه أو عن القرآن وتفسيره. مثال في قوله تعالى: "وأنت حل بهذا البلد" تمت ترجمة معناها في بعض الترجمات ب "أنت حر في معاقبة أهل هذا البلد بالقتل أو السبي"، وفي ترجمات آخرى ترجمت "وأنت حر من القيود في هذا البلد"، والترجمة بتلك الطريقة قد تصور الأمر في عقل القارئ غير العربي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم -حاشاه- سيعيث فيها فسادا والعياذ بالله، وكان الأولى وضع شرح في كلمتين أو ثلاثة لتوضيح أن هذا الإذن كان لساعة من الزمن فقط يوم فتح مكة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل أربعة أشخاص فقط بسبب شدة عداوتهم للإسلام وما فعلوه من إضطهاد وتعذيب وقتل للمسلمين قبل الهجرة، وفائدة وضع هذا التوضيح عظيمة حتى يتم كسب غير المسلم في صف الأحكام الإسلامية فينظر لها بعين الإنصاف ويراها مثالا أعلى للعدل وعدم الجور. 

٣- الخلفية اللغوية: 

يجب الأخذ في الإعتبار أن القارئ غير المسلم ليست لدية خلفية لغوية عن اللفظ العربي، فاللفظ القرآني جامع لمعاني شتى لا يضاهيه لفظ آخر في أي لغة آخرى، وعلى هذا فإنه يجب محاولة نقل المعني الذي يستحضره اللفظ القرآني في عقل القارئ العربي إلى عقل القارئ غير العربي، وعدم معاملة القارئ غير العربي وكأنه على علم بالألفاظ القرآنية ودلالاتها.

مثال: قوله تعالى "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب"، فقد أجمعت الترجمات باللغات كلها على ترجمة كلمة "فتح" بكلمة "إجتياح" أو "غزو" وشتان بين معنى كلمة فتح المراد في الآية الكريمة وهو "فتح مكة" والذي لم يكن لا بحرب أو قتال، وبين معنى كلمة "غزو" أو "إجتياح" في عقل القارئ غير العربي والتي لها صور بشعة في ذهنه، مثل إجتياح هتلر لأوروبا. وعلى هذا فكان الأفضل هو نقل كلمة فتح بطريقة "الكتابة الصوتية" (أي أن تكتب بالحروف الأجنبية كما تنطق في العربية) ثم بين قوسين يتم كتابة (دخول مكة منتصرين بدون قتال)! 

مثال آخر في قوله تعالى "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" فإن كثير من الترجمات تترجم "الزكاة" ب"الصدقة"، مهملين ما يترتب على الزكاة من أحكام شرعية تختلف عن أحكام الصدقة، وكان الأولى ترجمة كلمة "الزكاة" بطريقة "الكتابة الصوتية" وبين قوسين (الصدقة السنوية الإلزامية أو المفروضة)! 

مثال آخر في قوله تعالى "وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ" أغلب الترجمات ترجمت كلمة "الفيء" بمعنى "الغنيمة" والفيء يختلف عن الغنيمة في أنه غنيمة بلا قتال، أما دلالة كلمة "غنيمة" فهي تستدعي حدوث قتال لأخذها.

٤- الخلفية الثقافية والحضارية:

كل ثقافة وحضارة لها أداب ومفاهيم وأذواق واصطلاحات لا يفهمها إلا أهل تلك الحضارة، وكل حضارة تشبه الجبل العالي الذي يفصل بينه وبين الجبل الآخر فراغ، وهكذا فإن كثير من المترجمين يقع في هذا الفراغ الثقافي والحضاري بين الجبلين بسبب وضعهم لمعايير معينة للترجمة تناسب جبل في حين لا تناسب الآخر، فما الفائدة من وضع ترجمة تظهر لأهل اللغة المرادة مثل الطلاسم الغير مفهومة أو أن يقدم لهم طعاما لا يشتهونه ولا يتذوقونه؟؟

٥- القراءة النقدية: 

يجب الأخذ في الإعتبار أن القارئ غير المسلم له عقل ناقد جدا في كل ما يتعلق بالإسلام، وعلى هذا فلو كانت العبارة المترجمة قد تحتمل معنيين أحدهما صحيح والآخر مغلوط فهو قد يفهم المعنى المغلوط بسبب الشبهات المتراكمة مسبقا في عقله عن الإسلام من وسائل الإعلام الغربية، وعلى هذا فيجب أثناء عملية الترجمة توضيح المعنى بألفاظ لا يحتمل أن يتطرق إليها أي معنى ثاني مغلوط حتى ولو تمت الإستعانة بوضع كلمتين أو ثلاثة بين قوسين لتوضيح المعنى الشرعي بطريقة أوضح. 

ثانيا: المشكلات العامة:

١- صفات المترجم الشرعي: 

يجب أن يكون المترجم الشرعي بوجه عام نبيها فطنا فقيها مفسرا أديبا يستطيع الدخول في روح النص الأصلي وفهم مراد صاحب النص، ويجب أن تكون له بصيرة في فهم وتحليل ما وراء الألفاظ من معان عظيمة، فبمجرد أن يقرأ عبارات النص يسبح في بحر معانيه العظيمة، فإذا توغلت معاني النص ومراده في رأسه ساعتها فقط يستطيع أن يترجم بفهم وإدراك لما يترجمه. وفي الواقع فكما أن الكتابة الأدبية حس وأدب وذوق وبصيرة فكذلك الترجمة بل وأكثر. فالكاتب ينطلق في الكتابة كما يحلو له مستخدما من الألفاظ ومن التعابير ما يناسبه، أما المترجم فهو أسير النص المكتوب وهكذا تكون إعادة صياغة العبارة عن طريق الترجمة أصعب كثيرا من كتابتها باللغة الأصلية. وتلك الصفات التي ذكرناها بالأعلى يندر وجودها متكاملة بوجه عام في المترجمين حاليا للمواد الشرعية والدعوية في كثير من اللغات، والسبب في ذلك مرده إلى إما ضعف المترجم من الناحية العلمية الشرعية أو ضعفه في الجانب الأدبي والصياغة أو ضعفه في فنون وعالم الترجمة بوجه عام.

٢- القصور العلمي الشرعي التخصصي للمترجم:

من أهم صفات المترجم الشرعي هي إحاطته العلمية التخصصية بما يود أن يترجمه، فلا يوجد مترجم يستطيع ترجمة كل المواد الشرعية والدعوية على إختلاف تخصصاتها وفروعها، فالمواد الموجهة لغير المسلمين يجب أن تترجم من مترجم يفهم عقلية غير المسلم ويستطيع الولوج لتلك العقلية بأدق العبارات وأصحها بل ويجب أن يكون ممن عمل في ميدان الدعوة الميدانية الموجهة لغير المسلمين فيعرف شبهاتهم وسبل الرد عليها. 

والمواد الفقهية يجب أن تترجم ممن تخصص في مجال الفقه الإسلامي وتوسع في طلب العلم في هذا المجال تحديدا. 

وترجمة معاني القرآن الكريم يجب أن تتم ممن تخصص في علوم القرآن وعلوم التفسير وتوسع فيها. 

مثال على ذلك أن مترجم بارع قام بترجمة معاني القرآن الكريم بإحدى اللغات وكانت ترجمته هي أفضل ترجمة تمت لمعاني القرآن الكريم بوجه عام نظرا للمعايير الشرعية والأدبية التي اعتمدها، ولكن ذلك المترجم نفسه قد قام بترجمة إحدى كتب الحديث الشريف بنفس اللغة ولكن لم تكن ترجمة موفقة منه بسبب عدم تخصصه في علوم الحديث الشريف وعدم تدربه على القيام بترجمات للحديث الشريف. 

وعلى هذا نود الإشارة إلى أن إسناد بعض الهيئات الدعوية ترجمة معاني القرآن الكريم أو الحديث الشريف لبعض المترجمين من طلاب الكليات الشرعية رغم عدم تخصصهم المباشر في علوم القرآن وتفسيره أو علوم  الحديث الشريف هو أمر اضطراري لا مناص منه حاليا بسبب عدم القدرة على إيجاد مترجمين تخصصوا في هذا التخصص في كل اللغات المراد الترجمة إليها، أما الأصل الواجب اتباعه فهو عدم قيام غير المتخصصين في علوم القرآن وتفسيره بترجمة معاني القرآن الكريم. مثال على هذا أن دكتور العظام لا يستطيع معالجة مريض القلب، فكلا التخصصين مختلفين.

٣- القصور الأدبي واللغوي والثقافي للمترجم:

الكتاب المترجم هو كتاب قد صدر قائما بذاته باللغة المرادة، وعلى هذا فالقارئ لا يهمه إن كان هذا الكتاب هو كتاب مترجم من لغة آخرى أم قد تم تأليفه مباشرة بلغته، وعلى هذا فهو يعامل الكتاب وكأنه تم تأليفه بلغته مباشرة سواء من الناحية الدلالية أو اللغوية، وهكذا فإن المترجم يعتبر المؤلف الحقيقي لهذا الكتاب، بمعنى أن الأسلوب الأدبي للمترجم هو الذي سيصل للقارئ وليس أسلوب الكاتب الأصلي، وعليه إن لم يكن المترجم نفسه متقنا لفن الكتابة والصياغة فسوف يصل الكتاب للقارئ بصورة مشوهة غير مستقيمة المعنى والدلالة. ويتوجب أيضا على المترجم أن يكون ملما بثقافة كل من اللغة الأصل المترجم منها واللغة الثانية المترجم إليها، وإلا فسيقع في الفراغ الثقافي الذي يفصل بين الثقافتين والحضارتين لتلك اللغتين، فكثير من الكلمات في ثقافة معينة عند نقلها لثقافة آخرى فهي تحمل معنى آخر، مثل كلمة "الزنى" في اللغة العربية عند ترجمتها للإنجليزية لا يفهمها القارئ الإنجليزي إلا بمعنى "الخيانة الزوجية"، أما الزنى قبل الزواج فهم لا يعتبرونه زنى.

٤- القصور الفني للمترجم:

وهو قصور في جانب فن الترجمة وعلومها، فليس معنى أن المترجم متمكن شرعيا أو حتى شرعيا ولغويا أنه أصبح لديه القدرة على الترجمة! فالأمر ليست معادلة رياضية بأن نتيجة جمع كلا من "التمكن الشرعي" مع "التمكن اللغوي" يصبح الناتج "مترجم جيد"! لأن هذا ينقصه أمر هام وهو تمكن المترجم من فن الترجمة وكيفية نقل المعاني من لغة إلى لغة آخرى، وهو فن في غاية الإحترافية دائما ما أشبهه بفن تقطيع الألماس، الذي يتطلب حرفة ودقة عالية. 

٥- عدم وجود أكاديمية تأهيل للمترجمين:

فحتى يومنا هذا لا توجد أكاديمية إحترافية لتأهيل المترجم الشرعي من الناحية الفنية والشرعية واللغوية والثقافية، فتدربه على فنون الترجمة وعلومها وتقدم له الدعم الكافي في كيفية ترجمة النص الشرعي وكيفية ترجمة معاني القرآن الكريم وكيفية ترجمة الحديث الشريف وألفاظه وكيفية ترجمة المصطلحات الشرعية والفقهية. 

ثالثا: المشكلات الفنية: 

وهي المشكلات التي تعتري عملية الترجمة نفسها، ومنها:

١- عدم اتباع الشروط والقواعد والآداب والنظم الفنية لعملية الترجمة.

٢- عدم اتباع الشروط الواجب توافرها في النص الأصلي: 

ومنها على سبيل المثال أنه يجب القيام بعملية تحرير للنص الأصلي نفسه قبل البدء في ترجمته بحيث يتم وضع شروحات وتعليقات وتنبيهات وإرشادات موجهة للمترجم حتى يتلافى أي مشكلة أثناء الترجمة بإذن الله تعالى.

٣- عدم توافر الشروط الواجب توافرها في النص النهائي المترجم، ومدى ملائمته للفئة المستهدفة.

٤- عدم وجود منظومة موحدة للترجمة يتبعها كل المترجمين في ترجماتهم على اختلاف لغاتهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني

مفاهيم عامة عن الترجمة

 

 

الباب الثاني

مفاهيم عامة عن الترجمة

الفصل الأول

تعريف مصطلح "الترجمة"

1- ذكر في "لسان العرب": (ترجم): الترجمان والترجمان: المفسر للسان. وفي حديث هرقل: قال لترجمانه. والترجمان: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى، والجمع (التراجم). وقد ترجمه وترجم عنه. وذكر أيضا في "لسان العرب" في باب الراء (رجم): الترجمان: المفسر، وقد ترجمه وترجم عنه، ويقال: قد ترجم كلامه، إذا فسره بلسان آخر.

2- ذكر في "مختار الصحاح": (ترجم): كلامه إذا فسره بلسان آخر ومنه (الترجمان) وجمعه (تراجم) كزعفران وزعافر.

3- ذكر في "مناهل العرفان": الترجمة في اللغة: وضعت كلمة ترجمة في اللغة العربية لتدل على أحد معان أربعة:

أولا: تبليغ الكلام لمن لم يبلغه.

ثانيا: تفسير الكلام بلغته التي جاء بها ومنه قيل في ابن عباس إنه ترجمان القرآن ولعل الزمخشري في كتابه أساس البلاغة يقصد هذا المعنى إذ يقول: كل ما ترجم عن حال شيء فهو تفسرته.

ثالثا: تفسير الكلام بلغة غير لغته وجاء في لسان العرب وفي القاموس أن الترجمان هو المفسر للكلام وقال شارح القاموس ما نصه وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر قاله الجوهري اهـ.

وجاء في تفسير ابن كثير والبغوي أن كلمة ترجمة تستعمل في لغة العرب بمعنى التبيين مطلقا سواء اتحدت اللغة أم اختلفت.

رابعا: نقل الكلام من لغة إلى أخرى.

ولكون هذه المعاني الأربعة فيها بيان جاز على سبيل التوسع إطلاق الترجمة على كل ما فيه بيان مما عدا هذه الأربعة فقيل ترجم لهذا الباب بكذا أي عنون له وترجم لفلان أي بين تاريخه وترجم حياته أي بين ما كان فيها وترجمة هذا الباب كذا أي بيان المقصود منه وهلم جرا.

الترجمة في العرف: هو نقل الكلام من لغة إلى أخرى ومعنى نقل الكلام من لغة إلى أخرى التعبير عن معناه بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده كأنك نقلت الكلام نفسه من لغته الأولى إلى اللغة الثانية.

ويمكننا أن نعرف الترجمة في هذا العرف العام بعبارة مبسوطة فنقول هي التعبير من معنى كلام في لغة بكلام آخر في لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده فكلمة التعبير جنس وما بعده من القيود فصل وقولنا عن معنى كلام يخرج به التعبير عن المعنى حين يخرج في صورة اللفظ أول مرة وقولنا بكلام آخر يخرج به التعبير عن المعنى بالكلام الأول نفسه ولو تكرر ألف مرة. وقولنا من لغة أخرى يخرج به التفسير بلغة الأصل ويخرج به أيضا التعبير بمرادف مكان مرادفة أو بكلام بدل آخر مساو له على وجه لا تفسير فيه واللغة واحدة في الجميع. قولنا مع الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده يخرج به تفسير الكلام بلغة غير لغته فإن التفسير لا يشترط فيه الوفاء بكل معاني الأصل المفسر ومقاصده بل يكفي فيه البيان ولو من وجه.

 

 

الفصل الثاني

أقسام الترجمة

1- الترجمة الحرفية: 

هي التي تراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية وبعضهم يسميها مساوية.

2- الترجمة التفسيرية: 

وهي التي لا تراعى فيها تلك المحاكاة أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة ولهذا تسمى أيضا بالترجمة المعنوية وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير وما هي بتفسير كما يتبين لك بعد.

الفرق بين الترجمة الحرفية والتفسيرية:

المترجم ترجمة حرفية يقصد إلى كل كلمة في الأصل فيفهمها ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى مع وضعها موضعها وإحلالها محلها وإن أدى ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل بسبب اختلاف اللغتين في مواقع استعمال الكلام في المعاني المرادة إلفا واستحسانا.

أما المترجم ترجمة تفسيرية فإنه يعمد إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه ثم يصبه في قالب يؤديه من اللغة الأخرى موافقا لمراد صاحب الأصل من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل مفرد ولا استبدال غيره به في موضعه.

ولنضرب مثالا للترجمة بنوعيها على فرض إمكانها في آية من الكتاب الكريم قال الله تعالى: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ" فإنك إذا أردت ترجمتها ترجمة حرفية أتيت بكلام من لغة الترجمة يدل على النهي عن ربط اليد في العنق وعن مدها غاية المد مع رعاية ترتيب الأصل ونظامه بأن تأتي بأداة النهي أولا يليها الفعل المنهي عنه متصلا بمفعوله ومضمرا فيه فاعله وهكذا ولكن هذا التعبير الجديد قد يخرج في أسلوب غير معروف ولا مألوف في تفهيم المترجم إليهم ما يرمي إليه الأصل من النهي عن التقتير والتبذير بل قد يستنكر المترجم إليهم هذا الوضع الذي صيغ به هذا النهي ويقولون ما باله ينهى عن ربط اليد بالعنق وعن مدها غاية المد وقد يلصقون هذا العيب بالأصل ظلما وما العيب إلا فيما يزعمونه ترجمة للقرآن من هذا النوع.

أما إذا أردت ترجمة هذا النظم الكريم ترجمة تفسيرية فإنك بعد أن تفهم المراد وهو النهي عن التقتير والتبذير في أبشع صورة منفرة منها تعمد إلى هذه الترجمة فتأتي منها بعبارة تدل على هذا النهي المراد في أسلوب يترك في نفس المترجم إليهم أكبر الأثر في استبشاع التقتير والتبذير ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي.

مثال آخر من وهو ما روته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعكم لحاقا بي أطولكن يدا". قالت: "فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا". قالت: "فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق"." (صحيح مسلم) وهكذا قد ظنن أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد الطول المادي لليد، ولكن فيما بعد اتضح لهن أن مراد قوله صلى الله عليه وسلم هو أكثركن تصدقا وعطاءا.

وقد ذكر سماحة الشيخ بن عثيمين رحمه الله: "إن اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أخذ بما يقتضيه الشرعي، لأن القرآن نزل لبيان الشرع، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به."

الترجمة الحرة:

هي أن يقوم المترجم بقراءة فقرة أو صفحة كاملة ثم بعدها يعيد صياغتها في الترجمة بناءا على ذاكرته وفهمه دون التقيد بالنص الأصلي، مما تكون نتيجته هو عدم مطابقة النص الأصلي بالنص المترجم.

وفي هذه الطريقة من الترجمة خيانة لمبدأ "الأمانة العلمية"، لأن المترجم لم ينقل مراد الكاتب وإنما نقل مراده وتفسيره هو.

الترجمة الإحترافية:

الترجمة الإحترافية هي عبارة عن "الترجمة التفسيرية المتبعة لقواعد الأمانة العلمية في النقل والترجمة"، فهي تبتعد عن الغلو والتفريط، فهي ليست "ترجمة حرفية" فتضيع معها المعاني، وليست "ترجمة تفسيرية غير ملتزمة" فتتوسع في وضع تفسيرات لم يقصدها الكاتب، وليست "ترجمة حرة" فَتُنتج كتاباً مختلفاً في مضمونه وشكله عن الكتاب الأصلي، وإنما هي "ترجمة تفسيرية تتبع قواعد الأمانة العلمية" فيطَّلعُ فيها المترجم على تفسير كلام الكاتب ومن ثم ينقله بأمانة دون أن ينقل تفسيره هو. 

 

 

الفصل الثالث

ترجمة كتب التفسير المعروفة

يجب عدم الخلط بين مصطلح "ترجمة معاني القرآن الكريم" وبين ترجمة كتاب من كتب التفسير المعروفة مثل تفسير السعدي أو البغوي أو الطبري. 

ففي حالة ترجمة كتاب من كتب التفسير فإن على المترجم الإلتزام بما كتب فيه دون زيادة أو نقصان، فلا يضع فيه من كتب التفاسير الآخرى ولا يرجح عليه أي تفسير آخر، فلا يأتي عند ترجمة تفسير آية معينة بتفسير الطبري في حين أنه يترجم تفسير ابن كثير. 

أيضا ليس للمترجم أن يضع فيه تعليقات تفسيرية أو شروحات من عنده بين قوسين أو في الهامش لأنه ملتزم بشروحات وتفسيرات المفسر نفسه دون زيادة.

ويجب على المترجم أيضا أن يضع على الترجمة إسم صاحب التفسير كمؤلف مثل "تفسير السعدي"، وألا يطلق على ترجمته اسم "ترجمة معاني القرآن الكريم".

ونفس الأمر ينطبق على كتاب "التفسير الميسر"، فهو كتاب مستقل كتبه جماعة من العلماء، ولا يطلق على ترجمته اسم "ترجمة معاني القرآن الكريم"، بل يسمى في اللغة المستهدفة بمسماه في اللغة العربية كما هو وينسب لكاتبيه كما هم كمؤلفين له.

 

 

الفصل الرابع

ترجمة معاني القرآن الكريم

عبارة "ترجمة معاني القرآن الكريم":

هي عبارة مغلوطة لأنه لا يوجد كتاب اسمه "معاني القرآن الكريم"، ومن ثم فهذه ترجمة له!!

فضلا عن أن عبارة "معاني القرآن الكريم" قد توحي للقارئ غير العربي أن تلك الترجمة قد حصرت جميع معاني القرآن الكريم فيها وأنه لا توجد معاني للآية الكريمة إلا ما ذكرت في تلك الترجمة، وهذا مفهوم غير صحيح لأن المفسرون قد قدموا تفسيرات مختلفة للآية الواحدة، أما ترجمة معاني القرآن الكريم فقد عمد فيها المترجم على تبني تفسير معين للآية قد رجحه هو ولم يذكر باقي التفسيرات أو المعاني لها.

فضلا عن أن وقوع المترجم في خطأ ما قد يجعل القارئ غير المسلم أن ينسب هذا الخطأ للقرآن الكريم نفسه معاذ الله-، ظنا منه أن المترجم كان أمينا في نقل معاني القرآن الكريم فنقلها كما هي.

ولكن في هذا الكتاب قد نستخدم تلك العبارة "ترجمة معاني القرآن الكريم" نظرا لأنها المتعارف عليها حاليا وليس إقرارا منا لتلك العبارة.

عبارة "تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الهولندية":

في الواقع فإن جميع ما يطلق عليه اسم "ترجمات معاني القرآن الكريم" إنما هو تفسير جديد له باللغة المرادة كلغة أصل.

وليس المقصود بكلمة تفسير هنا هو ترجمة كتاب من كتب التفسير المعروفة، وإنما المقصود هو تفسير وتبيين وإيضاح معاني القرآن الكريم باللغة المستهدفة، كأنك تكتب تفسيرا ميسرا جديدا باللغة المرادة كلغة أصل حتى يستطيع القارئ فهم تلك المعاني وفهم دلالاتها الشرعية. 

وفي حالة وقوع المترجم في خطأ فإن القارئ سوف ينسب هذا الخطأ للمترجم نفسه على اعتبار أنه المفسر الذي كتب هذا التفسير وليس لمعاني القرآن الكريم نفسها.

الإعتماد أو الإستعانة بكتاب التفسير الميسر:

إن عمد المترجم للإعتماد الكلي على كتاب التفسير الميسر، فحينئذ يطلق على ترجمته اسم "ترجمة التفسير الميسر باللغة كذا"، وإن استعان به كمساعد لفهم المعاني، فحينئذ يطلق على ترجمته "تفسير معاني القرآن الكريم باللغة كذا". 

وفي الواقع فإنه وبدراسة مواضع عدة من كتاب "التفسير الميسر"، خلصنا إلى اعتماده في المضمون بشكل كبير على كتاب تفسير السعدي مع إعادته لصياغة العبارات بأسلوب أيسر.

المترجم مفسر:

من أبرز المشكلات التي تواجه "ترجمات معاني القرآن الكريم" هي أن المترجم أعطى لنفسه سلطة المفسر، فهو يفتح كتب التفسير ويقارن بينها ويختار منها ما يراه هو الأصوب، ويبدل بين كتب التفسير بين الآيات فيرجح في تفسير الآية الأولى مثلا تفسير السعدي وفي تفسير الآية العاشرة تفسير البغوي.

وعلى الرغم من أن بعض الهيئات المتخصصة في ترجمة معاني القرآن الكريم تكلف المترجمين بالإستعانة أو الإعتماد على كتاب "التفسير الميسر"، إلا أن المترجمين على إختلاف لغاتهم وثقافاتهم فإنهم في كثير من الأحيان لا يستطيعون الإعتماد الكلي على التفسير الميسر، ولهذا فإنهم يلجأوا ثانية لمهمة البحث في التفاسير المختلفة محاولين إختيار أنسب تفسير يناسب لغتهم وأهل بلدهم، فضلا عن قناعة المترجم بأن التفسير الأصوب لمعنى الآية كذا هو تفسير السعدي مثلا في حين أن قناعة مترجم آخر تتجه لتفسير القرطبي. 

والدليل على هذا هو أنه وبمقارنة ترجمات عدة لغات لمعاني آية معينة، اتضح إعتماد اللغة الفرنسية مثلا على تفسير معين في حين إعتمدت اللغة الإيطالية على تفسير آخر.

 

الفصل الخامس

قالب الترجمة

تعريف قالب الترجمة:

هو عبارة عن "عملية تحريرية لتفسير ميسر جديد كتب خصيصا لغرض الترجمة المباشرة منه وموجها فقط للمترجمين دون القارئ العربي العادي".

ويمكن تعريف القالب أيضا بأنه "منظومة متكاملة من إرشادات وتنبيهات وشروحات للمترجم، كتب من متخصصين في التفسير وعلوم وفنون الترجمة، يعرفون إشكالات العبارات عند الترجمة وكيفية التغلب على تلك الإشكالات".

وأهمية وجود هذا القالب تنبع من عدم القدرة على الترجمة المباشرة من كتاب التفسير الميسر، فرغم سهولة عباراته إلا أنه موجه بشكل كبير للقارئ العربي، وعند إستعانة المترجمين به فإنهم ورغم استيعابهم للمقصود باللغة العربية إلا أنهم يواجهون صعوبات في كيفية ترجمة العبارة باللغة المستهدفة.

معايير تجهيز قالب الترجمة:

١- أن يشترك في إعداد هذا القالب متخصصين في علوم القرآن والتفسير، وأن يعتمدوا حصرا على كلام أهل العلم من المفسرين المعتبرين من أهل السنة والجماعة. 

٢- ألا يذكر معدوا هذا القالب جميع أقوال المفسرين، وإنما يقتصروا على ذكر القول الأرجح دون ذكر باقي التفسيرات. فالغرض النهائي هو نقل معاني الآية وليس تدريس القارئ غير العربي علم التفسير وأقوال المفسرين.

٣- إذا احتملت الآية معاني مختلفة غير متناقضة، فإن للمعدين أن يذكروا جميع معانيها في عبارة واحدة، وهذا في حالات عدة يروا فيها أهمية وضع تلك المعاني مجمعة، أما إذا احتملت الآية معاني متناقضة فيجب عليهم أن يذكروا إحداهما دون الأخر، مثل في قوله تعالى "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ" فإن كلمة "قرء" قد تعني "الحيض" وقد تعني "الطهر من الحيض" وعلى هذا فالمعنيين متناقضين ولا يجمع بينهما، وإنما يقتصر على ذكر أحدهما دون ذكر الآخر.

٤- أن يشترك في إعداد هذا القالب متخصصين في علوم الترجمة وفنونها، يعرفون إشكالات العبارات عند الترجمة وكيفية التغلب على تلك الإشكالات، فالنص العربي في كثير من الأحيان يكون واضح ولكن قد تظهر مشكلة في كيفية ترجمته للغة والثقافة الأخرى المراد الترجمة إليها، ولا يعرف حل هذا إلا خبير متمرس في الترجمة يفهم عقلية أهل اللغة المستهدفة وكيفية فهمهم وإدراكهم للمصطلحات والتعبيرات.

٥- أن يراعى في هذا القالب المشكلات الخاصة المتعلقة بالقارئ، مثل عدم وجود خلفية تاريخية أو لغوية أو دينية أو ثقافية عن الإسلام فضلا عن أن قراءته لمعاني القرآن الكريم في أغلب الحالات بتكون قراءة نقدية.

 

 

الفصل السادس

الاختلاف الوارد في التفسير المأثور

(من كتاب أصول في التفسير لسماحة الشيخ بن عثيمين)

الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام: 

الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى: 

فهذا لا تأثير له في معنى الآية، مثاله قوله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ" (الإسراء :23) قال ابن عباس: قضي: أمر، وقال مجاهد: وصي، وقال الربيع بن أنس: أوجب، وهذه التفسيرات معناها واحد، أو متقارب فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية.

الثاني: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما: 

فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين ذك على وجه التمثيل، لما تعنيه الآية أو التنويع، مثاله قوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ" (الأعراف:175)، "وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" (الأعراف:176) قال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل، وعن ابن عباس أنه: رجل من أهل اليمن، وقيل: رجل من أهل البلقاء.

والجمع بين هذه الأقوال: أن تحمل الآية عليها كلها، لأنها تحتملها من غير تضاد، ويكون كل قول ذكر على وجه التمثيل. 

ومثال آخر قوله تعالى: "َكَأْساً دِهَاقاً" (النبأ:34) قال ابن عباس: دهاقاً مملوءة، وقال مجاهد: متتابعة، وقال عكرمة: صافية. ولا منافاة بين هذه الأقوال، والآية تحتملها فتحمل عليها جميعاً ويكون كل قول لنوع من المعنى.

الثالث: اختلاف اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما: 

فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلاله السياق أو غيره. 

مثال ذلك: "وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ" (البقرة: من الآية 237) قال على بن أبي طالب رضي الله عنه في الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وقال ابن عباس: هو الولي، والراجح الأول لدلالة المعنى عليه، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

الفصل السابع

الترجمة الأكاديمية لمعاني القرآن الكريم الموجهة للأكاديميين واللاهوتيين

يلجأ كثير من المترجمين عند ترجمة معاني القرآن الكريم إلى محاولة التبسيط والتيسير بشكل كبير مستهدفا القارئ العادي من عامة الناس، ولكن في هذا قد توجد بعض السلبيات منها:

١- أن هذا التبسيط قد يجعله في كثير من الأحيان يقع في خندق الترجمة الحرفية دون شعور منه بذلك، فهو يعمد إلى ترجمة اللفظ الخارجي دون ترجمة تفسيره.

٢- أن المترجم قد يرفض إضافة "تعليقات تفسيرية" بين أقواس لدعم المعنى ظنا منه أن ترجمة معاني القرآن الكريم لا تقبل وضع تعليقات تفسيرية لأنها ليست كتابا في التفسير، متجاهلا بذلك أن معنى كلمة "الترجمة" هو التفسير والإيضاح والتبيان.

٣- خلق شبهات لا أساس لها عن دون قصد، بسبب عدم وجود خلفية للقارئ غير المسلم عن الإسلام فضلا عن قراءته النقدية للترجمة.

٤- عدم صلاحية تلك الترجمة لفئات آخرى من الناس مثل فئة الأكاديميين وأساتذة الجامعات والأدباء والمفكرين والصحفيين ورجال الدين وطلاب كليات علم اللاهوت وغيرهم، فهم يعتمدون بشكل كبير على ترجمة معاني القرآن الكريم في فهم الدين الإسلامي وأحكامه وشرائعه ولو وصل المعنى ناقصا أو مغلوطا فإنهم بيستخدموا تلك الترجمة كحجة ضد الإسلام سواء في مقالاتهم وكتبهم أو مناظراتهم أو ندواتهم وإجتماعاتهم.

شبهة:

قد يقول قائل: "إن التوسع في الترجمة قد لا يصلح للقارئ العادي"! 

الرد:

لا بأس أبدا من وجود ترجمتين باللغة المستهدفة، الأولى موجهة للقارئ العادي وبها تبسيط دون إخلال بالمعنى الشرعي، والثانية موجهة للفئات الأخرى من النخب المثقفة ذات التأثير القوي في عامة الناس وتوجيه الرأي العام إما لصالح الإسلام أو ضده، وعلى هذا فمن التبس عليه أمر ما في الترجمة المبسطة استطاع الإستزادة من الترجمة التفسيرية الأكثر توسعا.

 

 

الفصل الثامن

التعليقات التفسيرية

تعريف التعليقات التفسيرية:

هي تعليقات مساعدة لإكمال المعنى المطلوب إيصاله للقارئ.

أهمية التعليقات التفسيرية:

١- سد النقص اللغوي في اللغة المرادة: 

مثل كلمة الزكاة ليس لها مرادف في اللغات الآخرى، وهكذا يتم تعويض هذا النقص بكتابة كلمة الزكاة بطريقة "الكتابة الصوتية" بحيث تكتب بالحروف الأجنبية كما تنطق بالعربية، ثم بين قوسين يتم كتابة (الصدقة السنوية المفروضة)، مثال آخر في كلمة الظهار، حيث لا تصح ترجمتها بالطلاق، وإنما الأصح هو أن تكتب بالكتابة الصوتية ثم بين قوسين (صورة من صور الطلاق في الجاهلية، تكون فيه المرأة معلقة لا منها مطلقة فتستطيع الزواج بآخر ولا منها متزوجة فيقربها زوجها).

٢- تجنب خلق شبهات لا أساس لها: 

فكما ذكرنا أن القارئ غير المسلم ليست له خلفية تاريخية أو ثقافية أو دينية عن الإسلام فضلا عن أن قراءته في كثير من الأحيان قد تكون قراءة نقدية، وهكذا يجب وضع توضيح بسيط عند اللزوم لتجنب خلق شبهات في عقله لا أساس لها.

٣- وضع أكثر من تفسير للآية: 

وهذه هي طريقة آخرى للترجمة قد يفضلها بعض المترجمين وقد لا يفضلها آخرون، ففي بعض الأحيان قد يوجد أكثر من تفسير للآية الكريمة، ولأسباب معينة قد يخشى فيها المترجم أن يقع القارئ في شبهة لا أساس لها أو في فهم مغلوط، فعندها قد يفضل المترجم أن يذكر أكثر من تفسير للآية حتى يحيط القارئ بالمفهوم الإسلامي وبدلالات اللفظ القرآني، فيضع التفسير الأول كنص الترجمة ثم بين قوسين يكتب (ويوجد تفسير آخر للآية أو للكلمة يقول كذا وكذا)، مثال في قوله تعالى: "وأنت حل بهذا البلد" فكلمة "حل" لها ثلاثة معاني كلها معاني صحيحة ومتساوية في القوة، ومنها: ١- "حال إقامتك في هذا البلد، يزيد هذا البلد الحرام تعظيما وتشريفا"، ٢- "كيف أن أهل هذا البلد قد جعلوا دمك وقتلك حل لهم في حين يحرمون الاعتداء على البشر والحيوان داخل هذا البلد الحرام!"، ٣- "أنت في حل في معاقبة أهل هذا البلد الحرام، وقد كان هذا الحل لمدة ساعة يوم فتح مكة حين أمر صلى الله عليه وسلم بقتل أربعة رجال بسبب ما فعلوه ضد الإسلام وأهله سابقا قبل الفتح".

وفي هذه الطريقة ميزة آخرى هامة وهي أن هناك كثير من القراء من يعرف أكثر من لغة، وهكذا فقد يقرأ الترجمة الإيطالية مثلا ويجد تفسير كلمة "حل" بمعنى "حال إقامتك في هذا البلد" وحين يفتح الترجمة الفرنسية مثلا فقد يجد المعنى "أنت في حل في معاقبة أهل هذا البلد"، فيظن القارئ وجود تناقض -معاذ الله- كما هو الحال مع الأناجيل، فنسخة الملك جيمس قد تقول شيء في سفر التكوين عدد ١ إصحاح ٣ مثلا والنسخة الدولية المنقحة قد تقول شيء آخر في نفس العدد والإصحاح، أيضا فإن الإنجيل بالهولندية قد يقول شيء والإنجيل بالسويدية قد يقول شيء آخر مختلف.

وعلى هذا فإنه يجب تنبيه القارئ في مقدمة الترجمة أن الآية القرآنية قد توجد لها عدة تفسيرات من أهل العلم إعتمادا على معاني النص العربي، أما النص العربي فهو نص واحد لا يتغير ولا يترجم، بل الترجمات التي تصدر هي ترجمات لمعانيه، وعلى هذا من أراد قراءة القرآن فعليه بقراءته بالعربية أما ترجمات المعاني فهي مساعد لمحاولة فهم النص العربي.

مكان التعليقات التفسيرية:

١- التعليقات التفسيرية المكملة للمعنى: 

هي جزء لا يتجزأ من الترجمة ذاتها، وهكذا فيكون مكانها هو بين قوسين بجوار الكلمة القرآنية المراد توضيح معناها، مثل كلمة الزكاة يضاف بجوارها مباشرة (الصدقة الإلزامية السنوية)، ولا يضاف هذا التعليق لا في "هامش الملاحظات بالأسفل" ولا في "ملحق خاص في آخر الكتاب"، لأن لو وضع في الهامش أو في ملحق بآخر الكتاب فهذا معناه أن ترجمة معاني الآية هي ترجمة ناقصة غير واضحة المعنى وبها قصور ويجب على القارئ أن يظل ذهابا وإيابا بين الترجمة وبين هامش الملاحظات أو بين الترجمة وبين الملحق في آخر الكتاب لإكمال فهم معنى الآية الكريمة.

٢- التعليقات التفسيرية الإضافية: 

مثل الإستشهاد بحديث شريف لإثبات صحة الترجمة أو إضافة تعليق يزيل إمكانية خلق شبهة في عقل القارئ، فهذه إما أن تضاف في هامش الملاحظات في أسفل الصفحة أو في ملحق خاص بآخر الكتاب. مثل قوله تعالى: "كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، وقوله تعالى: "يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ"، فالأحاديث الشريفة فسرت معنى كلمة "ران" ومعنى كلمة "ساق"، ومثال آخر في قوله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" فهنا للمترجم الذي يخشى أن يفهم القارئ معنى مغلوط عن كلمة "واضربوهن" كأنها دعوة للعنف ضد المرأة وظلمها أن يضع تعليقا بسيطا يوضح فيه أن المقصود هو الزوجة الناشذ -تقييدا- وليست المرأة على الإطلاق -تعميما-، وأن الفقهاء أجمعوا على وجوب الترتيب في إصلاح الزوجة الناشذ بالوعظ فإن لم يصلح فيكون الهجر في الفراش فإن لم يصلح فيكون الإلتجاء للضرب كآخر مرحلة وأنه ضرب خفيف بالسواك ونحوه، وأن مفهوم هذا الضرب يختلف شكلا وموضوعا عن مفهوم الضرب في عالمنا المعاصر من عنف أسري ضد الزوجة والأبناء. 

أما في حالة عدم قيام المترجم بوضع مثل هذا التعليق عن كلمة "واضربوهن" فقد يخشى أنه في العديد من اللغات الأوروبية قد يصل المعنى مغلوطا، وقد يغلق القارئ الكتاب كاملا بمجرد قراءته للترجمة وفهمه معنى مغاير للمقصود الشرعي. 

فضلا عن هذا فإن ترجمة معاني القرآن الكريم هي "ليست القرآن نفسه" و"ليست كلام الله نفسه"، وإنما هي "كتاب دعوي" يحاول نقل معاني كلام الله عز وجل ونقل رسالة الإسلام لغير العرب، وعلى هذا فيجب أن ينقل المترجم معنى كلمة الضرب في كلمة "واضربوهن" وليس فقط أن يترجم لفظها الظاهري، لأن معناها في الترجمة سوف يصل مغلوطا، وهكذا إنتفى الهدف من الترجمة بأن تنقل المعنى وليس أن تترجم الكلام على ظاهره.

 

الفصل التاسع

ترجمة الأسلوب والتعميم والتخصيص 

ترجمة الأسلوب:

في النص القرآني لا تستخدم لا علامات إستفهام ولا علامات تعجب، ولكن يفهم من سياق النص نفسه إن كان المقصود هو الإستنكار أو التعظيم أم التعجب، وعلى هذا فإنه يجب ترجمة الأسلوب المراد نفسه وليس فقط ترجمة الكلمات. أمثلة على هذا:

١- قوله تعالى: "وما أدراك ما سجين"، أسلوب يراد به إظهار مدى هول "سجين" ومدى فظاعته وليس المقصود هو طرح سؤال ينتظر الإجابة!!

٢- قوله تعالى: "وما أدراك ما عليون"، أسلوب تعظيم لشأن "عليين".

٣- قوله تعالى: "وما يدريك لعله يزكى"، سؤال إنكاري وليس سؤال ينتظر الإجابة.

تجدر الإشارة أن جميع الترجمات التي اطلعنا عليها بلغات عدة قد قامت بترجمة معاني الثلاثة آيات على نفس المنوال بأنهم سؤال ينتظر الإجابة!! وسوف نورد تلك الترجمات في القسم الثاني من هذا الكتاب في فصل تعليقات على ترجمة معاني سورة المطففين بإذن الله تعالى.

التعميم والتخصيص:

في النص القرآني قد تأتي أحكام تتعلق بفئة دون فئة، فيأتي الحكم مخصصا، وقد تأتي أحكام عامة تتعلق بالجميع، فيأتي الحكم معمما، وعلى هذا فإن المترجم يجب أن ينتبه للتخصيص والتعميم وأن ينقل هذا للقارئ، مثل إن كان الحكم خاصا بمشركي الجزيرة العربية، فهم لا يقبل منهم جزية، فلا ينقل معنى النص على أنه حكما عاما على كل المشركين.

وفي قوله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ" فكلمة "وَاللَّاتِي" قد خصصت الحكم وقصرته على الزوجة الناشذ، وليس تعميم على كل الزوجات، فلا نجد بعد ذلك من يدعي أن الإسلام يحض على ضرب الزوجات أو أباحه، إنما الحكم على الزوجة الناشذ بصفتها وشخصها.

 

 

الفصل العاشر

هل يجوز ترجمة أسماء الله تعالى الحسنى؟

فتوى رقم 8115

س: أريد أن أقدم إليكم سؤالا قد اختلف العلماء فيه عندنا، وهو مما علمنا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن صفات الله تعالى توقيفية، فنثبت ما أثبتها الله تعالى، وننفي ما نفى الله تعالى، ونسكت عما سكت عنه الله تعالى إما في كتابه أو بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز أن يسمي الله أحد بغير اسمه مثل (خدا) بالفارسية (خداي) بالبشتو (جاد) بالإنجليزية وغيرها من الأسماء. وهل يكون من ذكر الله بغير اسمه الثابت في الكتاب والسنة ملحدا، كما قال تعالى: "وذروا الذين يلحدون في أسماءه" أم لا؟ ومن العلماء من يقول: يجوز هذه الأسماء ويستدلون بجبرائيل، ويقولون (إيل) إسم الله بالعبرانية، فإذا جاز بالعبرانية تغيير الإسم فيجوز أيضا بلغة آخرى، فهل يصح هذا التأويل أم لا؟ وهل يجوز تغيير أسماء الله بلغة آخرى غير العربية أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

ج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه..وبعد (تجوز ترجمة أسماء الله لمن لا يعرف اللغة العربية بلغتهم إذا كان المترجم بصيرا باللغتين كما يجوز أن تترجم لهم معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتفهيمهم الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم). اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

الواقع العملي:

أجازت الفتوى الكريمة ترجمة أسماء الله تعالى الحسنى لمن لا يعرف اللغة العربية بلغتهم بشرط أن يكون المترجم بصيرا باللغتين، والهدف من ذلك هو تفهيمهم الدين.

ولكن يجب التفريق هنا بين ترجمة الإسم كمساعد لفهم الإسم وبجواره وبين أن تصبح تلك الترجمة محلا للإسم الأصلي. وذلك لاعتبارات عديدة منها:

١- أن الأسماء بوجه عام لا تترجم وإنما تنقل كما هي، فمن إسمه "جمعة" على سبيل المثال إذا سافر إلى كندا لن يصبح إسمه "فرايداي"، وإنما سيظل إسمه كما هو "جمعة". 

٢- في العديد من اللغات لا يوجد مرادف للإسم، فمثلا في اللغة اليونانية لا يوجد مرادف لإسم الله "الغفور" ولهذا فإن بعض المترجمين قد قاموا باختيار أقرب كلمة لترادف الإسم فترجموا "الغفور" ب"المتساهل" -معاذ الله-!! أيضا ذكر لي أنه باللغة الروسية لا يوجد مرادف لإسم الله "القهار" و"القاهر" وأن أغلب المترجمين قد قاموا باختيار أقرب كلمة لترادف الإسم ولكنها للأسف لها معنى سلبي في عقل الناطقين بالروسية!! 

٣- قد يبدأ الأمر بجواز ترجمة أسماء الله تعالى مثل الرحمن والرحيم ويكون الأمر سهلا في بدايته، ولكن مع التوسع فإن المترجم يجد أسماء لله تعالى لا يستطيع أن يترجمها، مما يوقعه في الحرج الشديد وفي أخطاء نحن في غنى عنها.

٤- هناك الكثير من الأسماء الحسنى التي يصعب التفريق فيما بينهم أثناء الترجمة، مثل إسم الله (القاهر والقهار والجبار والعزيز والعفو والغفور والرحمن والرحيم والمالك والملك والمليك، وغيرهم)، وعلى هذا فالترجمة قد تترجم إسم الله "الرحمن" بكلمة مرادفة يتم إستخدامها ثانية عند ترجمة إسم الله "الرحيم" فيقع المترجم في حرج ويقع القارئ في تخبط في الفهم. 

الحل:

هو عدم ترجمة أسماء الله تعالى وإنما ينقل الإسم كما هو بطريقة الكتابة الصوتية وبجواره بين قوسين ترجمة معناه، فلو وقع المترجم في خطأ فإنه يترك فرصة للقارئ أن يتعرف على الخطأ إن كانت لديه معرفة مسبقة بالإسم.

وميزة تلك الطريقة هي قيامها بهدف تفهيم الدين عن طريق وضع ترجمة الإسم بجواره بين قوسين، مع إتاحتها للقارئ الغير عربي التعرف على إسم الله تعالى باللغة العربية وأن يألفه، فضلا عن تجنب الوقوع في مخالفات شرعية في حالة ترجمة الإسم دون نقله كما هو.

الفرق بين الإسم والصفة:

إذا كان المذكور هو إسم لله تعالى صراحة، فينقل كما هو بالطريقة التي ذكرناها، أما إن كان المذكور صفة لله تعالى فتتم ترجمتها مباشرة دون نقلها كما هي. مثل إسم الله "اللطيف"، وصفة الله أنه "لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ".

أمثلة على مشاكل ترجمة الأسماء:

١- قال الله تعالى: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (سورة الصف الآية ٦) ولكن النصارى قد ترجموا إسم "أحمد" باللغة اليونانية بدلا من نقله كما هو وكما سمعوه من السيد المسيح عليه السلام، فأصبح الإسم "بيريكليتوس" والتي معناها الحرفي هو "أحمد"، ثم بمرور الوقت تم تحريف الإسم من "بيريكليتوس" إلى كلمة "براكليتوس" والتي لها معاني عديدة مثل المحامي أو المدافع أو المعزي وغيرها، حتى يدعم إدعائهم بأن المقصود هو "الروح القدس" وليس رسول إسمه "أحمد" يأتي من بعد السيد المسيح عليه السلام. 

تجدر الإشارة هنا أن الأناجيل العربية قد ترجمت الكلمة اليوناني "باراكليتوس" ولم تنقلها كما هي، فنجد نسخ ترجمت الكلمة بالمحامي ونسخ آخرى بالمعزي وآخرى بالمدافع. أما بعض الترجمات الإنجليزية فلم تقع في هذا الخطأ، بل نقلت كلمة "باراكليتوس" اليونانية كما هي وكتبتها "باراكليت" إيمانا منها أن الكلمة تدل على إسم وليست صفة لتترجم.

Paraclete (Gr. Παράκλητος, Lat. Paracletus) means advocate or helper. In Christianity, the term Holy Spirit most commonly refers to the Paraclete.

٢- في الإنجيل العبري في سفر نشيد الأنشاد ذكر إسم رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة ب "محمديم"، وحتى الآن مازال الإسم موجودا كما هو وينطق كما هو "محمديم" بالعبري، ولكن جميع الترجمات باللغات الآخرى قد حرفت الإسم من "محمديم" وترجمته ب "الجميل جدا"! 

تجدر الإشارة إلى أن بعض اليهود يدعون أن كلمة "محمديم" المذكورة إنما هي كلمة عشوائية وليس لها معنى في اللغة العبرية! 

ونرد عليهم بالآتي: ١) كيف إذن تمت ترجمة كلمة عشوائية ليس لها معنى في اللغة العبرية للغة الإنجليزية ب"الجميل جدا"؟! ٢) إن كنتم تؤمنون أن سفر نشيد الإنشاد هو من كلام الله، فكيف سيذكر الله في كلامه كلمة عشوائية لا معنى لها؟! 

ونؤكد لهم أن كلمة "محمديم" هي بالفعل كلمة ليس لها معنى بالعبرية لأنها وببساطة إسم وليست كلمة كصفة أو فعل أو غير ذلك، مع العلم أن في قواعد اللغة العبرية فإن أي كلمة تختم ب "إيم" فهي إسم تمت إضافة له إشارة للتعظيم، مثلا في كلمة "إلوه" والتي تعني إله، هم يضيفون لها النهاية "إيم" فتصبح "إلوهيم" وذلك للتعظيم للإله، وهكذا فإن "محمديم" هي في الواقع "محمد إيم"، للإشارة للتعظيم للنبي المنتظر. 

شبهة:

لقائل أن يقول: "ولكن لا نريد للقارئ غير العربي أن يشعر وكأن هناك لغة غريبة عليه عندما ننقل أسماء الله الحسنى كما هي، والأفضل أن نترجمها حتى نشعره بأن الترجمة قريبة له بلغته ". 

الرد عليها:

الكثير من العرب المهاجرين في بعض البلدان الغربية يحملون أسماء عربية، ورغم هذا فهم لا يغيرونها للغة البلد الذي يقطنون فيه، فمن اسمه عبد الرحيم، لا يترجم إسمه للغة الأجنبية وإنما بيذكره كما هو بغض النظر عن شعور أهل البلد أن اسمه ليس من لغتهم أم لا.

أيضا فإن إسم رسول "محمد" الله صلى الله عليه وسلم، يجب أن ينقل كما هو ولا تتم ترجمته أو تحريف حروفه ونطقه، فمن اللغات من يكتب وينطق الإسم على غير حروفه ونطقه، فمثلا في اللغة اليونانية يكتبونه وينطقونه ب"موامث"، على الرغم من أنه لو يوجد شخص عربي يعيش في اليونان وإسمه محمد فإنهم ينطقون إسمه كما هو، ولكن عند نطق إسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم يغيرونه ل"موامث". أيضا هناك لغات تكتب وتنطق الإسم ب "ماوميتو"، ولغات آخرى ب "ماهوميد" وغير ذلك.

فضلا عن أن فتح باب ترجمة الأسماء إعتبارا لعدم شعور القارئ بلغة غريبة عليه، سيفتح الباب لترجمة تكبيرة الإحرام في الصلاة، والتسليم وفق السلام المعتمد في اللغة المستهدفة، ومناجاة الله تعالى بترجمات لأسماءه وما إلى ذلك!!

الفصل الحادي عشر

معايير ظبط ترجمات معاني القرآن الكريم

يمكن بإذن الله تعالى حل الكثير من مشكلات ترجمات معاني القرآن الكريم عن طريق اتباع الخطوات الآتية:

١- تأسيس أكاديمية متخصصة لتأهيل المترجمين.

٢- إسناد الترجمة لمترجم متخصص في علوم القرآن والتفسير تحديدا.

٣- تجهيز قالب للترجمة معد من متخصصين في علوم القرآن وعلوم الترجمة.

٤- تقديم الدعم العلمي والفني للمترجمين أثناء عملية الترجمة.

٥- إطلاق إسم "تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الهولندية" مثلا، وعدم إطلاق إسم "ترجمة معاني القرآن الكريم".

٦- الإستعانة بالتعليقات التفسيرية بين الأقواس.

٧- تقديم لكل لغة ترجمة مبسطة وأخرى أكاديمية لمعاني القرآن الكريم موجهة للأكاديميين واللاهوتيين والنخب المثقفة بوجه عام.

٨- الإنتباه للتعميم والتخصيص وترجمة الأسلوب.

٩- نقل أسماء الله الحسنى بطريقة الكتابة الصوتية وبجوارها بين قوسين ترجمة معناها.

١٠- وضع مقدمة للترجمة يتم التأكيد فيها على بعض الثوابت، ومنها: 

١) أن تلك الترجمة ليست القرآن نفسه وليست لها قدسية القرآن، فلا يتعبد بها في الصلاة، ولا تقرأ كبديلا عن القرآن، وأن ثواب قراءة القرآن المذكور في الحديث الشريف إنما هو مخصوصا على قراءته باللغة العربية. 

٢) أن القرآن الكريم يختلف عن كلام البشر، فهو كلام رباني معجز في أسلوبه وفي ألفاظه، ولا يمكن ترجمته حرفيا مهما تشابهت اللغة الأجنبية مع اللغة العربية، وأن تلك الترجمة هي مساعد فقط لتقريب المعاني للقارئ غير العربي. 

٣) أنه لا يصح إستخراج أحكام شرعية أو فقهية من الترجمة مباشرة دون الرجوع للنص العربي للقرآن الكريم. 

٤) أن النص العربي للقرآن الكريم واحد لا يتغير ولكن قد توجد تفاسير عدة للآية الواحدة إعتمادا على أن الكلمة الواحدة قد تحمل عدة معاني، وأن علم التفسير هو علم تخصصي مع ذكر أسماء بعض كتب التفسير لأهل السنة والجماعة.

 

 

الفصل الثاني عشر

الحروف الأبجدية وعلامات المد والتشديد

الهمزة: 

في اللغة الإنجليزية لا يوجد مقابل للهمزة ولكن بتتم الإستعاضة عنها بالرمز (). مثال إسم عائض يكتب ‘Â’id (لاحظ الفرق بين العين والهمزة).

حرف العين: 

في اللغة الإنجليزية لا يوجد مقابل لحرف العين ولكن بتتم الإستعاضة عنه بالرمز (). مثال إسم عمر يكتب ‘Ûmar.

حرف الحاء: 

في اللغة الإنجليزية تتم ترجمة حرف الحاء وأيضا حرف الهاء بنفس الحرف الإنجليزي (H)، ولكن يتم التمييز بينهم عن طريق إن كان الحرف المقصود هو حرف الحاء، فيتم إضافة شرطة تحت الحرف الإنجليزي (H) مثال إسم حسن Hâsan.

حرف الصاد: 

في اللغة الإنجليزية تتم ترجمة حرف السين وأيضا حرف الصاد بنفس الحرف الإنجليزي (S)، ولكن يتم التمييز بينهم عن طريق إن كان الحرف المقصود هو حرف الصاد، فيتم إضافة شرطة تحت الحرف الإنجليزي (S) مثال إسم الله تعالى الصمد As-Sâmad.

حرف الضاد: 

في اللغة الإنجليزية تتم ترجمة حرف الضاد وأيضا حرف الدال بنفس الحرف الإنجليزي (D)، ولكن يتم التمييز بينهم عن طريق إن كان الحرف المقصود هو حرف الضاد، فيتم إضافة شرطة تحت الحرف الإنجليزي (D) مثال إسم راضي di.

حرف الطاء:

في اللغة الإنجليزية تتم ترجمة حرف التاء وأيضا حرف الطاء بنفس الحرف الإنجليزي (T)، ولكن يتم التمييز بينهم عن طريق إن كان الحرف المقصود هو حرف الطاء، فيتم إضافة شرطة تحت الحرف الإنجليزي (T) مثال إسم طاهر Tâhir.

حروف الذال والزين والظاء:

في اللغة الإنجليزية تتم ترجمة حرف الذال وأيضا حرف الظاء بنفس الحرفين الإنجليزيين (DH)، ولكن يتم التمييز بينهم عن طريق إن كان الحرف المقصود هو حرف الظاء، فيتم إضافة شرطة تحت الحرفين الإنجليزيين (DH) مثال إسم ظافر Dhâfir. أما حرف الزين فهو يستخدم له حرف (Z) بالإنجليزية.

المد الصوتي: 

الحروف التي يكون بها مد صوتي، يجب وضع علامة عليها تميزها عن باقي الحروف الإنجليزية المتحركة، وذلك حتى يعرف القارئ كيفية النطق الصحيح للكلمة، مثال إسم: 

صابر - حسن - حسان - محسن - منير - عادل.

Sâber - Hâsan - Hassân - Mûhsen- Munîr – Âdil

أما إن لم تكن بالكلمة حروف آخرى متحركة بالإنجليزية، فعندها يتم تكرار الحرف مثل في كلمة "في" فتكتب: Fee. وهذا الطريقة بتستخدم في حالة نسخ الكتابة من اللغة العربية إلى اللغة الأجنبية (Transliteration)، مثل في نسخ الأدعية والأذكار حتى يستطيع القارئ قراءتها بشكل صحيح.

التشديد: 

يكون بتكرار الحرف ذاته مثل في إسم مُحَمّد على هذا النحو : Muhammad.

 

 

 

 

 

 

الباب الثالث

تعليقات على ترجمات 

معاني سور من القرآن الكريم

 

 

 

 

الباب الثالث

تعليقات على ترجمات معاني سور من القرآن الكريم

الفصل الأول

تعليقات على ترجمات معاني سورة الإخلاص

1- قال الله تعالى "قل هو الله أحد":

سبب نزول الآية الكريمة:

عن أبي بن كعب: "أنَّ المشرِكينَ قالوا لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: انسِب لَنا ربَّكَ، فأَنزلَ اللَّهُ تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ."

وقال قتادة والضحاك ومقاتل: "جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صف لنا ربك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شئ هو؟ ومن أي جنس هو؟ (من) ذهب هو أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة." 

فرد الله تعالى عليهم في سورة الإخلاص، والتي هي من فضائلها أنها تعدل ثلث القرآن، فهي سورة التوحيد ونفي عقائد الشرك، ونفي النقائص عن ذات الله تعالى ونفي أي تمثيل أو تشبيه له عز وجل. فهو الواحد الأحد.

الواحد: 

الذي لا ثان له ولا جمع، وهو الواحد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، وهو الواحد الموجود قبل أن يوجد الكفر، وكل ما عبد من دونه باطل، فهو إله هذا الكون وهو الإله الحق المستحق وحده للعبادة. 

الأحد: 

الذي لا مثيل ولا نظير ولا شريك له، وهو الأحد الذي تفرد بصفات الكمال وحده، فهو أحدٌ في ذاته فلا توجد في الكون ذات مثل ذات الله تعالى، وهو أحدٌ بخلاف ما إدعت النصارى بهتانا وزورا أنه تعالى ثلاثة في واحد (الآب والابن والروح القدس) -تعالى عن ذلك علوا كبيرا -، وهو أحدٌ في صفاته، فليس كمثله شئ، وهو أحدٌ في أفعاله، فليس هناك أحد من المخلوقات له القدرة على الخلق والبعث والحساب، وهو أحدٌ في إلوهيته فلا يوجد إله يستحق العبادة غيره، وهو أحدٌ في ربوبيته، فلا رب سواه. هو الواحد الأحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.

وقد قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله عن التوحيد: "وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل" .

وقال شيخ الإسلام: "التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله ... وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد: أن الله وحده خلق العالم ... فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شئ: لم يكن موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده. فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة: ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. ... فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شئ، وكانوا مع هذا مشركين. قال تعالى: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"، قالت طائفة من السلف: "تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله. وهم مع هذا يعبدون غيره". ... وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شئ، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به، وجعلوا له أندادا. ... ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها، ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها ثم يقول: إن هذا ليس بشرك، إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي، فإذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركا. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك." .

الفرق بين كلمة "واحد" وكلمة "أحد":

قال الله تعالى: "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو"

قال الله تعالى: "قل هو الله أحد"

يجب التفريق بين معاني كلمة "واحد" و"الواحد" و"أحد" لغويا، ومعناهم شرعا، والفرق بينهم وبين دلالاتهم عند ترجمتهم للغة أجنبية!!

فبالنسبة لكلمة واحد فإنها إذا إرتبطت بالأمور الدنيوية كأن تقول رقم واحد أو رجل واحد أو يورو واحد، فإن المعنى ذو دلالة رقمية وعددية وأصبح الواحد إسم لمفتتح العدد، فيقال: واحد واثنان وثلاثة. 

أما إذا إقترنت الكلمة بذات الله تعالى فإن معناها هو الواحد الذي لا ثان له ولا جمع له، وهو معنى ذو دلالة عقدية تفيد إثبات وحدانية الله عز وجل وإنكار وجود ثان لله عز وجل أو جمع له. 

أما كلمة أحد، فإنها إن إرتبطت بالأمور الدنيوية فهي تفيد النفي، مثل قول هذا المصارع لا يقدر أن يغلبه أحد، أما قول هذا المصارع لا يغلبه واحد، فقد يغلبه اثنان أو ثلاثة أو أكثر، وواحد كما قلنا في الأمور الدنيوية إسم لمفتتح العدد، أما أحد فينقطع معه العدد فلا يقال أحد إثنان ثلاثة. 

أما إذا اقترنت كلمة أحد بالله تعالى فهي تفيد الإثبات له بأنه أحد ولا يجوز إستخدامها بصيغة الإثبات إلا له، فلا يقال رجل أحد وثوب أحد.

ضوابط عند ترجمة معاني الآية:

إن الهدف من الترجمة الشرعية بوجه عام هو نقل المعنى الشرعي الصحيح وليس المعنى الظاهري للكلمة، وعليه فإن ترجمة معنى كلمة "أحد" في قوله تعالى "قل هو الله أحد" للغات الأجنبية يجب أن تتضمن دلالة شرعية وعقدية وليس دلالة عددية. 

"واحد" أو "الواحد":

فقد إطلعت على العديد من الترجمات لمعاني تلك الآية الكريمة، فوجدت أنه تم إستخدام كلمة "واحد" أو "الواحد" بالإنجليزية بدلالتها العددية التي لا ينقطع معها العدد، وهذا يصلح فقط للأمور الدنيوية، فالرجل الواحد قد يصبح إثنان إذا اجتمع معه ثان، والرجل الواحد قد يصبح زوج إذا تزوج، والرجل الواحد إذا اكتسب ابنا أصبح يوجد من جنسه إثنان هو وإبنه. 

أما إرتباط الكلمة بالذات الإلهية فيجب ترجمة معانيها بمدلول عقدي يثبت وحدانية الله عز وجل وينفي عنه أن يكون له ثان أو جمع أو شبيه أو نظير أو مثيل أو الصاحبة أو الولد، وينفي أيضا عنه عقيدة التثليث التي تدعيها النصارى. فالنصارى تشهد بأن الله "واحد"، وفي حالة ترجمة كلمة "أحد" بكلمة "واحد" أو "الواحد" بالإنجليزية بمدلولها العددي، فلن يخالفك النصارى في هذا بل سيؤكدوه لك، قائلين "أشهد أن لا إله إلا الله" وسيشهدون أيضا أنه هو "الله الواحد"، وبعدها يقومون بتأويل ذلك أن الله عز وجل إله واحد ذو ثلاثة أقانيم -تعالى الله عن ذلك علو كبيرا- وهكذا فالرسالة في الآية الكريمة لن تصلهم وترد عليهم إذا ترجمت بمدلول عددي فقط لا يثبت أن الله تعالى أحد في ذاته. وأيضا النصارى تنسب لله تعالى كذبا وزورا الصاحبة والولد، وتنسب أيضا لبعض من مخلوقاته بعض من صفات الله تعالى وبعض من أفعاله التي لا تصح إلا لله عز وجل مثل الحساب يوم الدين والقدرة على إحياء الموتى الذي نسبوه للمسيح عليه السلام، أو القدرة على مغفرة الخطايا الذي نسبوه للقساوسة والرهبان!! 

وبالنظر فيما ذكره الواحدي في سبب نزول الآية الكريمة نجد أن من سألوا النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصف لهم ربه، لم يسألوه عن عدد أو رقم وإنما سألوه عن ذات وصفات، وفي قولهم "صف لنا ربك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شئ هو؟ ومن أي جنس هو؟" نجد أنهم قالوا "ربك" بصيغة المفرد ولم يقولوا "صف لنا أربابك أو آلهتك" بصيغة الجمع! ولهذا فالرد عليهم جاء لإثبات وحدانية الله تعالى وصفاته العلى التي لا تجوز لأحد من خلقه ولا يشاركه فيها أحد! وعليه فليست الترجمة الصحيحة هي إستخدام كلمة "واحد" أو حتى "الواحد" باللغة الأجنبية كمرادف لكلمة "أحد"، لأن مدلولها هو مدلول عددي فقط لا يقطع معه العدد، وكان يمكن أن تصبح أكثر قبولا كلمة "الواحد" وليس "واحد" لو تم وضع بعدها شرح بين قوسين يدعم المدلول العقدي لها مثل قول "هو الواحد الذي لا إله غيره وهو أحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ....".

"الفريد" أو "الوحيد":

فقد إطلعت على ترجمات آخرى فوجدت أنها استخدمت لفظ "الفريد" أو "الوحيد" كمرادف لكلمة "أحد"، وقد يوافق السامع على هذا للوهلة الأولى، ولكن نرجع لقول العسكري رحمه الله في هذا الشأن: "قولك "الوحيد" و"الفريد" يفيد التخلي من الإثنين، يقال: فلان فريد، ووحيد، يعني: أنه لا أنيس له، ولا يوصف الله -تعالى- به، لذلك". انتهى. 

ونحن في حياتنا اليومية نستخدم كلمة الفريد والوحيد للمخلوقات، للتعبير عن الوحدة أو عن التمايز، فنقول هذه سيارة فريدة من نوعها، أي لا تشابه غيرها من السيارات، وهذا يعني وجود سيارات أخرى من جنسها ولكن قد تمايزت عنهم تلك السيارة بصفات معينة، وهذا شخص وحيد تركه أصدقاءه، وهذا الشاب هو الإبن الوحيد لأبيه، وهذا لا ينفي أنه قد كان له في الماضي إخوة آخرين وماتوا، أو أنه قد يرزق أبيه في المستقبل بأولاد آخرين بجانب هذا الابن الوحيد، وكل منا فريد ومتمايز عن الآخر ببصمة يد وبصمة صوت وبصمة عين وبحمض نووي مختلف من شخص لآخر. 

الحل:

للتغلب على الصعوبات السابق ذكرها فإن الحل الأمثل بإذن الله تعالى هو عدم ترجمة كلمة "أحد"، وإنما نقلها كما هي بطريقة الكتابة الصوتية، ثم وضع بين قوسين بجوارها توضيح معناها، وذلك لأسباب عدة منها أنه لم نقابل كلمة باللغة الأجنبية يمكنها أن ترادف معاني كلمة "أحد" على النحو الذي وضحناه، وأيضا فإنه يجب الأخذ في الإعتبار أن "الأحد" هو إسم من أسماء الله الحسنى والتي لا يصح ترجمتها، لأنه لا يصح ترجمة الأسماء، وإنما يجب نقل الأسماء كما هي.

شبهة:

لقائل أن يقول أن الآية الكريمة تقول "قل هو الله أحد" وليس "الأحد" أي أن "أحد" وردت كصفة وليس كإسم من أسماء الله تعالى الحسنى.

الرد:

نقول له إقرأ الآية مع الآية التي تليها "قل هو الله أحد * الله الصمد"، فكلمتا "أحد" و"الصمد" جاءا للتعريف بالله تعالى، وعليه فيحتمل أن تكون كلمة "أحد" وردت هنا كإسم لله تعالى على نفس سياق كلمة "الصمد"، وممكن أن تكون كلمة "أحد" وردت هنا كصفة لله تعالى وليس كإسم، والخلاصة أنه لا نستطيع من سياقها في الآية أن نجزم إن كانت وردت بها كصفة أم كإسم لله تعالى، أما إذا كانت الآية تقول (قل هو الله أحدا في ذاته) لقلنا أنها وردت هنا كصفة وليس كإسم. ولهذا فالأفضل عدم ترجمتها ونقلها كما هي فهذا هو الأحوط والأسلم والله أعلم.

 

نماذج من بعض الترجمات باللغات المختلفة لمعنى كلمة "أحد"

الترجمة الإنجليزية (مجمع الملك فهد)

Say (O Muhammad) ‘‘He is Allah, (the) One

قل (يا محمد) هو الله (ال) واحد.

 

الترجمة الفرنسية (مجمع الملك فهد)

Dis: «Allah est l'Un.» 

قل هو الله الواحد.  

 

الترجمة الإيطالية (مجمع الملك فهد)

Di’: «Egli Allah è Unico, 

قل هو الله الفريد.

 

الترجمة التركية (مجمع الملك فهد)

De ki: O, Allah birdir.  

قل: هو الله الواحد.

 

الترجمة البرتغالية (مجمع الملك فهد)

Dize: Ele é Allah, Único

قل هو الله، الفريد.

 

الترجمة المجرية (مجمع الملك فهد)

Mondd: "Ő Allah, az Egyedüli, az Egyetlen (itt az arab eredetiben egyetlen jelző áll: Ahadun. Ám egyetlen magyar jelzőt erőtlennek tartottam volna az „egyetlenség” kifejezésére.) 

قل هو الله الواحد الذي لا يوجد إله غيره. (*ملحوظة: الكلمة العربية هي "أحد" ولكن لكي نقول "لا يوجد إله غيره" تبدو أنها ليست كلمة قوية كفاية لإيضاح المرادف)

 

ملحوظة: كما نرى هنا عدم إرتياح المترجم بسبب قيامه بترجمة كلمة أحد وإعترافه بالعجز عن إيجاد كلمة قوية كفاية لإيضاح المرادف.

 

الترجمة الإسبانية

Di: ‘‘Él es Al-lah, Uno.  

(قل هو الله، واحد).

 

وهنا نماذج من ترجمات آخرى ولكن باللغة الإنجليزية:

Pickthall:

Say: He is Allah, the One!

قل هو الله الواحد. 

Yusuf Ali:

Say: He is Allah, the One and Only;

قل هو الله الواحد ولا يوجد (إله) غيره.

Shakir:

Say: He, Allah, is One.

قل هو، الله، واحد  

Sarwar:

(Muhammad), say, "He is the only God.

(يا محمد) قل هو الإله الذي لا غيره.

Arberry:

Say: 'He is God, One,

قل هو الإله، واحد.  

Sahih International:

Say، «He is Allah، [who is] One، (* i.e., single, unique and indivisible.)

  قل: هو الله (الذي هو) واحد (* وفي الهامش كتب: أي: مفرد، فريد، لا يتجزأ)

 

 وقد حاولنا نحن ترجمة معاني تلك الآية الشريفة بترجمة آخرى يمكن التطوير حتى عليها مستقبلا بأمر الله تعالى:

Say (O Muhammad): He is Allah, (the) Ahad (the One and Only God Who deserve to be worshipped. He has no partner or similar. No one shares Him in His Divine Attributes, no one can perform His Divine Acts and no one has a self like His Divine Self. He is Indivisible and not three in one as the Christians say. He never Had a wife or son.). 

قل (يا محمد): هو الله، (ال) أحد (الواحد الذي لا يوجد إله مستحق للعباده غيره، وليس له شريك أو مثيل. أحدٌ في صفاته فلا يشاركه في صفاته الإلهية أحد، أحدٌ في أفعاله فلا يشاركه في أفعاله الإلهية أحد، أحدٌ في ذاته فلا يشاركه في ذاته الإلهية أحد، وليس بثالث ثلاثة كما إدعت النصارى. ولا صاحبة له أو ولد) 

 

2- قال الله تعالى: "الله الصمد":

نماذج من بعض الترجمات باللغات المختلفة لكلمة "الصمد":

الترجمة الإنجليزية (مجمع الملك فهد)

Allah-us-Samad [Allah- the Self-Sufficient Master, Whom all creatures need, (He neiher eats nor drinks)].

 الله الصمد (الله السيد القائم بذاته بلا إحتياج من أحد، كل المخلوقات تحتاجه، وهو لا يأكل أو يشرب) 

 

ملحوظة: هذه الترجمة تلافت بفضل الله المشاكل التي ذكرناها قبلا، ولكن نقصت شيئا في تعريف الصمد سنذكره بالأسفل

 

الترجمة الفرنسية (مجمع الملك فهد)

«Il est le Refuge Absolu.»  

هو الملجأ المطلق أي الذي يلجأ إليه الجميع-

 

الترجمة الإيطالية (مجمع الملك فهد)

Allah è l’Assoluto [Colui verso il Quale tendono tutte le creature, Colui che è Unità assoluta, l’Impenetrabile, l’Eterno; questi alcuni dei significati di «as-Samad» che abbiamo tradotto con ‘‘l’Assoluto’’] 

الله المطلق (الذي إليه تتجه كل المخلوقات، الواحد الذي هو مطلق في وحدانيته، المنيع، الأبدي. تلك هي بعض معاني كلمة "الصمد" والتي ترجمناها ب"المطلق"

ملحوظة: كما نرى هنا فإن المترجم قد شعر بالتردد وعدم الإرتياح والرضا بسبب إختياره لكلمة المطلق كمرادف لإسم الله تعالى الصمد، ومن ثم كتب بين قوسين: (تلك هي بعض من معاني كلمة الصمد والتي ترجمناها بالمطلق)!!!

 

الترجمة التركية (مجمع الملك فهد)

Allah sameddir (*)

الله الصمد.   

(ثم وضع المترجم في الترجمة ملحوظة للمراد بإسم الله الصمد، وقد أصاب في هذا، ولكن لا أعرف كيف عرف إسم الله الصمد لأن التعريف باللغة التركية).

 

الترجمة البرتغالية (مجمع الملك فهد)

Allah é O Solicitado 

الله المرجو أو المطلوب.

 

الترجمة المجرية (مجمع الملك فهد)

Allah, as-Samadu (az Úr, Akihez minden teremtmény fordul) (*az „as-Samadu” arab szó lefordíthatatlan bármely más nyelvre. A zárójelben megadott magyarázó szöveg Ibn Abbásztól maradt fenn. Al-Haszan-tól maradt fenn: „Az Élő, a Fenntartó, Akire nem vonatkozik az elmúlás”. A különböző magyarázatok a Kommentárokban olvashatók.)

(الله الصمد. (الرب الذي إليه تتجه كل المخلوقات-في حوائجها-) (*ملحوظة: الكلمة العربية "الصمد" لا يمكن ترجمتها لأي لغة آخرى. الشرح الذي بين القوسين هو من ابن عباس. الحسن قال: "الحي، القيوم، الذي لا يموت". وهناك معاني آخرى عديدة.)

 

ملحوظة: نستطيع أن نرى هنا جليا عدم قناعة المترجم بترجمة إسم الله الصمد، وقد أصاب في هذا، ولكن لا أعرف إن إعتمد هذا الأسلوب في باقي الترجمة، بحيث أنه لم يترجم أسماء الله الحسنى أم لا.

 

الترجمة الإسبانية

Al-lah es el Absoluto (* De Quien todos necesitan، mientras que Él no necesita de nadie.

الله المطلق (الذي يحتاجه الجميع، وهو لا يحتاج لأحد).

  

وهنا نماذج من ترجمات آخرى ولكن باللغة الإنجليزية:

Sahih International:

Allah، the Eternal Refuge. (* i.ethe one sought in times of difficulty and need، the one depended upon by all existence.) 

الله، الملجأ الأبدي. أي الذي يلجأ إليه الجميع. (*ملحوظة: أي الذي يطلبه الناس في أوقات الشدة والحاجة، والذي يعتمد عليه الوجود كله) 

Pickthall:

Allah، the eternally Besought of all!

(الله الذي يتضرع إليه الجميع أبدا)

Yusuf Ali:

Allah، the Eternal، Absolute;

(الله، الأبدي، المطلق)

Shakir:

Allah is He on Whom all depend.

(الله الذي عليه يعتمد الجميع)

Muhammad Sarwar:

God is Absolute.

 (الإله هو مطلق)

Arberry:

God، the Everlasting Refuge،

(الإله، الملجأ الأبدي. أي الذي يلجأ إليه الجميع)

 

وقد حاولنا نحن ترجمة معاني تلك الآية الشريفة بترجمة آخرى يمكن التطوير حتى عليها مستقبلا بأمر الله تعالى:

Allah As-Samad (the Self-Sufficient, the Perfect in His Glory and Honour, in His Attributes, knowledge and power. Who needs nothing from His creatures but Whom all creatures need, and He neither eats, nor drinks, nor dies)

الله الصمد (القائم بذاته بلا إحتياج من أحد، الذي كمل في سؤدده وعظمه، وفي صفاته، وفي علمه، وفي قدرته، الذي لا يحتاج شئ من مخلوقاته، ولكن كل مخلوقاته تحتاج إليه، وهو لا يأكل ولا يشرب ولا يموت)

الفصل الثاني

تعليقات على ترجمة سورة المطففين

1- قال تعالى: "وما أدراك ما سجين":

من الأخطاء الشائعة في الترجمات هو ترجمة الأسلوب التعبيري ترجمة حرفية!! 

مثال في قوله تعالى: "وما أدراك ما سجين" فإن المراد هو إظهار مدى هول وفظاعة "سجين"! وفي قوله تعالى: "وما أدراك ما عليون" فالمراد هو إظهار عظمة "عليين"! وفي قوله تعالى: "وما يدريك لعله يزكى" فهذا سؤال إنكاري وليس إستفهامي!! 

ولكن جميع الترجمات التي اطلعت عليها ترجمت معاني الثلاث آيات بطريقة توحي أنها أسئلة إستفهامية، كما سيتبين بالأسفل.

نماذج من بعض الترجمات باللغات لعبارة "وما أدراك":

الترجمة الإنجليزية (مجمع الملك فهد)

And what will make you know what Sijjin is? 

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو سجين؟

 

الترجمة الإسبانية 

¿Y qué te hará saber lo que es un libro ineludible?

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو الكتاب الحتمي؟

 

الترجمة الإيطالية (مجمع الملك فهد)

e chi mai ti farà comprendere cos'è la segreta?

ومن سيشرح لك ما هو السجن؟

*)"la Segreta": con questo termine che abbiamo reso "as-sijjin" poiché molti tra i piú autorevoli commentatori hanno scritto che esso implica il concetto di "sotterraneo" e di carcere. Secondo altri si tratta del nome proprio della lista che، nell'Inferno، registrerà il nome dei dannati, ipotesi avvalorata dal vers. 9.

وكان المترجم قد عرف ما هو السجن، في ترجمة معاني الآية التي تسبقها بالآتي: ("السجن" بهذا المصطلح نحن نقصد به "السجين" والذي قد عرفه بعض المفسرين بأنه "تحت الأرض" وفي السجن. مفسرون آخرون قالوا بأنه قائمة في جهنم بها أسماء أهل النار. وهي فرضية مدعومة بالآية رقم 9.)

 

الترجمة الفرنسية (مجمع الملك فهد)

Connais-tu ce Sijjin?

وهل تعرف هذا ال"سجين"؟

C'est un registre aux inscriptions précises

وهنا قام المترجم بتعريف "سجين" على أنه كتاب مرقوم وهذا خطأ لأن كتاب مرقوم يعود على كتاب الفجار وليس على سجين.

 

وهنا نماذج من ترجمات آخرى ولكن باللغة الإنجليزية فقط:

Sahih International:

And what can make you know what is sijjeen?

وأي شئ يمكن أن يجعلك تعرف ما هو سجين؟

Pickthall:

Ah! what will convey unto thee what Sijjin is! -

ها! وأي شئ سوف ينقل إليك ما هو سجين!

Yusuf Ali:

And what will explain to thee what Sijjin is?

وأي شئ سوف يشرح لك ما هو سجين؟

Shakir:

And what will make you know what the Sijjin is?

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو سجين!؟

Muhammad Sarwar:

Would that you knew what Sijin is!?

هل لك أنت تعرف ما هو سجين!

Arberry:

and what shall teach thee what is Sijjin?

وأي شئ سوف يدرس لك ما هو سجين؟

 

وقد حاولنا نحن ترجمة معاني تلك الآية الشريفة بترجمة آخرى يمكن التطويرعليها مستقبلا بأمر الله تعالى:

And how can you know (i.e. you can’t imagine، o Muhammad) how (terrible) Sijjîn is!

وكيف يمكنك أن تعرف (أي: لا تستطيع أنت تتخيل يا محمد) ما (فظاعة وهول) سجين!

 

2- قال تعالى: "وما أدراك ما عليون":

نفس الخطأ السابق ذكره في ترجمة معنى قوله تعالى: "وما أدراك ما سجين" تم تكراره هنا في ترجمة معنى قوله تعالى: "وما أدراك ما عليون"

الترجمة الإنجليزية (مجمع الملك فهد)

And what will make you know what 'Illiyyun is?

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو عليون؟

 

الترجمة الإسبانية 

¿Y qué te hará saber lo que es un libro noble?

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو الكتاب النبيل؟

 

الترجمة الإيطالية (مجمع الملك فهد)

e chi mai ti farà comprendere cosa sono le Altezze?

ومن سيشرح لك ما هو الإرتفاع؟

 

الترجمة الفرنسية (مجمع الملك فهد)

Connais-tu ce qu’est ‘Illiyyin?

وهل تعرف ما هو عليين؟

 

وهنا نماذج من ترجمات آخرى ولكن باللغة الإنجليزية فقط:

Sahih International:

And what can make you know what is 'illiyyun?

وأي شئ يمكن أن يجعلك تعرف ما هو عليون؟

Pickthall:

Ah، what will convey unto thee what 'Illiyin is! -

ها! وأي شئ سوف ينقل إليك ما هو عليين! -

Yusuf Ali:

And what will explain to thee what 'Illiyun is?

وأي شئ سوف يشرح لك ما هو عليون؟

Shakir:

And what will make you know what the highest Iliyin is?

وأي شئ سوف يجعلك تعرف ما هو عليين العالية؟

Muhammad Sarwar:

Would that you knew what Illiyin is!

هل لك أنت تعرف ما هو عليين!

Arberry:

and what shall teach thee what is Illiyun?

وأي شئ سوف يدرس لك ما هو عليون؟

 

وقد حاولنا نحن ترجمة معاني تلك الآية الشريفة بترجمة آخرى يمكن التطوير حتى عليها مستقبلا بأمر الله تعالى:

And how can you know (i.e. you can’t imagine, o Muhammad) how (great) ‘Illiyyûn is

وكيف يمكنك أن تعرف (أي: لا تستطيع أنت تتخيل يا محمد) ما (عظم أمر) عليون!

 

 

الفصل الثالث

تعليقات حول ترجمات معاني سورة قريش

قال تعالى: "لإيلاف قريش":

حرف "اللام" في كلمة "لإيلاف":

ذكر أهل العلم عن حرف "اللام" ثلاثة أقوال كلها صحيحة المعنى بأمر الله تعالى، وهم:

1- لام تعليل: لذكر سبب إبادة الله تعالى لجيش أبرهة الأشرم، وهذا السبب هو "لإيلاف قريش"، أي من أجل أن تحافظ قريش على إلفها ووحدتها وإستقرار معيشتها وتجارتها ومكانتها بين العرب بإعتبارها المركز الديني للجزيرة العربية إلخ، فعلى الرغم من أن قريش كانت تشرك بالله تعالى إلا أنه لم ينصر عليهم جيش أبرهة النصراني حتى لا تصطبغ الجزيرة العربية بالصبغة النصرانية، وحتى لا يتحول المركز الديني للجزيرة العربية من مكة إلى اليمن، وهكذا تكون الجزيرة العربية مستعدة لإستقبال نبي آخر الزمان صلى الله عليه وسلم.

2- لام تعجب: أي انظروا واعجبوا من إلف قريش وإستقرارها ووحدتها في بقعة غير ذي زرع أو ماء أو حماية، وكيف حماهم الله تعالى من جيش أبرهة، وأمدهم بالأمن بضمهم في بيوت حول بيته الحرام، وبماء زمزم، وبمؤن من رحلتي التجارة، ومن ثم بدلا من أن يعبدوا الذي أمدهم بكل هذا، اتجهوا لعبادة غيره!!

3- لام مآل: أي أن الله تعالى عندما أباد جيش أبرهة لحماية بيته الحرام كان من مآل وعاقبة ونتيجة هذا هو أن قريش قد حافظت على مكانتها بين القبائل العربية، يهابها الجميع ولا يجرأ أحد على مهاجمة قوافلها أو بيوتها، وظلت في إستقرار وإلفة. فليعبدوا إذن رب هذا البيت، الذي حمى بيته ولم يستطع لا أبرهة ولا جنوده هدمه، وليتركوا ما يعبدون من دونه من أصنام لا تدفع عنهم ضراً ولا تجلب لهم نفعاً، فهو الذي أنعمَ عليهم وأطعمَهم من بعد جوع وءامَنَهم من بعدِ خوف.

معنى كلمة "إيلاف"، وقد قيل فيها عدة أقوال، منها:

1- ألفة وتجمع ومؤانسة: فقد ذُكر أن قصي جد النبي صلى الله عليه وسلم هو من جمعهم في بيوت حول الحرم بعد أن كانوا في بيوت شتى مترامية، فأصبحوا بذلك في تجمع وألفة، يأنس بعضهم بعضا.

2- تعود وإلفة: وهو تعود وإلفة قريش للمكان الذي تعيش فيه، وهذه نعمة عظيمة أمدهم الله تعالى بها، وهي تستحق التعجب والتفكر فيها، فكيف أنهم يعيشون في مكان قاحل غير ذي زرع أو ماء أو حماية، أي أن كل أسباب الإلفة للمكان منتفية، ولكن الله عز وجل قد أمدهم بالمؤن عبر رحلتيهما، وأمدهم بالماء من بئر زمزم، فقد قال عزوجل: "الذي أطعمهم من جوع"، وجمعهم في بيوت حول بيته الحرام فهابهم العرب ولم يجرأ أحد على مهاجمتهم، وقد ذكر الله تعالى هذا في قوله: "أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" سورة العنكبوت الآية 67، وقال أيضا عز وجل: "وءامنهم من خوف". وقد ذكر أن أول من سن تلك الرحلتين هو هاشمُ بن عبد مناف جد الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وسبب ذلك أنه كانت تعتريهم خصاصة، فإذا لم يجد أهل بيت طعاما لقوتهم حمل رب البيت عياله إلى موضع معروف فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعا، ويسمى ذلك بالإعتفار، فحدث أن أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهموا بالإعتفار فبلغ خبرهم هاشما، فقام هاشمُ خطيبا في قريش وقال: "إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب.."، ثم جمع كل بني أب على رحلتين للتجارات، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته حتى صار فقيرهم كغنيهم. ولم تزل الرحلتان من إيلاف قريش حتى جاء الإسلام وهم على ذلك. 

3- جمع وضم أو إجتماع وإلتئام: وهو قد يعني جمعهم لرحلتي الشتاء والصيف وبذلك تأمنت لهم موارد العيش صيفا وشتاءا، وقد يعني إجتماعهم ووحدتهم وإلتئامهم في بيوت حول البيت الحرام.

4- أمان وعهد يؤخذ لتأمين خروج التجار من أرض إلى أرض: فقد ذكر أن هاشمَ بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الإيلاف، أي هو الذي أخذ العهد من ملك الشام على حماية رحلة الصيف إلى الشام، ومن حكومة اليمن في رحلة الشتاء. وهكذا كانت قريش تُسيّر قافلتيها في أمان ودون خوف.

الخلاصة: 

كل تلك المعاني المذكورة هي معاني صحيحة وكل منها ينسجم ويعضض معنى الآخر!! فكل منهم يوضح حالة قريش كيف كانت، وأين وكيف عاشوا بين خوف وجوع وظمأ، فاعجبوا كيف أمدهم الله تعالى بالأمن والموؤنة، من بعد جوع وخوف، وجعلهم في إلفة في بيئتهم، ودمر جيش أبرهة الذي أراد تشتييت جمعهم وأراد سحب منهم المكانة الدينية بين العرب بنيته هدم الكعبة وبناء كنيسته في اليمن!! واعجبوا كيف تركوا عبادة الذي أمدهم بكل هذا، وعبدوا غيره، فالله تعالى هو رب هذا البيت الذي أنتم في حماية بسببه من القبائل العربية، فبسببه تهابكم العرب ولا يجرأ على مهاجمتكم أحد، وأصبحتم في مكانة عالية بين القبائل العربية، فالعرب كانت تحج إلى البيت في كل عام، وهكذا أصبحتم المركز الديني في الجزيرة العربية.

وهكذا فإن المعاني السامية لتلك السورة الكريمة ومقصدها هو تذكير قريش بنعم الله تعالى عليهم، فكيف كانوا وكيف أصبحوا، وأيضا حضهم على عبادة رب البيت العتيق، وشكر نعمه وإحسانه عليهم، ومعرفة قدر الأمان والكفاف من الجوع، بعد أن كانوا في فاقة وخوف. 

إلا أنه كل ما ذكرناه من تلك المعاني عندما نتأمل الترجمات التي حاولت ترجمة معاني تلك السورة الكريمة فنجد إختلافا بيّناً، فمثلا: 

1- الترجمة الإنجليزية (مجمع الملك فهد)

(It is a great Grace from Allah) for the Protection of the Quraish،

(إنها حقا نعمة عظيمة من الله) لحماية قريش،

 

2- الترجمة الفرنسية (مجمع الملك فهد)

Eu égard aux habitudes (*) des Quraysh; (*Pour certains exégètes، le mot ‘‘ilaf’’ signifie un pacte de protection pour les caravaniers

بالنظر لعادات قريش، (ملحوظة في الهامش أسفل: بالنسبة لبعض المفسرين الكلمة "إيلاف" تعني عهد حماية للقوافل)

 

3- الترجمة الإيطالية (مجمع الملك فهد):

Per il patto dei Coreisciti،

من أجل عهد -أمان- قريش (يقصد عهد أمان خروج التجار للتجارة الذي أخذه هاشم من ملك الشام واليمن)

 

4- الترجمة الإسبانية:

Le proporcioné seguridad a [la tribu de] Quraish،

أعطيت حماية ل(قبيلة) قريش

 

5- الترجمة الروسية (مجمع الملك فهد)

Ради единения курейшитов

لوحدة قريش

 

6- الترجمة المجرية (مجمع الملك فهد)

A Qurays tőrzs egyezségéért (*Ez a Vers szorosan kapcsolódik az előtte álló szúra utolsó verséhez، tette ezt a Magasztos Allah، hogy biztonságot nyújtson nekik، és egyezségre és megegyezésre jussanak)

لوحدة قريش (ملحوظة كتبها المترجم في الهامش: هذه السورة متعلقة بعض الشئ بالسورة التي قبلها، فالله عز وجل فعل هذا لكي يوفر لهم الحماية والأمن).

 

وهنا نماذج من ترجمات آخرى ولكن باللغة الإنجليزية:

Sahih International:

For the accustomed security of the Quraysh (* i.e. the honor and reputation Allah had gived them as guardians of the Holy Ka‘bah, which allowed them to travel without fear of being harmed)

من أجل الحماية المعتادة لقريش (ملحوظة وضعها المترجم في الهامش أسفل: أي: الشرف والسمعة التي الله أعطاها لهم بأنهم حراس الكعبة المشرفة، -ذلك الشرف- الذي جعلهم يسافرون بدون خوف أن يؤذيهم أحد)

Pickthall:

For the taming of Qureysh.

من أجل ترويض قريش

Yusuf Ali:

For the covenants (of security and safeguard enjoyed) by the Quraish,

من أجل العهود (للأمن والحماية المتمتع بها) قريش،

Shakir:

For the protection of the Qureaish-

من أجل حماية قريش

Muhammad Sarwar:

For God's favors to them during their summer and winter journeys,

من أجل نعم الله عليهم خلال رحلة الشتاء والصيف

Arberry:

For the composing of Koraish,

من أجل تجمع قريش

 

السؤال هنا هو: إذا كانت اللام قبل كلمة "إيلاف" هي "لام تعجب"، فأي شئ يثير التعجب في كل ما ذكر في الترجمات السابقة؟ بمعنى آخر هل المراد هو اعجبوا لحماية قريش أو اعجبوا من حصول هاشم بن عبد مناف عهد أمان لخروج التجار للتجارة أو اعجبوا من وحدة قريش؟!

وإن كانت اللام هي "لام تعليل"، فهل المراد هو أن الله تعالى قد دمر جيش أبرهة الأشرم لعهد أمان خروج التجار الذي أخذه هاشم بن عبد مناف؟ أو دمره لحماية قريش؟ أو دمره لوحدة قريش؟ وهل تعني كلمة "إيلاف" باللغة العربية "حماية" أو "وحدة"؟!

وإذا كانت "لام مآل"، فهل المراد هو أن الله تعالى قد دمر جيش أبرهة ومن عاقبة هذا حصول هاشم بن عبد مناف والذي قد مات قبل واقعة الفيل بكثير من الأعوام لعهد أمان لخروج التجار للتجارة؟ أو وحدة قريش؟ أو حماية قريش؟!

وما علاقة تدمير جيش أبرهة بحماية قريش أو وحدتها أو تجارتها!! فغرض أبرهة كان هدم الكعبة دون التعرض بسوء لقريش أو لوحدتها أو لتجارتها، والدليل على ذلك هو أن جد النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالخروج للجبال عند قدوم جيش أبرهة، ولم يقم أبرهة بملاحقتهم، وإنما كان غرضه فقط هو هدم الكعبة! بمعنى آخر أنه لو تم إعتماد في ترجمة ما معنى واحد من معاني كلمة إيلاف ومرادها وفصله عن باقي المعاني الآخرى وعدم وضعهم في الترجمة فإن المعنى المراد من الآية الكريمة لا علاقة له بما قد تمت ترجمته!

 

وقد حاولنا نحن ترجمة معاني تلك الآية الشريفة ترجمتين (الأولى مختصرة مبسطة – والثانية متوسعة)، يمكن التطوير عليهما مستقبلا بأمر الله تعالى:

الترجمة المبسطة الموجهة للقارئ العادي:

(Look how Allah has destroyed the elephant army and how many favours He has granted to Quraish) For Quraish’s accustomed familiarity (stability, unity, safety, travel in safety, means of livelihood although they live in an uncultivated desert.) 

 

(انظر كيف دمر الله جيش الفيل وانظر كم من نعمة أنعم الله بها على قريش) لتعود وألفة قريش (وإستقرارهم، ووحدتهم، وحمايتهم، وسفرهم بأمان، وتوفير مصادر الرزق والمعيشة لهم رغم عيشتهم في منطقة قاحلة بلا زرع أو ماء).

 

الترجمة المتوسعة الموجهة للأكاديميين والمتخصصين من اللاهوتيين والأساتذة والمفكرين:

(Look how many favours Allah has granted to Quraish) For Quraish’s accustomed familiarity (stability, unity, safety, travel in safety, means of livelihood, i.e look how Allah made them stable, united and gathered in houses around the Holy Mosque after they were in scattered houses, so the Arab tribes couldn’t attack them because they dwell in the Sacred City, and look how He did destroy the elephant army and as a result of this they kept their unity and respected position between the Arab tribes, and look how He made them to have their means of livelihood and stability of living although they live in an uncultivated desert through their two regular commercial trips, and no one among the Arab tribes could attack their caravans because they are the dwellers of the Sacred City, and the Arab tribes go to it for pilgrimage every year)

 

(انظر كم من نعمة أنعم الله تعالى بها على قريش) لتعود وألفة قريش (إستقرار، وحدة، حماية، ومصادر الرزق والمعيشة، والسفر بأمان، أي: انظر كيف جعلهم الله مستقرين متوحدين ومجتمعين في بيوت حول البيت الحرام بعد أن كانوا في بيوت متشتتة في الجبال، وهكذا لم تجرأ القبائل العربية على مهاجمتهم لأنهم ساكني البلد الحرام، وانظر كيف دمر الله تعالى جيش الفيل وكنتيجة وعاقبة لذلك احتفظت قريش بوحدتها ومكانتها بين القبائل العربية، وانظر كيف أمدهم الله بوسائل الرزق حتى تستقر معيشتهم رغم أنهم يعيشون في منطقة قاحلة بلا زرع أو ماء وذلك عبر اعتيادهم لرحلتي الشتاء والصيف، ولم يجرأ أحد على مهاجمة قوافلهم لأنهم ساكني البلد الحرام والقبائل العربية تذهب إلى هناك للحج كل عام).

 

تعليق على ترجمتنا لمعاني الآية الكريمة "لإيلاف قريش":

لقائل أن يقول ولكن هذا شرح متوسع لآية عدد كلماتها "حرف وكلمتين".

الرد: 

١- إن كلام الله تعالى ليس ككلام البشر، وإنما هو كلام معجز، قليل في عدد كلماته كثير في معانيه ودلالاته. وللآية الكريمة دلالة تاريخية ترتبط بحادثة الفيل ودلالة جغرافية ترتبط بالبيئة الجغرافية التي عاش فيها العرب، وعلى هذا فالأفضل توضيح تلك الدلالات للقارئ غير العربي والذي ذكرنا عنه سابقا أنه ليس لدية لا خلفية لغوية أو تاريخية أو دينية عن الإسلام.

٢- إن الهدف من ترجمة معاني القرآن الكريم هو إيصال رسالته للعالمين، ولو كان رب العزة يقول اعجبوا من كل هذه النعم التي أنعمت بها على قريش، فإننا في الترجمة وجب علينا ترجمة أسلوب التعجب هذا، أما ترجمة معاني الآية ب "يا لعهد أمان قريش" أو "يا لحماية قريش"، فقد يقول القارئ غير العربي أنه لا يفهم ما وجه التعجب من هذا؟!

٣- أمرنا الله عز وجل بتدبر آياته والتفكر في معانيها ودلالاتها، فقال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، وقال تعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ".

وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين.. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها.. فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح، فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب، ولهذا قال ابن مسعود: لا تهذوا القرآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، لا يكن هم أحدكم آخر السورة. وروى أبو أيوب عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال: لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ. اهـ. 

وهذا التدبر لن يحصل للقارئ العربي بدون أن يقرأ تفسير الآيات، فكثير من العرب قد يقرأ آيات الله عز وجل ولكن دون أن يفهم معانيها، وإنما هو قارئ لحروفها وكلماتها، ونفس الأمر ينطبق على القارئ غير العربي، فإنه لن يتدبر آيات الله تعالى إذا قرأ كلمات دون معاني، فالترجمة هنا كما قلنا هي ترجمة معاني القرآن الكريم وليس ترجمة كلمات القرآن الكريم. 

ويكفي أن نقول أنه لو تم الإهتمام بترجمات معاني القرآن الكريم وأن تكون حقا ترجمات لمعاني وليست ترجمات حرفية، فعندها بأمر الله تعالى ستتحرك الدعوة على نحو لم يسبق له مثيل.

 

وبالله التوفيق.،