About the article
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 292
الشيخ : ...وأنا في الحقيقة معجب بشيء ما أحد يعني فكر فيه أو ربما فكر ولكن ما عبر عنه وهو أن الرسول عليه السلام رسام ماهر لكنه إنما يرسم ما يجوز وليس ما يحرم لأنه حرم التصوير لذوات الأرواح ولكنه هنا صور الخط المستقيم والخطوط الأخرى المعاكسة له فصور الخط المستقيم خطا طويلا وصور حوله ليس خطوطا طويلة ، وهذه المهارة في الرسم وإنما هي خطوط قصيرة لماذا ؟ لحكمة بينها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تمام الحديث لما تلا بعد أن صور هذه الصورة الرائعة وقرأ عليها الآية قال هذا صراط الله ، وهذه طرق وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ؛ أيش معنى هذا الكلام ؟ في هنا كلام يتلفظ به لسان الرسول عليه السلام ، لكن هناك كلام لم يتلفظ به وإنما رسمه لأصحابه على الأرض وهي أن هذا الطرق قصيرة مغرية للسائرين على الدرب الطويل ، فإن على كل رأس طريق من هذه الطرق القصيرة شيطان ، كأنه يقول للسالكين على الصراط الطويل ... أين رايحين متى ستصلوا شوفوا ما أقرب هذا الطريق فإليّ إلىّ ؛ ولذلك تجد ليس فقط الضالين الشاردين الخارجين عن دائرة الإسلام بل وبعض المسلمين أنفسهم انغشوا بنصيحة الشيطان والشيطان ما عمره نصح مسلما لا في قديم الزمان ولا في آخر الزمان ، يقولون إن سلكنا هذا الطريق الطويل أي إذا أردنا كما قال ذلك الحكيم المعاصر " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضك " هذه شغلة طويلة ، متى نحن سنصلح أنفسنا ونصلح ذرارينا وأهالينا هذه شغلة طويلة نحن نريد أن نقيم دولة الإسلام ، من يقيم دولة الإسلام ؟ فاقد الشيء لا يعطيه ؛ إذا يجب أن نتعلم علما نافعا وأن نعمل عملا صالحا ولا يكون ذلك إلا بالاعتبار بهذا الرسم النبوي الكريم (( وأن هذا صراطي مستقيما ... )) وقد صرح الرسول عليه السلام بأن هذه الطرق عددها اثنين وسبعين طريقا ، قال ذلك بلسانه العربي المبين في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )، انظر هذا الحديث كيف ينطبق على ذاك الحديث أو على الآية (( وأن هذا صراطي )) أي طريق واحد (( مستقيما )) الناجي هو الذي يمشي على ذاك الطريق والوحيد ، والهالك هو الذي يمشي على الطرق المتفرعة ، من ذاك الطريق المستقيم ، كلها هذه الفرق ، كلها هالكة غير ناجية إلا واحدة ، قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) ؛ إذا قد أدى الرسول عليه السلام الرسالة وبلغ الأمانة فبعد أن بيّن أنه لا طريق للوصول إلى الله إلا طريقا واحدا بيّن للمسلمين الآتين في قريب الزمان أو بعيده أن هذا الطريق هو ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه الكرام ، هذا صريح في هذا الحديث ، الفرقة الناجية هي التي تكون على ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه وقد أكد ذلك عليه السلام في أحاديث كثيرة منها حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قال العرباض : ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله أوصنا )، وفي بعض الروايات التي كانت مرت بي قديما ( قالوا إنا لنراك توصينا وصية فأوصنا وصية لا نحتاج إلى أحد بعدك أبدا ، قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولى عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) هذه الطرق ( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) العض إنما يكون عادة بالأسنان الموجودة في مقدمة الفم ، لا يكون العض فالأضراس لكن هذا كناية عن المبالغة في التمسك بهدي الرسول عليه السلام وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ( عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، وفي الحديث الآخر ( وكل ضلالة في النار ) فإذا من أراد أن يكون ، هذا خلاصة ما أريد أن أختم به هذه الكلمة من أراد أن يكون من الفرقة الواحدة الوحيدة الناجية عليه أن يتعرف على الكتاب والسنة وأن يعمل بذلك في حدود الاستطاعة مخلصا لله عزوجل ، وبذلك يكون من الفرقة الناجية ؛ أما إذا كان مخلصا في أعلى درجات الإخلاص في عبادة الله عز وجل ولكن هذه العبادة لم تكن على سنة الرسول عليه السلام وسنة الخلفاء الراشدين فتلك عبادة يضرب بها وجه صاحبها مع إخلاصه فيها ؛ لأننا ذكرنا آنفا يشترط في قبول العبادة شرطان : أن تكون وفق السنة ، وأن يكون صاحبها مخلصا لله عز وجل ؛ فكما نفترض إنسانا على السنة في كل العبادات ولكنه غير مخلص فعبادته مرفوضة لأنه أخل بشرط الإخلاص كذلك العكس بالعكس ، إذا افترضنا إنسانا مخلصا فيما هو من طاعة وعبادة لله ولكنه يعبد الله على غير ما جاء به الرسول عليه السلام فعبادته مردودة عليه ، ذلك ما جاء فيه حديث أنس بن مالك في الصحيحين ولعلي وأعينوني على ما أقول لعلي أختم الكلام بهذا الحديث وبس منشان يرضى الأستاذ علي ، حديث أنس في صحيح البخاري ومسلم قال : جاء رهط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجدوه في داره فسألوا نساءه عن عبادته عليه السلام عن صيامه في النهار وقيامه في الليل وإتيانه للنساء ، فقلن للسائلين لهؤلاء الرهط إن الرسول عليه السلام يقوم الليل وينام ويصوم ويفطر ويقرب النساء ، قال أنس فتقالوها أي وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة ، وجدوا عبادة الرسول قليلة ، وهذا في الواقع خطأ كبير صدر من هذا الرهط حيث أن الرسول عليه السلام أعبد الناس كما سيأتي بيانه ؛ لكن عادوا إلى شيء أسوأ من قولهم حيث عللوا قولهم بقولهم هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، أي لماذا يتعب حاله ، هم كانوا يتصورون باعتبار أن الرسول عليه السلام كما هو الواقع أعبد الناس وأتقى الناس كانوا يتصورون أنه قائم الليل كله ، وصائم الدهر كله ، وشو بده بالنساء ، وكما يقول الحديث الموضوع " ضاع العلم بين أفخاذ النساء " فشو بدهم بقى ؟ بأن الرسول يتصوروا هم أن الرسول يقرب النساء ، هو أعلى من ذلك وأسمى هكذا تصوروه راهبا ، صائم الدهر قائم الليل كله ؛ ولذلك لما فوجئوا بأن الأمر وواقع الرسول ليس كذلك وإنما هو يصوم ويفطر ويقوم الليل وينام ويتزوج النساء عللوا ذلك بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلماذا يتعب هو نفسه ، قالوا ورجعوا إلى تعليلهم هنا انظروا كيف الجماعة مخلصين لكن عملهم على خلاف السنة ، يريدون أن يعبدوا الله حتى يستحقوا مغفرة الله ؛ فسألوا عن عبادة الرسول فما أعجبتهم لكن مع ذلك عللوا ذلك بعلة غير صحيحة أن الله غفر له وبس وانتهى الأمر ؛ أما نحن فيجب علينا أن ندأب وأن نتعب حتى إيش ؟ نستحق مغفرة الله تبارك وتعالى ، كيف يكون ذلك ؟ تعاهدوا بينهم ، قال أحدهم أما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، أقوم الليل ولا أنام ؛ وقال الآخر أصوم الدهر ولا أفطر ؛ قال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، وتعاهدوا على ذلك ، تحدثوا بهذا الحديث ونساء الرسول وراء الحجاب يسمعون هذا الكلام ؛ وبعد قليل جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقصصن عليه قصة الرهط وما قالوا ، فسرعان ما خرج الرسول إلى المسجد وقام خطيبا قال : ( ما بال أناس يقولون كذا وكذا وكذا ، واحد يقول أصوم الدهر ولا أفطر ، الثاني أقوم الليل ولا أنام ، الثالث يقول لا أتزوج النساء ؛ يكنى عنهم ولا يسميهم ، وهذا من أدب الإسلام أن لا يسمي المخطئين لأن العبرة تحصل بدون تسمية بدون فضح ( ما بال أقوم يقولون كذا وكذا وكذا ، أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ، أما إني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) إذا علينا أن نتبع سنة الرسول عليه السلام وطريقة المستقيم ولا شيء بعد ذلك أبدا مع الإخلاص لله تبارك وتعالى فأولئك هم الناجون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من هؤلاء نقف ها هنا حتى نشوف إيش عندكم .
الحلبي : شيخنا ورد في أثناء الكلام حديث ستفتحون قسطنطينية فذكرتم هذا أنه من الغيب وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فما هو رأيكم في ضوء هذا الكلام بقول البوصيري في البردة :
" وإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم " .
هذا كثير من الناس يعني يمدحون به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرون أشياء أخرى ؟
الشيخ : والله هذا صحيح من كماله عليه الصلاة والسلام وعبوديته لله رب الأنام أنه خشي على أمة الإسلام أن يغالوا فيه كما غلت النصارى في عيسى عليهما الصلاة والسلام ، وهذا ما صرح به في حديث البخاري ومسلم أيضا المتفق على صحته حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد ، إنما أنا عبد لله فقولوا عبد الله ورسوله ) هذا في الحقيقة مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عبدا لله مخلصا تمام الإخلاص لدرجة أنه نهى أمته أن يرفعوه فوق منزلته التي وضعه الله عزوجل فيها ؛ ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدموا له شيئا آثروه على الجالسين كلهم فقال عليه السلام ( هذه أثره ولا أحب الأثرة ) ، هو يريد أن يكون فردا من أفراد أمته عليه السلام ، فقال لا تنزلوني فوق منزلتي التي أنزله الله عزوجل فيها ، وأي منزلة ؟ لقد أعطى المقام المحمود يوم القيامة ، يوم يشتد الكرب بالناس كما جاء في الحديث أيضا المتفق عليه بين البخاري ومسلم يجتمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد فتدنوا الشمس من رؤوس الناس ويشتد العرق لهؤلاء الذين هم في صعيد واحد مع ذلك ينفذهم البصر فيشتد من يصل العرق إلى قدمه ، ومنهم إلى ركبته ومنهم ومنهم من يكاد أن يلجمه العرق ، من يكاد أن يغرق في العرق من هول ذلك اليوم فيتفق الناس من أهل المحشر يتداولون بعضهم مع البعض ؛ يا جماعة نروح إلى آدم عليه السلام نستشفع به عند الله ، نتوسل به إلى الله تبارك وتعالى لعله يدعوا الله عز وجل أن يفرج ما بنا من الكرب فيذهبون إلى آدم فيقولون له أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسكنك الجنة ألا ترى ما نحن فيه ، ألا تشفع لنا عند الله تبارك وتعالى ؛ فيقول نفسي نفسي ، إني نهيت عن أكل الشجرة فأكلتها نفسي نفسي اذهبوا إلى نوح عليه السلام فإنه أول رسول أرسل إلى أهل الأرض فيأتون نوحا عليه السلام ويقولون نفس الكلام بدون إطالة وتكرار ويقولون له أنت أول رسول أرسلك إلى أهل الأرض ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا تشفع لنا عند الله ؟ فيقول نفسي نفسي إني دعوت دعوة لا تذر على الأرض من الكفرين ديارا ، اذهب إلى إبراهيم فإنه خليل الرحمن ، يذهبون إلى خليل الرحمن فيقول نفس الجواب نفسي نفسي إني كذبت ثلاث كذبات ، الله أكبر ، ليت كذبات البشر كلها تجتمع كلها وتساوي ثلاث كذبات ابراهيم عليه السلام ، الكذبة الأولى لما دعوه إلى عيدهم والاجتماع على معبوداتهم من دون الله ، قال ماذا ؟ قال إني سقيم ؛ والكذبة الثانية قال (( هذا ربي هذا أكبر )) ، معروف هذا في القرآن أيضا ، الكذبة الثالثة قال عن زوجته لفرعون هذه أختى ، وكل هذه الكلمات ...
الحلبي : الكذبة الثانية بل فعله كبيرهم هذا ؟
الشيخ : أي نعم ، هذا في بعض الروايات طبعا ، قال عن زوجته أختى وهذه لها قصة ؛ الشاهد فقال نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى عليه السلام فإنه روح الله فيذهبون إليه ويقولون نفس الكلام ، فيقول نفسي نفسي ، يقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه من تمام حكايته الآن لأن ذلك بوحي من ربه ولا يذكر ذنبا ، عيسى لا يذكر ذنبا ولكن يقول اذهبوا إلى محمد فإنه رجل قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؛ فيأتونني يقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيقولون له كما قالوا للأنبياء من قبل فيقول عليه الصلاة والسلام أنا لها ، أنا لها ، قال فأذهب وأسجد تحت العرش وأحمده تبارك وتعالى بمحامد لا أذكرها الآن يعني في الدنيا وإنما هي من وحي الساعة هناك في المحشر فيقول الله تبارك وتعالى مناديا له : يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعطى ؛ ذلك هو المقام المحمود الذي نحن نطلبه دائما بعد كل أذان فنقول ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمود الذي وعدته )، ويقول الرسول ( من دعا بهذا الدعاء حلت له شفاعتي يوم القيامة ) ، كلمة مختصرة جملة معترضة ، هذه عقيدة من عقائد الوهابية زعموا ، هذا الحديث مشهور عند من يسمون أن يلقبون بالوهابية ؛ فأنتم ترون إجلال الرسول وتعظيمه ولكن الفرق بينهم وبين الآخرين الذين لا يهتدون بهدي الرسول عليه السلام وسنته كما جاء في البحث السابق أن أهل السنة يقفون ولا يتجاوزون ، لا يرفعونه عليه السلام فوق منزلة التي أنزل الله فيها بينما الآخرون يخاطبونه بما سمعتم
" فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم " .
الله أكبر ، رسول الله يقول ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم )، كأن قائلا يقول وهو يجيب عليه السلام بحكمته قبل أن يأتي السؤال كأن قائلا يقول ماذا نقول يا رسول الله ؟ أنت تنهانا عن مدحك فماذا نقول ، أو بعبارة أخرى ما هي العصمة حتى لا نقع فيما وقعت فيه النصارى ؟ قال : ( قولوا عبد الله ورسوله ) ، قولوا عبد الله ورسوله ؛ إذا معنى هذا أن لا نتشبه بالنصارى ؛ لكن هنا قد يجول في نفوس بعض الناس كما سمعنا ذلك مرارا وتكرارا النصارى قالوا عيسى ابن الله وكفروا وكذبوا ، والمسلمون والحمد لله لا يقولون محمد ابن الله ، الحمد لله أيضا أن المسلمين ما وقعوا تماما كما وقع النصارى ؛ ولكنهم قد وقعوا فيما يشبه ما وقع فيه النصارى وليس من الضروري أن يكون خطأهم كخطأ النصارى مائة بالمائة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى معلوم في واقع التجربة والحياة أن الشر الأكبر لا يأتي عادة إلا من طريق الشر الأصغر ، وهذا من وساوس الشيطان لبني الإنسان أنه لا يخرجه عن دينه ضربة واحدة ولكن يمكر به فيخطوا به خطوة بعد خطوة ؛ ومن هنا يتمكن الشيطان من إضلال بني الإنسان ؛ فالعصمة أن يقف المسلم عند ما أمره الله عز وجل ، من ذلك أن يعتقد في الرسول ما وصفه الله عز وجل في مثل قوله مثلا : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))، وأن يقف في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم على ما ذكره عن نفسه ، وذكرنا لكم آنفا أن الله قاله (( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ))، وهذا هو المقام المحمود حيث يشفع للبشر كلهم بينما يعتذر عن هذه الشفاعة من قبله من الأنبياء والرسل ، فيقف عند هذه الحدود التي فيها تعظيم الرسول ولا يغالي ؛ فحينما يقول المسلم المؤمن بكل هذا الحق الذي نقوله والذي يقال فيه لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان من كان كذلك كيف يخاطب الرسول فيقول :
" فإن جودك في الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم " .
هذا معناه سويناه مع رب العالمين ، صح ما قلنا والحمد لله إن محمد ابن عبد الله كما قالت النصارى في نبيهم ؛ لكن قلنا ما يساوي ذلك أو يزيد عليه حيث قال هذا القائل غفر الله لنا وله فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ؛ لنقف قليلا في هذا المعنى من الشعر أيش معنى فإن من جودك الدنيا ؟ جاء هناك في الحديث أنه عرضت عليه الجبال أن يقلبها ربنا عز وجل عليه ذهبا فأبى ، وقال جبريل عليه السلام له كن عبدا نبيا ورسولا ولا تكن ملكا ، فرضي بذلك ولم يقبل أن الله عز وجل يقلب له الجبال ذهبا ، كلام سليم ؛ فإن من جودك الدنيا ؛ لكن ما معنى العطف المذكور فإن من جودك الدنيا وضرتها ؟ شو هي ضرة الدنيا بلاشك هي الآخرة ، هل جاد الرسول عليه السلام بالآخرة ؟ هل يتصور أن يجود بالآخرة وأن يعرض عنها كما أعرض عن الدنيا ؟ هذا أمر مستحيل لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) للذين أحسنوا الحسنى أي الجنة ، وزيادة رؤية الله في الآخرة ، هذا النعيم الأكبر إذا شاهد المؤمنون ربهم يوم القيامة نسوا كل نعيم الجنة ، ذلك أشهى شيء لديهم في الآخرة ؛ كيف يقال إن الرسول أعرض عن الدنيا وضرتها ، جاد بها وأعرض عنها ؟ إذا وقفنا عند الدنيا كلام معقول ... لكن أن نعطف عليها الآخرة ، هذا أمر خطير جدا جدا ؛ ولكن مع الأسف هذا أسلوب الشعراء ، أسلوب الشعراء أن يغالي بعضهم ولا ينتبه أن هذا الغلو قد يترتب من وراءه شيء مخالف للشريعة ، كذلك الذي قال لبعض الحكام " ما شئت لا ما شاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار "، ماذا يعني بهذا ؟ أنه هو الملك الأعلى بالدنيا ، لكن وصفه بصفات الله عز وجل ،
ما شئت لا ما شاءت الأقدار*** فاحكم فأنت الواحد القهار ، يصف الرسول فيقول : " فإن من جودك الدنيا وضرتها "؛ يا جماعة افهمنا من جودة الدنيا نقطة نقطة حديثية كما أقول أنا أحيانا ، شلون تكون النقطة الحديثية ؟ علماء الحديث كانوا إذا كتبوا جملة جملة كاملة أداروا دائرة في آخرها وتركوا جوفها فارغا ، هذا شيء جميل جدا ما نعرفه اليوم ؛ فإذا ما أعيد مقابلة هذه الجملة بالأصل يعني من قبيل تصحيح التجارب اليوم التي تطبع وضعت النقطة في الدائرة أي كل من يرى هذه الجملة في آخرها دائرة ، وما فيها نقطة بتكون غير مقابلة ، غير صحيحة ، ممكن يكون في خطأ ؛ أما إذا كانت الدائرة فيها نقطة بتكون مقابلة وهي صحيحة ؛ رايح نقول الآن فإن من جودك الدنيا دائرة ووسطها نقطة ، آمنا وسلمنا ؛ ولكن ضرتها ؟ هذا ما يجوز إطلاقا أن نقول عن الرسول أنه جاد بالآخرة كما جاد في الدنيا لأنه معناها أنه لا يفكر أبدا أن يرى الله في الآخرة ، فكيف يصح أن يوصف الرسول عليه السلام بمثل هذه الصفة حاشاه من ذلك ؛ لكن هل وقف الشاعر عند هذا ... حيث عطف الآخرة على الدنيا ؟ لا ، قال " ومن علومك علم اللوح والقلم " الله أكبر ، ما قال إن من علمك ؛ لأن وزن الشعر يضطرب ، لازم الشعر يكون موزونا فلازم يقول أيش ؟ من علومك ؛ لكن هذا خطير جدا ، معليش يغتفر في الشعر يقول الذي ينظم الشعر يرتكب فيه أشياء لا يجوز حتى في اللغة العربية ، هذا لضرورة بلوغ الشعر أي نعم ؛ لكن ما وقفوا عند هؤلاء حتى في المعاني ... من علومك ؛ إذا الرسول عليه السلام له علوم ، علوم غير أيش ؟ علم اللوح والقلم ؛ ما هو علم اللوح والقلم ، كل شيء وكل شيء في القرآن الكريم أيش ؟ وكل شيء مستطر ، يعني مستطر يعني كل شيء .
السائل : (( وكل صغير وكبير مستطر ))
الشيخ : أحسنت (( وكل صغير وكبير مستطر )) جزاك الله خيرا ؛ والرسول عليه السلام بيّن هذه الحقيقة أنه كل شيء مستطر في اللوح المحفوظ ، قال في الحديث الصحيح المشهور الذي رواه أبو داوود في سننه والإمام أحمد في مسنده بالسند الصحيح : ( أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) إذا كيف يوصف الرسول عليه السلام بأنه علم ما هو مسطور إلى يوم القيمة ؟ وليس هذا فحسب بل ذلك بعض علومه
"فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك اللوح والقلم " هذا غلو لا يرضاه الرسول عليه السلام الذي قال في الحديث السابق ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )، الرسول عليه السلام لما ذكر في القرآن نادرا ما يذكر باسمه لكنه لما أثنى عليه بتلك المعجزة التي اصفطاه الله عز وجل بها على كل الأنبياء ألا وهي معجزة المعراج أو الإسراء والمعراج ، ماذا قال عنه ؟ (( سبحان الذي أسرى بعبده )) لأن هذه الكلمة فيها تشريف ما بعده تشريف لمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولجهل الناس بهذا المعنى ما يكتفون به ولا يقفون عنده بل يضيفون إليه أشياء وأشياء من باب التعظيم ؛ فهنا أنا أقول بكل صراحة القصد حسن لكن اللفظ سيء ؛ فليكون المسلم على الخط المستقيم يجب أن يكون لفظه وفعله كقصده حسنا ، فلا يكفي الإنسان أن يقول كلمة وتكون خطئا ويقول بعدين والله أنا ما قصدت هذا ، أنا قصدت كذا وكذا ، أنا قصدت تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فنحن نقول في هؤلاء الناس الذين يتناشدون بعض الأبيات والشعر ومن ذلك هذا الشعر نقول إنهم يريدون مدح الرسول عليه السلام والثناء عليه ولكننا نقول " أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل " بدكم تمدحوا الرسول عليه السلام ؟ بتمدحوه بالحد الذي وضعه لكم ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )، لو كنا نهتم بقراءة السنة التي قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنها : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) لو أن المسلمين تمسكوا بسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لما تفرقوا مذاهب شتى وطرائق قددا بل لكانوا على هذا الخط المستقيم ، لو درسوا السنة ماذا نجد في السنة ؟ الذي يجد في السنة ما ذكرته آنفا وزيادة على ذلك يجد في مسند الإمام أحمد الحديث التالي ( جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا فقال عليه السلام قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) لا يستجرينكم الشيطان لا يجركم بهذا الدهليز ، دليل بسيط أنت سيدنا هو بلاشك عليه السلام سيدنا بلاشك ؛ لماذا ؟ لأنه قال في الحديث الصحيح : ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) ( أتدرون مما ذاك ؟ ذكر الحديث السابق تبع الشفاعة ، أتدرون مما ذاك ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال يجتمع الناس في صعيد واحد ... ) إلى آخره ؛ فهو سيد الناس بحق ، وفي الحديث الآخر ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة فهو لاشك سيد البشر جميعا كما في هذين الحديثين وفي غيرهما ؛ لكن مع ذلك ماذا قال لهم ؟( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم )، وهم قالوا له أنت سيدنا كلام صحيح ، ولكن قال ( ولا يستجرينكم الشيطان ) يعني يتسلسل بكم من كلمة إلى أخراه ويوصلكم إلى تلك الكلمة .
" فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم " .
وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد أيضا أن رجلا قال للرسول عليه السلام ( أنت سيدنا ، قال السيد الله ) السيد الله ، لماذا أنكر عليه ؟ وهو كما قلنا آنفا هو سيدنا بحق ، خشى أن يؤدي بهذا الإنسان في مدحه للرسول عليه السلام بكلمة نحن ندين الله بأنه سيدنا أن يرتقي به إلى ما لا يجوز أن يمتدح عليه السلام به ، فقطع عليه الطريق وقال السيد الحق هو الله تبارك وتعالى ؛ لذلك نحن ننصح المسلمين طبعا ليس لنا كلام مع الزنادقة والملحدين إنما كلامنا مع المسلمين الصالحين الذين يخافون الله ويرجون يوم الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ننصحهم أن لا يضيعوا جهودهم في هذه الحياة الدنيا وراء أفكار وعقائد وعبادات لم تأت في السنة ؛ فقد سمعتم آنفا قوله عليه السلام في قصة الرهط ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) هذه نصيحة نوجهها لكل إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لعل الله تبارك وتعالى ينفع بها .
السائل : شيخنا في سؤال يعني إذا تفضلت علينا ؟
الشيخ : تفضل يا أخي .
السائل : الوارد عنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الفجر يوما ثم صعد المنبر فخطب الناس وحدثهم إلى صلاة الظهر ، ثم صلى وصعد ثم خطب وأخبرهم بما هو كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، يقول الصحابي حفظه منا من حفظه ونسي من نسيه وأنه لتمر علينا الحادثة فأتذكرها كما يتذكر النائم شيئا رآه في منامه ؛ فالإمام البوصيري لما قال ومن علومك اللوح والقلم فهو قال حدثنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهذا يطابق قال له اكتب ، قال وماذا أكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ؟
الشيخ : جميل ، أولا والحمد لله هذا الحديث صحيح وفي صحيح مسلم ؛ ثانيا كلمة حدثنا بما هو كائن يوم القيامة يحتمل يا أخي أن يكون تحديثه عليه السلام تحديثا بالأمور الهامة وليس بالأمور التفصيلية التي لا يستطيع أي بشر أن يعيها وأن يدركها مهما أوتي علما وقوة من الله تبارك وتعالى ، بمعنى أنا أقول معك فرضا وجدلا من الممكن أن الله عز وجل يصطفي نبيه عليه السلام بما يشاء فيحفظه فعلا ظاهر هذا الحديث الصحيح أي ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ لكن كيف ذلك وهو يحدث ناسا غير أنبياء وغير رسل وطاقتهم محدودة وليس لهم تلك الصفة التي اصطفى ربنا عز وجل بها نبينا عليه الصلاة والسلام ؛ ولذلك بارك الله فيك لا يجوز أن تفهم الحديث وأنا أقول يمكن جاءت مناسبة آنفا ونحن على الطعام لا يجوز أي نعم والآن أذكر هذا المثال لأن الحقيقة سوف يساعدنا على فهم هذا الحديث الصحيح ، لا يجوز أن نفسر حديثا من أحاديث الرسول عليه السلام وقوفا عنده فقط وإنما توسع دائرة النظر ، وننظر في الأحاديث الأخرى ، وهل تساعدنا على أن نقف في فهمنا لهذا الحديث الصحيح بالمعنى الواسع الشامل العام كما قال تعالى : (( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها )) أم المعنى يكون أضيق من ذلك ؛ آنفا تحدثنا على الطعام سأل سائل عن حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من ادان دينا وفي نيته الوفاء به ثم لم يف به وفّى الله عز وجل عنه يوم القيامة )، قلنا هذا الحديث صحيح وبهذا الحديث يفسر حديث آخر وهنا الشاهد قال عليه السلام : ( يغفر للشهيد يوم القيامة كل ذنب إلا الدين ) إلا الدين ؛ فهل نفسر هذا الحديث إلا الدين مات الشهيد وعليه دين فلا يغفر هذا الذنب منه ولو كان ناويا الوفاء ؟ نقول لا ، لأن الحديث الأول يفسر ويخصص الحديث الثاني ؛ ... فحديثك هذا يشبه حديثنا الثاني ، إذا نظرنا إليه وحده يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ، والله هذا شيء خطير خطير جدا ، جاهد في سبيل الله ومات في سبيل الله ولا يغفر له ذنبه حيث مات مدينا لبعض المسلمين ، لا ، هذا ليس على إطلاقه وشموله وإنما هو مخصص بما إذا كان ليس في نيته أن يفي الحق لصاحبه ؛ هنا هذا مثاله تماما هذا الحديث الذي تفضلت به ، لاشك أننا نفهم منه أن الرسول عليه السلام علمه الله كل كبير وصغير وأنه كما قال تعالى : (( ما يغدر صغيرة ولا كبيرة )) لكن لا هذا غير صحيح وإنما معنى الحديث أن هو علمه أشياء جوهرية أساسية كمثل أشراط الساعة الكبرى ونحو ذلك من الصغى التي يهم المسلمين أن يتعرفوا عليها كما قال تعالى في القرآن الكريم : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول )) هنا الآن نحن نقول كلمة غيبية هنا كحديثنا السابق تماما هل ربنا يطلع الأنبياء على غيبه كله ؟ لا ، قال علماء التفسير على ما يراه ربنا عز وجل أن يعلم من شاء من الرسل يطلعه على بعض المغيبات وليس على كل المغيبات ؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كل نبي إذا علّمه الله علما وجب عليه أن يبلغه المسلمين تماما كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وهو حديث لسنا الآن في صدده ، تقول هي فيه " ومن حدثكم بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا أمر بتبليغه (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) قالت من حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية " فإذا ربنا عزوجل كما قال : (( فلا يظهر على غيبه )) أي على بعض غيبه ، تقدير مضاف محذوف لأن النبي ولو كان مصطفى كما قلنا مش ممكن يصير إله ثاني في علمه في إحاطته بكل شيء سيكون حينئذ صار شريكا ؛ وهنا بارك الله فيك تحملني شويه ولو توسعت شيئا قليلا ، هنا نتذكر شيئا مهما جدا يتعلق بعلم التوحيد ، الله تبارك وتعالى واحد في ذاته فليس هناك ما قال الكفار من النصارى إن الله ثالث ثلاثة ، لا ، إنما هو إله واحد (( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )) فالله واحد في ذاته خلاف قول النصارى وهو واحد في عبادته ، فهو إله واحد أي وليس كما يقول المشركون العرب ويقولون حتى الآن ليس الأمر كما قالوا (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) فالله واحد أيضا في عبادته ؛ فمن اعتقد أن الله واحد في ذاته لكن عبد معه غيره فما وحده ؛ والتوحيد الأخير أن نقول بعد أن قلنا واحد في ذاته وواحد في عبادته وواحد في صفاته فلا يجوز للمسلم أن يعتقد بأن الله عز وجل أطلع نبيه على علم الغيب كله ؛ لأنه صار شريكا معه في صفة الغيب لا يعلم الغيب (( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )) أليس هكذا الآية إن شاء الله ؟
السائل : (( وعنده مفاتح الغيب )) .
الشيخ : كويس ، لا نحن ما يناسبنا الآن الآية هذه ؛ لأن هذه مفاتيح يعني الرؤوس مجامع ؛ لكن نحن نريد الآن التفصيل فنقول (( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب )) أي كل الغيب إلا الله تبارك وتعالى ؛ انظروا يا إخواننا وتعلموا واعلموا أن العلم ليس بأنه الإنسان يسلط عقله في آية ويقول ها (( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )) إذا الرسول لا يعلم شيئا من الغيب ، هذا خطأ لماذا ؟ لأن الله قال في الآية السابقة (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول )) كمان لا تقفوا عند قوله : (( فلا يظهر على غيبه )) كل الغيب ، لا ؛ لأنه واحد في صفاته كما هو واحد في عبادته كما هو أيش ؟ واحد في ذاته ؛ فلا يجوز لمسلم أن يعتقد أن الله أعلم نبيه عليه السلام بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ لأن هذه صفة الله عزاوجل ؛ بقي شيئ آخر أشرت إليه آنفا لكن أريد أن أدندن حوله قليلا وأرجوا أن لا يكون كثيرا وهي إذا كان الله اصطفى نبيه عليه السلام بأن أعلمه بكل الغيب ، من هذا الإنسان الذي يحيط بعلم الرسول عليه السلام ويدعي أنه حفظه ؟ نحن نقول الآن أستاذ ماهر في أي فن قلته ، وله تلميذ من أذكى الناس وأكيس الناس وأحفظ الناس ، شو بده يحفظ ليحفظ من علمه ؟ الشيء القليل ؛ إذا هذا الأستاذ العاقل رايح يصيب العلم كله في صدر هذا الطالب ؟ رايح يكلفه رهقا ويكلفه شططا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ؛ فمن هذه الحيثية التي تنافي الطبيعة البشرية مش معقول أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لو أن الله أعلمه بكل شيء وجعله شريكا معه في العلم بالغيب ، مش معقول أنه يحدث الناس بما لا يتحملونه لا يطيقونه ؛ فخلاصة القول بارك الله فيك أن مثل هذا الحديث يجب أن يفسر على ضوء عقيدة المسلمين المستقاة من كتاب الله كله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه كله ولا نقف عند حديث واحد ؛ ولذلك أنا أقول لك الآن كلمة الختام في هذه المسألة نحن ندعي بأننا أولا مسلمون جميعا والحمد لله لكن في شيء آخر ندعيه وهو أننا نحترم سلفنا الصالح من صحابة وتابعين وأئمة المجتهدين ، تلقينا من طريقهم على الكتاب والسنة والفقه والعقيدة ، فمن علماء المسلمين يقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علمّه الله كل شيء كما قال في حديث القلم ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) بناء على حديث مسلم ، لا أعلم مسلما عالما سبقنا إلى مثل هذا ؛ ولذلك لا يجوز لإنسان أن يقول خلاف ما قال علماءنا من قبل على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم .
السائل : المعروف عن فضيلتك سيدنا الشيخ أن الصحابة كانوا أصدق الناس وأدق الناس في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن أحدهم كان لا يتحدث حرجا من مخافة أن يقع في شيء من النسيان ... ؟
الشيخ : صح .
السائل : فنحن وصلت إلينا الرواية على لسان الصحابي بدقة حدثنا بما كان وبما هو كائن ، و الصحابة يستطيع أن يقول حدثنا بمفاتيح الأشياء أو حدثنا بجملها أو حدثنا عظائمها إنما قوله رضي الله عنه بما كان وبما هو كائن يعني السبل ، هذا واحد ؛ الشيء الثاني أن الصحابي يقول حتى ما من سرية إلا وعلمنا عنها وعلمنا عن قائدها والسرية معروفة عندك المجموعة الصغيرة ؛ أما قولك إن الله سبحانه وتعالى إذا أطلعه على علمه أصبح له شريكا ، فهذا يعني لا يقال به لسبب واحد طالما أنا أسدنا الأمر إلى الله عز وجل ، فقلنا أطلعه فأصبح مخلوقا هذا واحد ؛ الشيء الثاني ومعروف عند حضرتك أن الله سبحانه وتعالى شق له من أسماء الحسنى ما هو موجود في القرآن الكريم قال : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) وهذه من الأسماء الحسنى ، إنما نقول كالتالي قال في حق سيدنا إسحاق (( بغلام عليم )) ، وهذه من الأسماء الحسنى كمان ؛ لكن إذا أسند العلم إلى الله عز وجل فهو قديم ولا يشاركه فيه أحد فإذا خرجت عن الله عز وجل فهو حادث بالنسبة للمعلوم للنبي عليه السلام ، فلو أطلعه على الغيب وقول الصحابي صريح بأنه أطلعه بما كان وبما هو كائن ، فهو علم حادث بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم محدث ، فلا تعني به المشاركة بحال ولا تعني أن رأفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عين الرأفة الإلهية ... ولا الرحمة النبوية هي عين الرحمة الإلهية ؛ لأن الرحمة الأولية أزلية ورحمة النبي عليه السلام حادثة مخلوقة فيه ؛ كذلك علم سيدنا إسحاق علم حادث بينما علم الحق جل جلاله أزلى ؛ فإذا الإمام البوصيري له وجه عند ما قال " ومن علومك اللوح والقلم "، يعني هذا الحديث مر عليه والرجل ليس بجاهل ولا مشرك بل كان في قرن فيه علماء وفيه أهل توحيد ويعلمون الغث من السمين ، فلو كان مشركا لردوا عليه ؛ ثم المعروف أنه ... .